ملتقى الفكر القومي
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم, أنت لم تقم بتسجيل الدخول بعد! يشرفنا أن تقوم بالدخول أو التسجيل إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

ملتقى الفكر القومي
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم, أنت لم تقم بتسجيل الدخول بعد! يشرفنا أن تقوم بالدخول أو التسجيل إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى

ملتقى الفكر القومي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الاشتراكية في فكر البعث العربي الوقائع والطموح

اذهب الى الأسفل

الاشتراكية في فكر البعث العربي الوقائع والطموح Empty الاشتراكية في فكر البعث العربي الوقائع والطموح

مُساهمة من طرف بشير الغزاوي الأربعاء مارس 31, 2010 12:52 pm

الاشتراكية في فكر البعث العربي الوقائع والطموح




نظرة تاريخية


عداد:الرفيق بشــــــــيرالغزاوي تاريخ 1/4/2010

الحديث قد يطول كثيراً عندما نتحدث في موضوع الاشتراكية في فكر البعث لأسباب عديدة أهمها مفهوم ترابطها الكامل والشامل مع ثالوث شعار وأهداف وهي الوحدة والحرية والاشتراكية المتممة كل منها للأخرى، ورغم ذلك نقول ونؤكد بأن تزايد عدد الذين راحوا يكتبون عن حزب البعث وأفكاره، وراحوا يعرضون تاريخه للرأي العام، وجلهم إن لم نقل كلهم، لم يفوا الموضوع حقه، فضلاً عن أن بعضهم إن لم نقل معظمهم من غير العرب، وممن زعموا بأن غرضهم البحث العلمي وتدوين الحقيقة، ومع ذلك انزلقوا في أحكام وتقييمات ليست خاطئة فحسب، بل تفوح منها رائحة الميول الخاصة لكل منهم وبحسب غايته مما شوه المعنى الحقيقي والغاية المنشودة لموضوع البحث فابتعد عن الحقيقة والعلمية والتدوين التاريخي، كما أن الذين كتبوا عن الحزب من العرب ومعظمهم من الذين كانوا في يوم من الأيام من أعضائه فملّوا وتخلوا عنه، أو أن الحزب تخلى عنهم لأسباب كثيرة وواضحة لمن يطالع ما كتبه كل منهم فراحوا يسقطون أخطاءهم تارة على الحزب وأفكاره، أو يستهدفون من إبرازهم للأخطاء المضخمة استرضاء فئات وقوى سياسية معينة يطيب لها مقاومة الحزب والإساءة إليه داخلياً وخارجياً، بحيث يجد المطلع على ما كتبه كل من هؤلاء آراء وتعليقات تبرر وجهة نظرهم ورأيهم في الحزب وأفكاره وخلافاتهم مع هذا أو ذاك من الذين شاركوا في تأسيس البعث العربي في البداية ولاحقاً مع أعضاء آخرين في القيادات المختلفة في مختلف أقطار الوطن العربي من المحيط الهادئ إلى الخليج العربي، حيث تحول كل ما كتبوه إلى شريط ذكريات خاص لكل منهم.



مما تقدم من هذا المختصر لا بد أيضاً من التنويه بإيجاز شديد ومختصر أيضاً إلى الفترة الزمنية التاريخية والجغرافية التي نشأ فيها البعث وتبلورت فيها أفكاره ونظرياته الأساسية التي حددها بشكل عام في دستوره في نيسان/أبريل من عام 1947، كما نؤكد على أن تاريخ حزب البعث وأفكاره وتجاربه الماضية، لم تعد ملكاً له ولأعضائه، بل هي لكل مواطن عربي، كما هي لكل باحث عن الحقيقة التاريخية، حيث أن الفائدة تتحقق بالقدر الذي تتوفر فيه الموضوعية والحقيقة التاريخية، وهذا يتطلب الالتزام بالطريقة العلمية في فهم الأحداث ومن ثم تتابعها ومجريات الوقائع في فترة تأسيس البعث العربي وبعد ذلك عرضها على القارىء، وهذه الطريقة هي الوحيدة التي تعطي البعد الزمني لوقائع الماضي، ولحجمها الطبيعي، بحيث لا تضفي عليها المعاني والأوصاف فوق ما تحتمل، وأكثر مما كانت تعنيه في الظروف التي وقعت فيها، على الرغم من الأخطاء والنكسات برأي هذا أو ذاك كما برأيي، فأنه لا يضير ماضي حزب البعث النضالي الطويل، ولا يقلل من عظمة أفكاره وأهمية دوره في مسيرة الثورة العربية وتحولات النضال العربي ضد الاستعمار والرجعية وضد الرأسمالية.



نظرة تاريخية ثانية



وقبل أن نتحدث عن الاشتراكية في فكر البعث العربي أيضاً لا بد من التحدث عن تاريخ الفترة الزمنية والمكانية التي سبقت فترة نشوء الأحزاب وتطورها كي نصل إلى مفهوم الواقع المعاش آنذاك كي نصل إلى معرفة الأسس التي جعلت القسم الأكبر من أبناء الأمة العربية للقبول بنظريات البعث العربي الاشتراكي وقبولهم الانخراط في صفوفه، مضحين بأعز ما يملكون وهي أرواحهم في سبيل تحقيق الغد الأفضل الذي يتطلعون إليه.



لقد تعرضت بلاد العرب عبر التاريخ إلى حقب مختلفة من الغزوات الخارجية ومن ثم للاحتلال الطويل الأمد، ابتداء من عهود إمبراطوريات اليونان، والرومان، والبيزنطيين، إلى إمبراطورية الفرس ما قبل الإسلام، ومن ثم إلى حقبة الاستعمار التركي العثماني باسم الدين الإسلامي الذي استمر أكثر من أربعة قرون متواصلة، كانت بلاد العرب محتلة من قبل كل تلك الإمبراطوريات وقد اتسمت تلك الفترة بصورة عامة بالجمود والتخلف، وكي لا نغوص في التاريخ القديم نتحدث فقط عن حقبة قرون الاستعمار التركي العثماني التي كانت امتداداً لعهود الانحطاط والضعف التي انتابت العرب منذ أواخر العهد العباسي، بفعل ظروف وعوامل مختلفة، كان أبرزها انقسامهم وظهور الدويلات المتنازعة في ما بينها، كما في المرحلة الأخيرة من حياة الإمبراطورية العثمانية، حيث اشتدت ضغوط الدول الأوروبية عليها تأميناً لمصالحها، وطمعاً باقتطاع ما يمكن اقتطاعه من ممتلكات "الرجل المريض" أي الإمبراطورية العثمانية، ورغم ذلك لم يبدل العثمانيون في سياستهم تجاه الأقطار العربية، بل أمعنوا في فرض العزلة الفكرية والاقتصادية عليها، واستمروا في ممارسة سياسة الظلم والاستغلال، وتمادوا في سياسة العزل والإهمال، وعمدوا في تقوية الزعامات الإقطاعية والعشائرية، واعتمدوا عليها في سحق الطبقات العمالية والفلاحين وإذلالها، وعمد الأتراك إلى تطبيق التجنيد الإجباري من أجل سحب كافة الشباب العرب ومنعهم من القيام بأي تحركات أو نشاطات مناهضة لهم، كما تم سلب الأراضي والمحاصيل الزراعية من الفلاحين، فزاد الفساد وعمت الرشاوي، وعندما أطل القرن العشرون، كانت أفكار الثورة الفرنسية وأنباء الوحدات القومية لشعوب أوروبا، تفعل فعلها بين شعوب الإمبراطورية العثمانية، فظهرت جماعات من الأتراك تنادي بتجديد شباب الإمبراطورية العثمانية على أسس قومية حديثة، فتم خلق جمعية "تركيا الفتاة"، وكانت نظرتهم مستندة إلى نزعة عرقية ألا وهي "الرابطة الطورانية" التي تنبذ القوميات الأخرى وتحاربها وتسعى لإذابتها خدمة لأغراضهم التعصبية، من هنا كانت سياسة تتريك العرب، وما رافقها من اضطهاد، وما تبعها من محاولات لطمس لغتهم وتاريخهم، وإلغاء دورهم عبر التاريخ، ويلخص المفكر النهضوي عبد الرحمن الكواكبي 1954 – 1902 في كتابه (أم القرى) صفحة 121 – 122، "كما يستدل عليه من أقوالهم التي تجري على ألسنتهم مجرى الأمثال في حق العرب، فإطلاقهم على عرب الحجاز "ديانجي عرب" أي (العرب الشحاذين)، وإطلاقهم على المصريين "كور فلاح" بمعنى (الفلاحين الأجلاف)، و"عرب جنكنه سي" أي نوَر العرب"، ز"قبطي عرب" أي (النوَر المصريين)، وقولهم عن عرب سوريا "نه شامك شكريس ونه عربك يوزي"، أي (دع الشام وسكرّياتها ولا تر وجوه العرب)، وتعبير بلفظة "عرب" عن الرقيق وعن كل حيوان أسود. وقولهم "بيس عرب" أي (عرب قذر)، و"عرب عقلي" أي (عقل عربي) أي (صغير)، و"عرب طبيعي" أي (ذوق عربي) أي (فاسد)، و"عرب جكه سي" أي (حنك عربي) أي (كثير الهذر)، وقولهم "بوني يبارسه م عرب أوله يم" أي (إن فعلت هذا أكن من العرب)، وقولهم "نرده عرب طنبوره" أي (أين العرب من الطنبور).



هذا والعرب لا يقابلهم على كل ذلك سوى بكلمتين هي: (ثلاث خلقن للجور والفساد، القمل والترك والجراد)، والكلمة الثانية تسميتهم بـ(الأروام) كناية عن الريبة في إسلامهم، وسبب الريبة أن الأتراك لم يخدموا الإسلام بغير إقامة بعض الجوامع لولا نفوس ملوكهم بذكر أسمائهم على منابرها لم تقم"، وزاد في الطين بلة أن أعلن مصطفى كمال أتاتورك سقوط الإمبراطورية العثمانية عام 1924، في ظل الضعف المهين الذي آلت إليه تلك الإمبراطورية، وقد ألغى أتاتورك استعمال اللغة العربية كتابة وقراءة والتحدث بها، ومن الواضح هنا "أن الكره والنفور كانا متبادلين بين العرب والترك منذ مدة طويلة على الرغم من ولاء العرب "للخليفة العثماني" السلطان الجائر طوال فترة الحكم العثماني تقريباً، وذلك لاستقرار فكرة الدولة الدينية " الإسلامية" أولاً، ولعدم ظهور فكرة القومية لدى العرب إلا بعد منتصف القرن التاسع عشر، وقد تعود هذه النعرة إلى أيام المعتصم عندما جاء بالعلوج من غلمانه الأتراك وأسكنهم بغداد فثارت ثائرة الأهلين واضطر المعتصم إلى بناء سامراء أو (سر من رأى) وإسكان العلوج فيها"، كما ورد في كتاب (الفخري في الآداب السلطانية) لـ"ابن الطقطقي"، (طبعة مصر، بدون تاريخ)، صفحة 170، وكتاب (معجم البلدان) لـ"ياقوت الحموي"، (طبعة بيروت 1955 – 1957 الجزء الثالث صفحة 173 – 178). "والناظر في رسالة الجاحظ إلى الفتح ابن خاقان في مناقب الأتراك، لا يجد فيها ما يدل على الألفة والتفاهم بين العرب والأتراك، فالنفرة بين الشعبين عريقة لم يزلها الإسلام البتة"، كما ورد في كتاب (ثلاث رسائل) تحرير "فان فلوتن" طبعة (ليدن 1903) صفحة 1 - ­56.



وأخيراً نضع مثالاً واحداً من بين آلاف الأمثلة عن سيطرة الإقطاعيين على البلاد والعباد، ففي بلاد بشارة أو ما يعرف اليوم بمنطقة (جبل عامل) التي "تشكل جنوب لبنان وشمال فلسطين، والتي لا تزيد مساحتها على ثلاثمائة وأربعين كلم2، وعدد سكانها لا يتجاوز الخمسة آلاف نسمة في مطلع القرن العشرين، وقراها مائة وقريتان، بينها إحدى وخمسون قرية يملكها عائلات إقطاعية وثلاث وأربعون قرية تتوزعها ملكيات أو إقطاعيات صغيرة"، كما ورد في الجريدة الرسمية اللبنانية رقم 28 – 6/4/1967، بناء لإحصائيات عام 1965. مع الأخذ بعين الاعتبار أن الملكيات الإقطاعية أخذت بالتفتت منذ الحرب العالمية الأولى، هذا المثل نضعه من جنوب لبنان فكيف في باقي الأمصار العربية من العراق إلى فلسطين مروراً بمصر والخليج العربي وصولاً إلى باقي أرجاء الأقطار العربية التي كانت تئن تحت نير الإمبراطورية العثمانية التركية، حيث نجد في هذا المثال قلة من الأشخاص تمتلك معظم قرى وبلدات تلك المنطقة، مما أفسح المجال لفقر مدقع، وهجرات عربية من مختلف الأقطار كما إلى أمريكا هروباً من نير الاستبداد والظلم في ظل سيطرة عدد من رجال الدين من مختلف الديانات الذين كانوا يفسرون أقوال الدين وفقاً لمصالح السلطان العثماني وللإقطاعيين، نتوقف هنا عن هذا السرد التاريخي الذي أردنا منه الوصول إلى الأسباب التي أدت إلى الثورات العربية المتتالية وكيف ولماذا تم تشكيل الأحزاب العربية التي حركت المشاعر الوطنية والقومية.



هكذا إذن ثار العرب وتحرّكت مشاعرهم القومية، مما حدا الكثير منهم لتشكيل الأحزاب والجمعيات والتنظيمات التي أخذ بعضها طابعاً أدبياً، وراحت تهتم بقضايا العرب السياسية والقومية، مثل (المنتدى العربي)، و(العربية الفتاة)، و(حزب العهد)، و(الإخاء العربي)، و(الجمعية القحطانية)، وغيرهم الكثير، ويمكننا القول: أن الشعور القومي عند العرب، نما قبيل الحرب العالمية الأولى وبعدها، وغدا أكثر قوة وقدرة على تخطي الرابط الديني وتجاوزه، وقد عبّر العرب عن ذلك انضمام العرب إلى الحلفاء ضد الأتراك، ومطالبتهم باستقلال البلاد العربية، وتحقيق وحدتها، وكان أبرز المتحدثين باسمهم في تلك المرحلة الشريف حسين في الحجاز، وابنه فيصل في سورية، الذي قال قولته المشهورة: (إننا عرب قبل موسى وعيسى ومحمد)، و(الدين لله والوطن للجميع). كما ذكر ساطع الحصري في كتابه (يوم ميسلون - صفحة من تاريخ العرب الحديث) ص 92، و214.



ففي عام 1916 انطلقت الثورة العربية الكبرى بقيادة الشريف حسين من الحجاز الذي تحالف مع البريطانيين ضد الأتراك مقابل منح البلاد العربية الاستقلال، وعندما استتب الأمر للحلفاء نقضوا بوعودهم فتم احتلال سوريا ولبنان من قبل الفرنسيين، والعراق ومصر وفلسطين وباقي الجزيرة العربية والخليج العربي من قبل البريطانيين الذين منحوا "وعد بلفور" للصهاينة باقتطاع الجزء الأهم من قلب بلاد العرب ألا وهي فلسطين وإعطائها للصهاينة ليقيموا عليها دولتهم، كذلك سلخت فرنسا لواء اسكندرون من سوريا ومنحته إلى تركيا وقد أيد الشيوعيون السوريون فرنسا في موقفها بحجة "الانتصار للديمقراطية على الفاشية، من أجل صيانة السلم والدفاع عنه"، وكذلك تم سلخ أجزاء أخرى من سوريا وأقاموا عليها ما يعرف اليوم بـ"الأردن"، وهكذا تم احتلال باقي الأقطار العربية، مما زاد في تأجيج الصراع ضد المستعمرين الجدد وقيام الثورات المتتالية ضدهم، وبدأت الثورات ضد المستعمرين البريطانيين والفرنسيين في مختلف الأقطار العربية، ففي العراق انطلقت ثورة العشرين، وفي سوريا انطلقت الثورة السورية الكبرى بقيادة سلطان باشا الأطرش عام 1925، وكذلك في لبنان ضد الفرنسيين، وفي عام 1936 هبت سلسلة من الثورات الفلسطينية ضد البريطانيين في فلسطين، كما هبت الثورات في مصر وفي اليمن والمغرب والجزائر وباقي البلاد العربية دون استثناء، وهكذا إلى أن تم استقلال البلاد العربية بعد الخسائر الباهظة في الأرواح والممتلكات البريطانية والفرنسية فنصب المستعمرون الجدد دمى لهم من الملوك والرؤساء والأمراء إلى أن تم الاستقلال الاسمي في سوريا ولبنان منذ عام 1946، وفي الجزيرة العربية عام 1931، حيث تم تنصيب عبد العزيز آل سعود ملكاً على الجزيرة العربية بعد أن تم منحها اسماً جديداً وهو المتداول اليوم باسم "المملكة العربية السعودية" وكذلك في باقي دول الخليج العربي التي تم تقسيمها إلى مقاطعات أو مصالحات على رأس كل منها أمير، وكان ذلك الاستقلال منقوص السيادة على الثروات الطبيعية التي تشكل عماد الاقتصاد الوطني وأهمها النفط الذي سيطرت عليه الشركات البريطانية والهولندية والفرنسية والأمريكية وغيرها بشكل عام، إضافة إلى أن المستعمرين رفضوا تسليم الجيش وإعطاء الصلاحيات الكاملة للسلطات الوطنية ما لم تعقد معها معاهدة تضمن لها مصالحها الثقافية والاقتصادية والعسكرية، "لأن الاستقلال يؤخذ ولا يعطى" كما ورد في بيان لحزب البعث في تاريخ 16 أيار 1945، والذي نشر في الجزء الأول من سلسلة كتب ووثائق (نضال البعث)، في هذه الأجواء برزت الحركات والجمعيات والمنظمات والأحزاب السياسية التي لعبت الدور البارز في تطور المفهوم الوطني والقومي في الوقت الذي برزت فيه الأحزاب والجمعيات الدينية الطائفية والمذهبية التي شكلت النقيض الأساس للأحزاب الوطنية والقومية في شتى أرجاء الأقطار العربية.



نظرة على الأحزاب السياسية



يمكننا القول والتأكيد بأن الأحزاب السياسية، التي قادت الحركات الوطنية منذ بدايات القرن العشرين كـ(الكتلة الوطني) و(حزب الشعب)، و(الحزب الوطني) و(الحزب التعاوني الاشتراكي)، و(عصبة العمل القومي)، و(الحزب القومي العربي)، و(حزب الشباب)، و(الحزب القومي السوري الاجتماعي)، و(الحزب الشيوعي)، و(تنظيم الإخوان المسلمون) وفي سوريا، وكذلك (الوطني الديمقراطي)، و(حزب الاستقلال) في العراق، و(الوفد) في مصر.. الخ، "لم تقم على أسس ثورية وتنظيمية دقيقة، بل كانت إلى حد بعيد، عفوية مرتجلة، يغلب عليها طابع الليبرالية والإصلاحية، وتفتقر إلى القيادات الواعية الصلبة وإلى العقيدة الواضحة ذات المحتوى الاجتماعي والبعد القومي الإنساني، وكانت قياداتها تمثل الطبقة الإقطاعية الرأسمالية، وذات النفوذ العشائري الموروث". كما يذكر شبلي العيسمي في كتابه (حزب البعث العربي الاشتراكي - مرحلة الأربعينات التأسيسية 1940 – 1949).



نظرة على الأحزاب الدينية



كان للتنظيمات والجمعيات الدينية في البلاد العربية بشكل عام تنظيم قوي، كما كانت ذات تأثير قوي على الجماهير، وكانت منطلقات عقيدتهم تمكنهم من تحريك التظاهرات واستخدام الشارع في تحقيق أغراضهم، في الوقت الذي كانوا يتهمون الشيوعيين والبعثيين بالمروق والإلحاد، ويفسرون أسباب التخلف والفساد والضعف، عند العرب والمسلمين بعدم تمسكهم بأهداف الدين، وكانوا يعارضون الأفكار القومية والاشتراكية ويعتبرونها وافدة غريبة عن جوهر الدين ومصلحة المسلمين. وأهم تلك التنظيمات الدينية كانت "جماعة الإخوان المسلمين"، ويروي شبلي العيسمي أحد المشاركين في تأسيس حزب البعث العربي في كتابه (حزب البعث العربي الاشتراكي - مرحلة الأربعينات التأسيسية 1940 - 1949)، صفحة 20، "وإن أنسى لا أنسى، بعض المناقشات التي كنا نحرجهم فيها بقولنا ((أيهما أفضل في نظركم، المسلم التركي سالب لواء الاسكندرون، أم العربي المسيحي المناضل في سبيل وطنه؟، وكان الصريح منهم، والملتزم بعقيدته يعلن عن تفضيل المسلم التركي، بينما يجاوب الآخرون بشيء من اللف والدوران".



نظرة حول نشأة الحركة الاشتراكية العربية



وفي هذا الصدد يذكر الدكتور الياس فرح في عام 1950 خلال محاضرة له في النادي الكاثوليكي بحلب خلال فترة حل الأحزاب السياسية في سورية تحت عنوان (تطور الحركة الاشتراكية في الوطن العربي) جاء فيها: "كان أول من نادى بالاشتراكية ودعا إليها الدكتور شبلي الشميل في مجلتي "المقتطف" و"المستقبل"، وكانت الاشتراكية في رأيه نتيجة حتمية لسير التطور والنشوء، وكان متأثراً في ذلك بنظريات (داروين) وتفسيرات (بوخنر) لهذه النظريات".



ويقول فرح "عرف الوطن العربي منذ مطلع هذا القرن حركات فكرية وجمعيات سياسية كان عدد كبير من مؤسسيها من المسيحيين العرب، غير أن التنبه القومي الذي كان ثمرة لنشاط هذه الحركات بقي في حدود التنبه ولم يتح له أن ينقلب إلى وعي قومي إلا بعد تجربة قاسية حملت نعها آلاماً وتضحيات كثيرة.



وقد بدأت هذه التجربة مع ثورة الحسين التي كشفت للعرب منطق الاستعمار الغربي وأساليبه، فكان جواب العرب على الاحتلال سلسلة من الثورات في مصر وسوريا والعراق والمغرب العربي وأطراف الجزيرة العربية. وقد أثمرت هذه الثورات تحرراً في بعض الأقطار العربية، كما أثمر تلاقي الفكر العربي مع الحضارة الغربية وعياً للتيارات الفكرية التي تسود العالم الحديث، كما كانت للحرب العالمية الثانية آثار كبيرة في نمو الوعي القومي وفي ربط القضية العربية بالصراع الدولي. إلا أن تجربة العرب الجديدة لم تبدأ إلا بعد مأساة فلسطين التي كشفت للعرب عن جميع التناقضات التي يقوم عليها مجتمعهم.



لذلك كان لا بد من ظهور حركات سياسية تكون في مستوى المشكلة، فكانت ثورة مصر والانقلابات في سوريا وثورة الجزائر تعبيراً عن روح الانتفاضة الحاسمة التي بدأت تظهر في الأفق العربي وتطرح القضية العربية على أساس ثوري جديد، ولم تعد مشكلة الاستعمار والصهيونية والحكم الرجعي عي ما يشغل فكر المناضلين العاملين في الحقل السياسي وحدها، بل لأن القضية الاجتماعية والنظام الاقتصادي ومستقبل المجتمع العربي كلها أصبحت قضايا مطروحة، فكان لا بد للحركات السياسية أن تنتقل من الصعيد السلبي إلى المستوى الايجابي، وأن تحدد موقفها من هذه القضايا".



نظرة إلى مفهوم الاشتراكية في فكر البعث العربي



تعددت منابع الفكر الاشتراكي في الوطن العربي، وكانت التيارات الممثلة لهذا الفكر قد بدأت تجد لها صدى في كتابات المثقفين والمفكرين العرب منذ أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين.



فقد وجدت تلك الأفكار طريقاً إلى الفكر العربي عبر البعثات الطلابية إلى الغرب، والجامعات والصحف والمجلات الأجنبية، خاصة الثورة الاشتراكية في الاتحاد السوفياتي التي تركت تأثيراتها على صعيد العالم ككل، والذي انعكست بعض آثاره على الوطن العربي.



وقد بقيت تيارات هذا الفكر في حالة صراع وتنافس سلبي مع الأيديولوجيات القومية والدينية، التي كانت سائدة، قبل تبلور الفكر الاشتراكي القومي التحرري الحديث بالرغم من تأكيدها جميعها على فكرة العدالة الاجتماعية.



ذلك لأن المنطلقات المتناقضة للأيديولوجيات القومية والدينية والاشتراكية، قد حكمت عليها بأن تتخذ موقف رد الفعل، وبأن تعجز عن تجاوز نفسها، وبالتالي بأن تكون مرحلة نحو نضج الفكرة الاشتراكية في الوطن العربي.



وقد كان لتطور الفكر الاشتراكي في الوطن العربي باتجاه اكتشاف العلاقة الداخلية بين النضال الطبقي وبين النضال القومي ضد التجزئة، والنضال التحرري ضد الاستعمار والصهيونية، والنضال الحضاري ضد التخلف والرجعية، فأصبحت الفكرة الاشتراكية جزءا من مفهوم ثوري شمولي.



وعلى هذا الأساس كانت الظاهرة الاستعمارية والظاهرة الصهيونية، وظاهرة التحالفات الطبقية – الاستعمارية، والصراع مع الإمبريالية، وظاهرات التخلف والتجزئة وقضايا التراث والوحدة العربية، كلها قضايا أساسية تصدر لها الفكر الاشتراكي العربي، وعلى ضوئها تم تحديد دور مختلف الطبقات الاجتماعية في المرحلة الراهنة من تطور المجتمع العربي، وبخاصة دور الطبقة العاملة في النضال من أجل استكمال الاستقلال الوطني وتحرير فلسطين وتحقيق الوحدة العربية جنباً إلى جنب مع نضالها الاشتراكي ضد الطبقية والرأسمالية والرجعية، ونضالها من أجل اكتشاف الطريق العربي للاشتراكية.



وهكذا فأن مفهوم الاشتراكية قد اندمج بفكرة النهضة العربية، وأصبح النضال الاشتراكي جزءا من حركة التحرر العربية والوحدة في الوطن العربي، وعلى ضوء هذا المفهوم العلمي الجديد للاشتراكية الذي طرحه البعث العربي الاشتراكي، تم اكتشاف السياق التاريخي الجديد للنضال في الوطن العربي، ورفض النظرة الإصلاحية التطورية كما تم التشديد على فكرة الثورية والضال ضد البيروقراطية وخطرها على النضال الاشتراكي.



أما في ما يتعلق بموضوع الاشتراكية وتأسيس البعث العربي الاشتراكي فقد عرّف الأستاذ ميشيل عفلق ذلك بقوله: "إن حزبنا لم ينشأ في عزلة عن التراث العالمي أو تجارب الإنسانية، لقد نشأ حزبنا في مفترق طرق للحركة الثورية العالمية، وكان أول حركة ساهمت في نقل ذلك التراث والاستفادة منه." من (المنطلقات النظرية لحزب البعث العربي الاشتراكي التي أقرها المؤتمر القومي السادس في تشرين الأول/أكتوبر 1963).



وفي تعريف الأستاذ ميشيل عفلق لمفهوم الاشتراكية يقول في كلمة له عام 1946 بعنوان (معالم الاشتراكية العربية) : إذا أردنا أن نعرف اشتراكيتنا تعريفا يميزها عن الاشتراكية الغربية، لا بد لنا من أن نلقي نظرة على نشأة الاشتراكية في أوروبا وعلى الشروط الفكرية والروحية والاقتصادية التي أدت إلى ظهورها، ثم ننتقل بعد ذلك إلى الكلام عن مجتمعنا العربي فنميز وضعه وشرطه وننظر فيما إذا كان الحل الذي يصلح للأمم الغربية يمكن أن يكون صالحا لنا أيضاً، لأن اشتراكية البلاد العربية يجب أن تلبي الحاجات العربية وتراعي جميع الشروط والظروف المحيطة بالأمة العربية في مرحلتها الحاضرة.



ولكي تغدو الصورة أمامنا أكثر وضوحاً، بحيث تمكننا من أن نستشف العوامل والظروف الموضوعية التي مهدت وساعدت على نمو وانتشار فكر حزب البعث العربي الاشتراكي وآرائه لا بد من القول بأنه منذ خمسينات القرن الماضي وحتى اليوم ترك البعث العربي بصماته وآثاره على مجمل الوضع السياسي عامة في جميع الأقطار العربية بشكل أو بآخر، ولا بد من التنويه إلى أن مجمل السياسيين والوزارات وقيادات الحركات السياسية في بلاد العرب قاطبة كانت تضم عناصر قيادية بعثية الفكر والرأي إن في الأردن أو اليمن أو لبنان أو في منظمة التحرير الفلسطينية وفي تونس ومعظم الأقطار العربية الأخرى، ومن تلك العناصر القيادية منهم من ترك الحزب فعلياً مقابل الوصول إلى منصب وزاري أو نيابي، ومنهم من فصل من الحزب لخلافات شخصية ليس من مجال لذكرها في هذا البحث، مما ساعد على تطبيق ذاتي للفكر الاشتراكي والثقافي الوطني والقومي في معظم بلاد العرب.



ولا بد من التنويه إلى أن الاشتراكية في مفهوم البعث تعتبر نظام حياتي كامل لا يقتصر على التطبيق الاقتصادي فحسب، وإنما يمتد إلى كل لون من ألون الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، "ومع ذلك فأن التطبيق الاقتصادي هو أساس هذا النظام ومنطلقه، ولا يمكن أن يكون ثمة اشتراكية بلا تطبيق اشتراكي، فالاشتراكية لها بداية، ولكن ليس لها نهاية معروفة، فلن يأتي يوم يمكننا القول فيه أن النظام الاشتراكي قد اكتمل نموه، لأن اكتمال النمو يعني توقف الحياة، والاشتراكية ستظل تنمو وترسخ وتمتد جذورها وفروعها إلى كل نواحي الحياة، وستتطور وتتغير ولا يمكن أن نبقى أمد الدهر على لون واحد"، كما ورد سلسلة (الثقافة الجماهيرية 1) – (المرحلة الأولى في بناء الاشتراكية) الصادرة عن وزارة الإعلام في العراق بدون تاريخ، كما ورد نصاً في دستور الحزب وتحديداً في المادة الرابعة من المبادىء العامة (حزب البعث اشتراكي يؤمن بأن الاشتراكية ضرورة منبعثة من صميم القومية العربية لأنها النظام الأمثل الذي يسمح للشعب العربي بتحقيق إمكانياته وتفتح عبقريته على أكمل وجه فيضمن للأمة نمواً مطرداً في إنتاجها المعنوي والمادي وتآخياً وثيقاً بين أفرادها)..



وإلى جانب ذلك فقد طرح الحزب ومنذ بدايات تأسيسه مفهوم الاشتراكية كما يلي: "يطالب الحزب بمكافحة الغلاء المتصل بأسس النظام الاقتصادي والاجتماعي الفاسد، وبوجود الطبقة الحاكمة، ولذا فمشكلة الغلاء لن تحل إلا في ضوء المبادىء الاشتراكية التي يدعو إليها الحزب، أي بتأميم الشركات الأجنبية وبتوزيع الأراضي التي تملكها الدولة، على صغار الفلاحين، فتنقذهم من الترامي في أحضان الإقطاعيين الذين يستنزفون دماءهم ويمتصون جهودهم، وكذلك بالحد من طغيان الملكية ورأس المال، ومنح الفلاحين والعمال حقهم الطبيعي في العيش عيشاً إنسانياً كريماً"، كما ورد في نضال البعث الجزء الأول صفحة 162 - 163.



وفي المؤتمر التأسيسي للحزب وفي ما يتعلق بالمطالب المرتبطة بالاشتراكية، التي لم تبق في نطاق العموميات والمبادىء والشعارات العامة، كما كان الحال قبل ذلك، بل جاءت معبرة عن حاجات مرحلية ملموسة بعيدة عن التعجيز، وقابلة للتطبيق، "إذا ما أتيح للبلاد حكومة تقدمية"، لأن الحكومة القائمة يومذاك كانت سياستها الاقتصادية بعيدة عن النهج الاقتصادي والتنمية، لأنها ساكتة عن الشركات الأجنبية، ومتحيزة مع الرأسمالية والمحتكرين والإقطاعيين، ضد العمال والفلاحين، لذلك وضع المؤتمر التأسيسي الأسس التالية التي يجب على الحكومة أن تنتهجها: حماية الإنتاج الوطني بعد مراقبة وتحديد أسعاره، والتوسع بالتصدير، وتصفية أعمال الشركات الأجنبية، وفرض ضرائب تصاعدية على الدخل والتملك والإرث، ووضع تشريع عادل للعمال والفلاحين، واستخدام الوسائل الحديثة في الزراعة، ومكافحة الغلاء والإشراف الجدي على التجارتين الخارجية والداخلية، وتحديد الأسعار والأرباح، وتخفيض الضرائب على المواد الضرورية للمواطنين".



وقد حدد حزب البعث العربي الاشتراكي في دستوره مفهوم الاشتراكية كما ورد في المادة الخامسة تحت عنوان (سياسية الحزب الاقتصادية) كما يلي:



سياسة الحزب الاقتصادية



المادة الأولى - (حزب البعث العربي) اشتراكي يؤمن بأن الثروة الاقتصادية في الوطن ملك للأمة.



المادة الثانية - إن التوزيع الراهن للثروات في الوطن العربي غير عادل، ولذلك يعاد النظر في أمرها وتوزع بين المواطنين توزيعاً عادلاً.



المادة الثالثة - المواطنون جميعاً متساوون بالقيمة الإنسانية، ولذا فالحزب يمنع استثمار جهد الآخرين.



المادة الرابعة - المؤسسات ذات النفع العام وموارد الطبيعة الكبرى ووسائل الإنتاج الكبيرة ووسائل النقل ملك الأمة تديرها الدولة مباشرة، وتلغى الشركات والامتيازات الأجنبية.



المادة الخامسة - تحدد الملكية الزراعية تحديداً يتناسب مع مقدرة المالك على الاستثمار الكامل دون استثمار جهد الآخرين، تحت إشراف الدولة ووفق برنامجها الاقتصادي العام.



المادة السادسة - تحدد الملكية الصناعية الصغيرة بما يتناسب مع المستوى الاقتصادي الذي يتمتع به بقية المواطنين في الدولة.



المادة السابعة - يشترك العمال في إدارة المعمل ويمنحون عدا أجورهم التي تحددها الدولة نصيباً من أرباح العمل تحدد الدولة نسبته.



المادة الثامنة - ملكية العقارات المبنية مباحة للمواطنين جميعاً على أن لا يحق لهم إيجارها واستثمارها على حساب الآخرين، وأن تضمن الدولة حداً أدنى من التملك العقاري للمواطنين جميعاً.



المادة التاسعة - التملك والإرث حقان طبيعيان ومصونان في حدود المصلحة القومية.



المادة العاشرة - يلغى الربا بين المواطنين ويؤسس مصرف حكومي واحد يصدر النقد الذي يضمنه الإنتاج القومي ويغذي المشاريع الزراعية والصناعية الضرورية.



المادة الحادية عشرة - تشرف الدولة إشرافاً مباشراً على التجارتين الداخلية والخارجية لإلغاء الاستثمار بين المنتج والمستهلك وحمايتهما وحماية الإنتاج القومي من مزاحمة الإنتاج الأجنبي وتأمين التوازن بين الصادر والوارد.



المادة الثانية عشرة - يوضع برنامج شامل على ضوء أحدث التجارب والنظريات الاقتصادية لتصنيع الوطن العربي وتنمية الإنتاج القومي وفتح آفاق جديدة له وتوجيه الاقتصاد الصناعي في كل قطر بحسب إمكاناته وبحسب توافر المواد الأولية فيه.



وفي هذا الصدد يقول الأستاذ ميشيل عفلق في مقال له عام 1936 بعنوان (ثروة الحياة) "لو سئلت عن أسباب ميلي للاشتراكية لأجبت: أن ما أطمح به منها ليس زيادة في ثروة المعامل، بل في ثروة الحياة، وليس همي أن يتساوى الناس في توزيع الطعام بقدر ما يهمني أن يتاح لكل فرد إطلاق مواهبه وقواه.



وقد لا يرى العامل الرازح تحت بؤسه في الاشتراكية إلا وعداً بأن يأخذ ما هو محروم منه، ولكني لا أنظر إليها أنا إلا كعطاء دائم سخي، بأن نعطي الحياة أضعاف ما بذلته لنا".



ويقول في مقال (ثروة الحياة): "ما نظرت إلى الاشتراكية في يوم من الأيام كواسطة لإشباع الجياع وإلباس العراة فحسب، ولا يهمني الجائع لمجرد كونه جائعا بل للممكنات الموجودة فيه، التي يحول الجوع دون ظهورها، ولا أرى الأكل غاية له، بل سبيلاً لتحرر من الضرورات الحيوانية وينصرف إلى القيام بوظيفته الإنسانية.



إن الذي يظن الاشتراكية ديناً للشفقة، مخطىء أيما خطأ، وما نحن رهبان نلوذ بالرحمة لنطمئن وجداناً أقلقه مرأى البؤس والشقاء حتى نعظم في عيون أنفسنا وننام هادئي البال. إننا في دفاعنا عن الجماهير المحرومة لا نمنحهم صدقة بل نطلب لهم حقاً، ولا يهمنا تخفيف البؤس إذا لم يكن ذلك لزيادة ثروة الحياة".



ويختم مقال (ثروة الحياة) قائلاً: "إذا سئلت عن تعريف للاشتراكية فلن أنشده في كتب ماركس ولينين وإنما أجيب: إنها دين الحياة، وظفر الحياة على الموت، فهي بفتحها باب العمل أمام الجميع، وسماحها لكل مواهب البشر وفضائلهم أن تتفتح وتنطلق وتستخدم، تحفظ ملك الحياة للحياة، ولا تبقي للموت إلا اللحم الجاف والعظام النخرة".



وفي مقال لميشيل عفلق بعنوان (معالم الاشتراكية العربية) نشر عام 1946، جاء فيه: "ونحن بالرغم من أن المسألة الاجتماعية والاقتصادية لها خطورة كبيرة في حياتنا فهي المشكلة الأولى، غير أنها تابعة لمشكلة أهم وأعمق ولا نستطيع أن نضمن للمشكلة الاقتصادية حلاً إلا إذا اعتبرت فرعاً ونتيجة للمشكلة القومية".



ويضيف: "إن الاشتراكية في الغرب كانت مضطرة إلى أن تقف ليس ضد الرأسمالية فحسب، بل ضد القومية أيضاً التي حمت الرأسمالية، وضد الدين الذي دافع عنها، وضد كل فكرة تدعو إلى المحافظة وتقديس الماضي، كل ذلك لأن الرأسمالية قد استغلته للدفاع عن مصالحها، فكان ضد الاشتراكية".



وفي عام 1950 وفي محاضرة لميشيل عفلق بعنوان (العمال والاشتراكية) يقول: "فتحقيق الاشتراكية في حياتنا شرط أساسي لبقاء أمتنا ولإمكان تقدمها، وإذا لم تعمم الاشتراكية ولم نسع إلى تحقيق العدل الاجتماعي لجميع الأفراد، ولم ينقلب الشعب العربي إلى شعب منتج إلى أقصى حدود الطاقة، إذا لم يتحقق كل هذا يكون كل كلام عن حرية العرب واستقلالهم ضرباً من اللغو ونوعاً من التضليل".



وفي كلمة لميشيل عفلق بعنوان (دور العمال في تحقيق الوحدة والاشتراكية) عام 1956، يقول: "وإذا كان في وطننا العربي فئة مهيأة لأن تتحرر قبل غيرها من هذه المصالح والرواسب، وأن تجسد في تفكيرها ونضالها وحدة القضية العربية، فأنها تكون فئة العمال العرب بصورة خاصة وجماهير الشعب العربي الكادحة بوجه عام، لأن هذه الجماهير تعاني بالتجربة اليومية الحية هذه الحقيقة الناصعة وهي أن أعداءها هم أنفسهم أعداء الأمة العربية".



وفيما يتعلق بتسمية (الاشتراكية العربية) يقول ميشيل عفلق: "لم تكن هناك نظرية خاصة عن الاشتراكية، هي النظرية العربية، وإنما أردنا من هذه التسمية التأكيد على حقيقة القومية، وهذا شيء أساسي وشيء سبقنا فيه الجميع، يجب أن يعرف الحزب هذه الميزة".



ويؤكد ميشيل عفلق في حديث لصحيفة (البعث) تاريخ 5 كانون الثاني/يناير 1965.



"إن حزب البعث ناضل ويناضل من أجل تطبيق الاشتراكية على المستوى القومي، على مستوى الوطن العربي كله، ليجعل من أدوات الإنتاج ملكاً للمجتمع وملكاً للعرب، لقد تعرض حزبنا لهجوم ظالم لأنه وضع الاشتراكية هدفاً من أهدافه الأساسية، ولكن سرعان ما تحوّل منتقدوه إلى مدعين للاشتراكية ثم إلى مزاودين عليها لأنهم أدركوا مدى انفصالهم عن الشعب وعجزهم عن محاربة الحزب، فحزبنا هو أول حركة عربية أكدت ولا زالت تؤكد وحدة القضية العربية نظرياً وعملياً، ولذلك فإنه يعتقد أن ما حققه الحزب حتى الآن في أحد أقطاره هو خطوة في الطريق الطويل، طريق توحيد الوطن العربي وحريته السياسية والاجتماعية لكي يأخذ التطبيق الاشتراكي مداه، لأن التطبيق الاشتراكي يجب أن يؤدي إلى توفير المناخ الملائم للوحدة العربية وإلى رفع المستوى الاقتصادي والاجتماعي والثقافي للجماهير العربية بأن يقيم صناعة عربية يتوفر لها رأس المال العربي المهرق على الشهوات والملذات في بعض الأقطار، كما يتوفر لها السوق الواسعة الممتدة من المحيط إلى الخليج والإمكانيات العلمية والفنية المعطلة".



مما تقدم نجد بأن فكرة الاشتراكية في فكر حزب البعث العربي الاشتراكي كانت ولا زالت هي النظام الأمثل لتحقيق إنسانية الإنسان بشكل عام، في الوقت الذي نرى بأن العدوان المستمر على الأمة العربية وأقطارها إن في فلسطين المحتلة أو في غزو العراق واحتلاله الذي يستهدف القضاء على إنسانية الإنسان وتحويله إلى آلة وهو ما أكدته كتابات البعث ودستوره التي تهدف إلى إقامة نظام اقتصادي اجتماعي يستهدف الكشف عن المواهب والإمكانيات الكامنة في الشعب العربي، لكي يتحقق لهذا الشعب واقع يمكنه من المساهمة في تقدم البشرية، لأن فلسفة البعث تنطلق من نظرة علمية للواقع العربي وغير ملتزمة لنسق فلسفي مغلق ونهائي، وتؤكد على الأثر الكبير الذي يلعبه العامل الفكري والروحي في تطور التاريخ وتقد الإنسانية بجانب العامل الاقتصادي.



* ملحوظة: نشأت حركة البعث العربي الاشتراكي من اندماج حزبين هما: حزب البعث العربي، والحزب العربي الاشتراكي عام 1952، أما حركة البعث العربي فقد بدأت عام 1940 حين قدم مؤسساها ميشيل عفلق وصلاح الدين البيطار استقالتهما من وزارة المعارف في سوريا حيث كانا يعملان مدرسين في مدرسة (التجهيز الأولى) في دمشق، وكانت هذه الاستقالة بما سبقها من تبشير بالفكرة التي انطلقت على مقاعد التدريس، خلال مقالات وكلمات نشرت في صحف محلية منذ عام 1936، وبما رافقها من ظروف العمل النضالي القومي، مناسبة تاريخية بدأت معها ولادة هذه الحركة النضالية، وقد ساهمت حركة البعث العربي في أول نشأتها في ثورة رشيد عالي الكيلاني في العراق عام 1941 عن طريق إرسال المتطوعين انسجاماً منها مع نظرتها القومية الشاملة إلى القضية العربية، وفي عام 1943 ألقى الأستاذ ميشيل عفلق على مدرج جامعة دمشق كلمته المشهورة بعنوان (في ذكرى الرسول العربي) وذلك بمناسبة ذكرى مولد الرسول العربي محمد (صلعم) حيث ركّز في هذه الكلمة الإطار العام لفلسفة ونظرة حركة البعث للدين وللرسالة الإسلامية، لأنه حدد فيها نقطة الانطلاق القومية بالنسبة إلى العرب ورسالتهم الإنسانية، ومن أهم ما ورد في كلمته يومذاك "كان محمد كل العرب، فليكن كل العرب اليوم محمدا" و"إننا نحتفل بذكرى بطل العروبة والإسلام، وما الإسلام إلا وليد الآلام، آلام العروبة، وأن هذه الآلام قد عادت إلى أرض العرب بدرجة من القسوة والعمق لم يعرفها عرب الجاهلية فما أحراها بأن تبعث فينا اليوم ثورة مطهرة مقومة كالتي حمل الإسلام لواءها، وليس غير الجيل العربي الجديد يستطيع أن يضطلع بها ويقدر ضرورتها"، و"نحن الجيل العربي الجديد نحمل رسالة لا سياسية، إيمانا وعقيدة لا نظريات وأقوالاً"، و ختم قائلاً: "لا يفهمنا إلا الصادقون الذين يصطدمون في كل خطوة بالكذب والنفاق والوشاية والنميمة، ولكنهم مع ذلك يتابعون السير ويضاعفون الهمة، لا يفهمنا إلا المتألمون، الذين صاغوا من علقم أتعابهم ودماء جروحهم صورة الحياة العربية المقبلة التي نريدها سعيدة هانئة، قوية صاعدة، ناصعة تتألق بالصفاء، لا يفهمنا إلا المؤمنون، المؤمنون بالله. قد لا نُرى نصلي مع المصلين، أو نصوم مع الصائمين، ولكننا نؤمن بالله لأننا في حاجة ملحة وفقر إليه عصيب، فعبئنا ثقيل وطريقنا وعر، وغايتنا بعيدة، ونحن وصلنا إلى هذا الإيمان ولم نبدأ به، وكسبناه بالمشقة والألم، ولم نرثه إرثاً ولا استلمناه تقليداً، فهو لذلك ثمين عندنا لأنه ملكنا وثمرة أتعابنا، ولا أحسب أن شاباً عربياً يعي المفاسد المتغلغلة في قلب أمته، ويقدر الأخطار المحيطة بمستقبل العروبة تهددها من الخارج وخاصة في الداخل، ويؤمن في الوقت نفسه إن الأمة العربية يجب أن تستمر في الحياة، وأن لها رسالة لم تكمل أداءها بعد، وفيها ممكنات لم تتحقق كلها، وأن العرب لم يقولوا بعد كل ما عليهم أن يقولوه، ولم يعملوا كل الذي في قدرتهم أن يعملوه، لا أحسب أن شاباً كهذا يستطيع الاستغناء عن الإيمان بالله، أي الإيمان بالحق، وبضرورة ظفر الحق، وبضرورة السعي كيما يظفر الحق".



بهذه الكلمات حدد الأستاذ ميشيل عفلق مفهوم البعث الإيماني وفلسفة البعث وسياسته القومية الإنسانية"

نيســـــــــان:2010م

بشير الغزاوي
عضو فعال
عضو فعال

عدد الرسائل : 622
العمر : 84
تاريخ التسجيل : 28/03/2010

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى