في سبيل البعث
ملتقى الفكر القومي :: المنتدى الفكري والثقافي ***(حزب البعث العربي الاشتراكي وجبهة التحرير العربية) :: مكتبة الحزب والجبهة
صفحة 1 من اصل 1
عهد البطولة
عهد البطولة
الآن تنطوي صفحة من تاريخ نهضتنا العربية وصفحة جديدة تبدأ، تنطوي صفحة الضعفاء الذين يقابلون مصائب الوطن بالبكاء وبأن يقولوا "لا حول ولا قوة إلا
بالله"، وصفحة النفعيين الذين ملأوا جيوبهم ثم قالوا" (لا داعي للعجلة، كل شيء يتم
بالتطور البطيء)، صفحة الجبناء الذين يعترفون بفساد المجتمع اذا ما خلوا لأنفسهم
حتى اذا خرجوا إلى الطريق كانوا أول من
يطأطئ رأسه لهذه المفاسد...
وتبدأ صفحة جديدة، صفحة الذين يجابهون المعضلات العامة ببرودة
العقل ولهيب الايمان، ويجاهرون بأفكارهم ولو وقف ضدهم أهل الارض جميعا، ويسيرون في
الحياة عراة النفوس. هؤلاء هم الذين يفتتحون عهد البطولة.
عهد البطولة وأكاد اقول عهد الطفولة، لان النشىء الذي يتأهب اليوم
لدخول هذه المعركة له صدق الاطفال وصراحتهم، فهو لا يفهم ما
يسمونه سياسة، ولا يصدق
ان الحق يحتاج إلى براقع، والقضية العادلة إلى تكتم وجمجمة.
حياة هؤلاء ستكون خطا واضحا مستقيما لا فرق بين باطنها وظاهرها
ولا تناقض بين يومها وأمسها فلا يقال عن أحدهم "نعم.. سارق ولكنه يخدم وطنه" ولا
يقودون في الصباح مظاهرة ويأكلون في المساء على مائدة الظالمين. الصلابة في الرأي
صفة من أجل صفاتهم، فلا يقبلون في عقيدتهم هوادة، ولا يعرفون المسايرة. فاذا رأوا
الحق في جهة عادوا من أجله كل الجهات الاخرى، وبدلا من أن يسعوا لارضاء كل الناس
اغضبوا كل من يعتقدون بخطئه وفساده. انهم قساة على أنفسهم، قساة على غيرهم، اذا
اكتشفوا في فكرهم خطأ رجعوا عنه غير هيابين ولا خجلين، لان
غايتهم الحقيقة لا
أنفسهم. واذا تبينوا الحق في مكان انكر من أجله الابن اباه وهجر الصديق صديقه.
هؤلاء اليوم قليلون وربما أصبحوا في الغد أقل اذا اصطدموا
بالمصاعب التي تنتظرهم، ورأوا الويلات تنزل بهم واللعنات تنصب عليهم. ولكن المستقبل
لهم لانهم يفصحون عن مشاعر ملايين الناس الذين قص الظلم ألسنتهم.
ان الاسلحة التي تهدد هذا النشىء، كثيرة مختلفة، وثمة سلاح امضى
من السجن والتعذيب، هو سلاح البرودة التي يقابل بها بعض مواطنيه، والابتسامة
الساخرة التي يجيبون بها على ندائه وحماسته. انهم سيقولون "دعوا هؤلاء الاطفال
يلعبون برهة من الزمان ويحاولون تناول القمر بأيديهم القصيرة، ان الواقع كفيل
بارجاعهم إلى العقل"، ولكن واجب هذا النشىء، ان تزيده برودة مواطنيه غيرة وايماناً،
وان يذكر ان بقاء بلاده حتى الان في تأخرها المعيب هو من جراء هذه الابتسامة
الساخرة التي يتسلح بها الضعفاء كلما دعاهم الواجب واستيقظ في ضمائرهم صوت الحق.
ليست البطولة دائما في المهاجمة، بل قد تكون كذلك في الصبر
والثبات، وليست الشجاعة دائماً في محاربة العدو الظاهري فحسب، بل انما هي ايضا –
وعلى الأخص – محاربة العدو الباطني اي ان يحارب المرء في نفسه اليأس والفتور وحب
الراحة.
في هذا العهد الجديد الذي بدأت تباشير
صبحه تختلج في الافق، نريد
أن تكون النهضة والاستيقاظ في كل عواطفنا الشريفة ومواهبنا العالية لا ان تنحصر
اليقظة في عاطفة واحدة ضيقة. لم يعد يرضينا أن نسمع ان ذلك الشخص وطني اذا لم يكن
في الوقت نفسه انسانيا، عفيف النفس، كريم الخلق، فالعاطفة الوطنية اذا لم تكن
مصحوبة بهذه الصفات قد لا تكون غير مجرد كره للاجنبي.
وهذه ليست غايتنا. لسنا نطلب الاستقلال لننعزل عن بقية الشعوب،
ونقيم سدا بيننا وبين الحضارة الانسانية. لسنا نصبو إلى الحرية لنعيش في الفوضى، او
نرجع الى ظلام القرون الوسطى. اننا نطلب الاستقلال والحرية لانهما حق وعدل قبل كل
شىء ولانهما وسيلة لاطلاق مواهبنا العالية وقوانا المبدعة، وكيما نحقق على هذه
البقعة من الارض التي هي بلادنا غايتنا وغاية كل انسان، الانسانية
الكاملة.
تشرين الاول 1935
رد: في سبيل البعث
ثروة الحياة
العدد الاكبر من الشباب العربي. اذا كان الشباب في هذه البلاد لم يأت الينا بعد بالسرعة
واللهفة اللتين نريدهما فما الذنب كله يلقى عليه. اننا حتى الآن لم نعرف ان نفصح عن أفكارنا بوضوح ولا أجهدنا أنفسنا الجهد
الكافي لكي يكون كلامنا مفهوما لدى الآخرين
نعم اننا ثوريون ندعو لشكل جديد من أشكال المجتمع، نعتقد فيه الخير وتحقيق السعادة.
ولكن ألا يحق للذين لم يهتدوا بعد إلى ما اهتدينا اليه ولا اطلعوا على الذي اطلعنا عليه ان يسألوا: «وما هي فضائل
هذا الجديد الذي تقترحونه علينا، اننا مستاؤون من القديم،
ولكن أيكفي ذلك أن يورطنا في جديد مجهول؟
انهم على صواب، وليت هذا الجديد كان مجهولا عندهم، اذن لاكتفينا
بتعريفه اليهم، ولكنهم يعرفونه معرفة خاطئة، مشبوهة، وواجبنا يقضي بأن نمحو هذه
الشبهات عن وجه الحقيقة. ومن حسن الحظ اننا لسنا رجال سياسة يختارون الشوارع والحفلات لينشروا
دعايتهم، ويخاطبون العقل القاصر والشعور السطحي الفائر.
ان أحلامنا أصعب وأطماعنا أبعد. لذلك اخترنا الكتابة طريقا لبث
أفكارنا وهي على عكس الخطابة تتوجه إلى العقل الهادىء الرصين والعاطفة
العميقة الصادقة،هذا ما يضمن لنا انتباه
الشبيبة المثقفة المتحفزة لفهم الحقيقة واعتناقها، اذا آنستها في جهة ما.
ولكننا لم نعمل حتى الآن الا على تخييب ظنها فينا. وهل يروي ظمأ هذه الشبيبة ان نقتصر
على لعن المجتمع البرجوازي والاشادة بذكر الفردوس
الارضي الذي نحلم به حلم المؤمن بأطياف الجنة؟
لو سئلت عن أسباب ميلي للاشتراكية لأجبت: ان ما أطمع
به منها ليس زيادة في ثروة المعامل بل في ثروة الحياة، وليس همي ان يتساوى الناس
في توزيع الطعام بقدر ما يهمني ان يتاح لكل فرد اطلاق مواهبه وقواه. وقد لا
يرى العامل الرازح تحت بؤسه في الاشتراكية الا وعدا بأن يأخذ ما هو محروم منه،
ولكني لا انظر أليها أنا الا كعطاء دائم سخي، بأن نعطي
الحياة اضعاف مابذلته لنا حتى اليوم نظر الناس إلى الحياة
نظرة الكافر الجاحد لا نظرة المؤمن الواثق. هم يستكثرون منها أقل شيء لأنهم
لم ينتظروا منها شيئا. على أنها أغنى مما يظنون
لست أصدق ان القرن الكامل من السنين يعجز عن انتاج أكثر
من فرد او فردين او عشرة افراد يليق ان يمثلوا
الانسانية، وان نقول في الواحد منهم هذا هو الانسان. [/size]
لقد طال الأمد على الناس وهم يعتقدون الحياة فرنا وحشيا هائلا
توقد فيه الملايين منهم لاستخراج حبة من الذهب. وما
أحراهم ان ينظروا اليها كحقل واسع مديد تتفتح فيه
الورود والازهار من كل جانب بشتى الالوان والاشكال
كان العرب القدماء يعتقدون ان نفس القتيل الذي لم يؤخذ بثأره تتحول بعد موته إلى طائر
يحوم حول القبر صارخا متوجعا من عطشه المحرق. وكأن هذه
حال ألوف النفوس توارى كل يوم في التراب قبل ان تشفي من الحياة ظمأها، لأن أوضاع
المجتمع حولتها إلى حيوانات
ذليلة تقضي العمر خافضة الرأس إلى الارض تبحث عن لقمتها، بدلا من أن تكون
مخلوقات بشرية مشرئبة نحو النور تمنح أحسن ما عندها
انني أفكر لكل الذين يتململون في زوايا القبور من ثقل الآمال التي لم يتح
لهم المجتمع تحقيقها في الحياة، ومن
كنوز الخير والحب والحماسة التي بقيت كامنة في قلوبها
وما تسنى لهم اظهارها واستخدامها.[/size]
انهم أشبه بشجرة مورقة نقطعها ونلقيها في النار فتزهر وهي
تحترق، اذا كنت أدعو إلى الاشتراكية فلكي لا تحرم الحياة من مواهب هذه النفوس
وقواها الدفينة وجهودها الحرة الخصبة. ما نظرت إلى الاشتراكية في يوم من الايام كواسطة لاشباع
الجياع والباس العراة فحسب، ولا يهمني الجائع لمجرد كونه جائعا بل للممكنات الموجودة فيه،
التي يحول الجوع دون ظهورها، ولا أرى الاكل غاية له، بل سبيلا ليتحرر
من الضرورات الحيوانية وينصرف إلى القيام بوظيفته الانسانية
ان الذي يظن الاشتراكية دينا للشفقة مخطىء أيما خطأ، وما نحن رهبان نلوذ بالرحمة
لنطمئن وجدانا أقلقه مرأى البؤس والشقاء حتى نعظم في عيون أنفسنا وننام
هادئي البال. اننا في دفاعنا عن الجماهير المحرومة لا نمنحهم صدقة
بل نطلب لهم حقا، ولا يهمنا تخفيف البؤس اذا لم يكن ذلك لزيادة ثروة الحياة.
اذا سئلت عن تعريف للاشتراكية
فلن أنشده في كتب ماركس ولينين وانما أجيب: «انها دين الحياة، وظفر الحياة على الموت
فهي بفتحها باب العمل أمام الجميع، وسماحها لكل مواهب البشر وفضائلهم
ان تتفتح وتنطلق وتستخدم، تحفظ ملك الحياة للحياة، ولا تبقي للموت الا اللحم
الجاف والعظام النخرة.
عام1936
رد: في سبيل البعث
الايمان
ان الاساس الخالد لعملنا، الاساس
الذي لايتبدل ولا يستغنى عنه هو (الايمان ). والتفاؤل مظهر بسيط من مظاهر الايمان.
هذه نظرة قد يعتبرها بعضهم غيبية، ولكن الحياة برمتها تقوم عليها منذ ان وجدت
الحياة الانسانية. واذا طرحت هذه النظرة جانبا لايبقى تاريخ ولا يبقى إنسان.
ولو اعطونا ملك الارض ولو اعطونا
اليوم او في أي وقت الدولة العربية التي تتحقق فيها أهداف البعث وقالوا ان الايمان
سيكون مفقودا من حياة البشر الذين يكونون هذه الاولة المثلى، لقلنا اننا نفضل ان
نبقى أمة مجزأة وأمة مستعمرة ومستغلة، مظلومة ومستعبدة حتى نصل من خلال الآلام، من
خلال الصراع بيننا وبين قدرنا، بيننا وبين أنفسنا، الى اكتشاف حقيقتنا الانسانية.
هذا الايمان لا
يستطيع أحد ان يفخر بأنه أوجده وخلقه، هو في أعماق كل انسان، وفي أعماق كل
انسان عربي. وقا شاء قدر امتنا وتراثها وقيمها الروحية والانسانية ان يعب رهذا
الايمان عن نفسه بين مجموعة من الشباب، كانوا أبعد ما يكونون عن السياسة ورخص
السياسة : سموا بالخياليين والمثاليين والاطفال ولكنهم في هذه المرحلة من حياة
العرب، مثلوا على بعض أجزاء الارض العربية حقيقة النضال وقدسية النضال، ومثلوا شيثا
أعمق من حقيقة وقدسية النضال، مثلوا التفاني والتجرد وانكار الذات والتواضع أمام
الفكرة وامام صوت الحق وآلام الشعب.
هذا الايمان لم يقلل من شأنه أن تكون
تعبيراته لم تبلغ بعد درجة النضج والوضوح اللازمين له، فثمة فرق أساسي بين المبدأ
كروح، وبين المبدأ كذهن. فمبادئ الحزب كتعبيرات ذهنية هي بحاجة الى عمل طويل والى
دراسة وبحث لكي ترتقي شيئا فشيئا وتفيد من دراسات الامم الاخرى، ومن نتائج البحث
العلمي والتجربة الذاتية وتجربة الآخرين.
ان طريقنا طويلة وسوف يمر عليها افراد
وأجيال لذلك يجب أن يعرف السائرون على هذه الطريق كلمة السر التي تبقي على صحة
الطريق وأستقامته وأمانته وان ينقلها كل فرد لآخر، وكل جيل لآخر. وكلمة السر هذه
ليست نظرية يبرهن عليها وليست دستورا رياضيا، ولكنها هي الميزة التي تميز الانسان
في كل عصر وكل قطر... عفويته التي تميز بين الصدق والكذب. فهذه الروح العفوية التي
تغذيها التجارب ويصقلها الفكر والبحث، ولكن لا توجدها
التجارب ولا العلم ولا الفكر، هذا هو المقياس وكلمة السر.
عام 1943[/size]
ان الاساس الخالد لعملنا، الاساس
الذي لايتبدل ولا يستغنى عنه هو (الايمان ). والتفاؤل مظهر بسيط من مظاهر الايمان.
هذه نظرة قد يعتبرها بعضهم غيبية، ولكن الحياة برمتها تقوم عليها منذ ان وجدت
الحياة الانسانية. واذا طرحت هذه النظرة جانبا لايبقى تاريخ ولا يبقى إنسان.
ولو اعطونا ملك الارض ولو اعطونا
اليوم او في أي وقت الدولة العربية التي تتحقق فيها أهداف البعث وقالوا ان الايمان
سيكون مفقودا من حياة البشر الذين يكونون هذه الاولة المثلى، لقلنا اننا نفضل ان
نبقى أمة مجزأة وأمة مستعمرة ومستغلة، مظلومة ومستعبدة حتى نصل من خلال الآلام، من
خلال الصراع بيننا وبين قدرنا، بيننا وبين أنفسنا، الى اكتشاف حقيقتنا الانسانية.
هذا الايمان لا
يستطيع أحد ان يفخر بأنه أوجده وخلقه، هو في أعماق كل انسان، وفي أعماق كل
انسان عربي. وقا شاء قدر امتنا وتراثها وقيمها الروحية والانسانية ان يعب رهذا
الايمان عن نفسه بين مجموعة من الشباب، كانوا أبعد ما يكونون عن السياسة ورخص
السياسة : سموا بالخياليين والمثاليين والاطفال ولكنهم في هذه المرحلة من حياة
العرب، مثلوا على بعض أجزاء الارض العربية حقيقة النضال وقدسية النضال، ومثلوا شيثا
أعمق من حقيقة وقدسية النضال، مثلوا التفاني والتجرد وانكار الذات والتواضع أمام
الفكرة وامام صوت الحق وآلام الشعب.
هذا الايمان لم يقلل من شأنه أن تكون
تعبيراته لم تبلغ بعد درجة النضج والوضوح اللازمين له، فثمة فرق أساسي بين المبدأ
كروح، وبين المبدأ كذهن. فمبادئ الحزب كتعبيرات ذهنية هي بحاجة الى عمل طويل والى
دراسة وبحث لكي ترتقي شيئا فشيئا وتفيد من دراسات الامم الاخرى، ومن نتائج البحث
العلمي والتجربة الذاتية وتجربة الآخرين.
ان طريقنا طويلة وسوف يمر عليها افراد
وأجيال لذلك يجب أن يعرف السائرون على هذه الطريق كلمة السر التي تبقي على صحة
الطريق وأستقامته وأمانته وان ينقلها كل فرد لآخر، وكل جيل لآخر. وكلمة السر هذه
ليست نظرية يبرهن عليها وليست دستورا رياضيا، ولكنها هي الميزة التي تميز الانسان
في كل عصر وكل قطر... عفويته التي تميز بين الصدق والكذب. فهذه الروح العفوية التي
تغذيها التجارب ويصقلها الفكر والبحث، ولكن لا توجدها
التجارب ولا العلم ولا الفكر، هذا هو المقياس وكلمة السر.
عام 1943[/size]
رد: في سبيل البعث
المثالية الموهومة
كثيرا ما تقرن المثالية باسم البعث العربي وبأعضائه. تارة تقذف على سبيل النقد
ويراد فيها ان البعثيين غير واقعيين، وتارة تقال في معرض المدح. ولكن أشك كثيرا في
أن الذين يمدحوننا بهذا النعت يدركون تماما ما نفهم نحن من المثالية.
مثاليتنا هي هذه الروح المتفائلة الواثقة من نفسها ومن الأمة والمستقبل. هذه الروح
المؤمنة التي تعتقد ان المبادئ السامية لم توجد للتظرف بالكلام عنها، ولم توجد
لتكتب على الورق، وانما هي الحياة بعينها، وأنها تحققت في كثير من مراحل التاريخ
عندما وجد المؤمنون العاملون الصادقون، وانها يمكن ان تتحقق من جديد. هذه المثالية
هي في ان نعيش في صميم هذا الوسط الذي نرى مفاسده في كل ناحية والذي صممنا على
محاربته والظفر عليه، دون أن نفقد أملنا بأن يخرج من صميم هذا الوسط الفاسد نور
الحياة العربية.
انها في ان نكون على اتصال دائم مع هذا المجتمع، وعلى اتصال أشد وأوثق مع مبادئنا
وروح أمتنا، عندها نكون مثاليين وواقعيين في آن واحد.
أين هي المثالية الوهمية التي ينسبونها الينا فما دمنا نثبت يوما بعد يوم بأن هذه
المبادئ هي حياة نابضة بالدم وانها تجند جنودا أحياء.
ان هذا الجيل يزداد يوما بعد يوم وساعة بعد ساعة، فهل هذا وهم أم هو الحقيقة
بعينها؟
عام 1943
كثيرا ما تقرن المثالية باسم البعث العربي وبأعضائه. تارة تقذف على سبيل النقد
ويراد فيها ان البعثيين غير واقعيين، وتارة تقال في معرض المدح. ولكن أشك كثيرا في
أن الذين يمدحوننا بهذا النعت يدركون تماما ما نفهم نحن من المثالية.
مثاليتنا هي هذه الروح المتفائلة الواثقة من نفسها ومن الأمة والمستقبل. هذه الروح
المؤمنة التي تعتقد ان المبادئ السامية لم توجد للتظرف بالكلام عنها، ولم توجد
لتكتب على الورق، وانما هي الحياة بعينها، وأنها تحققت في كثير من مراحل التاريخ
عندما وجد المؤمنون العاملون الصادقون، وانها يمكن ان تتحقق من جديد. هذه المثالية
هي في ان نعيش في صميم هذا الوسط الذي نرى مفاسده في كل ناحية والذي صممنا على
محاربته والظفر عليه، دون أن نفقد أملنا بأن يخرج من صميم هذا الوسط الفاسد نور
الحياة العربية.
انها في ان نكون على اتصال دائم مع هذا المجتمع، وعلى اتصال أشد وأوثق مع مبادئنا
وروح أمتنا، عندها نكون مثاليين وواقعيين في آن واحد.
أين هي المثالية الوهمية التي ينسبونها الينا فما دمنا نثبت يوما بعد يوم بأن هذه
المبادئ هي حياة نابضة بالدم وانها تجند جنودا أحياء.
ان هذا الجيل يزداد يوما بعد يوم وساعة بعد ساعة، فهل هذا وهم أم هو الحقيقة
بعينها؟
عام 1943
رد: في سبيل البعث
المثالية الواقعية
المثالي ليس نقيض الواقعي، لأن الواقعي ليس الذي يستسلم للواقع بل الذي يفهمه. وقد
يفهمه ليماشيه ويستغله، او ليعلو عليه ويغيره. ولذلك يجوز ان يكون، وفي عرفنا يجب
أن يكون، المثالي واقعيا كي يقدر على تحقيق مثله في العمل.
ولكن الواقعية السائدة، ليست سوى الاستسلام للواقع، أما
بعامل الخوف والجبن، واما بباعث النفعية والاستغلال والاصح ان تسمى هذه الفئة بفئة
المستسلمين والمنتفعين.[/size]
عندنا سياسيون، فيهم
الشيوخ والكهول والشباب، ولكنهم مستسلمون ومنتفعون او مستسلمون لانهم منتفعون. دخل
أكثرهم العمل العام دون فهم كلي للقضية القومية، ودون أن يتصوروها كلا، فضاعوا في
الاجزاء، وعجزوا عن نفع القضية، فرأوا عندئذ ان لا بأس من
الانتفاع بها.
[size=21]وعندنا إلى جانب هؤلاء،
جيل جديد، مرشح لان يكون قوميا، دفعته أخطاء السياسيين ومغالاتهم الى أن يعتبر
ويفكر. وهذا الجيل لا يزال في دور النشوء والتهيؤ، لم يتسلم سلطة ولم يصل بعد الى
مرحلة التحقيق، وسيبقى زمنا طويلا. اذا فهم حقيقة مهمته - في دور النضال.
[size=21]والنضال يسمح له، بل
يشترط عليه ان يكون متشددا في مطاليبه، دقيقا في المحافظة على مبادئه، مبتعدا عن كل
تساهل تقضي به السياسة ويبرره استعجال النجاح.
عام 1943
المثالي ليس نقيض الواقعي، لأن الواقعي ليس الذي يستسلم للواقع بل الذي يفهمه. وقد
يفهمه ليماشيه ويستغله، او ليعلو عليه ويغيره. ولذلك يجوز ان يكون، وفي عرفنا يجب
أن يكون، المثالي واقعيا كي يقدر على تحقيق مثله في العمل.
ولكن الواقعية السائدة، ليست سوى الاستسلام للواقع، أما
بعامل الخوف والجبن، واما بباعث النفعية والاستغلال والاصح ان تسمى هذه الفئة بفئة
المستسلمين والمنتفعين.[/size]
عندنا سياسيون، فيهم
الشيوخ والكهول والشباب، ولكنهم مستسلمون ومنتفعون او مستسلمون لانهم منتفعون. دخل
أكثرهم العمل العام دون فهم كلي للقضية القومية، ودون أن يتصوروها كلا، فضاعوا في
الاجزاء، وعجزوا عن نفع القضية، فرأوا عندئذ ان لا بأس من
الانتفاع بها.
[size=21]وعندنا إلى جانب هؤلاء،
جيل جديد، مرشح لان يكون قوميا، دفعته أخطاء السياسيين ومغالاتهم الى أن يعتبر
ويفكر. وهذا الجيل لا يزال في دور النشوء والتهيؤ، لم يتسلم سلطة ولم يصل بعد الى
مرحلة التحقيق، وسيبقى زمنا طويلا. اذا فهم حقيقة مهمته - في دور النضال.
[size=21]والنضال يسمح له، بل
يشترط عليه ان يكون متشددا في مطاليبه، دقيقا في المحافظة على مبادئه، مبتعدا عن كل
تساهل تقضي به السياسة ويبرره استعجال النجاح.
عام 1943
رد: في سبيل البعث
الارض والسماء
لا مفر من هذا التعبير «الأرض والسماء» حتى بعد أن أفرغ من محتواه الديني. وليس
أقرب إلى الحقيقة من هذا التضاد بين عالمين، ما هو وقتي عارض فان، وما هو جوهري
دائم. للعالم، للفنان، أرضه وسماؤه. الأرض هي مطالب الجسم ولذات الحياة اليومية
ومشاغلها. والسماء هي مطالب العقل والروح، ولذات الحياة العليا وواجباتها. هذه
السماء لا تبلغ الا بتضحية الارض، وخسارة الارض على الارض
معناها عذاب الجحيم. وفي هذا الجحيم ومن خلال لهيبه ترمق العين وتستشف أفياء
الخلود.[/size]
لو كان الإفراط في اللذة وطلب الرفاهية وحب متع الحياة هو الذي يبعد السماء عن
الإنسان لهان الأمر، لأن المفرطين قليلون، وشروط الإفراط غير سهلة ولكن البلية ان
أكبر خطر يعرض سماء الإنسان الى الضياع، وأكبر حائل يقف بينه وبينها هو مطالب حياته
المعتدلة وسعادته المشروعة، وكل ما تنزع اليه الطبيعة السليمة ويأمر به العقل
وتوافق عليه الأخلاق، النصيب المشروع من الراحة والرفاهية والحرية والحب والصداقة.
ذلك لأن السماء غير طبيعية ولا معقولة، ولان لها أخلاقها الخاصة.[/size]
للحياة قوانين، بينها وبين القوانين الطبيعية هذا الفرق الجوهري، قوانين الطبيعة
تستكشف مرة واحدة، وقوانين الحياة يجب على كل فرد أن يستكشفها في حياته من جديد.
من هذه القوانين: أنه لا ربح بلا خسارة، ولا ربح الا على
قدر الخسارة، الى حد ان الذي يقبل بأن يخسر كل شيء يستطيع
وحده ان يأمل بالربح الأكبر.[/size]
أبعد الناس عن فهم الحياة، هم الذين يعتقدون بإمكان التوفيق بين النقيضين باستطاعة
المرء أن يربح من غير خسارة، ان يصعد الى السماء وقدماه لاصقتان بالارض. إذا صح ذلك
فلأن هذه السماء التي يقصدونها حقيرة الى حد ان المرء يتناولها وهو
قاعد، كاذبة زائفة يربحها بخدع القمار.[/size]
وهناك وهمان يجب ان يبددا، الأول ان نحسب السماء تبلغ بلا مشقة، والثاني حسبان
المشقة وحدها موصلة الى السماء، أو أنها هي السماء. الوهم الأول أشاعه غرور بعض
الفنانين او ذهولهم، فقد كتموا كل العذاب الذي قاسوه حتى امتلكوا قياد فنهم، او ان
عذوبة الفن لطفت من مرارة العمل الفني، وجمال القمة انساهم وعورة الطريق الذي سلكوه
لبلوغها. صحيح انه لا يبلغ السماء الا من وهب جناحان وقدرت له مواهب أساسية، ولكن
ما لا يقل عن ذلك صحة ان هذه المواهب لا تظهر الا اذا أصغى المرء الى ندائها، وصم
أذنيه عن جلبة العالم الخارجي ومغرياته وسهولاته، ووزن المسؤولية التي تفرضها وقبل
بها، وجرد لها من قوة الإرادة ما تقتضي. الجناحان يطيران بك اذا رميت كثيرا من
أحمالك حتى يستطيعا حملك، واذا رضيت بكثير من الضغط او المقاومة اللازمة لحملهما،
المصير العظيم لا يعني انك ستكون عظيما الا اذا تحملت عبء العظمة.[/size]
والوهم الثاني هو ان نحسب مجرد تحمل المشقة الكبيرة دليلا على المصير الكبير، وفي
هذا ما يضل عن الغاية ويغري باتخاذ الوسيلة بدلا منها. فبعد ان كانت وعورة الطريق
واسطة لبلوغ القمة تصبح هي الشغل الشاغل، ويستحيل العمل رياضة وبهلوانية، كل النفوس
التي تزهد للزهد، وتخاطر حبا بالخطر وتنزوي ارتياحا الى الإنزواء، هي نفوس بهلوانية
لا مثالية. كذلك الذين يحاكمون هذه المحاكمة: اذا كانت السماء وعرة الطريق، فكل
طريق وعرة توصل اليها. تلك هي العقول القاصرة.[/size]
ان المشقة محتومة ولكنها ليست مرغوبة، ومن الواجب التغلب عليها حتى تخف وتختفي.
عندئذ يصبح الذي يضحي بالأرض دون أن يشعر بألم التضحية عائشاً في السماء، او ان
الارض لديه تستحيل سماء.
عام 1944[/size]
لا مفر من هذا التعبير «الأرض والسماء» حتى بعد أن أفرغ من محتواه الديني. وليس
أقرب إلى الحقيقة من هذا التضاد بين عالمين، ما هو وقتي عارض فان، وما هو جوهري
دائم. للعالم، للفنان، أرضه وسماؤه. الأرض هي مطالب الجسم ولذات الحياة اليومية
ومشاغلها. والسماء هي مطالب العقل والروح، ولذات الحياة العليا وواجباتها. هذه
السماء لا تبلغ الا بتضحية الارض، وخسارة الارض على الارض
معناها عذاب الجحيم. وفي هذا الجحيم ومن خلال لهيبه ترمق العين وتستشف أفياء
الخلود.[/size]
لو كان الإفراط في اللذة وطلب الرفاهية وحب متع الحياة هو الذي يبعد السماء عن
الإنسان لهان الأمر، لأن المفرطين قليلون، وشروط الإفراط غير سهلة ولكن البلية ان
أكبر خطر يعرض سماء الإنسان الى الضياع، وأكبر حائل يقف بينه وبينها هو مطالب حياته
المعتدلة وسعادته المشروعة، وكل ما تنزع اليه الطبيعة السليمة ويأمر به العقل
وتوافق عليه الأخلاق، النصيب المشروع من الراحة والرفاهية والحرية والحب والصداقة.
ذلك لأن السماء غير طبيعية ولا معقولة، ولان لها أخلاقها الخاصة.[/size]
للحياة قوانين، بينها وبين القوانين الطبيعية هذا الفرق الجوهري، قوانين الطبيعة
تستكشف مرة واحدة، وقوانين الحياة يجب على كل فرد أن يستكشفها في حياته من جديد.
من هذه القوانين: أنه لا ربح بلا خسارة، ولا ربح الا على
قدر الخسارة، الى حد ان الذي يقبل بأن يخسر كل شيء يستطيع
وحده ان يأمل بالربح الأكبر.[/size]
أبعد الناس عن فهم الحياة، هم الذين يعتقدون بإمكان التوفيق بين النقيضين باستطاعة
المرء أن يربح من غير خسارة، ان يصعد الى السماء وقدماه لاصقتان بالارض. إذا صح ذلك
فلأن هذه السماء التي يقصدونها حقيرة الى حد ان المرء يتناولها وهو
قاعد، كاذبة زائفة يربحها بخدع القمار.[/size]
وهناك وهمان يجب ان يبددا، الأول ان نحسب السماء تبلغ بلا مشقة، والثاني حسبان
المشقة وحدها موصلة الى السماء، أو أنها هي السماء. الوهم الأول أشاعه غرور بعض
الفنانين او ذهولهم، فقد كتموا كل العذاب الذي قاسوه حتى امتلكوا قياد فنهم، او ان
عذوبة الفن لطفت من مرارة العمل الفني، وجمال القمة انساهم وعورة الطريق الذي سلكوه
لبلوغها. صحيح انه لا يبلغ السماء الا من وهب جناحان وقدرت له مواهب أساسية، ولكن
ما لا يقل عن ذلك صحة ان هذه المواهب لا تظهر الا اذا أصغى المرء الى ندائها، وصم
أذنيه عن جلبة العالم الخارجي ومغرياته وسهولاته، ووزن المسؤولية التي تفرضها وقبل
بها، وجرد لها من قوة الإرادة ما تقتضي. الجناحان يطيران بك اذا رميت كثيرا من
أحمالك حتى يستطيعا حملك، واذا رضيت بكثير من الضغط او المقاومة اللازمة لحملهما،
المصير العظيم لا يعني انك ستكون عظيما الا اذا تحملت عبء العظمة.[/size]
والوهم الثاني هو ان نحسب مجرد تحمل المشقة الكبيرة دليلا على المصير الكبير، وفي
هذا ما يضل عن الغاية ويغري باتخاذ الوسيلة بدلا منها. فبعد ان كانت وعورة الطريق
واسطة لبلوغ القمة تصبح هي الشغل الشاغل، ويستحيل العمل رياضة وبهلوانية، كل النفوس
التي تزهد للزهد، وتخاطر حبا بالخطر وتنزوي ارتياحا الى الإنزواء، هي نفوس بهلوانية
لا مثالية. كذلك الذين يحاكمون هذه المحاكمة: اذا كانت السماء وعرة الطريق، فكل
طريق وعرة توصل اليها. تلك هي العقول القاصرة.[/size]
ان المشقة محتومة ولكنها ليست مرغوبة، ومن الواجب التغلب عليها حتى تخف وتختفي.
عندئذ يصبح الذي يضحي بالأرض دون أن يشعر بألم التضحية عائشاً في السماء، او ان
الارض لديه تستحيل سماء.
عام 1944[/size]
رد: في سبيل البعث
المستقبل
ليس بيننا وبين المستقبل الذي يتحدث عنه البعث العربي والذي هو موضوع
عملنا ونضالنا زمن حسابي يقدر بالاشهر والسنين. انه زمان نفسي نستطيع أن نحققه
منذ الآن وان نملكه فنملك به الخلود.
ليس المستقبل هو الزمان الذي سيأتي، بل المستوى النفسي والفكري الذي
علينا أن نصل اليه في الوقت الحاضر.
لسنا بحاجة الى سنين ولا الى أشهر، فقد يصل المرء الى هذا المستقبل في
ثانية واحدة، عندما يدرك الفرد ذاته المثالية ويعي ويصمم.
فالمستقبل الذي يمثله البعث هو الصورة عن حياة أمتنا عندما يتحقق البعث،
أي عندما يتحقق الانقلاب العربي. انه صورة الامة العربية في حياتها السليمة
المقبلة، فعلى هذه الصورة ان تتحقق منذ الآن في البعث العربي حتى ينجح.
ان بيدنا أسلحة كبيرة وقوى كبيرة هي قوة المبادئ التي نعمل لها ونحيا من
أجلها، وقوة التنظيم، ولكن ثمة قوة تفوق كل القوى الاخرى هي ان نجسم للامة
مستقبلها، وأن نحقق هذا المستقبل منذ الآن وان نحياه بيننا.
فلن نقول للعرب انكم ستصلون الى الحياة الموحدة الحرة الاشتراكية، وبكلمة
واحدة، للحياة البعثية، في المستقبل عندما يتحقق البعث العربي، وانما نقول لهم :
هذه هي صورتها منذ الآن. هذه الحياة التي تزول فيها الفروق الاجتماعية والحواجز
الاقليمية والنعرات الطائفية، وكل أثر للعبودية والمصلحة الخاصة والجهل والتقليد.
عندها يأتي المستقبل الينا، وينمو فينا ولا يعود شيئا منفصلا وخارجا عنا.
عام 1950
ليس بيننا وبين المستقبل الذي يتحدث عنه البعث العربي والذي هو موضوع
عملنا ونضالنا زمن حسابي يقدر بالاشهر والسنين. انه زمان نفسي نستطيع أن نحققه
منذ الآن وان نملكه فنملك به الخلود.
ليس المستقبل هو الزمان الذي سيأتي، بل المستوى النفسي والفكري الذي
علينا أن نصل اليه في الوقت الحاضر.
لسنا بحاجة الى سنين ولا الى أشهر، فقد يصل المرء الى هذا المستقبل في
ثانية واحدة، عندما يدرك الفرد ذاته المثالية ويعي ويصمم.
فالمستقبل الذي يمثله البعث هو الصورة عن حياة أمتنا عندما يتحقق البعث،
أي عندما يتحقق الانقلاب العربي. انه صورة الامة العربية في حياتها السليمة
المقبلة، فعلى هذه الصورة ان تتحقق منذ الآن في البعث العربي حتى ينجح.
ان بيدنا أسلحة كبيرة وقوى كبيرة هي قوة المبادئ التي نعمل لها ونحيا من
أجلها، وقوة التنظيم، ولكن ثمة قوة تفوق كل القوى الاخرى هي ان نجسم للامة
مستقبلها، وأن نحقق هذا المستقبل منذ الآن وان نحياه بيننا.
فلن نقول للعرب انكم ستصلون الى الحياة الموحدة الحرة الاشتراكية، وبكلمة
واحدة، للحياة البعثية، في المستقبل عندما يتحقق البعث العربي، وانما نقول لهم :
هذه هي صورتها منذ الآن. هذه الحياة التي تزول فيها الفروق الاجتماعية والحواجز
الاقليمية والنعرات الطائفية، وكل أثر للعبودية والمصلحة الخاصة والجهل والتقليد.
عندها يأتي المستقبل الينا، وينمو فينا ولا يعود شيئا منفصلا وخارجا عنا.
عام 1950
رد: في سبيل البعث
خبرة الشيوخ واندفاعات الشباب
... لننظر(1) ما هي حقيقة هذه النظرة (خبرة الشيوخ واندفاعات الشباب ) وما نصيبها من الصدق
وبالتالي ما هو أثرها في حياتنا وانشاء مستقبلنا؟ ينظرون الى الحياة نظرة سطحية
تأخذ بالمظهر، فيرون ان الانسان يبدأ صغيرا في جسمه وفي عقله فيرون ان الصغر هوا
لنقص وأن الكبر هوا لكمال. ولكن اذا تعمقنا قليلا فاننا واجدون ان الانسان في سن
الشباب يحتوي على أعلى درجة وأكبر طاقة من الفضائل الحية، وأنه ان كان لايستطيع
التعبير عنها باللفظ والكمال وبالحكمة والرصانة فما ذلك الا لأنها فضائل حية متقدة
لا تترك لها حيويتها مجالا لان تصاغ في الكلام، الكلام الحكيم والافكار الرصينة،
ولا تترك لها مجالا ان تنظر الى الوراء وتراقب وتشاهد بدل أن تندفع وتعمل، بدل ان
تقرر، بدل أن تخلق وتبدع. فما يراه الجيل القديم وذوو النفوس الضعيفة نقصا في
الشباب ليس الا الكمال ذاته، وما يحسبونه كمالا في الشيخوخة ليس الا نقصا: فالشاب
تؤهله الحياة لان يبقى متحررا من شتى المؤثرات النفعية الجبانة الانهزامية لان
الحياة تأبى عليه كل ذلك وعندما يبدأ يجتاز سن الشباب ويبدأ الوسط يعمل فيه تأثيرا
وتخديرا ليهبط به الى مستوى العجز والخنوع والتشاؤم وليكبله بشتى القيود الاصطلاحية
المصطنعة وليجعل منه حيوانا اليفا، عندها يدخلون في روعه انه بدأ يكتمل ويختمر،
وانه زاد عما قبل واكتسب شيئا جديدا وهو بالواقع بدأت خسارته وبدأت حيويته ينال
منها الضعف وبدأت عفويته تؤسر وبدأ ينبوع نفسه المتدفق تلقى فوقه الاحجار والصخور
حتى ينضب ويجف.
[size=21]فاذا نظرنا أيها الاخوان الى حالة الامة العربية في هذا الظرف الخطير... اذا عرفنا ان شر ما تبتلى
به امتنا هوا لنفعية والجبن والتخاذل استطعنا ان نستنتج بسهولة أن صفات الشباب
ومميزات الشباب هي وحدها المتلائمة مع حاجات أمتنا المتحفزة للبعث والنهوض.
[size=21]وبين الشباب وبين أمتنا موعد وتلاق وتوافق وانسجام. وما يسمونه خيالية الشباب وما يسمونه طيشا وقصرا في
النظر وعدم تقدير للعواقب، هوالحدس الصافي والحس السليم والفهم العميق لمبادئ حركة
الانقاذ في حياة امتنا.
فاذا أضفنا الى سن الشباب صفة الثقافة والوعي اهتدينا الى الشرطين الاساسيين اللذين لا غنى عنهما
لحركة الانقاذ والخلاص :
[size=21]1- شرط الوعي والثقافة.
[size=21]2- شرط الشباب.
[size=21]ولكن في مجتمع كمجتمعنا
ما زال يتحكم به الاجنبي تارة بصراحة كما في بعض أجزاء أرضنا وتارة بصورة مستورة من
وراء الطبقات النفعية المتآمرة على حياة شعبنا، وما دام مجتمعنا مسيرا لمصلحة
الاستعمار والطبقات المستثمرة، فمن العبث أن ننتظر منهما لرسالة الشباب ورسالة
الثقافة نفعا يصدر عن مؤسسات المجتمع الرسمية وعن المدارس بصورة خاصة. فهذا المجتمع
الذي يسيطر على تنشئة اجيالنا يزيف رسالة الشباب ورسالة الثقافة، ويحاول ان يجعل من
الشباب شيوخا وهم في ميعة الصبا ويحاول أن يجعل من الثقافة أداة خمول بدل ان تكون
أداة ثورية لتعيد الينا الحياة العربية السليمة الصافية...
[size=21]لذلك لا بد أن يضطلع
بهذه المهمة من هم متحررون من آثار المجتمع وسيطرة الحكومات والمؤسسات الرسمية
ليعيدوا الى الشباب ثقته بنفسه وليحملوه مسؤوليته بيده. فكانت مهمة الاحزاب
الانقلابية والحركات الشعبية، هي أن تنشئ مدرسة صريحة سليمة يسمع فيها الشباب نداء
روحهم، ليؤدوا رسالتهم.
[size=21]أيها الاخوان: في
المجتمعات السليمة تكون مهمة التثقيف ان يحافظ الشباب على شباب نفوسهم وعلى نضارتها
وعلى حرارة عاطفتهم وعلى عفوية اندفاعاتهم حتى بعد ان يجتازوا سن الشباب. فالمجتمع
السليم هو الذي يمد في عمر الشباب، يمد في أجل الشباب. اننا نشاهد آثار ذلك في بعض
الامم الراقية وكيف ان الشيوخ والكهول هم من القدرة على التجدد المستمر والابداع
المستمر مما هيأ لمجتمعاتهم أن تقوى على الفناء وأن تتكيف مع نواميس الحياة وان
تستمر في الصعود.
[size=21]فميزة المجتمع السليم
هي انه يبقي على النزعة المثالية، يبقي على النظرة الحرة المنطلقة، وعلى روح
الكفاح، هي انه يقضي على النظرة النفعية... يجدد فتوة النفس بشتى الوسائل، بالفن،
والفكر، لكي يبقى الانسان جديرا بهذه التسمية ولكي تبقى انسانيته سليمة.
[size=21]ولكن المجتمع المتأخر،
المجتمع الذي يحتاج الى ثورة وانقلاب هو على العكس، يسعى لجعل شبابه كهولا وشيوخا
متخلفين...
[size=21]هذا ما نشاهده في
مجتمعنا الحاضر... هذه المحاولة المجرمة التي تريد أن تقضي على اندفاعات الشباب
التي هي أثمن كنز في امكانيات امتنا، فاذا وعى الشباب هذا القدر الجليل الذي يؤهلهم
ان يمثلوا انتفاضة امتهم في هذه المرحلة وأن يستغلوا فضائل الحياة أبعد استغلال...
أن ينشدوا الثقافة الحرة التي تربطهم بمصير أمتهم...
[size=21]وأي حرية أوسع وأعظم من
أن يربط الانسان نفسه بنهضة امته وثورتها.
عام 1955
(1) ألقي هذا الحديث في حفلة اقامها الطلاب الثانويون في دمشق للتعارف بتاريخ 7
نيسان 1955
مواضيع مماثلة
» في سبيل البعث: مقتطفات من " البعث أصالة عربية وعقل ثوري"
» في سبيل البعث : مقتطفات من " عصر الوحدة"
» في سبيل البعث: مقتطفات من " الإيمان" زيد احمد الربيعي
» في سبيل البعث واجب العمل القومي الجزء الاول
» في سبيل البعث : مقتطفات من "الثورة العربية في طريق النضج"
» في سبيل البعث : مقتطفات من " عصر الوحدة"
» في سبيل البعث: مقتطفات من " الإيمان" زيد احمد الربيعي
» في سبيل البعث واجب العمل القومي الجزء الاول
» في سبيل البعث : مقتطفات من "الثورة العربية في طريق النضج"
ملتقى الفكر القومي :: المنتدى الفكري والثقافي ***(حزب البعث العربي الاشتراكي وجبهة التحرير العربية) :: مكتبة الحزب والجبهة
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى