احلمي يا فاطمة ، واهذي
صفحة 1 من اصل 1
احلمي يا فاطمة ، واهذي
احلمي يا فاطمة ، واهذي
بقلم : محمد يوسف جبارين (أبوسامح)..أم الفحم ..فلسطين
قولوا هذا هذيان .. قولوا أي شيء ، فعندي طالما أن الكلمات تهذي فثمة حافة للجنون تقاربها ارادتي ، فيعلو بي حسي ، بأن أحطم قيدي ، وأهجم على الحواجز التي تتراكم على دربي ، وأمضي بأمل يأبى أن يختنق ، أتنفس حريتي وأنتعش بنظام للحرية أراه يحكم سير الحياة . فاطمة مثلي ماطرة يومها وليلها أسى على بؤس حال نشقاه ويشقينا ، وهي أبلغ مني بأنها تفلسف الأمل وتستخرج دربا اليه ، في هذا الواقع المرير الذي يكاد عبق العطر لا يجد له فيه مكانا ، فهي تريد هيكلة أخرى في بنيوية أخرى يرتسم على جبينها الأمل ، وعندها تشرق الشمس ، فأما ظلام النهار وظلام الظلام ، فباق بلاها ، ونظل بغير التغيير لا نرى سوى العتمة ، ففاطمة لا تعرف كيف يمكنها أن تكون رئيس عصابة ، لكي تستطيع أن تصبح رئيسا لقطعان سائبة من الأغنام ، فتنشغل بالتسمين والذبح ، وبيع الحليب واللحم والعظم ، فهي بانسانيتها ، بثقافتها ، بوعيها ، لا تحتمل أن يوصف الشعب بالقطيع ، ولا حاكم البلد بالراعي للقطيع ، فليست وظيفة هذا الحاكم أن يهش أغناما ، ولا ذاك الشعب بالقطيع من الماشية ، وعلى حد وعيها وحبها لأمتها ، بأنه اذا ثمة من يرانا خارج كوننا بشرا ، ونحيا خارج انسانيتنا ، فبلاوعينا نحيا خارج وعينا ، ونحن بلاوعينا ندير ضياعنا ، فكل أمرنا خارج مرادنا ، فنحن غير ما تعني نحن فمن نحن . شاهت صورتنا ، فلم نعد نعرف كيف نتعرف الى أنفسنا ، واذا أردنا أن نعرف نتوه ، اذ لا نجد نطاقا غير مخيالنا نجد فيه نحن بنفس وعينا بنحن ، فخارجنا ، وبوعينا ، ننظر ونرى وننكر ما يراد لنا أن نصدقه بأنه نحن ، فلسنا بحال هذا الموصوف بدالة نحن ، فمن ترانا نكون ، فلربما لم نكن ، فليس ثمة ما يدعو الى البحث عن نحن في واقع ، فكيف نفكر بأن نكون ، أمن العقل أننا وهم ، وانما وهم ينزع الى تفكر في وهم ، وما الحياة التي تنخدع بها حواسنا سواها حياة الواهم ، فتوهم حياة يستولد حياة وهم ، وهل هي عقلنة الوهم يمكنها أن تستوى على انتاج عقل للوهم ويكون هو هذا الذي مساحته الوهم وما يدب في أرجائه من علاقات ، فكيف نفكر ، أم ترانا سرابا ، نتوهمه ماء ولا وجود للماء ، نظنه نحن وليس ثمة شيء من ذلك ، فثمة وهم ومتوهم ودالة على موجود وحيرة ، فلا بد أننا بشكل ما موجودون ، واذا الشك مولود الواقع يثير الريبة في تصديق بأن موجودية كهذه بذات كينونة في سيرورة واقع ، فبالامكان في غمرة التيه الافتراض بحثا عن تصديق أو تكذيب للفرضية ، ، فأين نحن ، هات يا فاطمة قولي لي من عند حافة الجنون ، أو من داخل الجنون كيف يمكنه العقل بلا الجنون أن يكون عاقلا ، أو كيف يمكنه العقل من دون الجنون أن يكون فاعلا ، تتوه فاطمة ، تستحضر الأمل وتهذي ، فبأي بناة يكون التجدد ، وهل من بنيوية لا تحتاج تجددا ، فاستخراج الكل من الكل تصفير امكانية لأية فعل ، فكيف الاستيلاد لميلاد آخر ، باعتقادها الذي يتشكل به ضميرها ، لا يمكنها الا أن تكون كما كانت دوما ، تفكر بلغة غير لغة القطيع ، وغير لغة الاستبداد ، والتفرد بالسلطة والمال ، وما يليه من ضرورات حماية الاستفراد والهيمنة ، وما يتبع ذلك من استخفاف بقيمة الانسان ، فهذا كله متناقض بالتمام مع رؤيتها للحياة ، وللسياسة ، لكنها تعرف بأن الحرية الغائبة اذا تنازلت عن غيابها ، أو تم استحضارها بالاعلاء من شأن الانسان وكرامته ، وأصبحت انسانيه الانسان حاضرة تؤثث لمنطق يتم به تناول جملة العلاقات في الحياة ، فتأسيسها على دعائم من الحرية ، فيمكنها فاطمة عندها أن تفكر مليا بالطريق الى حلم لم يزل يغمرها وتحلمه في صحوها ونومها ، ومن دون أن تخشى نوما لا تفيق منه بنزعة حقد ، أو بأكلة تأخذ بها الى القبر برغبة سيطرة ، أو شرابا تظنه ترياقا فلا تفيق بعده باندلاق قهر ، فهي تهذي بكل وعي تبحث به عن خلاص من حالة الراعي والقطيع ، التي تضيق بها كلما استشرف عقلها وطنها العربي ، فهي لا تستطيع أن تستوعب كيف يتصرف حاكم مع مواطنين بحال يبدو فيه وكأنه الراعي الذي يهش أغناما أو خرافا ، وانما هي قبل أي شيء تريد أن ترى الحاكم الانسان ، فكذلك ترى نفسها فيما لو شاءت لها ظروفها أن تحقق حلمها بأن تقود شعبها ، فطموحها الذي يطل عليها من أعماقها يقول لها بأن تصبح بلقيس ، أو زينب ( الزباء ) ، او يكون لها الدور الريادي الذي يشرب في مجرى أيامه دورا في مستوى الفكر والريادة ، يشبه في مضمونه دورا كانت ترتاده عائشة ( رضي الله عنها ) ، وتنظر فاطمة بكل وعيها في جملة الواقع ، في تعقيداته وتراكيبه ، في سيرورته من حال هو عليه الى حال في مستوى أحلام تراودها ، فتصاب بالهذيان ، فتهذي ، وأصيخ السمع لها ، وتبهرني ، وأقول لها :
احلمي يا فاطمة، احلمي ، فالحلم هو الذي بلاه لا نعرف أيان تجري بنا الأيام ، احلمي يا بنت العرب ، فليس مثل الحلم يوقد الفكر ويشعل الوعي توقدا ، ويلهب النفس أملا ويفتق العقل فكرا .. هو الحلم يا أخت العرب ..احلمي .. فأنت موجودة ، اذ كيف تقيم دليلا على وجودها فاعلا في الوجود من لا تضيق بواقع اليم ولا تحلم بخلاص ، فاحلمي وابسطي حلمك في كل سطور الوعي .. فهنا بنت العرب تهتف ، اني أريد أن أصبح قائدة لكم ..زعيمة تسوس أموركم ، لقد قدم الرجال كل ما لديهم من البؤس الذي ابتئست به دنيا العرب ، وكان رجال غيرهم نهضوا بالعرب نهضة الكرامة يقاومون الغزو ويطاردون الغزاة ، فمنهم من عانقته الشهادة ومنهم من لم يزل في وعيه جمال الدنيا يعني أن ينتصر للكرامة والحرية ، فليس مثلها ماء يروي النفس العربية العاشقة مجدا وسؤددا ، فأن يحيا العرب كرامتهم يعني أن تنهض بهم الكرامة وتأخذهم الى دروبها ، ويمضون في زحف الكرامة نحو الكرامة ، فكرامة الوطن تنادي وكرامة العيش تهتف .. هيا خذوني ، وكرامة الانسان الذي جردوه من امكانية أن يحيا بكرامة تلح ، أين أنت يا فاطمة ..أين أنت يا كرامة ..أين أنت يا حرية ، أين ثروات بلادي ، أين جهود أبناء العرب ، أين العقل ، أين دوره ، لماذا الناقص تزوج القسمة ولم يعرف طلاقا لها ، لماذا طلاق جار للعزة ولتوظيف المعرفة والعلم ولجعل الثروة في المشترك بين كل العرب ، لماذا الأجنبي ينهب بلادي ، لماذا أبناء من بلادي أتباع لسارق بلادي ، لماذا اللصوص اجتمعوا في كل واد من بلادي ، لماذا الذبح في رقاب الكرامة لا يتوقف في بلادي . يا فاطمة اذا خطرت على بالك ثروة بلاد العرب ، فسرعان ما تجدينها مضروبة بناقص فاذا هي مسلوبة ، ناقصة ، فأين هي ، سرقوها ، سلبوها لنبقى فقراء يا فاطمة ، وليبقى الأجنبي أقوى منا وقادر على حماية الأذناب والذئاب في بلادي ، وذلك لكي يظل ينهش في عظامك وعظامي ، واذا خطرت على بالك وحدة التراب العربي ووحدة الأمة العربية ، تجدين القسمة هي الفعالة التي لا تتوقف ، فالوحدة الواحدة قسموها على عدد ، ثم انتبهوها ، فاذا هي القسمة بوعيهم لا بد تكون راضية ، فقاموا بتشغيلها ، وهكذا المقسوم تتم قسمته ، ومن دون توقف حتى تجدين العربي أحيانا يحس بأن مواطىء قدمية تتم قسمتها الى عدد يذهله ، فلا يجد في وطنه العربي الكبير موطأ قدم له فيرحل الى بلاد بعيدة ، باحثا عن العلم وتحقيقا لذاته في فروعه ، أو باحثا عن طعامة ، فهناك يجد أشغالا شاقة لربما يجد بها بدلا عن الموت قهرا في بلاده ، فاذا الانسان في بلاده ويفكر بمصيرها ، ويتألم عميقا ، ويجيد التعبير عن معاناته بكلمات تقطر من لسانه أو من قلمه ، فهنا تترصده خطورة لربما تنقض عليه وتفترسه ، فتأخذه الى قبر ، أو الى جحيم في سجن ، أو الى طرد من عمل ، أو الى مرارة تظل تعتصره حتى ينصهر بقوة القهر والحسرة فيتلاشى في كلمات أو في قصة يطاردونها ، يحتجزونها ، فالفكر مطارد يا فاطمة ، فهو خطير على الجهل وعلى التبعية وعلى الضياع ، فليس غير الضرب على رأس الفكر وعلى رأس الحرية وعلى رأس الوحدة ، انهم فرحون يا فاطمة بالتجزئة والفرقة والتبعية ، فهي توفر لهم المعاش والكرسي والوظيفة ، ويظنهم الناس اعتباطا بأنهم حراس لغير ضياعنا .وليس سواه المرعوب من الجمع ، محترف القسمة ، الناقص ، الذي ليس له الا الضرب على رأس كل جمع ، فالجمع خطير على مصالحه . وما وحدة العرب سوى مصيبة تنزل على رأسه ، تماما كما نزولها كارثة على الاستعمار وعملاء الاستعمار .. الرجعية المتحالفة معه ، فالجمع بقياس ناقص لا يجاز .. بوعي صيصان على موائد اللئام لا يجوز ، كيف يجاز هذا الجمع بوعي ناهب سالب بائع لكرامته في سوق الأفيون ، فلا غير أن نضيع في منطق اللصوص ، نتبعثر ، نتشتت ، فأما الجمع .. الوحدة ، علوم الطبيعة ، فان في هذا ما يؤدي الى أن تكون ثروة العرب للعرب ، ومصير مشترك وجيش واحد ، وأمة تتهيأ لتقيل عنها نعاسا وركودا ، وتستأنف دورها في ارتقاء سلم التطور ، وتنمو وتحلم بأن توفر الأمن والأمان لنفسها بنفسها ، وهو ما لا يمكنه أن يتحقق بغير الحرية والعدل والانتصاف للحق بالحق عند كل شاردة وواردة تخص الانسان ، فحرية واشتراكية ووحدة ..هو هذا الجمع الذي هو عدو كل المفلسين الذين لا يتركون لنا حين نتأمل واقعنا ، وننظر أحلامنا ، سوى صراخ العنف بأن نكف ، فلا أن نتأمل واقعنا بعقل باحث عن وعي بمشكلاتنا ، ولا أن نحلم بمستقبلنا .. فغاية مقتهم أن نيأس ، وهو خلاصة مراد الهبوط بأفقنا الى ما دون أن نفكر بما يدعى حرية ، أو ما تمليه وينبثق عنها ، ألم يأتيك يا فاطمة نبأ من أرعبوه بكل ذل حين عرفوا بأنه يحلم ، فلهذا التحدي يعني أن نحلم ، فمن حقنا هذا ، يا فاطمة .. فالأسير بين أحواط زنزانة يحلم ، فلماذا هم يرجفون من مجرد أن نحلم ، أتدرين لماذا ؟ ، فهو هذا الذي يعني أن يتكامل لنا موقف ، من كل ما نراه من سلب وقسمة وضرب ، وجمع كل مصيبة ينزلونها على رؤوسنا ، فأن نحلم يعني أننا عرفنا أنفسنا وعرفناهم ، وعرفنا كيف نميز ما نريد وما لا نريد ، فبين مصلحة لنا ومصلحة لهم ثمة مصلحة ، وهي أن لا يقدروا على أن يحققوا بنا لهم مصلحة ، وهذا رفض يقابله عنفهم المتمثل بأن لا يكون لنا مصلحة غير ما يرونه هم أنفسهم بأنه مصلحة لهم ، فسيد وعبد ، والعلاقة بينهما فارغة من حرية وعدل وحق ، فالحرية مأكولة ، والعدالة مفرومة ، والحق محظور ذكره على لسان ، ولا حتى أن تلهج به أنفاس ، وليس له في همس أن يبان ، فلا حرية ولا اشتراكية ولا وحدة ، فهي عملية الاحالة على مرتبة الصفر ، فواحد وكل الآخرين أصفارا ، فكيف الصفر يغرد أو يصفر ، وأية حضارة يبنيها عريان وجائع ، فالمقهور شاغله خلاصه من قهره ، فبأي شعب يريد حاكم شعب أن يبني مجد أمة ، أو يدير عجلات النمو والتطور ، فقد أحالهم الى ما دون المقدرة على انتاج أو ابداع ، أرسى فيهم أمرا واحدا ، أن يحلموا بأن يحسوا يوما بأنهم ينتمون الى البشر ، وبظني بأن في وجود المرآة بعض خير ، فاذا نظر فيها مخلوق باحثا عن حال حال اليه ، يتوثق عندها بأنه في حقيقته ليس أتانا ولا سيارة وانما هو من شاكلة بني الانسان ، وهي معلومة هامة تأتي على غير ما تقول له معاناته بأنه لربما يكون من نوع مختلف ، من الذين تم خلقهم ليكونوا في الحياة مضروبين بناقص ، فمن غير السلب ، لا يتأتى لهم معاش ، أو يبقون على قيد حياة ، فالأنفاس باقية ما بقي المسلوب شاكرا من يسلبونه عافيته ، فلا غير التحادد بين حرصنا على بلدنا وبين نهبهم لها ، فاحلمي ..وأنا معك بأننا بعمق فهمنا لحالنا ، وادراكنا لواقعنا وللمسافة بيننا وبين آمالنا نصاب أحيانا بالهذيان ..نهذي ..نعم نصاب بالهذيان ..ونحن في أوج وعينا بدار يدور دائر يؤثث فقدان وعينا بحالنا ، فاللاوعي يسحبنا الى حدوده ، حيث دورة من صراع لا مفر ترسينا على حافة الجنون ، فأو الجنون وعودة الوعي ونكون ، أو اللاوعي والجنون فلا نكون ، فكيف الوعي لا يهذي بنا ، وكيف لا يقترب بنا الهذيان من حافة الجنون ، فأن نهذي أخف حالا من جنون في انتظاري وانتظارك يا فاطمة ، فأجمل لنا أن نحلم ..احلمي بأن تكوني الرئيس لهذا الجمع الذي يبرق به التيه وترعد به الحيرة ، فلا يقبض على ما يجمع ، وانما يلطم خده حسرة على ما يراه من فاعلية ناقص وضرب وقسمة في كل أرجائه ، فكيف لا نراك تهوين من رأس حلم يدور بك الى القاع وتغرقين في هذيان ، فهو حالي الذي تحيلني اليه ظروف في كثير من الأحيان ، وهو حال من به بعض قلق استقاه من نبع أسقاك شراب انتمائك فأحالك الى ما أنت عليه يا فاطمة ، فاهذي ، واحلمي واهذي ، واذا أصابك الجنون كما أني أراه سوف يصيبني ، فالحال من الحال ، فعلى الأقل لا نعرف بأن الجمع قد حقق ذاته في جمع كل الحالمين في عالم من الجنون . احلمي واني فخور بأنك تحلمي ، وأجد لك العذر حين أراك تدمعي على هذيان أصابني أمام عينيك ، فاحلمي وتأملي ولا تبتئسي ، فالمصير أن نصير الى ما نريد أن نصير اليه .. فكيف ؟ هو الحلم ، وعلى طريق الحلم لربما لا يكون مفرا من الهذيان ، فاحلمي يا فاطمة واهذي ، فواقعنا يوحي لنا بالجنون .
...............20/10/2010
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى