ملتقى الفكر القومي
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم, أنت لم تقم بتسجيل الدخول بعد! يشرفنا أن تقوم بالدخول أو التسجيل إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

ملتقى الفكر القومي
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم, أنت لم تقم بتسجيل الدخول بعد! يشرفنا أن تقوم بالدخول أو التسجيل إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى

ملتقى الفكر القومي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

لبناء النظري لفكرة البعث العربي الإشتراكي الشهيد الدكتور سعدون حمادي

اذهب الى الأسفل

لبناء النظري لفكرة البعث العربي الإشتراكي الشهيد الدكتور سعدون حمادي Empty لبناء النظري لفكرة البعث العربي الإشتراكي الشهيد الدكتور سعدون حمادي

مُساهمة من طرف admin الخميس أبريل 22, 2010 9:26 pm

البناء النظري

لفكرة البعث العربي الإشتراكي

الشهيد الدكتور سعدون حمادي

-1/ ما قبل العرض :

لحزب البعث العربي الإشتراكي تراث فكري آن الأوان لأن يدرس بعناية فالحزب قد مضى على تأسيسه أكثر من ثلاثين عاما ونشوء الحزب قد سبق تأسيسه كما هو معروف إذ أن تاريخ التأسيس هو تاريخ إقراره دستوره في المؤتمر الأول أما نشوء الحزب فيعود لسنوات سبقت ذلك .

إذن فمن حيث المدة هناك حقبة زمنية ليست قصيرة تخللتها أحداث مهمة من حيث أثرها على الأمة العربية حاضرا ومستقبلا وليس أقل أهمية من العمر الزمني هو أن الحزب قد دخل الآن مرحلة جديدة هي مرحلة تحقيق مبادئه بإستلامه قيادة السلطة في العراق وبناء النظام الموجود حاليا . وأخيرا لا بد من التنويه الى التطورات الفكرية والعملية ذات المغزى الفكري التي حدثت في العالم من خلال هذه الفترة والتي لا يمكن بل لا يجوز أن يكون الحزب معزولا عن آثارها . فهناك إذن مبررات جديدة لدراسة تراث الحزب الفكري لغرض جوهري هو تقييم مدى حاجته للتطوير ليستوعب المغزى الفكري لكل هذه التطورات وذلك هو معنى نمو النظرية بمرور الوقت .

ومهما يكن فحزب البعث العربي الإشتراكي يقول بإستمرار بأنه يأخذ بمنهجية النظرية النامية التي تتكامل بالتفاعل مع الواقع مقابل النظرية الجاهزة المسبقة التي تعالج الواقع إما بمحاولة تكييفه قسرا أو بمجرد إهماله . إذن لا بد من بذل جهد خاص في الناحية الفكرية خاصة وأن النظام الذي بناه الحزب في العراق قد حقق درجة جيدة من الرسوخ والإستقرار . ولكن عملية التطوير هذه لا بد لها من مدخل طبيعي هو دراسة الأدبيات الموجودة أولا وعملية الدراسة هذه لا بد أن تتضمن مراجعة تلك الأدبيات وتلخيصها وربط أجزائها بقصد تكوين تسلسل منطقي يستطيع القارئ من خلاله التعرف على ملامح النظرية التي تفصح عنها .

إن عملية التلخيص والتنسيق بحد ذاتها تساعد على توضيح المواضيع التي هي بحاجة الى تطوير لسد الثغرات أو ملء الفراغات إذا صح التعبير وفيما يلي محاولة لتلخيص نظرية الحزب تمهيدا للعمل اللاحق والغرض الملخص هذا يتضمن بنفس الوقت عملية تنسيقية وربط الأجزاء ببعضها وتحليل العوامل الداخلة فيها بحيث تعرض المقالات والأحاديث المتباينة التي تشكل الجزء الأكبر من تلك الأدبيات بشكل نظري متسلسل .

-2/ اليقضة الروحية وشخصية الفرد العربي :

الفكرة العربية هي الروح العربية المستيقظة الآن هناك إستعداد للخير الكامن في الأعماق والنزعة للحق والإرادة للتقدم التي تستيقظ في الأمة العربية كلما هبط تيار نهضتها وساءت أوضاعها وتخلفت عن ركب حضارة العالم والبقضة الروحية هذه هي التي تفسر ظهور النهضات المتعاقبة التي ظهرت في تاريخ العرب والنهضة العربية الحاضرة لا يمكن تفسيرها إلا بتنبه هذا الجوهر الذي تراكمت عليه أدران التخلف خلال القرون الماضية وإنبعاث الروح العربية اليوم لا يأتي عن طريق الدراسة وأخذ المعلومات بل هو تحسس داخلي ويقضة وجدان يدركه الفرد عن طريق الإيمان وعن طريق هذا الإدراك الداخلي يتكون الحس السليم الذي يميز بين الخطأ والصواب وتظهر تلك العفوية التي تقود لمعرفة الذات .

في التراث الفكري عدد من المقالات الأولى تطفح بالتأكيد على العوامل الروحية ويقضة الوجدان وتؤكد على الصفاء الأخلاقي والمثالية في السلوك والثورة على أدران التخلف المتراكمة على النفس وعلى بعث الإستقامة والنزاهة والتحرر من المصالح والعصبيات والإرتفاع بالإنسان العربي الى مستوى عال من الأخلاق ونقاء النفس ؛ هناك إتجاه واضح لتحقيق ثورة داخلية في الفرد العربي وتأكيد على المثالية في السلوك .

القومية العربية هي حركة الأمة العربية لتحقيق نهضتها الحديثة فهناك إختلاف بين الأمم فالأمة العربية هي مجموعة من الأفراد تعيش في مجتمع معين تطور خلال الزمن وتفاعل بعضه مع البعض الآخر ومع العالم الخارجي فتكونت له نتيجة لذلك وبمرور الزمن صفات محددة ومميزات خاصة به ؛ القومية العربية الآن هي حركة تحقيق إرادة الأمة العربية في النهضة المتجسدة في نظرتها للحياة وللمجتمع وللمستقبل التي تكونت من تفاعل إستعدادها الأصيل للخير مع مميزاتها الخاصة وبعبارة أخرى القومية العربية الآن هي إنبعاث لما يتفاعل في داخلها .

هذه هي نظرة الحزب للقومية وهي نظرة تختلف عن المفهوم الذي يحصر القومية في المظاهر المشتركة كاللغة والآداب والتقاليد ؛ القومية العربية لها كل هذه المظاهر والعوامل المشتركة والصفات الخارجية ولكنها قبل كل شيء هي تحقيق لفكرة الأمة وتجسيد لإرادتها . للأمة العربية رسالة خالدة هي تحقيق فكرتها التي ستفيد العالم لأنها تجربة غنية في كيفية النهوض بالإنسان حل مشاكله ورفع مستواه لذلك فهي ليست مرحلة عابرة في التاريخ إنها تتطور ولكنها لا تتلاشى .

القومية العربية أخلاقية في أساسها فهي متصلة بنزعة الخير والحق عند الإنسان العربي وليست وليدة التطور الإقتصادي وليست تعبيرا عن إرادة ومطامح بعض الأفراد للعيش سوية وتكوين مجتمع خاص بهم بل هي حب التقدم والنهضة والتسامج والتعاون فالإرادة ليست إعتباطية ناتجة عن تصميم كيفي وإتفاق لا أساس له بل تقوم على الحقيقة أي أنها تستند على إعتبار الإستعداد للخير حقيقة موضوعية في الكون وإعتبار يقظة الإرادة هي يقظة ذلك الإستعداد الحتمي ثم إن الإرادة تستند الى الواقع العربي الذي تكون من خلال تفاعل تاريخي خلال الأجيال ولا يستطيع أحد أن يغيره الآن بعمل إرادي إعتباطي .. القومية العربية قدر محتوم للفرد العربي لأنها تكون شخصيته التي لم يخترها بنفسه .

ومفهوم القومية في البعث العربي الإشتراكي مفهوم حي أي أنه يبتدأ بالأمة العربية وواقعها ومن ظواهر اليقضة القومية والواقع القومي يشتق المبادئ والأحكام وذلك عكس المفهوم الأوروبي الذي يعتمد على المنطق المجرد فيعتبر أن تطور القوميات يجري حسب قواعد مشتركة ثابتة تصح على جميع الأمم وبذلك جاء مفهوم البعث مفهوما جديدا فهو منبثق من التجربة العربية ويرفض إستخدام تجربة القوميات الأخرى لأكثر من الإطلاع والإستنارة وإغناء الثقافة والتجربة كما أنه يختلف عن المفهوم الحقوقي القائم على فكرة المواطنية السائدة في الولايات المتحدة الأمريكية بشكل خاص فالمواطنية مشتقة من الرابطة القومية ونتيجة لها لا العكس .

-3/ في النظرية القومية :

تلك هي الفكرة القومية أما النظرية القومية فهي المحتوى الفكري للقومية العربية في الوقت الحاضر أي أنها تحديد شكل المجتمع الذي بقيامه تستطيع القومية العربية تحقيق فكرتها .

وتعتمد النظرية القومية هذه على ركائز أساسية هي الوحدة العربية والحرية والإشتراكية والتي منها مجتمعة تنبثق النظرة الشاملة لكيفية تنظيم المجتمع العربي . النظرية القومية متغيرة من وقت لآخر وقابلة للتطور ؛ الوحدة العربية تعني وحدة الشعب العربي العضوية بكيان سياسي مستقل واحد وتكوين إرادة موحدة للأمة تتجسد في الدولة العربية ؛ الوحدة من حيث المبدأ تستند على حقيقة موضوعية هي وحدة الأمة العربية وهي أثناء تحقيقها تعتبر الضمانة الوحيدة للمحافظة على الخطوات التقدمية في الإستقلال والتقدم الإجتماعي وذلك لأن الوحدة تعني توحيد القوى الثورية العربية العربية .

والوحدة ليست الوحدة السياسية فقط وإن كانت هذه ضرورة أساسية ولكنها في الأساس وحدة الشعب ووحدة المجتمع بشكل عضوي منصهر تتوفر فيها وحدة الشعور والإتجاه والنظرة للحياة وتتحقق فيها وحدة الإقتصاد ووحدة القوى العسكرية والتنظيم الشعبي .

الحرية تعني تحقيق حرية الإنسان العربي أي إطلاق إرادته الحقيقية فهي حرية داخلية صميمة تتناول تحرير النفس من كل القيود النفسية والإجتماعية والسياسية والفكرية والوصول بالفرد الى الحالة التي يستطيع فيها أن يظهر جوهره ويطلق الإمكانيات الخيرة الكامنة فيه . ومن هذا المفوم الداخلي العميق للحرية تتفرع فكرة التحرر من الإستعمار كقيد خارجي ومن الظروف الإجتماعية كالفقر والجهل والمرض والخرافات ومن الإرهاب والتعسف والإستبداد من قبل السلطة الحاكمة .

والجدير بالملاحظة أن مفهوم الحرية هذا أخلاقي مرتبط بمبدأ أعلى لذلك فحرية الفرد تعني حرية الجانب الإنساني فيه وكبح وتحديد ومقاومة لميول الشر والفساد والرذيلة والأنانية وكل ما هو منخفض لذلك فحرية الفرد لا يمكن أن تكون على حساب المجموع وضد الصالح العام . إنها لا تعني إنفلات الغرائز والتحلل من القانون الأخلاقي وتحكيم الأنانية وهذا ما يميز هذا المفهوم للحرية عن المفهوم الغربي .

والإشتراكية أخلاقية من حيث الأساس فهي تنظيم إقتصادي يمنع فيه الإستغلال وتحترم كرامة الإنسان ويزول فيه الفقر والجهل والمرض ويتوفر فيه للجميع حد أدنى من المعيشة ؛ وهي عربية بمعنى أنها التنظيم الملائم للنهضة العربية والطريق الضروري لتحقيق القومية العربية فهي بتحريرها الأفراد من قيود الحاجة والضغط وبمنع الإستغلال وبتوفيرها الحد اللائق من المعيشة تزيل كل العقبات التي تمنع ظهور الكفاءات وتحقيق عبقرية الأمة وتحقيق رسالتها .

إن الحضارة العربية والنهضة العربية تحتاج لمثل هذا التنظيم الذي يمهد لها الطريق ويتم تحقيق هذه الإشتراكية بواسطة نضال الجماهير المتجسد بالدولة الممثلة للإرادة العامة التي هي إرادة تلك الجماهير الشعبية الواسعة التي تضم كل الفقراء من العمال والفلاحين والمثقفين وكل العناصر التقدمية النبرة في المجتمع . ويتم تحقيق الإشتراكية بواسطة التخطيط الذي تقوم به الدولة وتدعمه وتشارك به القاعدة الشعبية المنتظمة في الحزب والنقابات والجمعيات وكافة أشكال التنظيم الجماهيري .

إن هذه الأهداف الثلاث ليست منفصلة عن بعضها وتعديدها بشكل منفصل ليس إلا من أجل الإستيعاب والدراسة فهي متممة لبعضها ومتمازجة بعضها ببعض لتكون نظرة موحدة للمجتمع هو المجتمع القومي التقدمي التحرري وتعليل هذا الترابط هو النظرة العضوية للمجتمع فالمجتمع كائن حي مترابط الأعضاء وليس جسما ميكانيكيا أنه بتطوره يتغير ككل ولا يمكن تجميد جانب وتحريك جانب آخر فالمستقبل ثمرة تبذر بذورها الآن لذلك فملامحه يجب أن توضح في الحاضر ؛ إن الماضي مؤثر في الحاضر والحاضر مؤثر في المستقبل وشكل التغيير الإجتماعي يتحدد بتفاعل الإرادة العامة للشعب مع الظروف المحيطة وعندما يحدث التغيير ويتغير تركيب وشكل المجتمع يصبح الفرد أو الحكومة عاجزة عن تغيير وجهة التطور بصورة إعتباطية .

-4/ الواقع العربي والإنقلابية :

تلك هي صورة المجتمع العربي كما يجب أن تكون أما الواقع العربي الراهن فمن التحليل يتضح أن الصفة الأساسية التي تطبعه هي شمول وعمق الفساد فيه ؛ فالضعف في المجتمع العربي لا تقتصر أسبابه على العوامل الخارجة عن إرادة الأمة كالإستعمار ولا ينحصر في المؤسسات كالنظم والقوانين والأوضاع الإقتصادية والعادات بل يشمل الى جانب ذلك الضعف الذي أصاب شخصية الفرد العربي نفسه فقد تغلغل الفساد لأعماق الفرد فأثر في أخلاقه وثقافته وتفكيره ونظرته للحياة وموقفه من قضية المجتمع لذلك فحلّ مشكلة هذا الواقع لا يكون إلآّ بالإنقلاب .

الإنقلاب هو تغيير الواقع العربي جذريا ويشمل هذا التغيير الأوضاع السياسية والإجتماعية والإقتصادية والثقافية والمؤسسات التي يقوم عليها المجتمع كالتقاليد والعادات وجهاز الحكومة ونظام الحكم … وما هو أهم من كل ذلك هو الإنقلاب في داخل النفسية العربية الذي يهزّ أعماق الفرد ويغير نظرته للحياة وقيمه وأخلاقه .

والقوة المحركة للإنقلاب هي الحقيقة حقيقة الأمة أي إرادة الخير فيها وليس أدل على هذا التحديد من القول : (( الإنقلاب هو مغالبة الحقيقة للواقع )) إذ أن : (( للأمة حقيقة رغم تأخرها ورغم تشوّهها ..)) والإنقلاب لا يحدث بشكل آلي بل بعامل الإرادة فإرادة الأمة هي التي تتنبه وتتحرك وتحقق التغيير العميق .

والإنقلاب نقيض التطور البطيء فالتطور في المستقبل هو حصيلة التغيير الذي يحدث في المجتمع نتيجة لتفاعل العوامل الداخلة في تركيبه الآن إنه إمتداد مختلف للحاضر فإذا كان الحاضر سليما قويا ومستندا الى مؤسسات صحيحة جاء التطور زيادة في التقدم وإذا كان الحاضر مريضا ضعيف الأسس جاء التطور زيادة في الضعف ويحصل ذلك بفعل عملية التراكم والتغيير الحلزوني حيث تغذي العوامل المتفاعلة بعضها بعضا وتنتج مزيدا من الآثار الحسنة أو السيئة حسب نوعية تلك العوامل . لذلك فالواقع العربي إذا ما ترك لوحده ولعامل التطور التلقائي فإنه سيزداد فسادا وتأخرا إذن لا بدّ من الإنقلاب الذي يحول التطور ويغير نطقه لا بدّ من إحداث رجة عميقة في النفس العربية تطلق فيها قيم الحق والفضيلة وتغالب عوامل الفساد وميول الضعف حتى تتغلب عليها وتحولها لقوة تصب في تيار الإنقلاب عندها يصبح التطور هو الشيء الطبيعي وتستطيع الأمة أن تتقدم دونما حاجة للإنقلاب؛ إذن فالإنقلاب يعني السيطرة على الزمن يعني عدم ترك الزمن يسيطر على مقدرات الأمور .

ويستثير هذا الموضوع بعض الأسئلة التي لا بدّ من الإجابة عليها زيادة في الإيضاح : هل يعني الإنقلاب قطع الصلة نهائيا بالماضي والتخلّص من التراث العربي ؟؟

الماضي هو : (( الوقت الذي تحققت فيه الروح العربية )) لذلك فالقول ببعث الروح العربية اليوم ينفي قطع الصلة بالماضي بل على العكس فالروح العربية التي تحققت في التاريخ بشكل نهضات متعاقبة تكون تراثا يجب التشبع به لتحريك النهضة العربية من جديد وإستثارة التحفز والإستعداد للخير والتقدم ولفهم الشخصية العربية ومعرفة حقيقتها والإستدلال على عبقريتها وإمكاناتها . إن الروح العربية التي يراد بعثها اليوم ستكون إرتقاء بالنسبة للماضي أي أن المستوى الحضاري والفكري الذي ستخلقه النهضة سيكون حتما أرقى من مستوى الماضي لأن الأمة العربية في نضج وتكامل مستمر ولأنها تستفيد الآن من تجربة العالم المتراكمة فالتمسك بالماضي لا يعني المحافظة على الحاضر ولا يعني القبول بنفس المستوى والقناعة بذلك القدر من التقدّم .

السؤال الآخر هو : ما هي أداة الإنقلاب ؟؟ إن تفتح إرادة الخير لا يحدث في كل أفراد الأمة وليس بدرجة متساوية لأنه يتطلب إستعدادا فكريا ونفسيا ؛ هناك أفراد تستيقظ فيهم روح الأمة قبل غيرهم فيكونون الطليعة الإنقلابية .

إن أداة الإنقلاب هي مجموعة من الأفراد الذين سبقوا غيرهم في التنبه للواقع الفاسد ولإدراك حقيقة الوضع وفي التصميم على تغيير حياة المجتمع وهذه المجموعة من الأفراد لا يشترط فيها أن تكون الأكثرية العددية في الشعب بل هي في غالب الأحيان أقلية ثورية تخرج من وسط الشعب ولكنها تنفصل عنه في أخلاقها وتفكيرها وسلوكها وتكون مجتمعا جديدا تسوده قيم الثورة وتتمثل فيه معالم المجتمع الجديد ولكنها وهي كذلك لا تنفصل عن الشعب بل تبقى معه وتتفاعل معه وتناضل لرفع مستواه وإيقاظ إرادته وكشف حقيقته .

ولإدارة الإنقلاب هناك قوى تعمل معها فهي في إتجاه حقيقة الأمة وتلك قوة جبارة وهي تمثل المصلحة الحقيقية لأكثرية لأكثرية الشعب وإتجاهها منسجم مع إتجاه تقدم البشرية ونضال التقدميين في جميع أنحاء العالم تلك هي فكرة الطليعة في البعث العربي الإشتراكي .

-5- مؤشرات في أسلوب العمل :

تلك هي الخطوط الفكرية الكبرى للقومية العربية ولكن الغرض من وضع هذه الأفكار لم يكن بدوافع فكرية محضة أي أنها لم تكن عملا فكريا بل عملا سياسيا الغرض هو تأسيس حركة سياسية تحقق هذه الأفكار لذلك فلا بدّ من أسلوب للعمل السياسي وفي مجال الأسلوب يقول البعث العربي الإشتراكي بالأفكار التالية :

أولا : الإعتماد على الشعب في تحقيق أهداف القومية العربية إذ أن بذور الخير تكمن في نفس كل عربي لذلك فالإرادة التي تحقق النهضة هي إرادة الشعب ؛ صحيح أن هذه الإرادة قد تستيقظ في البداية عند أقلية من الشعب ولكن عمل هذه الأقلية يجب أن يبقى مع جمهور الشعب الواسع لإيقاظ إرادته وتحريره من التخلف فالعمل مع الشعب هو الطريق السليم لتهيئة الإنقلاب العميق والمقصود بالشعب هنا الجمهور الواسع الذي يعاني ويتألم من فساد الأوضاع كالعمال والفلاحين وفقراء الناس من مختلف الفئات وجميع الثوريين من المثقفين وفئات الشعب الأخرى إن هذا الجمهور المتألم لوضع أمته مهيأ أكثر من غيره ليكون أداة الإنقلاب .

ثانيا : والفكرة الثانية في نظرية الأسلوب هي التجسيد فالطليعة الإنقلابية لا تستطيع إيقاظ ميول الخير في الجماهير وتحقيق الإنقلاب فيها إلاّ بتجسيد قيم الإنقلاب في مجتمعها الصغير فالشعب الذي يحيط الطليعة الإنقلابية لا يستطيع أن يصل للإيمان الحقيقي بالمبادئ والقيم إلاّ إذا رأى أمامه تجسيدا لتلك المبادئ والقيم ؛ إن التجسيد يعني أن الفئة التي تنادي بالإنقلاب إنما هي فئة صادقة مخلصة فيما تنادي به والفكرة التي تنادي بها الطليعة صحيحة لأن نجاح الأفراد بتجسيدها يعني أنها واقعية ومتصلة بالحق والحق هو القيمة الوحيدة التي تنجح وتنتصر .

على الفئة الإنقلابية أن تحقق في نفوس أعضائها الإنقلاب على القيم القديمة والأخلاق الرائجة والمصالح والأنانيات السائدة في المجتمع فأخلاقها وقيمها ونظرتها وسلوكها يجب أن يكون مشتقّة من الفكرة ومنسجمة مع المثل الأعلى الذي تناضل من أجل تحقيقه .

إن الحياة العربية الجديدة لا يمكن أن تتحقق في المستقبل إذا لم تتحقق لها صورة مصغرة منذ الآن في مجتمع الطليعة الإنقلابية وبعبارة أخرى إن تجسيد الفضيلة هو الوسيلة الوحيدة لإيقاظها عند الآخرين .

ثالثا : إن تحقيق افنقلاب وبناء المجتمع الجديد لا يتم بواسطة التطور التدريجي البطيء ولا بواسطة الدعوة الفكرية العامة والدعاية والتكرار في الدعوة بل بالصراع العميق بين الجديد والقديم ولا يقتصر الصراع على محيط الفكر بل هو أيضا وبالدرجة الأولى صراع في الشعب بين الفئة المستغلة القديمة المتشبثة بالوضع الفاسد وبين الطليعة الإنقلابية . والصراع والإحتكاك هو الذي يكشف زيف الواقع الفاسد ويهدمه ويظهر سلامة النظرة الجديدة وصحتها وقدرتها على تحقيق التقدم .

إن الوحدة الشعبية الحقيقية ليست وحدة عددية بل وحدة في الفكر والإتجاه وفكرة الصراع القومي هذه تختلف عن فكرة الصراع الطبقي الذي تقول به الماركسية ؛ فهو ليس صراعا بين طبقات بالمعنى الفني للطبقة بل هو صراع بين التقدمية والرجعية بين جمهور الشعب من عمال وفلاحين وتقدميين وبين الأقلية الرجعية من الإقطاعيين والتجار والرأسماليين .

رابعا : من المبادئ الأساسية في أسلوب العمل ربط الغاية بالوسيلة وعلاقة الغاية بالوسيلة من المشاكل الفكرية العملية الخطيرة ؛ فالنظرية الشيوعية في العمل تفصل بين الغاية والوسيلة إستنادا الة نظرتها الخاصة الى الأخلاق أما البعث العربي الإشتراكي فحركة تقوم على مبدأ أخلاقي مثالي هو الحق وكل عمله متجه لتحقيق هذا المبدأ وبعث إرادة الخير في الإنسان العربي وأسلوبه لتحقيق هذا المبدأ الأخلاقي هو تجسيده في المجتمع المصغر الذي يسبق الأمة لذلك فنضاله وعله السياسي أخلاقي لا العكس وبما أن الوسيلة مرتبطة بالغاية فإن الغاية الأخلاقية لا يمكن أن تتحقق إلا بأسلوب أخلاقي .

خامسا : وهناك أيضا فكرة الموقف الحاسم من الجيل القديم ومضمون هذه الفكرة هو أن الطليعة الإنقلابية يجب أن يكون حكمها على الواقع الفاسد حاسما وحادا يفصل بين القديم والجديد ويمنع كل تردد وتشكيك وينفي كل مواقف الوسط فالواقع فاسد بأسسه الرئيسية لذلك يجب قلبه والحكم عليه بالفناء بالرغم من أنه قد يحوي بعض الجوانب التفصيلية الإيجابية فنحن في حاجة الى تكوين موقف مشحون بالعاطفة والرفض لكل الواقع لنستطيع شحن الإرادة وحشد كل ما في الإنسان من حماس وإندفاع لخدمة الإنقلاب وفي هذه الفكرة تأكيد على دور العاطفة في أسلوب العمل العاطفة التي تخلق الحماس وتؤجج روح الثورة وتعطي الفكرة حسا وعصبا وتمدها بالحرارة .

-6- النظرة التحليلية وفكرة البعث العربي الإشتراكي :

هذا هو الغرض الملخص لفكرة البعث العربي الإشتراكي كما وردت في أدبياته ؛ فماذا يمكن أن يقال عنها تحليليا ؟؟ الملاحظات التالية ربما كانت ذات أهمية :

أولا : مضامين القومية العربية :

إن فكرة البعث العربي الإشتراكي هي من دون شك أول محاولة لإعطاء مضمون للقومية العربية الحديثة أي الإهتمام بشكل المجتمع الذي يريد بناءه وبذلك قد تطورت القومية العربية من مجرد حركة توضيح وتأكيد شخصية الأمة العربية بوجه الغزو الإستعماري ومحاولات طمس الشخصية العربية الى حركة إيجابية تعير إهتمامها لملامح المجتمع الذي تريد تحقيقه ألا وهو مجتمع الوحدة والحرية والإشتراكية . وواضح أنها بذلك قد تبنت الصفة التقدمية للقومية العربية من خلال الإهتمام بالقضية الإجتماعية الى جانب القضية القومية ويعني ذلك أن حركة القومية العربية أصبحت أساسا لنظام إقتصادي وإجتماعي يتناول حياة المجتمع كله فيعيد تنظيمه من جديد ويستتبع ذلك بالضرورة إدخال الظروف الموضوعية للمجتمع في الحساب .

ثانيا : من الخاص الى العام .

إن فكرة البعث العربي الإشتراكي تشف عن ملامح نظرة شاملة للكون والحياة والإنسان فالنظرة التي تقف وراء الفكرة هي أن في الكون إرادة للخير تتفتح في الإنسان وتقود التطور البشري وتلك هي فكرة الكون وإرادة الإنسان الحقيقية التي تصارع عوامل الفساد والتأخر التي تنتصر في النهاية ؛ الإنسان مكون من إرادة الخير وحصيلة التراث التاريخي وآثار الظروف الإجتماعية التي يعيش فيها لذلك فهو يحتوي على شيء أصيل مشترك بين كافة البشر هو الإستعداد للخير وعلى صفات مكتسبة من ماضيه وظروفه الحاضرة يختلف بها عن الآخرين .

يبدأ الفلاسفة عادة بقضية الكون والحياة لينتهوا بإستنتاجات عن هذا المجتمع أو ذاك أي أنهم يبدأون بالعام لينتهوا بالخاص في حين أن البعث العربي الإشتراكي قد بدأ بالخاص أي القضية العربية ليصل لما هو عام : القضية الإنسانية .

ثالثا : جدل التجربة الثورية :

وفكرة البعث العربي الإشتراكي لا تستمد قوتها من كونها قد حققت تقدما في الفكرة العربية على صعيد الفكر فقط بل من كونها قد أثرت في الواقع العربي تأثيرا يتجسد بحركة شعبية واسعة والمفعول العلمي الذي أنجزته في حياة الأمة العربية الحديثة وذلك ما أتاح لها فرصة الإختبار وهيأ لها تجربة تزيدها قوة عن طريق كشف مزاياها ونقائصها على السواء .

لقد مضت على فكرة البعث العربي الإشتراكي مدة ليست قصيرة كفكرة وكحركة فاعلة في المجتمع العربي فالفكر العالمي والعربي قد تطور خلال هذه الفترة كما أن التجربة والإختبار لا بد أن يكون قد أوضح مواضع النقص وبعبارة أخرى إن فكرة البعث العربي الإشتراكي قد تحتاج في بعض جوانبها الى تطوير لتكون أكثر إستيعابا للتطورات الجديدة وأكثر شمولا وأقترابا من النظرية ؛ وذلك هو معنى الإغناء عن طريق التفاعل مع المعطيات الجديدة فما هي مواضيع التطور هذه ؟؟؟

هناك مثلا مفهوم الصراع في البعث العربي الإشتراكي المختلف عن مفهوم الصراع الطبقي في الماركسية ؛ في أحيان كثيرة يظلل أحدهما الآخر في الأدبيات الأمر الذي يستدعي عملا نظريا مضافا لتطوير مفهوم البعث وتوضيع الفرق بينه وبين المفهوم الماركسي وجلب الإنتباه لذلك الفرق وعلى وجه التخصيص توضيح النتائج النظرية والعملية التي تترتب على ذلك الفرق .

في البعث العربي الإشتراكي تأكيد واضح على أهمية العوامل الموضوعية في التغيير الإجتماعي وتحقيق الثورة ولكن هذا الإهتمام بالعوامل الموضوعية ربما جاء وحيد الجانب في فهم الطبيعة البشرية لذلك هناك حاجة ماسة لزيادة الإهتمام بدور العوامل الذاتية وإلقاء ضوء كاف على دور العاطفة في سلوك الإنسان فالغرائز وما يتبعها من عاطفة بتأثير داروين قد أصبحت ذات دور مهم في إكمال نظرية الطبيعة البشرية التي سيطرت عليها نظرة العقل البحت بتأثير أفكار نيوتن . لقد تطورت بحوث علم النفس مؤخرا ملقية ضوءا جديدا على جوانب في طبيعة الإنسان لم تكن معروفة في السابق .

إن الإهتمام بالعوامل الذاتية في السياسة العربية أمر مهم إلا أنه لم يطرق بجدية لحد الآن لسببين أولهما قلة الإهتمام بعلم النفس في الوطن العربي وثانيهما تعلق الموضوع بالأشخاص وبحث الأشخاص في الوطن العربي مسألة حساسة يصعب الخوض فيها .

ومن الأمور التي تحتاج لزيادة في البحث مسألة حقيقة العلاقة بين أهداف الوحدة والحرية والإشتراكية والغوص لأعمق من العبارات الشكلية التي تردد حول ذلك وربط البحث بالنتائج المنطقية التي تستتبع ذلك في مجال التطبيق كما أن مفهوم الحرية بحد ذاته بحاجة الى بحث أكثر من الناحية النظرية ولكن بضوء واقع التجربة بعد أن دخلت الأفكار مجال التطبيق في قطر مهم ولمدة زمنية جيدة ما هو المعنى النظري وما هو التطبيق العملي لفكرة الديمقراطية الشعبية ؟ هناك بداية في مجال تطوير فكرة الطريق الخاص للإشتراكية إلا أن ذلك ليس أكثر من بداية يجب أن تستمر لصياغة مفهوم واضح نظريا وقابل للتطبيق عمليا .

ومن مواضيع البحث التي تحتاج للتطوير هو توضيح مسار القطر القاعدة الذي يضطلع بمهمتين بنفس الوقت مهمة ترصين الثورة في ذلك القطر وحماية إستقلاله وتوكيد سيادته من جهة والعمل لتحقيق الوحدة العربية من جهة أخرى .

ما هي نظرية العمل التي يسترشد بها الحزب القومي الذي يحكم في جزء من الوطن العربي ؟ إن التلاؤم بين المهمتين لا يأتي تلقائيا بل بعمل إرادي مخطط والعمل الإرادي المخطط يحتاج لدليل نظرية .

إن تجربة العمل من أجل الوحدة والتعرف الموضوعي على معطيات الواقع العربي تستدعي عناية خاصة بنظرية الأسلوب لتحقيق الوحدة العربية ؛ هل تكفي فكرة واحدة أو معادلة بسيطة لتحقيق الوحدة العربية أم أن نظرية الأسلوب يجب أن تكون معقدة تستوعب أفكارا عديدة وأساليبا عديدة لمواجهة تعقيدات الواقع ومتناقضاته ؟ ذلك من الأمور التي تتطلب جهدا فكريا جديدا فالواقع العربي يصعب التنبؤ به فهو قد يتمخض بأية لحظة عن فرص وحدوية تحتاج أن تواجه بنظرية متطورة تساعد على إيجاد الحلول السليمة ؛ الواقع المجزء العربي ليس بسيطا لذلك لا يمكن مواجهته بمعادلة بسيطة بل بنظرية متطورة وتحقيق الوحدة العربية هو أكبر مهمات الثورة العربية .



بحث منشور في مجلة آفاق عربية

العدد 8 نيسان 1978 صفحة 40-44
admin
admin
مدير عام

عدد الرسائل : 1748
العمر : 61
تاريخ التسجيل : 09/02/2008

https://arabia.alafdal.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى