المدافعون عن الاستعمار الايراني : من هم ؟ - صلاح المختار
صفحة 1 من اصل 1
المدافعون عن الاستعمار الايراني : من هم ؟ - صلاح المختار
المدافعون عن الاستعمار الايراني : من هم ؟
الصديق هو الذي يعرف اغنية قلبك ويستطيع ان يغنيها لك عندما تنسى كلماتها مثل
مقدمة
حاولنا لسنوات ان نتجنب النقد المباشر لاشخاص وعناصر وتنظيمات عربية تدعم ايران وتروج لها ، رغم الدور الايراني الاجرامي والخطير في العراق والوطن العربي كله ، انطلاقا من فكرة ان الصمت والصبر قد يؤديان الى يقظة وعي هؤلاء فيدركون ان ايران لاتختلف ، من حيث الجوهر والواقع ، عن الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الامريكية لانها ، مثلهما ومعهما ، تحتل اراض عربية ، كالاحواز التي تضم اكثر من ثمانية ملايين عربي ، اي حوالي ضعف عدد الشعب الفلسطيني ، وفيها اكثر من 80 % من ثروات ايران الحالية وتمتد على طول الساحل الشرقي للخليج العربي من العراق حتى عمان ، اي انها اكبر مساحة من كل دول الخليج العربي باستثناء السعودية ، كما ( يكتشفون ) ان ايران هي الشريكة الاهم والاخطر لامريكا في غزو العراق وفي كل ما جرى ويجري فيه منذ الغزو ، وانها تحتل اجزاء من العراق غزتها بعد احتلال العراق ، أضافة لادراك مغزى غزو الجزر العربية الثلاثة التي ترفض ايران حتى التفاوض من اجل اعادتها للامارات العربية المتحدة وهو ان غزو ارض عربية لا تقوم به دولة اسلامية داعمة للقضية الفلسطينية ، والانتباه الى ان نشر الفتن الطائفية في الوطن العربي هو عمل ايراني في المقام الاول والعاشر والمائة بعد الالف ، نتيجة فشل الكيان الصهيوني والغرب الاستعماري في نشرها في العقود الخمسة السابقة ، واخيرا وليس اخرا فهم طبيعة ونتائج سعي ايران الرسمي للسيطرة على البحرين .
كنا نرى ونتمنى ان يكون هذا الادراك مقدمة لابد منها للوصول الى نتيجة منطقية واحدة وهي ان ايران الحالية بسياساتها التوسعية ، والمتلاقية ستراتيجيا مع امريكا والكيان الصهيوني ، هي دولة استعمارية لا تختلف عن كل دولة استعمارية حاليا وفي التاريخ .
وهذا الوعي المطلوب يجب ان يتوج بادراك واضح لا لبس فيه لحقيقة اكدها واقع العرب والمنطقة وهي ان ايران تنفذ مشروعا تقسيميا في الوطن العربي محوره محو الهوية العربية عبر شرذمة العرب على اساس طائفي ، تماما مثلما يفعل الكيان الصهيوني وامريكا ، ومن ثم فانها ، من حيث الطبيعة والجوهر والدور الفعلي ، استعمار اقليمي كلاسيكي وصريح تنطبق عليه كل سمات الاستعمار التقليدية ، خصوصا الاستعمار السكاني ، وفي هذه الخصيصة تبدو ايران الاستعمارية التوأم الطبيعي للنزعة الاستعمارية للكيان الصهيوني .
لقد تجاوز هؤلاء كل الحدود واعتدوا على الحقائق الموضوعية بل انهم تطرفوا الان اكثر في الدفاع عن ايران خصوصا بعد افتضاح امرها ونزعتها الاستعمارية واثبات انها شريك امريكا في كل الجرائم في الوطن العربي ، واصبح واضحا لنا ولغيرنا انه ، بعد مرور ست سنوات على غزو العراق ودخوله العام السابع ، ورغم كل الكوارث التي حلت به نتيجة الغزو الامريكي والذي لعبت فيه ايران الدور الحاسم والاساسي جنبا الى جنب مع الدور الامريكي وهو دور اهم واخطر من الدور البريطاني ، نقول اصبح واضحا لنا ولغيرنا بانه لم يعد بالامكان توقع تغيير هؤلاء لمواقفهم من ايران والعراق ومن الفتن الطائفية والسياسات الاستعمارية التي تروج لها ايران كالكيان الصهيوني وامريكا تماما .
من هنا فان دق جرس الانذار للراي العام العربي ، ولهم بالذات ، كاجراء اخير قبل ان نشرع باتخاذ موقف اخر اكثر صراحة ووضوحا تجاههم يقوم على تسمية الاشياء بمسمياتها الحقيقية دون مراعاة لمشاعر او تأن التزمنا به اكثر من ستة اعوام في حين ، وللتاريخ ، اننا بادرنا فورا للتصدي للساداتية التقليدية فورا وقمنا بعزلها ومحاربتها وفضحها .
اليوم تصل حالة دعم بعض الافراد العرب والكتل العربية لايران ذروة لم يسبق لها مثيل هي حالة تشبه السعار المرضي المزمن الذي لا يكشف عن اسبابه الا التذكير بتزامن هذا السعار مع افتضاح دور ايران المساوم مع امريكا ، وليس المقاوم ، واشتداد حمى عقد صفقة امريكية – ايرانية على حساب العراق والامة العربية ، كما تؤكد كل المؤشرات ، وهي حالة تكشف ابعادا جديدة عن الاهداف الاستعمارية الاقليمية لايران ، وتؤكد ان من يدافع عن ايران يدرك تماما انه يدعم ظاهرة استعمارية سكانية توسعية كلاسيكية . في هذا الوقت بالذات يتجرد هؤلاء من كل منطق وموضوعية ويستعيضون عنهما بمارسة الحيل المعلوماتية والسياسية المبتذلة من اجل مواصلة دعم ايران وتضليل الجماهير العربية ومنعها من اكتشاف دورها الستراتيجي الحقيقي المكمل والمتلاقي ، مباشرة ورسميا وبوضح اكبر وادق من وضوح خدمة السادات ، مع المخططات الامريكية والصهيونية في الوطن العربي .
وبمقارنة مباشرة بين داعمي ايران وداعمي امريكا والكيان الصهيوني يمكن ملاحظة ان داعمي ايران هم الاشد تخريبا وخطورة من كل عملاء الاجانب في الوطن العربي ، خلال اكثر من نصف من قرن ، لسبب بسيط هو ان هؤلاء يتحدثون بلغة تحررية معادية لامريكا والكيان الصهيوني وينتمون لتيارات سياسية عربية كانت لها اصالة وطنية وقومية ، ويستخدومن الاسلام راية لهم ويتداخلون معنا في الكثير من الامور ، بعكس عملاء الغرب والصهيونية اللذين عزلوا انفسهم عن الامة بمجرد اختيار دعم الغرب الاستعماري والصهيونية . نحن بمواجهة خطورة خيول طروادة االايرانية الفائقة الاستثنائية في داخلنا ، لقد اخترقوا حصوننا وشرعوا بتدمير اسوار حصانتنا القومية والوطنية بفتن طائفية غير مألوفة ، من هنا فان دق ناقوس خطر هؤلاء يتطلب اول ما يتطلب تسمية الاشياء باسمائها الحقيقية وعدم التساهل باي شكل من الاشكال مع داعمي ايران .
ولن يتم ذلك الا بتسليط الضوء على حيلهم وكشفها ونزع البراقع التي تتستر بها ايران وادواتها ، تمهيدا لخطوة لاحقة تقوم على فضح المدافعين عن ايران بلا رحمة وبالاسماء ونزع كل اقنعتهم ليراهم الراي العام على حقيقتهم المجردة . اننا نواجه في حالة المدافعين عن ايران مخلوقات هي الاشد سلبية اخلاقيا وقوميا ووطنيا ودينيا ، لان عملاء الغرب والصهيونية يوجد في داخلهم شعور بالعار يجعلهم منكسروا الشخصية في حين ان انصار ايران يتحدثون باسم دعم فلسطين بفخر وهم يساهمون في ذبح العراق او التستر على دور ايران الرئيسي فيه ، ويزورون بوقاحة فريدة موقف ايران بوصفها ب ( سند المقاومة ) ، رغم انها اخطر اعداء المقاومة العربية الرئيسية والاهم وهي المقاومة العراقية ، التي تخوض ام المعارك اي معركة الحسم وكسر العظم مع امريكا درع الكيان الصهيوني !
هل هذه مبالغة ؟ كلا فقط انظروا الى ما يجري في العراق والاقطار العربية منذ وصول خميني للسلطة من فتن طائفية كانت غير موجودة ، خصوصا تلك التي تميزت بالكارثية بعد غزو العراق وتبلور الحقيقة الخاصة بالدور الايراني .
نماذج من الحيل
سنتناول كتابات كتاب مع الاسف يحملون اسماء عربية لكنهم بولائهم فرس متطرفين اكثر من بني فارس ، وسنقدم في البداية مقالان يعبران بصورة نمطية عن حيل المخابرات الايرانية التي يمارسها انفار عرب لتجميل وجه ايران ، احدهما لاسلاموي تونسي والاخر لتوأمه المصري ، وبعدها سنقدم وننقد اراء كتاب اخرون ، الاول كتب مقالا حمل عنوانا منحازا يبرئ ايران من كل جرائمها ويتهم العرب ، كل العرب ، يتهم المقاومة الوطنية المسلحة ضد امريكا كما يتهم الانظمة التابعة لها ، ويلخص جهد هذا البعض المنحاز لايران وهو هذا العنوان : ( ايران خطر على من ؟ ) نشر في الجزيرة نت يوم 1 / 5 / 2009 ، والثاني مقال للاسلاموي المصري نشر في صحيفة الخليج الاماراتية يوم 12 / 5 / 2009 تحت عنوان هو الاخر منحاز سلفا ومع سبق الاصرار وهو ( في الجاهلية السياسية ) ، وفي هذين المقالين تطرح تساؤلات تبدو ، لمن لا يعرف ولا يعي ما جرى ويجري في العراق والوطن العربي ، طبيعية ومنطقية ، ولكنها ، بالنسبة لمن لديه حد ادنى من المعرفة والمعلومات حول الوضع العربي والاقليمي والدولي ، تعد دليلا كامل الاركان على وجود انحياز تام ومسبق لايران يقوم على تجاهل سياساتها الخطيرة ، وهي سياسات لا تقل خطورة عن السياسات الامريكية – الصهيونية تجاه الامة العربية ، فماذا يقول هذان الاسلامويان ؟
وقبل الخوض في تحليل هذا الموقف ، يجب التذكير بحقيقة تحدد هوية هؤلاء وهي اننا نحن ، وليس غيرنا من الذين يوصفون بانهم ( قوى ممانعة ومقاومة ) ، من نمثل جبهة الرفض الحقيقية للسياسات الاستسلامية والتساومية التي تعترف بالكيان الصهيوني منذ السبعينيات ، ونحن من نمثل قوى المقاومة الاساسية في ساحة الصراع الرئيسي ( العراق ) منذ عام 1991 وخصوصا بعد غزوه في عام 2003 ، ونحن من نواصل اصرارنا على التمسك بثوابتنا القومية والوطنية والاجتماعية تجاه فلسطين وقضية تأميم النفط ، والذي دفعنا لرفض المساومة فخسرنا السلطة وتحولنا الى حركة تحرر وطني تقاوم بالسلاح في اخطر حرب تحرير في العالم ، نحن الذين رفضنا بشكل قاطع في العقود الثلاثة الماضية ، ونرفض بشكل قاطع الان السياسة الاستسلامية تجاه فلسطين بشكل عام وتجاه موضوع غزة بشكل خاص ، وهذا امر معروف يجب تذكره لتجنب الوقوع في فخ ايران واتباعها القائم على تصوير من ينتقدها او يهاجم سياساتها على انه من انصار امريكا والكيان الصهيوني .
اذن من ينتقد هو من يقاتل امريكا ويقاومها وليس من يساومها مثل ايران ، ومن ينتقد يعمل يوميا وتفصيليا على دحر المؤامرة الاخطر في تاريخنا كله وهي مؤامرة مشتركة امريكية – صهيونية - ايرانية ، وليس من يشارك بدور رئيسي وخطير في تنفيذها ، ومن ينتقد يكشف كل الادوار التامرية الحالية بما فيها الدور الايراني وليس التركيز على دور امريكا وانظمة عربية فقط واغفال دور ايران ، كما يفعل سحرة ايران الناطقين بالعربية بمنطقهم الانتقائي المقيت .
يقول التونسي : ( تتصارع الدول في العالم ، تتجمع تتفرق ، تتحارب تتصالح ، تصادق تعادي ، كل ذلك بحسب ما تقدره من مصالح تستجلبها لشعوبها ومفاسد ومضارها تدرؤها عنها ، ذلك ما هو مستقر من ثقافة سياسية تتحكم في سياسات الدول في عصرنا ، وعلى أساس تحليلها والتعمق فيها يمكن الوقوف بجلاء على الموجّهات الحاكمة لهذه السياسة أو تلك من سياسة هذه الدولة أو تلك . ) . ويضيف ( لكل دولة مصالح قومية عليا – لاحظوا قومية وليس دينية حسب هذا الاسلاموي - تتحدد في ضوئها جملة سياساتها مما يسمى أمنها القومي ، بما يحفظ بقاءها وأمنها وتماسكها وجملة مصالحها في توفير العيش الكريم لشعبها . وتتحدد تلك المقومات تحديدا موضوعيا مرعيا فيه قبل كل شيء مصلحة المحكومين الحاضرين والقادمين وليس فقط الحاكمين ، تحديدا يضبط بدقة الأخطار المتربصة بتلك المصالح العليا ، على موارد عيش الناس الأساسية وعلى سيادتهم على أرضهم ، ويعني ذلك وقبل كل شيء التحديد الدقيق للعدو ) . )
ان السؤال في ضوء هذين النصين هو : - هل هذا منطلق ومنطق رجل دين او رجل متدين في الحد الادنى ؟ ام انه راي سياسي محترف علماني صرف وبراغماتي صرف يؤمن بان المنفعة هي المحرك وليس المبادئ او القيم الدينية ؟ ان الفكر الديني ينطلق من بديهية معروفة وهي ان المبادئ والقيم الاسلامية تحكم سياسة الدولة وليس المصلحة او المنفعة ، اذن ما الذي جعل التونسي هذا ، ذو اللحية التي توحي بانه رجل دين ، يلجأ الى هذا التوصيف غير كونه تعبير عن قناعته هو وهي قناعة تبعده عن الدين والتدين ؟
اذن ، وقبل البدء في نقد ما كتب ، يجب ان تلاحظوا من الفقرتين السابقتين ان هذا الرجل ليس اسلاميا باي شكل من الاشكال رغم لحيته ، بل هو اسلاموي ، وبما ان تسمية الاسلاموية كهف عتيق يستطيع ان يخفي تحت ستر ظلامه كل التناقضات فانه علماني على الطريقة الفرنسية ، بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى فرنسي ، وهو براغماتي على الطريقة الامريكية ، بكل ما تعنيه هذه الكلمة في امريكا من معنى يصل حد تحليل واباحة اي شيء يحقق الفائدة بغض النظر عن لا مشروعيته او لا اخلاقيته ، وهذا ما يمكن الوصول اليه من خلال تعريفاته التي استهل بها مقاله والتي تناقض الفكر الديني والمنطلقات التي يتمسك بها كل مؤمن حقيقي بالله والاسلام .
الحيلة الاولى : ايران تدعم المقاومة
بعد هذه المقدمة نراه يقول : ( إن ضخامة الحملة الضارية التي يتعرض لها حزب الله وإيران وقوى المقاومة من وراء ذلك ، بذريعة تهديد حزب الله الأمن القومي لمصر انطلاقا من ضبط خلية تعمل لمساعدة المقاومة الفلسطينية ، قد تجاوزت كل الحدود المعقولة للتعامل مع حركة مقاومة نذرت نفسها - كما تشهد سيرتها- على تفرغها لعمل المقاومة ، ولم يثبت عليها دخول في نزاع مع أي نظام) .
لنتابع دعاية التونسي : (ويكفي للتدليل على ذلك المقارنة بين خلايا التجسس الإسرائيلي المبثوثة في مصر والتي ضبط الأمن شبكات منها أكثر من مرة فاكتفى بإحالتها على القضاء ونشر خبرا عنها ، دون أن يتخذ من ذلك منطلقا لحملة شاملة ضد الكيان الصهيوني وكل حلفائه كما يفعل اليوم مع قوى المقاومة جماعات ودولا ، بمناسبة ضبطه لخلية تعمل في مساندة المقاومة الفلسطينية ، بما له دلالة واضحة على : - :
أ- وجود نية مبيتة لاستهداف هذه الأطراف : حزب الله وحماس وإيران والإخوان – يقصد الاخوان المسلمون - وقطر وسوريا ، بنوع من الثار الصغير مما تعرض له النظام المصري خلال أيام غزة العصيبة من ضغوط هائلة ، بسبب إصراره على إغلاق معبر رفح إسهاما في خنق 1.5 مليون نسمة من جيرانه ) .أرجو عدم اهمال ان التونسي ادخل عمدا وزج زجا الاخوان المسلمين وقطر ، وهذه العمل يشير الى هويته الايديولوجية وربما الى مصادره المالية .
اما الاسلاموي المصري فهو ، وبتناغم واضح ، يكرر نفس اسس الدعاية الايرانية فيقول ( لا أعرف مرحلة في التاريخ العربي المعاصر اختلطت فيها الأوراق وانقلبت المعايير مثل ما هو حاصل الآن ، الأمر الذي يسوغ لي أن أصف أيامنا هذه بأنها زمن الجاهلية السياسية ) . في هذه الفقرة وضع الاسلاموي المصري نفسه في فخ محكم ، كما سنرى ، لانها تنطبق عليه وعلى كل من يدافع عن ايران . ويضيف (الجاهلية في القاموس المحيط هي عدم إدراك ما لا بد من معرفته . وعدم الإدراك هذا له أسباب عدة أزعم أنها تتراوح بين العبط والاستعباط . فعندما يصرح الرئيس “الإسرائيلي” شمعون بيريز أمام مؤتمر مجلس العلاقات الأمريكية - “الإسرائيلية” (إيباك) مثلاً بأن إيران هي الخطر المشترك الذي يهدد “إسرائيل” والعرب ، فذلك هو الاستعباط حقاً. أما إذا صدقه أحد من العرب فذلك هو العبط بعينه ) . هنا يحدد طبيعة ما قاله بيريز ولكن بصورة مقلوبة لان بيريز يعرف ان ايران ليست العدو الحقيقي للكيان الصهيوني لذلك فهو يتظاهر بالاستعباط ، اما العبط الذي يصف الاسلاموي المصري من يصدق ما قاله بيريز فهو في تصوره ان الناس لا ذاكرة ولا وعي لها فتنسى ان خطورة ايران واقع ملموس عرفه العرب منذ رفع خميني شعار ( نشر الثورة الاسلامية ) و( ان تحرير القدس يمر عبر تحرير بغداد ) ووصل الخطر ذروته في الانكشاف اثناء وبعد غزو العراق ، ومع ذلك يلجأ الى حيلة وضع من يتهم ايران في حضن النظم العربية التابعة لامريكا حتى لو كانت المقاومة في العراق ، بكافة فصائلها ودون أي استثناء ، والتي تعد ايران الشريك الاساسي لامريكا في غزو العراق ! كيف نوزع صفة الاستعباط وصفة العبط في هذه الحالة ؟ ومن يستحقهما ؟
وبرغبة تنظيرية محبطة يقول ( من الجاهلية السياسية أن نفقد البوصلة التي تحدد الوجهة والترتيب الذي يحدد لها “واجب الوقت”، بما يؤدي إليه من خلل في ترتيب الأولويات ) . جميل جدا ولكن هل عرف الاسلاموي المصري ان بوصلته خربة لانها قادته الى اتجاه معاكس للاتجاه الذي يجب ان يسلكه في التعامل مع الجاهلية ؟ الا يعرف اين تدور المعركة الرئيسية ؟ الا يعرف انها لا تدور في لبنان او فلسطين بل في العراق كما سنوضح ؟ يتابع المنظر الساذج ل( الجاهلية الثانية ) فتوحاته التاريخية المذهلة فيقول : (ولكن الذي حدث أن “إسرائيل” قلبت الطاولة وتحولت من الدفاع إلى الهجوم واستخدمت تحالفاتها العربية في ذلك . وكانت الورقة الإيرانية هي سبيلها لإحداث الانقلاب في المشهد ) .
كيف ذلك ؟ يجيبنا بنفس ماقاله خميني قبل ايرانجيت واستمر بقوله بعناد بعدها رغم انكشاف تدثره بعباءة اسرائيلية ، يقول الاسلاموي المصري باستعباط واضح جدا : (ذلك أن إيران الثورة الإسلامية خرجت من رحم العداء للشاه وللولايات المتحدة و”إسرائيل”. وإيران النووية - لمجرد أنها تملك المعرفة حتى إذا كانت للأغراض السلمية - تعني تحدياً إضافياً ل “إسرائيل” ينازعها في التفرد بصدارة القوة في منطقة الشرق الأوسط ) . مرة اخرى نرى الجاهلية والتجاهلية في عصر المعلوماتية ، تعبث بقلم الاسلاموي المصري فهو يستعبط بتناسي ان اسرائيل وامريكا زودت ايران بالسلاح لاستخدامه ضد شعب العراق ، وايران لذلك ليست عدوا حقيقيا لهما بل العدو الحقيقي لهما كان عراق العروبة ، وهو يستعبط مرة اخرى حينما يتجاهل ، في ممارسة اسوأ من الجاهلية وهي التجاهلية ، ان صواريخ ايران اثناء الحرب التي فرضها خميني على العراق لم تدك تل ابيب بل بغداد والبصرة وكل مدن العراق ، وانها لم تقتل طفلا اسرائيليا بل قتلت اطفال العراق ، كما حدث في مدرسة بلاط الشهداء التي استشهد فيها اربعين طفلا عراقيا بصاروخ ايراني ! فهل يمكن لمن قتل اطفال العراق ان يمتنع عن اطلاق صواريخه النووية عليهم مجددا اذا امتلكها ؟ هل وصلت الجاهلية حد تناسي ، وباستعباط ساذج ، ان دافع القتل هو حالة استعداد وان وجدت الحالة فان وسيلة القتل تصبح امرا ثانويا ؟
يتابع جاهليته المفضوحة فيقول (وهي من هذه الزاوية يفترض أن تكون إضافة مرحباً بها للإرادة العربية الساعية إلى إنهاء الاحتلال واستعادة الحقوق المسلوبة ) . مرة اخرى واخرى يقدم لنا ما يقزز النفس وهو مزيج من عبط واستعباط جاهليين : ( ايران اضافة للارادة العربية الساعية الى انهاء الاحتلال ) ! لا ندري اين اضافت ايران للارادة العربية الساعية لانهاء الاحتلال ؟ في العراق حيث تتلاقي ايران وتتعاون مع امريكا في احتلاله وتدميره ؟ ام في الاحواز حيث تستعمر ايران ثمانية ملايين عربي وتعمل على تفريسهم ؟ ام في الجزر العربية حيث تحتلها منذ زمن الشاه ؟ ام في البحرين حيث تصر على المطالبة بها ؟
هذه المرة يضيف الاسلاموي المصري الى جاهلية غلق عقله تجاهلية تخدير ضميره كي لا يحاسب ايران على جرائم تعد مستنسخة من الجرائم الاسرائيلية وتوأم لها ترتكبها في العراق بشكل خاص ، وغلق العين كي لا ترى ما يراه حتى الاعمى وهو ان ايران تحتل اراض عربية مثل الاحواز والجزر وبعض اراضي العراق في الجنوب منذ الاحتلال ، وهي اراض اكبر من اراضي فلسطين بكثير ! والسؤال الموجه ضد الجاهلية التي تغرق هذا الاسلاموي المصري ، والتجاهلية التي يتنفس هواءها ، هو باي شيء يختلف احتلال هذه الاراضي العربية عن احتلال فلسطين ؟ وهل يظن ان فلسطين اغلى من ارض العراق والاحواز والجزر ؟
يتبع : مطلع كانون الاول 2009
ملاحظة كتبت هذه الدراسة بين أيار/ مايو و آب / اوغست 2009 لكنها تركت مؤقتا ولم تنشر ، والان ننشرها بعد اضافة تصريحات ايرانية جديدة اطلقت في الاسابيع الماضية ، ووقوع احداث في ايران ولبنان وغيرهما اكدت ما ورد فيها .
الصديق هو الذي يعرف اغنية قلبك ويستطيع ان يغنيها لك عندما تنسى كلماتها مثل
مقدمة
حاولنا لسنوات ان نتجنب النقد المباشر لاشخاص وعناصر وتنظيمات عربية تدعم ايران وتروج لها ، رغم الدور الايراني الاجرامي والخطير في العراق والوطن العربي كله ، انطلاقا من فكرة ان الصمت والصبر قد يؤديان الى يقظة وعي هؤلاء فيدركون ان ايران لاتختلف ، من حيث الجوهر والواقع ، عن الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الامريكية لانها ، مثلهما ومعهما ، تحتل اراض عربية ، كالاحواز التي تضم اكثر من ثمانية ملايين عربي ، اي حوالي ضعف عدد الشعب الفلسطيني ، وفيها اكثر من 80 % من ثروات ايران الحالية وتمتد على طول الساحل الشرقي للخليج العربي من العراق حتى عمان ، اي انها اكبر مساحة من كل دول الخليج العربي باستثناء السعودية ، كما ( يكتشفون ) ان ايران هي الشريكة الاهم والاخطر لامريكا في غزو العراق وفي كل ما جرى ويجري فيه منذ الغزو ، وانها تحتل اجزاء من العراق غزتها بعد احتلال العراق ، أضافة لادراك مغزى غزو الجزر العربية الثلاثة التي ترفض ايران حتى التفاوض من اجل اعادتها للامارات العربية المتحدة وهو ان غزو ارض عربية لا تقوم به دولة اسلامية داعمة للقضية الفلسطينية ، والانتباه الى ان نشر الفتن الطائفية في الوطن العربي هو عمل ايراني في المقام الاول والعاشر والمائة بعد الالف ، نتيجة فشل الكيان الصهيوني والغرب الاستعماري في نشرها في العقود الخمسة السابقة ، واخيرا وليس اخرا فهم طبيعة ونتائج سعي ايران الرسمي للسيطرة على البحرين .
كنا نرى ونتمنى ان يكون هذا الادراك مقدمة لابد منها للوصول الى نتيجة منطقية واحدة وهي ان ايران الحالية بسياساتها التوسعية ، والمتلاقية ستراتيجيا مع امريكا والكيان الصهيوني ، هي دولة استعمارية لا تختلف عن كل دولة استعمارية حاليا وفي التاريخ .
وهذا الوعي المطلوب يجب ان يتوج بادراك واضح لا لبس فيه لحقيقة اكدها واقع العرب والمنطقة وهي ان ايران تنفذ مشروعا تقسيميا في الوطن العربي محوره محو الهوية العربية عبر شرذمة العرب على اساس طائفي ، تماما مثلما يفعل الكيان الصهيوني وامريكا ، ومن ثم فانها ، من حيث الطبيعة والجوهر والدور الفعلي ، استعمار اقليمي كلاسيكي وصريح تنطبق عليه كل سمات الاستعمار التقليدية ، خصوصا الاستعمار السكاني ، وفي هذه الخصيصة تبدو ايران الاستعمارية التوأم الطبيعي للنزعة الاستعمارية للكيان الصهيوني .
لقد تجاوز هؤلاء كل الحدود واعتدوا على الحقائق الموضوعية بل انهم تطرفوا الان اكثر في الدفاع عن ايران خصوصا بعد افتضاح امرها ونزعتها الاستعمارية واثبات انها شريك امريكا في كل الجرائم في الوطن العربي ، واصبح واضحا لنا ولغيرنا انه ، بعد مرور ست سنوات على غزو العراق ودخوله العام السابع ، ورغم كل الكوارث التي حلت به نتيجة الغزو الامريكي والذي لعبت فيه ايران الدور الحاسم والاساسي جنبا الى جنب مع الدور الامريكي وهو دور اهم واخطر من الدور البريطاني ، نقول اصبح واضحا لنا ولغيرنا بانه لم يعد بالامكان توقع تغيير هؤلاء لمواقفهم من ايران والعراق ومن الفتن الطائفية والسياسات الاستعمارية التي تروج لها ايران كالكيان الصهيوني وامريكا تماما .
من هنا فان دق جرس الانذار للراي العام العربي ، ولهم بالذات ، كاجراء اخير قبل ان نشرع باتخاذ موقف اخر اكثر صراحة ووضوحا تجاههم يقوم على تسمية الاشياء بمسمياتها الحقيقية دون مراعاة لمشاعر او تأن التزمنا به اكثر من ستة اعوام في حين ، وللتاريخ ، اننا بادرنا فورا للتصدي للساداتية التقليدية فورا وقمنا بعزلها ومحاربتها وفضحها .
اليوم تصل حالة دعم بعض الافراد العرب والكتل العربية لايران ذروة لم يسبق لها مثيل هي حالة تشبه السعار المرضي المزمن الذي لا يكشف عن اسبابه الا التذكير بتزامن هذا السعار مع افتضاح دور ايران المساوم مع امريكا ، وليس المقاوم ، واشتداد حمى عقد صفقة امريكية – ايرانية على حساب العراق والامة العربية ، كما تؤكد كل المؤشرات ، وهي حالة تكشف ابعادا جديدة عن الاهداف الاستعمارية الاقليمية لايران ، وتؤكد ان من يدافع عن ايران يدرك تماما انه يدعم ظاهرة استعمارية سكانية توسعية كلاسيكية . في هذا الوقت بالذات يتجرد هؤلاء من كل منطق وموضوعية ويستعيضون عنهما بمارسة الحيل المعلوماتية والسياسية المبتذلة من اجل مواصلة دعم ايران وتضليل الجماهير العربية ومنعها من اكتشاف دورها الستراتيجي الحقيقي المكمل والمتلاقي ، مباشرة ورسميا وبوضح اكبر وادق من وضوح خدمة السادات ، مع المخططات الامريكية والصهيونية في الوطن العربي .
وبمقارنة مباشرة بين داعمي ايران وداعمي امريكا والكيان الصهيوني يمكن ملاحظة ان داعمي ايران هم الاشد تخريبا وخطورة من كل عملاء الاجانب في الوطن العربي ، خلال اكثر من نصف من قرن ، لسبب بسيط هو ان هؤلاء يتحدثون بلغة تحررية معادية لامريكا والكيان الصهيوني وينتمون لتيارات سياسية عربية كانت لها اصالة وطنية وقومية ، ويستخدومن الاسلام راية لهم ويتداخلون معنا في الكثير من الامور ، بعكس عملاء الغرب والصهيونية اللذين عزلوا انفسهم عن الامة بمجرد اختيار دعم الغرب الاستعماري والصهيونية . نحن بمواجهة خطورة خيول طروادة االايرانية الفائقة الاستثنائية في داخلنا ، لقد اخترقوا حصوننا وشرعوا بتدمير اسوار حصانتنا القومية والوطنية بفتن طائفية غير مألوفة ، من هنا فان دق ناقوس خطر هؤلاء يتطلب اول ما يتطلب تسمية الاشياء باسمائها الحقيقية وعدم التساهل باي شكل من الاشكال مع داعمي ايران .
ولن يتم ذلك الا بتسليط الضوء على حيلهم وكشفها ونزع البراقع التي تتستر بها ايران وادواتها ، تمهيدا لخطوة لاحقة تقوم على فضح المدافعين عن ايران بلا رحمة وبالاسماء ونزع كل اقنعتهم ليراهم الراي العام على حقيقتهم المجردة . اننا نواجه في حالة المدافعين عن ايران مخلوقات هي الاشد سلبية اخلاقيا وقوميا ووطنيا ودينيا ، لان عملاء الغرب والصهيونية يوجد في داخلهم شعور بالعار يجعلهم منكسروا الشخصية في حين ان انصار ايران يتحدثون باسم دعم فلسطين بفخر وهم يساهمون في ذبح العراق او التستر على دور ايران الرئيسي فيه ، ويزورون بوقاحة فريدة موقف ايران بوصفها ب ( سند المقاومة ) ، رغم انها اخطر اعداء المقاومة العربية الرئيسية والاهم وهي المقاومة العراقية ، التي تخوض ام المعارك اي معركة الحسم وكسر العظم مع امريكا درع الكيان الصهيوني !
هل هذه مبالغة ؟ كلا فقط انظروا الى ما يجري في العراق والاقطار العربية منذ وصول خميني للسلطة من فتن طائفية كانت غير موجودة ، خصوصا تلك التي تميزت بالكارثية بعد غزو العراق وتبلور الحقيقة الخاصة بالدور الايراني .
نماذج من الحيل
سنتناول كتابات كتاب مع الاسف يحملون اسماء عربية لكنهم بولائهم فرس متطرفين اكثر من بني فارس ، وسنقدم في البداية مقالان يعبران بصورة نمطية عن حيل المخابرات الايرانية التي يمارسها انفار عرب لتجميل وجه ايران ، احدهما لاسلاموي تونسي والاخر لتوأمه المصري ، وبعدها سنقدم وننقد اراء كتاب اخرون ، الاول كتب مقالا حمل عنوانا منحازا يبرئ ايران من كل جرائمها ويتهم العرب ، كل العرب ، يتهم المقاومة الوطنية المسلحة ضد امريكا كما يتهم الانظمة التابعة لها ، ويلخص جهد هذا البعض المنحاز لايران وهو هذا العنوان : ( ايران خطر على من ؟ ) نشر في الجزيرة نت يوم 1 / 5 / 2009 ، والثاني مقال للاسلاموي المصري نشر في صحيفة الخليج الاماراتية يوم 12 / 5 / 2009 تحت عنوان هو الاخر منحاز سلفا ومع سبق الاصرار وهو ( في الجاهلية السياسية ) ، وفي هذين المقالين تطرح تساؤلات تبدو ، لمن لا يعرف ولا يعي ما جرى ويجري في العراق والوطن العربي ، طبيعية ومنطقية ، ولكنها ، بالنسبة لمن لديه حد ادنى من المعرفة والمعلومات حول الوضع العربي والاقليمي والدولي ، تعد دليلا كامل الاركان على وجود انحياز تام ومسبق لايران يقوم على تجاهل سياساتها الخطيرة ، وهي سياسات لا تقل خطورة عن السياسات الامريكية – الصهيونية تجاه الامة العربية ، فماذا يقول هذان الاسلامويان ؟
وقبل الخوض في تحليل هذا الموقف ، يجب التذكير بحقيقة تحدد هوية هؤلاء وهي اننا نحن ، وليس غيرنا من الذين يوصفون بانهم ( قوى ممانعة ومقاومة ) ، من نمثل جبهة الرفض الحقيقية للسياسات الاستسلامية والتساومية التي تعترف بالكيان الصهيوني منذ السبعينيات ، ونحن من نمثل قوى المقاومة الاساسية في ساحة الصراع الرئيسي ( العراق ) منذ عام 1991 وخصوصا بعد غزوه في عام 2003 ، ونحن من نواصل اصرارنا على التمسك بثوابتنا القومية والوطنية والاجتماعية تجاه فلسطين وقضية تأميم النفط ، والذي دفعنا لرفض المساومة فخسرنا السلطة وتحولنا الى حركة تحرر وطني تقاوم بالسلاح في اخطر حرب تحرير في العالم ، نحن الذين رفضنا بشكل قاطع في العقود الثلاثة الماضية ، ونرفض بشكل قاطع الان السياسة الاستسلامية تجاه فلسطين بشكل عام وتجاه موضوع غزة بشكل خاص ، وهذا امر معروف يجب تذكره لتجنب الوقوع في فخ ايران واتباعها القائم على تصوير من ينتقدها او يهاجم سياساتها على انه من انصار امريكا والكيان الصهيوني .
اذن من ينتقد هو من يقاتل امريكا ويقاومها وليس من يساومها مثل ايران ، ومن ينتقد يعمل يوميا وتفصيليا على دحر المؤامرة الاخطر في تاريخنا كله وهي مؤامرة مشتركة امريكية – صهيونية - ايرانية ، وليس من يشارك بدور رئيسي وخطير في تنفيذها ، ومن ينتقد يكشف كل الادوار التامرية الحالية بما فيها الدور الايراني وليس التركيز على دور امريكا وانظمة عربية فقط واغفال دور ايران ، كما يفعل سحرة ايران الناطقين بالعربية بمنطقهم الانتقائي المقيت .
يقول التونسي : ( تتصارع الدول في العالم ، تتجمع تتفرق ، تتحارب تتصالح ، تصادق تعادي ، كل ذلك بحسب ما تقدره من مصالح تستجلبها لشعوبها ومفاسد ومضارها تدرؤها عنها ، ذلك ما هو مستقر من ثقافة سياسية تتحكم في سياسات الدول في عصرنا ، وعلى أساس تحليلها والتعمق فيها يمكن الوقوف بجلاء على الموجّهات الحاكمة لهذه السياسة أو تلك من سياسة هذه الدولة أو تلك . ) . ويضيف ( لكل دولة مصالح قومية عليا – لاحظوا قومية وليس دينية حسب هذا الاسلاموي - تتحدد في ضوئها جملة سياساتها مما يسمى أمنها القومي ، بما يحفظ بقاءها وأمنها وتماسكها وجملة مصالحها في توفير العيش الكريم لشعبها . وتتحدد تلك المقومات تحديدا موضوعيا مرعيا فيه قبل كل شيء مصلحة المحكومين الحاضرين والقادمين وليس فقط الحاكمين ، تحديدا يضبط بدقة الأخطار المتربصة بتلك المصالح العليا ، على موارد عيش الناس الأساسية وعلى سيادتهم على أرضهم ، ويعني ذلك وقبل كل شيء التحديد الدقيق للعدو ) . )
ان السؤال في ضوء هذين النصين هو : - هل هذا منطلق ومنطق رجل دين او رجل متدين في الحد الادنى ؟ ام انه راي سياسي محترف علماني صرف وبراغماتي صرف يؤمن بان المنفعة هي المحرك وليس المبادئ او القيم الدينية ؟ ان الفكر الديني ينطلق من بديهية معروفة وهي ان المبادئ والقيم الاسلامية تحكم سياسة الدولة وليس المصلحة او المنفعة ، اذن ما الذي جعل التونسي هذا ، ذو اللحية التي توحي بانه رجل دين ، يلجأ الى هذا التوصيف غير كونه تعبير عن قناعته هو وهي قناعة تبعده عن الدين والتدين ؟
اذن ، وقبل البدء في نقد ما كتب ، يجب ان تلاحظوا من الفقرتين السابقتين ان هذا الرجل ليس اسلاميا باي شكل من الاشكال رغم لحيته ، بل هو اسلاموي ، وبما ان تسمية الاسلاموية كهف عتيق يستطيع ان يخفي تحت ستر ظلامه كل التناقضات فانه علماني على الطريقة الفرنسية ، بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى فرنسي ، وهو براغماتي على الطريقة الامريكية ، بكل ما تعنيه هذه الكلمة في امريكا من معنى يصل حد تحليل واباحة اي شيء يحقق الفائدة بغض النظر عن لا مشروعيته او لا اخلاقيته ، وهذا ما يمكن الوصول اليه من خلال تعريفاته التي استهل بها مقاله والتي تناقض الفكر الديني والمنطلقات التي يتمسك بها كل مؤمن حقيقي بالله والاسلام .
الحيلة الاولى : ايران تدعم المقاومة
بعد هذه المقدمة نراه يقول : ( إن ضخامة الحملة الضارية التي يتعرض لها حزب الله وإيران وقوى المقاومة من وراء ذلك ، بذريعة تهديد حزب الله الأمن القومي لمصر انطلاقا من ضبط خلية تعمل لمساعدة المقاومة الفلسطينية ، قد تجاوزت كل الحدود المعقولة للتعامل مع حركة مقاومة نذرت نفسها - كما تشهد سيرتها- على تفرغها لعمل المقاومة ، ولم يثبت عليها دخول في نزاع مع أي نظام) .
لنتابع دعاية التونسي : (ويكفي للتدليل على ذلك المقارنة بين خلايا التجسس الإسرائيلي المبثوثة في مصر والتي ضبط الأمن شبكات منها أكثر من مرة فاكتفى بإحالتها على القضاء ونشر خبرا عنها ، دون أن يتخذ من ذلك منطلقا لحملة شاملة ضد الكيان الصهيوني وكل حلفائه كما يفعل اليوم مع قوى المقاومة جماعات ودولا ، بمناسبة ضبطه لخلية تعمل في مساندة المقاومة الفلسطينية ، بما له دلالة واضحة على : - :
أ- وجود نية مبيتة لاستهداف هذه الأطراف : حزب الله وحماس وإيران والإخوان – يقصد الاخوان المسلمون - وقطر وسوريا ، بنوع من الثار الصغير مما تعرض له النظام المصري خلال أيام غزة العصيبة من ضغوط هائلة ، بسبب إصراره على إغلاق معبر رفح إسهاما في خنق 1.5 مليون نسمة من جيرانه ) .أرجو عدم اهمال ان التونسي ادخل عمدا وزج زجا الاخوان المسلمين وقطر ، وهذه العمل يشير الى هويته الايديولوجية وربما الى مصادره المالية .
اما الاسلاموي المصري فهو ، وبتناغم واضح ، يكرر نفس اسس الدعاية الايرانية فيقول ( لا أعرف مرحلة في التاريخ العربي المعاصر اختلطت فيها الأوراق وانقلبت المعايير مثل ما هو حاصل الآن ، الأمر الذي يسوغ لي أن أصف أيامنا هذه بأنها زمن الجاهلية السياسية ) . في هذه الفقرة وضع الاسلاموي المصري نفسه في فخ محكم ، كما سنرى ، لانها تنطبق عليه وعلى كل من يدافع عن ايران . ويضيف (الجاهلية في القاموس المحيط هي عدم إدراك ما لا بد من معرفته . وعدم الإدراك هذا له أسباب عدة أزعم أنها تتراوح بين العبط والاستعباط . فعندما يصرح الرئيس “الإسرائيلي” شمعون بيريز أمام مؤتمر مجلس العلاقات الأمريكية - “الإسرائيلية” (إيباك) مثلاً بأن إيران هي الخطر المشترك الذي يهدد “إسرائيل” والعرب ، فذلك هو الاستعباط حقاً. أما إذا صدقه أحد من العرب فذلك هو العبط بعينه ) . هنا يحدد طبيعة ما قاله بيريز ولكن بصورة مقلوبة لان بيريز يعرف ان ايران ليست العدو الحقيقي للكيان الصهيوني لذلك فهو يتظاهر بالاستعباط ، اما العبط الذي يصف الاسلاموي المصري من يصدق ما قاله بيريز فهو في تصوره ان الناس لا ذاكرة ولا وعي لها فتنسى ان خطورة ايران واقع ملموس عرفه العرب منذ رفع خميني شعار ( نشر الثورة الاسلامية ) و( ان تحرير القدس يمر عبر تحرير بغداد ) ووصل الخطر ذروته في الانكشاف اثناء وبعد غزو العراق ، ومع ذلك يلجأ الى حيلة وضع من يتهم ايران في حضن النظم العربية التابعة لامريكا حتى لو كانت المقاومة في العراق ، بكافة فصائلها ودون أي استثناء ، والتي تعد ايران الشريك الاساسي لامريكا في غزو العراق ! كيف نوزع صفة الاستعباط وصفة العبط في هذه الحالة ؟ ومن يستحقهما ؟
وبرغبة تنظيرية محبطة يقول ( من الجاهلية السياسية أن نفقد البوصلة التي تحدد الوجهة والترتيب الذي يحدد لها “واجب الوقت”، بما يؤدي إليه من خلل في ترتيب الأولويات ) . جميل جدا ولكن هل عرف الاسلاموي المصري ان بوصلته خربة لانها قادته الى اتجاه معاكس للاتجاه الذي يجب ان يسلكه في التعامل مع الجاهلية ؟ الا يعرف اين تدور المعركة الرئيسية ؟ الا يعرف انها لا تدور في لبنان او فلسطين بل في العراق كما سنوضح ؟ يتابع المنظر الساذج ل( الجاهلية الثانية ) فتوحاته التاريخية المذهلة فيقول : (ولكن الذي حدث أن “إسرائيل” قلبت الطاولة وتحولت من الدفاع إلى الهجوم واستخدمت تحالفاتها العربية في ذلك . وكانت الورقة الإيرانية هي سبيلها لإحداث الانقلاب في المشهد ) .
كيف ذلك ؟ يجيبنا بنفس ماقاله خميني قبل ايرانجيت واستمر بقوله بعناد بعدها رغم انكشاف تدثره بعباءة اسرائيلية ، يقول الاسلاموي المصري باستعباط واضح جدا : (ذلك أن إيران الثورة الإسلامية خرجت من رحم العداء للشاه وللولايات المتحدة و”إسرائيل”. وإيران النووية - لمجرد أنها تملك المعرفة حتى إذا كانت للأغراض السلمية - تعني تحدياً إضافياً ل “إسرائيل” ينازعها في التفرد بصدارة القوة في منطقة الشرق الأوسط ) . مرة اخرى نرى الجاهلية والتجاهلية في عصر المعلوماتية ، تعبث بقلم الاسلاموي المصري فهو يستعبط بتناسي ان اسرائيل وامريكا زودت ايران بالسلاح لاستخدامه ضد شعب العراق ، وايران لذلك ليست عدوا حقيقيا لهما بل العدو الحقيقي لهما كان عراق العروبة ، وهو يستعبط مرة اخرى حينما يتجاهل ، في ممارسة اسوأ من الجاهلية وهي التجاهلية ، ان صواريخ ايران اثناء الحرب التي فرضها خميني على العراق لم تدك تل ابيب بل بغداد والبصرة وكل مدن العراق ، وانها لم تقتل طفلا اسرائيليا بل قتلت اطفال العراق ، كما حدث في مدرسة بلاط الشهداء التي استشهد فيها اربعين طفلا عراقيا بصاروخ ايراني ! فهل يمكن لمن قتل اطفال العراق ان يمتنع عن اطلاق صواريخه النووية عليهم مجددا اذا امتلكها ؟ هل وصلت الجاهلية حد تناسي ، وباستعباط ساذج ، ان دافع القتل هو حالة استعداد وان وجدت الحالة فان وسيلة القتل تصبح امرا ثانويا ؟
يتابع جاهليته المفضوحة فيقول (وهي من هذه الزاوية يفترض أن تكون إضافة مرحباً بها للإرادة العربية الساعية إلى إنهاء الاحتلال واستعادة الحقوق المسلوبة ) . مرة اخرى واخرى يقدم لنا ما يقزز النفس وهو مزيج من عبط واستعباط جاهليين : ( ايران اضافة للارادة العربية الساعية الى انهاء الاحتلال ) ! لا ندري اين اضافت ايران للارادة العربية الساعية لانهاء الاحتلال ؟ في العراق حيث تتلاقي ايران وتتعاون مع امريكا في احتلاله وتدميره ؟ ام في الاحواز حيث تستعمر ايران ثمانية ملايين عربي وتعمل على تفريسهم ؟ ام في الجزر العربية حيث تحتلها منذ زمن الشاه ؟ ام في البحرين حيث تصر على المطالبة بها ؟
هذه المرة يضيف الاسلاموي المصري الى جاهلية غلق عقله تجاهلية تخدير ضميره كي لا يحاسب ايران على جرائم تعد مستنسخة من الجرائم الاسرائيلية وتوأم لها ترتكبها في العراق بشكل خاص ، وغلق العين كي لا ترى ما يراه حتى الاعمى وهو ان ايران تحتل اراض عربية مثل الاحواز والجزر وبعض اراضي العراق في الجنوب منذ الاحتلال ، وهي اراض اكبر من اراضي فلسطين بكثير ! والسؤال الموجه ضد الجاهلية التي تغرق هذا الاسلاموي المصري ، والتجاهلية التي يتنفس هواءها ، هو باي شيء يختلف احتلال هذه الاراضي العربية عن احتلال فلسطين ؟ وهل يظن ان فلسطين اغلى من ارض العراق والاحواز والجزر ؟
يتبع : مطلع كانون الاول 2009
ملاحظة كتبت هذه الدراسة بين أيار/ مايو و آب / اوغست 2009 لكنها تركت مؤقتا ولم تنشر ، والان ننشرها بعد اضافة تصريحات ايرانية جديدة اطلقت في الاسابيع الماضية ، ووقوع احداث في ايران ولبنان وغيرهما اكدت ما ورد فيها .
رد: المدافعون عن الاستعمار الايراني : من هم ؟ - صلاح المختار
يتبع
الحيلة الثانية : أغتيال العراق برصاصة فلسطينية
ويصر الاسلاموي المصري ممارسة التقية الصفوية فيقول ( أما إيران الداعمة للقوى التي انحازت إلى المقاومة الفلسطينية ، فإنها تعني إيغالاً في التحدي ورفعاً لسقفه ، الأمر الذي اعتبرته “إسرائيل” تهديداً لنفوذها في المنطقة ولكل مشروعها ) . لماذا تجاهل كتوأمه التونسي المقاومة العراقية التي تذبحها ايران يوميا في العراق ؟ ولماذا ركز على المقاومة في فلسطين ؟ اليس ذلك ممارسة لحيلة الاغراء بفلسطين من اجل ذبح العراق ؟ اليس ذلك اغتيال للعراق برصاصة فلسطينية ؟ وهل يمكن لرصاصة فلسطينية ان تغتال العراق حقا مع انها رصاصة صنعت من اجل تحرير الارض ؟
الحيلة الثالثة : التعتيم على من حيّد الخطر الاسرائيلي
ويقترب من حالة الانكار التام للواقع المعاش ، والذي كان السبب في غزو العراق واحداث المنطقة حين يقول ( وهي – أي اسرائيل - التي تصورت أن الساحة قد خلت لها ، ولم يعد هناك من ينازعها نفوذها أو يتحداها منذ توقيع اتفاقيات كامب ديفيد في عام 1979 وأوسلو مع قيادة منظمة التحرير الفلسطينية عام 1993 ) . هل تلاحظون حجم التورط في العداء للمقاومة العراقية ؟ ضميره المنوم بحشيشة ايرانية يتجاهل اسئلة محددة : متى خلت الساحة لاسرائيل ؟ ومن اخلاها ؟ وممن اخليت ؟ الا يتذكر الجميع ان العراق القوي كان القوة الوحيدة التي ردعت اسرائيل وحجمت نفوذها العسكري ؟ هل يتذكر ان العراق القوي هو الوحيد الذي قصف الكيان الصهيوني وعاصمته بالذات بصواريخ ستراتيجية ، وليس بصواريخ كاتيوشا الصغيرة الحجم والتاثير ، بلغ عددها 43 صاروخا عام 1991 فاسقط نظرية الامن الاسرائيلي ؟ وهل يتذكر من اخلى الساحة ؟ اليس هو امريكا التي غزت العراق ، بدعم ايراني كامل ورسمي ، فدمرت القوة المعارضة والمقاومة الاساسية للنفوذ الامريكي ؟ وهل توجد زاوية شرف في ضمير الاسلاموي المصري تمكنه من تذكر ان المقاومة العراقية هي التي اذلت امريكا واوصلت مشروعها الامبراطوري الى الفشل وليس مقاومة نصرالله المحكومة بالقرار الاستعماري الايراني ، والمصممة لخدمة النزعة التوسعية للاستعمار الايراني ، والتي صارت بعد تحرير جنوب لبنان عمليات مساومة وليس مقاومة ؟ هذه الاسئلة يتجاهلها الاسلاموي المصري بتعمد جاهلي بشع وباصرار تجاهلي ابشع .
ولا يتورع الاسلاموي المصري عن ممارسة هستيريا دعم ايران فيكذب علنا حين يقول ( ان “إسرائيل” اعتبرت أن الدور الإيراني بات يشكل خطراً وجودياً لمشروعها ، وكان طبيعياً أن يضاعف من قلقها مدى وحجم هذا الدور إذا ما تحولت إيران إلى قوة نووية ، الأمر الذي يفسر لنا لماذا اعتبرت أن إيران تمثل الخطر الاستراتيجي الأول الذي يهددها ؟ ولماذا استنفر اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة والمحافظون الجدد في البيت الأبيض للتضامن مع تل أبيب في الاحتشاد ضد إيران إلى حد الدخول في تفاصيل توجيه ضربة عسكرية تقوّض نظامها ؟ وظل السؤال الذي يشغل هذه الأطراف وهو توقيت تلك الضربة وتهيئة الجو المناسب سياسياً وإقليمياً لتوجيهها ؟ ) .
هل رايتم ؟ بعد اكثر من 30 عاما من التهديدات الامريكية لايران بضربها وعدم ضربها ، وبعد اعلان الغزل الرسمي والتلاقي التام الامريكي - الايراني ضد العراق ضد الامة العربية كلها ، وبعد عدم اقدام الكيان الصهيوني على أي اجراء ضد ايران ومشروعها النووي رغم انه يتكامل بسرعة ، بعد هذا كله نرى من يتجرأ على تكرار ( الاغنية ) الايرانية التي مجها الذوق وصارت مثل نكتة بايخة ياتينا هذا الاسلاموي بدفاع مجيد (مفهوم الاسباب ) عن ايران ويدعي انها ( الخطر الستراتيجي الاول ) ؟؟!!
هذا الاسلاموي منظر الجاهلية الساداتية الجديدة لم يخبرنا كيف ومتى عدت اسرائيل ايران خطرا ستراتيجيا عليها مع ان كل الوقائع تؤكد العكس منذ 30 عاما ، ولو كان المشروع النووي الايراني يشكل خطرا على اسرائيل لم سمحت امريكا والكيان الصهيوني باستمرار عمليات بناءه دون عوائق فعلية ، كما حصل مع المشروع النووي العراقي الذي لم يصل ابدا الى مستوى بناء المشروع النووي الايراني ومع ذلك دمر بتعاون مخابراتي ثبت الان امريكي – فرنسي - ايراني مع الكيان الصهيوني ؟ وهل تصل جاهلية هذا الكاتب حد الغرق ببركة تكتيك استخباري معروف حتى لانصاف المثقفين تتبعه دول الغرب والكيان الصهيوني ويقوم على مهاجمة طرف معين اعلاميا من اجل تلميعه وحمايته وتأهيله للعب دور تخريبي تحت غطاء معاداته لامريكا ؟ هل تجاهل الاسلاموي المصري لحقيقة ان ايران تقوم بدور اسرائيل الاهم وهو نشر الفتن الطائفية في الوطن العربي ، وتلك خدمة ستراتيجية عظمى للمخطط الصهيوني التقليدي القائم على تقسيم الاقطار العربية على اسس طائفية – عرقية ، ولذلك لم تضرب ايران ولم يدمر مشروعها النووي ؟
وتبرز درر تنظير الساداتي الاسلاموي حين يقول ( إذا جاز لنا أن نلخص فإننا نفهم أن تعتبر “إسرائيل” إيران خطراً يهدد استراتيجيتها، ونفهم أيضاً أن تتضامن معها الولايات المتحدة الخاضعة لنفوذ اللوبي الصهيوني والمحافظين الجدد ، في الوقت ذاته فإنه التناقض الرئيسي بين “إسرائيل” وإيران يفترض أن يكون في صالح الموقف العربي الذي يعتبر أنه في تناقض رئيسي مع “إسرائيل”. وهي النتيجة المنطقية التي تعبّر عنها المقولة الشهيرة “عدو عدوي صديقي”. والصداقة لا تلغي الاختلاف، ولكنها في هذه الحالة تقوم على معيار رشيد يفرق بين التناقض الرئيسي والتناقض الثانوي، أو بين ما هو أصلي وفرعي، ذلك أننا نفهم في فقه الاختلاف ومذاهبه أن الاتفاق في الأصول حد كاف، ولا غضاضة بعد ذلك في أي اختلاف في الفروع. وهو الحاصل في الدين فما بالك به في السياسة ) .
في هذه الحيلة يتجاهل الساداتي الجديد حقيقة عرفها حتى الجاهل وهي ان المحافظون الجدد وادارات امريكا منذ عام 1981 قد دعمت ايران ضد العراق وليس العكس ، وقضية ايران جيت حية ، كما ان العالم يعرف ويشاهد بعينيه ويلمس بيديه ان التحالف الرئيسي الاكثر فعالية وخطرا في المنطقة ، والذي قام على تلاق ستراتيجي كامل حول تفتيت الامة العربية منذ غزو العراق ، هو بين امريكا وايران ، وتجربة العراق منذ الغزو وحتى هذه اللحظة تؤكد ذلك ، فايران تتفاوض مع امريكا رسميا على تقرير مصير العراق ، وامريكا تعتمد مباشرة على حكومات في العراق المحتل تشكلها عناصر تابعة لايران وهي حكومة تعمل رسميا على تدمير المقاومة وتكريس الاحتلال .
الحيلة الرابعة ( اكذب حتى يصدقك الناس ثم اكذب حتى تصدق نفسك )
هنا يجلس هذا الشخص نفسه فوق قطعة صفيح ساخن فهو يميز بين التناقض الرئيسي والتناقض الثانوي وماهو اصلي وماهو ثانوي ، لكنه يتجنب اكمال كلامه فلا يقول لنا مباشرة ما هو التناقض الرئيسي وماهو التناقض الثانوي ؟ ولم يقل لنا اين تقف ايران في هذين التناقضين ؟ وهل التناقضات ستاتيكية جامدة لا تتبدل ام انها تتبدل وقد يصبح التناقض الثانوي تناقضا رئيسيا ؟ ومتى يحصل ذلك ؟ وهل دخل وطننا العربي ومنطقتنا ( الشرق الاوسط ) مرحلة تغيير التناقضات ومتى ؟ هذا الجاهلي حتى العظم والتجاهلي حتى جيناته يمارس بغباء تام الحيلة الرابعة وهي ( اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس ثم اكذب واكذب حتى تصدق نفسك ) من خلال مواصلة اهمال وجود المقاومة العراقية بصفتها القوة التحررية الام في الوطن العربي ، والتي تخوض المعركة الحاسمة مع الاحتلال الامريكي ، ومحاولته تضخيم دور مقاومة حماس وحزب الله ، مع انها مقاومة من اجل المساومة في أطار الوضع الحالي وليس لتغييره جذريا ، كما سنرى .
لم يسأل نفسه ما يلي : لو كان التناقض الرئيسي هو بين امريكا واسرائيل من جهة وايران وحزب الله وحماس من جهة ثانية كيف اذن يفسر لنا اسرار التعاون الستراتيجي وليس التكتيكي بين امريكا وايران منذ الحرب الايرانية التي فرضت على العراق ( 1980- 1988) مرورا بغزو افغانستان والعراق وحتى الان ؟ لقد وصل التعاون درجة الموافقة الامريكية الرسمية في زمن بوش الابن على اشراك ايران في تقرير مصير لبنان والعراق وافغانستان ، وقبل ذلك وتمهيدا له جاء تقرير بيكر هاملتون ليدعوا الى اشراك ايران في الحلول المطلوبة في المنطقة في العراق وغيره .
ان التجاهلي والجاهلي المصري هذا نسي ان يطرح السؤال التالي وهو : اذا كانت ايران في حالة تناقض رئيسي مع امريكا لم اذن هذا الوفاق والاتفاق حول الخط العام للحلول في المنطقة وهو الحط من شأن الامة العربية وتقسيمها وتقاسمها بين امريكا والكيان الصهيوني وايران ؟
الحيلة الخامسة : استبدال التناقض الرئيسي بتناقض ثانوي
وتنطوي الفقرة السابقة ايضا على حيلة اخرى وهي استبدال التناقض الرئيسي ، وهو الذي نراه في العراق ، بين امريكا والمقاومة العراقية ، بتناقض ثانوي وتابع وهو التناقض في لبنان بين ايران وامريكا ، وفي فلسطين بين حماس والسلطة الفلسطينية والكيان الصهيوني . ان ما يقرر اين يقع التناقض الرئيسي ليس الرغبات الذاتية بل طبيعة ونوعية وحجم الصراع ، ففي العراق تقاتل امريكا من اجل اقامة امبراطورية عالمية انطلاقا من السيطرة على العراق ، فهو تناقض يستبطن هدف تغيير العالم برمته واعادة تشكيله ، ولذلك فان لامريكا حلفاء يشكلون معسكرا حربيا اكبر من معسكر الحلفاء الذين قاتلوا النازية في الحرب العالمية الثانية . وفي العراق تزج امريكا باكثر من 80 % من قدراتها العامة *، فمثلا القوات العسكرية الاساسية لامريكا وحلفاءها والقدرات الاقتصادية والتكنولوجية زجت في العراق ، لانها معركة تقرير مصير العالم وتحديد طبيعة النظام العالمي الجديد ، اما في لبنان فهي لعبة صراع ديوك بين امريكا وايران عبر حزب الله ومعسكر امريكا ، من اجل تقاسم اشلاء الاقطار العربية بين امريكا وايران ، وفي فلسطين لم تعد المقاومة من اجل تحرير فلسطين بل من اجل دويلة قزمة ومقزمة في الضفة الغربية وغزة كما نراه في قبول حماس لمشروع الدولتين . أذن في الساحة الفلسطينية والساحة اللبنانية الصراع ليس من اجل نسف الواقع الحالي بل من اجل احداث تغييرات ثانوية ضمن توازناته الثابتة .
في لعبة استبدال التناقض الرئيسي ، وهو الصراع العراقي الامريكي ، بصراع ثانوي وتابع ، وهو الصراع في لبنان وفلسطين ، نرى الحيلة التي يمارسها هذان الاسلامويان التونسي والمصري بحذافيرها وبالتمام والكمال . لقد عتم التجاهليان والجاهليان على حقيقة ان الكيان الصهيوني لا يعيش ويستمر ويتقوى الا لان امريكا درعه الاساسي ومصدر تفوقه الاهم ، لذلك فان الكيان الصهيوني ومهما عظم دوره وقوته يبقى فرعا تابعا في قوته ودوره الاقليمي للولايات المتحدة الامريكية وليس العكس .
هنا تتجسد الجاهلية الساداتية لهذا الاسلاموي ، لانه بلعبة الاستبدال هذه يخلط عمدا بين الصراع الرئيسي ، وهو الذي يدور في العراق والذي سوف تتقرر مصائر العالم في ضوء نتائجه ، والصراع الثانوي ، وهو الذي يدور في لبنان وفلسطين والذي يقوم على الاعتراف بالواقع الحالي مع العمل على احداث تغييرات طفيفة فيه ، لاجل اقناعنا بان نمارس الصمت على الغزو الايراني وجرائم ايران بحجة انها تخوض صراعا رئيسيا ضد امريكا والكيان الصهيوني . هل يعرف هذا الساداتي ما يقول ؟ سنرى بعد قليل المزيد حول التناقض الرئيسي وماهو الاصلي والثانوي وهو ما سيفضح ما يستره .
الحيلة السادسة : تسويق تحالف هش
لاجل تسويغ وقبول دعم ايران من قبل الجماهير العربية تلجأ المخابرات الايرانية وبمساعدة مباشرة من امريكا واسرائيل الى طرح ثنائية زائفة وهشة وهي وقوف معسكر الانظمة العربية مع الكيان الصهيوني وامريكا ضد ايران وحزب الله وحماس !
يقول الاسلاموي المصري : (لا بد أن نعطل العقل ونلغي المنطق لنستوعب الذي جرى في الآونة الأخيرة. إذ في حين استمرت “إسرائيل” في استعلائها وحصارها للفلسطينيين وتهويدها للقدس وتوسعاتها الاستيطانية ورفضها للمبادرة العربية، حدث انقلاب في البوصلة العربية بحيث توارى الخطر “الإسرائيلي” المدجج بمائتي رأس نووي، وظهر في الفضاء العربي عنوان “الخطر الإيراني” والمخاوف من تطلعاته النووية المستقبلية . لم يحدث ذلك فجأة بطبيعة الحال، ولكنه بدأ بالتصعيد في مسألة الجزر الثلاث، وبإثارة موضوع التشييع في البلاد العربية ، وتذرع بالتمدد الإيراني في العراق ، الأمر الذي استصحب حديثاً مبكراً عن الهلال الشيعي ، ثم امتد إلى التنديد بحزب الله في لبنان ومحاولة تأجيج الفتنة الطائفية هناك. وانتهى الأمر بإثارة مسألة خلية حزب الله، وقدمت إلى الرأي العام المصري والعربي بحسبانها تهديداً للأمن القومي المصري، مرشحاً للتكرار في أقطار عربية أخرى. وجاءت هذه الإشارات التي استقبلت بفرح غامر في “إسرائيل” دالة على أن التناقضات الثانوية هيمنت وتحولت إلى رئيسية ، الأمر الذي شجع شمعون بيريز على أن يسوق المشهد في واشنطن ويتحدث عن إيران باعتبارها خطراً مشتركاً يهدد العرب “وإسرائيل” معاً ) .
ماذا يقول هذا الرجل في الفقرة السابقة ؟ انه هنا يكشف عن انه يعرف ، لكنه يتجاهل ، فهو يعرف ان ايران تحتل الجزر العربية الثلاثة وهو يعرف ايضا – سبحان الله – ان ايران تتمدد في العراق ، وهو قرأ عن (الهلال الشيعي )، واخيرا هو يؤكد ان التناقض الرئيسي ليس في العراق بل في لبنان او في فلسطين ! لكنه يمارس حيلة بائسة بقبول فكرة ان بالامكان اقامة تحالف ضد ايران يتشكل من الانظمة العربية واسرائيل وامريكا ! هل هذا ممكن فعلا ؟ الجواب كلا لعدة اسباب :
1 – لان التناقض بين ايران وامريكا والكيان الصهيوني تناقض ثانوي ولم يصل الى مرحلة التناقض الرئيسي ولن يصل لاسباب ستراتيجية واضحة اهمها ان ايران تقوم بتقديم اعظم خدمة لاسرائيل وامريكا وهي النجاح فيما فشلت فيه قوى الاستعمار التقليدية ( بريطانيا وفرنسا ثم امريكا والكيان الصهيوني ) وهو نشر الفتن الطائفية وتقسيم الاقطار العربية على اسس طائفية ، ايران نجحت بذلك وهي لهذا تقوم بدور خادم لامريكا والكيان الصهيوني ، وبما ان الهدف المركزي التقليدي لامريكا والغرب واسرائيل هو شرذمة الاقطار العربية ، وليس ايران ، فان ما يربط امريكا والكيان الصهيوني بايران هو رباط ستراتيجي واضح وليس صلة تكتيكية على الاطلاق .
2 – ان الانظمة العربية المعنية بهذا الحلف انظمة تابعة ولا ارادة حرة لديها وهي لذلك لا تقرر بل تقرر امريكا والكيان الصهيوني ، وهذه الانظمة معزولة عن الجماهير ومرعوبة من نقمتها عليها لذلك فهي اعجز من ان تدخل في حروب او صراعات رئيسية مع ايران . نعم تستطيع تقديم دعم اعلامي ومالي لكنها عاجزة عن خوض حروب رئيسية . من هنا فان الترويج لفكرة حلف عربي - امريكي - اسرائيلي ضد ايران اكذوبة كبرى تخدم هدف تعزيز الدور الايراني ، واخفاء التلاقي الستراتيجي الامريكي – الايراني ، واجبار مناهضي امريكا والكيان الصهيوني على الوقوف الى جانب ايران لان ذلك هو الشرط الضروري لتمكين ايران من مواصلة تفتيت الاقطار العربية والغاء الهوية العربية لها ، والاهم اغتيال المقاومة الام والاهم في الامة العربية والعالم برمته للامبريالية الامريكية وهي المقاومة العراقية .
3 – التناقض الرئيسي يولده تناقض مشاريع عظمى فالصراع العربي - الصهيوني مثلا نشأ نتيجة التناقض بين المشروع النهضوي العربي والمشروع الصهيوني لان الارض التي يقوم عليها كلا المشروعين هي الارض العربية فالصراع هنا حول الارض والحيز الجيوبولتيكي ، وفي ضوء هذه الحقيقة المعروفة فانه لا يوجد ستراتيجيا تناقض بين المشروع النهضوي القومي الايراني – في زمن الشاه وزمن خميني – وبين المشروع الامبريالي الامريكي والمشروع التوسعي الصهيوني للاسباب التالية :
أ - المشروع الامريكي يقوم على الاستيلاء على ثروات العرب وليس على ثروات ايران ، ولذلك فان الهدف الرئيسي للاستعمار الامريكي هو القضاء على المشروع النهضوي القومي العربي لان هدفه هو تحرير الثروات العربية واهمها النفط من سيطرة الغرب ، وليس على المشروع الايراني الذي يقوم على بناء دولة قوية في المنطقة تريد تقاسم النفوذ والمغانم مع امريكا واسرائيل في اطار تلاق وتعاون ستراتيجيين .
ب - اما المشروع التوسعي الصهيوني فهو لا يقوم على ارض ايران ابدا ، بل يقوم على ارض عربية فقط ، ولذلك فان التناقض بين ايران واسرائيل ، ومهما تطور هو تناقض ثانوي بين مشروعين يكمل احدهما الاخر ، من جهة ، ويتنافسان على النفوذ والغنائم من جهة ثانية ، في حين ان التناقض بين المشروعين القومي العربي والصهيوني هو تناقض جوهري بل انه صراع وجود بين كيان مصطنع قام على استعمار ارض عربية وحركة التحرر العربية التي تريد تحرير الارض الفلسطينية وايقاف التوسع الصهيوني .
هذا الاطار الستراتيجي الصارم هو الذي يحدد علاقة امريكا والكيان الصهيوني بايران وهو الذي يقرر مسارات تطورها . اما الاعلام فما يحصل وينشر فيه فانه عبارة عن عملية سيطرة على عقول الراي العام وتوجيهها لخدمة الهدف الستراتيجي ، لذلك فانه اعلام يقوم على الكذب والتضليل بما في ذلك حول الاهداف الحقيقية لهذه الاطراف الثلاثة وحول طبيعة الصلات بينها .
اذن ستراتيجيا ثمة تلاق ، واحيانا غالبة ثمة تكامل ستراتيجي بين مشاريع الاطراف الثلاثة امريكا والكيان الصهيوني وايران ، يقوم على قاسم مشترك هو تدمير مشروع النهضة العربية الحديثة وسحق القوى القومية العربية من اجل نجاح المشاريع الثلاثة المشار اليها . وفي اطار هذا التلاقي فان قيام معسكر عربي – صهيوني – امريكي معاد لايران ليس سوى خطة تضليل للجماهير هدفها اعادة تقوية ايران بعد ان فقدت الكثير من صدقيتها ونفوذها نتيجة سياستها الاستعمارية في العراق والاقطار العربية ، عن طريق ايهام الجماهير بان وقوف انظمة عربية معادية للجماهير وقضاياها الوطنية والقومية مع امريكا واسرائيل ضد ايران يفرض عليها دعم ايران ، وهكذا تستطيع ايران ان تواصل سياستها الخطيرة الخادمة لامريكا والكيان الصهيوني وهي تفتيت الاقطار العربية وبدعم جماهيري عربي !
هنا تظهر خطورة حيلة الجاهليان المصري والتونسي : استبدال التناقض الرئيسي الحقيقي وهو التناقض بين حركة التحرر الوطني العربية ، ممثلة الان بطليعتها الباسلة المقاومة العراقية ، بتناقض مزيف وثانوي بين ايران وامريكا والكيان الصهيوني ، انه تعمية لمن يبصر وارباك لمن يعجز عن الحسم بسرعة .
الحيلة الثانية : أغتيال العراق برصاصة فلسطينية
ويصر الاسلاموي المصري ممارسة التقية الصفوية فيقول ( أما إيران الداعمة للقوى التي انحازت إلى المقاومة الفلسطينية ، فإنها تعني إيغالاً في التحدي ورفعاً لسقفه ، الأمر الذي اعتبرته “إسرائيل” تهديداً لنفوذها في المنطقة ولكل مشروعها ) . لماذا تجاهل كتوأمه التونسي المقاومة العراقية التي تذبحها ايران يوميا في العراق ؟ ولماذا ركز على المقاومة في فلسطين ؟ اليس ذلك ممارسة لحيلة الاغراء بفلسطين من اجل ذبح العراق ؟ اليس ذلك اغتيال للعراق برصاصة فلسطينية ؟ وهل يمكن لرصاصة فلسطينية ان تغتال العراق حقا مع انها رصاصة صنعت من اجل تحرير الارض ؟
الحيلة الثالثة : التعتيم على من حيّد الخطر الاسرائيلي
ويقترب من حالة الانكار التام للواقع المعاش ، والذي كان السبب في غزو العراق واحداث المنطقة حين يقول ( وهي – أي اسرائيل - التي تصورت أن الساحة قد خلت لها ، ولم يعد هناك من ينازعها نفوذها أو يتحداها منذ توقيع اتفاقيات كامب ديفيد في عام 1979 وأوسلو مع قيادة منظمة التحرير الفلسطينية عام 1993 ) . هل تلاحظون حجم التورط في العداء للمقاومة العراقية ؟ ضميره المنوم بحشيشة ايرانية يتجاهل اسئلة محددة : متى خلت الساحة لاسرائيل ؟ ومن اخلاها ؟ وممن اخليت ؟ الا يتذكر الجميع ان العراق القوي كان القوة الوحيدة التي ردعت اسرائيل وحجمت نفوذها العسكري ؟ هل يتذكر ان العراق القوي هو الوحيد الذي قصف الكيان الصهيوني وعاصمته بالذات بصواريخ ستراتيجية ، وليس بصواريخ كاتيوشا الصغيرة الحجم والتاثير ، بلغ عددها 43 صاروخا عام 1991 فاسقط نظرية الامن الاسرائيلي ؟ وهل يتذكر من اخلى الساحة ؟ اليس هو امريكا التي غزت العراق ، بدعم ايراني كامل ورسمي ، فدمرت القوة المعارضة والمقاومة الاساسية للنفوذ الامريكي ؟ وهل توجد زاوية شرف في ضمير الاسلاموي المصري تمكنه من تذكر ان المقاومة العراقية هي التي اذلت امريكا واوصلت مشروعها الامبراطوري الى الفشل وليس مقاومة نصرالله المحكومة بالقرار الاستعماري الايراني ، والمصممة لخدمة النزعة التوسعية للاستعمار الايراني ، والتي صارت بعد تحرير جنوب لبنان عمليات مساومة وليس مقاومة ؟ هذه الاسئلة يتجاهلها الاسلاموي المصري بتعمد جاهلي بشع وباصرار تجاهلي ابشع .
ولا يتورع الاسلاموي المصري عن ممارسة هستيريا دعم ايران فيكذب علنا حين يقول ( ان “إسرائيل” اعتبرت أن الدور الإيراني بات يشكل خطراً وجودياً لمشروعها ، وكان طبيعياً أن يضاعف من قلقها مدى وحجم هذا الدور إذا ما تحولت إيران إلى قوة نووية ، الأمر الذي يفسر لنا لماذا اعتبرت أن إيران تمثل الخطر الاستراتيجي الأول الذي يهددها ؟ ولماذا استنفر اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة والمحافظون الجدد في البيت الأبيض للتضامن مع تل أبيب في الاحتشاد ضد إيران إلى حد الدخول في تفاصيل توجيه ضربة عسكرية تقوّض نظامها ؟ وظل السؤال الذي يشغل هذه الأطراف وهو توقيت تلك الضربة وتهيئة الجو المناسب سياسياً وإقليمياً لتوجيهها ؟ ) .
هل رايتم ؟ بعد اكثر من 30 عاما من التهديدات الامريكية لايران بضربها وعدم ضربها ، وبعد اعلان الغزل الرسمي والتلاقي التام الامريكي - الايراني ضد العراق ضد الامة العربية كلها ، وبعد عدم اقدام الكيان الصهيوني على أي اجراء ضد ايران ومشروعها النووي رغم انه يتكامل بسرعة ، بعد هذا كله نرى من يتجرأ على تكرار ( الاغنية ) الايرانية التي مجها الذوق وصارت مثل نكتة بايخة ياتينا هذا الاسلاموي بدفاع مجيد (مفهوم الاسباب ) عن ايران ويدعي انها ( الخطر الستراتيجي الاول ) ؟؟!!
هذا الاسلاموي منظر الجاهلية الساداتية الجديدة لم يخبرنا كيف ومتى عدت اسرائيل ايران خطرا ستراتيجيا عليها مع ان كل الوقائع تؤكد العكس منذ 30 عاما ، ولو كان المشروع النووي الايراني يشكل خطرا على اسرائيل لم سمحت امريكا والكيان الصهيوني باستمرار عمليات بناءه دون عوائق فعلية ، كما حصل مع المشروع النووي العراقي الذي لم يصل ابدا الى مستوى بناء المشروع النووي الايراني ومع ذلك دمر بتعاون مخابراتي ثبت الان امريكي – فرنسي - ايراني مع الكيان الصهيوني ؟ وهل تصل جاهلية هذا الكاتب حد الغرق ببركة تكتيك استخباري معروف حتى لانصاف المثقفين تتبعه دول الغرب والكيان الصهيوني ويقوم على مهاجمة طرف معين اعلاميا من اجل تلميعه وحمايته وتأهيله للعب دور تخريبي تحت غطاء معاداته لامريكا ؟ هل تجاهل الاسلاموي المصري لحقيقة ان ايران تقوم بدور اسرائيل الاهم وهو نشر الفتن الطائفية في الوطن العربي ، وتلك خدمة ستراتيجية عظمى للمخطط الصهيوني التقليدي القائم على تقسيم الاقطار العربية على اسس طائفية – عرقية ، ولذلك لم تضرب ايران ولم يدمر مشروعها النووي ؟
وتبرز درر تنظير الساداتي الاسلاموي حين يقول ( إذا جاز لنا أن نلخص فإننا نفهم أن تعتبر “إسرائيل” إيران خطراً يهدد استراتيجيتها، ونفهم أيضاً أن تتضامن معها الولايات المتحدة الخاضعة لنفوذ اللوبي الصهيوني والمحافظين الجدد ، في الوقت ذاته فإنه التناقض الرئيسي بين “إسرائيل” وإيران يفترض أن يكون في صالح الموقف العربي الذي يعتبر أنه في تناقض رئيسي مع “إسرائيل”. وهي النتيجة المنطقية التي تعبّر عنها المقولة الشهيرة “عدو عدوي صديقي”. والصداقة لا تلغي الاختلاف، ولكنها في هذه الحالة تقوم على معيار رشيد يفرق بين التناقض الرئيسي والتناقض الثانوي، أو بين ما هو أصلي وفرعي، ذلك أننا نفهم في فقه الاختلاف ومذاهبه أن الاتفاق في الأصول حد كاف، ولا غضاضة بعد ذلك في أي اختلاف في الفروع. وهو الحاصل في الدين فما بالك به في السياسة ) .
في هذه الحيلة يتجاهل الساداتي الجديد حقيقة عرفها حتى الجاهل وهي ان المحافظون الجدد وادارات امريكا منذ عام 1981 قد دعمت ايران ضد العراق وليس العكس ، وقضية ايران جيت حية ، كما ان العالم يعرف ويشاهد بعينيه ويلمس بيديه ان التحالف الرئيسي الاكثر فعالية وخطرا في المنطقة ، والذي قام على تلاق ستراتيجي كامل حول تفتيت الامة العربية منذ غزو العراق ، هو بين امريكا وايران ، وتجربة العراق منذ الغزو وحتى هذه اللحظة تؤكد ذلك ، فايران تتفاوض مع امريكا رسميا على تقرير مصير العراق ، وامريكا تعتمد مباشرة على حكومات في العراق المحتل تشكلها عناصر تابعة لايران وهي حكومة تعمل رسميا على تدمير المقاومة وتكريس الاحتلال .
الحيلة الرابعة ( اكذب حتى يصدقك الناس ثم اكذب حتى تصدق نفسك )
هنا يجلس هذا الشخص نفسه فوق قطعة صفيح ساخن فهو يميز بين التناقض الرئيسي والتناقض الثانوي وماهو اصلي وماهو ثانوي ، لكنه يتجنب اكمال كلامه فلا يقول لنا مباشرة ما هو التناقض الرئيسي وماهو التناقض الثانوي ؟ ولم يقل لنا اين تقف ايران في هذين التناقضين ؟ وهل التناقضات ستاتيكية جامدة لا تتبدل ام انها تتبدل وقد يصبح التناقض الثانوي تناقضا رئيسيا ؟ ومتى يحصل ذلك ؟ وهل دخل وطننا العربي ومنطقتنا ( الشرق الاوسط ) مرحلة تغيير التناقضات ومتى ؟ هذا الجاهلي حتى العظم والتجاهلي حتى جيناته يمارس بغباء تام الحيلة الرابعة وهي ( اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس ثم اكذب واكذب حتى تصدق نفسك ) من خلال مواصلة اهمال وجود المقاومة العراقية بصفتها القوة التحررية الام في الوطن العربي ، والتي تخوض المعركة الحاسمة مع الاحتلال الامريكي ، ومحاولته تضخيم دور مقاومة حماس وحزب الله ، مع انها مقاومة من اجل المساومة في أطار الوضع الحالي وليس لتغييره جذريا ، كما سنرى .
لم يسأل نفسه ما يلي : لو كان التناقض الرئيسي هو بين امريكا واسرائيل من جهة وايران وحزب الله وحماس من جهة ثانية كيف اذن يفسر لنا اسرار التعاون الستراتيجي وليس التكتيكي بين امريكا وايران منذ الحرب الايرانية التي فرضت على العراق ( 1980- 1988) مرورا بغزو افغانستان والعراق وحتى الان ؟ لقد وصل التعاون درجة الموافقة الامريكية الرسمية في زمن بوش الابن على اشراك ايران في تقرير مصير لبنان والعراق وافغانستان ، وقبل ذلك وتمهيدا له جاء تقرير بيكر هاملتون ليدعوا الى اشراك ايران في الحلول المطلوبة في المنطقة في العراق وغيره .
ان التجاهلي والجاهلي المصري هذا نسي ان يطرح السؤال التالي وهو : اذا كانت ايران في حالة تناقض رئيسي مع امريكا لم اذن هذا الوفاق والاتفاق حول الخط العام للحلول في المنطقة وهو الحط من شأن الامة العربية وتقسيمها وتقاسمها بين امريكا والكيان الصهيوني وايران ؟
الحيلة الخامسة : استبدال التناقض الرئيسي بتناقض ثانوي
وتنطوي الفقرة السابقة ايضا على حيلة اخرى وهي استبدال التناقض الرئيسي ، وهو الذي نراه في العراق ، بين امريكا والمقاومة العراقية ، بتناقض ثانوي وتابع وهو التناقض في لبنان بين ايران وامريكا ، وفي فلسطين بين حماس والسلطة الفلسطينية والكيان الصهيوني . ان ما يقرر اين يقع التناقض الرئيسي ليس الرغبات الذاتية بل طبيعة ونوعية وحجم الصراع ، ففي العراق تقاتل امريكا من اجل اقامة امبراطورية عالمية انطلاقا من السيطرة على العراق ، فهو تناقض يستبطن هدف تغيير العالم برمته واعادة تشكيله ، ولذلك فان لامريكا حلفاء يشكلون معسكرا حربيا اكبر من معسكر الحلفاء الذين قاتلوا النازية في الحرب العالمية الثانية . وفي العراق تزج امريكا باكثر من 80 % من قدراتها العامة *، فمثلا القوات العسكرية الاساسية لامريكا وحلفاءها والقدرات الاقتصادية والتكنولوجية زجت في العراق ، لانها معركة تقرير مصير العالم وتحديد طبيعة النظام العالمي الجديد ، اما في لبنان فهي لعبة صراع ديوك بين امريكا وايران عبر حزب الله ومعسكر امريكا ، من اجل تقاسم اشلاء الاقطار العربية بين امريكا وايران ، وفي فلسطين لم تعد المقاومة من اجل تحرير فلسطين بل من اجل دويلة قزمة ومقزمة في الضفة الغربية وغزة كما نراه في قبول حماس لمشروع الدولتين . أذن في الساحة الفلسطينية والساحة اللبنانية الصراع ليس من اجل نسف الواقع الحالي بل من اجل احداث تغييرات ثانوية ضمن توازناته الثابتة .
في لعبة استبدال التناقض الرئيسي ، وهو الصراع العراقي الامريكي ، بصراع ثانوي وتابع ، وهو الصراع في لبنان وفلسطين ، نرى الحيلة التي يمارسها هذان الاسلامويان التونسي والمصري بحذافيرها وبالتمام والكمال . لقد عتم التجاهليان والجاهليان على حقيقة ان الكيان الصهيوني لا يعيش ويستمر ويتقوى الا لان امريكا درعه الاساسي ومصدر تفوقه الاهم ، لذلك فان الكيان الصهيوني ومهما عظم دوره وقوته يبقى فرعا تابعا في قوته ودوره الاقليمي للولايات المتحدة الامريكية وليس العكس .
هنا تتجسد الجاهلية الساداتية لهذا الاسلاموي ، لانه بلعبة الاستبدال هذه يخلط عمدا بين الصراع الرئيسي ، وهو الذي يدور في العراق والذي سوف تتقرر مصائر العالم في ضوء نتائجه ، والصراع الثانوي ، وهو الذي يدور في لبنان وفلسطين والذي يقوم على الاعتراف بالواقع الحالي مع العمل على احداث تغييرات طفيفة فيه ، لاجل اقناعنا بان نمارس الصمت على الغزو الايراني وجرائم ايران بحجة انها تخوض صراعا رئيسيا ضد امريكا والكيان الصهيوني . هل يعرف هذا الساداتي ما يقول ؟ سنرى بعد قليل المزيد حول التناقض الرئيسي وماهو الاصلي والثانوي وهو ما سيفضح ما يستره .
الحيلة السادسة : تسويق تحالف هش
لاجل تسويغ وقبول دعم ايران من قبل الجماهير العربية تلجأ المخابرات الايرانية وبمساعدة مباشرة من امريكا واسرائيل الى طرح ثنائية زائفة وهشة وهي وقوف معسكر الانظمة العربية مع الكيان الصهيوني وامريكا ضد ايران وحزب الله وحماس !
يقول الاسلاموي المصري : (لا بد أن نعطل العقل ونلغي المنطق لنستوعب الذي جرى في الآونة الأخيرة. إذ في حين استمرت “إسرائيل” في استعلائها وحصارها للفلسطينيين وتهويدها للقدس وتوسعاتها الاستيطانية ورفضها للمبادرة العربية، حدث انقلاب في البوصلة العربية بحيث توارى الخطر “الإسرائيلي” المدجج بمائتي رأس نووي، وظهر في الفضاء العربي عنوان “الخطر الإيراني” والمخاوف من تطلعاته النووية المستقبلية . لم يحدث ذلك فجأة بطبيعة الحال، ولكنه بدأ بالتصعيد في مسألة الجزر الثلاث، وبإثارة موضوع التشييع في البلاد العربية ، وتذرع بالتمدد الإيراني في العراق ، الأمر الذي استصحب حديثاً مبكراً عن الهلال الشيعي ، ثم امتد إلى التنديد بحزب الله في لبنان ومحاولة تأجيج الفتنة الطائفية هناك. وانتهى الأمر بإثارة مسألة خلية حزب الله، وقدمت إلى الرأي العام المصري والعربي بحسبانها تهديداً للأمن القومي المصري، مرشحاً للتكرار في أقطار عربية أخرى. وجاءت هذه الإشارات التي استقبلت بفرح غامر في “إسرائيل” دالة على أن التناقضات الثانوية هيمنت وتحولت إلى رئيسية ، الأمر الذي شجع شمعون بيريز على أن يسوق المشهد في واشنطن ويتحدث عن إيران باعتبارها خطراً مشتركاً يهدد العرب “وإسرائيل” معاً ) .
ماذا يقول هذا الرجل في الفقرة السابقة ؟ انه هنا يكشف عن انه يعرف ، لكنه يتجاهل ، فهو يعرف ان ايران تحتل الجزر العربية الثلاثة وهو يعرف ايضا – سبحان الله – ان ايران تتمدد في العراق ، وهو قرأ عن (الهلال الشيعي )، واخيرا هو يؤكد ان التناقض الرئيسي ليس في العراق بل في لبنان او في فلسطين ! لكنه يمارس حيلة بائسة بقبول فكرة ان بالامكان اقامة تحالف ضد ايران يتشكل من الانظمة العربية واسرائيل وامريكا ! هل هذا ممكن فعلا ؟ الجواب كلا لعدة اسباب :
1 – لان التناقض بين ايران وامريكا والكيان الصهيوني تناقض ثانوي ولم يصل الى مرحلة التناقض الرئيسي ولن يصل لاسباب ستراتيجية واضحة اهمها ان ايران تقوم بتقديم اعظم خدمة لاسرائيل وامريكا وهي النجاح فيما فشلت فيه قوى الاستعمار التقليدية ( بريطانيا وفرنسا ثم امريكا والكيان الصهيوني ) وهو نشر الفتن الطائفية وتقسيم الاقطار العربية على اسس طائفية ، ايران نجحت بذلك وهي لهذا تقوم بدور خادم لامريكا والكيان الصهيوني ، وبما ان الهدف المركزي التقليدي لامريكا والغرب واسرائيل هو شرذمة الاقطار العربية ، وليس ايران ، فان ما يربط امريكا والكيان الصهيوني بايران هو رباط ستراتيجي واضح وليس صلة تكتيكية على الاطلاق .
2 – ان الانظمة العربية المعنية بهذا الحلف انظمة تابعة ولا ارادة حرة لديها وهي لذلك لا تقرر بل تقرر امريكا والكيان الصهيوني ، وهذه الانظمة معزولة عن الجماهير ومرعوبة من نقمتها عليها لذلك فهي اعجز من ان تدخل في حروب او صراعات رئيسية مع ايران . نعم تستطيع تقديم دعم اعلامي ومالي لكنها عاجزة عن خوض حروب رئيسية . من هنا فان الترويج لفكرة حلف عربي - امريكي - اسرائيلي ضد ايران اكذوبة كبرى تخدم هدف تعزيز الدور الايراني ، واخفاء التلاقي الستراتيجي الامريكي – الايراني ، واجبار مناهضي امريكا والكيان الصهيوني على الوقوف الى جانب ايران لان ذلك هو الشرط الضروري لتمكين ايران من مواصلة تفتيت الاقطار العربية والغاء الهوية العربية لها ، والاهم اغتيال المقاومة الام والاهم في الامة العربية والعالم برمته للامبريالية الامريكية وهي المقاومة العراقية .
3 – التناقض الرئيسي يولده تناقض مشاريع عظمى فالصراع العربي - الصهيوني مثلا نشأ نتيجة التناقض بين المشروع النهضوي العربي والمشروع الصهيوني لان الارض التي يقوم عليها كلا المشروعين هي الارض العربية فالصراع هنا حول الارض والحيز الجيوبولتيكي ، وفي ضوء هذه الحقيقة المعروفة فانه لا يوجد ستراتيجيا تناقض بين المشروع النهضوي القومي الايراني – في زمن الشاه وزمن خميني – وبين المشروع الامبريالي الامريكي والمشروع التوسعي الصهيوني للاسباب التالية :
أ - المشروع الامريكي يقوم على الاستيلاء على ثروات العرب وليس على ثروات ايران ، ولذلك فان الهدف الرئيسي للاستعمار الامريكي هو القضاء على المشروع النهضوي القومي العربي لان هدفه هو تحرير الثروات العربية واهمها النفط من سيطرة الغرب ، وليس على المشروع الايراني الذي يقوم على بناء دولة قوية في المنطقة تريد تقاسم النفوذ والمغانم مع امريكا واسرائيل في اطار تلاق وتعاون ستراتيجيين .
ب - اما المشروع التوسعي الصهيوني فهو لا يقوم على ارض ايران ابدا ، بل يقوم على ارض عربية فقط ، ولذلك فان التناقض بين ايران واسرائيل ، ومهما تطور هو تناقض ثانوي بين مشروعين يكمل احدهما الاخر ، من جهة ، ويتنافسان على النفوذ والغنائم من جهة ثانية ، في حين ان التناقض بين المشروعين القومي العربي والصهيوني هو تناقض جوهري بل انه صراع وجود بين كيان مصطنع قام على استعمار ارض عربية وحركة التحرر العربية التي تريد تحرير الارض الفلسطينية وايقاف التوسع الصهيوني .
هذا الاطار الستراتيجي الصارم هو الذي يحدد علاقة امريكا والكيان الصهيوني بايران وهو الذي يقرر مسارات تطورها . اما الاعلام فما يحصل وينشر فيه فانه عبارة عن عملية سيطرة على عقول الراي العام وتوجيهها لخدمة الهدف الستراتيجي ، لذلك فانه اعلام يقوم على الكذب والتضليل بما في ذلك حول الاهداف الحقيقية لهذه الاطراف الثلاثة وحول طبيعة الصلات بينها .
اذن ستراتيجيا ثمة تلاق ، واحيانا غالبة ثمة تكامل ستراتيجي بين مشاريع الاطراف الثلاثة امريكا والكيان الصهيوني وايران ، يقوم على قاسم مشترك هو تدمير مشروع النهضة العربية الحديثة وسحق القوى القومية العربية من اجل نجاح المشاريع الثلاثة المشار اليها . وفي اطار هذا التلاقي فان قيام معسكر عربي – صهيوني – امريكي معاد لايران ليس سوى خطة تضليل للجماهير هدفها اعادة تقوية ايران بعد ان فقدت الكثير من صدقيتها ونفوذها نتيجة سياستها الاستعمارية في العراق والاقطار العربية ، عن طريق ايهام الجماهير بان وقوف انظمة عربية معادية للجماهير وقضاياها الوطنية والقومية مع امريكا واسرائيل ضد ايران يفرض عليها دعم ايران ، وهكذا تستطيع ايران ان تواصل سياستها الخطيرة الخادمة لامريكا والكيان الصهيوني وهي تفتيت الاقطار العربية وبدعم جماهيري عربي !
هنا تظهر خطورة حيلة الجاهليان المصري والتونسي : استبدال التناقض الرئيسي الحقيقي وهو التناقض بين حركة التحرر الوطني العربية ، ممثلة الان بطليعتها الباسلة المقاومة العراقية ، بتناقض مزيف وثانوي بين ايران وامريكا والكيان الصهيوني ، انه تعمية لمن يبصر وارباك لمن يعجز عن الحسم بسرعة .
رد: المدافعون عن الاستعمار الايراني : من هم ؟ - صلاح المختار
* في خطابه الاخير حول افغانستان اعترف الرئيس الامريكي باراك اوباما بان الجهد الرئيسي الامريكي العسكري والاقتصادي زج به في العراق .
مطلع كانون الاول 2009
ملاحظة كتبت هذه الدراسة بين أيار/ مايو و آب / اوغست 2009 لكنها تركت مؤقتا ولم تنشر ، والان ننشرها بعد اضافة تصريحات ايرانية جديدة اطلقت في الاسابيع الماضية ، ووقوع احداث في ايران ولبنان وغيرهما اكدت ما ورد فيها .
الحيلة السابعة : التظاهر بالتقوى
ولا يتردد ( منظر ) التجاهلية الساداتية والجاهلية الاسلاموية في محاولة اثارة مشاعر العار مع ان العار يكمن في كل كلمة قالها حول طبيعة الصراع في المنطقة ودور ايران فيه ! يقول ( لا يستطيع المرء أن يخفي شعوره بالخزي والعار وهو يقول إن ما قاله بيريز لم يكن ادعاء “إسرائيلياً” صرفاً، ولكنه كان يستند أيضاً إلى عدد من الشهادات المزورة التي ظهرت في بعض وسائل الإعلام العربية، حيث لا يستطيع أي متابع أن ينكر أن هناك تعبئة واسعة النطاق للاستنفار والتحريض ضد ما يسمى الخطر الإيراني . ولا بد أن يثير انتباهنا في هذا السياق أن ندوتين عقدتا في الأسبوع الماضي أسهمتا بصورة أو أخرى في دق أجراس التخويف من ذلك “الخطر”) .
هذه اللفتة كغيرها من لفتاته ساذجة لان الجماهير العربية بحسها وعفويتها تدرك ان العراق توأم فلسطين وان احتلال العراق لا يقل خطورة واهمية عن احتلال فلسطين وان من يفرط بالعراق ويساهم في غزوه وتدميره لا يمكن ان يدعم فلسطين بصدق ، لكن هذا الاسلاموي يريد ان يمارس اللعبة التقليدية لمن افلس وهي استخدام العواطف والكلمات الكبيرة كالعار والشرف لايهام البعض بانه فعلا حريص على الشرف . ان السؤال الذي يفضح نوعية ( شرفه ) هو التالي : كيف يهاجم من يصطف مع اسرائيل وهو شخصيا يصطف مع ايران ويبرئها من جرائم احتلال الاحواز والعراق والجزر العربية وهي جرائم لا تختلف عن جرائم اسرائيل من حيث النوع والطبيعة والاهمية ؟ هل غزو العراق ومساهمة ايران فيه يختلف من حيث الجوهر والنتائج عن غزو فلسطين ؟ وهل وقفنا ضد اسرائيل لانها دولة يهودية ام لانها دولة اغتصاب استعمرت فلسطين وطردت اهلها ؟ نحن لسنا ضد اليهود بل ضد الصهيونية واليهود الذين يحتلون فلسطين ، من هنا فان من يحتل ارضا عربية في أي مكان من الوطن العربي لا يختلف عمن يحتل فلسطين سواء كان مسلم الدين كايران ، او مسيحي الدين كالاسبان الذين يحتلون اراض مغربية ، الغزو هو غزو والاستعمار يعني الغزو والاستقرار في الارض التي غزاها والعمل على تغيير هوية سكانها من اجل تأبيد نهبها .
الا تقوم ايران بتفريس عرب الاحواز كما تفعل اسرائيل بتهويد فلسطين ؟ الم تقم ايران بعد غزو العراق بالمشاركة المباشرة مع امريكا في تنفيذ خطة خطيرة وهي أدخال حوالي اربعة ملايين من الفرس واكراد ايران وتركيا الى العراق وعملت بالتنسيق مع امريكا مباشرة وعبر وكلائها في العراق على منحهم الجنسية العراقية من اجل تغيير الهوية العربية للعراق ؟ الم تحاول ايران ادخال فقرة في دستور الاحتلال تفرض وجود ( اقلية فارسية ) في العراق مع انه لا توجد أي اقلية فارسية في العراق قبل الغزو من اجل وضع اساس دستوري لمن ادخلتهم ايران الى العراق وهم غير عراقيين ؟
اذن الاسلاموي المصري يريد بالحديث عن الخزي والعار ان يوهم البعض بانه بريء من الخزي والعار الذي يتراكم على راسه وينوّم ضميره بسبب موقفه من احتلال العراق والذي يتعامل معه بطريقة انتقائية فيدين امريكا لكنه يبرء ايران الشريكة الاولى والاهم لامريكا في غزو العراق .
الحيلة الثامنة : التلون مع تلون ايران
هذا الاسلاموي المصري يختتم مقالته بجملة تلخص هواه كله ، يقول : ( لقد اعتبرت إيران يوماً ما أن الولايات المتحدة هي الشيطان الأكبر - لا حظوا ان الاسلاموي يعترف بان ايران كانت تعد امريكا في يوم ما شيطانا اكبرا ولم تعد تعده كذلك الان - ولكن هذا الشيطان غيّر من سياسته بعد ثلاثين عاماً ، ووجد أن من مصلحته أن ينفتح على إيران ، وفي تلك اللحظة كان بعض العرب قد حوّلوا إيران إلى شيطان أكبر ودخلوا في معركة سياسية مفتوحة معها ، من دون أن يكون هناك أفق واضح لأي مصلحة لهم في ذلك ، ومن دون أن يدركوا أن “ إسرائيل ” المتربصة هي الفائز الأوحد في تلك المعركة - أخشى ألا يفي مصطلح “الجاهلية السياسية” بحق وصف هذا المشهد ) .
اذن هو يعرف ولا يجهل ان ايران كانت تعد امريكا الشيطان الاكبر لكنه يمارس حيلة التابع الذليل الذي لا يستطيع سوى الخضوع حرفيا لما يريد سيده واحد مصادر ( رزقه ) ، فيتحول من مؤكد لفكرة ان ايران هي العدو الرئيسي لامريكا الى تبرير وتسويغ وتسويق فكرة ان امريكا تغيرت وان سياستها تجاه ايران لم تعد كما كانت في العقود الثلاثة الماضية ، لذلك فان من حق ايران ان تعيد النظر في موقفها من امريكا ! في هذه الحيلة يقول لنا ما يلي بصراحة :
1 – ان من تغير وغير مواقفه هو امريكا وليس ايران ، لذلك لا بد ان تقوم ايران بتغيير موقفها من الشيطان الاكبر ! لكن هذا الكلام مضلل فامريكا لم تغير مواقفها بل ايران هي التي تغيرت ، او للدقة ايران ايضا لم تتغير بل هي تلعب ادوارا مرسومة سلفا قد تبدو مختلفة ، وتبلور وتحديد توجه ايران الملالي حصل في الاشهر الاولى بعد اسقاط الشاه حينما تعاون خميني مع امريكا واسرائيل بشن حرب مفتوحة وشاملة ضد العراق ، باعلان خميني ان الهدف الاساسي بعد سقوط الشاه هو اسقاط نظام البعث والقضاء على صدام حسين ، وهناك حوالي 300 مذكرة عراقية ارسلت الى الامم المتحدة تثبت ان ايران تتبنى رسميا سياسة تقوم على التدخل في شئون العراق وتعمل على اسقاط نظامه الوطني ، وذلك كان هو السبب الرئيسي لاندلاع الحرب بين البلدين .
وتجلى التعاون الامريكي – الايراني – الاسرائيلي ضد العراق اثناء الحرب ( بين عامي 1980 و1988 ) حينما استلمت ايران الدعم العسكري من امريكا والكيان الصهيوني ، وفضيحة ايرانيجيت اشهر من ان تهمل او تغطى او يعاد تفسيرها ولا يستطيع شرف الاسلاموي الرفيع تجاهلها لكنه يمارس الصمت تجاهها حينما يتحدث عن بطولات ايران في خوضها ( الحرب المقدسة ) مع امريكا والكيان الصهيوني ! ان ام الحقائق الخاصة بنهج ايران هي انها هي التي لم تلتزم بتطبيق شعارها الاول امريكا هي الشيطان الاكبر ، وهي التي تراجعت عن تطبيق هذا الشعار واختارت اشعال حروب دينية وطائفية في المنطقة كلها بين المسلمين بدلا من شن حرب مقدسة على امريكا والكيان الصهيوني . هل تلاحظون التضليل الذي يمارسه الاسلاموي المصري صاحب الشرف الرفيع ؟
2 – يتجاهل الاسلاموي المصري ، وكجزء من تربيته وثقافته الاسلاموية ، حقيقة ان اسلامية النظام في ايران ، اذا كان اسلاميا حقا ، تتناقض مع براغماتيته ( النظام الايراني ) التي يتحدث عنها الاسلاموي المصري ! فاذا كانت ايران قد تبنت سياسة معاداة امريكا على اساس ديني صادق فان تغيير امريكا لموقفها من ايران – اذا افترضنا صدق ذلك - لايسمح لها بتغيير موقفها من الشيطان الاكبر . والسؤال المنطقي والديني الطبيعة في نفس الوقت هو : هل يمكن للشيطان ان يتغير ؟ ام انه تشيطن في اطار تقسيم الهي ؟ ان الحكم الالهي هو ان الشيطان يبقى شيطانا ، لذلك فان الحقيقة التي تفرض نفسها من وجهة نظر دينية هي ان الذي تغير ليس الشيطان الاكبر بل من كان يتظاهر بانه مناهض له لذلك تعاون مع الشيطان الاكبر رسميا وعلنيا لتسهيل غزو العراق وافغانستان ، اليس كذلك ؟
3 – من بين اهم منطلقات خميني الايديولوجية قوله الشهير ب( ان الاقتراب من الشيطان الاكبر كفر ودليل وجود خطأ في موقف من يقترب منه ) ، والسؤال المهم هنا هو : لماذ اقترب الشيطان الاكبر من ايران حسب ادعاء الاسلاموي المصري ؟ مما لا شك فيه ان امريكا لم تتغير من حيث الطبيعة الامبريالية على الاطلاق ، فامريكا التي كانت شيطانا اكبرا ستبقى كذلك – وقد تصبح شيطانا اصغر - الى ان تنهار وتتقسم ، لكنها لن تتخلص من طبيعتها الشيطانية ابدا مادامت جيناتها مصنوعة في معامل راس المال ، فالراسمالية ، في مرحلة الامبريالية ، نظام مؤسسي لا يعيش الا على النهب واللصوصية والتوسع على حساب الغير ، والراسمالية الامريكية ، كأمها الراسمالية البريطانية ، تعد ايران ، وبغض النظر عمن يحكمها ،( ذخيرة ستراتيجيا ) اقليميا وظيفته الاساسية ضبط التوازن الاقليمي لصالح القوى الاستعمارية ، والدليل على ذلك هو ان ايران خميني وليس ايران الشاه فقط هي من تلقت السلاح والمعلومات الاستخبارية عن العراق من امريكا واسرائيل ، وليس العراق كما يروج امثال الاسلاموي المصري من اصحاب ( الشرف الرفيع ) ، وايران هي من عاونت امريكا رسميا وفعليا في غزو افغانستان والعراق ، كما اعترف قادة ايران عدة مرات ومنهم محمد علي ابطحي نائب الرئيس الايراني ، وهي من حققت اهم واخطر اهداف الصهيونية وكيانها الاغتصابي في فلسطين وهو نشر الفتن الطائفية في الاقطار العربية .
ان الصورة المثالية للتوافق الامريكي الايراني رأيناها ونراها في التعاون التام في غزو العراق وتاسيس نظام عميل فيه وتدمير العراق وطنا ودولة وتمزيقه شعبا وهوية ، ونشر الفتن الطائفية في الوطن العربي بدعم امريكي كامل بما في ذلك مصر الوطن الصغير لهذا الاسلاموي التي تتعرض لغضب وكارثة الفتنة الطائفية المزدوجة القبطية – الاسلامية ، التي اثارتها امريكا والطائفيون السنة في مصر ، والاخرى التي زرعتها وفجرتها وتوسعها وتديمها ايران تحت غطاء الصراع السني – الشيعي الطارئ على مصر !
4 – من الطبيعي ، ومن البديهي ومن المطلوب في نفس الوقت ، ان تتشيطن ايران بمجرد اقترابها من امريكا وتعاونها معها ، حسب مفهوم خميني الحماسي النظري ، لذلك فان الاسلاموي المصري احوّل الوعي والادراك ، مسلوب الارادة ، حينما يقول ان الانظمة العربية تريد شيطنة ايران الان ! ايران هي التي شيطنت نفسها واختارت ملكوت الشيطان ورفضت ملكوت الرحمن بارادتها الحرة ، كما اعترف بذلك ابو الحسن بني صدر اول رئيس لنظام خميني واية الله العظمى حسين منتظري نائب خميني ، اللذان كشفا عن موافقة خميني على التعاون العسكري مع امريكا واسرائيل اثناء الحرب التي فرضتها ايران على العراق .
ان الحقيقة المركزية التي يجر تجاهلها الى الوقوع في فخ عهر الضمير هي التالية : لقد بدت على ايران الملالي كل مظاهر التلاقي ، على مستوى الستراتيجيات العظمى ، مع الشيطانين الاكبر ( امريكا ) والاصغر ( اسرائيل ) ، بمجرد تعمدها نقل الصراع من صراع ضد الاستعمار والصهيونية ، كما كان منذ غزو فلسطين وحتى وصول خميني للسلطة ، الى صراعات طائفية ودينية انتشرت كالنار في الهشيم في الوطن العربي ، واحد اسباب الانتشار هذا هو وجود عهار ضمير روجوا لايران صورة غير حقيقية ، وهي انها تدعم القضية الفلسطينية ، نجحت في تضليل الكثير من العرب ودفعهم لمواصلة دعم ايران حتى وهي تشن حربا شاملة ضد العراق ، ومن اكبر مظاهر عهر الضمير تجنب الاسلاموي هذا رؤية تشيطن ايران قبل الان ومنذ تعاونت مع امريكا ضد العراق وشرعت بتغيير طبيعة الصراع الستراتيجي في المنطقة بتحويله من صراع تحرري الى صراعات طائفية دينية مدمرة ، ليس في عام 2003 بغزو العراق فقط بل قبل ذلك في عام 1980 ، حينما فرضت الحرب على العراق ، وتسملت اسلحة من امريكا والكيان الصهيوني ، واصبح رجالات الكيان الصهيوني تجار سلاح يتجولون في الاسواق السوداء والبيضاء في العالم بحثا عن اسلحة لايران لاستخدامها ضد العراق ، وفي عام 1991 حينما كانت انظمة عربية تقف الان ضد ايران متحالفة معها من اجل غزو العراق الذي فشل العدوان الثلاثيني في تحقيقه ، وجاء غزو عام 2003 لتحقيقه بتحالف دولي اقليمي كانت ايران المشيطنة اهم طرف فيه بعد امريكا ملتقية من انظمة عربية ساعدت على غزو العراق . لقد فشل الاسلاموي المصري كتوأمه الاسلاموي التونسي ، في رؤية تشيطن نظام الملالي مع ان مقدمات تشيطنه كانت واضحة جدا لمن كان لديه ضمير وبصر وبصيرة طبيعية ، خصوصا وان الادلة على تشيطنه وشيطنته كانت موجودة وواضحة منذ الاستضافة المشبوهة لخميني في فرنسا .
وما تجاهله الاسلاموي هو حقيقة ان التشيطن ، كأي مثلبة اخلاقية وانحراف سلوكي ، لا يحدث فجأة بل له مقدمات فهو ينمو ببطء في البداية في المجاهل المظلمة للضمير الانساني حتى يتبلور ويظهر وعندها يصبح نموه وتبدياته سريعة ، لذلك فان تشيطن نظام الملالي بدأت ملامحه تظهر مع أستضافة مراكز الاستعمار لخميني في فرنسا ورحلة طائرة الجمبو من باريس في عام 1979 والتي اقلت خميني الى طهران محميا بشكل ( امني خاص جدا ) من قبل فرنسا وامريكا وبريطانيا وكأنه رجل الغرب الجديد ليس في ايران فقط بل في العالم الاسلامي برمته . وقد طرح كل مراقب موضوعي وقتها تسائلا منطقيا : لم تهتم امريكا وفرنسا وبريطانيا بسلامة خميني اذا كان عدوا لها ؟
هذا الوعي الاسلاموي الاحول والاعور المتمركز حول الذات المريضة لم يسمح للمصري ولا لتوأمه التونسي برؤية الحقيقة الايرانية التي تقوم على انها اخطر في تعاونها مع امريكا ضد العراق والعروبة من الانظمة العربية ، لان الاخيرة ضعيفة ومعزولة وتابعة وغير مستقلة ومتخلفة ستراتيجيا ، في حين ان ايران مستقلة ولديها خطة عبقرية اوصلتها الى حد تدمير العراق بقوة امريكا ، الامر الذي يجعل تلاقيها مع امريكا وتعاونها معها خيار شيطاني مدمر دون ادنى شك .
5 – هذا الاسلاموي لا يدرك ، ولا يرى ، ولا يعرف ، ولا ينظر ، ولا يشم الا وفقا لقبلته الدنيوية ايران ، فهو يقول في الجملة السابقة ما يلي : (وفي تلك اللحظة كان بعض العرب قد حوّلوا إيران إلى شيطان أكبر ودخلوا في معركة سياسية مفتوحة معها، من دون أن يكون هناك أفق واضح لأي مصلحة لهم في ذلك، ومن دون أن يدركوا أن “إسرائيل” المتربصة هي الفائز الأوحد في تلك المعركة - أخشى ألا يفي مصطلح “الجاهلية السياسية” بحق وصف هذا المشهد ) .
ماشاء الله على عبقرية الفهم : لم تقل هذا الكلام عن ايران وهي تعاون امريكا في غزو العراق مع ان العراق وليس غيره كان من حيّد التفوق الاسرائيلي ووضع قاعدة محاصرتها فتحقق حلم العرب الاعتق والاهم في العصر الحديث وهو ردع الكيان الصهيوني بقوة عربية متقدمة تكنولوجيا وعسكريا واجتماعيا وهي العراق الناهض القوي والمتقدم ! هل قص لسانك ولم ترى ان اسرائيل كانت ومازالت المستفيد الاكبر من غزو وتدمير العراق ؟ ولماذا سكت وتسكت عن النشاط الطائفي الايراني في الاقطار العربية ، ومنها مصر ، والذي زرع الفتن والفرقة وحول الصراع من صراع مع الاستعمار الغربي والصهيونية الى صراع بين العرب انفسهم وبين المسلمين انفسهم ؟ لم ترمي باللوم على امريكا فقط مع ان ايران هي من نفذ مخطط الفتنة الطائفية بالتوافق الكامل مع امريكا ؟ فقط حينما تهاجم انظمة عربية ايران يصبح ذلك لخدمة اسرائيل ، اما حينما تهاجم ايران بقوة وحدة الاقطار العربية وتهدد استقرارها وهويتها الوطنية والقومية فان ذلك عمل بسيط ولا يخدم اسرائيل ومخططاتها ؟! أي عبقرية هذه ؟ واي احتيال هذا ؟ وما السر في هذا الدفاع ( المجيد ) عن ايران ؟
الحيلة التاسعة : مساواة ايران بدول اخرى
ومن بين الحيل السخيفة حيلة تبرئة ايران بوضعها بين دول اخرى مختلفة ، فيقول كاتب سوري ( علماني ) و( يساري ) حتى العظم : ( لن نعرض هنا للجانب المقابل من المشهد، أي جانب المقاومة العربية والإسلامية التي أربكت المشاريع الأميركية الصهيونية وعرّضتها جدّياً وميدانياً للانهيار الكامل الشامل الذي أصبح احتمالاً قويّاً قائماً، بل نكتفي بالقول أنّ كلّ من يحاول إشغال الناس وإرباكهم بتوجيه الأنظار بعيداً عن الإسرائيليين والأميركيين نحو عدو آخر مختلق ، أو لا يستحق بسبب تاريخه وحجمه، تركي أو أثيوبي أو إيراني أو حتى عربي، هو إمّا أحمق سخيف وإمّا موتور مريب ) ! لاحظوا هنا ان هذا الكاتب السوري يمثل الشكل الاكثر افتضاحا من المدافعين عن ايران ، فهو يرتدي رداء المقاومة ويدافع عنها لكنه يلجأ الى حيلة بائسة ومكشوفة الهدف وهي زج ايران مع دول لا صلة لاغلبها باحتلالات اراضينا كاثيوبيا لاجل اخفاء رغبته الحميمة بالدفاع عن ايران !
ان تبرئة ايران بهذه الطريقة ، رغم ان واقعها ، وهو انها تحتل الاحواز وجنوب العراق والجزر الاماراتية وانها المصدر الاخطر والاهم للفتن الطائفية ، وتاريخها ، الذي يثبت انها احتلت العراق وغيره في التاريخ مرات عديدة ، يؤكد انها عدو رئيسي ، وليس كما اراد ان يثبت الكاتب السوري ، وهذا الموقف عمل مكشوف ويحدد هوية الكاتب بلا اي غموض خصوصا وانه يتطاول على المقاومة العراقية بكافة فصائلها التي عدت ايران طرفا اساسيا في احتلال العراق وعدوا رئيسيا كامريكا والكيان الصهيوني بقوله ان من يعد ايران عدوا (هو إمّا أحمق سخيف وإمّا موتور مريب ) ! انها الوقاحة والتفاهة في ان واحد معا تلك التي جرت هذا الكاتب الى التطاول على المقاومة العراقية وحشر ايران مع دول يختلف دورها جذريا عن الدور الايراني من اجل تضليل من يقرأ .
الحيلة العاشرة ربط موقف المقاومة مع تيارات موالية للغرب
في مقال لكاتب سوري اخر من المدافعين عن ايران يلجأ الى حيلة الكذب ومحاولة خلط الاوراق بصورة منفّرة ، فيقول في مقال له ( وبالعكس قد يكون المريض د.جايكل المقاوم في العراق رافضاً العملية السياسية مؤيداً للمقاومة المسلحة فلا تحرير إلا عبر فوهة البندقية ، لكن بقدرة قادر يتحول في الساحة اللبنانية إلى هايد المساوم ، فيرفض "مغامرات" المقاومة و يؤيد دموع السنيورة و يعتبرها المثل الأعلى للمقاومة والطريق الأوحد لتحرير الأرض و الإنسان ) .
لاحظوا هذا النوع من التزوير والذي يصل حد اتهام انصار المقاومة العراقية بتأييد السنيورة واعتباره المثل الاعلى للمقاومة والطريق الاوحد لتحرير الارض والانسان ! والحيلة هنا هي انه كسابقه يتظاهر بتأييد المقاومة العراقية لكنه يطعنها بالصميم حينما يدعي ان السنيورة مثلها الاعلى ! لم يقل لنا الكاتب المحترم من قال ذلك ومتى واين ؟ لقد اطلق كلامه وتركه هكذا سابحا في بحر من الاكاذيب السمجة التي يراد بها التشكيك بنقاوة موقف المقاومة العراقية بمساواتها بكل من يتعاون مع الغرب من اجل تبرئة ايران وحزب الله ، او على الاقل تقبل انحرافات ايران مثل تعاونها مع امريكا ، فما دامت المقاومة العراقية تعد السنيورة مثلها الاعلى فما الضرر في تعاون ايران مع امريكا ؟!
يتبع
مطلع كانون الاول 2009
ملاحظة كتبت هذه الدراسة بين أيار/ مايو و آب / اوغست 2009 لكنها تركت مؤقتا ولم تنشر ، والان ننشرها بعد اضافة تصريحات ايرانية جديدة اطلقت في الاسابيع الماضية ، ووقوع احداث في ايران ولبنان وغيرهما اكدت ما ورد فيها
مطلع كانون الاول 2009
ملاحظة كتبت هذه الدراسة بين أيار/ مايو و آب / اوغست 2009 لكنها تركت مؤقتا ولم تنشر ، والان ننشرها بعد اضافة تصريحات ايرانية جديدة اطلقت في الاسابيع الماضية ، ووقوع احداث في ايران ولبنان وغيرهما اكدت ما ورد فيها .
الحيلة السابعة : التظاهر بالتقوى
ولا يتردد ( منظر ) التجاهلية الساداتية والجاهلية الاسلاموية في محاولة اثارة مشاعر العار مع ان العار يكمن في كل كلمة قالها حول طبيعة الصراع في المنطقة ودور ايران فيه ! يقول ( لا يستطيع المرء أن يخفي شعوره بالخزي والعار وهو يقول إن ما قاله بيريز لم يكن ادعاء “إسرائيلياً” صرفاً، ولكنه كان يستند أيضاً إلى عدد من الشهادات المزورة التي ظهرت في بعض وسائل الإعلام العربية، حيث لا يستطيع أي متابع أن ينكر أن هناك تعبئة واسعة النطاق للاستنفار والتحريض ضد ما يسمى الخطر الإيراني . ولا بد أن يثير انتباهنا في هذا السياق أن ندوتين عقدتا في الأسبوع الماضي أسهمتا بصورة أو أخرى في دق أجراس التخويف من ذلك “الخطر”) .
هذه اللفتة كغيرها من لفتاته ساذجة لان الجماهير العربية بحسها وعفويتها تدرك ان العراق توأم فلسطين وان احتلال العراق لا يقل خطورة واهمية عن احتلال فلسطين وان من يفرط بالعراق ويساهم في غزوه وتدميره لا يمكن ان يدعم فلسطين بصدق ، لكن هذا الاسلاموي يريد ان يمارس اللعبة التقليدية لمن افلس وهي استخدام العواطف والكلمات الكبيرة كالعار والشرف لايهام البعض بانه فعلا حريص على الشرف . ان السؤال الذي يفضح نوعية ( شرفه ) هو التالي : كيف يهاجم من يصطف مع اسرائيل وهو شخصيا يصطف مع ايران ويبرئها من جرائم احتلال الاحواز والعراق والجزر العربية وهي جرائم لا تختلف عن جرائم اسرائيل من حيث النوع والطبيعة والاهمية ؟ هل غزو العراق ومساهمة ايران فيه يختلف من حيث الجوهر والنتائج عن غزو فلسطين ؟ وهل وقفنا ضد اسرائيل لانها دولة يهودية ام لانها دولة اغتصاب استعمرت فلسطين وطردت اهلها ؟ نحن لسنا ضد اليهود بل ضد الصهيونية واليهود الذين يحتلون فلسطين ، من هنا فان من يحتل ارضا عربية في أي مكان من الوطن العربي لا يختلف عمن يحتل فلسطين سواء كان مسلم الدين كايران ، او مسيحي الدين كالاسبان الذين يحتلون اراض مغربية ، الغزو هو غزو والاستعمار يعني الغزو والاستقرار في الارض التي غزاها والعمل على تغيير هوية سكانها من اجل تأبيد نهبها .
الا تقوم ايران بتفريس عرب الاحواز كما تفعل اسرائيل بتهويد فلسطين ؟ الم تقم ايران بعد غزو العراق بالمشاركة المباشرة مع امريكا في تنفيذ خطة خطيرة وهي أدخال حوالي اربعة ملايين من الفرس واكراد ايران وتركيا الى العراق وعملت بالتنسيق مع امريكا مباشرة وعبر وكلائها في العراق على منحهم الجنسية العراقية من اجل تغيير الهوية العربية للعراق ؟ الم تحاول ايران ادخال فقرة في دستور الاحتلال تفرض وجود ( اقلية فارسية ) في العراق مع انه لا توجد أي اقلية فارسية في العراق قبل الغزو من اجل وضع اساس دستوري لمن ادخلتهم ايران الى العراق وهم غير عراقيين ؟
اذن الاسلاموي المصري يريد بالحديث عن الخزي والعار ان يوهم البعض بانه بريء من الخزي والعار الذي يتراكم على راسه وينوّم ضميره بسبب موقفه من احتلال العراق والذي يتعامل معه بطريقة انتقائية فيدين امريكا لكنه يبرء ايران الشريكة الاولى والاهم لامريكا في غزو العراق .
الحيلة الثامنة : التلون مع تلون ايران
هذا الاسلاموي المصري يختتم مقالته بجملة تلخص هواه كله ، يقول : ( لقد اعتبرت إيران يوماً ما أن الولايات المتحدة هي الشيطان الأكبر - لا حظوا ان الاسلاموي يعترف بان ايران كانت تعد امريكا في يوم ما شيطانا اكبرا ولم تعد تعده كذلك الان - ولكن هذا الشيطان غيّر من سياسته بعد ثلاثين عاماً ، ووجد أن من مصلحته أن ينفتح على إيران ، وفي تلك اللحظة كان بعض العرب قد حوّلوا إيران إلى شيطان أكبر ودخلوا في معركة سياسية مفتوحة معها ، من دون أن يكون هناك أفق واضح لأي مصلحة لهم في ذلك ، ومن دون أن يدركوا أن “ إسرائيل ” المتربصة هي الفائز الأوحد في تلك المعركة - أخشى ألا يفي مصطلح “الجاهلية السياسية” بحق وصف هذا المشهد ) .
اذن هو يعرف ولا يجهل ان ايران كانت تعد امريكا الشيطان الاكبر لكنه يمارس حيلة التابع الذليل الذي لا يستطيع سوى الخضوع حرفيا لما يريد سيده واحد مصادر ( رزقه ) ، فيتحول من مؤكد لفكرة ان ايران هي العدو الرئيسي لامريكا الى تبرير وتسويغ وتسويق فكرة ان امريكا تغيرت وان سياستها تجاه ايران لم تعد كما كانت في العقود الثلاثة الماضية ، لذلك فان من حق ايران ان تعيد النظر في موقفها من امريكا ! في هذه الحيلة يقول لنا ما يلي بصراحة :
1 – ان من تغير وغير مواقفه هو امريكا وليس ايران ، لذلك لا بد ان تقوم ايران بتغيير موقفها من الشيطان الاكبر ! لكن هذا الكلام مضلل فامريكا لم تغير مواقفها بل ايران هي التي تغيرت ، او للدقة ايران ايضا لم تتغير بل هي تلعب ادوارا مرسومة سلفا قد تبدو مختلفة ، وتبلور وتحديد توجه ايران الملالي حصل في الاشهر الاولى بعد اسقاط الشاه حينما تعاون خميني مع امريكا واسرائيل بشن حرب مفتوحة وشاملة ضد العراق ، باعلان خميني ان الهدف الاساسي بعد سقوط الشاه هو اسقاط نظام البعث والقضاء على صدام حسين ، وهناك حوالي 300 مذكرة عراقية ارسلت الى الامم المتحدة تثبت ان ايران تتبنى رسميا سياسة تقوم على التدخل في شئون العراق وتعمل على اسقاط نظامه الوطني ، وذلك كان هو السبب الرئيسي لاندلاع الحرب بين البلدين .
وتجلى التعاون الامريكي – الايراني – الاسرائيلي ضد العراق اثناء الحرب ( بين عامي 1980 و1988 ) حينما استلمت ايران الدعم العسكري من امريكا والكيان الصهيوني ، وفضيحة ايرانيجيت اشهر من ان تهمل او تغطى او يعاد تفسيرها ولا يستطيع شرف الاسلاموي الرفيع تجاهلها لكنه يمارس الصمت تجاهها حينما يتحدث عن بطولات ايران في خوضها ( الحرب المقدسة ) مع امريكا والكيان الصهيوني ! ان ام الحقائق الخاصة بنهج ايران هي انها هي التي لم تلتزم بتطبيق شعارها الاول امريكا هي الشيطان الاكبر ، وهي التي تراجعت عن تطبيق هذا الشعار واختارت اشعال حروب دينية وطائفية في المنطقة كلها بين المسلمين بدلا من شن حرب مقدسة على امريكا والكيان الصهيوني . هل تلاحظون التضليل الذي يمارسه الاسلاموي المصري صاحب الشرف الرفيع ؟
2 – يتجاهل الاسلاموي المصري ، وكجزء من تربيته وثقافته الاسلاموية ، حقيقة ان اسلامية النظام في ايران ، اذا كان اسلاميا حقا ، تتناقض مع براغماتيته ( النظام الايراني ) التي يتحدث عنها الاسلاموي المصري ! فاذا كانت ايران قد تبنت سياسة معاداة امريكا على اساس ديني صادق فان تغيير امريكا لموقفها من ايران – اذا افترضنا صدق ذلك - لايسمح لها بتغيير موقفها من الشيطان الاكبر . والسؤال المنطقي والديني الطبيعة في نفس الوقت هو : هل يمكن للشيطان ان يتغير ؟ ام انه تشيطن في اطار تقسيم الهي ؟ ان الحكم الالهي هو ان الشيطان يبقى شيطانا ، لذلك فان الحقيقة التي تفرض نفسها من وجهة نظر دينية هي ان الذي تغير ليس الشيطان الاكبر بل من كان يتظاهر بانه مناهض له لذلك تعاون مع الشيطان الاكبر رسميا وعلنيا لتسهيل غزو العراق وافغانستان ، اليس كذلك ؟
3 – من بين اهم منطلقات خميني الايديولوجية قوله الشهير ب( ان الاقتراب من الشيطان الاكبر كفر ودليل وجود خطأ في موقف من يقترب منه ) ، والسؤال المهم هنا هو : لماذ اقترب الشيطان الاكبر من ايران حسب ادعاء الاسلاموي المصري ؟ مما لا شك فيه ان امريكا لم تتغير من حيث الطبيعة الامبريالية على الاطلاق ، فامريكا التي كانت شيطانا اكبرا ستبقى كذلك – وقد تصبح شيطانا اصغر - الى ان تنهار وتتقسم ، لكنها لن تتخلص من طبيعتها الشيطانية ابدا مادامت جيناتها مصنوعة في معامل راس المال ، فالراسمالية ، في مرحلة الامبريالية ، نظام مؤسسي لا يعيش الا على النهب واللصوصية والتوسع على حساب الغير ، والراسمالية الامريكية ، كأمها الراسمالية البريطانية ، تعد ايران ، وبغض النظر عمن يحكمها ،( ذخيرة ستراتيجيا ) اقليميا وظيفته الاساسية ضبط التوازن الاقليمي لصالح القوى الاستعمارية ، والدليل على ذلك هو ان ايران خميني وليس ايران الشاه فقط هي من تلقت السلاح والمعلومات الاستخبارية عن العراق من امريكا واسرائيل ، وليس العراق كما يروج امثال الاسلاموي المصري من اصحاب ( الشرف الرفيع ) ، وايران هي من عاونت امريكا رسميا وفعليا في غزو افغانستان والعراق ، كما اعترف قادة ايران عدة مرات ومنهم محمد علي ابطحي نائب الرئيس الايراني ، وهي من حققت اهم واخطر اهداف الصهيونية وكيانها الاغتصابي في فلسطين وهو نشر الفتن الطائفية في الاقطار العربية .
ان الصورة المثالية للتوافق الامريكي الايراني رأيناها ونراها في التعاون التام في غزو العراق وتاسيس نظام عميل فيه وتدمير العراق وطنا ودولة وتمزيقه شعبا وهوية ، ونشر الفتن الطائفية في الوطن العربي بدعم امريكي كامل بما في ذلك مصر الوطن الصغير لهذا الاسلاموي التي تتعرض لغضب وكارثة الفتنة الطائفية المزدوجة القبطية – الاسلامية ، التي اثارتها امريكا والطائفيون السنة في مصر ، والاخرى التي زرعتها وفجرتها وتوسعها وتديمها ايران تحت غطاء الصراع السني – الشيعي الطارئ على مصر !
4 – من الطبيعي ، ومن البديهي ومن المطلوب في نفس الوقت ، ان تتشيطن ايران بمجرد اقترابها من امريكا وتعاونها معها ، حسب مفهوم خميني الحماسي النظري ، لذلك فان الاسلاموي المصري احوّل الوعي والادراك ، مسلوب الارادة ، حينما يقول ان الانظمة العربية تريد شيطنة ايران الان ! ايران هي التي شيطنت نفسها واختارت ملكوت الشيطان ورفضت ملكوت الرحمن بارادتها الحرة ، كما اعترف بذلك ابو الحسن بني صدر اول رئيس لنظام خميني واية الله العظمى حسين منتظري نائب خميني ، اللذان كشفا عن موافقة خميني على التعاون العسكري مع امريكا واسرائيل اثناء الحرب التي فرضتها ايران على العراق .
ان الحقيقة المركزية التي يجر تجاهلها الى الوقوع في فخ عهر الضمير هي التالية : لقد بدت على ايران الملالي كل مظاهر التلاقي ، على مستوى الستراتيجيات العظمى ، مع الشيطانين الاكبر ( امريكا ) والاصغر ( اسرائيل ) ، بمجرد تعمدها نقل الصراع من صراع ضد الاستعمار والصهيونية ، كما كان منذ غزو فلسطين وحتى وصول خميني للسلطة ، الى صراعات طائفية ودينية انتشرت كالنار في الهشيم في الوطن العربي ، واحد اسباب الانتشار هذا هو وجود عهار ضمير روجوا لايران صورة غير حقيقية ، وهي انها تدعم القضية الفلسطينية ، نجحت في تضليل الكثير من العرب ودفعهم لمواصلة دعم ايران حتى وهي تشن حربا شاملة ضد العراق ، ومن اكبر مظاهر عهر الضمير تجنب الاسلاموي هذا رؤية تشيطن ايران قبل الان ومنذ تعاونت مع امريكا ضد العراق وشرعت بتغيير طبيعة الصراع الستراتيجي في المنطقة بتحويله من صراع تحرري الى صراعات طائفية دينية مدمرة ، ليس في عام 2003 بغزو العراق فقط بل قبل ذلك في عام 1980 ، حينما فرضت الحرب على العراق ، وتسملت اسلحة من امريكا والكيان الصهيوني ، واصبح رجالات الكيان الصهيوني تجار سلاح يتجولون في الاسواق السوداء والبيضاء في العالم بحثا عن اسلحة لايران لاستخدامها ضد العراق ، وفي عام 1991 حينما كانت انظمة عربية تقف الان ضد ايران متحالفة معها من اجل غزو العراق الذي فشل العدوان الثلاثيني في تحقيقه ، وجاء غزو عام 2003 لتحقيقه بتحالف دولي اقليمي كانت ايران المشيطنة اهم طرف فيه بعد امريكا ملتقية من انظمة عربية ساعدت على غزو العراق . لقد فشل الاسلاموي المصري كتوأمه الاسلاموي التونسي ، في رؤية تشيطن نظام الملالي مع ان مقدمات تشيطنه كانت واضحة جدا لمن كان لديه ضمير وبصر وبصيرة طبيعية ، خصوصا وان الادلة على تشيطنه وشيطنته كانت موجودة وواضحة منذ الاستضافة المشبوهة لخميني في فرنسا .
وما تجاهله الاسلاموي هو حقيقة ان التشيطن ، كأي مثلبة اخلاقية وانحراف سلوكي ، لا يحدث فجأة بل له مقدمات فهو ينمو ببطء في البداية في المجاهل المظلمة للضمير الانساني حتى يتبلور ويظهر وعندها يصبح نموه وتبدياته سريعة ، لذلك فان تشيطن نظام الملالي بدأت ملامحه تظهر مع أستضافة مراكز الاستعمار لخميني في فرنسا ورحلة طائرة الجمبو من باريس في عام 1979 والتي اقلت خميني الى طهران محميا بشكل ( امني خاص جدا ) من قبل فرنسا وامريكا وبريطانيا وكأنه رجل الغرب الجديد ليس في ايران فقط بل في العالم الاسلامي برمته . وقد طرح كل مراقب موضوعي وقتها تسائلا منطقيا : لم تهتم امريكا وفرنسا وبريطانيا بسلامة خميني اذا كان عدوا لها ؟
هذا الوعي الاسلاموي الاحول والاعور المتمركز حول الذات المريضة لم يسمح للمصري ولا لتوأمه التونسي برؤية الحقيقة الايرانية التي تقوم على انها اخطر في تعاونها مع امريكا ضد العراق والعروبة من الانظمة العربية ، لان الاخيرة ضعيفة ومعزولة وتابعة وغير مستقلة ومتخلفة ستراتيجيا ، في حين ان ايران مستقلة ولديها خطة عبقرية اوصلتها الى حد تدمير العراق بقوة امريكا ، الامر الذي يجعل تلاقيها مع امريكا وتعاونها معها خيار شيطاني مدمر دون ادنى شك .
5 – هذا الاسلاموي لا يدرك ، ولا يرى ، ولا يعرف ، ولا ينظر ، ولا يشم الا وفقا لقبلته الدنيوية ايران ، فهو يقول في الجملة السابقة ما يلي : (وفي تلك اللحظة كان بعض العرب قد حوّلوا إيران إلى شيطان أكبر ودخلوا في معركة سياسية مفتوحة معها، من دون أن يكون هناك أفق واضح لأي مصلحة لهم في ذلك، ومن دون أن يدركوا أن “إسرائيل” المتربصة هي الفائز الأوحد في تلك المعركة - أخشى ألا يفي مصطلح “الجاهلية السياسية” بحق وصف هذا المشهد ) .
ماشاء الله على عبقرية الفهم : لم تقل هذا الكلام عن ايران وهي تعاون امريكا في غزو العراق مع ان العراق وليس غيره كان من حيّد التفوق الاسرائيلي ووضع قاعدة محاصرتها فتحقق حلم العرب الاعتق والاهم في العصر الحديث وهو ردع الكيان الصهيوني بقوة عربية متقدمة تكنولوجيا وعسكريا واجتماعيا وهي العراق الناهض القوي والمتقدم ! هل قص لسانك ولم ترى ان اسرائيل كانت ومازالت المستفيد الاكبر من غزو وتدمير العراق ؟ ولماذا سكت وتسكت عن النشاط الطائفي الايراني في الاقطار العربية ، ومنها مصر ، والذي زرع الفتن والفرقة وحول الصراع من صراع مع الاستعمار الغربي والصهيونية الى صراع بين العرب انفسهم وبين المسلمين انفسهم ؟ لم ترمي باللوم على امريكا فقط مع ان ايران هي من نفذ مخطط الفتنة الطائفية بالتوافق الكامل مع امريكا ؟ فقط حينما تهاجم انظمة عربية ايران يصبح ذلك لخدمة اسرائيل ، اما حينما تهاجم ايران بقوة وحدة الاقطار العربية وتهدد استقرارها وهويتها الوطنية والقومية فان ذلك عمل بسيط ولا يخدم اسرائيل ومخططاتها ؟! أي عبقرية هذه ؟ واي احتيال هذا ؟ وما السر في هذا الدفاع ( المجيد ) عن ايران ؟
الحيلة التاسعة : مساواة ايران بدول اخرى
ومن بين الحيل السخيفة حيلة تبرئة ايران بوضعها بين دول اخرى مختلفة ، فيقول كاتب سوري ( علماني ) و( يساري ) حتى العظم : ( لن نعرض هنا للجانب المقابل من المشهد، أي جانب المقاومة العربية والإسلامية التي أربكت المشاريع الأميركية الصهيونية وعرّضتها جدّياً وميدانياً للانهيار الكامل الشامل الذي أصبح احتمالاً قويّاً قائماً، بل نكتفي بالقول أنّ كلّ من يحاول إشغال الناس وإرباكهم بتوجيه الأنظار بعيداً عن الإسرائيليين والأميركيين نحو عدو آخر مختلق ، أو لا يستحق بسبب تاريخه وحجمه، تركي أو أثيوبي أو إيراني أو حتى عربي، هو إمّا أحمق سخيف وإمّا موتور مريب ) ! لاحظوا هنا ان هذا الكاتب السوري يمثل الشكل الاكثر افتضاحا من المدافعين عن ايران ، فهو يرتدي رداء المقاومة ويدافع عنها لكنه يلجأ الى حيلة بائسة ومكشوفة الهدف وهي زج ايران مع دول لا صلة لاغلبها باحتلالات اراضينا كاثيوبيا لاجل اخفاء رغبته الحميمة بالدفاع عن ايران !
ان تبرئة ايران بهذه الطريقة ، رغم ان واقعها ، وهو انها تحتل الاحواز وجنوب العراق والجزر الاماراتية وانها المصدر الاخطر والاهم للفتن الطائفية ، وتاريخها ، الذي يثبت انها احتلت العراق وغيره في التاريخ مرات عديدة ، يؤكد انها عدو رئيسي ، وليس كما اراد ان يثبت الكاتب السوري ، وهذا الموقف عمل مكشوف ويحدد هوية الكاتب بلا اي غموض خصوصا وانه يتطاول على المقاومة العراقية بكافة فصائلها التي عدت ايران طرفا اساسيا في احتلال العراق وعدوا رئيسيا كامريكا والكيان الصهيوني بقوله ان من يعد ايران عدوا (هو إمّا أحمق سخيف وإمّا موتور مريب ) ! انها الوقاحة والتفاهة في ان واحد معا تلك التي جرت هذا الكاتب الى التطاول على المقاومة العراقية وحشر ايران مع دول يختلف دورها جذريا عن الدور الايراني من اجل تضليل من يقرأ .
الحيلة العاشرة ربط موقف المقاومة مع تيارات موالية للغرب
في مقال لكاتب سوري اخر من المدافعين عن ايران يلجأ الى حيلة الكذب ومحاولة خلط الاوراق بصورة منفّرة ، فيقول في مقال له ( وبالعكس قد يكون المريض د.جايكل المقاوم في العراق رافضاً العملية السياسية مؤيداً للمقاومة المسلحة فلا تحرير إلا عبر فوهة البندقية ، لكن بقدرة قادر يتحول في الساحة اللبنانية إلى هايد المساوم ، فيرفض "مغامرات" المقاومة و يؤيد دموع السنيورة و يعتبرها المثل الأعلى للمقاومة والطريق الأوحد لتحرير الأرض و الإنسان ) .
لاحظوا هذا النوع من التزوير والذي يصل حد اتهام انصار المقاومة العراقية بتأييد السنيورة واعتباره المثل الاعلى للمقاومة والطريق الاوحد لتحرير الارض والانسان ! والحيلة هنا هي انه كسابقه يتظاهر بتأييد المقاومة العراقية لكنه يطعنها بالصميم حينما يدعي ان السنيورة مثلها الاعلى ! لم يقل لنا الكاتب المحترم من قال ذلك ومتى واين ؟ لقد اطلق كلامه وتركه هكذا سابحا في بحر من الاكاذيب السمجة التي يراد بها التشكيك بنقاوة موقف المقاومة العراقية بمساواتها بكل من يتعاون مع الغرب من اجل تبرئة ايران وحزب الله ، او على الاقل تقبل انحرافات ايران مثل تعاونها مع امريكا ، فما دامت المقاومة العراقية تعد السنيورة مثلها الاعلى فما الضرر في تعاون ايران مع امريكا ؟!
يتبع
مطلع كانون الاول 2009
ملاحظة كتبت هذه الدراسة بين أيار/ مايو و آب / اوغست 2009 لكنها تركت مؤقتا ولم تنشر ، والان ننشرها بعد اضافة تصريحات ايرانية جديدة اطلقت في الاسابيع الماضية ، ووقوع احداث في ايران ولبنان وغيرهما اكدت ما ورد فيها
رد: المدافعون عن الاستعمار الايراني : من هم ؟ - صلاح المختار
الحيلة الحادية عشر : المقاومة العراقية تفتعل معارك مع الجميع
ويقول كاتب وطني ما يلي ( وإذ تغيب المؤشرات على اعتماد المقاومة العراقية حصيلة تجارب المقاومة الجزائرية فان ذلك مرده (ربما) لتشتت الاولى وتعدد مصادر القرار في كنفها ، واصرار الطرف الابرز فيها على قتال المحتل تحت راية العودة للنظام السابق وفي اطار قواعد ايديولوجية صارمة تستثني وتستبعد وتفتح جبهات فرعية لاحاجة لفتحها ) . هل رأيتم ؟ !انه اتهام للبعث والمقاومة العراقية بما يلي :
1 – ان الطرف الابرز في المقاومة العراقية يصر على قتال الاحتلال تحت راية ( العودة للنظام السابق ) !
2- انه يعمل في اطار قواعد ايديولوجية صارمة تستثني وتستبعد وتفتح جبهات فرعية لا حاجة لفتحها !
هذه اتهامات خطيرة اذا ثبتت صحتها فانها تجعل البعث والمقاومة العراقية عبارة عن جماعات هدفها الحكم والسلطة وليس تحرير الوطن والمواطن ! هل ما قاله الكاتب صحيح ؟ لنناقش ما جاء في هذه الاتهامات الغريبة : -
أ – يجب ان نسمي الأشياء بأسمائها الحقيقية مادامت ثمة اتهامات ظالمة لنا : ان قصة القتال ( تحت راية العودة للنظام السابق ) قصة اول من أطلقها الاحتلال وعملاءه من اجل التشكيك بصدق وصواب اهداف المقاومة وعدها مجرد عمل من اجل السلطة وليس من اجل تحرير وطن محتل ! ان الكاتب المحترم فاته ان يتذكر عدة حقائق بارزة اهمها ان البعث لم يقل في اي مكان او مجال انه يريد عودة النظام السابق ابدا ، ولم تصدر عنه اية تصرفات ومواقف توحي بذلك ، بل على العكس فان كل وثائق البعث والمقاومة ومسلكهما العملي يثبت حقيقة اخرى مناقضة لهذه التهمة الظالمة ، فالمنهاج السياسي والستراتيجي للبعث والمقاومة يؤكد منذ صدوره في ايلول – سبتمبر عام 2003 على ان النظام السياسي بعد التحرير سيكون نظاما ائتلافيا تعدديا ديمقراطيا ، وأعاد التاكيد على هذا الموقف برنامج التحرير والاستقلال وستراتيجية القيادة العليا للجهاد والتحرير ، اضافة لاغلب بيانات الحزب ، واخيرا فان مواقف الحزب منذ الاحتلال وحتى الان تجنبت حتى الاشارة الى حق الحزب بالعودة للسلطة ، ولم يطلق الحزب والمقاومة على الرفيق المناضل عزة ابراهيم صفة رئيس الجمهورية ، رغم انه يحق له ذلك بعد استشهاد القائد الشهيد صدام حسين ، حرصا على استبعاد اي اتهام لنا باننا نريد السلطة وان جهادنا من اجلها . فمن اين جاء الكاتب بفكرة ان المطلوب من المقاومة هو اعادة النظام السابق ؟ لم يقل لنا الكاتب شيئا عن المصدر واكتفى بالقاء قنبلته الصوتية اللافتة للنظر .
ولكن : - لنفترض ان القتال يتم من اجل عودة النظام السابق فما الضير في ذلك ؟ انه حق شرعي لانه سيكون استمرار للقتال الذي بدأ في عام 1991 وتصاعد في عام 2003 دفاعا عن العراق وكيانه الوطني في حرب تحررية وطنية عظمى ، وهو قتال مشرف وباسل ضد اقوى استعمار في التاريخ كله . فهل غزو العراق يسقط هذا الحق وتلك الشرعية ؟ الم يكن النظام السابق هو الحاكم الشرعي للعراق لمدة 35 عاما ؟ الم تعترف به الامم المتحدة والجامعة العربية وكل الدول ؟ والاهم من كل ذلك هو الأسئلة التالية : من اسقط النظام السابق ؟ ولم اسقط ؟ الم يسقطه احتلال استعماري بسبب هويته القومية والوطنية ورفضه المساومات على فلسطين والنفط ؟ لم هذا الموقف القائم على انكار ان البعث كان يحارب وهو في السلطة وانه فقدها نتيجة حرب استعمارية وان المنطق والقانون والقيم الوطنية ، والحتميات الأخلاقية ، تقول ان على كل وطني وقومي دعم حق عودة الحزب للسلطة ؟ الا يعني رفض عودة البعث للسلطة تأييد الاحتلال في واحد من اهم اهدافه وهو اسقاط سلطة البعث والتخلص من البعث باجتثاثه ؟ اليس انكار الحق الطبيعي والشرعي للبعث في العودة للحكم هو نوع خطير من انواع اجتثاث البعث ؟ وهل سبق لحركة تحرر كانت تحكم وغزت قوة استعمارية بلدها واسقطت حكومتها فسلمت بما قام به الاحتلال ؟ ام انها قاتلت من اجل عودة الشرعية الوطنية والقانونية ؟
ان منطق الاحتلال الطبيعي هو انكار حق البعث الطبيعي والمشروع في العودة ولكنه يصبح منطقا غريبا اذا تبناه وطني كالكاتب المحترم ، وتزداد غرابته بتذكر ان الاحتلال الاستعماري الامريكي تبنى خطة واصدر قانونا اسمه ( اجتثاث البعث ) أكد فيه ان البعث هو العدو الاول للاحتلال ومصدر خوفه الاهم ، ولذلك قامت سياساته الدموية الفاشية على تصفيته جسديا وايديولوجيا وسياسيا وتنظيميا وحرمان مناضليه حتى من الوظيفة والعيش ، فهل لهذه السياسة الاستعمارية من معنى يفرض على كل وطني دعم البعث بغض النظر عن موقفه السابق منه ؟ وكيف تتجلى الروح الوطنية اذا لم تتجلى في ادراك ان البعث كان مقاتلا صلبا للاستعمار وانه اسقط بسبب سياساته التحررية ؟
2 – ولا ندري لم نسى الكاتب ان البعث هو من تخلى عن السلطة من اجل المبادئ ، فلو كان البعث يريد السلطة لما تمسك بمواقفه القومية والوطنية خصوصا رفضه اي تراجع عن تأميم النفط ، وهو احد اهم هدفين لامريكا ، كما رفض المساومة على قضية فلسطين ، وهو الهدف الاهم الثاني للاحتلال الذي اراد التخلص من نظام رفض الاعتراف بالكيان الصهيوني واعد نفسه والعراق كله لمواجهته . كما يجب عدم نسيان حقيقة اصبحت معروفة وهي ان البعث لو اراد السلطة الان لعقد مساومة مع امريكا وهي تريد ذلك ، ولكن هذه المساومة لن تتم الا على حساب مبادئ البعث وسياساته التحررية لذلك رفضها واصر على مواصلة المقاومة المسلحة من اجل التحرير بقوة البندقية .
أذن كيف نفسر موقف الكاتب وهو وطني لكنه يدعم واحدا من اهم اركان خطة احتلال العراق ؟ ربما لا تفسر غرابة موقف الكاتب الا اذا تذكرنا ( عقدة البعث ) ، إذ رغم ان البعث يقاتل الاحتلال الامريكي ، ويقدم الاف الشهداء شهريا ويدافع عن العراق والامة العربية ويقدم أنموذجا لمقاومة يتيمة ولكنها قهرت اعتى قوة استعمارية في التاريخ ، نجد وطنيا وقوميا عربيا يعترف باحدى اهم نتائج الاحتلال ويريد تكريسها وهي قبول اسقاط النظام الوطني واعتبار وجود رغبة بعودته للسلطة – على افتراض انه يريد ذلك – عملا مرفوضا ! بأي معيار ووفقا لأية قاعدة وطنية وقومية يحرم البعث من حقه الطبيعي ، لو اراد حقا ، العودة للسلطة ؟ وكيف نفسر هذا الموقف خارج سايكولوجيا عقدة البعث ؟
3 – والاغرب ان الكاتب الوطني والقومي يتهم الطرف الابرز في المقاومة ب ( انه يعمل في اطار قواعد ايديولوجية صارمة تستثني وتستبعد وتفتح جبهات فرعية لا حاجة لفتحها ) ! لم يقل لنا من استبعد واستثني ؟ ولم يقل لنا ما هي الجبهات الفرعية التي فتحها ولا حاجة لفتحها ! هكذا اطلق العنان لنفسه لاتهام الطرف الابرز في المقاومة بما ليس فيه ! لم يكن الكاتب محددا ويذكر اسما واحدا استبعدناه ، ولم يقل لنا مع من فتحنا جبهات ثانوية ؟ نعم هناك الكثير من العناصر التي تهاجمنا ونكتفي بالصمت غالبا حرصا منا على تجنب الانجرار الى معارك جانبية ، واذا اضطررنا للرد فاننا نوضح الحقائق ولا نفتح جبهة ثانوية . الامر الاكيد هو اننا لم نهاجم احدا بمبادرة منا على الاطلاق ، ولم نفتح جدلا مع احد اطلاقا وكنا في كل الحالات مدافعين ولم نكن مهاجمين ، باستثناء الاحتلال ومن يخدمه حيث كنا ومازلنا مهاجمين ومبادرين ، ولذلك وكي يتاكد من صحة ما اقول ارجو من الكاتب ان يذكر حالة واحدة كنا فيها من يبادر فيهاجم تنظيما وطنيا اخرا او شخصية وطنية اخرى .
وهنا يجب ان نشير بوضوح تام الى انه ربما يقصد الموقف من ايران وحزب الله ، فاذا كان الامر كذلك ، وهو كذلك كما نعتقد ، لاننا لم نفتح معركة مع احد غير الاحتلال ومن دعم الاحتلال وتعاون معه مباشرة ، فان السؤال الذي يجب عليه ان يتعامل معه هو : هل فتح البعث جبهات ثانوية ؟ ان نظرة لواقع العراق تؤكد بلا ادنى شك بان ايران هي الشريك الاهم لامريكا في غزو العراق ، وان حزب الله هو الماكيير المختص والمكلف بتجميل وجه ايران كلما تقبّح في العراق ، فهل احتلال العراق واشتراك ايران فيه بدور رئيسي وحاسم موضوع ثانوي كي نسكت ؟ ولماذا ينكر ان ايران وليس المقاومة العراقية هي من فتحت باب الصراع الرئيسي ؟
4 – من الامور الغربية في حالة المقاومة العراقية تجاوز البعض عليها رغم انه يعترف بانها هزمت امريكا في المعركة الرئيسية في العالم ، وان امريكا هي القوة الاستعمارية الرئيسية في العالم الان التي تقاتل المقاومة العراقية . نرى الكاتب يريد جعل الثورة الجزائرية مثالا ايجابيا وهذا امر لا غبار عليه ، ولكن لم هذا الاصرار على الحط من شأن مقاومة غير مسبوقة في التاريخ ووصفها بما ليس فيها ؟ ولم يعرف الكاتب الكثير والممتاز عن الثورات الاخرى لكنه ( يبدو ) كانه فقير بمعلوماته عن الثورة العراقية المسلحة ؟ هل حقا انه لا يعرف ام انه متأثر بسايكولوجيا عقدة البعث ؟ وهل مسموح لوطني او قومي عربي ان لا يعرف ما هو مطلوب لتقويم اعظم واخطر تجربة مقاومة في العالم كله ؟ وبالمقابل لم هذا الاصرار على تعظيم الصغير ، وهو حزب الله ، الذي فقد صفة المقاوم بعد تحرير جنوب لبنان ، مقابل تقزيم العظيم وهو المقاومة العراقية التي مرغت انف امريكا في وحل الهزيمة ؟ لمصلحة من ذلك الموقف ؟ وهل سبق لكتاب يدعمون مقاومة ان حاولوا تقزيمها في كتاباتهم مع انها عظيمة وعملاقة في افعالها الميدانية ؟
5- ما هي القواعد الايديولوجية الصارمة التي تمسكنا بها ؟ واين عبرنا عنها ؟ ان هذا الكلام غريب حقا فنحن لم نطرح قضايا ايديولوجية منذ الغزو ولا جعلنا منها عامل تخريب لوحدة المقاومة ، بل ركزنا على الستراتيجية والعلاقات الستراتيجية من اجل ان نوحد الصفوف .
اما ما يجعلنا قلقين اكثر فهو اننا ، ونحن في امس الحاجة الى الكتاب الوطنيين للدفاع عنا ضد حملة الشيطنة التي تقوم بها الاجهزة الاعلامية الامريكية والاسرائيلية والايرانية وتصرف من اجلها ملايين الدولارات سنويا ، نواجه موقفا مخيبا للامال من قبل بعض هؤلاء الكتاب لانه يقوم ، بشكل ما وبطريقة ما ، على شيطنتنا ! اليس اتهامنا بما ورد في اعلاه شيطنة ؟ ترى اذا كنا لا نستحق الدفاع عنا ونحن نقاتل امريكا منذ عام 1991 وحتى الان ، وهو قتال لم يخض مثله احد لا من العرب ولا من العجم ، بما في ذلك الفيتناميين ، فمن يستحقه ؟ واذا كنا نستشهد وقدمنا اكثر من 170 الف شهيد بعثي منذ الغزو فقط الا نستحق ان يقال لنا ( بارككم الله ) من قبل الوطنيين ؟ المحزن ان من نتوقع منه كلمة طيبة يردد معلومات غير صحيحة تسيء الينا وتشوه صورتنا .
يسقط منا 170 الف شهيد ويعدم الاحتلال قادتنا ، وعلى راسهم رئيس دولتنا الشرعي بقرار امريكي وتنفيذ ايراني ، ونقاتل اعتى قوة استعمارية في التاريخ في ساحة الحسم الرئيسية في كل العالم ونمرغ انفها في الوحل ، ومع ذلك نجد ان بعض الوطنيين اما يمارسون الصمت بازاءنا او يبحثون عن حجة لنقدنا بصورة ظالمة وخاطئة ونحن نذبح ! ومقابل ذلك نلاحظ بدهشة ان نفس هؤلاء يبالغون في اهمية ودور جهات اخرى تخوض صراعا ملتبسا وتدور حوله الشبهات ويضعون اقلامهم في خدمتها ! لماذا هذه الظاهرة ؟ لماذا يحق لحزب الله ان ينطق باسم ايران ، ويعمل من اجل ايران ، ويشعل المعارك لمصلحة ايران ، ويقتل لبنانيين في لبنان من اجل ايران ، ويدرب ارهابيين عراقيين لدعم الاحتلال ( ونضيف الان للدراسة معلومة جديدة وهي ان حزب الله درب ودعم الحوثيين في اليمن على حرب الجبال ) ؟ الا تثير ادوار حزب الله هذه المشاكل والازمات في الوطن العربي وتضعف الاقطار العربية ؟ ورغم ذلك يسكت هؤلاء على هذا الدور التخريبي والخطير وكأن حزب الله صنم مقدس لا يمس ؟
ولم تضخم احداث عادية الى درجة الدهشة مثل اطلاق سراح اسرى او تبادل جثامين ، وهي مسألة انسانية عادية سبق لمصر والاردن ان قامتا بمثلها بهدوء وبدون دعاية ؟ ولم تضخم اعمال فردية وتمجد على نحو غريب ، كقنص جندي اسرائيلي او خطفه ، ولكن وفي نفس الوقت تقوم المقاومة العراقية بعمليات بطولية خارقة ضد قوات الاحتلال الامريكي ولا نجد من بين هؤلاء المصفقين لايران من يكتب عنها ولا من يقدرها حق قدرها ؟ هل هناك اشياء لا نعرفها تحرك وتتحرك باتجاه خاطئ ؟
ملاحظة حساسة جدا : الا ترون ان هذا الظلم للبعث والمقاومة العراقية ينمي روح الانفراد بالسلطة لدينا مادام الاخرون لا يظهرون مواقف عقلانية او منطقية تجاهنا تخدم هدف التحرير ؟ الا يشير هذا الموقف من البعث والمقاومة العراقية الى ان احداث العراق السابقة للغزو ، ومنها الصراعات بين القوى الوطنية ، كانت نتاج العقلية التي لم يغيرها الاحتلال بكل كوارثه وبقيت مصرة على مناكفة البعث ورفض دعمه لمجرد الانسياق وراء موقف سابق وراي سابق ؟
يتبع
ويقول كاتب وطني ما يلي ( وإذ تغيب المؤشرات على اعتماد المقاومة العراقية حصيلة تجارب المقاومة الجزائرية فان ذلك مرده (ربما) لتشتت الاولى وتعدد مصادر القرار في كنفها ، واصرار الطرف الابرز فيها على قتال المحتل تحت راية العودة للنظام السابق وفي اطار قواعد ايديولوجية صارمة تستثني وتستبعد وتفتح جبهات فرعية لاحاجة لفتحها ) . هل رأيتم ؟ !انه اتهام للبعث والمقاومة العراقية بما يلي :
1 – ان الطرف الابرز في المقاومة العراقية يصر على قتال الاحتلال تحت راية ( العودة للنظام السابق ) !
2- انه يعمل في اطار قواعد ايديولوجية صارمة تستثني وتستبعد وتفتح جبهات فرعية لا حاجة لفتحها !
هذه اتهامات خطيرة اذا ثبتت صحتها فانها تجعل البعث والمقاومة العراقية عبارة عن جماعات هدفها الحكم والسلطة وليس تحرير الوطن والمواطن ! هل ما قاله الكاتب صحيح ؟ لنناقش ما جاء في هذه الاتهامات الغريبة : -
أ – يجب ان نسمي الأشياء بأسمائها الحقيقية مادامت ثمة اتهامات ظالمة لنا : ان قصة القتال ( تحت راية العودة للنظام السابق ) قصة اول من أطلقها الاحتلال وعملاءه من اجل التشكيك بصدق وصواب اهداف المقاومة وعدها مجرد عمل من اجل السلطة وليس من اجل تحرير وطن محتل ! ان الكاتب المحترم فاته ان يتذكر عدة حقائق بارزة اهمها ان البعث لم يقل في اي مكان او مجال انه يريد عودة النظام السابق ابدا ، ولم تصدر عنه اية تصرفات ومواقف توحي بذلك ، بل على العكس فان كل وثائق البعث والمقاومة ومسلكهما العملي يثبت حقيقة اخرى مناقضة لهذه التهمة الظالمة ، فالمنهاج السياسي والستراتيجي للبعث والمقاومة يؤكد منذ صدوره في ايلول – سبتمبر عام 2003 على ان النظام السياسي بعد التحرير سيكون نظاما ائتلافيا تعدديا ديمقراطيا ، وأعاد التاكيد على هذا الموقف برنامج التحرير والاستقلال وستراتيجية القيادة العليا للجهاد والتحرير ، اضافة لاغلب بيانات الحزب ، واخيرا فان مواقف الحزب منذ الاحتلال وحتى الان تجنبت حتى الاشارة الى حق الحزب بالعودة للسلطة ، ولم يطلق الحزب والمقاومة على الرفيق المناضل عزة ابراهيم صفة رئيس الجمهورية ، رغم انه يحق له ذلك بعد استشهاد القائد الشهيد صدام حسين ، حرصا على استبعاد اي اتهام لنا باننا نريد السلطة وان جهادنا من اجلها . فمن اين جاء الكاتب بفكرة ان المطلوب من المقاومة هو اعادة النظام السابق ؟ لم يقل لنا الكاتب شيئا عن المصدر واكتفى بالقاء قنبلته الصوتية اللافتة للنظر .
ولكن : - لنفترض ان القتال يتم من اجل عودة النظام السابق فما الضير في ذلك ؟ انه حق شرعي لانه سيكون استمرار للقتال الذي بدأ في عام 1991 وتصاعد في عام 2003 دفاعا عن العراق وكيانه الوطني في حرب تحررية وطنية عظمى ، وهو قتال مشرف وباسل ضد اقوى استعمار في التاريخ كله . فهل غزو العراق يسقط هذا الحق وتلك الشرعية ؟ الم يكن النظام السابق هو الحاكم الشرعي للعراق لمدة 35 عاما ؟ الم تعترف به الامم المتحدة والجامعة العربية وكل الدول ؟ والاهم من كل ذلك هو الأسئلة التالية : من اسقط النظام السابق ؟ ولم اسقط ؟ الم يسقطه احتلال استعماري بسبب هويته القومية والوطنية ورفضه المساومات على فلسطين والنفط ؟ لم هذا الموقف القائم على انكار ان البعث كان يحارب وهو في السلطة وانه فقدها نتيجة حرب استعمارية وان المنطق والقانون والقيم الوطنية ، والحتميات الأخلاقية ، تقول ان على كل وطني وقومي دعم حق عودة الحزب للسلطة ؟ الا يعني رفض عودة البعث للسلطة تأييد الاحتلال في واحد من اهم اهدافه وهو اسقاط سلطة البعث والتخلص من البعث باجتثاثه ؟ اليس انكار الحق الطبيعي والشرعي للبعث في العودة للحكم هو نوع خطير من انواع اجتثاث البعث ؟ وهل سبق لحركة تحرر كانت تحكم وغزت قوة استعمارية بلدها واسقطت حكومتها فسلمت بما قام به الاحتلال ؟ ام انها قاتلت من اجل عودة الشرعية الوطنية والقانونية ؟
ان منطق الاحتلال الطبيعي هو انكار حق البعث الطبيعي والمشروع في العودة ولكنه يصبح منطقا غريبا اذا تبناه وطني كالكاتب المحترم ، وتزداد غرابته بتذكر ان الاحتلال الاستعماري الامريكي تبنى خطة واصدر قانونا اسمه ( اجتثاث البعث ) أكد فيه ان البعث هو العدو الاول للاحتلال ومصدر خوفه الاهم ، ولذلك قامت سياساته الدموية الفاشية على تصفيته جسديا وايديولوجيا وسياسيا وتنظيميا وحرمان مناضليه حتى من الوظيفة والعيش ، فهل لهذه السياسة الاستعمارية من معنى يفرض على كل وطني دعم البعث بغض النظر عن موقفه السابق منه ؟ وكيف تتجلى الروح الوطنية اذا لم تتجلى في ادراك ان البعث كان مقاتلا صلبا للاستعمار وانه اسقط بسبب سياساته التحررية ؟
2 – ولا ندري لم نسى الكاتب ان البعث هو من تخلى عن السلطة من اجل المبادئ ، فلو كان البعث يريد السلطة لما تمسك بمواقفه القومية والوطنية خصوصا رفضه اي تراجع عن تأميم النفط ، وهو احد اهم هدفين لامريكا ، كما رفض المساومة على قضية فلسطين ، وهو الهدف الاهم الثاني للاحتلال الذي اراد التخلص من نظام رفض الاعتراف بالكيان الصهيوني واعد نفسه والعراق كله لمواجهته . كما يجب عدم نسيان حقيقة اصبحت معروفة وهي ان البعث لو اراد السلطة الان لعقد مساومة مع امريكا وهي تريد ذلك ، ولكن هذه المساومة لن تتم الا على حساب مبادئ البعث وسياساته التحررية لذلك رفضها واصر على مواصلة المقاومة المسلحة من اجل التحرير بقوة البندقية .
أذن كيف نفسر موقف الكاتب وهو وطني لكنه يدعم واحدا من اهم اركان خطة احتلال العراق ؟ ربما لا تفسر غرابة موقف الكاتب الا اذا تذكرنا ( عقدة البعث ) ، إذ رغم ان البعث يقاتل الاحتلال الامريكي ، ويقدم الاف الشهداء شهريا ويدافع عن العراق والامة العربية ويقدم أنموذجا لمقاومة يتيمة ولكنها قهرت اعتى قوة استعمارية في التاريخ ، نجد وطنيا وقوميا عربيا يعترف باحدى اهم نتائج الاحتلال ويريد تكريسها وهي قبول اسقاط النظام الوطني واعتبار وجود رغبة بعودته للسلطة – على افتراض انه يريد ذلك – عملا مرفوضا ! بأي معيار ووفقا لأية قاعدة وطنية وقومية يحرم البعث من حقه الطبيعي ، لو اراد حقا ، العودة للسلطة ؟ وكيف نفسر هذا الموقف خارج سايكولوجيا عقدة البعث ؟
3 – والاغرب ان الكاتب الوطني والقومي يتهم الطرف الابرز في المقاومة ب ( انه يعمل في اطار قواعد ايديولوجية صارمة تستثني وتستبعد وتفتح جبهات فرعية لا حاجة لفتحها ) ! لم يقل لنا من استبعد واستثني ؟ ولم يقل لنا ما هي الجبهات الفرعية التي فتحها ولا حاجة لفتحها ! هكذا اطلق العنان لنفسه لاتهام الطرف الابرز في المقاومة بما ليس فيه ! لم يكن الكاتب محددا ويذكر اسما واحدا استبعدناه ، ولم يقل لنا مع من فتحنا جبهات ثانوية ؟ نعم هناك الكثير من العناصر التي تهاجمنا ونكتفي بالصمت غالبا حرصا منا على تجنب الانجرار الى معارك جانبية ، واذا اضطررنا للرد فاننا نوضح الحقائق ولا نفتح جبهة ثانوية . الامر الاكيد هو اننا لم نهاجم احدا بمبادرة منا على الاطلاق ، ولم نفتح جدلا مع احد اطلاقا وكنا في كل الحالات مدافعين ولم نكن مهاجمين ، باستثناء الاحتلال ومن يخدمه حيث كنا ومازلنا مهاجمين ومبادرين ، ولذلك وكي يتاكد من صحة ما اقول ارجو من الكاتب ان يذكر حالة واحدة كنا فيها من يبادر فيهاجم تنظيما وطنيا اخرا او شخصية وطنية اخرى .
وهنا يجب ان نشير بوضوح تام الى انه ربما يقصد الموقف من ايران وحزب الله ، فاذا كان الامر كذلك ، وهو كذلك كما نعتقد ، لاننا لم نفتح معركة مع احد غير الاحتلال ومن دعم الاحتلال وتعاون معه مباشرة ، فان السؤال الذي يجب عليه ان يتعامل معه هو : هل فتح البعث جبهات ثانوية ؟ ان نظرة لواقع العراق تؤكد بلا ادنى شك بان ايران هي الشريك الاهم لامريكا في غزو العراق ، وان حزب الله هو الماكيير المختص والمكلف بتجميل وجه ايران كلما تقبّح في العراق ، فهل احتلال العراق واشتراك ايران فيه بدور رئيسي وحاسم موضوع ثانوي كي نسكت ؟ ولماذا ينكر ان ايران وليس المقاومة العراقية هي من فتحت باب الصراع الرئيسي ؟
4 – من الامور الغربية في حالة المقاومة العراقية تجاوز البعض عليها رغم انه يعترف بانها هزمت امريكا في المعركة الرئيسية في العالم ، وان امريكا هي القوة الاستعمارية الرئيسية في العالم الان التي تقاتل المقاومة العراقية . نرى الكاتب يريد جعل الثورة الجزائرية مثالا ايجابيا وهذا امر لا غبار عليه ، ولكن لم هذا الاصرار على الحط من شأن مقاومة غير مسبوقة في التاريخ ووصفها بما ليس فيها ؟ ولم يعرف الكاتب الكثير والممتاز عن الثورات الاخرى لكنه ( يبدو ) كانه فقير بمعلوماته عن الثورة العراقية المسلحة ؟ هل حقا انه لا يعرف ام انه متأثر بسايكولوجيا عقدة البعث ؟ وهل مسموح لوطني او قومي عربي ان لا يعرف ما هو مطلوب لتقويم اعظم واخطر تجربة مقاومة في العالم كله ؟ وبالمقابل لم هذا الاصرار على تعظيم الصغير ، وهو حزب الله ، الذي فقد صفة المقاوم بعد تحرير جنوب لبنان ، مقابل تقزيم العظيم وهو المقاومة العراقية التي مرغت انف امريكا في وحل الهزيمة ؟ لمصلحة من ذلك الموقف ؟ وهل سبق لكتاب يدعمون مقاومة ان حاولوا تقزيمها في كتاباتهم مع انها عظيمة وعملاقة في افعالها الميدانية ؟
5- ما هي القواعد الايديولوجية الصارمة التي تمسكنا بها ؟ واين عبرنا عنها ؟ ان هذا الكلام غريب حقا فنحن لم نطرح قضايا ايديولوجية منذ الغزو ولا جعلنا منها عامل تخريب لوحدة المقاومة ، بل ركزنا على الستراتيجية والعلاقات الستراتيجية من اجل ان نوحد الصفوف .
اما ما يجعلنا قلقين اكثر فهو اننا ، ونحن في امس الحاجة الى الكتاب الوطنيين للدفاع عنا ضد حملة الشيطنة التي تقوم بها الاجهزة الاعلامية الامريكية والاسرائيلية والايرانية وتصرف من اجلها ملايين الدولارات سنويا ، نواجه موقفا مخيبا للامال من قبل بعض هؤلاء الكتاب لانه يقوم ، بشكل ما وبطريقة ما ، على شيطنتنا ! اليس اتهامنا بما ورد في اعلاه شيطنة ؟ ترى اذا كنا لا نستحق الدفاع عنا ونحن نقاتل امريكا منذ عام 1991 وحتى الان ، وهو قتال لم يخض مثله احد لا من العرب ولا من العجم ، بما في ذلك الفيتناميين ، فمن يستحقه ؟ واذا كنا نستشهد وقدمنا اكثر من 170 الف شهيد بعثي منذ الغزو فقط الا نستحق ان يقال لنا ( بارككم الله ) من قبل الوطنيين ؟ المحزن ان من نتوقع منه كلمة طيبة يردد معلومات غير صحيحة تسيء الينا وتشوه صورتنا .
يسقط منا 170 الف شهيد ويعدم الاحتلال قادتنا ، وعلى راسهم رئيس دولتنا الشرعي بقرار امريكي وتنفيذ ايراني ، ونقاتل اعتى قوة استعمارية في التاريخ في ساحة الحسم الرئيسية في كل العالم ونمرغ انفها في الوحل ، ومع ذلك نجد ان بعض الوطنيين اما يمارسون الصمت بازاءنا او يبحثون عن حجة لنقدنا بصورة ظالمة وخاطئة ونحن نذبح ! ومقابل ذلك نلاحظ بدهشة ان نفس هؤلاء يبالغون في اهمية ودور جهات اخرى تخوض صراعا ملتبسا وتدور حوله الشبهات ويضعون اقلامهم في خدمتها ! لماذا هذه الظاهرة ؟ لماذا يحق لحزب الله ان ينطق باسم ايران ، ويعمل من اجل ايران ، ويشعل المعارك لمصلحة ايران ، ويقتل لبنانيين في لبنان من اجل ايران ، ويدرب ارهابيين عراقيين لدعم الاحتلال ( ونضيف الان للدراسة معلومة جديدة وهي ان حزب الله درب ودعم الحوثيين في اليمن على حرب الجبال ) ؟ الا تثير ادوار حزب الله هذه المشاكل والازمات في الوطن العربي وتضعف الاقطار العربية ؟ ورغم ذلك يسكت هؤلاء على هذا الدور التخريبي والخطير وكأن حزب الله صنم مقدس لا يمس ؟
ولم تضخم احداث عادية الى درجة الدهشة مثل اطلاق سراح اسرى او تبادل جثامين ، وهي مسألة انسانية عادية سبق لمصر والاردن ان قامتا بمثلها بهدوء وبدون دعاية ؟ ولم تضخم اعمال فردية وتمجد على نحو غريب ، كقنص جندي اسرائيلي او خطفه ، ولكن وفي نفس الوقت تقوم المقاومة العراقية بعمليات بطولية خارقة ضد قوات الاحتلال الامريكي ولا نجد من بين هؤلاء المصفقين لايران من يكتب عنها ولا من يقدرها حق قدرها ؟ هل هناك اشياء لا نعرفها تحرك وتتحرك باتجاه خاطئ ؟
ملاحظة حساسة جدا : الا ترون ان هذا الظلم للبعث والمقاومة العراقية ينمي روح الانفراد بالسلطة لدينا مادام الاخرون لا يظهرون مواقف عقلانية او منطقية تجاهنا تخدم هدف التحرير ؟ الا يشير هذا الموقف من البعث والمقاومة العراقية الى ان احداث العراق السابقة للغزو ، ومنها الصراعات بين القوى الوطنية ، كانت نتاج العقلية التي لم يغيرها الاحتلال بكل كوارثه وبقيت مصرة على مناكفة البعث ورفض دعمه لمجرد الانسياق وراء موقف سابق وراي سابق ؟
يتبع
رد: المدافعون عن الاستعمار الايراني : من هم ؟ - صلاح المختار
الحيلة الثانية عشر : التخيير بين حسن وحسني
ومن المواقف الاكثر غرابة ولفتا للنظر هي تلك المقارنة التي عقدها ناصروي ( وليس ناصري ) مصري بين حسن وحسني ، وحسن هنا هو حسن نصرالله وحسني هو الرئيس المصري حسني مبارك ، وهذا ( الناصروي ) هو الاشد دفاعا عن الاستعمار الايراني رغم انه يرتدي بدلة الناصري ! في حيلته هذه ، وهي حيلة خبيثة جدا وموحية جدا ، ظهرت في مقال يلخص عنوانه جهد المخابرات الايرانية وهو ( أمة السيد حسن.. وأمة السيد حسني ) يقول هذا ( الناصروي ) العتيد ( إذا كانت من ضرورة لاختيار بين أمة السيد حسن وأمة السيد حسني ، فنحن نختار ـ بامتياز ـ أمة السيد حسن وليس أمة السيد حسني (!). أمة السيد حسن نصر الله هي أمة السادة ، وهي عنوان المقاومة ، وآية الصدق والوعد النافذ ، فقد حول السيد حسن حزب الله إلى أمة بذاتها ، أمة من لحم ودم وعصب عربي خالص ، أمة من رجال الله الذين لا يرهبون عدوا، ويستعينون بالصبر وحس الشهادة وحسن الاستعداد إلى حد الكمال الإنساني ، ويقهرون الجيش الذي قيل أنه لا يقهر ، ليس مرة واحدة بل مرتين، والثالثة تأتي، ونفخ في ريح أمة العرب المغلوبة على أمرها، والمنكوبة بحكامها وغاصبي سلطانها، وكان أول السطر في مقاومة عربية فريدة بزمانها ومكانها، مقاومة تبدأ بثقافة الاستشهاد، وتطور تكنولوجيا ملائمة ، ولا تنتهي إلى هزيمة في ميادين النار، بل تستنزف طاقة العدو، وتحطمه في المعني والمبني، وتضع أنفه في الرغام، وتحول قوة إسرائيل المهولة المفزعة إلى بيت عنكبوت، فلم تهزم المقاومة الجديدة أبدا، لا في لبنان ولا في فلسطين ولا في العراق،) .
هذا الكلام المحسوب يصدر هذه المرة من ( ناصروي ) وليس من اسلاموي ، وهو يضخم حزب الله الى درجة انه يلغي الامة العربية كلها ويغيب مقاومتها الاعظم في العراق ، ويسطو على مجد المقاومة الفلسطينية ويغيب حق شهداءها لانها كانت اول سطر في المقاومة العربية في العصر الحديث وليس حزب نصرالله ، ويضع حزب الله ثم ايران في مقام المقاوم الاول! والاغرب كما في حالة بقية من ينفذون خطة المخابرات الايرانية هو زج اسم المقاومة العراقية وسط هذه الدعاية الايرانية المفضوحة ! كيف تجرأ هذا ( الناصروي ) على تجاهل ان المقاومة العرقية هي التي رسمت طريق العرب التحرري بالحاق اكبر هزيمة في تاريخ الاستعمار بامريكا سيدة وحامية الكيان الصهيوني ؟ وكيف سطا ايضا على اسم تامقاومة العراقية ودسه وسط زفة تتويج حسن نصر اله وايران ملوكا على العرب والعجم مع انها تقاتل سادة حسن نصرالله الذين يغزون العراق مع امريكا ؟
ان التركيز على ( امة حسني ) واظهار العرب كلهم وكأنهم نسخ من رئيس النظام المصري واهمال ( امة شهداء ) العراق التي اذلت امريكا ويغيب ( امة شهداء ) فلسطين ، يكشف الهدف المخبوء بعناية وهو تبرئة ايران من دورها المشارك لامريكا في غزو العراق ولصق صفة المقاومة بها عبر تمجيد ذيلها وتابعها وخادمها المطيع حسن نصر الله ، فالاصل هو ايران والفرع هو نصر الله والفرع لا يمكنه ان يفوق الاصل في أي شيء . انها حيلة من يريد تزويج ابنته الكبيرة القبيحة فيظهر ابنته الجميلة الاصغر ليراها من يريد الزواج ولكنه حينما يعقد ويريد الدخول في ليلة الدخلة يكتشف ان الاخت القبيحة هي الموجودة فقط ! باسم المقاومة العراقية التي زجها الكاتب بتعمد مع انها تقف ضد ايران الاستعمارية وضد نهج حزب الله الموالي لايران يريد ان يجمل القبيح ويسوق ما هو بائر ومرفوض .
في هذه الحيلة يتعمد هذا الناصروي تمجيد حزب الله ليترك القارئ امام بديل واحد وهو اختيار دعم ايران لانها من يدعم هذا الحزب ، خصوصا وانه بدأ بحيلة لا اخلاقية وهي ايهام القارئ بان خياره محصور بين حسن وحسني فقط مع ان المواطن العربي ، وهو يرفض الانظمة العربية التي سلمت الوطن للاستعمار ، كان يرى في المقاومة الفلسطينية قبل تدجينها الامل الاعظم ، وهو يرى الان في المقاومة العراقية الامل الاعظم الجديد مما يجعل لعبة حصر الخيار في حزب الله عملا مخابراتيا دقيقا . نعم هذا الكلام معد سلفا في مطابخ المخابرات الايرانية دون ادنى شك لانه يتوافق مع الحيل الاخرى التي اعدت بعناية لمحاصرة وعي الانسان العربي بحيث لا يجد مخرجا الا بدعم ايران مع انها الشريك الاول والاخطر لامريكا في غزو العراق ونشر الفتن الطائفية في الوطن العربي .
الحيلة الثالثة عشر ايران عمق جغرافي للامة العربية
وثمة حيلة اخرى وهي محاولة الايحاء باننا نحن وليس ايران من يعمل على حرماننا من عمق اسلامي وجغرافي تمثله ايران ، ولذلك يدعو الى العمل على المحافظة على صلاتنا بايران وجعلها عمقا جغرافيا لنا ! يقول كاتب سوري علماني ( اعتقد أن مستقبل أمتنا يكمن في الوصول إلى نقاط مشتركة بين كل قوى المقاومة بكافة توجهاتها السياسية والعروبة يجب أن يكون لها عمق اسلامي في دول الجوار التاريخي ايران - تركيا – افريقيا) ، ويقول ( القطيعة التاريخية لن تفيدنا بشيء العروبة رسالة انسانية للبشرية كلها فالأولى أن تكون لدول الجوار الإسلامي التي يربطنا بها تاريخ ، ثم هل المطلوب أن نقف مع سعد الحريري ووليد جنبلاط و سمير جعع ) . لاحظوا ان الحيلة نفسها يمارسها مصري ناصروي واخر اسلاموي تونسي واخر سوري علماني ، بوضع كل من يرفض ايران ودورها الاستعماري في صف سمير جعجع ووليد جنبلاط !
الوقاحة الفريدة لا تظهر الا اذا تذكرنا ان هذا الكاتب يطعن بالمقاومة العراقية ، سيدة مقاومات العالم ، حينما يضعها في صف واحد مع جعجع وجنبلاط الابن ! في الواقع لم يسبق ان لاحظنا تشابه بل تطابق منطق جماعة ما مثلما نلاحظ في حالة انصار ايران ، فكلامهم كله منسق ومدبر ومدروس ومعمم ، من يكتب من دمشق هو كمن يكتب من القاهرة بلا أي تغيير في المنطق والحجج ، ويتساوى في ذلك الطائفي الصفوي والطائفي السني في مصر ، والعلماني في سوريا ، والماركسي – اللينيني في لبنان ! كلهم مدربون على تكرار نفس الاعلان المعد سلفا من قبل المخابرات الايرانية .
في الفقرات السابقة لابد من ملاحظة ما يلي من حيل :
1 – حيلة ان ايران جاهزة لدعم العرب ولتصبح عمقا جغرافيا لهم ، مع انها وفي ضوء تجربة ثلاثة عقود من حكم الملالي برزت كقوة معادية للعرب باصرار لا يلين ابدا وصارت الجهة الاكثر اشغالا للعرب واستنزافا لطاقاتهم ، لان مشروعها الامبراطوري يقوم على تحطيم وحدة العرب وتفتيت قوتهم واخضاعهم لها .
2 – حيلة ان ايران تمثل مقاومة مع انها اهم شريك لامريكا في غزو العراق وافغانستان .
3 – حيلة ضرورة كسب دول الجوار الافريقي والاسلامي ، وهي حيلة لا تتضح الا اذا تذكرنا بان العراق بشكل خاص قد بذل جهودا جبارة لكسب الجوار الاقليمي في اسيا وافريقيا ، خصوصا ايران وقدم لها تنازلات هائلة من اجل تحييدها ومع ذلك كانت ايران كالكيان الصهيوني تأخذ ولا تعطي وتتوسع وتستفز وتمارس التقية لاجل تحقيق مكاسب على حساب العرب ، لذلك فالدعوة لكسب ايران حيلة كبيرة تحملنا مسؤولية عدم وقوف ايران الى جانبنا والتقصير في ذلك وتبرء ايران من المسؤولية في اشعال الصراعات والحروب داخل الوطن العربي .
4 – حيلة ان العرب هم من يستفز ايران ويعاديها في حين كان يجب كسبها ، والواقع الميداني والعياني يؤكد بان العرب ، كل العرب انظمة وجماهير ، كانوا ومازالوا يريدون التعايش مع ايران ولكن ايران هي التي كانت ومازالت تريد التوسع جغرافيا وسكانيا على حسابنا ، وما شعار تصدير ( الثورة الاسلامية ) ، والذي يعني امر واحد وهو اسقاط الانطمة العربية ، الا مظهر واحد لحقيقة ان من يخلق الازمات والمشاكل هو ايران .
هذه الحيل يمارسها كتاب تقربوا من المقاومة العراقية وكتبوا لصالحها لفترة من اجل تاهليهم للوقوف في مرحلة لاحقة مع ايران مباشرة وصراحة كما يفعلون الان .
الحيلة الرابعة عشر حزب الله سيثور المقاومة في العراق
ويصل غسل الدماغ الذي مارسه حزب الله على بعض الكتاب حدا مدهشا وغريبا ففي مقال مهم للدكتور سعد قرياقوس ينقد فيه مقال مهم لكاتبة وطنية عربية كتبت فجاة مقالا غريبا يثير التأمل والتساؤل كثيرا ، يقول د. قرياقوس ( قدَّمت لنا الكاتبة تفسيرًا لمقتل عماد مغنيَّة احتوى قدرًا من عناصر الخيال واللاواقعيَّة ، بإرجاع أسباب مقتله إلى " تدخُّل حزب الله في العراق " ، وإلى الأدوار التي كانت مناطة به كمخلِّص لشعب العراق من براثن الاحتلال وقيادته لإلحاق الهزيمة بالمشروع الكوني الأمريكي ! لماذا قتل عماد مغنيَّة ؟ أكثر ما يثير الاستغراب في هذه المساهمة ، استبعاد الكاتبة غير المباشر لاحتمالات
التورُّط الإسرائيلي في اغتيال مغنيَّة لأسباب لبنانيَّة ، وربطها اغتياله بتطوُّرات مستقبليَّة واقعة خارج الفضاء اللبناني . كان من المؤمَّل أن يلعب مغنيَّة دورًا قياديًّا في حسمها . أو كما عبَّرت عنه بصيغة استفسار: " هل هوشهيد الانتصارات الماضية المنجزة ؟ ام هو شهيد تحوُّلات يمكن أن تؤدَّي إلى انتصارات ما تزال إرهاصاتها في بداياتها ، في مكان آخر ؟ " لذا ، فاغتيال مغنيَّة ، وفقًا لما لمحت له الكاتبة ، مرتبط بالتطوُّرات المستقبليَّة للمشهد السياسي العراقي ! كيف؟ تذكِّر الكاتبة بأن ساحة المواجهة الحاسمة التي "تحدِّد مصير الإمبراطوريَّة الأمريكيَّة هي ساحة العراق وليست ساحة المواجهة في لبنان وفلسطين ، فهناك ، أي، في ساحة العراق سيتقرَّر مصير المنطقة ، ومصيرالإمبراطوريَّة ، ومصير العالم "! هذه النتيحة لن تتحقَّق إلاَّ إذا وصلت "المقاومة العراقيَّة لان تكون سنيَّة- شيعيَّة ". هنا نرى الكاتبة تذكر الحقيقة ، وهي ان ساحة المواجهة الرئيسية ليست في لبنان او فلسطين بل في العراق ، لكنها تلويها بطريقة مذهلة !
يواصل د. قرياقوس عرض ماقالته الكاتبة : كما وأنَّ فشل المشروع الأمريكي لن يتحقَّق إلاَّ بعد توفُّر شرط مهمٍّ ، أو كما أخبرها من وصفته بـ " سياسي أوروبي كبير خبير بشؤون المنطقة " قبل سنتين في باريس: " لن يفشل الأميركيُّون في العراق ، ولن يتحرَّرهذا البلد إلاَّ إذا تمَّ تثوير شيعته ضدَّ الاحتلال." السيِّدة الكاتبة لم تترَّدد في التلميح إلى أنَّ اغتيال مغنيَّة مرتبط بمشروع المقاومة في العراق، أو بمساعي تثوير "شيعته". ومرتبط أيضًا بـ "تدخُّل حزب الله في العراق". بعد تقديم هذه المؤشَّرات على " تدخُّل حزب الله في العراق "، فجَّرت الكاتبة قنبلة "هوريشيميَّة " الحجم بكشفها سرًّا كان خافيًا على الكثيرين من متابعي ما يجري في أرض العراق! فالسرُّ الذي لم يعد سرًّا لها ولأنصار "حزب الله" يكمن في كون عماد مغنيَّة مسؤولاً عن تنفيذ التزام "الحزب" بالمقاومة العراقيَّة أو "المقاومة في العراق"، كما تصفها الكاتبة. ليس هذا فحسب، بل أنَّ مغنيَّة كان المشرف على عمليَّة "تثوير الشيعة "في العراق، وحقن مصل معادٍ الاحتلال بهذا المكِّون "المعوَّق وطنيًّا" من مكوِّنات شعبنا في العراق!
القنبلة "الهوريشميَّة " لم تكن الوحيدة التي فجَّرتها الكاتبة، فقد أبت إلاَّ أن تنهي مقالها بتفجير قنبلة "ناكازاكيَّة" التأثير، بإرجاعها أسباب اغتيال عماد مغنيَّة إلى تجاوزه "خطوط سايكس بيكو الحمراء والزرقاء" والليمونيَّة أيضًا لتصميمه على نقل "تجربة لبنان إلى فلسطين والعراق"! انتهى الاقتباس من دكتور سعد قرياقوس .
هكذا اذن وحسب الكاتبة فالمقاومة العراقية ( معوقة ) وجزئية وغير قادرة على تحقيق النصر الا اذا تدخل حسن نصرالله لتثويرها وتعميمها وانقاذها من طائفيتها !! ماشاء الله على هذا المنطق الغريب جدا والمثير جدا للتساؤلات ، انتبهوا لما ياتي :
1 – ثمة تأكيد واضح جدا ، وملفت للنظر جدا ، على ان المقاومة العراقية تواجه مشكلة محدوديتها في المناطق السنية ، وكادت تقول في ( المثلث السني ) هل تذكرون من هو مخترع هذا الوصف ؟ انه الاحتلال الذي اراد تصوير المقاومة العراقية وكأنها مقاومة طائفية وهو ما تقوله الكاتبة في مقالها الذي لا تصنيف له سوى انه ينتمي لادب الخيال العلمي او الرغبات الجامحة المحرمة .
2 – الشعب العراق معوق ويحتاج لمن يعاونه في تجاوز عوقه فياتي قاتل العراقيين في السفارة العراقية في بيروت ومن قاتل العراقيين اثناء الحرب التي فرضتها ايران على العراق عماد مغنية ليقوم بالمهمة !
3 – الكاتبة تتجاهل حقيقة ثابتة وهي ان المشلكة في العراق ليست عجز المقاومة عن تثوير شيعة العراق ، فهم في الواقع في قلب المقاومة المسلحة فحوالي 65 – 70 % من شهداءها من جنوب العراق ، بل المشلكة في ايران ، سيدة حسن نصرالله المطلقة ، التي تركز جهدها على تصفية المقاومين الشيعة في الجنوب ومعاملتهم بقسوة اشد من معاملة اهل الوسط لانهم ، من وجهة نظرها ، ( شيعة صدام ) . نعم المقاومة العراقية كانت اضعف في الجنوب من الوسط والشمال ولكن السبب الرئيسي هو ايران وفرق موتها ومخابراتها والاحزاب التابعة لها ، والتي تولت مهمة تصفية كل من يحمل السلاح ضد الاحتلال . فهل يمكن لعميل ايراني كعماد مغنية ان يقوم بدور ( تثويري ) للمقاومة العراقية اذا كانت ايران هي الشريك الاول والاهم لامريكا في غزو وتدمير العراق ومحاربة مقاومته المسلحة ؟ وهل تنسى الكاتبة المحترمة ان عماد مغنية هو من درب جيش المهدي على ابادة العراقيين على اسس طائفية وقتل مئات الفلسطينيين في العراق لمجرد انهم عرب ؟
4 – تتجاهل الكاتبة المحترمة حقيقة ان ايران تخوض صراعا تنافسيا مع امريكا حول تقاسم الفنوذ في العراق وكل الاقطار العربية ، وهو امر اعترفت به امريكا وايران وعقدت بموجبه سلسلة لقاءات بين ايران وامريكا رسميا من اجل ما وصفه رسميا احمدي نجاد بانه ( محاولة مساعدة امريكا على الخروج من العراق ) . فهل يمكن لمن يتقاسم النفوذ مع امريكا ان يثوّر مقاومة ؟ وكيف تكون ايران وهي شريك امريكا الاهم في غزو العراق مقاومة للنفوذ الامريكي الا اذا كان المطلوب هو طرد امريكا كي تنفرد ايران باستعمار العراق كما دعا خامنئي تحت غطاء ملأ الفراغ في العراق ! وكيف يكون حسن نصرالله عمل على دعم المقاومة العراقية وهو من درب جيش المهدي من اجل تصفيتها ؟
5 – ترسم الكاتبة للمقاومة العراقية صورة بائسة تجعلها بحاجة لعون عماد مغنية وانقاذه لها برسم طريق تحولها الى ثورة قادرة على الحاق الهزيمة بامريكا ! ونست الكاتبة انها اعترفت ، هي وغيرها ممن يعرفون معنى الستراتيجية ، بان المقاومة العراقية هي اعظم واهم مقاومة في تاريخ الانسانية تفجرت في بيئة معادية لها وبدون دعم دولي او اقليمي وانها ، كما اعترفت ، المقاومة الرئيسية التي تخوض الصراع الرئيسي في المنطقة والعالم واستبعدت المقاومة الفلسطينية وما يسمى ب ( المقاومة اللبنانية ) من معسكر من يخوضون المعركة الرئيسية .
هذه الصورة السلبية التي رسمتها للمقاومة العراقية ، بجعلها معوقة وبحاجة ماسة لدور عماد مغنية ليثورها ، تقدم شعب العراق ، شعب صدام الشهيد وشعب الاربعة ملايين شهيد منذ فرض الحصار وحتى الان ، كأنه يفتقر للقادة الان وعاجزا عن انجاب القادة والابطال ، مع ان ساحة العراق تشهد تمريغ انف امريكا في الوحل الان بذكاء وبطولة ابناء العراق ، وهو انجاز تاريخي عظيم وفريد عجز كبار العالم عن تحقيقه ، مثل الاتحاد السوفيتي السابق والصين واتحاد اوربا الذين احنوا رؤوسهم لامريكا وعاصفتها العاتية في حين ان شعب العجب ، كما كان سيد شهداء العصر صدام حسين يحب ان يصف شعب العراق ، هو وحده من اذل امريكا وهزمها مع انها تنفرد بحكم العالم . مع الاسف الشديد ان تتورط وطنية نحترمها بتقديم صورة لشعب العراق ومقاومته الباسلة لم ترسم مثلها حتى الدعاية الامريكية المعادية للعراق ومقاومته .
ان السؤال الذي يجب طرحه الان هو : هل حقا ان المقاومة العراقية بحاجة لخدمات عميل ايراني قتل الكثير من العراقيين كعماد مغنية ؟ والسؤال الاخر المهم هو : ما الهدف من ترويج هذه القصة العجيبة الغربية عن قتل عماد مع ان هناك قصة مرجحة وهي ان عماد قد صفته المخابرات الايرانية ذاتها بسبب ما حام حول تصرفاته من شكوك اثناء العدوان الاسرائيلي على لبنان ، واحد الادلة على صحتها هو ان احد لم يعرف ما هي نتائج التحقيق في مقتله في سوريا مع ان المخابرات السورية تعاونت مع المخابرات الايرانية في التحقيق ؟
يتبع
الحيلة الخامسة عشر : المقاومة العراقية تحولت الى حرب طائفية
في مقابلة مع الجزيرة في الاتجاه المعاكس لم يتردد ناصروي لبناني في القول بان المقاومة العراقية قد تحولت الى صراع طائفي ، في تناس مذهل لما يجري في العراق وقت بث المقابلة وليس قبلها ، وبالاخص تناسي ان المقاومة كانت في اوج تألقها حينما قال ذلك ! هذا ( القومي العربي ) ! كان يمتدح المقاومة العراقية في بداية الاحتلال لكنه غير موقفه واخذ يتجاهلها ، ثم عمد الى وصفها بانها صارت حربا طائفية ! لم فعل ذلك ؟ بالتاكيد انه كان يعرف ان ما قاله غير صحيح لان العالم كله يتابع تصاعد عمليات المقاومة في نهاية عام 2008 وبداية عام 2009 في تطور يعد احد اهم مظاهر اعجاز المقاومة العراقية ، لكنه اراد اشباع عقدة البعث لديه بمحاولة عدم الاعتراف باي فضيلة للبعث حتى لو كانت المقاومة العراقية لا تقتصر على البعث ، لان الاعتراف بانها ، هي وليس غيرها ، الرقم الاصعب والاهم في معادلة الصراع الستراتيجي العظيم في الوطن العربي سوف يسقط تقديرات سابقة واراء سلبية سابقة طرحت حول البعث .
كما ان القول بان المقاومة العراقية تحولت الى حرب اهلية طائفية يفسح المجال لابراز مقاومة حماس وحزب الله بصفتهما المقاومة الوحيدة في الوطن العربي ، ومن ثم امتلاك سلاح مهم في الدفاع عن ايران بصفتها داعم حماس وحزب الله ، واخيرا فان وصم المقاومة العراقية بالطائفية سوف يوقف نقد طائفية حزب الله ويبلور فكرة مدمرة عن المقاومة وهي ان كل المقاومات العربية قد اصبحت طائفية . انها نفس اللعبة الايرانية والامريكية والصهيونية التقليدية المشتركة القائمة على تحويل الصراع الاقليمي من صراع تحرري الى صراع طائفي – عرقي ، ولكن باداء مختلف واشخاص مختلفين هذه المرة .
ومما له دلالة تحدد طبيعة توجه هذا الناصروي اللبناني هو ان الطابع الطائفي الذي اراد لصقه بالمقاومة العراقية قد تمت تصفيته وتحييده بصورة عامة بعد ان ظهر لدى فصائل ثانوية الحجم والقوة ، ولم يقله حينما كانت هذه الفصائل تمارس اسلوبا طائفيا . فما معنى ذلك ؟
الحيلة السادسة عشر تجاهل المعايير الكلاسيكية لمفهوم القومية والوطنية
ومما يلاحظ بقوة ان من يدافعون عن حزب الله وايران يتعمدون طمس واهمال المعايير التقليدية لمفاهيم العروبة والقومية والوطنية والتي كانت حتى نهاية السبعينيات تعد المقرر لكل تقويم وموقف سياسي ، والقائمة على تحديد المواقف في ضوء المصلحة العربية العليا ، واهمها الدفاع عن كل ارض عربية وكل قضية عربية وعدها جزء من واجبات كل عربي . ولكن مع ظهور خميني في عام 1979 بدأت المعايير تتغير من دون تفسير مقنع ، فالرابطة الوطنية والقومية تهمل بناء على طرح خميني لبديل ديني اولا عده سابق على ، واهم من الرابطتين الوطنية والقومية ، ثم وبعد ان ادى البديل الديني دوره في اضعاف الرابطتين القومية والوطنية وفسح المجال للرابطة الدينية ان تحل محلهما في وعي البعض انتقل الى تغليب الرابطة الطائفية على الرابطة الاسلامية العامة . وقد تم هذا التحول الاخير في زمن خليفة خميني علي خامنئي .
ان الحط من شأن المعايير الوطنية والقومية كان لابد منه للسماح ببروز وطغيان الاحزاب والتيارات الاسلاموية الشيعية والسنية في الوطن العربي والتنحية الخطيرة للقوى الوطنية والقومية . خصوصا وان التيارات الاسلاموية اعدت بصورة عقلانية ومنطقية للقيام بدور البديل المقنع للتيارات القومية التي اتهمت بالفشل ، وروجت فكرة مضللة وهي ان الوطنية والقومية تتناقضان مع الاسلام ! ان صمت من يدافع عن ايران عن خرق المفاهيم الوطنية والقومية واهمالها بصورة فجة عند الدفاع عن ايران يعد اسلوبا من اساليب الاحتلال والتضليل ، لان التذكير بالثقافة الوطنية والقومية يضع من يدافع عن ايران وحزب الله امام تحد حقيقي وهو هشاشة حجة الدفاع عن ايران التي تحتل اراض عربية كالكيان الصهيوني وتنشر الفتن الطائفية ، كما ان الدفاع عن حزب الله يصبح ساقطا لانه يجمّل وجه ايران رغم انها دولة استعمارية ، والاهم ان ولاءه الفعلي والرسمي هو لايران وليس للبنان ولا للامة العربية .
ويكفي هنا ان نذكّر بان حسن نصر الله هو الوكيل الرسمي لعلي خامنئي في لبنان ، مع ما يعنيه ذلك من تبعية صارمة لا تقبل النقاش من قبل حسن نصرالله لعلي خامنئي ، طبقا لمفهوم ولاية الفقيه الذي يجعل من المقلد او الوكيل مجرد تابع عليه واجب التنفيذ فقط ولا يحق له الاعتراض والا كفر واخرج من ( الملة ) . وابرز دليل على هذه التبعية المطلقة والتي تصل حد العبودية ان حسن نصرالله يقبل يد خامنئي كلما التقاه تعبيرا عن طاعته وولاءه التام ! وهنا تبرز المشكلة : اذ ان خامنئي يخدم مصالح ايران الوطنية ، كما يؤكد الدستور الايراني ، مما يجعل طاعة حسن نصرالله له خدمة مباشرة لايران ومصالحها القومية ، وبما ان ايران تنفذ سياسة تنتاقض مع مصالح لبنان والاقطار العربية فان حسن نصرالله يتخلى عن هويته القومية والوطنية من اجل ايران .
والسؤال الذي لابد من الاجابة عليه هو : هل وفق حسن نصر الله بين مفهوم الوطنية والذي يقوم على حماية مصالح الوطن القطري وعدم التفريط بها من اجل أي بلد اجنبي وبين وكالته لعلي خامنئي والتي تعني تنفيذ اوامره ؟ الجواب هو كلا بالتاكيد فاحداث ما بعد تحرير جنوب لبنان تؤكد ان ممارسات حزب الله كلها ، ودون أي استثناء ، كانت لخدمة ايران وتنفيذ طلباتها ، وهو ما اصطدم بالقاعدة الاساسية التي تتحكم بوجود ووحدة لبنان وهي قاعدة التوافق ، التي تعني اول ما تعني موافقة كل المكونات اللبنانية على أي سياسية عامة قبل تنفيذها . ان ما قام به حزب الله في صيف عام 2008 من غزو لبيروت بقوة السلاح ، وهو ما ادى الى مقتل عشرات اللبنانيين مستغلا سلاح المقاومة لقتل اللبنانيين ونسف قاعدة التوافق التي ضمنت وحدة لبنان في العقود الماضية ، يؤكد بلا ادنى شك انه ليس حزبا وطنيا لبنانيا وانما هو ذراع ايرانية مسلحة وقوية ومؤهلة للانقضاض على من يحاول الحد من نفوذها عند تنفيذها لاوامر ايران .
علينا ان لاننسى ابدا ان ايران ليست دولة عربية وانها دولة لها ثأرات مع العرب منذ أفول الامبراطورية الفارسية بعد هزيمتها على يد الفاتحين العرب المسلمين ، كما علينا ان لا ننسى انها كانت ومازالت لها مطامع في الارض والمياه العربية ، وقامت باحتلال الاحواز العربية وتحاول تفريسها بدافع عنصري معروف ، كما انها احتلت الجزر الاماراتية الثلاثة ، وتريد البحرين رسميا ، ونشرت وتنشر الفتن الطائفية في الوطن العربي ، وتصر على استخدام تسمية قومية فارسية للخليج العربي وترفض مقترح المؤتمر الاسلامي بتسمية الخليج بالخليج الاسلامي بدل العربي او الفارسي .
ما معنى هذ السياسات الايرانية ؟ انها تعني بكل تأكيد ان ايران تتبع سياسات قومية وليس اسلامية او طائفية ، لذلك فان دعم ايران وتنفيذ اوامرها هو خيانة للوطن وتفريط بمصالحه الاساسية ، كما تعلمنا منذ نعومة اظفارنا ، خصوصا في الحقبة الناصرية التي كان فيها المرحوم عبدالناصر يدعم حركة تحرير الاحواز المحتلة من اجل انفصالها عن ايران .
كان حزب الله ، وقبله حزب الدعوة ، يدعي ان ايران تتبع سياسة اسلامية لذلك فان دعمها هو خدمة للاسلام ، وبما ان الوطنية رابطة يرفضها الاسلام فان العلاقة مع ايران لا غبار عليها ! ولكن ما صدر عن ايران من سياسات قومية توسعية شوفينية منذ الحرب التي فرضتها على العراق اثبت بالادلة القاطعة ان ايران تمارس سياسات قومية استعمارية ، الامر الذي اعاد من جديد طرح مسالة الخيانة الوطنية الناجمة عن التبعية لايران .
ان ما يفضح حزب الله كحزب عميل رسمي لايران هو السؤال التالي : هل سياسات ايران قومية ووطنية ام اسلامية ؟ ان الجواب الاكيد خصوصا بعد غزو العراق هو ان ايران دولة قومية صرفة وما الدين والطائفة الا ستاران للخداع وتضليل الناس من اجل خدمة المصلحة القومية الايرانية ، وترجمت هذه الحقيقة بوجود صراعات حادة وعدائية بين ايران والامة العربية حول المياه والحدود والارض ، لذلك فان الطاعة العمياء من قبل حزب الله لاوامر زعيم ايران هي تفريط بمصالح لبنان والامة العربي .
ملاحظة مهمة جدا : كان الفرق الرئيسي والتناقض في المفهوم بين التيار القومي والتيارات الوطنية العربية والتيارات الاسلاموية هو ان التيارات الوطنية والقومية تعد الوطن الصغير هو القطر والوطن الكبير هو الامة العربية ، اما الاسلامويون فانهم كانوا ومازالوا يرون ان الوطن هو الاسلام بحدوده العالمية ، لذلك لا فرق بين جنس واخر وامة واخرى ، ومن ثم فان التعاون مع مسلم اخر لا ينتقص من الايمان . ان هذا الفرق الجوهري والحاسم بين المفهوم الوطني والقومي من جهة والمفهوم الاسلاموي من جهة اخرى كان يتحكم بمواقف القوى السياسية دون تردد او غموض او وسطية ، اما الان فان تجربة غزو العراق وانكشاف الهوية القومية العنصرية للسياسات الايرانية بعد ان شرعت بغزو الاقطار العربية ، من العراق الى اليمن وما بينهما ، قد اسقط المفهوم الاسلاموي واثبت بان للدولة ، أي دولة ، مصالح قومية تطغى على ماعداها وان الاسلام كان ومازال واجهة للتوسع الجغرافي على حساب الامة العربية .
الحيلة السابعة عشر رفع شعار ( تجنبوا سياسة فرق تسد )
هناك امراة غامضة الهوية تكتب بالانكليزية غالبا وتحمل اسما مصريا وتستخدم عنوان بريد الكتروني فرنسي نشطت في دعم المقاومة العراقية بصورة ملحوظة من عام 2004 واخذت توزع مقالات وبيانات تدعم المقاومة العراقية وتبدي استعدادها للمعاونة في أي عمل تكلف به لدعم المقاومة ، وبقيت على هذا الحال حتى عام 2006 حينما بدأت الحملة المضادة للقوى الوطنية العربية وخصوصا انصار المقاومة العراقية على ايران تتخذ شكلا فعالا ومؤثرا في الاوساط العربية وشملت كشف دور حزب الله في خدمة المخطط الاستعماري الايراني الخطير ، عندها بدأت تكشف عن مواقف تقدم مؤشرات على هويتها الحقيقية ودورها الحقيقي ، اذا انها اخذت تنشط بقوة في الدفاع عن ايران ، بعد ان اكتسبت هذه الناشطة الغامضة سمعة انها تؤيد المقاومة العراقية ، وترويج الدعاية لصالحها ولصالح حزب الله ، وكانت تردد دائما فيما توزعه من بيانات ومقالات مؤيدة لايران ولحزب الله يكتبها نفس من اقتطفنا منهم فقرات في هذا التحليل ، بان من الضروري الانتباه الى سياسة ( فرق تسد ) وان المطلوب هو وحدة المسلمين وقوى المقاومة بما فيها ايران وحزب الله .
ان التحذير من سياسة فرق تسد ظاهره صحيحة ، ولكن هذا التحذير لم يكن هدفه الضغط على ايران للتوقف عن سياساتها المشاركة لامريكا في الغزو بل لدعمها ورفض نقدها وفضح سياساتها ، لان ذلك يفرق الصفوف ويخدم سياسة فرق تسد كما تقول فيما توزعه ! ووصلت هذه المراة الى مرحلة الهستيريا في دعم ايران في عام 2008 لدرجة ان كل ما كانت توزعه كانت تتصدره عبارة انتبهوا لسياسة فرق تسد ، ولم توجه يوما نقدا لايران على دورها في العراق وكأن المطلوب هو الصمت على الدور الايراني في العراق والمنطقة احتراما لشعار فرق تسد مع ان ايران هي من تفرق بتعمد ووفق خطة اصبحت اكثر من واضحة كي تسود في الوطن العربي !
لقد انكشفت هذه المراة رغم ذكاءها حينما وصلت الى حد الدفاع عن ايران في قضايا جوهرية وليست ثانوية كغزو العراق ، واصرت رغم نصحها من قبلنا ، على رفض ادانة ايران وسياساتها في العراق وغيره . لقد طرح سؤال محدد من هي هذه المراة ؟ ومن يقف خلفها عند لعب هذا الدور ؟ كانت ذكية جدا في لعب دورها فهي كانت تدعم المقاومة العراقية وتوزع مقالات وبيانات داعمة لها لكنها كانت تدس مقالا واحدا يمتدح ايران مع مجموعة بيانات ومقالات تؤيد المقاومة العراقية ، فتضمن بذلك ايصال افكار لصالح ايران الى اوساط من يدعمون المقاومة العراقية ! لقد كان اصرارها على ان ايران ليست مسؤولة عن الفتن الطائفية ولا عن اعمال فرق الموت وان امريكا هي وحدها المسؤولة عنها هو ما سلط اضواء الشك حول هويتها الحقيقية ، خصوصا حينما نوقشت حول ذلك وكانت تقول سوف افكر او اسئل واجيب ! تسال من ؟ ومن يوجهها ؟ هل هي ايرانية ؟
وما تؤكده هذه القضية هو ان ايران – كما المخابرات الامريكية والبريطانية - قد اعدت عشرات الاشخاص ، ايرانيون وعرب مرتزقة ، كي يعملوا في صفوف الوطنيين العرب مع انهم ينفذون سياسات ايرانية بصورة قوية ، لكن هذه اللعبة تنجح لفترة وعندما تواجه تحدي الواقع تنكشف وتفقد مفعولها ، كما حصل حينما لم يعد بالامكان الدفاع عن الموقف الايراني في العراق بشكل خاص نتيجة الانتقال من حالة التنسيق الايراني مع امريكا من السرية الى العلنية والرسمية .
الحيلة الثامنة عشر الفتن الطائفية عمل امريكي صهيوني
من الحيل التي برع في ممارستها اللوبي الايراني في المؤتمر القومي العربي ، وهو المنبر الاول والاهم لايران، وغيره من المنابر ، حيلة تبرئة ايران من الفتن الطائفية ولصقها بامريكا والكيان الصهيوني فقط مع ان الحقائق الميدانية تثبت بلا أي غموض ان المروج الفعال والاخطر والناجح لهذه الفتن هو ايران وليس غيرها ، لسبب بسيط هو ان امريكا والكيان الصهيوني وبريطانيا فشلت في ترويج الفتن الطائفية لانها قوى استعمارية مكشوفة وكانت الجماهير العربية والقوى السياسية تملك حصانة ضد كل ما تروجه ، من هنا فان تاريخ النجاح في نشر الفتن الطائفية هو تاريخ الدور الايراني في عهد خميني واتباعه ، والسبب هو استخدام الاسلام غطاء لنشر الفتن وعدم وجود حساسية او حصانة ضد ايران ( الاسلامية ) نتيجة تداخل الخنادق بيننا وبينها .
لم يصر اللوبي الايراني بوقاحة على انكار أي دور لايران في نشر االفتن الطائفية والصاق التهمة بامريكا والكيان الصهيوني فقط ؟ السبب واضح وهو ان تبرئة ايران يسمح لها بمواصلة نشر الفتن دون عوائق عربية فعالة ويحول الجهد العربي في هذا المجال الى محاربة الشبح الذي يروج للفتن وليس للطرف الحقيقي . نعم امريكا هي المظلة التي تحتمي بها الفتن الطائفية ، نعم امريكا هي من تغذي هذه الفتن ، لكن الذي يروجها وينشرها بنجاح ملحوظ هو ايران وليس غيرها الذين يستفيدون من الفتن . ونفي هذا الدور الايراني من قبل المدافعين عن ايران يسمح بزيادة دعم حزب الله في الوطن العربي دون التعرض لنقد قاس مادامت امريكا والكيان الصهيوني وليس ايران من ينشر الفتن الطائفية . ان نظرة سريعة لمن يؤجج الفتن الطائفية تقدم لنا الجواب ، فان من تدعمهم ايران هم من يقومون باثارة الفتن الطائفية تحت شعارات مزيفة مثل ( المظلومية الشيعية ) ، وهم من يقومون بالقتل على الهوية الطائفية في العراق ، مثل جيش المهدي وحزب الدعوة والمجلس الاعلى وكل هؤلاء يدعون انهم احزاب شيعية ! اذن كيف تكون الطائفية ونشرها وتأجيجها اذا لم تكن هذه ؟
والاغرب هو ان هذا اللوبي يتناسى حقيقة يعترف بها حزب الله وهي انه حزب طائفي الهوية والطبيعة . فتبعا لوثائقه فان حسن نصرالله هو الوكيل الرسمي لعلي خامنئي المرشد الاعلى في ايران ، في لبنان ، وبصفته هذه فانه تابع بصورة صارمة وحازمة لعلي خامنئي وغير قادر على اتباع أي نهج يتعارض مع اوامر ونهج خامنئي . وعنصر التبعية المطلقة هذا نتاج انتماء طائفي واضح فلولا طائفية نصرالله لما صار تابعا وعبدا لخامنئي يقبل يده كلما ( تشرف ) بلقاءه ! كما يجب ان لا ننسى حقيقة رسمية وهي ان اعضاء حزب الله ينتمون لطائفة واحدة فقط مما يجعل نفي الهوية الطائفية لهذا الحزب عملا احمقا وغبيا . والسؤال هنا هو هل يمكن انكار طائفية حزب نصرالله مع انه يؤكدها بالفم المليان ويفتخر بها كما فعل نصر الله حينما قال ( انني اتشرف بانني من حزب ولاية الفقيه ) وولاية الفقيه مفهوم طائفي متطرف وتام ؟
الحيلة التاسعة عشر اظهار الفصائل الاسلامية والتعتيم على الفصائل القومية
وحينما يضطر هؤلاء للاعتراف بان المقاومة العراقية هي القوة الرئيسية فانهم يلجأون الى حيلة منفرة وهي القول بان المقاومة العراقية تتشكل من فصائل اسلامية وان البعثيين غير موجودين فيها او ان دورهم ثانوي ! لقد رددوا هذه الحيلة رغم ان شهداء مقاومة البعث المسلحة اكبر من مجموع كل الاحزاب العربية في الوطن العربي ، واكبر من مجموع كل الفصائل المقاتلة في العراق ، ورغم ان العمليات المسلحة التي يقوم بها المجاهدون البعثيون تشكل رقما كبيرا يلمسه كل عراقي في الداخل ! ان انكار مقاومة البعث ، الوطنية والقومية والاسلامية ، يقصد به تحقيق هدف خطير وهو انه بعد استبعاد الفصائل البعثية من العمل الجهادي تبقى فصائل اسلامية واخرى اسلاموية بعضها طائفي مما يجعل بامكان من يريد الحط من شأن المقاومة العراقية القول بانها مقاومة طائفية فتسقط المقاومة العراقية من عليائها ومجدها الفريد ! وهكذا يفسح المجال لحزب الله ليملأ الفراغ في ضمير الجماهير العربية ، بعد ان اصبحت كل الفصائل ، في العراق ولبنان وفلسطين ، طائفية ولا فرق بينها وانعدمت الهوية الوطنية او القومية لها ، وهي عملية تجيّر تلقائيا لخدمة ايران كما راينا بانتظام ، وتلك هي واحدة من اهم اشكال شيطنة البعث ومقاومته المسلحة .
يتبع
ومن المواقف الاكثر غرابة ولفتا للنظر هي تلك المقارنة التي عقدها ناصروي ( وليس ناصري ) مصري بين حسن وحسني ، وحسن هنا هو حسن نصرالله وحسني هو الرئيس المصري حسني مبارك ، وهذا ( الناصروي ) هو الاشد دفاعا عن الاستعمار الايراني رغم انه يرتدي بدلة الناصري ! في حيلته هذه ، وهي حيلة خبيثة جدا وموحية جدا ، ظهرت في مقال يلخص عنوانه جهد المخابرات الايرانية وهو ( أمة السيد حسن.. وأمة السيد حسني ) يقول هذا ( الناصروي ) العتيد ( إذا كانت من ضرورة لاختيار بين أمة السيد حسن وأمة السيد حسني ، فنحن نختار ـ بامتياز ـ أمة السيد حسن وليس أمة السيد حسني (!). أمة السيد حسن نصر الله هي أمة السادة ، وهي عنوان المقاومة ، وآية الصدق والوعد النافذ ، فقد حول السيد حسن حزب الله إلى أمة بذاتها ، أمة من لحم ودم وعصب عربي خالص ، أمة من رجال الله الذين لا يرهبون عدوا، ويستعينون بالصبر وحس الشهادة وحسن الاستعداد إلى حد الكمال الإنساني ، ويقهرون الجيش الذي قيل أنه لا يقهر ، ليس مرة واحدة بل مرتين، والثالثة تأتي، ونفخ في ريح أمة العرب المغلوبة على أمرها، والمنكوبة بحكامها وغاصبي سلطانها، وكان أول السطر في مقاومة عربية فريدة بزمانها ومكانها، مقاومة تبدأ بثقافة الاستشهاد، وتطور تكنولوجيا ملائمة ، ولا تنتهي إلى هزيمة في ميادين النار، بل تستنزف طاقة العدو، وتحطمه في المعني والمبني، وتضع أنفه في الرغام، وتحول قوة إسرائيل المهولة المفزعة إلى بيت عنكبوت، فلم تهزم المقاومة الجديدة أبدا، لا في لبنان ولا في فلسطين ولا في العراق،) .
هذا الكلام المحسوب يصدر هذه المرة من ( ناصروي ) وليس من اسلاموي ، وهو يضخم حزب الله الى درجة انه يلغي الامة العربية كلها ويغيب مقاومتها الاعظم في العراق ، ويسطو على مجد المقاومة الفلسطينية ويغيب حق شهداءها لانها كانت اول سطر في المقاومة العربية في العصر الحديث وليس حزب نصرالله ، ويضع حزب الله ثم ايران في مقام المقاوم الاول! والاغرب كما في حالة بقية من ينفذون خطة المخابرات الايرانية هو زج اسم المقاومة العراقية وسط هذه الدعاية الايرانية المفضوحة ! كيف تجرأ هذا ( الناصروي ) على تجاهل ان المقاومة العرقية هي التي رسمت طريق العرب التحرري بالحاق اكبر هزيمة في تاريخ الاستعمار بامريكا سيدة وحامية الكيان الصهيوني ؟ وكيف سطا ايضا على اسم تامقاومة العراقية ودسه وسط زفة تتويج حسن نصر اله وايران ملوكا على العرب والعجم مع انها تقاتل سادة حسن نصرالله الذين يغزون العراق مع امريكا ؟
ان التركيز على ( امة حسني ) واظهار العرب كلهم وكأنهم نسخ من رئيس النظام المصري واهمال ( امة شهداء ) العراق التي اذلت امريكا ويغيب ( امة شهداء ) فلسطين ، يكشف الهدف المخبوء بعناية وهو تبرئة ايران من دورها المشارك لامريكا في غزو العراق ولصق صفة المقاومة بها عبر تمجيد ذيلها وتابعها وخادمها المطيع حسن نصر الله ، فالاصل هو ايران والفرع هو نصر الله والفرع لا يمكنه ان يفوق الاصل في أي شيء . انها حيلة من يريد تزويج ابنته الكبيرة القبيحة فيظهر ابنته الجميلة الاصغر ليراها من يريد الزواج ولكنه حينما يعقد ويريد الدخول في ليلة الدخلة يكتشف ان الاخت القبيحة هي الموجودة فقط ! باسم المقاومة العراقية التي زجها الكاتب بتعمد مع انها تقف ضد ايران الاستعمارية وضد نهج حزب الله الموالي لايران يريد ان يجمل القبيح ويسوق ما هو بائر ومرفوض .
في هذه الحيلة يتعمد هذا الناصروي تمجيد حزب الله ليترك القارئ امام بديل واحد وهو اختيار دعم ايران لانها من يدعم هذا الحزب ، خصوصا وانه بدأ بحيلة لا اخلاقية وهي ايهام القارئ بان خياره محصور بين حسن وحسني فقط مع ان المواطن العربي ، وهو يرفض الانظمة العربية التي سلمت الوطن للاستعمار ، كان يرى في المقاومة الفلسطينية قبل تدجينها الامل الاعظم ، وهو يرى الان في المقاومة العراقية الامل الاعظم الجديد مما يجعل لعبة حصر الخيار في حزب الله عملا مخابراتيا دقيقا . نعم هذا الكلام معد سلفا في مطابخ المخابرات الايرانية دون ادنى شك لانه يتوافق مع الحيل الاخرى التي اعدت بعناية لمحاصرة وعي الانسان العربي بحيث لا يجد مخرجا الا بدعم ايران مع انها الشريك الاول والاخطر لامريكا في غزو العراق ونشر الفتن الطائفية في الوطن العربي .
الحيلة الثالثة عشر ايران عمق جغرافي للامة العربية
وثمة حيلة اخرى وهي محاولة الايحاء باننا نحن وليس ايران من يعمل على حرماننا من عمق اسلامي وجغرافي تمثله ايران ، ولذلك يدعو الى العمل على المحافظة على صلاتنا بايران وجعلها عمقا جغرافيا لنا ! يقول كاتب سوري علماني ( اعتقد أن مستقبل أمتنا يكمن في الوصول إلى نقاط مشتركة بين كل قوى المقاومة بكافة توجهاتها السياسية والعروبة يجب أن يكون لها عمق اسلامي في دول الجوار التاريخي ايران - تركيا – افريقيا) ، ويقول ( القطيعة التاريخية لن تفيدنا بشيء العروبة رسالة انسانية للبشرية كلها فالأولى أن تكون لدول الجوار الإسلامي التي يربطنا بها تاريخ ، ثم هل المطلوب أن نقف مع سعد الحريري ووليد جنبلاط و سمير جعع ) . لاحظوا ان الحيلة نفسها يمارسها مصري ناصروي واخر اسلاموي تونسي واخر سوري علماني ، بوضع كل من يرفض ايران ودورها الاستعماري في صف سمير جعجع ووليد جنبلاط !
الوقاحة الفريدة لا تظهر الا اذا تذكرنا ان هذا الكاتب يطعن بالمقاومة العراقية ، سيدة مقاومات العالم ، حينما يضعها في صف واحد مع جعجع وجنبلاط الابن ! في الواقع لم يسبق ان لاحظنا تشابه بل تطابق منطق جماعة ما مثلما نلاحظ في حالة انصار ايران ، فكلامهم كله منسق ومدبر ومدروس ومعمم ، من يكتب من دمشق هو كمن يكتب من القاهرة بلا أي تغيير في المنطق والحجج ، ويتساوى في ذلك الطائفي الصفوي والطائفي السني في مصر ، والعلماني في سوريا ، والماركسي – اللينيني في لبنان ! كلهم مدربون على تكرار نفس الاعلان المعد سلفا من قبل المخابرات الايرانية .
في الفقرات السابقة لابد من ملاحظة ما يلي من حيل :
1 – حيلة ان ايران جاهزة لدعم العرب ولتصبح عمقا جغرافيا لهم ، مع انها وفي ضوء تجربة ثلاثة عقود من حكم الملالي برزت كقوة معادية للعرب باصرار لا يلين ابدا وصارت الجهة الاكثر اشغالا للعرب واستنزافا لطاقاتهم ، لان مشروعها الامبراطوري يقوم على تحطيم وحدة العرب وتفتيت قوتهم واخضاعهم لها .
2 – حيلة ان ايران تمثل مقاومة مع انها اهم شريك لامريكا في غزو العراق وافغانستان .
3 – حيلة ضرورة كسب دول الجوار الافريقي والاسلامي ، وهي حيلة لا تتضح الا اذا تذكرنا بان العراق بشكل خاص قد بذل جهودا جبارة لكسب الجوار الاقليمي في اسيا وافريقيا ، خصوصا ايران وقدم لها تنازلات هائلة من اجل تحييدها ومع ذلك كانت ايران كالكيان الصهيوني تأخذ ولا تعطي وتتوسع وتستفز وتمارس التقية لاجل تحقيق مكاسب على حساب العرب ، لذلك فالدعوة لكسب ايران حيلة كبيرة تحملنا مسؤولية عدم وقوف ايران الى جانبنا والتقصير في ذلك وتبرء ايران من المسؤولية في اشعال الصراعات والحروب داخل الوطن العربي .
4 – حيلة ان العرب هم من يستفز ايران ويعاديها في حين كان يجب كسبها ، والواقع الميداني والعياني يؤكد بان العرب ، كل العرب انظمة وجماهير ، كانوا ومازالوا يريدون التعايش مع ايران ولكن ايران هي التي كانت ومازالت تريد التوسع جغرافيا وسكانيا على حسابنا ، وما شعار تصدير ( الثورة الاسلامية ) ، والذي يعني امر واحد وهو اسقاط الانطمة العربية ، الا مظهر واحد لحقيقة ان من يخلق الازمات والمشاكل هو ايران .
هذه الحيل يمارسها كتاب تقربوا من المقاومة العراقية وكتبوا لصالحها لفترة من اجل تاهليهم للوقوف في مرحلة لاحقة مع ايران مباشرة وصراحة كما يفعلون الان .
الحيلة الرابعة عشر حزب الله سيثور المقاومة في العراق
ويصل غسل الدماغ الذي مارسه حزب الله على بعض الكتاب حدا مدهشا وغريبا ففي مقال مهم للدكتور سعد قرياقوس ينقد فيه مقال مهم لكاتبة وطنية عربية كتبت فجاة مقالا غريبا يثير التأمل والتساؤل كثيرا ، يقول د. قرياقوس ( قدَّمت لنا الكاتبة تفسيرًا لمقتل عماد مغنيَّة احتوى قدرًا من عناصر الخيال واللاواقعيَّة ، بإرجاع أسباب مقتله إلى " تدخُّل حزب الله في العراق " ، وإلى الأدوار التي كانت مناطة به كمخلِّص لشعب العراق من براثن الاحتلال وقيادته لإلحاق الهزيمة بالمشروع الكوني الأمريكي ! لماذا قتل عماد مغنيَّة ؟ أكثر ما يثير الاستغراب في هذه المساهمة ، استبعاد الكاتبة غير المباشر لاحتمالات
التورُّط الإسرائيلي في اغتيال مغنيَّة لأسباب لبنانيَّة ، وربطها اغتياله بتطوُّرات مستقبليَّة واقعة خارج الفضاء اللبناني . كان من المؤمَّل أن يلعب مغنيَّة دورًا قياديًّا في حسمها . أو كما عبَّرت عنه بصيغة استفسار: " هل هوشهيد الانتصارات الماضية المنجزة ؟ ام هو شهيد تحوُّلات يمكن أن تؤدَّي إلى انتصارات ما تزال إرهاصاتها في بداياتها ، في مكان آخر ؟ " لذا ، فاغتيال مغنيَّة ، وفقًا لما لمحت له الكاتبة ، مرتبط بالتطوُّرات المستقبليَّة للمشهد السياسي العراقي ! كيف؟ تذكِّر الكاتبة بأن ساحة المواجهة الحاسمة التي "تحدِّد مصير الإمبراطوريَّة الأمريكيَّة هي ساحة العراق وليست ساحة المواجهة في لبنان وفلسطين ، فهناك ، أي، في ساحة العراق سيتقرَّر مصير المنطقة ، ومصيرالإمبراطوريَّة ، ومصير العالم "! هذه النتيحة لن تتحقَّق إلاَّ إذا وصلت "المقاومة العراقيَّة لان تكون سنيَّة- شيعيَّة ". هنا نرى الكاتبة تذكر الحقيقة ، وهي ان ساحة المواجهة الرئيسية ليست في لبنان او فلسطين بل في العراق ، لكنها تلويها بطريقة مذهلة !
يواصل د. قرياقوس عرض ماقالته الكاتبة : كما وأنَّ فشل المشروع الأمريكي لن يتحقَّق إلاَّ بعد توفُّر شرط مهمٍّ ، أو كما أخبرها من وصفته بـ " سياسي أوروبي كبير خبير بشؤون المنطقة " قبل سنتين في باريس: " لن يفشل الأميركيُّون في العراق ، ولن يتحرَّرهذا البلد إلاَّ إذا تمَّ تثوير شيعته ضدَّ الاحتلال." السيِّدة الكاتبة لم تترَّدد في التلميح إلى أنَّ اغتيال مغنيَّة مرتبط بمشروع المقاومة في العراق، أو بمساعي تثوير "شيعته". ومرتبط أيضًا بـ "تدخُّل حزب الله في العراق". بعد تقديم هذه المؤشَّرات على " تدخُّل حزب الله في العراق "، فجَّرت الكاتبة قنبلة "هوريشيميَّة " الحجم بكشفها سرًّا كان خافيًا على الكثيرين من متابعي ما يجري في أرض العراق! فالسرُّ الذي لم يعد سرًّا لها ولأنصار "حزب الله" يكمن في كون عماد مغنيَّة مسؤولاً عن تنفيذ التزام "الحزب" بالمقاومة العراقيَّة أو "المقاومة في العراق"، كما تصفها الكاتبة. ليس هذا فحسب، بل أنَّ مغنيَّة كان المشرف على عمليَّة "تثوير الشيعة "في العراق، وحقن مصل معادٍ الاحتلال بهذا المكِّون "المعوَّق وطنيًّا" من مكوِّنات شعبنا في العراق!
القنبلة "الهوريشميَّة " لم تكن الوحيدة التي فجَّرتها الكاتبة، فقد أبت إلاَّ أن تنهي مقالها بتفجير قنبلة "ناكازاكيَّة" التأثير، بإرجاعها أسباب اغتيال عماد مغنيَّة إلى تجاوزه "خطوط سايكس بيكو الحمراء والزرقاء" والليمونيَّة أيضًا لتصميمه على نقل "تجربة لبنان إلى فلسطين والعراق"! انتهى الاقتباس من دكتور سعد قرياقوس .
هكذا اذن وحسب الكاتبة فالمقاومة العراقية ( معوقة ) وجزئية وغير قادرة على تحقيق النصر الا اذا تدخل حسن نصرالله لتثويرها وتعميمها وانقاذها من طائفيتها !! ماشاء الله على هذا المنطق الغريب جدا والمثير جدا للتساؤلات ، انتبهوا لما ياتي :
1 – ثمة تأكيد واضح جدا ، وملفت للنظر جدا ، على ان المقاومة العراقية تواجه مشكلة محدوديتها في المناطق السنية ، وكادت تقول في ( المثلث السني ) هل تذكرون من هو مخترع هذا الوصف ؟ انه الاحتلال الذي اراد تصوير المقاومة العراقية وكأنها مقاومة طائفية وهو ما تقوله الكاتبة في مقالها الذي لا تصنيف له سوى انه ينتمي لادب الخيال العلمي او الرغبات الجامحة المحرمة .
2 – الشعب العراق معوق ويحتاج لمن يعاونه في تجاوز عوقه فياتي قاتل العراقيين في السفارة العراقية في بيروت ومن قاتل العراقيين اثناء الحرب التي فرضتها ايران على العراق عماد مغنية ليقوم بالمهمة !
3 – الكاتبة تتجاهل حقيقة ثابتة وهي ان المشلكة في العراق ليست عجز المقاومة عن تثوير شيعة العراق ، فهم في الواقع في قلب المقاومة المسلحة فحوالي 65 – 70 % من شهداءها من جنوب العراق ، بل المشلكة في ايران ، سيدة حسن نصرالله المطلقة ، التي تركز جهدها على تصفية المقاومين الشيعة في الجنوب ومعاملتهم بقسوة اشد من معاملة اهل الوسط لانهم ، من وجهة نظرها ، ( شيعة صدام ) . نعم المقاومة العراقية كانت اضعف في الجنوب من الوسط والشمال ولكن السبب الرئيسي هو ايران وفرق موتها ومخابراتها والاحزاب التابعة لها ، والتي تولت مهمة تصفية كل من يحمل السلاح ضد الاحتلال . فهل يمكن لعميل ايراني كعماد مغنية ان يقوم بدور ( تثويري ) للمقاومة العراقية اذا كانت ايران هي الشريك الاول والاهم لامريكا في غزو وتدمير العراق ومحاربة مقاومته المسلحة ؟ وهل تنسى الكاتبة المحترمة ان عماد مغنية هو من درب جيش المهدي على ابادة العراقيين على اسس طائفية وقتل مئات الفلسطينيين في العراق لمجرد انهم عرب ؟
4 – تتجاهل الكاتبة المحترمة حقيقة ان ايران تخوض صراعا تنافسيا مع امريكا حول تقاسم الفنوذ في العراق وكل الاقطار العربية ، وهو امر اعترفت به امريكا وايران وعقدت بموجبه سلسلة لقاءات بين ايران وامريكا رسميا من اجل ما وصفه رسميا احمدي نجاد بانه ( محاولة مساعدة امريكا على الخروج من العراق ) . فهل يمكن لمن يتقاسم النفوذ مع امريكا ان يثوّر مقاومة ؟ وكيف تكون ايران وهي شريك امريكا الاهم في غزو العراق مقاومة للنفوذ الامريكي الا اذا كان المطلوب هو طرد امريكا كي تنفرد ايران باستعمار العراق كما دعا خامنئي تحت غطاء ملأ الفراغ في العراق ! وكيف يكون حسن نصرالله عمل على دعم المقاومة العراقية وهو من درب جيش المهدي من اجل تصفيتها ؟
5 – ترسم الكاتبة للمقاومة العراقية صورة بائسة تجعلها بحاجة لعون عماد مغنية وانقاذه لها برسم طريق تحولها الى ثورة قادرة على الحاق الهزيمة بامريكا ! ونست الكاتبة انها اعترفت ، هي وغيرها ممن يعرفون معنى الستراتيجية ، بان المقاومة العراقية هي اعظم واهم مقاومة في تاريخ الانسانية تفجرت في بيئة معادية لها وبدون دعم دولي او اقليمي وانها ، كما اعترفت ، المقاومة الرئيسية التي تخوض الصراع الرئيسي في المنطقة والعالم واستبعدت المقاومة الفلسطينية وما يسمى ب ( المقاومة اللبنانية ) من معسكر من يخوضون المعركة الرئيسية .
هذه الصورة السلبية التي رسمتها للمقاومة العراقية ، بجعلها معوقة وبحاجة ماسة لدور عماد مغنية ليثورها ، تقدم شعب العراق ، شعب صدام الشهيد وشعب الاربعة ملايين شهيد منذ فرض الحصار وحتى الان ، كأنه يفتقر للقادة الان وعاجزا عن انجاب القادة والابطال ، مع ان ساحة العراق تشهد تمريغ انف امريكا في الوحل الان بذكاء وبطولة ابناء العراق ، وهو انجاز تاريخي عظيم وفريد عجز كبار العالم عن تحقيقه ، مثل الاتحاد السوفيتي السابق والصين واتحاد اوربا الذين احنوا رؤوسهم لامريكا وعاصفتها العاتية في حين ان شعب العجب ، كما كان سيد شهداء العصر صدام حسين يحب ان يصف شعب العراق ، هو وحده من اذل امريكا وهزمها مع انها تنفرد بحكم العالم . مع الاسف الشديد ان تتورط وطنية نحترمها بتقديم صورة لشعب العراق ومقاومته الباسلة لم ترسم مثلها حتى الدعاية الامريكية المعادية للعراق ومقاومته .
ان السؤال الذي يجب طرحه الان هو : هل حقا ان المقاومة العراقية بحاجة لخدمات عميل ايراني قتل الكثير من العراقيين كعماد مغنية ؟ والسؤال الاخر المهم هو : ما الهدف من ترويج هذه القصة العجيبة الغربية عن قتل عماد مع ان هناك قصة مرجحة وهي ان عماد قد صفته المخابرات الايرانية ذاتها بسبب ما حام حول تصرفاته من شكوك اثناء العدوان الاسرائيلي على لبنان ، واحد الادلة على صحتها هو ان احد لم يعرف ما هي نتائج التحقيق في مقتله في سوريا مع ان المخابرات السورية تعاونت مع المخابرات الايرانية في التحقيق ؟
يتبع
الحيلة الخامسة عشر : المقاومة العراقية تحولت الى حرب طائفية
في مقابلة مع الجزيرة في الاتجاه المعاكس لم يتردد ناصروي لبناني في القول بان المقاومة العراقية قد تحولت الى صراع طائفي ، في تناس مذهل لما يجري في العراق وقت بث المقابلة وليس قبلها ، وبالاخص تناسي ان المقاومة كانت في اوج تألقها حينما قال ذلك ! هذا ( القومي العربي ) ! كان يمتدح المقاومة العراقية في بداية الاحتلال لكنه غير موقفه واخذ يتجاهلها ، ثم عمد الى وصفها بانها صارت حربا طائفية ! لم فعل ذلك ؟ بالتاكيد انه كان يعرف ان ما قاله غير صحيح لان العالم كله يتابع تصاعد عمليات المقاومة في نهاية عام 2008 وبداية عام 2009 في تطور يعد احد اهم مظاهر اعجاز المقاومة العراقية ، لكنه اراد اشباع عقدة البعث لديه بمحاولة عدم الاعتراف باي فضيلة للبعث حتى لو كانت المقاومة العراقية لا تقتصر على البعث ، لان الاعتراف بانها ، هي وليس غيرها ، الرقم الاصعب والاهم في معادلة الصراع الستراتيجي العظيم في الوطن العربي سوف يسقط تقديرات سابقة واراء سلبية سابقة طرحت حول البعث .
كما ان القول بان المقاومة العراقية تحولت الى حرب اهلية طائفية يفسح المجال لابراز مقاومة حماس وحزب الله بصفتهما المقاومة الوحيدة في الوطن العربي ، ومن ثم امتلاك سلاح مهم في الدفاع عن ايران بصفتها داعم حماس وحزب الله ، واخيرا فان وصم المقاومة العراقية بالطائفية سوف يوقف نقد طائفية حزب الله ويبلور فكرة مدمرة عن المقاومة وهي ان كل المقاومات العربية قد اصبحت طائفية . انها نفس اللعبة الايرانية والامريكية والصهيونية التقليدية المشتركة القائمة على تحويل الصراع الاقليمي من صراع تحرري الى صراع طائفي – عرقي ، ولكن باداء مختلف واشخاص مختلفين هذه المرة .
ومما له دلالة تحدد طبيعة توجه هذا الناصروي اللبناني هو ان الطابع الطائفي الذي اراد لصقه بالمقاومة العراقية قد تمت تصفيته وتحييده بصورة عامة بعد ان ظهر لدى فصائل ثانوية الحجم والقوة ، ولم يقله حينما كانت هذه الفصائل تمارس اسلوبا طائفيا . فما معنى ذلك ؟
الحيلة السادسة عشر تجاهل المعايير الكلاسيكية لمفهوم القومية والوطنية
ومما يلاحظ بقوة ان من يدافعون عن حزب الله وايران يتعمدون طمس واهمال المعايير التقليدية لمفاهيم العروبة والقومية والوطنية والتي كانت حتى نهاية السبعينيات تعد المقرر لكل تقويم وموقف سياسي ، والقائمة على تحديد المواقف في ضوء المصلحة العربية العليا ، واهمها الدفاع عن كل ارض عربية وكل قضية عربية وعدها جزء من واجبات كل عربي . ولكن مع ظهور خميني في عام 1979 بدأت المعايير تتغير من دون تفسير مقنع ، فالرابطة الوطنية والقومية تهمل بناء على طرح خميني لبديل ديني اولا عده سابق على ، واهم من الرابطتين الوطنية والقومية ، ثم وبعد ان ادى البديل الديني دوره في اضعاف الرابطتين القومية والوطنية وفسح المجال للرابطة الدينية ان تحل محلهما في وعي البعض انتقل الى تغليب الرابطة الطائفية على الرابطة الاسلامية العامة . وقد تم هذا التحول الاخير في زمن خليفة خميني علي خامنئي .
ان الحط من شأن المعايير الوطنية والقومية كان لابد منه للسماح ببروز وطغيان الاحزاب والتيارات الاسلاموية الشيعية والسنية في الوطن العربي والتنحية الخطيرة للقوى الوطنية والقومية . خصوصا وان التيارات الاسلاموية اعدت بصورة عقلانية ومنطقية للقيام بدور البديل المقنع للتيارات القومية التي اتهمت بالفشل ، وروجت فكرة مضللة وهي ان الوطنية والقومية تتناقضان مع الاسلام ! ان صمت من يدافع عن ايران عن خرق المفاهيم الوطنية والقومية واهمالها بصورة فجة عند الدفاع عن ايران يعد اسلوبا من اساليب الاحتلال والتضليل ، لان التذكير بالثقافة الوطنية والقومية يضع من يدافع عن ايران وحزب الله امام تحد حقيقي وهو هشاشة حجة الدفاع عن ايران التي تحتل اراض عربية كالكيان الصهيوني وتنشر الفتن الطائفية ، كما ان الدفاع عن حزب الله يصبح ساقطا لانه يجمّل وجه ايران رغم انها دولة استعمارية ، والاهم ان ولاءه الفعلي والرسمي هو لايران وليس للبنان ولا للامة العربية .
ويكفي هنا ان نذكّر بان حسن نصر الله هو الوكيل الرسمي لعلي خامنئي في لبنان ، مع ما يعنيه ذلك من تبعية صارمة لا تقبل النقاش من قبل حسن نصرالله لعلي خامنئي ، طبقا لمفهوم ولاية الفقيه الذي يجعل من المقلد او الوكيل مجرد تابع عليه واجب التنفيذ فقط ولا يحق له الاعتراض والا كفر واخرج من ( الملة ) . وابرز دليل على هذه التبعية المطلقة والتي تصل حد العبودية ان حسن نصرالله يقبل يد خامنئي كلما التقاه تعبيرا عن طاعته وولاءه التام ! وهنا تبرز المشكلة : اذ ان خامنئي يخدم مصالح ايران الوطنية ، كما يؤكد الدستور الايراني ، مما يجعل طاعة حسن نصرالله له خدمة مباشرة لايران ومصالحها القومية ، وبما ان ايران تنفذ سياسة تنتاقض مع مصالح لبنان والاقطار العربية فان حسن نصرالله يتخلى عن هويته القومية والوطنية من اجل ايران .
والسؤال الذي لابد من الاجابة عليه هو : هل وفق حسن نصر الله بين مفهوم الوطنية والذي يقوم على حماية مصالح الوطن القطري وعدم التفريط بها من اجل أي بلد اجنبي وبين وكالته لعلي خامنئي والتي تعني تنفيذ اوامره ؟ الجواب هو كلا بالتاكيد فاحداث ما بعد تحرير جنوب لبنان تؤكد ان ممارسات حزب الله كلها ، ودون أي استثناء ، كانت لخدمة ايران وتنفيذ طلباتها ، وهو ما اصطدم بالقاعدة الاساسية التي تتحكم بوجود ووحدة لبنان وهي قاعدة التوافق ، التي تعني اول ما تعني موافقة كل المكونات اللبنانية على أي سياسية عامة قبل تنفيذها . ان ما قام به حزب الله في صيف عام 2008 من غزو لبيروت بقوة السلاح ، وهو ما ادى الى مقتل عشرات اللبنانيين مستغلا سلاح المقاومة لقتل اللبنانيين ونسف قاعدة التوافق التي ضمنت وحدة لبنان في العقود الماضية ، يؤكد بلا ادنى شك انه ليس حزبا وطنيا لبنانيا وانما هو ذراع ايرانية مسلحة وقوية ومؤهلة للانقضاض على من يحاول الحد من نفوذها عند تنفيذها لاوامر ايران .
علينا ان لاننسى ابدا ان ايران ليست دولة عربية وانها دولة لها ثأرات مع العرب منذ أفول الامبراطورية الفارسية بعد هزيمتها على يد الفاتحين العرب المسلمين ، كما علينا ان لا ننسى انها كانت ومازالت لها مطامع في الارض والمياه العربية ، وقامت باحتلال الاحواز العربية وتحاول تفريسها بدافع عنصري معروف ، كما انها احتلت الجزر الاماراتية الثلاثة ، وتريد البحرين رسميا ، ونشرت وتنشر الفتن الطائفية في الوطن العربي ، وتصر على استخدام تسمية قومية فارسية للخليج العربي وترفض مقترح المؤتمر الاسلامي بتسمية الخليج بالخليج الاسلامي بدل العربي او الفارسي .
ما معنى هذ السياسات الايرانية ؟ انها تعني بكل تأكيد ان ايران تتبع سياسات قومية وليس اسلامية او طائفية ، لذلك فان دعم ايران وتنفيذ اوامرها هو خيانة للوطن وتفريط بمصالحه الاساسية ، كما تعلمنا منذ نعومة اظفارنا ، خصوصا في الحقبة الناصرية التي كان فيها المرحوم عبدالناصر يدعم حركة تحرير الاحواز المحتلة من اجل انفصالها عن ايران .
كان حزب الله ، وقبله حزب الدعوة ، يدعي ان ايران تتبع سياسة اسلامية لذلك فان دعمها هو خدمة للاسلام ، وبما ان الوطنية رابطة يرفضها الاسلام فان العلاقة مع ايران لا غبار عليها ! ولكن ما صدر عن ايران من سياسات قومية توسعية شوفينية منذ الحرب التي فرضتها على العراق اثبت بالادلة القاطعة ان ايران تمارس سياسات قومية استعمارية ، الامر الذي اعاد من جديد طرح مسالة الخيانة الوطنية الناجمة عن التبعية لايران .
ان ما يفضح حزب الله كحزب عميل رسمي لايران هو السؤال التالي : هل سياسات ايران قومية ووطنية ام اسلامية ؟ ان الجواب الاكيد خصوصا بعد غزو العراق هو ان ايران دولة قومية صرفة وما الدين والطائفة الا ستاران للخداع وتضليل الناس من اجل خدمة المصلحة القومية الايرانية ، وترجمت هذه الحقيقة بوجود صراعات حادة وعدائية بين ايران والامة العربية حول المياه والحدود والارض ، لذلك فان الطاعة العمياء من قبل حزب الله لاوامر زعيم ايران هي تفريط بمصالح لبنان والامة العربي .
ملاحظة مهمة جدا : كان الفرق الرئيسي والتناقض في المفهوم بين التيار القومي والتيارات الوطنية العربية والتيارات الاسلاموية هو ان التيارات الوطنية والقومية تعد الوطن الصغير هو القطر والوطن الكبير هو الامة العربية ، اما الاسلامويون فانهم كانوا ومازالوا يرون ان الوطن هو الاسلام بحدوده العالمية ، لذلك لا فرق بين جنس واخر وامة واخرى ، ومن ثم فان التعاون مع مسلم اخر لا ينتقص من الايمان . ان هذا الفرق الجوهري والحاسم بين المفهوم الوطني والقومي من جهة والمفهوم الاسلاموي من جهة اخرى كان يتحكم بمواقف القوى السياسية دون تردد او غموض او وسطية ، اما الان فان تجربة غزو العراق وانكشاف الهوية القومية العنصرية للسياسات الايرانية بعد ان شرعت بغزو الاقطار العربية ، من العراق الى اليمن وما بينهما ، قد اسقط المفهوم الاسلاموي واثبت بان للدولة ، أي دولة ، مصالح قومية تطغى على ماعداها وان الاسلام كان ومازال واجهة للتوسع الجغرافي على حساب الامة العربية .
الحيلة السابعة عشر رفع شعار ( تجنبوا سياسة فرق تسد )
هناك امراة غامضة الهوية تكتب بالانكليزية غالبا وتحمل اسما مصريا وتستخدم عنوان بريد الكتروني فرنسي نشطت في دعم المقاومة العراقية بصورة ملحوظة من عام 2004 واخذت توزع مقالات وبيانات تدعم المقاومة العراقية وتبدي استعدادها للمعاونة في أي عمل تكلف به لدعم المقاومة ، وبقيت على هذا الحال حتى عام 2006 حينما بدأت الحملة المضادة للقوى الوطنية العربية وخصوصا انصار المقاومة العراقية على ايران تتخذ شكلا فعالا ومؤثرا في الاوساط العربية وشملت كشف دور حزب الله في خدمة المخطط الاستعماري الايراني الخطير ، عندها بدأت تكشف عن مواقف تقدم مؤشرات على هويتها الحقيقية ودورها الحقيقي ، اذا انها اخذت تنشط بقوة في الدفاع عن ايران ، بعد ان اكتسبت هذه الناشطة الغامضة سمعة انها تؤيد المقاومة العراقية ، وترويج الدعاية لصالحها ولصالح حزب الله ، وكانت تردد دائما فيما توزعه من بيانات ومقالات مؤيدة لايران ولحزب الله يكتبها نفس من اقتطفنا منهم فقرات في هذا التحليل ، بان من الضروري الانتباه الى سياسة ( فرق تسد ) وان المطلوب هو وحدة المسلمين وقوى المقاومة بما فيها ايران وحزب الله .
ان التحذير من سياسة فرق تسد ظاهره صحيحة ، ولكن هذا التحذير لم يكن هدفه الضغط على ايران للتوقف عن سياساتها المشاركة لامريكا في الغزو بل لدعمها ورفض نقدها وفضح سياساتها ، لان ذلك يفرق الصفوف ويخدم سياسة فرق تسد كما تقول فيما توزعه ! ووصلت هذه المراة الى مرحلة الهستيريا في دعم ايران في عام 2008 لدرجة ان كل ما كانت توزعه كانت تتصدره عبارة انتبهوا لسياسة فرق تسد ، ولم توجه يوما نقدا لايران على دورها في العراق وكأن المطلوب هو الصمت على الدور الايراني في العراق والمنطقة احتراما لشعار فرق تسد مع ان ايران هي من تفرق بتعمد ووفق خطة اصبحت اكثر من واضحة كي تسود في الوطن العربي !
لقد انكشفت هذه المراة رغم ذكاءها حينما وصلت الى حد الدفاع عن ايران في قضايا جوهرية وليست ثانوية كغزو العراق ، واصرت رغم نصحها من قبلنا ، على رفض ادانة ايران وسياساتها في العراق وغيره . لقد طرح سؤال محدد من هي هذه المراة ؟ ومن يقف خلفها عند لعب هذا الدور ؟ كانت ذكية جدا في لعب دورها فهي كانت تدعم المقاومة العراقية وتوزع مقالات وبيانات داعمة لها لكنها كانت تدس مقالا واحدا يمتدح ايران مع مجموعة بيانات ومقالات تؤيد المقاومة العراقية ، فتضمن بذلك ايصال افكار لصالح ايران الى اوساط من يدعمون المقاومة العراقية ! لقد كان اصرارها على ان ايران ليست مسؤولة عن الفتن الطائفية ولا عن اعمال فرق الموت وان امريكا هي وحدها المسؤولة عنها هو ما سلط اضواء الشك حول هويتها الحقيقية ، خصوصا حينما نوقشت حول ذلك وكانت تقول سوف افكر او اسئل واجيب ! تسال من ؟ ومن يوجهها ؟ هل هي ايرانية ؟
وما تؤكده هذه القضية هو ان ايران – كما المخابرات الامريكية والبريطانية - قد اعدت عشرات الاشخاص ، ايرانيون وعرب مرتزقة ، كي يعملوا في صفوف الوطنيين العرب مع انهم ينفذون سياسات ايرانية بصورة قوية ، لكن هذه اللعبة تنجح لفترة وعندما تواجه تحدي الواقع تنكشف وتفقد مفعولها ، كما حصل حينما لم يعد بالامكان الدفاع عن الموقف الايراني في العراق بشكل خاص نتيجة الانتقال من حالة التنسيق الايراني مع امريكا من السرية الى العلنية والرسمية .
الحيلة الثامنة عشر الفتن الطائفية عمل امريكي صهيوني
من الحيل التي برع في ممارستها اللوبي الايراني في المؤتمر القومي العربي ، وهو المنبر الاول والاهم لايران، وغيره من المنابر ، حيلة تبرئة ايران من الفتن الطائفية ولصقها بامريكا والكيان الصهيوني فقط مع ان الحقائق الميدانية تثبت بلا أي غموض ان المروج الفعال والاخطر والناجح لهذه الفتن هو ايران وليس غيرها ، لسبب بسيط هو ان امريكا والكيان الصهيوني وبريطانيا فشلت في ترويج الفتن الطائفية لانها قوى استعمارية مكشوفة وكانت الجماهير العربية والقوى السياسية تملك حصانة ضد كل ما تروجه ، من هنا فان تاريخ النجاح في نشر الفتن الطائفية هو تاريخ الدور الايراني في عهد خميني واتباعه ، والسبب هو استخدام الاسلام غطاء لنشر الفتن وعدم وجود حساسية او حصانة ضد ايران ( الاسلامية ) نتيجة تداخل الخنادق بيننا وبينها .
لم يصر اللوبي الايراني بوقاحة على انكار أي دور لايران في نشر االفتن الطائفية والصاق التهمة بامريكا والكيان الصهيوني فقط ؟ السبب واضح وهو ان تبرئة ايران يسمح لها بمواصلة نشر الفتن دون عوائق عربية فعالة ويحول الجهد العربي في هذا المجال الى محاربة الشبح الذي يروج للفتن وليس للطرف الحقيقي . نعم امريكا هي المظلة التي تحتمي بها الفتن الطائفية ، نعم امريكا هي من تغذي هذه الفتن ، لكن الذي يروجها وينشرها بنجاح ملحوظ هو ايران وليس غيرها الذين يستفيدون من الفتن . ونفي هذا الدور الايراني من قبل المدافعين عن ايران يسمح بزيادة دعم حزب الله في الوطن العربي دون التعرض لنقد قاس مادامت امريكا والكيان الصهيوني وليس ايران من ينشر الفتن الطائفية . ان نظرة سريعة لمن يؤجج الفتن الطائفية تقدم لنا الجواب ، فان من تدعمهم ايران هم من يقومون باثارة الفتن الطائفية تحت شعارات مزيفة مثل ( المظلومية الشيعية ) ، وهم من يقومون بالقتل على الهوية الطائفية في العراق ، مثل جيش المهدي وحزب الدعوة والمجلس الاعلى وكل هؤلاء يدعون انهم احزاب شيعية ! اذن كيف تكون الطائفية ونشرها وتأجيجها اذا لم تكن هذه ؟
والاغرب هو ان هذا اللوبي يتناسى حقيقة يعترف بها حزب الله وهي انه حزب طائفي الهوية والطبيعة . فتبعا لوثائقه فان حسن نصرالله هو الوكيل الرسمي لعلي خامنئي المرشد الاعلى في ايران ، في لبنان ، وبصفته هذه فانه تابع بصورة صارمة وحازمة لعلي خامنئي وغير قادر على اتباع أي نهج يتعارض مع اوامر ونهج خامنئي . وعنصر التبعية المطلقة هذا نتاج انتماء طائفي واضح فلولا طائفية نصرالله لما صار تابعا وعبدا لخامنئي يقبل يده كلما ( تشرف ) بلقاءه ! كما يجب ان لا ننسى حقيقة رسمية وهي ان اعضاء حزب الله ينتمون لطائفة واحدة فقط مما يجعل نفي الهوية الطائفية لهذا الحزب عملا احمقا وغبيا . والسؤال هنا هو هل يمكن انكار طائفية حزب نصرالله مع انه يؤكدها بالفم المليان ويفتخر بها كما فعل نصر الله حينما قال ( انني اتشرف بانني من حزب ولاية الفقيه ) وولاية الفقيه مفهوم طائفي متطرف وتام ؟
الحيلة التاسعة عشر اظهار الفصائل الاسلامية والتعتيم على الفصائل القومية
وحينما يضطر هؤلاء للاعتراف بان المقاومة العراقية هي القوة الرئيسية فانهم يلجأون الى حيلة منفرة وهي القول بان المقاومة العراقية تتشكل من فصائل اسلامية وان البعثيين غير موجودين فيها او ان دورهم ثانوي ! لقد رددوا هذه الحيلة رغم ان شهداء مقاومة البعث المسلحة اكبر من مجموع كل الاحزاب العربية في الوطن العربي ، واكبر من مجموع كل الفصائل المقاتلة في العراق ، ورغم ان العمليات المسلحة التي يقوم بها المجاهدون البعثيون تشكل رقما كبيرا يلمسه كل عراقي في الداخل ! ان انكار مقاومة البعث ، الوطنية والقومية والاسلامية ، يقصد به تحقيق هدف خطير وهو انه بعد استبعاد الفصائل البعثية من العمل الجهادي تبقى فصائل اسلامية واخرى اسلاموية بعضها طائفي مما يجعل بامكان من يريد الحط من شأن المقاومة العراقية القول بانها مقاومة طائفية فتسقط المقاومة العراقية من عليائها ومجدها الفريد ! وهكذا يفسح المجال لحزب الله ليملأ الفراغ في ضمير الجماهير العربية ، بعد ان اصبحت كل الفصائل ، في العراق ولبنان وفلسطين ، طائفية ولا فرق بينها وانعدمت الهوية الوطنية او القومية لها ، وهي عملية تجيّر تلقائيا لخدمة ايران كما راينا بانتظام ، وتلك هي واحدة من اهم اشكال شيطنة البعث ومقاومته المسلحة .
يتبع
رد: المدافعون عن الاستعمار الايراني : من هم ؟ - صلاح المختار
وظيفة الحيل
في هذه النصوص المقتبسة من تونسي ومصري وسوري ولبناني ، اسلامويون ومدعي الناصرية ، ومن اخرين ، وبالاضافة لما تقدم ، نجد هؤلاء يكررون استخدام الحيلة التقليدية التي تروجها الدعاية الرسمية الايرانية وهي وضع ايران في مكان ( المقاوم ) لامريكا والكيان الصهيوني وتعمد اخفاء الدور المساوم لها ، والزج القسري لايران في صف الداعمين للمقاومة ، ومن ثم محاولة ابتزاز من ينتقد ايران ، بسبب مواقفها الخطيرة في العراق والاحواز والجزر ونشر الفتن الطائفية ، بمقولة مبتذلة ومكشوفة ، اعدتها المخابرات الايرانية وطلبت من اتباعها استخدامها في الرد على من ينتقد ايران ، كما اكدت وثيقة ايرانية حصلت عليها المقاومة العراقية من ضابط مخابرات ايرانية وقع في الاسر ونشرتها شبكة البصرة ، وهي الاتهام بالاصطفاف مع امريكا واسرائيل ، مع ان الواقع المعاش والكارثي يثبت بالادلة والوقائع ان ايران متلاقية ستراتيجيا مع امريكا والكيان الصهيوني ومتعاونة معهما بقوة ووضوح تامين حول امر خطير جدا وهو محو الهوية العربية والقضاء على القومية العربية ، وما يجري في العراق والاقطار العربية يثبت ذلك بلا لبس ! ويصل الانحطاط الاخلاقي مستوى وقاحة لا يمكن السكوت عليها بقيام بعض اتباع ايران حتى باتهام المقاومة العراقية وانصارها بخدمة امريكا والصهيونية نتيجة لكشف ايران وادانة سياستها في العراق والوطن العربي !
يمارس الطابور الايراني الخامس هذا اشد انواع الدعاية الايرانية مرواغة ، متمثلا بطرح ثنائية مضللة وهي ثنائية موقف النظام المصري ( الموالي ) للغرب مقابل ايران ( المناهضة ) لامريكا ، في محاولة لاخفاء المناهض الحقيقي لامريكا في كل الاقليم وهو المقاومة العراقية ، لان ابراز المقاومة العراقية والاعتراف بدورها الرئيسي في مقاتلة امريكا ، يجرد ايران من أي صفة ايجابية حتى ولو على سبيل الدعاية . والتمويه والتضليل هنا يكمن في تضخيم صراع اللصوص بين امريكا وايران حول المغانم ويحوله زورا الى صراع ( تحرري ) رئيسي . ويكمل رسم هذه الصورة الزائفة لايران تجاهل الطابور الخامس الايراني التام والموحي للدور الايراني في العراق مع انه اخطر بكثير على الحقوق والمصالح العربية والامن القومي العربي من الموقف الرسمي المصري من غزة ، ومن موقف الكيان الصهيوني وامريكا من الصراع العربي الصهيوني برمته بعد ان دخلت حماس وغيرها نفق التسوية السياسية بقبول حل الدولتين ، وهذه حقيقة يجب الانتباه اليها لانها تظهر عورات الطابور الايراني الخامس بكامل تفاصيلها المقرفة .
كما يجب الانتباه الى حقيقة بارزة أخرى وهي إهمال الطابور الخامس الايراني المتعمد لموقف المقاومة العراقية من ايران ، وهو انها تعدها عدوا رئيسيا كامريكا ، لان تذكر ذلك ومعرفته يجرد افراد الطابور من القدرة على استخدام اسم المقاومة العراقية في دعم ايران وينسف الايحاء بدعمهم للمقاومة العراقية من اجل اختراق صفوف الوطنيين . ويجب الانتباه الى تكتيك خبيث اخر وهو ادعاء هؤلاء بان من يثير الصراعات القديمة بين العرب والفرس يخدم امريكا والكيان الصهيوني ، وهذا التكتيك تنكشف اغراضه الايرانية بتذكر ان المقاومة العراقية تعد ايران عدوا رئيسيا كامريكا والكيان الصهيوني بناء على دورها التخريبي والخطير الحالي في العراق والاقطار العربية ، وهو دور المبادر والمهاجم والمكمل للدورين الامريكي والصهيوني ولا يمكن تجاهله او اغفاله ، باي صيغة وصورة ، خصوصا وان ايران تعترف به ، بممارساتها اليومية مع العرب وبتعاونها مع امريكا مباشرة ورسميا ، وليس استنادا الى صراعات تاريخية مريرة نساها العرب ، وتلك خطيئة كبرى ، مع ان ايران لم تنساها وتتحرك بتأثيرها وباحقاد الماضي ، كما نرى منذ الحرب التي فرضتها ايران على العراق في عام 1980 وحتى الان .
ان اهمال وتجاهل المقاومة العراقية ودورها الحاسم في احداث الوطن العربي والمنطقة لا تتكشف ابعاده الا اذا تذكرنا انها قطب الرحى والقوة الاساسية المقررة في المقاومة العربية وليس حزب الله ، الذي انتقل من المقاومة بعد تحرير جنوب لبنان الى المساومة وخدمة ايران مباشرة وعلنا ، او حماس ، التي انتقلت من تحرير كل فلسطين الى الاكتفاء بدويلة قزمة ومقزمة في الضفة والقطاع ، كما سنرى .
المقاومة العراقية التي ادانت ايران كقوة استعمارية وحددت طبيعة الدور الحقيقي لحزب الله ، بصفته تابعا كليا لايران طبقا لولاية الفقيه ومن ثم فانه منفذ لاهداف ايران الاستعمارية ، تعد ، واقعيا وفعليا ، العنصر الرئيسي والمقرر في الصراع الدائر لانها هي ، وليس ايران او الاخوان المسلمين او حزب الله ، حسب تعداد الاسلاموي التونسي ، من تخوض حرب التحرير مع امريكا ، القوة الاستعمارية الاكبر والاخطر في عصرنا والتي تستمد اسرائيل القوة والحماية منها .
ايران ، في اطار بانوراما الصراع الكبير والمعقد هذا ، تبدو في الواقع ، وطبقا لتوصيف علمي دقيقي ، تمارس لعبة عض اصابع مع امريكا من اجل مساومة اقليمية على حساب العرب ، اما حزب الله فانه يخوض صراع ديوك مع الكيان الصهيوني منذ تحرير جنوب لبنان ، حيث انتهى دوره المقاوم ليبدأ دوره المساوم كما سنلاحظ فيما بعد . ومن الملاحظات غير المدهشة والمتوقعة جدا في موقف الاسلاموي التونسي اضافته لقطر الى معسكر تطلق عليه تسمية مدهشة كأفلام هولي وود هي معسكر ( الممانعة ) ، وأضافة قطر تعد مزحة ثقيلة نبهتنا الى هوية التونسي الحقيقية ، دققوا فيه مرة اخرى : علماني على الطريقة الفرنسية ، وبراغماتي على الطريقة الامريكية ، و( مرتدي ) لحية على طريقة خميني ، ويصر على اداء الصلاة دائما على ( الطريقة ) القطرية المشهورة عالميا ، انه مزاح جاد ! ولكن : هل سمعتم قبل الان بوجود مزاح جاد ؟
حينما يحاول الطابور الخامس ان يخفي اعلى جبل عربي شامخ في هذه المرحلة التاريخية من نضال امتنا العربية ، وهو المقاومة العراقية ، ويبرز على نحو مصطنع نتوءات جغرافية هي اقرب للسهول ويصورها كأنها جبال رواسي فان هدفه الواضح هو اخفاء الدليل الحاسم على جريمة ايران في العراق . ان تجاهل واهمال المقاومة العراقية ، ورايها ودورها ، والتضخيم والتفخيم المصطنعان لدور حزب الله وحماس خارج كل معيار ستراتيجي ومنطقي ، يسمح بتزويق وجه ايران البشع المغموس بدم ودموع ملايين العراقيين ، الشهداء والمعذبين والمهجرين بفضل جيش المهدي ، الذي دربه حزب الله على القتل ، وفيلق بدر الذي دربته ايران على أبادة العرب في العراق !
لكن الله بالمرصاد لاولياء الشيطان الاصفر : فضيحة ( ايران جيت ) او( ايران كونترا ) ، وتلقي ايران خميني السلاح من الكيان الصهيوني ، ومشاركة ايران الرئيسية والحاسمة في اكبر جرائم العالم المعاصرة ، وهي غزو العراق وتدميره وتهجير ستة ملايين من اهله وقتل مليوني عراقي فقط بعد الغزو ، وجريمة نشر ايران للفتن الطائفية في الوطن العربي ، أضافة للمشاركة الايرانية الحاسمة ايضا في مساعدة امريكا على النجاح في غزو افغانستان ، لعنات الله هذه تبقى شوكات فولاذية وليس شوكة واحدة فقط في حلق من يدافع عن ايران لانها ادلة كافية لاثبات التلاقي الستراتيجي الامريكي - الايراني – الصهيوني ، وليس التكتيكي ، والذي يجعل ايران عمليا ورسميا وموضوعيا الشريك الاول لامريكا في غزواتها الاستعمارية في الوطن العربي والمنطقة .
ان هوية الطابور الخامس الايراني الحقيقية حددها بنفسه بتجاهل غزو العراق ، واوضح دليل على هذا التجاهل هو دعمه الفعلي لايران في موضوع غزو العراق ، مع انه اخطر كارثة حلت بالامة العربية بعد احتلال فلسطين ، وهو غزو بمفاعيله واثاره يبدو الان اخطر مما حدث لفلسطين على اساس ان تدمير العراق هو عمل يقصد به انهاء وجود الامة العربية بينما كان غزو فلسطين اقتطاعها لتكون نقطة بداية لدفن الامة العربية ، والفرق واضح بين نقطة البداية ونقطة الذروة الحالية . هل يجهل الطابور الخامس ، ام يتجاهل ، ان العراق قد تم غزوه بفضل تعاون امريكي ايراني رسمي ومعلن وموثق وقائم على الارض ؟
لنعيد عرض ام الحقائق فهي دامغة وحاسمة : فلقد اعلن محمد علي ابطحي نائب الرئيس الايراني في ندوة دولية علنية في الامارات العربية في عام 2004 بانه ( لولا مساعدة ايران لما نجحت امريكا في غزو افغانستان والعراق ) ، والسؤال هو هل يعرف الطابور الخامس معنى هذه ال( لولا ) الشرطية ؟ انها تعني بوضوح ان عدم دعم ايران للغزو الامريكي للعراق كان سيقود الى فشله ، وتورط امريكا بحرب كانت ستدمرها خلال اسابيع وليس سنوات نتيجة عدم قدرتها على تحمل اعباء مالية وبشرية اكبر من قدرتها على تحملها ، لكن دعم ايران الفعال والكبير مهد الطريق لامريكا لغزو العراق والحاق اكبر الاذى بالعراقيين ، ونجح ( الدعم الايراني ) في تسخير طابور خامس داخل العراق في المشاركة في مقاتلة شعب العراق وقواته المسلحة ومقاومته الشعبية .
واكملت ايران دورها الداعم للغزو الامريكي عندما كرسته ورسخت اركانه ، حينما اصبحت العصابات التابعة لايران في العراق القاعدة الاساسية للغزو ، مثل الحكومات والميلشيات وفرق الموت واجهزة الامن التي تبيد العراقيين يوميا . هل يجهل الطابور الايراني الخامس ، ام يتجاهل ، من هو المالكي والجعفري ومقتدى الصدر ، والاخير هو ابشع جزار ايراني على الاطلاق لانه لعب دور ( المطهر ) الطائفي للعراقيين ، والحكيم والسيستاني وصولاغ ، والاخير ايراني الاصل دشن عصر استخدام الدريل – المثقاب الكهربائي - في التحقيق مع العراقيين، حيث يثقب ادمغتهم وعيونهم حتى الموت ؟ هل يستطيع احد نفي حقيقة ان الحكم في ظل الاحتلال كان وما يزال يدار من قبل ايران واتباعها ؟ هل يجهل الطابور ، ام يتجاهل ، ان هؤلاء القتلة والمجرمين عملاء الاحتلال في العراق هم الاخوة الشرعيين لحسن نصرالله كما يصفهم هو ؟
اذا كان الطابور الخامس لا يعلم ولا يرى كل ما سبق فهل فاتته حقيقة ان ايران فاوضت رسميا وعلنا امريكا حول مستقبل العراق في ثلاثة لقاءات رسمية عقدت بين السفيرين الامريكي والايراني في العراق ؟ وهل يعلم ان احمدي نجاد قد اعلن صراحة ان ايران مستعدة لملأ الفراغ في العراق ؟ وهل يعلم بان ايران كانت اول من اعترف بمجلس الحكم واول من دعم نظام الفديرالية والمحاصصات الطائفية العرقية في العراق والذي قدمه الحاكم الامريكي بول بريمير من اجل تقسيم العراق ؟ وهل يعلم بان فرق الموت الايرانية لعبت الدور الاكثر حسما ، وبدعم امريكي كامل ، في تهجير ستة ملايين عراقي من ديارهم وهو رقم اكبر من عدد اللاجئين الفلسطينيين ، وجلبت اربعة ملايين فارسي من ايران وكردي من تركيا وايران ومنحتهم الجنسية العراقية لتحويل العراق من قطر عربي يشكل العرب فيه نسبة 85 % الى بلد تتوازن فيه مكوناته القومية الاصلية المهجرة والمستوردة كيوغسلافيا تمهيدا لتقسيمه ؟
وهل يعلم الطابور الايراني الخامس ان من اغتال الاف الضباط والطيارين العراقيين هي المخابرات الايرانية مكملة عملية تصفية العلماء والاكاديميين العراقيين من قبل الموساد ؟ وهل يعلم بان ايران سرقت مئات المعامل العراقية ولم تبقي للعراق معملا واحدا ؟ وهل ينسى الطابور ان ايران خانت الامانة مع انها ( دولة اسلامية ) بنظره بسرقة 142 طائرة عراقية أودعت لديها كأمانة ؟ وهل يعرف بسرقة ايران الاف الدبابات والطائرات والمدفعية الثقيلة الخاصة بالعراق بعد الغزو وبدعم امريكي كامل وهدف ذلك تجريد العراق من أي امكانية لاعادة بناء قوته في زمن قصير منظور ؟ ووو...الخ .
اذا كانت ايران قد لعبت هذا الدور ومازالت تلعبه ، وهو دور المدمر للعراق والمفتت لوحدة الاقطار العربية بدعم امريكا والكيان الصهيوني ، هل هي مرشحة لتكون في حالة تناقض رئيسي مع امريكا والكيان الصهيوني ، على اعتبار ان العراق الحر كان الخطر الاساسي على الكيان الصهيوني ، كما اعترفت امريكا والكيان الصهيوني ، وكان السبب الرئيسي ألاخر لغزو العراق هو حماية اسرائيل ؟ ولم تجاهل الطابور الخامس الايراني ، المتشكل من ناصرويون واسلامويون وماركسيون وليبراليون ، مغزى ونتائج قول كونداليزا رايس ، عندما كانت وزيرة خارجية لامريكا ، بانها افتخرت بان اسقاط نظام الرئيس الشهيد صدام حسين كان نصر ستراتيجيا امريكيا ؟ وهل يجهل الطابور ام يتجاهل معنى ومغزى تعبير ( النصر الستراتيجي ) ؟ وهل يعرف متى تصف امريكا اي فوز على اي طرف بالنصر الستراتيجي ؟ وهل اكتشف من خلال هذا التصريح صلة ايران بصنع هذا النصر الستراتيجي لامريكا ؟
ولابد من التذكير بالسؤال التالي وجوابه : هل هذا الذي جرى ويجري في العراق منذ غزوه هو امر ثانوي وقضية فرعية تسمح بالسكوت على الدور الايراني الرئيسي والحاسم فيه حرصا على استمرار ( دعم ) ايران لحماس وحزب الله ؟ ام انه قضية رئيسية يتوقف مصير الامة العربية كلها على نتيجته لانه اخطر مما يجري على الساحة الفلسطينية الان ؟
نكرر وبدون ملل ام الحقائق الستراتيجية التي يصر الجواسيس على تجاهلها : على من يريد جوابا على السؤال الكبير الخاص بدور ايران عليه ان يتذكر بان المعركة الاعظم بالنسبة للامة العربية ، بل وكل العالم ، تقع الان في العراق ومنذ عام 1991 وليس في ايران او لبنان او فلسطين ، ووقوع المعركة الرئيسية في عالمنا المعاصر في العراق يقود الى حقيقة اساسية وهي ان المقاومة العراقية ، وليس غيرها ، هي التي تشكل الطرف الاخر في الصراع الاقليمي والدولي مع امريكا والكيان الصهيوني ، ومن ثم فان تجاهل دورها ونسبه الى حزب الله وايران هو مساهمة مباشرة في التضليل المتعمد الامريكي – الايراني – الصهيوني . واذا كان الطابور الخامس الايراني لا يعرف هذه الحقيقة المعاشة فليس من حقه التحدث بقضايا خطيرة ، وعليه ان يقرأ ويتعلم مما يجري وليس الاكتفاء بالنظر من خرم ابرة ايرانية اسمها حزب الله .
قد يتصدى معتوه ساذج لما قلناه ويقول انكم تبالغون في دور المقاومة العراقية ، لذلك فان السؤال الذي لابد من طرحه هو : هل هذه مبالغة بقوة المقاومة العراقية ؟ كلا ابدا فمن وجهة نظر ستراتيجية فان الحقيقة الأبرز ، والاكثر حسما لاي جدل حول ساحة الصراع الرئيسية في عصرنا ، هي ان امريكا تزج بقواها الاساسية في العراق ، وليس في حرب مع ايران او حزب الله او حماس ، فلديها في العراق 160 الف جندي رسمي و120 الف مرتزق من الشركات الخاصة و200 الف جندي وشرطي عراقي ، في حين انها تزج ب 30 الف جندي في افغانستان فقط ، وكان معها في العراق اكثر من 30 دولة بجيوشها ومالها وقدراتها التكنولوجية والبشرية ، وتخصص اكثر من 80 % من ميزانيتها الحربية لتغطية نفقات حرب العراق .
وفي ضوء ما تقدم كان على التونسي والمصري ، وهما من ابرز افراد الطابور الايراني الخامس ، لو كانا نزيهين ، ان يطرحا السؤال التالي : هل تزج امريكا بكل هذه القوى ، وتخسر فعليا حوالي اربعة تريليون دولار ، كما توصل عالم اقتصاد امريكي فاز بجائزة نوبل ، ( الرقم الرسمي هو اقل من 500 مليار دولار ) ، ( اضافة لاحقة : اعترف اوباما في خطابة الاخير حول ستراتيجية افغانستان بان خسارة امريكا اكثر من تريليون دولار ) ، وفقدت امريكا فعليا حوالي 40 الف امريكي ماتوا في العراق طبقا لمنظمات مدنية امريكية ( الرقم الرسمي هو اقل من خمسة الاف ) ، وتجد ان لديها اكثر من 50 الف معوق جسديا او نفسيا نتيجة شراسة المقاومة العراقية ، نقول هل تزج امريكا بهذه القوى وتتحمل هذه الخسائر الاسطورية ، وتضحي بسمعتها وبمستقبلها برمته من اجل هدف بسيط هو مجرد اسقاط نظام ؟ ام انها تنفذ خطة كونية عملاقة ؟
الان وفي العام السابع للغزو يعرف كل مطلع ، وليس كل خبير فقط ، بان معركة امريكا الاعظم في العالم بعد الحرب الباردة كانت ومازالت تدور في الساحة العراقية ، انها ليست في اوربا وليس مع روسيا او الصين بل هي مع العراق . ان المخطط الكوني الامريكي كان بالاصل يقوم على نظرية جيوبولتيكية جديدة تقول بان من يسيطر على نفط العالم يضمن السيطرة على العالم بلا حروب عسكرية بفضل الابتزاز النفطي ، وفي هذا الاطار الجيوبولتيكي الصارم فان نقطة الانطلاق ومركزها كانت السيطرة على العراق ونفطه والانطلاق منه لغزو العالم بالابتزاز النفطي ، في المقام الاول ، بعد اكمال السيطرة على نفوط كل العالم ، واذا فشل غزو العراق فان البديل هو تقسيم العراق اذا فشل الغزو ، وذلك بحد ذاته يحدد دور المقاومة العراقية وهو انها هي وليس غيرها قوة الردع التحرري التي احبطت المشروع الكوني الامريكي .
نعم الصين هي البعبع الذي يقلق امريكا ، خصوصا وان الصين ستصبح بعد عقدين من الزمن القوة المسيطرة ، ولكن اتقاء حتمية هيمنة الصين من وجهة نظر امريكية كان في تجويعها نفطيا ، ومن ثم التحكم في وتائر تطورها التكنولوجي والتجاري والعسكري ، ونظرية التجويع النفطي للصين وغيرها مشروط نجاحها بالسيطرة على العراق لانه يملك الاحتياطي النفطي الاكبر والاهم في العالم كما اثبتت الاكتشافات النفطية .
اذن العراق هو مفتاح العالم بالنسبة لامريكا ، وهنا تكمن اهمية دور البعث في ايصال نظرية التجويع النفطي او الابتزاز النفطي الى نقطة ميتة ، فالذي حصل بعد غزو العراق اسقط هذا المخطط الامريكي بفضل تضحيات شعب العراق وبسالة مقاومته وعظمة قيادته التي ضحى رأسها القائد الشهيد صدام حسين بحياته وبكل شيء من اجل عراق حر وامة عربية واحدة حرة وحاملة رسالة خالدة للعالم كله كما فعل اجدادنا العظام .
من هنا فان ما يجري في العراق الان هو اهم واخطر مما يجري في كل مكان في العالم ، بما في ذلك ما يجري في فلسطين ولبنان ومع ايران .
واذا كان الطابور الخامس ، وبالاخص عضويه التونسي والمصري ، قد عرفا المخطط الامريكي الصهيوني الحقيقي وفهما الدور الايراني الحقيقي والفعلي فهل يستطيعان ان يقولا لنا : -
1 - كيف وعلى ماذا اعتمدا في اصدار فتاواهما القائلة بان ايران تخوض المعركة الرئيسية والحاسمة مع امريكا وان الصراع في المنطقة هو بين ايران وسوريا وحزب الله وحماس والاخوان المسلمين وقطر ، من جهة ، وبين امريكا واذنابها من جهة اخرى ؟
2 - لماذا تجاهلا المقاومة العراقية وكأنها غير موجودة رغم أنها تخوض معركة تحرير كل العالم ، ورغم تصاعد عملياتها في نفس الفترة كما اعترف قائد القوات الامريكية في الشرق الاوسط الذي قال بالقلم العريض بان عدد عمليات المقاومة العراقية يتجاوز ال700 عملية في الاسبوع ؟
3 - لماذا تناسيا ان حزب الله لا يقوم بعمليات عسكرية حقيقية منذ تحرير الجنوب اللبناني بل يقوم بعمليات استعراضية دعائية قادت احداها الى حرب 2006 ؟ هل نسيا ان نصرالله اعترف بلسانه بانه لو كان يعرف بان نتيجة الحرب ستكون كوارث بهذا الحجم للبنان لما اقدم على خطف الجنديين الإسرائيليين ؟ وما معنى هذا الاعتراف ؟ هل يختلف ، من حيث الجوهر ، عن اعترافات انظمة وحكام عرب بفشلهم وأخطاءهم في حروبهم مع الكيان الصهيوني ؟
4 – لماذا تجاهل الطابور الايراني الخامس كله حقيقة ان ما يجري في لبنان وفلسطين ومع ايران هو عمليات مساومات كبرى في اطار الوضع القائم ، وهي مساومات هدفها ضمان استقرار الوضع الحالي الاقليمي والدولي عن طريق اقامة دويلة فلسطينية على اقل من 20 % من ارض فلسطين وتقاسم النفوذ بين امريكا وايران والكيان الصهيوني على حساب العرب ؟ هل هذا نضال تحرري ؟ ام انه عملية تصفية للقضية الفلسطينية واستسلام تام للمشروع الصهيوني ودرعه المشروع الاستعماري الامريكي ؟
نتحدى كل افراد الطابور الخامس الايراني ان يقدم لنا دليلا واحدا على ان حماس وحزب الله وايران لديها مشروع ينقض الوضع القائم ويغيره باتجاه استرجاع حقوق الشعب الفلسطيني في ارضه التاريخية بين النهر والبحر . فحماس الان تريد دولة في الضفة وغزة فقط متخلية عن ارض فلسطين التاريخية ، وحزب الله يلتزم بانضباط عسكري وايديولوجي تامين بموقف ايران الذي عبر عنه احمدي نجاد حينما قال ، كما قالت الانظمة العربية في الثمانينيات ، سنقبل بما تقبل به المنظمات الفلسطينية .
نتيجة لاخفاقهما في فهم الوضع الستراتيجي الحقيقي ، او تجاهله ، على التونسي والمصري ، واضرابهما ، ان يدخلا مدرسة ابتدائية لتعلم الدروس الابتدائية في الستراتيجية والسياسة قبل ان يفتيا او يورطا نفسيهما في مشكلة تبدو في ظاهرها مشكلة معرفية – نقص معلومات عما جرى ويجري في العراق – لكنها ، في جوهرها وواقعها ، مشكلة تجاهلية تنتمي لثقافة الجاهلية ، التي هاجمها المصري ، وتتمثل في اهمال ما يجري في العراق خدمة لمصالحهما الصغيرة ، ولهذا فهي في المقام الاول مشكلة سياسية واخلاقية .
والطابع الاخلاقي لمشكلة المصري والتونسي هو الاكثر لفتا للنظر ، وهو يظهر بتذكر ان طفل غر يعرف ان العراق تعرض بعد غزوه ويتعرض لاخطر تحد يواجهه العرب الان وليس العراق فقط منذ غزو فلسطين ، وهو اكثر قسوة وتكلفة مادية وبشرية من غزو فلسطين ، ويكمل مسيرة تدمير الامة العربية التي بدأت بغزو فلسطين .
كان على التونسي والمصري ، وأي وطني عربي يدعم ايران ، ان يتعلما قليلا ويعرفا البيئة التي يمارسان فيها سحر اصدار فتاواهما لتجنب فضحهما من قبل اطفال اي حارة في العراق فقدوا ابائهم على يد فرق الموت الايرانية ، او هجروا من ديارهم واصبحوا بلا مدرسة او وطن مشردين في اصقاع الارض ، نتيجة بشاعة اساليب القتل التي نفذها جيش المهدي ، الذي دربه على القتل حزب الله ، وفيلق بدر وكلها عصابات تعمل بتوجيه ايراني مباشر .
يتبع
في هذه النصوص المقتبسة من تونسي ومصري وسوري ولبناني ، اسلامويون ومدعي الناصرية ، ومن اخرين ، وبالاضافة لما تقدم ، نجد هؤلاء يكررون استخدام الحيلة التقليدية التي تروجها الدعاية الرسمية الايرانية وهي وضع ايران في مكان ( المقاوم ) لامريكا والكيان الصهيوني وتعمد اخفاء الدور المساوم لها ، والزج القسري لايران في صف الداعمين للمقاومة ، ومن ثم محاولة ابتزاز من ينتقد ايران ، بسبب مواقفها الخطيرة في العراق والاحواز والجزر ونشر الفتن الطائفية ، بمقولة مبتذلة ومكشوفة ، اعدتها المخابرات الايرانية وطلبت من اتباعها استخدامها في الرد على من ينتقد ايران ، كما اكدت وثيقة ايرانية حصلت عليها المقاومة العراقية من ضابط مخابرات ايرانية وقع في الاسر ونشرتها شبكة البصرة ، وهي الاتهام بالاصطفاف مع امريكا واسرائيل ، مع ان الواقع المعاش والكارثي يثبت بالادلة والوقائع ان ايران متلاقية ستراتيجيا مع امريكا والكيان الصهيوني ومتعاونة معهما بقوة ووضوح تامين حول امر خطير جدا وهو محو الهوية العربية والقضاء على القومية العربية ، وما يجري في العراق والاقطار العربية يثبت ذلك بلا لبس ! ويصل الانحطاط الاخلاقي مستوى وقاحة لا يمكن السكوت عليها بقيام بعض اتباع ايران حتى باتهام المقاومة العراقية وانصارها بخدمة امريكا والصهيونية نتيجة لكشف ايران وادانة سياستها في العراق والوطن العربي !
يمارس الطابور الايراني الخامس هذا اشد انواع الدعاية الايرانية مرواغة ، متمثلا بطرح ثنائية مضللة وهي ثنائية موقف النظام المصري ( الموالي ) للغرب مقابل ايران ( المناهضة ) لامريكا ، في محاولة لاخفاء المناهض الحقيقي لامريكا في كل الاقليم وهو المقاومة العراقية ، لان ابراز المقاومة العراقية والاعتراف بدورها الرئيسي في مقاتلة امريكا ، يجرد ايران من أي صفة ايجابية حتى ولو على سبيل الدعاية . والتمويه والتضليل هنا يكمن في تضخيم صراع اللصوص بين امريكا وايران حول المغانم ويحوله زورا الى صراع ( تحرري ) رئيسي . ويكمل رسم هذه الصورة الزائفة لايران تجاهل الطابور الخامس الايراني التام والموحي للدور الايراني في العراق مع انه اخطر بكثير على الحقوق والمصالح العربية والامن القومي العربي من الموقف الرسمي المصري من غزة ، ومن موقف الكيان الصهيوني وامريكا من الصراع العربي الصهيوني برمته بعد ان دخلت حماس وغيرها نفق التسوية السياسية بقبول حل الدولتين ، وهذه حقيقة يجب الانتباه اليها لانها تظهر عورات الطابور الايراني الخامس بكامل تفاصيلها المقرفة .
كما يجب الانتباه الى حقيقة بارزة أخرى وهي إهمال الطابور الخامس الايراني المتعمد لموقف المقاومة العراقية من ايران ، وهو انها تعدها عدوا رئيسيا كامريكا ، لان تذكر ذلك ومعرفته يجرد افراد الطابور من القدرة على استخدام اسم المقاومة العراقية في دعم ايران وينسف الايحاء بدعمهم للمقاومة العراقية من اجل اختراق صفوف الوطنيين . ويجب الانتباه الى تكتيك خبيث اخر وهو ادعاء هؤلاء بان من يثير الصراعات القديمة بين العرب والفرس يخدم امريكا والكيان الصهيوني ، وهذا التكتيك تنكشف اغراضه الايرانية بتذكر ان المقاومة العراقية تعد ايران عدوا رئيسيا كامريكا والكيان الصهيوني بناء على دورها التخريبي والخطير الحالي في العراق والاقطار العربية ، وهو دور المبادر والمهاجم والمكمل للدورين الامريكي والصهيوني ولا يمكن تجاهله او اغفاله ، باي صيغة وصورة ، خصوصا وان ايران تعترف به ، بممارساتها اليومية مع العرب وبتعاونها مع امريكا مباشرة ورسميا ، وليس استنادا الى صراعات تاريخية مريرة نساها العرب ، وتلك خطيئة كبرى ، مع ان ايران لم تنساها وتتحرك بتأثيرها وباحقاد الماضي ، كما نرى منذ الحرب التي فرضتها ايران على العراق في عام 1980 وحتى الان .
ان اهمال وتجاهل المقاومة العراقية ودورها الحاسم في احداث الوطن العربي والمنطقة لا تتكشف ابعاده الا اذا تذكرنا انها قطب الرحى والقوة الاساسية المقررة في المقاومة العربية وليس حزب الله ، الذي انتقل من المقاومة بعد تحرير جنوب لبنان الى المساومة وخدمة ايران مباشرة وعلنا ، او حماس ، التي انتقلت من تحرير كل فلسطين الى الاكتفاء بدويلة قزمة ومقزمة في الضفة والقطاع ، كما سنرى .
المقاومة العراقية التي ادانت ايران كقوة استعمارية وحددت طبيعة الدور الحقيقي لحزب الله ، بصفته تابعا كليا لايران طبقا لولاية الفقيه ومن ثم فانه منفذ لاهداف ايران الاستعمارية ، تعد ، واقعيا وفعليا ، العنصر الرئيسي والمقرر في الصراع الدائر لانها هي ، وليس ايران او الاخوان المسلمين او حزب الله ، حسب تعداد الاسلاموي التونسي ، من تخوض حرب التحرير مع امريكا ، القوة الاستعمارية الاكبر والاخطر في عصرنا والتي تستمد اسرائيل القوة والحماية منها .
ايران ، في اطار بانوراما الصراع الكبير والمعقد هذا ، تبدو في الواقع ، وطبقا لتوصيف علمي دقيقي ، تمارس لعبة عض اصابع مع امريكا من اجل مساومة اقليمية على حساب العرب ، اما حزب الله فانه يخوض صراع ديوك مع الكيان الصهيوني منذ تحرير جنوب لبنان ، حيث انتهى دوره المقاوم ليبدأ دوره المساوم كما سنلاحظ فيما بعد . ومن الملاحظات غير المدهشة والمتوقعة جدا في موقف الاسلاموي التونسي اضافته لقطر الى معسكر تطلق عليه تسمية مدهشة كأفلام هولي وود هي معسكر ( الممانعة ) ، وأضافة قطر تعد مزحة ثقيلة نبهتنا الى هوية التونسي الحقيقية ، دققوا فيه مرة اخرى : علماني على الطريقة الفرنسية ، وبراغماتي على الطريقة الامريكية ، و( مرتدي ) لحية على طريقة خميني ، ويصر على اداء الصلاة دائما على ( الطريقة ) القطرية المشهورة عالميا ، انه مزاح جاد ! ولكن : هل سمعتم قبل الان بوجود مزاح جاد ؟
حينما يحاول الطابور الخامس ان يخفي اعلى جبل عربي شامخ في هذه المرحلة التاريخية من نضال امتنا العربية ، وهو المقاومة العراقية ، ويبرز على نحو مصطنع نتوءات جغرافية هي اقرب للسهول ويصورها كأنها جبال رواسي فان هدفه الواضح هو اخفاء الدليل الحاسم على جريمة ايران في العراق . ان تجاهل واهمال المقاومة العراقية ، ورايها ودورها ، والتضخيم والتفخيم المصطنعان لدور حزب الله وحماس خارج كل معيار ستراتيجي ومنطقي ، يسمح بتزويق وجه ايران البشع المغموس بدم ودموع ملايين العراقيين ، الشهداء والمعذبين والمهجرين بفضل جيش المهدي ، الذي دربه حزب الله على القتل ، وفيلق بدر الذي دربته ايران على أبادة العرب في العراق !
لكن الله بالمرصاد لاولياء الشيطان الاصفر : فضيحة ( ايران جيت ) او( ايران كونترا ) ، وتلقي ايران خميني السلاح من الكيان الصهيوني ، ومشاركة ايران الرئيسية والحاسمة في اكبر جرائم العالم المعاصرة ، وهي غزو العراق وتدميره وتهجير ستة ملايين من اهله وقتل مليوني عراقي فقط بعد الغزو ، وجريمة نشر ايران للفتن الطائفية في الوطن العربي ، أضافة للمشاركة الايرانية الحاسمة ايضا في مساعدة امريكا على النجاح في غزو افغانستان ، لعنات الله هذه تبقى شوكات فولاذية وليس شوكة واحدة فقط في حلق من يدافع عن ايران لانها ادلة كافية لاثبات التلاقي الستراتيجي الامريكي - الايراني – الصهيوني ، وليس التكتيكي ، والذي يجعل ايران عمليا ورسميا وموضوعيا الشريك الاول لامريكا في غزواتها الاستعمارية في الوطن العربي والمنطقة .
ان هوية الطابور الخامس الايراني الحقيقية حددها بنفسه بتجاهل غزو العراق ، واوضح دليل على هذا التجاهل هو دعمه الفعلي لايران في موضوع غزو العراق ، مع انه اخطر كارثة حلت بالامة العربية بعد احتلال فلسطين ، وهو غزو بمفاعيله واثاره يبدو الان اخطر مما حدث لفلسطين على اساس ان تدمير العراق هو عمل يقصد به انهاء وجود الامة العربية بينما كان غزو فلسطين اقتطاعها لتكون نقطة بداية لدفن الامة العربية ، والفرق واضح بين نقطة البداية ونقطة الذروة الحالية . هل يجهل الطابور الخامس ، ام يتجاهل ، ان العراق قد تم غزوه بفضل تعاون امريكي ايراني رسمي ومعلن وموثق وقائم على الارض ؟
لنعيد عرض ام الحقائق فهي دامغة وحاسمة : فلقد اعلن محمد علي ابطحي نائب الرئيس الايراني في ندوة دولية علنية في الامارات العربية في عام 2004 بانه ( لولا مساعدة ايران لما نجحت امريكا في غزو افغانستان والعراق ) ، والسؤال هو هل يعرف الطابور الخامس معنى هذه ال( لولا ) الشرطية ؟ انها تعني بوضوح ان عدم دعم ايران للغزو الامريكي للعراق كان سيقود الى فشله ، وتورط امريكا بحرب كانت ستدمرها خلال اسابيع وليس سنوات نتيجة عدم قدرتها على تحمل اعباء مالية وبشرية اكبر من قدرتها على تحملها ، لكن دعم ايران الفعال والكبير مهد الطريق لامريكا لغزو العراق والحاق اكبر الاذى بالعراقيين ، ونجح ( الدعم الايراني ) في تسخير طابور خامس داخل العراق في المشاركة في مقاتلة شعب العراق وقواته المسلحة ومقاومته الشعبية .
واكملت ايران دورها الداعم للغزو الامريكي عندما كرسته ورسخت اركانه ، حينما اصبحت العصابات التابعة لايران في العراق القاعدة الاساسية للغزو ، مثل الحكومات والميلشيات وفرق الموت واجهزة الامن التي تبيد العراقيين يوميا . هل يجهل الطابور الايراني الخامس ، ام يتجاهل ، من هو المالكي والجعفري ومقتدى الصدر ، والاخير هو ابشع جزار ايراني على الاطلاق لانه لعب دور ( المطهر ) الطائفي للعراقيين ، والحكيم والسيستاني وصولاغ ، والاخير ايراني الاصل دشن عصر استخدام الدريل – المثقاب الكهربائي - في التحقيق مع العراقيين، حيث يثقب ادمغتهم وعيونهم حتى الموت ؟ هل يستطيع احد نفي حقيقة ان الحكم في ظل الاحتلال كان وما يزال يدار من قبل ايران واتباعها ؟ هل يجهل الطابور ، ام يتجاهل ، ان هؤلاء القتلة والمجرمين عملاء الاحتلال في العراق هم الاخوة الشرعيين لحسن نصرالله كما يصفهم هو ؟
اذا كان الطابور الخامس لا يعلم ولا يرى كل ما سبق فهل فاتته حقيقة ان ايران فاوضت رسميا وعلنا امريكا حول مستقبل العراق في ثلاثة لقاءات رسمية عقدت بين السفيرين الامريكي والايراني في العراق ؟ وهل يعلم ان احمدي نجاد قد اعلن صراحة ان ايران مستعدة لملأ الفراغ في العراق ؟ وهل يعلم بان ايران كانت اول من اعترف بمجلس الحكم واول من دعم نظام الفديرالية والمحاصصات الطائفية العرقية في العراق والذي قدمه الحاكم الامريكي بول بريمير من اجل تقسيم العراق ؟ وهل يعلم بان فرق الموت الايرانية لعبت الدور الاكثر حسما ، وبدعم امريكي كامل ، في تهجير ستة ملايين عراقي من ديارهم وهو رقم اكبر من عدد اللاجئين الفلسطينيين ، وجلبت اربعة ملايين فارسي من ايران وكردي من تركيا وايران ومنحتهم الجنسية العراقية لتحويل العراق من قطر عربي يشكل العرب فيه نسبة 85 % الى بلد تتوازن فيه مكوناته القومية الاصلية المهجرة والمستوردة كيوغسلافيا تمهيدا لتقسيمه ؟
وهل يعلم الطابور الايراني الخامس ان من اغتال الاف الضباط والطيارين العراقيين هي المخابرات الايرانية مكملة عملية تصفية العلماء والاكاديميين العراقيين من قبل الموساد ؟ وهل يعلم بان ايران سرقت مئات المعامل العراقية ولم تبقي للعراق معملا واحدا ؟ وهل ينسى الطابور ان ايران خانت الامانة مع انها ( دولة اسلامية ) بنظره بسرقة 142 طائرة عراقية أودعت لديها كأمانة ؟ وهل يعرف بسرقة ايران الاف الدبابات والطائرات والمدفعية الثقيلة الخاصة بالعراق بعد الغزو وبدعم امريكي كامل وهدف ذلك تجريد العراق من أي امكانية لاعادة بناء قوته في زمن قصير منظور ؟ ووو...الخ .
اذا كانت ايران قد لعبت هذا الدور ومازالت تلعبه ، وهو دور المدمر للعراق والمفتت لوحدة الاقطار العربية بدعم امريكا والكيان الصهيوني ، هل هي مرشحة لتكون في حالة تناقض رئيسي مع امريكا والكيان الصهيوني ، على اعتبار ان العراق الحر كان الخطر الاساسي على الكيان الصهيوني ، كما اعترفت امريكا والكيان الصهيوني ، وكان السبب الرئيسي ألاخر لغزو العراق هو حماية اسرائيل ؟ ولم تجاهل الطابور الخامس الايراني ، المتشكل من ناصرويون واسلامويون وماركسيون وليبراليون ، مغزى ونتائج قول كونداليزا رايس ، عندما كانت وزيرة خارجية لامريكا ، بانها افتخرت بان اسقاط نظام الرئيس الشهيد صدام حسين كان نصر ستراتيجيا امريكيا ؟ وهل يجهل الطابور ام يتجاهل معنى ومغزى تعبير ( النصر الستراتيجي ) ؟ وهل يعرف متى تصف امريكا اي فوز على اي طرف بالنصر الستراتيجي ؟ وهل اكتشف من خلال هذا التصريح صلة ايران بصنع هذا النصر الستراتيجي لامريكا ؟
ولابد من التذكير بالسؤال التالي وجوابه : هل هذا الذي جرى ويجري في العراق منذ غزوه هو امر ثانوي وقضية فرعية تسمح بالسكوت على الدور الايراني الرئيسي والحاسم فيه حرصا على استمرار ( دعم ) ايران لحماس وحزب الله ؟ ام انه قضية رئيسية يتوقف مصير الامة العربية كلها على نتيجته لانه اخطر مما يجري على الساحة الفلسطينية الان ؟
نكرر وبدون ملل ام الحقائق الستراتيجية التي يصر الجواسيس على تجاهلها : على من يريد جوابا على السؤال الكبير الخاص بدور ايران عليه ان يتذكر بان المعركة الاعظم بالنسبة للامة العربية ، بل وكل العالم ، تقع الان في العراق ومنذ عام 1991 وليس في ايران او لبنان او فلسطين ، ووقوع المعركة الرئيسية في عالمنا المعاصر في العراق يقود الى حقيقة اساسية وهي ان المقاومة العراقية ، وليس غيرها ، هي التي تشكل الطرف الاخر في الصراع الاقليمي والدولي مع امريكا والكيان الصهيوني ، ومن ثم فان تجاهل دورها ونسبه الى حزب الله وايران هو مساهمة مباشرة في التضليل المتعمد الامريكي – الايراني – الصهيوني . واذا كان الطابور الخامس الايراني لا يعرف هذه الحقيقة المعاشة فليس من حقه التحدث بقضايا خطيرة ، وعليه ان يقرأ ويتعلم مما يجري وليس الاكتفاء بالنظر من خرم ابرة ايرانية اسمها حزب الله .
قد يتصدى معتوه ساذج لما قلناه ويقول انكم تبالغون في دور المقاومة العراقية ، لذلك فان السؤال الذي لابد من طرحه هو : هل هذه مبالغة بقوة المقاومة العراقية ؟ كلا ابدا فمن وجهة نظر ستراتيجية فان الحقيقة الأبرز ، والاكثر حسما لاي جدل حول ساحة الصراع الرئيسية في عصرنا ، هي ان امريكا تزج بقواها الاساسية في العراق ، وليس في حرب مع ايران او حزب الله او حماس ، فلديها في العراق 160 الف جندي رسمي و120 الف مرتزق من الشركات الخاصة و200 الف جندي وشرطي عراقي ، في حين انها تزج ب 30 الف جندي في افغانستان فقط ، وكان معها في العراق اكثر من 30 دولة بجيوشها ومالها وقدراتها التكنولوجية والبشرية ، وتخصص اكثر من 80 % من ميزانيتها الحربية لتغطية نفقات حرب العراق .
وفي ضوء ما تقدم كان على التونسي والمصري ، وهما من ابرز افراد الطابور الايراني الخامس ، لو كانا نزيهين ، ان يطرحا السؤال التالي : هل تزج امريكا بكل هذه القوى ، وتخسر فعليا حوالي اربعة تريليون دولار ، كما توصل عالم اقتصاد امريكي فاز بجائزة نوبل ، ( الرقم الرسمي هو اقل من 500 مليار دولار ) ، ( اضافة لاحقة : اعترف اوباما في خطابة الاخير حول ستراتيجية افغانستان بان خسارة امريكا اكثر من تريليون دولار ) ، وفقدت امريكا فعليا حوالي 40 الف امريكي ماتوا في العراق طبقا لمنظمات مدنية امريكية ( الرقم الرسمي هو اقل من خمسة الاف ) ، وتجد ان لديها اكثر من 50 الف معوق جسديا او نفسيا نتيجة شراسة المقاومة العراقية ، نقول هل تزج امريكا بهذه القوى وتتحمل هذه الخسائر الاسطورية ، وتضحي بسمعتها وبمستقبلها برمته من اجل هدف بسيط هو مجرد اسقاط نظام ؟ ام انها تنفذ خطة كونية عملاقة ؟
الان وفي العام السابع للغزو يعرف كل مطلع ، وليس كل خبير فقط ، بان معركة امريكا الاعظم في العالم بعد الحرب الباردة كانت ومازالت تدور في الساحة العراقية ، انها ليست في اوربا وليس مع روسيا او الصين بل هي مع العراق . ان المخطط الكوني الامريكي كان بالاصل يقوم على نظرية جيوبولتيكية جديدة تقول بان من يسيطر على نفط العالم يضمن السيطرة على العالم بلا حروب عسكرية بفضل الابتزاز النفطي ، وفي هذا الاطار الجيوبولتيكي الصارم فان نقطة الانطلاق ومركزها كانت السيطرة على العراق ونفطه والانطلاق منه لغزو العالم بالابتزاز النفطي ، في المقام الاول ، بعد اكمال السيطرة على نفوط كل العالم ، واذا فشل غزو العراق فان البديل هو تقسيم العراق اذا فشل الغزو ، وذلك بحد ذاته يحدد دور المقاومة العراقية وهو انها هي وليس غيرها قوة الردع التحرري التي احبطت المشروع الكوني الامريكي .
نعم الصين هي البعبع الذي يقلق امريكا ، خصوصا وان الصين ستصبح بعد عقدين من الزمن القوة المسيطرة ، ولكن اتقاء حتمية هيمنة الصين من وجهة نظر امريكية كان في تجويعها نفطيا ، ومن ثم التحكم في وتائر تطورها التكنولوجي والتجاري والعسكري ، ونظرية التجويع النفطي للصين وغيرها مشروط نجاحها بالسيطرة على العراق لانه يملك الاحتياطي النفطي الاكبر والاهم في العالم كما اثبتت الاكتشافات النفطية .
اذن العراق هو مفتاح العالم بالنسبة لامريكا ، وهنا تكمن اهمية دور البعث في ايصال نظرية التجويع النفطي او الابتزاز النفطي الى نقطة ميتة ، فالذي حصل بعد غزو العراق اسقط هذا المخطط الامريكي بفضل تضحيات شعب العراق وبسالة مقاومته وعظمة قيادته التي ضحى رأسها القائد الشهيد صدام حسين بحياته وبكل شيء من اجل عراق حر وامة عربية واحدة حرة وحاملة رسالة خالدة للعالم كله كما فعل اجدادنا العظام .
من هنا فان ما يجري في العراق الان هو اهم واخطر مما يجري في كل مكان في العالم ، بما في ذلك ما يجري في فلسطين ولبنان ومع ايران .
واذا كان الطابور الخامس ، وبالاخص عضويه التونسي والمصري ، قد عرفا المخطط الامريكي الصهيوني الحقيقي وفهما الدور الايراني الحقيقي والفعلي فهل يستطيعان ان يقولا لنا : -
1 - كيف وعلى ماذا اعتمدا في اصدار فتاواهما القائلة بان ايران تخوض المعركة الرئيسية والحاسمة مع امريكا وان الصراع في المنطقة هو بين ايران وسوريا وحزب الله وحماس والاخوان المسلمين وقطر ، من جهة ، وبين امريكا واذنابها من جهة اخرى ؟
2 - لماذا تجاهلا المقاومة العراقية وكأنها غير موجودة رغم أنها تخوض معركة تحرير كل العالم ، ورغم تصاعد عملياتها في نفس الفترة كما اعترف قائد القوات الامريكية في الشرق الاوسط الذي قال بالقلم العريض بان عدد عمليات المقاومة العراقية يتجاوز ال700 عملية في الاسبوع ؟
3 - لماذا تناسيا ان حزب الله لا يقوم بعمليات عسكرية حقيقية منذ تحرير الجنوب اللبناني بل يقوم بعمليات استعراضية دعائية قادت احداها الى حرب 2006 ؟ هل نسيا ان نصرالله اعترف بلسانه بانه لو كان يعرف بان نتيجة الحرب ستكون كوارث بهذا الحجم للبنان لما اقدم على خطف الجنديين الإسرائيليين ؟ وما معنى هذا الاعتراف ؟ هل يختلف ، من حيث الجوهر ، عن اعترافات انظمة وحكام عرب بفشلهم وأخطاءهم في حروبهم مع الكيان الصهيوني ؟
4 – لماذا تجاهل الطابور الايراني الخامس كله حقيقة ان ما يجري في لبنان وفلسطين ومع ايران هو عمليات مساومات كبرى في اطار الوضع القائم ، وهي مساومات هدفها ضمان استقرار الوضع الحالي الاقليمي والدولي عن طريق اقامة دويلة فلسطينية على اقل من 20 % من ارض فلسطين وتقاسم النفوذ بين امريكا وايران والكيان الصهيوني على حساب العرب ؟ هل هذا نضال تحرري ؟ ام انه عملية تصفية للقضية الفلسطينية واستسلام تام للمشروع الصهيوني ودرعه المشروع الاستعماري الامريكي ؟
نتحدى كل افراد الطابور الخامس الايراني ان يقدم لنا دليلا واحدا على ان حماس وحزب الله وايران لديها مشروع ينقض الوضع القائم ويغيره باتجاه استرجاع حقوق الشعب الفلسطيني في ارضه التاريخية بين النهر والبحر . فحماس الان تريد دولة في الضفة وغزة فقط متخلية عن ارض فلسطين التاريخية ، وحزب الله يلتزم بانضباط عسكري وايديولوجي تامين بموقف ايران الذي عبر عنه احمدي نجاد حينما قال ، كما قالت الانظمة العربية في الثمانينيات ، سنقبل بما تقبل به المنظمات الفلسطينية .
نتيجة لاخفاقهما في فهم الوضع الستراتيجي الحقيقي ، او تجاهله ، على التونسي والمصري ، واضرابهما ، ان يدخلا مدرسة ابتدائية لتعلم الدروس الابتدائية في الستراتيجية والسياسة قبل ان يفتيا او يورطا نفسيهما في مشكلة تبدو في ظاهرها مشكلة معرفية – نقص معلومات عما جرى ويجري في العراق – لكنها ، في جوهرها وواقعها ، مشكلة تجاهلية تنتمي لثقافة الجاهلية ، التي هاجمها المصري ، وتتمثل في اهمال ما يجري في العراق خدمة لمصالحهما الصغيرة ، ولهذا فهي في المقام الاول مشكلة سياسية واخلاقية .
والطابع الاخلاقي لمشكلة المصري والتونسي هو الاكثر لفتا للنظر ، وهو يظهر بتذكر ان طفل غر يعرف ان العراق تعرض بعد غزوه ويتعرض لاخطر تحد يواجهه العرب الان وليس العراق فقط منذ غزو فلسطين ، وهو اكثر قسوة وتكلفة مادية وبشرية من غزو فلسطين ، ويكمل مسيرة تدمير الامة العربية التي بدأت بغزو فلسطين .
كان على التونسي والمصري ، وأي وطني عربي يدعم ايران ، ان يتعلما قليلا ويعرفا البيئة التي يمارسان فيها سحر اصدار فتاواهما لتجنب فضحهما من قبل اطفال اي حارة في العراق فقدوا ابائهم على يد فرق الموت الايرانية ، او هجروا من ديارهم واصبحوا بلا مدرسة او وطن مشردين في اصقاع الارض ، نتيجة بشاعة اساليب القتل التي نفذها جيش المهدي ، الذي دربه على القتل حزب الله ، وفيلق بدر وكلها عصابات تعمل بتوجيه ايراني مباشر .
يتبع
رد: المدافعون عن الاستعمار الايراني : من هم ؟ - صلاح المختار
وظيفة الستربتيز : كشف الحيل المخبوءة
هنا نصل الى منطقة الضوء الساطع والذي يجعل حيل الطابور الايراني تنكشف الواحدة اثر الاخرى على مسرح البديهيات الستراتيجية ، والقومية والوطنية ، التي تميز الثانوي عن الرئيسي خصوصا في تحديد دور حزب الله وايران وحماس والمقاومة العراقية .
حزب الله حزب مساوم وليس حزب مقاوم
لتجنب الجدل البيزنطي حول تحديد الهوية الحقيقية لحزب الله وتقييم دوره الحالي ينبغي مناقشة واقعه وممارساته الفعلية ونوعية صلته بايران وتوقيتات عملياته العسكرية او فعالياته السياسية في ضوء الحقائق التالية كي يكون حكمنا موضوعيا : -
1 – المقاومة وسيلة وليست غاية : حينما احتل الكيان الصهيوني جنوب لبنان اصبح تحريره واجبا وطنيا لابد منه ، وبسبب هذه الحقيقة فان معركة المقاومة اللبنانية مع الكيان الصهيوني انتهت بتحرير جنوب لبنان ، لان المقاومة المسلحة ليست غاية بحد ذاتها بل هي اسلوب ووسيلة ، وحينما يتحرر الوطن او الجزء المحتل منه تنتهي المقاومة ، وما بقي من قرى محتلة كمزارع شبعا لم يعد محور اهتمام حزب الله ، بدليل انه لم يقم باي عملية مسلحة في المزارع ضد الاحتلال ، بل انه منذ تحرير الجنوب يقوم بمناوراته السياسية والنفسية في مناطق اخرى من لبنان . ان تحرير مزارع شبعا حتى لو كان هدفا لحزب الله فهو هدف ثانوي وقضية ملحقة بالصراعات الرئيسية في المنطقة ، ولا يشكل بالمعايير الستراتيجية قضية رئيسية ، على مستوى الستراتيجية العربية العامة ، خصوصا وان حزب الله لم يضع خطة عسكرية لتحريرها ولم يحول مزارع شبعا الى ساحة حرب تحرير ، وترك الامر للمفاوضات .
2 – وظيفة سلاح المقاومة : والسؤال الجوهري هنا هو : هل تستحق مزارع شبعا ان يبقى حزب الله منظمة اقوى من الدولة اللبنانية ويستخدم هذه القوة الفائضة لابتزاز الدولة والمجتمع ولاستعباد اللبنانيين والاعتداء عليهم وقتلهم ، كما حصل حينما احتل بيروت في صيف عام 2008 وقتل اكثر من مائة لبناني مع انه وعد اكثر من مرة بعدم استخدام سلاح المقاومة ضد لبنانيين ؟ وهل يجوز ان يستخدم قوته التي بناها تحت غطاء مقاومة الاحتلال الاسرائيلي ، ليسيطر على مطار بيروت ويستخدمه لامرار الاف الايرانيين الى لبنان ، والذين يعملون على تغيير بنية لبنان التقليدية وتحويله من قطر عربي الى مخفر ايراني امامي للتأمر على الامة العربية وليس على الكيان الصهيوني ؟ لقد قام حزب الله بتأهيل نفسه سايكولوجيا بخوض صراعات مع الكيان الصهيوني اثناء احتلاله للجنوب من اجل اكتساب سمعة طيبة واستغلالها فيما بعد للسيطرة في الداخل خدمة للمخطط الايراني الاقليمي الذي نراه الان بوضوح لا ينكره الا اعمى البصر والبصيرة .
3 – هدف حزب الله : هناك افراد في الطابور الخامس الايراني يدعي ان حزب الله وجد من اجل تحرير فلسطين وانه اداة مواجهة مع الكيان الصهيوني ! هل هذا صحيح ؟ ام انه دعاية بائسة ؟ اننا لا نريد الاستناد الى مصادر غير مصادر حزب الله في تحديد طبيعته واهدافه الستراتيجية ودوره ، ادخلوا شبكة حزب الله واقرأوا ما يريده نصر الله ، الذي قال بان هدفه ليس تحرير فلسطين وانما تحرير الارض اللبنانية المحتلة وانه يدعم المقاومة الفلسطينية المسئولة عن تحرير الارض الفلسطينية ، والان وقد تحرر الجنوب فان اهم سؤال يطرح هو : لم بقي حزب الله في لبنان بقوته الفائقة التي لن تستخدم بعد الان ضد الكيان الصهيوني ، وهو ما قلناه مباشرا بعد حرب 2006 ، لان امريكا والكيان الصهيوني ابلغا ايران بعد حرب عام 2006 بان أي ازمة كبيرة يفتعلها حزب الله سوف يكون الرد عليها بضرب طهران بالذات ؟
4 – الانتماء الرئيسي لحزب الله : لقد جرى تضمين الولاء والإنتماء لإيران وللخميني ولولاية الفقيه في بيان حزب الله التأسيسي عام 1985 الذي جاء فيه (إننا ابناء أمة حزب الله التي نصر الله طليعتها في ايران ... نلتزم بأوامر قيادة حكيمة وعادلة تتمثل بالولي الفقيه الجامع للشرائط وتتجسد حاضراً بالامام المسدد آية الله العظمى روح الله الموسوي الخميني) . لنتذكر متى صدر هذا البيان لان ذلك مهم جدا في تحديد وظيفة وهوية حزب الله ، فعام 1985 كان عاما شرسا من اعوام الحرب التي فرضتها ايران على العراق والتي استمرت ثمانية اعوام ، لذلك فان وقوف حزب يفترض انه عربي الانتماء مع ايران خميني ، ذات النهج القومي الفارسي المعادي للامة العربية ، والتي تحارب العراق والقومية العربية علنا ورسميا ( خميني كفّر القومية العربية ) يبرز خطورة كون هذا الحزب ذراعا ايرانية رسمية وفعلية .
انه بولاءه والتزامه يتبع ايران ويخضع لها وليس للبنان ولمصلحته الوطنية ، والديل هو انه حين تتعارض مصالح لبنان مع مصالح ايران فان حزب الله يتبع اوامر مرجعيته الرسمية والفعلية وليس اوامر الدولة اللبنانية او متقتضيات المصلحة اللبنانية . لقد اصبحت الطائفة هي الهوية وليس الوطنية او القومية ، وذلك انقلاب خطير جدا على مستقبل الامة العربية بكافة اقطارها ، وبالاضافة لتجربة لبنان منذ عام 2006 ، حينما اشعل حزب الله حربا مع الكيان الصهيوني لم تكن للبنان مصلحة فيها وانما صممت لخدمة ستراتيجية ايران ، فان تجربة غزو العراق وقيام عراقيين ، من اشقاء حسن نصرالله ، بتنفيذ اوامر ايران بدعم الاحتلال والمشاركة فيه تقدم لنا دليلا حاسما على ان تغليب الانتماء الطائفي على الانتماء الوطني والهوية القومية هو اخطر ما يواجه الحركة الوطنية العربية في كافة الاقطار العربية .
5 – حزب الله جزء من المنظومة الدفاعية الايرانية الخارجية : كشف الرئيس الايراني السابق خاتمي تبعية حزب الله لإيران حينما اكد للسفير الامريكيفرانك ويزنر ان تسليح وتمويل حزب الله يأتي في اطار بناء دفاعات ايران والتخطيط لهافي الساحة الخارجية حتى لا تضع امريكا يدها في حلق ايران. [ أنظر صحيفة الأهرام / الدكتور عزمي خليفه / 20/4/2009 ] . وهذا الاعتراف من قبل خاتمي الذي يعد ( معتدلا ) هو تفسير دقيق وصحيح جدا للنظرية الجيوبولوتيكية التي تعتمدها ايران والتي تقوم على عدم خوض ايران صراعاتها مع منافسيها الاقليميين كاسرائيل ، والدوليين كامريكا ، على حدودها الاقليمية مباشرة ونقل الصراع الى مقترباتها الستراتيجية بعيدا عن حدودها ، لتجنب الخسائر والانكشاف الستراتيجي المباشر ووقوع الصراع على اراضيها الوطنية . ولبنان يعد احد اهم هذه المقتربات الستراتيجية الايرانية التي تتصارع فيها وحولها ايران مع خصومها ومنافسيها الدوليين والاقليميين لحماية اراضي وسكان ايران من مخاطر الصراع والتنافس وامتلاك قدرة عالية على المناورات الستراتيجية . ان واحدا من اهم اهداف ايران من وراء دعم غزو امريكا للعراق هو هدف توريط امريكا في حرب استنزاف رئيسية خارج حدودها – حدود ايران - لكي تأمن من أي احتمال بان تكون هي هدفا قادما ، فامريكا المستنزفة والمهزومة في العراق بفضل المقاومة العراقية لا تستطيع حتى ممارسة ضغط فعال على ايران ، لذلك يعد التعاون الامريكي الايراني ضد العراق احد اهم مظاهر وتطبيقات نظرية ايران القائلة بضرورة خوض الصراعات خارج حدودها الاقليمية . وفي اطار هذا المفهوم الجيوبولوتيكي فان حزب الله ذراع ايرانية تشاغل منافسي ايران في جبهات بعيدة عن الحدود الاقليمية الايرانية وتستنزف طاقاتهم وتربكهم وتعطل او تخفف الضغط على ايران ، اضافة لتهديد مصالح امريكا اذا اقتضت مصلحة ايران ذلك .
6 – حزب الله تنظيم عسكري يدافع عن ايران اثناء حروبها : ومن المهم ان نلاحظ بان دور حزب الله الخادم لايران لم يقتصر على تحويل لبنان الى ساحة الهاء واستنزاف لمنافسي ايران ، ولا على تأمين دعم كتاب وساسة عرب لايران ، بل اكثر من ذلك واخطر منه هو انه شارك في الواجبات القتالية الايرانية داخل العراق ، فقد أعترف أكثر من مسؤول إيراني بإن قوات من حزب الله حاربت الى جانب القوات الإيرانية ضد القوات العراقية طيلة فترة الحرب العراقية الإيرانية ( 1980 – 1988 ) . ومن هذه التصريحات ما قاله وزير الداخلية الإيراني الأسبق السيد محتشمي لصحيفة (شرق) الإيرانية يوم 4/8/2006 ، أي بعد غزو العراق وهو ما كانت ايران تنكره قبل غزوه حماية لدور حزب الله في الوطن العربي ، من أن مقاتلي حزب الله شاركوا بجانب الجيش الإيراني في الحرب العراقية الإيرانية ، وحاربوا العراق .
بل ان حزب الله شارك مباشرة حتى في قمع عرب الاحواز ، فقد أكّد مسؤولون في حركة تحرير الأحواز أن مقاتلين من حزب الله شاركوا القوات الرسمية الإيرانية في قمع إنتفاضتهم ، وأنهم كانوا أشد قسوة على عرب الأحواز من الجيش الفارسي واكثر وحشية .
7 – دعم بقية ابتاع ايران : ووصلت تبعية حزب الله لايران درجة خطيرة حينما ساهم في جهود إيران لتسهيل الغزو الأمريكي للعراق ، فقدم حزب الله كل الدعم السياسي والعسكري للحكومات الطائفية المنشأة في ظل الإحتلال ، وساهم للترويج للطائفية السياسية في العراق ، وافتى بضرورة المشاركة في العملية السياسية في العراق تحت ظل الاحتلال ، ودعم الاحزاب الطائفية العميلة لايران ، مثل حزب الدعوة والمجلس الاعلى وغيرهما . ودخلت وحدات من حزب الله الى العراق مع بدء الغزو بعلم ومباركة قوات الإحتلال ، وساهمت عناصر من الحزب بعد احتلال العراق في تدريب الميليشيات الطائفية ، ومنها جيش المهدي وفيلق بدر ، على عمليات تفخيخ السيارات وتدمير المنشآت ، كما ساهمت معها في إغتيال البعثيين وضباط الجيش العراقي . بل ان المقاومة العراقية ألقت القبض على لبناني اعترف بانه من حزب الله وانه جاء لاكمال عملية تسليم تنظيم القاعدة اسلحة من ايران !
ملاحظة جديدة : اعلن حزب الله رسميا انه يدعم الحوثيين في اليمن ، واتهمت مصادر يمنية حزب الله بانه درب الحوثيين على حرب الجبال وزودهم بخبرته التي راكمها اثناء الاشتباكات مع الكيان الصهيوني ، ومنها تخزين الاسلحة والغذاء والماء في كهوف علمهم حزب الله على كيفية صنعها في جبال اليمن .
8 – تضليل باسم دعم المقاومة الفلسطينية : ومن مظاهر التخلف ، اذا افترضنا حسن النية ، ان يقول صهاينة طهران العرب ، اي الطابور الايراني الخامس ، بان وجود حزب الله ضروري بعد تحرير الجنوب من اجل دعم المقاومة الفلسطينية وتحرير فلسطين ، انتبهوا نصرالله انكر مرارا ان واجبه هو المساهمة بتحرير فلسطين وصهاينة طهران يزايدون على طهران وحزب الله في نسب دور لحزب الله نفاه رسميا ! وهذا القول يفرض طرح السؤال التالي : إذا لماذا لم ينصر نصر الله الفلسطينيين المتعرضين لأكبر محنة في تاريخهم منذ نكبة 48 اثناء هولوكوست غزة وبقي يتفرج ، مثل باقي الانظمة العربية ، مكتفيا بالدعم اللفظي والسياسي ووصل به الضعف والتراجع عن تعهداته بدعم المقاومة حد انكار انه ضرب شمال الكيان الصهيوني اثناء هولوكوست غزة ؟
ان القصة الفضيحة معروفة الان وتشكل احد اهم عناصر كشف الوظيفة الحقيقية للحزب وادانته ، فلقد قال الجيش الإسرائيلي إن صواريخا من طراز كاتيوشا سقطت صباح الخميس ( اثناء مجزرة غزة ) في مدينة نهاريا الساحلية ومنطقة شلومي المتاخمتين للحدود مع لبنان أسفرت عن وقوع 5 إصابات وصفت بالطفيفة فيما انتابت السكان حالة من الهلع . و في أول رد فعل له قام غسان بن جدو مدير مكتب قناة الجزيرة في بيروت ، واحد اهم العناصر التي ربتها ودربتها المخابرات الايرانية ، وفي اتصال مع قناة الجزيرة بإيراد احتمالات انطلاق هذه الصواريخ وهو إما أجهزة استخبارات إسرائيلية تقوم بوضع هذه الصواريخ لاستدراج حزب الله إلى حرب جديدة ( لا حظوا اصبح الصراع مع اسرائيل هو استدراج حزب الله الى حرب كما يقول بن جدو !) ، أو قوى متعاطفة مع غزة ، والمهم يؤكد جدو أنها ليست من حزب الله ، وعلى هذا المعنى أخذ يركز بن جدو بطريقة مفتعلة في مداخلته على قناة الجزيرة لمدة عشر دقائق وتأكيده على عدم وجود أي دور لحزب الله في هذه الصواريخ . و يلاحظ أن هذا تكرر مع صواريخ الناقورة التي نفى مسئوليته عنها حسن نصر الله بنفسه وبحماس مشهود ولافت للنظر .
و سرعان ما جاء رد الفعل الإسرائيلي على نفي بن جدو وهو تأكيد حديثه أن حزب الله غير مسئول عن هذه الصواريخ . وبعد النفي الاسرائيلي فقط جاء نفي حزب الله الرسمي !! لقد تداولت وكالات الأنباء أنه بعد صواريخ الجنوب اللبناني تجاه الشمال الإسرائيلي دعت حركة أمل الأحزاب والفصائل الفلسطينية إلى اجتماع طارئ لبحث المستجدات . وفي هذا الاجتماع حاول نبيه بري أن يضبط عمل الفصائل الفلسطينية وضرورة ضبط أنصارهم وخاصة الفلسطينيين وعدم اطلاق صواريخ على شمال اسرائيل . ان دور نبيه بري معروف في المشروع الإيراني في المنطقة : ففي الخطط التي تتطلب الأعمال القذرة العلنية ، كقتل الفلسطينيين ، تسند إلى بري بينما يبقى نصر الله محافظا على صورته النقية ( كمقاوم لاسرائيل ) ، في لعبة توزيع الأدوار التي تمارسها القيادة الإيرانية باقتدار وذكاء في لبنان .
هنا نتوقف عند قضية حاسمة وهي تتجسد في السؤال التالي : إذن لمن تسليح حزب الله ، الذي يفوق قدرة ونوعية تسليح الجيش اللبناني ، إذا لم يكن موجها لإسرائيل ؟ وهذا السؤال يفرخ العديد من الاسئلة : لم لم يساند حزب الله حماس والمقاومة الفلسطينية في غزة أثناء العدوان عليه شعبها ؟ ولم نفى حزب الله انه اطلق الصواريخ مع انه يتعمد نسب كل فضائل ضرب الكيان الصهيوني له ؟ مالفرق العملي بين موقفه وموقف الانظمة العربية وايران من هذه القضية ؟ في مجال الدعم السياسي والمالي لغزة قدمت الانظمة العربية اموالا اكثر بعشرات المرات من دعم ايران لحماس فهل تقلص دور حزب الله ليصبح دعم المقاومة بالمال والاعلام مثل الانظمة العربية ؟
لماذا يستمر بلصق اسم المقاومة به اذا كان لا يريد تحرير فلسطين ولا يخوض الصراع العسكري مع الكيان الصهيوني دعما للمقاومة الفلسطينية ، او لتحرير مزارع شبعا ؟ يقاوم من اذن ؟ ليس في لبنان جزءا محتلا غير قرية تسمى شبعا ، وكان هناك خلاف حول تبعيتها هل هي لبنانية أم سورية ؟ هل تستحق ، وهي مزارع ، كل هذا التضخيم لدوره مع انه لم يطلق رصاصة واحدة على ومن مزارع شبعا ؟
وحتى لو افترضنا بان حزب الله يحتفظ بسلاحه الضخم من اجل استرجاع مزارع شبعا فهل صراعه مع الغزو الصهيوني هو الصراع الرئيسي في المنطقة كي يستحق ان يصبح موضع دعاية صهاينة طهران العرب التي وصفته ب ( سيد المقاومة ) مع ان المقاومة في لبنان انتهت بتحرير الجنوب ؟ ان الصراع الرئيسي يتحدد عمليا ونظريا بطبيعة المشكلة نوعا وكما ، وفي منطقتنا ووطننا العربي فان المشكلة هي الاحتلال لذلك فان السؤال المنطقي الاخر هو اين يقع الاحتلال الرئيسي ؟ هل احتلال مزارع شبعا ام احتلال العراق ؟
ان موقف حزب الله من هولوكوست غزة مؤشر خطير ولا يخطأ ابدا للوظيفة والدور الحقيقيين للحزب ، فكما اشرنا ونعيد لاهمية ذلك الموقف التساؤل : لماذا رفض حزب الله اطلاق رصاصة واحدة على الكيان الصهيوني اثناء هولوكوست غزة بل انه انكر فورا وجود اي علاقة له بصواريخ اطلقت على الكيان الصهيوني من جنوب لبنان تضامنا مع الشعب الفلسطيني في غزة اثناء الهولوكوست ؟ ولماذا رفض حزب الله تنفيذ وعوده ، الكثيرة والمتكررة والمنقولة من شاشات التلفاز ، بدعم المقاومة الفلسطينية بفتح جبهة ثانية من لبنان اذا تعرضت لهجمات من قبل الكيان الصهيوني ؟
لا تظهر معاني هذا الموقف الحقيقية الكاملة الا اذا تذكرنا انه كان يخوض معارك ويطلق صواريخ على شمال الكيان الصهيوني من اجل اما اطلاق سراح اسير او اثنين ، او اقلاق الكيان الصهيوني ، او توفير غطاء مقبول لدعم ايران عن طريق تفجير حرب كحرب عام 2006 ، من هنا فان المرء الذي احسن الظن بحزب الله وزعيمه يجد نفسه مجبرا على التساؤل : ايهما اهم واخطر اطلاق سراح اسير او مبادلة جثث عبر افتعال ازمات مسلحة ، وكانت قمتها حرب 2006 ، ام دعم الشعب الفلسطيني في غزة اثناء تعرضه لهولوكوست راح ضحيته اكثر من 1550 شهيد فلسطيني ودمر غزة ، واستخدام حزب الله لاسلحته ضد الكيان الصهيوني ، ومنها الاف الصواريخ في مخازن في جنوب لبنان ، كما قال ووعد نصر الله ، وكان يمكن لها ان تدوخ الكيان الصهيوني وتردعه وتساهم في ايقاف الهولوكوست الفلسطيني ؟ وعدم استخدام ترسانة الاسلحة الهائلة والتي تتفوق على ترسانة الجيش اللبناني يفرض طرح سؤال منطقي وهو : اذن ضد من ستستخدم هذه الاسلحة اذا لم تكن لدعم الشعب الفلسطيني وتخفيف الهجمات القاتلة عليه ؟ وضد من ستستخدم اذا كانت لا تستخدم لتحرير مزارع شبعا ؟ احد اهم دروس هولوكوست غزة كان فضح دعايات حزب الله ووعوده الكثيرة واثبات انه لا يقاتل او يفتعل ازمة الا بامر ايراني ولخدمة مصلحة ايرانية .
9- عبودية حزب الله : ويجب ان لاننسى اطلاقا حقيقة جوهرية تحدد مسار حزب الله وتجعله فولاذيا بصورة حتمية ، وهي طبيعته الجينية فهو حزب طائفي نشأ على اساس طائفي وباسم طائفة وبمبادئ واهداف طائفية ، ولخدمة ايران ومصالحها القومية ، والاهم والاخطر انه اعتنق اسوأ ما في المذهب الصفوي من التزامات وهو ( ولاية الفقيه ) التي تجعل المؤمن بها عبدا كامل العبودية لمرجعه الطائفي ، وجاء تشكيله ليبدأ مرحلة جديدة عنوانها تقسيم لبنان الى دويلات تكون احداها تابعة لايران في اطار سايكس بيكو الثانية التي يجب ان تقسم كل الاقطار العربية على اسس عرقية او طائفية . ولقد قدم حسن نصرالله دليلا مضافا حسم الكثير من الامور التي كانت تنكر او كانت موضع خلاف ، يوم 15 / 5 / 2009 ، حينما اكد ما كنا نقوله وهو ان حزب الله ينفذ ستراتيجية مدروسة ومتدرجة لفرض سيطرته على لبنان وانهاء الوضع التقليدي له ، بصفته قطرا يقوم على مبدأ التوافق بين مكوناته ، فقد قال بالحرف الواحد ما يلي مخاطبا من يحكم لبنان : ( إننا نريد مشاركتكم ، لكن إن رفضتم ذلك فلن نتوسل إليكم . ومن استطاع هزم أقوى جيش في العالم في إمكانه أن يدير بلدا أكبر مائة مرة من لبنان . ونحن الأقدر على إدارة بلدنا وشؤوننا ) . المصدر غزة- دنيا الوطن 16 / 5 / 2009
قبل كل شيء لاحظوا كيف ان نصر الله يكذب بصورة ساذجة رغم ذكاءه ، فالجيش الاسرائيلي ليس اقوى جيش في العالم كما ادعى بل ان كل العالم يعرف ان اقوى جيش هو الجيش الامريكي ، وكذب نصر الله مقصود لانه بجعل الجيش الاسرائيلي اقوى جيش في العالم يضخم دوره هو ، ومن جهة ثانية يريد التعتيم على المقاومة العراقية بانكار ان الجيش الامريكي اقوى جيش في العالم لانها مرغت انف امريكا في اوحال العراق . وعدم الدقة الفاحشة هذه وظيفتها اضفاء صفات غريبة على حزب الله وهي مؤشر الى حقيقة ان نصرالله لا تهمه الحقيقة بقدر ما تهمه قضية دوره في تنفيذ المخطط الايراني الاستعماري .
بهذه الكلمات الخطيرة التي مررها من يطلق عليه صهاينة طهران العرب وطابورها الخامس تسمية ( سيد المقاومة ) اعلن رسميا انه يسعى للسيطرة على كل لبنان وحكم كل لبنان ووضع نهاية حاسمة لمبدأ التوافق الذي قامت عليه لبنان ! ان من لا ينتبه لخطورة هذا التصريح التقسيمي نشك في قدرته على فهم ما يجري فعلا في كل الوطن العربي ، لقد اكد نصر الله انه مستعد لحكم لبنان بلا الاطراف الاخرى ، وان من سيرفض المشاركة سيهمل ، وهذا موقف يعني ، دون ادنى شك ، تقسيم لبنان وتحويله مرة اخرى الى ساحة حرب وتصفية حسابات اقليمية ودولية ، من جهة ، وهو من جهة ثانية يكشف عن وظيفة التأهيل الوطني المقاوم لحزب الله بقوله ان حزب الله الذي هزم ( اقوى جيش ) في العالم قادر على ادارة بلد اكبر من لبنان بمائة مرة ! تحت تأثير الدور الوطني المقاوم لحزب الله تريد المخابرات الايرانية ان تنفذ اقذر خطة في لبنان وهي تقسيمه ، ولئن كان تنفيذ القرار الامريكي الايراني تقسيم العراق قد تم على يد عملاء للاحتلال الامريكي – الايراني ، كالحكيم - ابن خالة حسن نصر الله وتوأمه في التبعية لايران - والمالكي والجعفري فاستحق ذلك ادانة الشعب العراقي ، فان تقسيم لبنان ، او تقاسمه بين ايران امريكا والكيان الصهيوني ، يراد له ان يتم تحت غطاء المقاومة لاسرائيل . والسؤال الجوهري هنا هو : مالفرق بين تقسيم للعراق اريد له ان يتم تحت لافتة خدمة الاحتلال وتقسيم لبنان الذي يريد نصرالله تنفيذه باسم المقاومة ؟
ومن ممهدات تقسيم لبنان في خطة المخابرات الايرانية اعلان نصرالله رفضه للقضاء اللبناني مسبقا كي يستطيع فيما بعد رفض تحكيمه او اي دور له ، اذ قال حرفيا ( أنه لا يوجد في لبنان شيء اسمه سلطة قضائية ) - غزة دنيا الوطن 16 / 5 / 2009 - مستغلا وجود ثغرات في النظام القضائي اللبناني كان حزب الله ، وقبله حركة امل كما المعسكر الاخر الموالي للغرب دور اساسي في اضعافه . ان نفي وجود سلطة قضائية ورفض اي مرجعية تحكيم في لبنان وجعل سلاح حزب الله الذي ( دحر اقوى جيش في العالم ) كما قال قوة ابتزاز داخلي ، والكشف عن الاستعداد لحكم لبنان بشكل منفرد واقصاء الاطراف الاخرى التي تشكل الكيان اللبناني ، يحسم هوية واهداف حزب الله الحقيقية ، وهي انه حزب ينفذ مخطط التفتيت الطائفي في الوطن العربي ولكن تحت غطاء مقاومة اسرائيل ! هل ترون المفارقة الخطيرة هنا ؟ ان مقاومة اسرائيل تصبح غطاء للشرذمة والتقسيم مع ان جوهر المخطط الاسرائيلي التقليدي والثابت هو تقسيم كل الاقطار العربية ! هنا تكمن العبقرية والدهاء الايرانيين مقابل التخلف المريع للحكام العرب .
اذن ما هو الدور الحقيقي لحزب الله في لبنان والمنطقة ؟ انه دور الممهد لقبول النفوذ الايراني والمسوغ لدعم الاحتلالات الايرانية في الوطن العربي ، والمورط لعرب في مستنقعات الخيانة الوطنية والقومية ، لكنه يفعل كل ذلك تحت غطاء المقاومة ! فهل هو حزب مقاومة او انه حزب مساومة ؟
واخيرا نعيد التذكير بان عبودية حزب الله لايران تصل حدا يفتقر للكرامة الانسانية حيث ان حسن نصرالله ( سيد المقاومة ) لا يستطيع الا تقبيل يد مرجعه الاعلى علي خامنئي كلما التقاه ، فهل يستطيع من يقبل يد شخص ما الاعتراض على اوامره ؟ تذكروا ما حصل لقائد حزب الله في لبنان السابق لحسن وهو صبحي الطفيلي حينما اختار الاعتراض ولو على امور ثانوية : لقد طرد من الحزب شر طردة وكفّر .
يتبع
هنا نصل الى منطقة الضوء الساطع والذي يجعل حيل الطابور الايراني تنكشف الواحدة اثر الاخرى على مسرح البديهيات الستراتيجية ، والقومية والوطنية ، التي تميز الثانوي عن الرئيسي خصوصا في تحديد دور حزب الله وايران وحماس والمقاومة العراقية .
حزب الله حزب مساوم وليس حزب مقاوم
لتجنب الجدل البيزنطي حول تحديد الهوية الحقيقية لحزب الله وتقييم دوره الحالي ينبغي مناقشة واقعه وممارساته الفعلية ونوعية صلته بايران وتوقيتات عملياته العسكرية او فعالياته السياسية في ضوء الحقائق التالية كي يكون حكمنا موضوعيا : -
1 – المقاومة وسيلة وليست غاية : حينما احتل الكيان الصهيوني جنوب لبنان اصبح تحريره واجبا وطنيا لابد منه ، وبسبب هذه الحقيقة فان معركة المقاومة اللبنانية مع الكيان الصهيوني انتهت بتحرير جنوب لبنان ، لان المقاومة المسلحة ليست غاية بحد ذاتها بل هي اسلوب ووسيلة ، وحينما يتحرر الوطن او الجزء المحتل منه تنتهي المقاومة ، وما بقي من قرى محتلة كمزارع شبعا لم يعد محور اهتمام حزب الله ، بدليل انه لم يقم باي عملية مسلحة في المزارع ضد الاحتلال ، بل انه منذ تحرير الجنوب يقوم بمناوراته السياسية والنفسية في مناطق اخرى من لبنان . ان تحرير مزارع شبعا حتى لو كان هدفا لحزب الله فهو هدف ثانوي وقضية ملحقة بالصراعات الرئيسية في المنطقة ، ولا يشكل بالمعايير الستراتيجية قضية رئيسية ، على مستوى الستراتيجية العربية العامة ، خصوصا وان حزب الله لم يضع خطة عسكرية لتحريرها ولم يحول مزارع شبعا الى ساحة حرب تحرير ، وترك الامر للمفاوضات .
2 – وظيفة سلاح المقاومة : والسؤال الجوهري هنا هو : هل تستحق مزارع شبعا ان يبقى حزب الله منظمة اقوى من الدولة اللبنانية ويستخدم هذه القوة الفائضة لابتزاز الدولة والمجتمع ولاستعباد اللبنانيين والاعتداء عليهم وقتلهم ، كما حصل حينما احتل بيروت في صيف عام 2008 وقتل اكثر من مائة لبناني مع انه وعد اكثر من مرة بعدم استخدام سلاح المقاومة ضد لبنانيين ؟ وهل يجوز ان يستخدم قوته التي بناها تحت غطاء مقاومة الاحتلال الاسرائيلي ، ليسيطر على مطار بيروت ويستخدمه لامرار الاف الايرانيين الى لبنان ، والذين يعملون على تغيير بنية لبنان التقليدية وتحويله من قطر عربي الى مخفر ايراني امامي للتأمر على الامة العربية وليس على الكيان الصهيوني ؟ لقد قام حزب الله بتأهيل نفسه سايكولوجيا بخوض صراعات مع الكيان الصهيوني اثناء احتلاله للجنوب من اجل اكتساب سمعة طيبة واستغلالها فيما بعد للسيطرة في الداخل خدمة للمخطط الايراني الاقليمي الذي نراه الان بوضوح لا ينكره الا اعمى البصر والبصيرة .
3 – هدف حزب الله : هناك افراد في الطابور الخامس الايراني يدعي ان حزب الله وجد من اجل تحرير فلسطين وانه اداة مواجهة مع الكيان الصهيوني ! هل هذا صحيح ؟ ام انه دعاية بائسة ؟ اننا لا نريد الاستناد الى مصادر غير مصادر حزب الله في تحديد طبيعته واهدافه الستراتيجية ودوره ، ادخلوا شبكة حزب الله واقرأوا ما يريده نصر الله ، الذي قال بان هدفه ليس تحرير فلسطين وانما تحرير الارض اللبنانية المحتلة وانه يدعم المقاومة الفلسطينية المسئولة عن تحرير الارض الفلسطينية ، والان وقد تحرر الجنوب فان اهم سؤال يطرح هو : لم بقي حزب الله في لبنان بقوته الفائقة التي لن تستخدم بعد الان ضد الكيان الصهيوني ، وهو ما قلناه مباشرا بعد حرب 2006 ، لان امريكا والكيان الصهيوني ابلغا ايران بعد حرب عام 2006 بان أي ازمة كبيرة يفتعلها حزب الله سوف يكون الرد عليها بضرب طهران بالذات ؟
4 – الانتماء الرئيسي لحزب الله : لقد جرى تضمين الولاء والإنتماء لإيران وللخميني ولولاية الفقيه في بيان حزب الله التأسيسي عام 1985 الذي جاء فيه (إننا ابناء أمة حزب الله التي نصر الله طليعتها في ايران ... نلتزم بأوامر قيادة حكيمة وعادلة تتمثل بالولي الفقيه الجامع للشرائط وتتجسد حاضراً بالامام المسدد آية الله العظمى روح الله الموسوي الخميني) . لنتذكر متى صدر هذا البيان لان ذلك مهم جدا في تحديد وظيفة وهوية حزب الله ، فعام 1985 كان عاما شرسا من اعوام الحرب التي فرضتها ايران على العراق والتي استمرت ثمانية اعوام ، لذلك فان وقوف حزب يفترض انه عربي الانتماء مع ايران خميني ، ذات النهج القومي الفارسي المعادي للامة العربية ، والتي تحارب العراق والقومية العربية علنا ورسميا ( خميني كفّر القومية العربية ) يبرز خطورة كون هذا الحزب ذراعا ايرانية رسمية وفعلية .
انه بولاءه والتزامه يتبع ايران ويخضع لها وليس للبنان ولمصلحته الوطنية ، والديل هو انه حين تتعارض مصالح لبنان مع مصالح ايران فان حزب الله يتبع اوامر مرجعيته الرسمية والفعلية وليس اوامر الدولة اللبنانية او متقتضيات المصلحة اللبنانية . لقد اصبحت الطائفة هي الهوية وليس الوطنية او القومية ، وذلك انقلاب خطير جدا على مستقبل الامة العربية بكافة اقطارها ، وبالاضافة لتجربة لبنان منذ عام 2006 ، حينما اشعل حزب الله حربا مع الكيان الصهيوني لم تكن للبنان مصلحة فيها وانما صممت لخدمة ستراتيجية ايران ، فان تجربة غزو العراق وقيام عراقيين ، من اشقاء حسن نصرالله ، بتنفيذ اوامر ايران بدعم الاحتلال والمشاركة فيه تقدم لنا دليلا حاسما على ان تغليب الانتماء الطائفي على الانتماء الوطني والهوية القومية هو اخطر ما يواجه الحركة الوطنية العربية في كافة الاقطار العربية .
5 – حزب الله جزء من المنظومة الدفاعية الايرانية الخارجية : كشف الرئيس الايراني السابق خاتمي تبعية حزب الله لإيران حينما اكد للسفير الامريكيفرانك ويزنر ان تسليح وتمويل حزب الله يأتي في اطار بناء دفاعات ايران والتخطيط لهافي الساحة الخارجية حتى لا تضع امريكا يدها في حلق ايران. [ أنظر صحيفة الأهرام / الدكتور عزمي خليفه / 20/4/2009 ] . وهذا الاعتراف من قبل خاتمي الذي يعد ( معتدلا ) هو تفسير دقيق وصحيح جدا للنظرية الجيوبولوتيكية التي تعتمدها ايران والتي تقوم على عدم خوض ايران صراعاتها مع منافسيها الاقليميين كاسرائيل ، والدوليين كامريكا ، على حدودها الاقليمية مباشرة ونقل الصراع الى مقترباتها الستراتيجية بعيدا عن حدودها ، لتجنب الخسائر والانكشاف الستراتيجي المباشر ووقوع الصراع على اراضيها الوطنية . ولبنان يعد احد اهم هذه المقتربات الستراتيجية الايرانية التي تتصارع فيها وحولها ايران مع خصومها ومنافسيها الدوليين والاقليميين لحماية اراضي وسكان ايران من مخاطر الصراع والتنافس وامتلاك قدرة عالية على المناورات الستراتيجية . ان واحدا من اهم اهداف ايران من وراء دعم غزو امريكا للعراق هو هدف توريط امريكا في حرب استنزاف رئيسية خارج حدودها – حدود ايران - لكي تأمن من أي احتمال بان تكون هي هدفا قادما ، فامريكا المستنزفة والمهزومة في العراق بفضل المقاومة العراقية لا تستطيع حتى ممارسة ضغط فعال على ايران ، لذلك يعد التعاون الامريكي الايراني ضد العراق احد اهم مظاهر وتطبيقات نظرية ايران القائلة بضرورة خوض الصراعات خارج حدودها الاقليمية . وفي اطار هذا المفهوم الجيوبولوتيكي فان حزب الله ذراع ايرانية تشاغل منافسي ايران في جبهات بعيدة عن الحدود الاقليمية الايرانية وتستنزف طاقاتهم وتربكهم وتعطل او تخفف الضغط على ايران ، اضافة لتهديد مصالح امريكا اذا اقتضت مصلحة ايران ذلك .
6 – حزب الله تنظيم عسكري يدافع عن ايران اثناء حروبها : ومن المهم ان نلاحظ بان دور حزب الله الخادم لايران لم يقتصر على تحويل لبنان الى ساحة الهاء واستنزاف لمنافسي ايران ، ولا على تأمين دعم كتاب وساسة عرب لايران ، بل اكثر من ذلك واخطر منه هو انه شارك في الواجبات القتالية الايرانية داخل العراق ، فقد أعترف أكثر من مسؤول إيراني بإن قوات من حزب الله حاربت الى جانب القوات الإيرانية ضد القوات العراقية طيلة فترة الحرب العراقية الإيرانية ( 1980 – 1988 ) . ومن هذه التصريحات ما قاله وزير الداخلية الإيراني الأسبق السيد محتشمي لصحيفة (شرق) الإيرانية يوم 4/8/2006 ، أي بعد غزو العراق وهو ما كانت ايران تنكره قبل غزوه حماية لدور حزب الله في الوطن العربي ، من أن مقاتلي حزب الله شاركوا بجانب الجيش الإيراني في الحرب العراقية الإيرانية ، وحاربوا العراق .
بل ان حزب الله شارك مباشرة حتى في قمع عرب الاحواز ، فقد أكّد مسؤولون في حركة تحرير الأحواز أن مقاتلين من حزب الله شاركوا القوات الرسمية الإيرانية في قمع إنتفاضتهم ، وأنهم كانوا أشد قسوة على عرب الأحواز من الجيش الفارسي واكثر وحشية .
7 – دعم بقية ابتاع ايران : ووصلت تبعية حزب الله لايران درجة خطيرة حينما ساهم في جهود إيران لتسهيل الغزو الأمريكي للعراق ، فقدم حزب الله كل الدعم السياسي والعسكري للحكومات الطائفية المنشأة في ظل الإحتلال ، وساهم للترويج للطائفية السياسية في العراق ، وافتى بضرورة المشاركة في العملية السياسية في العراق تحت ظل الاحتلال ، ودعم الاحزاب الطائفية العميلة لايران ، مثل حزب الدعوة والمجلس الاعلى وغيرهما . ودخلت وحدات من حزب الله الى العراق مع بدء الغزو بعلم ومباركة قوات الإحتلال ، وساهمت عناصر من الحزب بعد احتلال العراق في تدريب الميليشيات الطائفية ، ومنها جيش المهدي وفيلق بدر ، على عمليات تفخيخ السيارات وتدمير المنشآت ، كما ساهمت معها في إغتيال البعثيين وضباط الجيش العراقي . بل ان المقاومة العراقية ألقت القبض على لبناني اعترف بانه من حزب الله وانه جاء لاكمال عملية تسليم تنظيم القاعدة اسلحة من ايران !
ملاحظة جديدة : اعلن حزب الله رسميا انه يدعم الحوثيين في اليمن ، واتهمت مصادر يمنية حزب الله بانه درب الحوثيين على حرب الجبال وزودهم بخبرته التي راكمها اثناء الاشتباكات مع الكيان الصهيوني ، ومنها تخزين الاسلحة والغذاء والماء في كهوف علمهم حزب الله على كيفية صنعها في جبال اليمن .
8 – تضليل باسم دعم المقاومة الفلسطينية : ومن مظاهر التخلف ، اذا افترضنا حسن النية ، ان يقول صهاينة طهران العرب ، اي الطابور الايراني الخامس ، بان وجود حزب الله ضروري بعد تحرير الجنوب من اجل دعم المقاومة الفلسطينية وتحرير فلسطين ، انتبهوا نصرالله انكر مرارا ان واجبه هو المساهمة بتحرير فلسطين وصهاينة طهران يزايدون على طهران وحزب الله في نسب دور لحزب الله نفاه رسميا ! وهذا القول يفرض طرح السؤال التالي : إذا لماذا لم ينصر نصر الله الفلسطينيين المتعرضين لأكبر محنة في تاريخهم منذ نكبة 48 اثناء هولوكوست غزة وبقي يتفرج ، مثل باقي الانظمة العربية ، مكتفيا بالدعم اللفظي والسياسي ووصل به الضعف والتراجع عن تعهداته بدعم المقاومة حد انكار انه ضرب شمال الكيان الصهيوني اثناء هولوكوست غزة ؟
ان القصة الفضيحة معروفة الان وتشكل احد اهم عناصر كشف الوظيفة الحقيقية للحزب وادانته ، فلقد قال الجيش الإسرائيلي إن صواريخا من طراز كاتيوشا سقطت صباح الخميس ( اثناء مجزرة غزة ) في مدينة نهاريا الساحلية ومنطقة شلومي المتاخمتين للحدود مع لبنان أسفرت عن وقوع 5 إصابات وصفت بالطفيفة فيما انتابت السكان حالة من الهلع . و في أول رد فعل له قام غسان بن جدو مدير مكتب قناة الجزيرة في بيروت ، واحد اهم العناصر التي ربتها ودربتها المخابرات الايرانية ، وفي اتصال مع قناة الجزيرة بإيراد احتمالات انطلاق هذه الصواريخ وهو إما أجهزة استخبارات إسرائيلية تقوم بوضع هذه الصواريخ لاستدراج حزب الله إلى حرب جديدة ( لا حظوا اصبح الصراع مع اسرائيل هو استدراج حزب الله الى حرب كما يقول بن جدو !) ، أو قوى متعاطفة مع غزة ، والمهم يؤكد جدو أنها ليست من حزب الله ، وعلى هذا المعنى أخذ يركز بن جدو بطريقة مفتعلة في مداخلته على قناة الجزيرة لمدة عشر دقائق وتأكيده على عدم وجود أي دور لحزب الله في هذه الصواريخ . و يلاحظ أن هذا تكرر مع صواريخ الناقورة التي نفى مسئوليته عنها حسن نصر الله بنفسه وبحماس مشهود ولافت للنظر .
و سرعان ما جاء رد الفعل الإسرائيلي على نفي بن جدو وهو تأكيد حديثه أن حزب الله غير مسئول عن هذه الصواريخ . وبعد النفي الاسرائيلي فقط جاء نفي حزب الله الرسمي !! لقد تداولت وكالات الأنباء أنه بعد صواريخ الجنوب اللبناني تجاه الشمال الإسرائيلي دعت حركة أمل الأحزاب والفصائل الفلسطينية إلى اجتماع طارئ لبحث المستجدات . وفي هذا الاجتماع حاول نبيه بري أن يضبط عمل الفصائل الفلسطينية وضرورة ضبط أنصارهم وخاصة الفلسطينيين وعدم اطلاق صواريخ على شمال اسرائيل . ان دور نبيه بري معروف في المشروع الإيراني في المنطقة : ففي الخطط التي تتطلب الأعمال القذرة العلنية ، كقتل الفلسطينيين ، تسند إلى بري بينما يبقى نصر الله محافظا على صورته النقية ( كمقاوم لاسرائيل ) ، في لعبة توزيع الأدوار التي تمارسها القيادة الإيرانية باقتدار وذكاء في لبنان .
هنا نتوقف عند قضية حاسمة وهي تتجسد في السؤال التالي : إذن لمن تسليح حزب الله ، الذي يفوق قدرة ونوعية تسليح الجيش اللبناني ، إذا لم يكن موجها لإسرائيل ؟ وهذا السؤال يفرخ العديد من الاسئلة : لم لم يساند حزب الله حماس والمقاومة الفلسطينية في غزة أثناء العدوان عليه شعبها ؟ ولم نفى حزب الله انه اطلق الصواريخ مع انه يتعمد نسب كل فضائل ضرب الكيان الصهيوني له ؟ مالفرق العملي بين موقفه وموقف الانظمة العربية وايران من هذه القضية ؟ في مجال الدعم السياسي والمالي لغزة قدمت الانظمة العربية اموالا اكثر بعشرات المرات من دعم ايران لحماس فهل تقلص دور حزب الله ليصبح دعم المقاومة بالمال والاعلام مثل الانظمة العربية ؟
لماذا يستمر بلصق اسم المقاومة به اذا كان لا يريد تحرير فلسطين ولا يخوض الصراع العسكري مع الكيان الصهيوني دعما للمقاومة الفلسطينية ، او لتحرير مزارع شبعا ؟ يقاوم من اذن ؟ ليس في لبنان جزءا محتلا غير قرية تسمى شبعا ، وكان هناك خلاف حول تبعيتها هل هي لبنانية أم سورية ؟ هل تستحق ، وهي مزارع ، كل هذا التضخيم لدوره مع انه لم يطلق رصاصة واحدة على ومن مزارع شبعا ؟
وحتى لو افترضنا بان حزب الله يحتفظ بسلاحه الضخم من اجل استرجاع مزارع شبعا فهل صراعه مع الغزو الصهيوني هو الصراع الرئيسي في المنطقة كي يستحق ان يصبح موضع دعاية صهاينة طهران العرب التي وصفته ب ( سيد المقاومة ) مع ان المقاومة في لبنان انتهت بتحرير الجنوب ؟ ان الصراع الرئيسي يتحدد عمليا ونظريا بطبيعة المشكلة نوعا وكما ، وفي منطقتنا ووطننا العربي فان المشكلة هي الاحتلال لذلك فان السؤال المنطقي الاخر هو اين يقع الاحتلال الرئيسي ؟ هل احتلال مزارع شبعا ام احتلال العراق ؟
ان موقف حزب الله من هولوكوست غزة مؤشر خطير ولا يخطأ ابدا للوظيفة والدور الحقيقيين للحزب ، فكما اشرنا ونعيد لاهمية ذلك الموقف التساؤل : لماذا رفض حزب الله اطلاق رصاصة واحدة على الكيان الصهيوني اثناء هولوكوست غزة بل انه انكر فورا وجود اي علاقة له بصواريخ اطلقت على الكيان الصهيوني من جنوب لبنان تضامنا مع الشعب الفلسطيني في غزة اثناء الهولوكوست ؟ ولماذا رفض حزب الله تنفيذ وعوده ، الكثيرة والمتكررة والمنقولة من شاشات التلفاز ، بدعم المقاومة الفلسطينية بفتح جبهة ثانية من لبنان اذا تعرضت لهجمات من قبل الكيان الصهيوني ؟
لا تظهر معاني هذا الموقف الحقيقية الكاملة الا اذا تذكرنا انه كان يخوض معارك ويطلق صواريخ على شمال الكيان الصهيوني من اجل اما اطلاق سراح اسير او اثنين ، او اقلاق الكيان الصهيوني ، او توفير غطاء مقبول لدعم ايران عن طريق تفجير حرب كحرب عام 2006 ، من هنا فان المرء الذي احسن الظن بحزب الله وزعيمه يجد نفسه مجبرا على التساؤل : ايهما اهم واخطر اطلاق سراح اسير او مبادلة جثث عبر افتعال ازمات مسلحة ، وكانت قمتها حرب 2006 ، ام دعم الشعب الفلسطيني في غزة اثناء تعرضه لهولوكوست راح ضحيته اكثر من 1550 شهيد فلسطيني ودمر غزة ، واستخدام حزب الله لاسلحته ضد الكيان الصهيوني ، ومنها الاف الصواريخ في مخازن في جنوب لبنان ، كما قال ووعد نصر الله ، وكان يمكن لها ان تدوخ الكيان الصهيوني وتردعه وتساهم في ايقاف الهولوكوست الفلسطيني ؟ وعدم استخدام ترسانة الاسلحة الهائلة والتي تتفوق على ترسانة الجيش اللبناني يفرض طرح سؤال منطقي وهو : اذن ضد من ستستخدم هذه الاسلحة اذا لم تكن لدعم الشعب الفلسطيني وتخفيف الهجمات القاتلة عليه ؟ وضد من ستستخدم اذا كانت لا تستخدم لتحرير مزارع شبعا ؟ احد اهم دروس هولوكوست غزة كان فضح دعايات حزب الله ووعوده الكثيرة واثبات انه لا يقاتل او يفتعل ازمة الا بامر ايراني ولخدمة مصلحة ايرانية .
9- عبودية حزب الله : ويجب ان لاننسى اطلاقا حقيقة جوهرية تحدد مسار حزب الله وتجعله فولاذيا بصورة حتمية ، وهي طبيعته الجينية فهو حزب طائفي نشأ على اساس طائفي وباسم طائفة وبمبادئ واهداف طائفية ، ولخدمة ايران ومصالحها القومية ، والاهم والاخطر انه اعتنق اسوأ ما في المذهب الصفوي من التزامات وهو ( ولاية الفقيه ) التي تجعل المؤمن بها عبدا كامل العبودية لمرجعه الطائفي ، وجاء تشكيله ليبدأ مرحلة جديدة عنوانها تقسيم لبنان الى دويلات تكون احداها تابعة لايران في اطار سايكس بيكو الثانية التي يجب ان تقسم كل الاقطار العربية على اسس عرقية او طائفية . ولقد قدم حسن نصرالله دليلا مضافا حسم الكثير من الامور التي كانت تنكر او كانت موضع خلاف ، يوم 15 / 5 / 2009 ، حينما اكد ما كنا نقوله وهو ان حزب الله ينفذ ستراتيجية مدروسة ومتدرجة لفرض سيطرته على لبنان وانهاء الوضع التقليدي له ، بصفته قطرا يقوم على مبدأ التوافق بين مكوناته ، فقد قال بالحرف الواحد ما يلي مخاطبا من يحكم لبنان : ( إننا نريد مشاركتكم ، لكن إن رفضتم ذلك فلن نتوسل إليكم . ومن استطاع هزم أقوى جيش في العالم في إمكانه أن يدير بلدا أكبر مائة مرة من لبنان . ونحن الأقدر على إدارة بلدنا وشؤوننا ) . المصدر غزة- دنيا الوطن 16 / 5 / 2009
قبل كل شيء لاحظوا كيف ان نصر الله يكذب بصورة ساذجة رغم ذكاءه ، فالجيش الاسرائيلي ليس اقوى جيش في العالم كما ادعى بل ان كل العالم يعرف ان اقوى جيش هو الجيش الامريكي ، وكذب نصر الله مقصود لانه بجعل الجيش الاسرائيلي اقوى جيش في العالم يضخم دوره هو ، ومن جهة ثانية يريد التعتيم على المقاومة العراقية بانكار ان الجيش الامريكي اقوى جيش في العالم لانها مرغت انف امريكا في اوحال العراق . وعدم الدقة الفاحشة هذه وظيفتها اضفاء صفات غريبة على حزب الله وهي مؤشر الى حقيقة ان نصرالله لا تهمه الحقيقة بقدر ما تهمه قضية دوره في تنفيذ المخطط الايراني الاستعماري .
بهذه الكلمات الخطيرة التي مررها من يطلق عليه صهاينة طهران العرب وطابورها الخامس تسمية ( سيد المقاومة ) اعلن رسميا انه يسعى للسيطرة على كل لبنان وحكم كل لبنان ووضع نهاية حاسمة لمبدأ التوافق الذي قامت عليه لبنان ! ان من لا ينتبه لخطورة هذا التصريح التقسيمي نشك في قدرته على فهم ما يجري فعلا في كل الوطن العربي ، لقد اكد نصر الله انه مستعد لحكم لبنان بلا الاطراف الاخرى ، وان من سيرفض المشاركة سيهمل ، وهذا موقف يعني ، دون ادنى شك ، تقسيم لبنان وتحويله مرة اخرى الى ساحة حرب وتصفية حسابات اقليمية ودولية ، من جهة ، وهو من جهة ثانية يكشف عن وظيفة التأهيل الوطني المقاوم لحزب الله بقوله ان حزب الله الذي هزم ( اقوى جيش ) في العالم قادر على ادارة بلد اكبر من لبنان بمائة مرة ! تحت تأثير الدور الوطني المقاوم لحزب الله تريد المخابرات الايرانية ان تنفذ اقذر خطة في لبنان وهي تقسيمه ، ولئن كان تنفيذ القرار الامريكي الايراني تقسيم العراق قد تم على يد عملاء للاحتلال الامريكي – الايراني ، كالحكيم - ابن خالة حسن نصر الله وتوأمه في التبعية لايران - والمالكي والجعفري فاستحق ذلك ادانة الشعب العراقي ، فان تقسيم لبنان ، او تقاسمه بين ايران امريكا والكيان الصهيوني ، يراد له ان يتم تحت غطاء المقاومة لاسرائيل . والسؤال الجوهري هنا هو : مالفرق بين تقسيم للعراق اريد له ان يتم تحت لافتة خدمة الاحتلال وتقسيم لبنان الذي يريد نصرالله تنفيذه باسم المقاومة ؟
ومن ممهدات تقسيم لبنان في خطة المخابرات الايرانية اعلان نصرالله رفضه للقضاء اللبناني مسبقا كي يستطيع فيما بعد رفض تحكيمه او اي دور له ، اذ قال حرفيا ( أنه لا يوجد في لبنان شيء اسمه سلطة قضائية ) - غزة دنيا الوطن 16 / 5 / 2009 - مستغلا وجود ثغرات في النظام القضائي اللبناني كان حزب الله ، وقبله حركة امل كما المعسكر الاخر الموالي للغرب دور اساسي في اضعافه . ان نفي وجود سلطة قضائية ورفض اي مرجعية تحكيم في لبنان وجعل سلاح حزب الله الذي ( دحر اقوى جيش في العالم ) كما قال قوة ابتزاز داخلي ، والكشف عن الاستعداد لحكم لبنان بشكل منفرد واقصاء الاطراف الاخرى التي تشكل الكيان اللبناني ، يحسم هوية واهداف حزب الله الحقيقية ، وهي انه حزب ينفذ مخطط التفتيت الطائفي في الوطن العربي ولكن تحت غطاء مقاومة اسرائيل ! هل ترون المفارقة الخطيرة هنا ؟ ان مقاومة اسرائيل تصبح غطاء للشرذمة والتقسيم مع ان جوهر المخطط الاسرائيلي التقليدي والثابت هو تقسيم كل الاقطار العربية ! هنا تكمن العبقرية والدهاء الايرانيين مقابل التخلف المريع للحكام العرب .
اذن ما هو الدور الحقيقي لحزب الله في لبنان والمنطقة ؟ انه دور الممهد لقبول النفوذ الايراني والمسوغ لدعم الاحتلالات الايرانية في الوطن العربي ، والمورط لعرب في مستنقعات الخيانة الوطنية والقومية ، لكنه يفعل كل ذلك تحت غطاء المقاومة ! فهل هو حزب مقاومة او انه حزب مساومة ؟
واخيرا نعيد التذكير بان عبودية حزب الله لايران تصل حدا يفتقر للكرامة الانسانية حيث ان حسن نصرالله ( سيد المقاومة ) لا يستطيع الا تقبيل يد مرجعه الاعلى علي خامنئي كلما التقاه ، فهل يستطيع من يقبل يد شخص ما الاعتراض على اوامره ؟ تذكروا ما حصل لقائد حزب الله في لبنان السابق لحسن وهو صبحي الطفيلي حينما اختار الاعتراض ولو على امور ثانوية : لقد طرد من الحزب شر طردة وكفّر .
يتبع
رد: المدافعون عن الاستعمار الايراني : من هم ؟ - صلاح المختار
حماس : تحرير فلسطين ام دولة قزمة ؟
ان موقف حماس تغير عمليا ورسميا ولم يعد كما كان في بداية بروزها . ان احتلال فلسطين كان بداية الصراع الكبير الدائر الان ، وكان هدف تحرير فلسطين من البحر الى النهر هو الاساس في جعل الصراع الرئيسي يدور في ساحة فلسطين وحولها ، هذه حقيقة تاريخية وواقعية ، ولكن اذا نظرنا الان الى الساحة الفلسطينية ماذا نجد ؟ بعد ان تخلت قيادة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية عن هدف تحرير فلسطين وقبلت بدويلة مقزمة في الضفة والقطاع تحول الهدف الرسمي الفلسطيني من التحرير الى الاستسلام ، وبرزت حماس وهي تحمل اهداف حركة التحرر الوطني العربية الاصلية ، اي تحرير فلسطين من النهر الى البحر ، وملأت الفراغ الذي حدث نتيجة تخلي فتح عن تحرير فلسطين ، ولكن ما ان تورطت حماس في الانتخابات واستلمت الحكم حتى بدأت تتبع خطى فتح في ابداء الاستعداد للقبول بالكيان الصهيوني .
لقد اكد ذلك خالد مشعل واسماعيل هنية في عدة تصريحات معلنة وموجودة ، بان حماس ستقبل بدولة في الضفة وغزة ، وكان ابرز موقف رسمي هو تأكيد ذلك الموقف الجديد في تصريحات خالد مشعل حول حل الدولتين ، يقول مشعل بالحرف الواحد لصحيفة ' نيويورك تايمز ' التي اجرت معه مقابلة في دمشق ما يلي : ( ان الحركة ستدعم الحل القائم على دولتين ضمن حدود 1967) ، الا انه اكد مجددا على انه غير مستعد للاعتراف بالدولة العبرية ، ويجب تذكر ان هذا تسويق للاعتراف باسرائيل قامت به فتح قبل ذلك في اطار تقسيط الاعتراف بالكيان الصهيوني لان من غير المنطقي القفز من الرفض الى الاعتراف .
وفيما اعتبرته الصحيفة تغييرا محدودا في الموقف من العملية السلمية واشارات الى ادارة الرئيس الامريكي باراك اوباما وحلفائه الغربيين ، قال مشعل ان الحركة تعمل على اقامة دولة فلسطينية في حدود عام 1967، أي في الضفة الغربية وغزة .
وقال ( اعد الادارة الامريكية والمجتمع الدولي اننا سنكون جزءا من الحل ، في الوقت الحالي ) ، وتقول الصحيفة الامريكية (. لكن مشعل دعا المراقبين الخارجيين لتناسي او تجاهل ما ورد في ميثاق حماس الداعي الى اقامة دولة فلسطينية من نهر الاردن الى البحر المتوسط ، وهي حدود فلسطين التاريخية ). وهو ما يفهم منه انه دعوة لتدمير اسرائيل ، كما لم يفت الصحيفة الاشارة الى ما اقتبسه الميثاق مما يعرف ببروتوكولات حكماء صهيون ، وهذا التنبيه من مشعل الى ان ما ورد في الميثاق والاستشهاد ببروتوكولات حكماء صهيون قد تم التخلي عنه الان هو نفسه ما قامت به عناصر فتح اثناء التمهيد للاعتراف باسرائيل.
وبغض النظر عن اي تفسير لهذا الموقف فانه يعني ، اول ما يعني واهم ما يعني ، التخلي عن هدف تحرير فلسطين كل فلسطين . ولذلك فان السؤال المركزي الان هو ما هي اهداف حماس ؟ ان اهداف حماس بلا مواربة هي دويلة في الضفة والقطاع مقابل التخلي عن فلسطين التاريخية . هل من ينكر ذلك ؟
ووصل الامر بحماس حد عدم التوقف عند دعم حل الدولتين في فلسطين بل تعداه الى دعم مسيرة التسوية السلمية بين الانظمة العربية والعدو الصهيوني ، ففي تقرير لوكالة فلسطين للاعلام والمعلومات ( 3 / 5 / 2009 ) قال قياديان في حركة حماس ، يحيى موسى وعاطف عدوان ، في تصريحات لـ « الشرق الأوسط »، أن حماس راضية عن الدور السوري في دعم القضية الفلسطينية ، وقالا إن حماس تحترم الخيار السوري بإجراء مفاوضات مع إسرائيل ، وهي مفاوضات مشروعة ، وإنه لا داعي للقلق من نتائج هذه المفاوضات .
جاء ذلك في تعقيب لهما على حديث للرئيس السوري بشار الأسد نشرته « الشرق الأوسط » يوم الثلاثاء الماضي ، قال فيه إن حماس وحزب الله لن يهاجما إسرائيل عبر سورية ، مشيرا إلى أنه توصل في المفاوضات المباشرة مع إسرائيل بوساطة تركيا إلى مرحلة أقرب إلى الاتفاق مما كان عليه الحال أيام مفاوضات والده مع رئيس الوزراء الإسرائيلي وقتها إيهود باراك والرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون عام 2000 .
هذه مواقف حماس واضحة ولاتقبل التاويل باي شكل ، وهي أصبحت تتطابق من حيث الجوهر مع مواقف فتح والانظمة العربية من التسوية السياسية ، واذا وجدت خلافات فهي خلافات حول التفاصيل وليس حول الجوهر ، مادام مبدأ الاعتراف باسرائيل قد قبل رسميا او فعليا عبر القبول بحل الدولتين ، والذي يعني ، ونكرر اول ما يعني واهم ما يعني ، التخلي عن اكثر من 85 % من ارض فلسطين مقابل موافقة الكيان الصهيوني على اقامة دويلة قزمة ومقزمة في الضفة والقطاع بعد اقتطاع مناطق تضم لاسرائيل . وهنا علينا ان لاننسى ابدا ان الجوهر والاساس في القضية الفلسطينية هو احتلال اراضي عام 1948 وليس الضفة الغربية وقطاع غزة ، لان احتلالهما فرع تابع للاصل وهو احتلال عام 1948 . من هنا فان الفرق الجوهري بين حماس وفتح والانظمة العربية قد زال ولم يعد قائما .
ويترتب على هذه الحقيقة امر مهم جدا وهو ان الصراع الحالي بين حماس والكيان الصهيوني لا يدور حول تحرير فلسطين من البحر الى النهر ، كما كان الامر في بداية نشوء حماس ، بل حول حجم وطبيعة الدويلة الفلسطينية في الضفة والقطاع ، لذلك فانه صراع يتم في اطار الوضع الحالي المقبول من قبل حماس وليس خارجه او من اجل تغييره كما كان الامر فيما مضى . ان الكارثة التي حلت بامتنا منذ زيارة السادات للقدس تتبدى باشكال مختلفة خطوة بعد خطوة ، والان وصلنا الى حالة لم يعد بين الفصائل الفلسطينية الرئيسية من يتمسك بتحرير كل فلسطين ، وصار العربي الذي يعلن تمسكه بتحرير كل فلسطين موضع غضب وتخوف حركات فلسطينية ونقمتها .
وتصل تراجيديا الانسان العربي الذي يدافع عن تحرير كل فلسطين ، ويستشهد من اجل ذلك كما حصل للشهيد القائد صدام حسين ، درجة التشفي ، من قبل البعض الفلسطيني الناطق بالفارسية ، باعدامه او الصمت على ذلك والاكتفاء بكلمات عابرة خجولة – خجولة من ايران - تدين اعدامه مع انه هتف في اخر لحظات في حياته باسم فلسطين ! كنا نتوقع ان يكون الصوت الاكثر ارتفاعا في تمجيد صدام ، وهو اول ملك او امير او رئيس عربي أستشهد من اجل فلسطين ، هو الصوت الرسمي الفلسطيني في غزة والضفة والمهاجر ، لكننا مع الاسف صدمنا بان الصوت الفلسطيني الرسمي - وليس الشعبي – كان اخفت الاصوات العربية واكثرها تحفظا في اطراء شهيد عظيم مات وهو يهتف بحياة فلسطين ، وهي حالة غير مسبوقة في تاريخ النضال العربي من اجل تحرير فلسطين ، سجلت قصتها بحفر عميقة في الضمير العراقي وسوف تقرأ لاحقا ، بعد تحرير العراق قريبا ، بصوت عال يهز عروش من صمت ومن تشفى ومن تواطأ حول غزو العراق باسم فلسطين !
نعم نقولها بصراحة ان الصمت على اعدام الشهيد صدام حسين ، والتشفي به ، كان احد اسبابه هو الخوف من شبح الشعار الاول والهدف الاول لكافة المناضلين العرب وهو تحرير فلسطين ، كل فلسطين ، لان صدام حسين يذكّر هؤلاء بماض نضالي عظيم كانوا عليه وتم تجاهله من قبلهم ، لذلك فانه تذكير مؤلم لمن مازال لديه ضمير .
اذن ، وبما ان الصراع في ساحة فلسطين يدور بين حل الدولتين ، كما تريد امريكا واتحاد اوربا واغلب المنظمات الفلسطينية والنظم العربية ، وحل الحكم الذاتي او دولة بحدود مؤقتة ، كما يريد نتنياهو ، وفي الحالتين لم يعد يوجد برنامج وطني لتحرير فلسطين كلها لدى حماس وفتح ، فان الساحة الفلسطينية لم تعد ساحة الصراع الرئيسي ، بل هي ساحة صراع ثانوي سلمي مدعوم بالضغط العسكري أحيانا ، يدور حول حجم وطبيعة الدويلة الفلسطينية . ولا يجوز ان نتجاهل ان اخطر ما في هذا الصراع هو انه صراع لا يمس الحالة القائمة ، وهي حالة احتلال فلسطين ، ولا يريد تغييرها بل يكرسها باكمال الاعتراف العربي الشامل بالكيان الصهيوني وانضمام حماس الى فتح في تصفية القضية الفلسطينية . انه نضال ضمن الحالة القائمة ولا ينطوي على هدف ثوري يقلب الاوضاع راسا على عقب ، كما كان الحال حتى قبول قرار 242 وما بني عليه من مشاريع تصفوية .
وهنا يجب ان نعيد التأكيد على مسألة حيوية وهي ان تحول فلسطين الى ساحة صراع ثانوي من اجل تعديل شروط ما يسمى ( الحل السلمي ) ، في هذه المرحلة من الصراع العام ، لا يعني ، ولا يقود الى تغيير الموقف القومي العربي والوطني الاصليين وهو ان تحرير فلسطين كلها مازال وسيبقى الهدف الاول والاهم في النضال القومي العربي ، وان قضية العرب المركزية الاولى بلا منازع مازالت وستبقى هي قضية فلسطين . لقد تحول مركز الصراع فقط من فلسطين وماحولها الى العراق وبقي جوهره الثابت تحرير فلسطين ، مع ملاحظة ان تحرير العراق لابد ان يكون المقدمة الطبيعية لتحرير فلسطين في اطار تعاقب حروب تحرير الامة العربية .
وثمة حقيقة بارزة لابد من الانتباه اليها يجب ان لا تغيب عن البال ابدا وهي ان درع الكيان الصهيوني الاهم وحاميه الاول ومصدر ديمومته الأساسي ومزوده الرئيسي بالقوة والمال هو الولايات المتحدة الامريكية ، لذلك فعندما تهزم امريكا عسكريا وسايكولوجيا واقتصاديا في العراق ، وهي هزيمة مندمجة عضويا بانهيار قدرة امريكا العامة على خوض الحروب او الازمات الساخنة ، فان تلك الهزيمة تفتح الابواب مجددا امام تحرير فلسطين ، كل فلسطين من البحر الى النهر ، بعد ان ينكشف الكيان الصهيوني ستراتيجيا ويفقد درعه الاساسي وتجف او تتقزم منابع قوته العامة ، ويتحول العراق المحرر الى قاعدة تحرر عربية يكون تحرير فلسطين اول واهم اهدافها .
ان ام الحقائق الستراتيجية التي يجب ان لا تغيب عن بال أي انسان ، يعرف الحد الادنى من مبادئ الستراتيجية والتكتيك ، او يريد معرفة حقيقة التوازنات والمكونات الستراتيجية للوضع الاقليمي والعالمي ، هي حقيقة انه في العراق تدور معركة الامة العربية الاعظم – بل معركة الانسانية كلها - ليس فقط لان العدو المشترك ( الامريكي الصهيوني الايراني ) يحشد كل قواه فيها بل أيضا لانها معركة استعمار كلاسيكي تورط فيها الاستعمار الامريكي بغزو ظنه سهلا لكنه اكتشف انه وقع في فخ قاتل ، لذلك فان المعركة في العراق تقوم على تغيير الامر الواقع الظالم جذريا وليس العمل ضمنه ولا الحفاظ عليه ، كما في ساحة فلسطين او ايران او لبنان وغيره حيث تجري عملية عض اصابع من اجل تغيير شروط التسوية او المساومة ، وهذا التغيير المطلوب يقوم لاول مرة على فرض ارادة الامة العربية ومقاومتها الباسلة في العراق على العدو المشترك .
أذن موقف حماس من التسوية هو موقف تساومي استسلامي يقبل بالامر الواقع الحالي ولا يختلف عن موقف أي نظام عربي ، بل هو اسوأ لان الحاكم العربي يتعامل مع فلسطين كقطر اخر ليس قطره اما فلسطين فانها الوطن الصغير لحماس ولهذا فانها بتفريطها بارض فلسطين تجعل السادات اخلص لقطره من اخلاصها لفلسطين . اما موقف حماس من ايران ، وهو موقف الدعم بقوة لها رغم جرائمها في العراق والاقطار العربية ، فانه لا يتعدى كونه موقف حركة تريد تحقيق مكاسب حركية على حساب ليس فلسطين فقط بل على حساب العراق ، وهو جمجمة العرب واملهم في التحرير ، وعلى حساب الامة كلها من المحيط الى الخليج حيث تقوم ايران بالمشاركة مع امريكا والصهيونية في تفتيتها وتقسيمها وشرذمتها على اسس طائفية وعرقية .
وهنا تضع حماس نفسها على فولاذ ساخن وليس صفيح ساخن ، وعليها ان تعرف ، الان وليس غدا ، معنى ونتائج الوقوف على فولاذ ساخن وما يميزه عن الصفيح الساخن ، قبل فوات اولان .
وعلى من يدافع عن موقف حماس من ايران بعد ان قبلت بدويلة قزمة ومقزمة واوقفت اطلاق الصواريخ على المستوطنات ، ان يتذكر ان حماس التي يشير اليها هي حماس الدولتين وليست حماس فلسطين المائين ، وهي لذلك لا تستحق ان يضحى بالعراق من اجل دعمها .
يتبع
ان موقف حماس تغير عمليا ورسميا ولم يعد كما كان في بداية بروزها . ان احتلال فلسطين كان بداية الصراع الكبير الدائر الان ، وكان هدف تحرير فلسطين من البحر الى النهر هو الاساس في جعل الصراع الرئيسي يدور في ساحة فلسطين وحولها ، هذه حقيقة تاريخية وواقعية ، ولكن اذا نظرنا الان الى الساحة الفلسطينية ماذا نجد ؟ بعد ان تخلت قيادة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية عن هدف تحرير فلسطين وقبلت بدويلة مقزمة في الضفة والقطاع تحول الهدف الرسمي الفلسطيني من التحرير الى الاستسلام ، وبرزت حماس وهي تحمل اهداف حركة التحرر الوطني العربية الاصلية ، اي تحرير فلسطين من النهر الى البحر ، وملأت الفراغ الذي حدث نتيجة تخلي فتح عن تحرير فلسطين ، ولكن ما ان تورطت حماس في الانتخابات واستلمت الحكم حتى بدأت تتبع خطى فتح في ابداء الاستعداد للقبول بالكيان الصهيوني .
لقد اكد ذلك خالد مشعل واسماعيل هنية في عدة تصريحات معلنة وموجودة ، بان حماس ستقبل بدولة في الضفة وغزة ، وكان ابرز موقف رسمي هو تأكيد ذلك الموقف الجديد في تصريحات خالد مشعل حول حل الدولتين ، يقول مشعل بالحرف الواحد لصحيفة ' نيويورك تايمز ' التي اجرت معه مقابلة في دمشق ما يلي : ( ان الحركة ستدعم الحل القائم على دولتين ضمن حدود 1967) ، الا انه اكد مجددا على انه غير مستعد للاعتراف بالدولة العبرية ، ويجب تذكر ان هذا تسويق للاعتراف باسرائيل قامت به فتح قبل ذلك في اطار تقسيط الاعتراف بالكيان الصهيوني لان من غير المنطقي القفز من الرفض الى الاعتراف .
وفيما اعتبرته الصحيفة تغييرا محدودا في الموقف من العملية السلمية واشارات الى ادارة الرئيس الامريكي باراك اوباما وحلفائه الغربيين ، قال مشعل ان الحركة تعمل على اقامة دولة فلسطينية في حدود عام 1967، أي في الضفة الغربية وغزة .
وقال ( اعد الادارة الامريكية والمجتمع الدولي اننا سنكون جزءا من الحل ، في الوقت الحالي ) ، وتقول الصحيفة الامريكية (. لكن مشعل دعا المراقبين الخارجيين لتناسي او تجاهل ما ورد في ميثاق حماس الداعي الى اقامة دولة فلسطينية من نهر الاردن الى البحر المتوسط ، وهي حدود فلسطين التاريخية ). وهو ما يفهم منه انه دعوة لتدمير اسرائيل ، كما لم يفت الصحيفة الاشارة الى ما اقتبسه الميثاق مما يعرف ببروتوكولات حكماء صهيون ، وهذا التنبيه من مشعل الى ان ما ورد في الميثاق والاستشهاد ببروتوكولات حكماء صهيون قد تم التخلي عنه الان هو نفسه ما قامت به عناصر فتح اثناء التمهيد للاعتراف باسرائيل.
وبغض النظر عن اي تفسير لهذا الموقف فانه يعني ، اول ما يعني واهم ما يعني ، التخلي عن هدف تحرير فلسطين كل فلسطين . ولذلك فان السؤال المركزي الان هو ما هي اهداف حماس ؟ ان اهداف حماس بلا مواربة هي دويلة في الضفة والقطاع مقابل التخلي عن فلسطين التاريخية . هل من ينكر ذلك ؟
ووصل الامر بحماس حد عدم التوقف عند دعم حل الدولتين في فلسطين بل تعداه الى دعم مسيرة التسوية السلمية بين الانظمة العربية والعدو الصهيوني ، ففي تقرير لوكالة فلسطين للاعلام والمعلومات ( 3 / 5 / 2009 ) قال قياديان في حركة حماس ، يحيى موسى وعاطف عدوان ، في تصريحات لـ « الشرق الأوسط »، أن حماس راضية عن الدور السوري في دعم القضية الفلسطينية ، وقالا إن حماس تحترم الخيار السوري بإجراء مفاوضات مع إسرائيل ، وهي مفاوضات مشروعة ، وإنه لا داعي للقلق من نتائج هذه المفاوضات .
جاء ذلك في تعقيب لهما على حديث للرئيس السوري بشار الأسد نشرته « الشرق الأوسط » يوم الثلاثاء الماضي ، قال فيه إن حماس وحزب الله لن يهاجما إسرائيل عبر سورية ، مشيرا إلى أنه توصل في المفاوضات المباشرة مع إسرائيل بوساطة تركيا إلى مرحلة أقرب إلى الاتفاق مما كان عليه الحال أيام مفاوضات والده مع رئيس الوزراء الإسرائيلي وقتها إيهود باراك والرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون عام 2000 .
هذه مواقف حماس واضحة ولاتقبل التاويل باي شكل ، وهي أصبحت تتطابق من حيث الجوهر مع مواقف فتح والانظمة العربية من التسوية السياسية ، واذا وجدت خلافات فهي خلافات حول التفاصيل وليس حول الجوهر ، مادام مبدأ الاعتراف باسرائيل قد قبل رسميا او فعليا عبر القبول بحل الدولتين ، والذي يعني ، ونكرر اول ما يعني واهم ما يعني ، التخلي عن اكثر من 85 % من ارض فلسطين مقابل موافقة الكيان الصهيوني على اقامة دويلة قزمة ومقزمة في الضفة والقطاع بعد اقتطاع مناطق تضم لاسرائيل . وهنا علينا ان لاننسى ابدا ان الجوهر والاساس في القضية الفلسطينية هو احتلال اراضي عام 1948 وليس الضفة الغربية وقطاع غزة ، لان احتلالهما فرع تابع للاصل وهو احتلال عام 1948 . من هنا فان الفرق الجوهري بين حماس وفتح والانظمة العربية قد زال ولم يعد قائما .
ويترتب على هذه الحقيقة امر مهم جدا وهو ان الصراع الحالي بين حماس والكيان الصهيوني لا يدور حول تحرير فلسطين من البحر الى النهر ، كما كان الامر في بداية نشوء حماس ، بل حول حجم وطبيعة الدويلة الفلسطينية في الضفة والقطاع ، لذلك فانه صراع يتم في اطار الوضع الحالي المقبول من قبل حماس وليس خارجه او من اجل تغييره كما كان الامر فيما مضى . ان الكارثة التي حلت بامتنا منذ زيارة السادات للقدس تتبدى باشكال مختلفة خطوة بعد خطوة ، والان وصلنا الى حالة لم يعد بين الفصائل الفلسطينية الرئيسية من يتمسك بتحرير كل فلسطين ، وصار العربي الذي يعلن تمسكه بتحرير كل فلسطين موضع غضب وتخوف حركات فلسطينية ونقمتها .
وتصل تراجيديا الانسان العربي الذي يدافع عن تحرير كل فلسطين ، ويستشهد من اجل ذلك كما حصل للشهيد القائد صدام حسين ، درجة التشفي ، من قبل البعض الفلسطيني الناطق بالفارسية ، باعدامه او الصمت على ذلك والاكتفاء بكلمات عابرة خجولة – خجولة من ايران - تدين اعدامه مع انه هتف في اخر لحظات في حياته باسم فلسطين ! كنا نتوقع ان يكون الصوت الاكثر ارتفاعا في تمجيد صدام ، وهو اول ملك او امير او رئيس عربي أستشهد من اجل فلسطين ، هو الصوت الرسمي الفلسطيني في غزة والضفة والمهاجر ، لكننا مع الاسف صدمنا بان الصوت الفلسطيني الرسمي - وليس الشعبي – كان اخفت الاصوات العربية واكثرها تحفظا في اطراء شهيد عظيم مات وهو يهتف بحياة فلسطين ، وهي حالة غير مسبوقة في تاريخ النضال العربي من اجل تحرير فلسطين ، سجلت قصتها بحفر عميقة في الضمير العراقي وسوف تقرأ لاحقا ، بعد تحرير العراق قريبا ، بصوت عال يهز عروش من صمت ومن تشفى ومن تواطأ حول غزو العراق باسم فلسطين !
نعم نقولها بصراحة ان الصمت على اعدام الشهيد صدام حسين ، والتشفي به ، كان احد اسبابه هو الخوف من شبح الشعار الاول والهدف الاول لكافة المناضلين العرب وهو تحرير فلسطين ، كل فلسطين ، لان صدام حسين يذكّر هؤلاء بماض نضالي عظيم كانوا عليه وتم تجاهله من قبلهم ، لذلك فانه تذكير مؤلم لمن مازال لديه ضمير .
اذن ، وبما ان الصراع في ساحة فلسطين يدور بين حل الدولتين ، كما تريد امريكا واتحاد اوربا واغلب المنظمات الفلسطينية والنظم العربية ، وحل الحكم الذاتي او دولة بحدود مؤقتة ، كما يريد نتنياهو ، وفي الحالتين لم يعد يوجد برنامج وطني لتحرير فلسطين كلها لدى حماس وفتح ، فان الساحة الفلسطينية لم تعد ساحة الصراع الرئيسي ، بل هي ساحة صراع ثانوي سلمي مدعوم بالضغط العسكري أحيانا ، يدور حول حجم وطبيعة الدويلة الفلسطينية . ولا يجوز ان نتجاهل ان اخطر ما في هذا الصراع هو انه صراع لا يمس الحالة القائمة ، وهي حالة احتلال فلسطين ، ولا يريد تغييرها بل يكرسها باكمال الاعتراف العربي الشامل بالكيان الصهيوني وانضمام حماس الى فتح في تصفية القضية الفلسطينية . انه نضال ضمن الحالة القائمة ولا ينطوي على هدف ثوري يقلب الاوضاع راسا على عقب ، كما كان الحال حتى قبول قرار 242 وما بني عليه من مشاريع تصفوية .
وهنا يجب ان نعيد التأكيد على مسألة حيوية وهي ان تحول فلسطين الى ساحة صراع ثانوي من اجل تعديل شروط ما يسمى ( الحل السلمي ) ، في هذه المرحلة من الصراع العام ، لا يعني ، ولا يقود الى تغيير الموقف القومي العربي والوطني الاصليين وهو ان تحرير فلسطين كلها مازال وسيبقى الهدف الاول والاهم في النضال القومي العربي ، وان قضية العرب المركزية الاولى بلا منازع مازالت وستبقى هي قضية فلسطين . لقد تحول مركز الصراع فقط من فلسطين وماحولها الى العراق وبقي جوهره الثابت تحرير فلسطين ، مع ملاحظة ان تحرير العراق لابد ان يكون المقدمة الطبيعية لتحرير فلسطين في اطار تعاقب حروب تحرير الامة العربية .
وثمة حقيقة بارزة لابد من الانتباه اليها يجب ان لا تغيب عن البال ابدا وهي ان درع الكيان الصهيوني الاهم وحاميه الاول ومصدر ديمومته الأساسي ومزوده الرئيسي بالقوة والمال هو الولايات المتحدة الامريكية ، لذلك فعندما تهزم امريكا عسكريا وسايكولوجيا واقتصاديا في العراق ، وهي هزيمة مندمجة عضويا بانهيار قدرة امريكا العامة على خوض الحروب او الازمات الساخنة ، فان تلك الهزيمة تفتح الابواب مجددا امام تحرير فلسطين ، كل فلسطين من البحر الى النهر ، بعد ان ينكشف الكيان الصهيوني ستراتيجيا ويفقد درعه الاساسي وتجف او تتقزم منابع قوته العامة ، ويتحول العراق المحرر الى قاعدة تحرر عربية يكون تحرير فلسطين اول واهم اهدافها .
ان ام الحقائق الستراتيجية التي يجب ان لا تغيب عن بال أي انسان ، يعرف الحد الادنى من مبادئ الستراتيجية والتكتيك ، او يريد معرفة حقيقة التوازنات والمكونات الستراتيجية للوضع الاقليمي والعالمي ، هي حقيقة انه في العراق تدور معركة الامة العربية الاعظم – بل معركة الانسانية كلها - ليس فقط لان العدو المشترك ( الامريكي الصهيوني الايراني ) يحشد كل قواه فيها بل أيضا لانها معركة استعمار كلاسيكي تورط فيها الاستعمار الامريكي بغزو ظنه سهلا لكنه اكتشف انه وقع في فخ قاتل ، لذلك فان المعركة في العراق تقوم على تغيير الامر الواقع الظالم جذريا وليس العمل ضمنه ولا الحفاظ عليه ، كما في ساحة فلسطين او ايران او لبنان وغيره حيث تجري عملية عض اصابع من اجل تغيير شروط التسوية او المساومة ، وهذا التغيير المطلوب يقوم لاول مرة على فرض ارادة الامة العربية ومقاومتها الباسلة في العراق على العدو المشترك .
أذن موقف حماس من التسوية هو موقف تساومي استسلامي يقبل بالامر الواقع الحالي ولا يختلف عن موقف أي نظام عربي ، بل هو اسوأ لان الحاكم العربي يتعامل مع فلسطين كقطر اخر ليس قطره اما فلسطين فانها الوطن الصغير لحماس ولهذا فانها بتفريطها بارض فلسطين تجعل السادات اخلص لقطره من اخلاصها لفلسطين . اما موقف حماس من ايران ، وهو موقف الدعم بقوة لها رغم جرائمها في العراق والاقطار العربية ، فانه لا يتعدى كونه موقف حركة تريد تحقيق مكاسب حركية على حساب ليس فلسطين فقط بل على حساب العراق ، وهو جمجمة العرب واملهم في التحرير ، وعلى حساب الامة كلها من المحيط الى الخليج حيث تقوم ايران بالمشاركة مع امريكا والصهيونية في تفتيتها وتقسيمها وشرذمتها على اسس طائفية وعرقية .
وهنا تضع حماس نفسها على فولاذ ساخن وليس صفيح ساخن ، وعليها ان تعرف ، الان وليس غدا ، معنى ونتائج الوقوف على فولاذ ساخن وما يميزه عن الصفيح الساخن ، قبل فوات اولان .
وعلى من يدافع عن موقف حماس من ايران بعد ان قبلت بدويلة قزمة ومقزمة واوقفت اطلاق الصواريخ على المستوطنات ، ان يتذكر ان حماس التي يشير اليها هي حماس الدولتين وليست حماس فلسطين المائين ، وهي لذلك لا تستحق ان يضحى بالعراق من اجل دعمها .
يتبع
رد: المدافعون عن الاستعمار الايراني : من هم ؟ - صلاح المختار
ايران استعمار اقليمي مساوم
اما عن ( ممانعة ) ايران و( مناهضتها ) لامريكا وكونها تخوض الصراع معها ، كما يروج الطابور الايراني الخامس ، فان الواقع الايراني ومؤشرات الوضعين الاقليمي والدولي ، رسميا وفعليا ، تكذب هذه الدعاية السوداء التي يروجها امثال التونسي والاسلاموي المصري ورفيق دربه في معاداة العروبة الناصروي المصري . وفيما يلي بعض المواقف الايرانية الاخيرة ، بالاضافة لما نشرناه في دراسات سابقة ، التي تؤكد ان ايران متلاقية جوهريا ، ستراتيجيا ومبدأيا وتكتيكيا ، مع امريكا والكيان الصهيوني حول هدف محدد وخطير جدا هو تقسيم الاقطار العربية ومحو الهوية القومية لتلك الاقطار وتقاسمها :
1– فبعد سلسلة طويلة من الاعترافات والوثائق التي تثبت ان ايران لها اتصالات مباشرة مع امريكا هدفها عقد صفقات تتناقض مع ما تعلنه رسميا غطت مرحلة الثمانينيات ، مثل ايرانجيت ، والتسعينيات مثل التواطوأ مع امريكا في عدوان عام 1991 ، وتوجت بحقائق مذهلة في القرن الجديد واهمها التعاون الايراني المفتوح والرسمي مع امريكا في غز العراق وافغانستان ، بعد هذا كله تأتي وزيرة خارجية سويسرا ميشلين كالمه ريه لتؤكد في الحادي عشر من شهر نيسان 2009 ماذكرته صحيفة LE Temps ، وهي من كبريات الصحف السويسرية الناطقة باللغة الفرنسية ، عن حصول إجتماعات سرية على مستوى غير رسمي ضمت عدد من الخبراء وأساتذة الجامعات وغيرهم بين الولايات المتحدة وإيران وإسرائيل وبمشاركة أوربية . وأكدت الوزيرة ميشلين ان سويسرا شاركت في تلك الاجتماعات ضمن الوفد الاوربي ، وأشار أحد الشخصيات السويسرية التي شاركت في تلك الاجتماعات الى ان الاجتماعات تلك قد بدأت مباشرة عقب احتلال العراق وعقدت جميعها في جنيف باستثناء الاجتماعين الاخيرين حيث عقدا في دولة أوربية لم يسمها.
2 – وفي تصريح خطير كشف بشكل حاسم ونهائي حقيقة الموقف الايراني من القضية الفلسطينية أعلن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد أن " لا مشكلة لديه في أن يتوصل الفلسطينيون إلى اتفاق سلام مع إسرائيل يقوم على حل " الدولتين " . وقال الرئيس الإيراني في مقابلة تلفزيونية مع شبكة أي.بي. سي الأميركية ( إنه مهما كان القرار الذي يتخذه (الفلسطينيون) فلا مشكلة بالنسبة إلينا ، ولن نحول دونه ، ومهما كان القرار الذي سيتخذونه فإننا سندعمه ) . وأضاف أنه ( بالنسبة إلينا المسألة تتعلق بحق للشعب الفلسطيني ونأمل أن تكون وجهة نظر الدول الأخرى على هذا النحو ) . (شبكة الواحة يوم 27/04/2009 ).
ويسلط كاتب فلسطيني الضوء على موقف ايران الحاسم هذا ، ففي مقال حمل عنوان (قراءة لأخطر تصريح لنجاد حول القضية الفلسطينية ) بقلم الاستاذ سميح خلف - رئيس تحرير صحيفة " فلسطيننا " وردت فيه الفقرة التالية : ( في مقابلة له مع " السي أن أن " أوضح نجاد موقف إيران مع رياح المتغيرات الجديدة في المنطقة وخاصة الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة أوباما ، فإيران ليست بحاجة إلى تصريحات لها صبغة التطرف الآن ، وخاصة بخصوص القضية الفلسطينية ، ولقد سبقها تصريحات الإدارة الأمريكية الجديدة في غزل مباشر يقر الدور الإيراني في المنطقة ومناطق أخرى في العالم ، ولذلك إيران الآن ليست بحاجة للشعار القائل بأن فلسطين التاريخية للفلسطينيين ، فالنظام الإيراني كغيره من الأنظمة يتعامل مع القضية الفلسطينية بشكل مرحلي وبشكل انتفاعي قبل أن يكون شكل مبدأي ، وهذه التوجسات التي كانت تخيفنا دائما من الموقف الإيراني . إيران منذ عام أو منذ شهور ليست إيران بتصريحاتها للـ cnn) .
واضاف : ( إيران التي كانت لا تقر بالوجود الصهيوني على أرض فلسطين وتعتبر " المحرقة " مجرد تزييف تاريخي ها هي الآن ومن خلال ثاني مسؤول فيها السيد نجاد رئيس الجمهورية الإيرانية ينسف كل ما تحدث به من أعوام سابقة حول القضية الفلسطينية وحول قضية الوجود للكيان الصهيوني على الأرض الفلسطينية ، وتحولت أميركا " الشيطان الأكبر " وربيبتها الصهيونية إلى أميركا التي يمكن أن تتقاسم معها إيران النفوذ في " منطقة الشرق الأوسط " في علاقة إستراتيجية قائمة على التقاسم في المصالح ، ومن خلال هذا المفهوم فإن الوجود الصهيوني على أرض فلسطين أصبح مقر من خلال ما تحدث به الرئيس الإيراني ) .
ويحدد خلف اهمية التصريح فيقول : ( تصريح في غاية الخطورة على مستقبل الصراع العربي الصهيوني والعلاقات مع الأمة العربية ، يقول نجاد للـ CNN مجيبا على مقدم البرنامج جورج سيتفانوبولس أن حكومته ستقبل بحل دولتين ، " إسرائيلية " وفلسطينية ، في سياق اتفاق يقبل به الفلسطينيون .
ويتابع خلف مقاله : ( وبذلك تسلك الحكومة الإيرانية عن طريق رئيس جمهوريتها سلوك بعض الأنظمة العربية التي رمت الكرة في الملعب الفلسطيني وأقامت علاقات مع الصهيونية بحجة أن الفلسطينيين هم أصحاب القرار وهم أصحاب البرنامج بالإعتراف بالصهيونية والوجود الصهيوني على الأرض الفلسطينية ، مبررات خاطئة أوصلتها بعض الأنظمة لشعوبها في حين أن تلك الأنظمة قد صنعت إتفاقيات بشكل أو بآخر مع الكيان الصهيوني قبل أوسلو في 93 ) . الكاتب الفلسطيني الرافض للتسوية السياسية للصراع العربي الصهيوني يضع ايران ، وبحق وصواب تامين ، في نفس مكان الانظمة العربية التي تعترف باسرائيل .
ويفسر خلف الموقف الايراني كما يلي : ( تصريحات نجاد هي اعتذار مبطن على جمله ومواقفه في (مؤتمر ديربان) في جنيف الأسبوع الماضي ، وإيران تقدم أيضا فلسطين لقد دعت أميركا إيران لتقاسم النفوذ في أفغانستان ، ناهيك عن الموقف الإيراني من الإجتياح الأمريكي لأفغانستان ، ودعت أميركا إيران لتقاسم النفوذ الأمني والسياسي في العراق ودعت أميركا إيران لتقاسم النفوذ في لبنان ، وما يحدث في لبنان هو تقاسم ومحاصصة للمصالح بين الدولتين ، ومع الدول الغربية أيضا ، وها هي إيران ومن خلال تصريحات رئيسها تتخلى عن المقاومة الفلسطينية لصالح حل الدولتين والإعتراف بالصهيونية على أرض فلسطين بمبرر واهي وهو خيار الشعب الفلسطيني ، ولذلك نقول أن تلك المبررات تسقطها الحقيقة القائمة من تقاسم للنفوذ بين إيران وأميركا ، والحقيقة تقول أيضا أن القضية الفلسطينية والوجود الصهيوني على أرض فلسطين هي قضية لا تقبل المساومة ولا تقبل أن توضع تحت لائحة المصالح ، فالقضية الفلسطينية هي قضية احتلال عنصري إستيطاني على أرض فلسطين ولن ترضى الأمة العربية والإسلامية بهذا الوجود الذي وجد منذ بدايته على خريطة المصالح الدولية والأطماع الإمبريالية ).
ويختتم الكاتب الفلسطيني مقاله بالخلاصة التالية : ( المقاومة الفلسطينية من خلال رسالة نجاد مع الـ CNN وفي توافق في الزمن مع إجتماع كل من تيار أوسلو وحماس في القاهرة هي ورقة أيضا لصالح تيار أوسلو تدفعها الحكومة الإيرانية للجانب الأمريكي والصهيوني ، ووضع المقاومة وأولها حماس بين فكي كماشة وضغوط من أجل الموافقة على برنامج سلطة رام الله الذي عبر عنه رئيس تيار أوسلو اليوم في تصريحه على أي حكومة تشكل أن تعترف بإلتزامات السلطة ومنظمة التحرير بدون إلزام للفصائل، وهنا تحايل والتفاف يؤدي في النهاية إلى الإقرار بالسلوم السياسي والأمني لسلطة رام الله في حفظ الأمن للإحتلال وإنهاء كل المعايير والمفاهيم التي تقول أن الكيان الصهيوني هو عدو محتل إستيطاني لفلسطين وامتدادات ذلك أيضا الخطورة التي تتمثل على أن المقاومة حق مشروع للشعب الفلسطيني ، من تصريحات نجاد المقاومة الفلسطينية والمطلب الفلسطيني في خطر وفي موقف لا تحسد عليه في ظل برنامج عربي متقاعس وطموح إيراني في المنطقة وتقاسم للنفوذ بين إيران وأميركا والغرب ، يمكن أن يؤدي إلى حقائق أخرى على الأرض العربية وبالضرورة ينعكس ذلك على المقاومة الفلسطينية وطرق الدعم اللوجستي وغير اللوجستي ، فحصار المقاومة الآن في بوابة جديدة تختلف عن بوابة رفح وقفل المعابر، فهناك وجه آخر لحصار المقاومة الفلسطينية وفصائلها ) .
هذا التحليل الصحيح والسليم لموقف ايران الذي قدمه الاستاذ سميح خلف يكشف عن حقيقة ان ايران تساوم على القضية الفلسطينية بعد ان ساومت على افغانستان والعراق ، مما يضع الموقف الخاص بحماس تحت ضغط ايراني يضاف الى الضغوط العربية كي تقبل بلا تحفظ او تردد الاعتراف باسرائيل ، من جهة ، ويحدد بدقة موقف ايران بصفتها دولة تتبنى سياسة تجاه القضية الفلسطينية لا تختلف من حيث الجوهر عن موقف السادات واي حكومة عربية اعترفت بالكيان الصهيوني او اعلنت استعدادها للاعتراف به ، من جهة ثانية .
انها شهادة فلسطينية تكمن قيمتها في ان صاحبها رافض لمواقف انظمة التسوية والاستسلام وفاضح للدور الخياني لسلطة محمود عباس التي لم تكتفي ببيع فلسطين بل ذهبت الى العراق ، وبالذات لمنطقة التمرد الانفصالي في شمال العراق ، لتبيعه باسم فلسطين للامريكيين ، وهي لذلك شهادة وطنية مهمة جدا ولا يمكن فهم الموقف الفلسطيني الحقيقي تجاه ايران من دون الانتباه اليها .
3 – وفي نفس الفترة التي اطلق فيها احمدي نجاد تصريحه الانقلابي حول الاعتراف باسرائيل قامت ايران بشكل لافت للنظر بتأكيد ان الخليج العربي فارسي ! تقول شبكة – واحةProTrader – نقلا عن الجزيرة نت ، ان ايران جددت تأكيدها على أن الخليج " فارسي " وليس عربيا، وأكدت أن ما وصفته بتغيير اسم الخليج هو مؤامرة خارجية ) . من قال ذلك ؟ تقول الشبكة ( قال علي أ?بر ولايتي مستشار المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية للشؤون الدولية إن تسمية منطقة الخليج " الخليج العربي " بدل " الخليج الفارسي " مؤامرة بريطانية . وأكد أن البريطانيين هم أول من طرح هذه التسمية " وزعموا أنه بما أن السكان القاطنين على سواحله ناطقون بالعربية فيجب تسميته بالخليج العربي " معتبرا أن " هذا التصور فارغ ولا أساس له " .
و( أضاف ولايتي في ?لمة له الأربعاء في ملتقى ما يسمى (الخليج الفارسي) أن بلاده ستبقي على تسمية " الخليج الفارسي ?ما ?ان دوما " وأن هذا الاسم " سيستخدم في مسار تطوير ونمو وازدهار إيران ". وقال أيضا " رأينا في العقود الأخيرة مزاعم طرحت حول هذه البقعة الجغرافية ، ولكن شعبنا على يقظة تامة دوما بشأن هذه المؤامرات التي تحاك من قبل الأعداء من أجل تغيير اسم الخليج الفارسي ". وأشار المسؤول الإيراني إلى ما اعتبرها " قرارات سياسية تتخذ من قبل بعض الجهات الخارجية " التي لم يسمها لـ " تغيير اسم الخليج الفارسي ".
ملاحظة جديدة اضيفت على هذه الدراسة في شهر كانون الاول 2009 : بعد هذا التصريح لعلي اكبر ولايتي بحوالي ستة شهور يتقدم هذا الزعيم الايراني ، الذي يحتل وظيفة المستشار الاعلى لعلي خامنئي ، خطوة اكثر جرأة في الكشف عن هوية النظام الايراني الحقيقية ، اذ انه قال حرفيا ما يلي : ("ما نراه في النقوش البارزة لـ " تخت جمشيد " ( بقايا القصر الأخميني قبل 2500 عام ) يعبر عن الطهارة والعظمة، وذلك على خلاف الآثار المصرية والرومانية واليونانية والغربية بشكل عام التي تعكس سوء الأخلاق والعبودية " . ) لاحظوا النزعة العنصرية الفارسية التي تحاول الحط من شأن الحضارات الاخرى . ويتابع التقرير الذي ورد فيه التصريح فيقول : (وأثناء حديثه في برنامج "خطوتين حتى الصبح" على التلفزيون الرسمي الإيراني، أطلق ولايتي عبارات التمجيد للفرس وملوكهم وفضلهم وعظمتهم قبل الإسلام . وشدد خلال حديثه في أكثر من مرة على إطلاق اسم " بلاد فارس " على إيران ، وتذرع بأن إطلاق هذا الاسم على بلاده يأتي من قبل العرب بشكل خاص.
يقول التقرير : ( جدير بالذكر أن الأوساط القومية الفارسية المتطرفة تطالب بإطلاق اسم "فارس" على إيران التي تتسم بالتعدد القومي وتضم إلى جانب الفرس قوميات أخرى كالترك والبلوش والتركمان والكرد والعرب واللور، وتشكل هذه المجموعات الإثنية طبقاً لبعض المصادر 60% من سكان إيران مقابل 40% للفرس.)
وواصل التقرير الكشف عن النهج الحقيقي لايران بقوله : (ورأى مستشار خامنئي أنه من الضروري إعلاء قيمة الخدمات المزعومة التي قدمتها المدرسة الفارسية للعلم والثقافة والفن والمذهب في إيران"، واعتبر أن قصر تخت جمشيد "برسبوليس" هو الرمز البارز لهذه المدرسة. المعروف أن الحركات القومية الفارسية تتخذ من بقايا قصر تخت جمشيد الذي يقع في إقليم فارس بالقرب من مدينة شيراز، وأقيم قبل 2500 عام على يد الملك قوروش رمزًا قوميًا فارسيًا. )
ان السؤال الذي تثيره هذه التصريحات الجريئة جدا هو التالي : من هو الذي يقول هذا الكلام ؟ انه المستشار الاعلى لمن يسمى ب ( المرشد الاعلى ) لايران ، اي ديكتاتورها الاوحد ومرجع كل من يؤمن بولاية الفقيه ، الامر الذي يجعل هذه الاقوال قريبة من خامنئي واطلقت برضاه حتما .
ويذكر التقرير رد فعل يؤكد ان ما قاله ولايتي ليس رايه الفردي فيقول : ( وفي ردود الأفعال على هذه التصريحات التي تمجد الثقافة الفارسية أعرب موقع "تابناك" القريب من محسن رضائي القائد الأسبق للحرس الثوري، عن ترحيبه بتصريحات علي أكبر ولايتي وادعى أنها شفافة وصريحة وتقف في وجه أولئك الذين يحاولون طمس الحضارة الفارسية وملوكها قبل الإسلام . ) . ومن الضروري ان نذكّر هنا ان محسن رضائي كان مرشحا للرئاسة في الانتخابات الاخيرة عن التيار المحافظ ، فتصوروا محافظ متشدد دينيا يفاخر بالقومية الفارسية !
ولادراك حقيقة اقوال علي اكبر ولايتي ومصدرها ومرجعيتها ارجو تدقيق تعليق التقرير الذي اورد هذه التصريحات ، يقول التقرير معلقا : (وكان الباحث – الايراني - ناصر بوربيرار قد كشف بالأدلة أن ملوك الفرس هم المسئولون عن جريمة إيقاف عجلة التاريخ والحضارة في الشرق الأوسط لمدة 1200 عام حتى ظهور الإسلام وذلك على خلفية هجومهم بدعم من اليهود قبل 2500 سنة على بابل التي كانت تعد مركز الحضارة والثقافة والعلم في العالم . وأكد الباحث التاريخي الإيراني أن الآثار الفارسية هي تقليد بدائي لإنجازات حضارة بين النهرين وعيلام ، وأن قصر تخت جمشيد الذي أصبح رمزًا للقوميين الفرس يحمل الكثير من الإشارات البابلية والعيلامية. ) ، مصدر التقرير : شبكة مفكرة الاسلام 13 / 11 / 2009 .
أذن ما قاله علي اكبر ولايتي ما هو الا تمجيد فارغ لا تسنده وقائع التاريخ الحقيقي للفرس ، هذا هو ما اكده باحث ايراني مختص اسمه ناصر بوربيرار وليس باحث عربي .
بالطبع نحن لا نعترض على تفاخر ولايتي بامجاد فارس القومية فهذا حقه ، ولكننا نعترض على التخفي تحت عباءة الاسلام والطائفة ومحاولة اخفاء الدافع القومي الفارسي عند الترويج لايران ومهاجمة الانتماء القومي للعرب ووصفه بانه من مخلفات الجاهلية التي تتعارض مع الاسلام ! ان اعتراضنا يتمثل في السؤالين التاليين : لم من حق قادة ايران التفاخر بامجاد فارس وليس من حق العرب التفاخر بامجاد الحضارات العربية ؟ ولم تستخدم ايران الاسلام غطاء لنشر نفوذها مع انها دولة قومية ؟
هذه الملاحظات تؤكد ، بما لا يقبل الشك ، حقيقة ان النظام الحالي في ايران هو نظام قومي فارسي اشد تعصبا من نظام الشاه ولكنه اكثر ذكاء منه ، ومن ثم فانه نظام قادر على تحقيق ما فشل الشاه فيه وهو احتلال قلوب بعض العرب تمهيدا لغزو اراضيهم وتقسيم اقطارهم ، لان النظام الحالي استخدم الاسلام والطائفة غطائين لاخفاء الدافع القومي بينما الشاه كان يتصرف بعنجهية قومية عزلته عن المحيط العربي فورا وبسرعة وقوة . لكن للتاريخ سخريته الحتمية فمن بدء يعمل لتضليل الناس باسم الاسلام وصل الان الى مرحلة افتضح امره وبانت هويته الحقيقية بعد ان مارس سياسات قومية عنصرية استعمارية عندما اتيحت له الفرصة ، كما حصل في العراق اثناء وبعد الغزو ، ولهذا فان نظام الملالي بنظر الاغلبية الساحقة من العرب هو نظام قومي اشد تعصبا من نظام الشاه ، وهكذا عادت ايران الملالي الى نقطة نهاية سياسات الشاه التوسعية ، وهي عزلتها وادانتها ، ولم يعد بامكانها التحدث باسم الاسلام ، وهنا جاء دور الكشف رسميا عن الانتماء والهوية الحقيقية لنظام الملالي وهو ما فعله ولايتي .
تخيلوا ايران التي توصف ب ( الاسلامية ) والمدافعة عن فلسطين ، طبقا للتونسي والمصري واضرابهما من الطابور الخامس ، تصر على تسمية الخليج بالفارسي وتلتزم بسياسة قومية صريحة ؟ ومن سوء حظ ولاياتي وزير خارجية ايران الاسبق والمستشار الاعلى لعلي خامنئي زعيم ايران الاوحد ، انه يذكّر بحقيقة لها معان كبيرة تحدد هوية الخليج وهي حقيقة ان سكان ضفتي الخليج العربي الشرقية ، التي تحتلها ايران ، والغربية التي فيها دول الخليج العربي هم عرب . فاذا كانت ايران تصر على تسمية الخليج بالفارسي وتصر على احتلال الجزر الاماراتية وتواصل احتلال اراض ومياه عراقية وتسرق نفط العراق ، وتصر على ايرانية البحرين وغيرذلك ، فاين الهوية الاسلامية لايران ؟ وكيف يجب ان تعبر الهوية الاسلامية عن نفسها لو كانت حقيقية ؟ وكيف تختلف عن الكيان الصهيوني الذي هو الاخر يحتل فلسطين ؟ وهل يستطيع التونسي والمصري واضرابهما تحديد اين يكمن الطابع التحرري للنظام الايراني بعد كل هذه الحقائق ؟
السؤال الذي يفرض نفسه هو : ما معنى ان يصبح موضوع تسمية الخليج مصدرا للصراع يعززه ويوسعه بحيث يطغى على الصراع الرئيسي حتى صعود خميني للسلطة وهو الصراع العربي – الصهيوني ؟ اليس في ذلك تحرير للكيان الصهيوني من ضغوطات تركيز الطاقات العربية ضده كما كان الحال قبل وصول خميني ؟
4 – حينما بدأ الكيان الصهيوني حرب الابادة ضد الشعب الفلسطيني في غزة كان البعض ، ممن خدعوا بأكاذيب ايران ، يعتقد بان ايران ستكون مختلفة عن النظم العربية في رد فعلها فتقف مع الشعب الفلسطيني وتسخر قواها لخدمته ، سواء قواها داخل حدودها ، كالصواريخ الطويلة المدى التي تتباهى بها وتجربها كل بضعة اشهر والتي وصل مداها الى 4000 كيلومتر ، أي انها تغطي الكيان الصهيوني واكثر ، او قواها خارج حدودها ، كأسلحة حزب الله في لبنان ، الذي كان يشعل حربا من اجل اطلاق سراح بضعة اسرى ، لكن الذي حدث كان صدمة لافراد الطابور الخامس الايراني احرجت هؤلاء الذين دوخوا العالم بفضح تخاذل النظم العربية امام الكيان الصهيوني وركزوا على موقف ايران الداعم بصدق للفلسطينيين لدرجة ان احد مروجي الدعاية الايرانية وهو صاحبنا المصري ، كتب مقالا يكفي عنوانه لفضح هويته الحقيقية كمرتزق ايراني رسمي وهو (سكت العرب ونطق العجم) ! ان هذا العنوان لا يمتدح العجم فقط ، أي ايران ، بل يهين العرب كشعب ويسحب مواقف الأنظمة العربية المتخاذلة والمساومة على الشعب العربي ومقاومته المسلحة في العراق وعلى القوى الوطنية العربية المناهضة لامريكا والكيان الصهيوني ، والتي الحقت اكبر هزيمة بامريكا في العراق ، ويلخص العرب في موقف نظام معين !!! هل معنى هذا الكلام واضح ام انه غامض ؟ كلا انه واضح فهذا المصري الجنسية لا يترك فرصة الا ويستغلها لامتداح ايران وتحقير العرب ، والعنوان المشار اليه وما ورد في مقاله يؤكد انه يريد ارضاء العجم بامتداحهم وشتم العرب .
غزةجيت
5 – من الحقائق التي تكشف قاع الموقف الايراني الحقيقي رفض علي خامنئي مطالبة بعض الايرانيين بالتطوع للقتال في غزة ! وهذا الموقف هو بحق (غزة جيت ) بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى ، لانه يفضح بقوة الشعارات الايرانية الكاذبة حول فلسطين ويضعها في نفس الصف والنوعية مع الانظمة العربية التي رفض بعضها المتطوعين العرب لدعم غزة . ولفضح هشاشة منطق خامنئي في رفض التطوع علينا التذكير بحقائق مازلنا نعيش فصولها الدامية .
فمن المعروف ان ايران ارسلت منذ غزو العراق اكثر من 120 الف ايراني من الحرس والمخابرات الى العراق لمساعدة الاحتلال الامريكي وابادة العراقيين بفرق موت هي الاشد قسوة من فرق الموت الامريكية والصهيونية على الضحايا العراقيين . كما انها ارسلت وترسل الاف رجالها الى افغانستان لمساعدة الاحتلال الامريكي لها . والسؤال المنطقي هو اذا كانت ايران تستطيع ارسال رجالها الى العراق وافغانستان لمقاتلة المقاومة فيهما ضد الاحتلال الامريكي ولمساعدة امريكا وحلف الناتو لم لا تستطيع ارسال رجال للقتال في غزة ضد اسرائيل ؟
ان هذا الموقف لا يضع النظام الايراني في صف واحد مع النظم العربية فقط بل انه أيضا يكشف الدجل الايراني لان غزة حينما توقعت نجدة ايرانية نتيجة الوعود المتكررة ، سواء تلك التي صدرت من احمدي نجاد او خامنئي او غيرهما ، او التي صدرت عن وكيل خامنئي الرسمي في لبنان حسن نصرالله ، فان اهل غزة اصيبوا بصدمة كبيرة لعدم تقديم دعم لهم اكثر من اطنان الكلام ، فاقتنعت بان الموقف الايراني الحقيقي والفعلي تجاه فلسطين لا يختلف ابدا عن موقف انظمة عربية اعترفت بالكيان الصهيوني وتتعاون معه .
حينما يحسم الموساد : ملاحظة اضافية جديدة في تصريح خطير جديد لرئيس الموساد الصهيوني السابق حدد موقف الكيان الصهيوني من ايران الملالي حينما قال علنا ورسميا ما يلي (أفضل حماس بدلاً من عباس وايران لا تشكل خطرا علينا ) ، ويضيف التقرير : (دعا إفرايم هاليفي الرئيس السابق لجهاز الموساد "الإسرائيلي" الحكومة الصهيونية إلى ضرورة التحاور مع حركة حماس بدلاً من محمود عباس "أبو مازن"، مشيراً فى ذات الوقت إلى أن إيران لا تمثل أي تهديد على "إسرائيل". ونقل موقع القناة السابعة الإخباري العبري عن رئيس للموساد السابق، خلال الفترة ما بين عامي 1998-2002، أن حركة حماس هى الطرف الأقوى الآن على الساحة الفلسطينية، لذا يجب التحدث معها حول وقف إطلاق النار، بدلاً من رئيس السلطة الفلسطينية أبو مازن
وفيما يتعلق بالتهديد النووي الإيراني، أكد رئيس الموسد السابق ما يلي حرفيا : أن إيران لا تشكل أية مشكلة أو خطر على "إسرائيل"، ولا يمكن لها أن تمحوها من على خارطة العالم كما يصرح قادتها. ( مفكرة الاسلام 11 / 12 / 2009 ) هذا الاعتراف بان ايران لا تشكل خطرا على اسرائيل ، صادر عن شخص يعرف الحقائق ويستطيع تمييزها عن الدعاية ، وهو خبير ومهم جدا وهو رئيس الموساد ، ذلك المنصب الذي يجعل من صاحبه مصدر التأثير الاقوى على قرار رئيس الوزراء الصهيوني في القضايا الحساسة ، من هنا يجب ان نأخذ هذا الاعتراف بنظر الاعتبار حينما نريد تقييم الدور الايراني .
يتبع
اما عن ( ممانعة ) ايران و( مناهضتها ) لامريكا وكونها تخوض الصراع معها ، كما يروج الطابور الايراني الخامس ، فان الواقع الايراني ومؤشرات الوضعين الاقليمي والدولي ، رسميا وفعليا ، تكذب هذه الدعاية السوداء التي يروجها امثال التونسي والاسلاموي المصري ورفيق دربه في معاداة العروبة الناصروي المصري . وفيما يلي بعض المواقف الايرانية الاخيرة ، بالاضافة لما نشرناه في دراسات سابقة ، التي تؤكد ان ايران متلاقية جوهريا ، ستراتيجيا ومبدأيا وتكتيكيا ، مع امريكا والكيان الصهيوني حول هدف محدد وخطير جدا هو تقسيم الاقطار العربية ومحو الهوية القومية لتلك الاقطار وتقاسمها :
1– فبعد سلسلة طويلة من الاعترافات والوثائق التي تثبت ان ايران لها اتصالات مباشرة مع امريكا هدفها عقد صفقات تتناقض مع ما تعلنه رسميا غطت مرحلة الثمانينيات ، مثل ايرانجيت ، والتسعينيات مثل التواطوأ مع امريكا في عدوان عام 1991 ، وتوجت بحقائق مذهلة في القرن الجديد واهمها التعاون الايراني المفتوح والرسمي مع امريكا في غز العراق وافغانستان ، بعد هذا كله تأتي وزيرة خارجية سويسرا ميشلين كالمه ريه لتؤكد في الحادي عشر من شهر نيسان 2009 ماذكرته صحيفة LE Temps ، وهي من كبريات الصحف السويسرية الناطقة باللغة الفرنسية ، عن حصول إجتماعات سرية على مستوى غير رسمي ضمت عدد من الخبراء وأساتذة الجامعات وغيرهم بين الولايات المتحدة وإيران وإسرائيل وبمشاركة أوربية . وأكدت الوزيرة ميشلين ان سويسرا شاركت في تلك الاجتماعات ضمن الوفد الاوربي ، وأشار أحد الشخصيات السويسرية التي شاركت في تلك الاجتماعات الى ان الاجتماعات تلك قد بدأت مباشرة عقب احتلال العراق وعقدت جميعها في جنيف باستثناء الاجتماعين الاخيرين حيث عقدا في دولة أوربية لم يسمها.
2 – وفي تصريح خطير كشف بشكل حاسم ونهائي حقيقة الموقف الايراني من القضية الفلسطينية أعلن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد أن " لا مشكلة لديه في أن يتوصل الفلسطينيون إلى اتفاق سلام مع إسرائيل يقوم على حل " الدولتين " . وقال الرئيس الإيراني في مقابلة تلفزيونية مع شبكة أي.بي. سي الأميركية ( إنه مهما كان القرار الذي يتخذه (الفلسطينيون) فلا مشكلة بالنسبة إلينا ، ولن نحول دونه ، ومهما كان القرار الذي سيتخذونه فإننا سندعمه ) . وأضاف أنه ( بالنسبة إلينا المسألة تتعلق بحق للشعب الفلسطيني ونأمل أن تكون وجهة نظر الدول الأخرى على هذا النحو ) . (شبكة الواحة يوم 27/04/2009 ).
ويسلط كاتب فلسطيني الضوء على موقف ايران الحاسم هذا ، ففي مقال حمل عنوان (قراءة لأخطر تصريح لنجاد حول القضية الفلسطينية ) بقلم الاستاذ سميح خلف - رئيس تحرير صحيفة " فلسطيننا " وردت فيه الفقرة التالية : ( في مقابلة له مع " السي أن أن " أوضح نجاد موقف إيران مع رياح المتغيرات الجديدة في المنطقة وخاصة الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة أوباما ، فإيران ليست بحاجة إلى تصريحات لها صبغة التطرف الآن ، وخاصة بخصوص القضية الفلسطينية ، ولقد سبقها تصريحات الإدارة الأمريكية الجديدة في غزل مباشر يقر الدور الإيراني في المنطقة ومناطق أخرى في العالم ، ولذلك إيران الآن ليست بحاجة للشعار القائل بأن فلسطين التاريخية للفلسطينيين ، فالنظام الإيراني كغيره من الأنظمة يتعامل مع القضية الفلسطينية بشكل مرحلي وبشكل انتفاعي قبل أن يكون شكل مبدأي ، وهذه التوجسات التي كانت تخيفنا دائما من الموقف الإيراني . إيران منذ عام أو منذ شهور ليست إيران بتصريحاتها للـ cnn) .
واضاف : ( إيران التي كانت لا تقر بالوجود الصهيوني على أرض فلسطين وتعتبر " المحرقة " مجرد تزييف تاريخي ها هي الآن ومن خلال ثاني مسؤول فيها السيد نجاد رئيس الجمهورية الإيرانية ينسف كل ما تحدث به من أعوام سابقة حول القضية الفلسطينية وحول قضية الوجود للكيان الصهيوني على الأرض الفلسطينية ، وتحولت أميركا " الشيطان الأكبر " وربيبتها الصهيونية إلى أميركا التي يمكن أن تتقاسم معها إيران النفوذ في " منطقة الشرق الأوسط " في علاقة إستراتيجية قائمة على التقاسم في المصالح ، ومن خلال هذا المفهوم فإن الوجود الصهيوني على أرض فلسطين أصبح مقر من خلال ما تحدث به الرئيس الإيراني ) .
ويحدد خلف اهمية التصريح فيقول : ( تصريح في غاية الخطورة على مستقبل الصراع العربي الصهيوني والعلاقات مع الأمة العربية ، يقول نجاد للـ CNN مجيبا على مقدم البرنامج جورج سيتفانوبولس أن حكومته ستقبل بحل دولتين ، " إسرائيلية " وفلسطينية ، في سياق اتفاق يقبل به الفلسطينيون .
ويتابع خلف مقاله : ( وبذلك تسلك الحكومة الإيرانية عن طريق رئيس جمهوريتها سلوك بعض الأنظمة العربية التي رمت الكرة في الملعب الفلسطيني وأقامت علاقات مع الصهيونية بحجة أن الفلسطينيين هم أصحاب القرار وهم أصحاب البرنامج بالإعتراف بالصهيونية والوجود الصهيوني على الأرض الفلسطينية ، مبررات خاطئة أوصلتها بعض الأنظمة لشعوبها في حين أن تلك الأنظمة قد صنعت إتفاقيات بشكل أو بآخر مع الكيان الصهيوني قبل أوسلو في 93 ) . الكاتب الفلسطيني الرافض للتسوية السياسية للصراع العربي الصهيوني يضع ايران ، وبحق وصواب تامين ، في نفس مكان الانظمة العربية التي تعترف باسرائيل .
ويفسر خلف الموقف الايراني كما يلي : ( تصريحات نجاد هي اعتذار مبطن على جمله ومواقفه في (مؤتمر ديربان) في جنيف الأسبوع الماضي ، وإيران تقدم أيضا فلسطين لقد دعت أميركا إيران لتقاسم النفوذ في أفغانستان ، ناهيك عن الموقف الإيراني من الإجتياح الأمريكي لأفغانستان ، ودعت أميركا إيران لتقاسم النفوذ الأمني والسياسي في العراق ودعت أميركا إيران لتقاسم النفوذ في لبنان ، وما يحدث في لبنان هو تقاسم ومحاصصة للمصالح بين الدولتين ، ومع الدول الغربية أيضا ، وها هي إيران ومن خلال تصريحات رئيسها تتخلى عن المقاومة الفلسطينية لصالح حل الدولتين والإعتراف بالصهيونية على أرض فلسطين بمبرر واهي وهو خيار الشعب الفلسطيني ، ولذلك نقول أن تلك المبررات تسقطها الحقيقة القائمة من تقاسم للنفوذ بين إيران وأميركا ، والحقيقة تقول أيضا أن القضية الفلسطينية والوجود الصهيوني على أرض فلسطين هي قضية لا تقبل المساومة ولا تقبل أن توضع تحت لائحة المصالح ، فالقضية الفلسطينية هي قضية احتلال عنصري إستيطاني على أرض فلسطين ولن ترضى الأمة العربية والإسلامية بهذا الوجود الذي وجد منذ بدايته على خريطة المصالح الدولية والأطماع الإمبريالية ).
ويختتم الكاتب الفلسطيني مقاله بالخلاصة التالية : ( المقاومة الفلسطينية من خلال رسالة نجاد مع الـ CNN وفي توافق في الزمن مع إجتماع كل من تيار أوسلو وحماس في القاهرة هي ورقة أيضا لصالح تيار أوسلو تدفعها الحكومة الإيرانية للجانب الأمريكي والصهيوني ، ووضع المقاومة وأولها حماس بين فكي كماشة وضغوط من أجل الموافقة على برنامج سلطة رام الله الذي عبر عنه رئيس تيار أوسلو اليوم في تصريحه على أي حكومة تشكل أن تعترف بإلتزامات السلطة ومنظمة التحرير بدون إلزام للفصائل، وهنا تحايل والتفاف يؤدي في النهاية إلى الإقرار بالسلوم السياسي والأمني لسلطة رام الله في حفظ الأمن للإحتلال وإنهاء كل المعايير والمفاهيم التي تقول أن الكيان الصهيوني هو عدو محتل إستيطاني لفلسطين وامتدادات ذلك أيضا الخطورة التي تتمثل على أن المقاومة حق مشروع للشعب الفلسطيني ، من تصريحات نجاد المقاومة الفلسطينية والمطلب الفلسطيني في خطر وفي موقف لا تحسد عليه في ظل برنامج عربي متقاعس وطموح إيراني في المنطقة وتقاسم للنفوذ بين إيران وأميركا والغرب ، يمكن أن يؤدي إلى حقائق أخرى على الأرض العربية وبالضرورة ينعكس ذلك على المقاومة الفلسطينية وطرق الدعم اللوجستي وغير اللوجستي ، فحصار المقاومة الآن في بوابة جديدة تختلف عن بوابة رفح وقفل المعابر، فهناك وجه آخر لحصار المقاومة الفلسطينية وفصائلها ) .
هذا التحليل الصحيح والسليم لموقف ايران الذي قدمه الاستاذ سميح خلف يكشف عن حقيقة ان ايران تساوم على القضية الفلسطينية بعد ان ساومت على افغانستان والعراق ، مما يضع الموقف الخاص بحماس تحت ضغط ايراني يضاف الى الضغوط العربية كي تقبل بلا تحفظ او تردد الاعتراف باسرائيل ، من جهة ، ويحدد بدقة موقف ايران بصفتها دولة تتبنى سياسة تجاه القضية الفلسطينية لا تختلف من حيث الجوهر عن موقف السادات واي حكومة عربية اعترفت بالكيان الصهيوني او اعلنت استعدادها للاعتراف به ، من جهة ثانية .
انها شهادة فلسطينية تكمن قيمتها في ان صاحبها رافض لمواقف انظمة التسوية والاستسلام وفاضح للدور الخياني لسلطة محمود عباس التي لم تكتفي ببيع فلسطين بل ذهبت الى العراق ، وبالذات لمنطقة التمرد الانفصالي في شمال العراق ، لتبيعه باسم فلسطين للامريكيين ، وهي لذلك شهادة وطنية مهمة جدا ولا يمكن فهم الموقف الفلسطيني الحقيقي تجاه ايران من دون الانتباه اليها .
3 – وفي نفس الفترة التي اطلق فيها احمدي نجاد تصريحه الانقلابي حول الاعتراف باسرائيل قامت ايران بشكل لافت للنظر بتأكيد ان الخليج العربي فارسي ! تقول شبكة – واحةProTrader – نقلا عن الجزيرة نت ، ان ايران جددت تأكيدها على أن الخليج " فارسي " وليس عربيا، وأكدت أن ما وصفته بتغيير اسم الخليج هو مؤامرة خارجية ) . من قال ذلك ؟ تقول الشبكة ( قال علي أ?بر ولايتي مستشار المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية للشؤون الدولية إن تسمية منطقة الخليج " الخليج العربي " بدل " الخليج الفارسي " مؤامرة بريطانية . وأكد أن البريطانيين هم أول من طرح هذه التسمية " وزعموا أنه بما أن السكان القاطنين على سواحله ناطقون بالعربية فيجب تسميته بالخليج العربي " معتبرا أن " هذا التصور فارغ ولا أساس له " .
و( أضاف ولايتي في ?لمة له الأربعاء في ملتقى ما يسمى (الخليج الفارسي) أن بلاده ستبقي على تسمية " الخليج الفارسي ?ما ?ان دوما " وأن هذا الاسم " سيستخدم في مسار تطوير ونمو وازدهار إيران ". وقال أيضا " رأينا في العقود الأخيرة مزاعم طرحت حول هذه البقعة الجغرافية ، ولكن شعبنا على يقظة تامة دوما بشأن هذه المؤامرات التي تحاك من قبل الأعداء من أجل تغيير اسم الخليج الفارسي ". وأشار المسؤول الإيراني إلى ما اعتبرها " قرارات سياسية تتخذ من قبل بعض الجهات الخارجية " التي لم يسمها لـ " تغيير اسم الخليج الفارسي ".
ملاحظة جديدة اضيفت على هذه الدراسة في شهر كانون الاول 2009 : بعد هذا التصريح لعلي اكبر ولايتي بحوالي ستة شهور يتقدم هذا الزعيم الايراني ، الذي يحتل وظيفة المستشار الاعلى لعلي خامنئي ، خطوة اكثر جرأة في الكشف عن هوية النظام الايراني الحقيقية ، اذ انه قال حرفيا ما يلي : ("ما نراه في النقوش البارزة لـ " تخت جمشيد " ( بقايا القصر الأخميني قبل 2500 عام ) يعبر عن الطهارة والعظمة، وذلك على خلاف الآثار المصرية والرومانية واليونانية والغربية بشكل عام التي تعكس سوء الأخلاق والعبودية " . ) لاحظوا النزعة العنصرية الفارسية التي تحاول الحط من شأن الحضارات الاخرى . ويتابع التقرير الذي ورد فيه التصريح فيقول : (وأثناء حديثه في برنامج "خطوتين حتى الصبح" على التلفزيون الرسمي الإيراني، أطلق ولايتي عبارات التمجيد للفرس وملوكهم وفضلهم وعظمتهم قبل الإسلام . وشدد خلال حديثه في أكثر من مرة على إطلاق اسم " بلاد فارس " على إيران ، وتذرع بأن إطلاق هذا الاسم على بلاده يأتي من قبل العرب بشكل خاص.
يقول التقرير : ( جدير بالذكر أن الأوساط القومية الفارسية المتطرفة تطالب بإطلاق اسم "فارس" على إيران التي تتسم بالتعدد القومي وتضم إلى جانب الفرس قوميات أخرى كالترك والبلوش والتركمان والكرد والعرب واللور، وتشكل هذه المجموعات الإثنية طبقاً لبعض المصادر 60% من سكان إيران مقابل 40% للفرس.)
وواصل التقرير الكشف عن النهج الحقيقي لايران بقوله : (ورأى مستشار خامنئي أنه من الضروري إعلاء قيمة الخدمات المزعومة التي قدمتها المدرسة الفارسية للعلم والثقافة والفن والمذهب في إيران"، واعتبر أن قصر تخت جمشيد "برسبوليس" هو الرمز البارز لهذه المدرسة. المعروف أن الحركات القومية الفارسية تتخذ من بقايا قصر تخت جمشيد الذي يقع في إقليم فارس بالقرب من مدينة شيراز، وأقيم قبل 2500 عام على يد الملك قوروش رمزًا قوميًا فارسيًا. )
ان السؤال الذي تثيره هذه التصريحات الجريئة جدا هو التالي : من هو الذي يقول هذا الكلام ؟ انه المستشار الاعلى لمن يسمى ب ( المرشد الاعلى ) لايران ، اي ديكتاتورها الاوحد ومرجع كل من يؤمن بولاية الفقيه ، الامر الذي يجعل هذه الاقوال قريبة من خامنئي واطلقت برضاه حتما .
ويذكر التقرير رد فعل يؤكد ان ما قاله ولايتي ليس رايه الفردي فيقول : ( وفي ردود الأفعال على هذه التصريحات التي تمجد الثقافة الفارسية أعرب موقع "تابناك" القريب من محسن رضائي القائد الأسبق للحرس الثوري، عن ترحيبه بتصريحات علي أكبر ولايتي وادعى أنها شفافة وصريحة وتقف في وجه أولئك الذين يحاولون طمس الحضارة الفارسية وملوكها قبل الإسلام . ) . ومن الضروري ان نذكّر هنا ان محسن رضائي كان مرشحا للرئاسة في الانتخابات الاخيرة عن التيار المحافظ ، فتصوروا محافظ متشدد دينيا يفاخر بالقومية الفارسية !
ولادراك حقيقة اقوال علي اكبر ولايتي ومصدرها ومرجعيتها ارجو تدقيق تعليق التقرير الذي اورد هذه التصريحات ، يقول التقرير معلقا : (وكان الباحث – الايراني - ناصر بوربيرار قد كشف بالأدلة أن ملوك الفرس هم المسئولون عن جريمة إيقاف عجلة التاريخ والحضارة في الشرق الأوسط لمدة 1200 عام حتى ظهور الإسلام وذلك على خلفية هجومهم بدعم من اليهود قبل 2500 سنة على بابل التي كانت تعد مركز الحضارة والثقافة والعلم في العالم . وأكد الباحث التاريخي الإيراني أن الآثار الفارسية هي تقليد بدائي لإنجازات حضارة بين النهرين وعيلام ، وأن قصر تخت جمشيد الذي أصبح رمزًا للقوميين الفرس يحمل الكثير من الإشارات البابلية والعيلامية. ) ، مصدر التقرير : شبكة مفكرة الاسلام 13 / 11 / 2009 .
أذن ما قاله علي اكبر ولايتي ما هو الا تمجيد فارغ لا تسنده وقائع التاريخ الحقيقي للفرس ، هذا هو ما اكده باحث ايراني مختص اسمه ناصر بوربيرار وليس باحث عربي .
بالطبع نحن لا نعترض على تفاخر ولايتي بامجاد فارس القومية فهذا حقه ، ولكننا نعترض على التخفي تحت عباءة الاسلام والطائفة ومحاولة اخفاء الدافع القومي الفارسي عند الترويج لايران ومهاجمة الانتماء القومي للعرب ووصفه بانه من مخلفات الجاهلية التي تتعارض مع الاسلام ! ان اعتراضنا يتمثل في السؤالين التاليين : لم من حق قادة ايران التفاخر بامجاد فارس وليس من حق العرب التفاخر بامجاد الحضارات العربية ؟ ولم تستخدم ايران الاسلام غطاء لنشر نفوذها مع انها دولة قومية ؟
هذه الملاحظات تؤكد ، بما لا يقبل الشك ، حقيقة ان النظام الحالي في ايران هو نظام قومي فارسي اشد تعصبا من نظام الشاه ولكنه اكثر ذكاء منه ، ومن ثم فانه نظام قادر على تحقيق ما فشل الشاه فيه وهو احتلال قلوب بعض العرب تمهيدا لغزو اراضيهم وتقسيم اقطارهم ، لان النظام الحالي استخدم الاسلام والطائفة غطائين لاخفاء الدافع القومي بينما الشاه كان يتصرف بعنجهية قومية عزلته عن المحيط العربي فورا وبسرعة وقوة . لكن للتاريخ سخريته الحتمية فمن بدء يعمل لتضليل الناس باسم الاسلام وصل الان الى مرحلة افتضح امره وبانت هويته الحقيقية بعد ان مارس سياسات قومية عنصرية استعمارية عندما اتيحت له الفرصة ، كما حصل في العراق اثناء وبعد الغزو ، ولهذا فان نظام الملالي بنظر الاغلبية الساحقة من العرب هو نظام قومي اشد تعصبا من نظام الشاه ، وهكذا عادت ايران الملالي الى نقطة نهاية سياسات الشاه التوسعية ، وهي عزلتها وادانتها ، ولم يعد بامكانها التحدث باسم الاسلام ، وهنا جاء دور الكشف رسميا عن الانتماء والهوية الحقيقية لنظام الملالي وهو ما فعله ولايتي .
تخيلوا ايران التي توصف ب ( الاسلامية ) والمدافعة عن فلسطين ، طبقا للتونسي والمصري واضرابهما من الطابور الخامس ، تصر على تسمية الخليج بالفارسي وتلتزم بسياسة قومية صريحة ؟ ومن سوء حظ ولاياتي وزير خارجية ايران الاسبق والمستشار الاعلى لعلي خامنئي زعيم ايران الاوحد ، انه يذكّر بحقيقة لها معان كبيرة تحدد هوية الخليج وهي حقيقة ان سكان ضفتي الخليج العربي الشرقية ، التي تحتلها ايران ، والغربية التي فيها دول الخليج العربي هم عرب . فاذا كانت ايران تصر على تسمية الخليج بالفارسي وتصر على احتلال الجزر الاماراتية وتواصل احتلال اراض ومياه عراقية وتسرق نفط العراق ، وتصر على ايرانية البحرين وغيرذلك ، فاين الهوية الاسلامية لايران ؟ وكيف يجب ان تعبر الهوية الاسلامية عن نفسها لو كانت حقيقية ؟ وكيف تختلف عن الكيان الصهيوني الذي هو الاخر يحتل فلسطين ؟ وهل يستطيع التونسي والمصري واضرابهما تحديد اين يكمن الطابع التحرري للنظام الايراني بعد كل هذه الحقائق ؟
السؤال الذي يفرض نفسه هو : ما معنى ان يصبح موضوع تسمية الخليج مصدرا للصراع يعززه ويوسعه بحيث يطغى على الصراع الرئيسي حتى صعود خميني للسلطة وهو الصراع العربي – الصهيوني ؟ اليس في ذلك تحرير للكيان الصهيوني من ضغوطات تركيز الطاقات العربية ضده كما كان الحال قبل وصول خميني ؟
4 – حينما بدأ الكيان الصهيوني حرب الابادة ضد الشعب الفلسطيني في غزة كان البعض ، ممن خدعوا بأكاذيب ايران ، يعتقد بان ايران ستكون مختلفة عن النظم العربية في رد فعلها فتقف مع الشعب الفلسطيني وتسخر قواها لخدمته ، سواء قواها داخل حدودها ، كالصواريخ الطويلة المدى التي تتباهى بها وتجربها كل بضعة اشهر والتي وصل مداها الى 4000 كيلومتر ، أي انها تغطي الكيان الصهيوني واكثر ، او قواها خارج حدودها ، كأسلحة حزب الله في لبنان ، الذي كان يشعل حربا من اجل اطلاق سراح بضعة اسرى ، لكن الذي حدث كان صدمة لافراد الطابور الخامس الايراني احرجت هؤلاء الذين دوخوا العالم بفضح تخاذل النظم العربية امام الكيان الصهيوني وركزوا على موقف ايران الداعم بصدق للفلسطينيين لدرجة ان احد مروجي الدعاية الايرانية وهو صاحبنا المصري ، كتب مقالا يكفي عنوانه لفضح هويته الحقيقية كمرتزق ايراني رسمي وهو (سكت العرب ونطق العجم) ! ان هذا العنوان لا يمتدح العجم فقط ، أي ايران ، بل يهين العرب كشعب ويسحب مواقف الأنظمة العربية المتخاذلة والمساومة على الشعب العربي ومقاومته المسلحة في العراق وعلى القوى الوطنية العربية المناهضة لامريكا والكيان الصهيوني ، والتي الحقت اكبر هزيمة بامريكا في العراق ، ويلخص العرب في موقف نظام معين !!! هل معنى هذا الكلام واضح ام انه غامض ؟ كلا انه واضح فهذا المصري الجنسية لا يترك فرصة الا ويستغلها لامتداح ايران وتحقير العرب ، والعنوان المشار اليه وما ورد في مقاله يؤكد انه يريد ارضاء العجم بامتداحهم وشتم العرب .
غزةجيت
5 – من الحقائق التي تكشف قاع الموقف الايراني الحقيقي رفض علي خامنئي مطالبة بعض الايرانيين بالتطوع للقتال في غزة ! وهذا الموقف هو بحق (غزة جيت ) بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى ، لانه يفضح بقوة الشعارات الايرانية الكاذبة حول فلسطين ويضعها في نفس الصف والنوعية مع الانظمة العربية التي رفض بعضها المتطوعين العرب لدعم غزة . ولفضح هشاشة منطق خامنئي في رفض التطوع علينا التذكير بحقائق مازلنا نعيش فصولها الدامية .
فمن المعروف ان ايران ارسلت منذ غزو العراق اكثر من 120 الف ايراني من الحرس والمخابرات الى العراق لمساعدة الاحتلال الامريكي وابادة العراقيين بفرق موت هي الاشد قسوة من فرق الموت الامريكية والصهيونية على الضحايا العراقيين . كما انها ارسلت وترسل الاف رجالها الى افغانستان لمساعدة الاحتلال الامريكي لها . والسؤال المنطقي هو اذا كانت ايران تستطيع ارسال رجالها الى العراق وافغانستان لمقاتلة المقاومة فيهما ضد الاحتلال الامريكي ولمساعدة امريكا وحلف الناتو لم لا تستطيع ارسال رجال للقتال في غزة ضد اسرائيل ؟
ان هذا الموقف لا يضع النظام الايراني في صف واحد مع النظم العربية فقط بل انه أيضا يكشف الدجل الايراني لان غزة حينما توقعت نجدة ايرانية نتيجة الوعود المتكررة ، سواء تلك التي صدرت من احمدي نجاد او خامنئي او غيرهما ، او التي صدرت عن وكيل خامنئي الرسمي في لبنان حسن نصرالله ، فان اهل غزة اصيبوا بصدمة كبيرة لعدم تقديم دعم لهم اكثر من اطنان الكلام ، فاقتنعت بان الموقف الايراني الحقيقي والفعلي تجاه فلسطين لا يختلف ابدا عن موقف انظمة عربية اعترفت بالكيان الصهيوني وتتعاون معه .
حينما يحسم الموساد : ملاحظة اضافية جديدة في تصريح خطير جديد لرئيس الموساد الصهيوني السابق حدد موقف الكيان الصهيوني من ايران الملالي حينما قال علنا ورسميا ما يلي (أفضل حماس بدلاً من عباس وايران لا تشكل خطرا علينا ) ، ويضيف التقرير : (دعا إفرايم هاليفي الرئيس السابق لجهاز الموساد "الإسرائيلي" الحكومة الصهيونية إلى ضرورة التحاور مع حركة حماس بدلاً من محمود عباس "أبو مازن"، مشيراً فى ذات الوقت إلى أن إيران لا تمثل أي تهديد على "إسرائيل". ونقل موقع القناة السابعة الإخباري العبري عن رئيس للموساد السابق، خلال الفترة ما بين عامي 1998-2002، أن حركة حماس هى الطرف الأقوى الآن على الساحة الفلسطينية، لذا يجب التحدث معها حول وقف إطلاق النار، بدلاً من رئيس السلطة الفلسطينية أبو مازن
وفيما يتعلق بالتهديد النووي الإيراني، أكد رئيس الموسد السابق ما يلي حرفيا : أن إيران لا تشكل أية مشكلة أو خطر على "إسرائيل"، ولا يمكن لها أن تمحوها من على خارطة العالم كما يصرح قادتها. ( مفكرة الاسلام 11 / 12 / 2009 ) هذا الاعتراف بان ايران لا تشكل خطرا على اسرائيل ، صادر عن شخص يعرف الحقائق ويستطيع تمييزها عن الدعاية ، وهو خبير ومهم جدا وهو رئيس الموساد ، ذلك المنصب الذي يجعل من صاحبه مصدر التأثير الاقوى على قرار رئيس الوزراء الصهيوني في القضايا الحساسة ، من هنا يجب ان نأخذ هذا الاعتراف بنظر الاعتبار حينما نريد تقييم الدور الايراني .
يتبع
رد: المدافعون عن الاستعمار الايراني : من هم ؟ - صلاح المختار
أسئلة وملاحظات
بعد هذا الاستعراض التفصيلي لابد من تثبيت ملاحظات وحقائق ميدانية اساسية تؤكد ، بلا ادنى شك ، الهوية الحقيقة لايران :-
1 – ان من اهم الاسئلة التي يجب طرحها لتحديد الهوية الحقيقية لايران هو السؤال التالي : لم يدعم افراد وجماعات عربية ايران ؟ الجواب الجاهز والمعروف هو انها تدعم القضية الفلسطينية منذ اسقاط الشاه ، لذلك فمن الضروري التمييز بين ايران الشاه وايران الملالي وتثمين موقفها الايجابي تجاه القضية الفلسطينية .
طيب ثمة سؤال اخر مهم جدا وهو : لم يدعم العرب القضية الفلسطينية ؟ الجواب يختلف بين تيارين هما التيار القومي العربي والتيار الاسلاموي ، فالتيار القومي يؤمن بان فلسطين عربية وبما ان كل اجزاء الوطن العربي متساوية القيمة وتنتمي لامة واحدة فان الدفاع عن فلسطين واجب قومي مقدس كما الدفاع عن كل قطر عربي اخر . اما التيارات الاسلاموية فتجيب لان فلسطين بلد اسلامي وبما ان كل البلدان الاسلامية اجزاء من ( امتنا الاسلامية ) فيجب دعم القضية الفلسطينية . ويترتب على هذين السؤالين سؤال ثالث وهو : هل نقف ضد الكيان الصهيوني لان مستوطنيه يهود ام لأنه احتل فلسطين ؟
هذه الاسئلة حاسمة في تحديد الهوية الحقيقية لنظام الملالي في ايران ، والاهم في تحديد الدور الحقيقي لداعمي ايران من العرب وكشف دوافعهم غير الشريفة ، وهو موضوع بحثنا ، ومن دون طرحالاسئلة الثلاثة ومناقشتها من الصعب كشف التضليل الايراني وتعرية من يدافع عن ايران .
وعند مناقشة موقف التيارات الاسلاموية والكتاب الاسلامويين الداعمين لايران من منطلق ( اسلامي ) فان الاسئلة المهمة التي تواجههم ويعجزون عن تقديم اجابة مقنعة عليها هي : اليس العراق ، الذي تشارك ايران امريكا في احتلاله وتدميره والتسبب في اسوأ الكوارث التي تعرض لها خلال ثمانية الاف عام من تاريخه بعد ان ساعدت امريكا على غزوه رسميا ، قطرا مسلما كفلسطين ؟ ، اليست الاحواز التي تحتلها ايران قطرا اسلاميا كفلسطين وعدد نفوسه ضعف نفوس الشعب الفلسطيني ( حوالي تسعة ملايين احوازي ) وارضه اكبر من فلسطين بثمانية مرات ونصف المرة وتمتد من جنوب العراق حتى مضيق هرمز على امتداد الضفة الشرقية للخليج العربي ، وعلى ارض الاحواز وفي جوفها توجد اهم ثروات ايران الحالية وهي المياه والنفط ؟
وتتواصل عملية توالد الاسئلة المنطقية التي تفرض نفسها بحكم منطق الاشياء : لم تدعم ايران فلسطين الاسلامية وتحتل العراق الاسلامي والاحواز الاسلامية ؟ اليست اراضي المسلمين وحقوقهم واحدة في القيمة والاهمية من حيث الجوهر ؟ ولم تصر ايران على الصراع مع العرب حول الارض والمياه والحدود مع العرب المسلمين ، كما في حالة الامارات والعراق ودول الخليج كلها خصوصا البحرين ؟ اليست اراضي المسلمين واحدة ولكل المسلمين ولا فرق بين مسلم واخر ؟ ولم يصر نظام الملالي في ايران على تسمية الخليج العربي ب ( الفارسي ) اذا كانت هويته الحقيقة اسلامية ؟ الا يفترض عدم اشعال صراعات دموية وعدائية بين المسلمين من اجل ارض هي ملكهم كلهم وبالتساوي ؟ بل والاكثر ايحاء ومعنى هو الامر التالي : لم رفض خميني ( حلا وسطا ) لمسألة تسمية الخليج العربي قدمته منظمة المؤتمر الاسلامي في الثمانينيات لاجل أيقاف الصراع بين المسلمين يقوم على تسميته ب ( الخليج الاسلامي ) ؟ لقد رفضه خميني بشدة واصر على مواصلة الصراع مع العرب المسلمين حول اسم الخليج ! لم ذلك الاصرار اذا كان خميني وتياره اسلاميا حقا ؟
وتأخذ الاسئلة طابعا اكثر خطورة حينما يتعلق الامر بالاسلامويين العرب ومنها : لو ان من يحكم العراق كان حركة الاخوان المسلمين ( واسمها في العراق هو الحزب الاسلامي ) وغزته امريكا وايران هل كان رد فعل الاخوان المسلمين ، في مصر مثلا ، سيكون هو نفس رد فعلهم الحالي المتميز بدعم ايران رغم مشاركتها الرئيسية والحاسمة في الغزو ؟ من المؤكد ان اخوان مصر سوف يقفون ضد الغزو الامريكي الايراني لو كان الاخوان المسلمون في العراق ( او الحزب الاسلامي ) يحكمون العراق ، ولكنهم كانوا في ( المعارضة ) ضد نظام وطني وقومي الهوية ، لذلك ايدوا الاحتلال وشاركوا في حكوماته بفعالية حرصا على اجتثاث التيار القومي العربي في العراق ، وهو القلعة الاخيرة للقومية العربية بعد زوال النظام الناصري في مصر ، والذي تعرض لعداء متجذر من قبل الاخوان المسلمين في مصر .
يقينا ان موقف الاسلامويين العرب ( من الطائفيين السنة ) الداعم لايران ينبع من بئر سام ومسمم وهو بئر العداء الايديولوجي الاسلاموي للقومية العربية وتياراتها وليس من نبع الاسلام الصافي الذي لا يجسده تيار او حزب مثلما يجسده البعث كما اتثبتت تجربة غزو العراق . وهذه حقيقة مخيفة تحدد طبيعة التيارات الاسلاموية وهويتها ومكامن الغامها ، فهي من اجل تصفية التيار القومي الرئيسي وهو البعث ( لنتذكر انها ساهمت في تصفية التيار القومي الناصري في مصر ) دعمت الغزو الامريكي للعراق وشاركت في حكوماته ومارست اسوأ اشكال الطائفية عندما ادعت انها تمثل السنة في العراق في الحكومة التي اقامها الاحتلال !
واخيرا فان السؤال الذي يواجه الاسلامويون العرب هو : ما الفرق بين فلسطين ، التي تبررون دعمكم لايران باسمها ، والعراق ؟ هل يوجد فرق بين قطر مسلم واخر ؟
وهنا يجب ان نتوقف لنشاهد كيف ان الاممية الاسلاموية – وليس الاسلامية – التي يروج لها الاسلاميون كبديل عن الانتماءين الوطني والقومي ، تستخدم ممرا للخيانات الوطنية والقومية ، فلولا الحط من شأن القومية العربية والوطنية العربية من قبل الاسلامويين العرب ، تحت غطاء الاممية الاسلاموية الشيعية والسنية ، فان خيانة الاخوان المسلمين في العراق لوطنهم الصغير ما كانت ممكنة ، وما كان ممكنا ان تؤيد حركة الاخوان في مصر ايران وتدعم الاخوان المسلمين في العراق مع انهم ارتكبوا فعل الخيانة الوطنية العظمى بتأييدهم للاحتلال ومشاركتهم في حكوماته ، التي تركز دورها على تكريس الاحتلال والترويج له .
القومية والدين من منظور فلسفي
ان الدرس التاريخي الخطير والكبير الذي بلورته مواقف الاسلامويين العرب هو التالي : حينما تسقط الرابطة الوطنية وتهمش او تدان الهوية القومية ، وغالبا تكفر ويكفر المؤمنون بالقومية من قبل الاسلامويين ، وتجعل ( الاسلام ) ، حسب التفسير الفارسي او الاخواني له ، هوية لك مع انه قابل لعشرات التفسيرات ، كما لاحظنا عند غزو العراق وما الحقه من كوارث فيه والتي يتحمل الاسلامويون الشيعة والسنة مسئولية اساسية عنها ، فان الخيار الاسلاموي ، العدمي قوميا ووطنيا ، يكون المقدمة الطبيعية للخيانات الوطنية والقومية .
كيف ذلك ؟ من هنا من الضروري مناقشة دور الدين والقومية في حياة البشر وهذه الضرورة تتطلب تناول الطبيعة الفلسفية لكل من القومية والدين لفهم كيفية استخدام غطاء الدين في تفتيت الهوية الوطنية والقومية مع ان ذلك انتحار حقيقي . ان الدين اساسا صلة بالرب ، ايمان وعبادة وممارسات ، وهي صلة ذات طبيعة ميتافيزيقية لا يمكن التعامل معها بمنطق الرياضيات ، وهو القاعدة الاساسية للحياة السياسية بصفتها ممارسة دنيوية انموذجية ، فمهما كنا متبحرين في الشأن الديني فان ثمة قضايا لا يمكن اختراقها وتبقى سرا غير قابل للكشف او الاكتشاف ، مثل التساؤل عن الله وما بعد تفسير الدين للحياة والموت والخلق ، وهي قضية من المستحيل منع الانسان ، أي انسان ، من التفكير بها منذ صغره ، خصوصا الديانات السماوية التوحيدية ، من اليهودية الى الاسلام مرورا بالمسيحية ، التي امنت بوجود الله سبحانه وتعالى ومنعت التشكيك بوجوده .
ان صلة الانسان برجل الدين اساسها حاجة الانسان العادي لتفسيرات تشبع حاجته لمعرفة ظواهر اكبر من عقله او على الاقل تقلل دهشته من الكون والخلق والطبيعة ، كما انه بحاجة لفتاوى تنظم حياته الاجتماعية كالزواج والطلاق والارث وغيرها ، وهذه الصلة جبرية غالبا بما انها تقوم على حاجة الانسان العادي لتفسيرات وحلول لا يملكها وتوجد لدى رجل الدين حصرا في المجتمعات التقليدية ، مع ان الاسلام يرفض الكهنوتية ، وهكذا تبلورت صلة تابع ومتبوع اساسها وقاعدتها ميتافيزيقية وهي معلومات لا يجوز التشكيك بها او التساؤل عما ورائها او قبلها ، فاما ان تقبل كما هي دون نقاش او اعتراض ، وهذا مؤشر الايمان ، او ترفض كلها وهو مؤشر الالحاد .
ومن المؤكد ان لكل انسان يتمتع بذكاء ولو متوسط ذكريات في طفولته تتعلق بالاسئلة التي كان يوجهها لوالده او محيطه حول الخلق وغموضه ، وهي اسئلة لكونها تصدر عن طفل برئ وذكي لا تقتنع ب ، ولا تتوقف عند ، اجابات رجل الدين ، بل تذهب لما وراءها ، مثل السؤال عن خلق الكون ، وعند الجواب بانه الله لا يتردد الطفل عن طرح اسئلة محرمة بالنسبة للراشدين مثل ومن خلق الله ؟
ونتيجة لهذه الطبيعة الميتافيزيقية للايمان الديني فانه يقع في مركز الخوف الطبيعي والغريزي من دماغ البشر ، ويصبح ثمة فرق جوهري بين معلومات الحياة الدنيوية والتي يختزنها عقل الانسان بعد التاكد منها ماديا وحسيا كطرق العيش والبقاء والحلول لما يواجهه من تحديات حياتية ، وتلك المعلومات تشكل ثقافته التي ينشأ في بيئتها بكافة اشكالها ومراحلها ، وهي ثقافة اقدم من كل الديانات التوحيدية لان الانسان حالما يبدأ بوعي العالم وهو طفل يتشكل لديه مزيج متداخل عضويا من الوعي والسايكولوجيا ، وهما المنبع الاساسي لثقافته وخياراته الاجتماعية ، وهذا المزيج هو الوعي الاجتماعي الذي يشكل العمود الفقري لشخصية الانسان وخياراته ومميزاته .
ان الوعي الاجتماعي يتشكل وفقا للبيئة السائدة ويخضع لها ولا يتغير الا عند حصول انتقالة نوعية من مرحلة تاريخية الى اخرى ، وهو بنية فوقية تنبثق عن بنية تحتية اقتصادية اجتماعية ، لكنه – أي الوعي – حالما ينبثق ويتبلور يبدأ بالتأثير على البنية التحتية ويعيد تشكيلها ، وهكذا تبدا عملية صيرورة متنامية تخضع لمنطق جدلي لا يتوقف على الاطلاق .
والهوية هي الصورة الاولى والارسخ والاهم للوعي الاجتماعي ، فقبل ان يتكون وعي الانسان العام والخارجي يبدأ بوعي ذاته ويتعرف على نفسه ، بمزاجه وميوله وقدراته وشكله ...الخ ، وتصبح عملية تكون هويته الخاصة محور انشغاله الذاتي ، بحكم دوافع غريزية لا يمكن صدها . وحينما ينمو الانسان يتوسع وعيه فيزداد كما ويرتقي نوعا ، فبعد ذاته يبدأ باكتشاف هوية عائلته ثم هوية محيطه الاسري من لغة وتقاليد وضوابط وقيم ، ثم يتعامل مع هويته المحلية – اين يعيش ومع من يعيش – ثم هويته العشائرية ، ثم هويته القبلية ، ويأتي التطور النوعي الاهم وهو تفاعل القبائل المنتمية لنفس اللغة والثقافة والمحيط الجغرافي ، وعندها تبدأ الهوية الوطنية والقومية بالظهور والطغيان على الهويات السابقة لها كلها .
ان هذه الصيرورة استغرقت الاف السنين بالنسبة للشعوب العريقة ، واستمر الوعي الاجتماعي خلالها بالوجود ومع الاستمرارية كان يتجذر ويترسخ ويتوارث من جيل الى جيل حتى صار الوعي الاجتماعي ، في اطار الهوية ، طبيعة ثانية للانسان ، تملأ فراغات الوعي لديه ، ومنها خياراته في الحياة وكيفية مواجهة التحديات . وبفضل الهوية يستقر الانسان وتخفت مخاوفه الناجمة عن القلق الغريزي من المجهول الدنيوي ، والذي يتعلق بضرورات الحياة ومشاكلها وتحدياتها .
وهوية الانسان في مجتمع الامة هي نتاج تطور استغرق الاف السنين حتى تبلور بصيغة انتماء لامة لها لغتها الخاصة وتقاليدها وديانتها ومصالحها المشتركة واصلها الواحد - غالبا – وعيشها على رقعة جغرافية متصلة ...الخ ، وهي أي الهوية أنعكاس طبيعي لتكوينه السايكولوجي – الاجتماعي وصورته التي يعرفه الاخر من خلالها . ورغم ان الهوية القومية هي التطور الارقى لهويات سابقة لها تفاعلت وارتقت لتنتج القومية فان تلك الهويات القديمة ، او السابقة للهوية القومية ، اصبحت هويات فرعية تابعة للهوية الام وهي الهوية القومية . فالهوية القومية العربية مثلا تعود في نمو وتطور تكوينها الى الاف السنين قبل الاسلام ، وبدأت بظهور اللغة العربية لدى مجاميع بشرية ، ولكن هذه اللغة وان بقيت لغة المجاميع نفسها الا ان المجاميع تغيرت حالتها وطبيعة علاقاتها ، فالعائلة صارت عشيرة والعشيرة صارت قبيلة والقبائل اندمجت في اطار امة وشعب .
وحينما جاء الاسلام اضاف لهوية الامة بعدا روحيا كانت في امس الحاجة اليه ، عزز الهوية وانضجها بثراء روحي وفر لها نوعا من الكمال في الاستقرار النفسي والتلاحم الاجتماعي . فالعربي ورغم حضاراته السابقة للاسلام ، كالسومرية والبابلية والفرعونية والفينيقية وغيرها ، كان يفتقر للاستقرار الروحي وجاء الاسلام ليمنح العروبة روحها .
وهنا نشأت صلة عضوية جديدة لا تنفصم ، منذ اضيف الاسم للهوية ، وهي ما عبر عنه الرفيق القائد المؤسس احمد ميشيل عفلق بقوله : ( ان العروبة جسد روحه الاسلام ) . ما معنى ذلك ؟ وماذا يحصل اذا فصلت العروبة عن الاسلام ؟ وهل بقي الاسلام مجرد دين ام انه صار ثقافة لكل عربي غير مسلم تحركه وتتحكم في مسيرته الانسانية ؟ بالتاكيد اصبح الاسلام منذ ظهر ميسما ذاتيا ( ثقافيا وسايكولوجيا واجتماعيا ) لكل عربي سواء كان مسلما او مسيحيا او غير ذلك ، وتلك هي من اعظم مميزات أصالة هويتنا القومية العربية .
وهنا تبرز الخلافات الجوهرية بين الايمان الديني المجرد والايمان الوطني والقومي ، فالهوية الوطنية والقومية بمختلف مراحل تطورها اقدم بكثير من الدين التوحيدي ، لان الانسان حالما وجد كانت له هوية تميزه عن غيره ابتداء من اسمه وذاتيته وعائلته ثم عشيرته ثم قبيلته ، ثم منطقته ثم شعبه ووطنه وقوميته . ان هذا التسلسل التاريخي للهوية الانسانية اسبق بالاف السنين من ظهور الديانات التوحيدية ، وهي لذلك ارسخ سايكولوجيا وثقافيا من الدين . كان العربي موجودا عند ظهور الوثنية واليهودية والمسيحية واخيرا الاسلام ، وفي كل مراحل تطور صلته بالدين كان يعتنق الديانات القديمة ويغيرها واثناء ذلك كله كانت هويته القومية موجودة واقدم من كل دين وطائفة . اما الدين فانه اشد تأثيرا على مستوى الميتافيزيق او حينما يتعلق الامر بالعقاب والثواب ، فالدين يقترن بالايمان بالله والتمسك باوامره ونواهيه ، لذلك فانه مقدس يحتمي به الانسان من خوفه الغريزي من الحياة والكون وينظم حياته .
لقد ارتكب الاسلامويون العرب خطيئة عظمى بافتعال تناقض وهمي بين القومية العربية والاسلام ، وهو ما ادى الى تكفيرهم للقومية العربية ورفضهم للرابطة الوطنية وازلتهما من نفوس من انتمى اليهم ، دون وجود بديل حقيقي يملأ فراغ الهوية الذي احدثوه في نفوس انصارهم ، لان البديل الاسلاموي كان عبارة عن فقاعة مزيفة لاصلة لها بالاسلام يمكن تفجيرها باجتهاد انصاف اميين باسم الاسلام ، وتوالد الاجتهادات الخاطئة والتي تصبح كارثة الكوارث على الوطن والامة ، مثلما حدث في العراق حينما راينا اسلامويون يمارسون اخطر انواع السحر وهو الافتاء باسم الاسلام . ولعل المقتل في المنطق الاسلاموي رأيناه في العراق المحتل متمثلا في القدرة العجيبة على الانتقال الفجائي من موقع الجهاد ضد الاحتلال الى دعمه كما حصل حينما تشكلت الصحوات بغالبتها من اسلامويين متطرفين كانوا مجاهدين بالاصل ولكن فراغ الهوية المصطنع ، المتمثل في التبرؤ من الهوية الوطنية القومية وزرع هوية ( دينية ) متطرفة وزائفة بدلها ، في ظل امية او شبه امية من يفتي من امراء الحرب ، عجل بارتكابهم فعل الخيانة الوطنية بعد اول اغراء مادي تعرضوا له ، وكانت نتيجته كارثة العراق والتي ما كان لها ان تحصل لولا أمراء الحرب شيعة وسنة ! لقد استخدم هؤلاء اسم الاسلام لتضليل الناس ودفعهم اما لموالاة الاحتلال ، كالحزب الاسلامي وحزب الدعوة ، او لتفتيت الهوية الوطنية والقومية باسم اسلام مزيف لدى بعض السلفيين الذين قاوموا الاحتلال لكنهم نتيجة ازمة الهوية التي اصطنعت لديهم برفض اقدم وارسخ هوية ، وهي الهوية القومية والوطنية ، ضاع هذا البعض وانقلب على الجهاد وصار اميرا في الصحوات ومارس اشد انواع القسوة تجاه المجاهدين والمقاومين .
ان محاولة استبدال الهوية الوطنية والقومية بهوية دينية واصطناع تناقض زائف بينهما يجعلهما في حالة تناقض مستمر ، يمهد الطريق للضياع نتيجة تدمير اهم قاعدة حصانة ووعي لدى الانسان وهي الهوية العروبية المتبلورة تقليديا وتاريخيا قبل ظهور الدين ، وعلى العكس فان الدمج العضوي بين الهوية الاقدم وهي الهوية القومية وبين الاسلام ، كما فعل البعث ، يوفر للقومية طاقة جبارة تحولها الى انتماء وطني - ايماني لا يقهر ولا يدحر لا في ساحات الجهاد ولا في سجالات الايديلوجيات .
هل هم قوميون حقا ؟
اما من يدعي انه قومي عربي ويؤيد ايران فان السؤال الذي يواجهه هو : لم نصفق لايران لانها تدعم فلسطين بينما نخمد صوت الاحتجاج على غزوها للعراق والاحواز مع انهما قطرين عربيين ؟ اليست الارض العربية كلها مقدسة ومتساوية القيمة ؟ اين احد اهم معايير العروبة وهو الدفاع عن كل ارض عربية محتلة ؟ وهل الموقف القومي مرتبط بنظم سياسية فاذا تغيرت النظم يتغير الموقف ؟ ام ان الموقف ثابت لانه مبدأي ؟ ( قوميو ) هذا الزمان نراهم كما يلي : اذا كان النظام مقبولا منا كنظام الملالي في ايران نغض الطرف عن احتلاله لاراضينا ، واذا كان مرفوضا ، كنظام الشاه ، نحتج على ذلك ! هل هذا مقبول وصحيح ؟ ان الموقف القومي تحدده الحقوق بغض النظر عن طبيعة النظم السياسية او الهوية الدينية لمن يعتدي على الحقوق ، ولذلك لا تتغير الحقوق اذا تغيرت النظم السياسية او دين المحتل لاراضينا .
في زمن الشاه قدم الرئيس الراحل جمال عبدالناصر ، وكان قائدا للحركة القومية العربية بلا مازع ، دعما لثوار الاحواز من اجل التحرر من الاستعمار الايراني منطلقا من حقيقة ثابتة وهي ان الاحواز قطر عربي محتل ويجب دعمه من اجل التحرير والتخلص من الاحتلال الايراني ، والان يقف من يدعي انه ( ناصري ) مع ايران نفسها التي تحتل الاحواز العربية ، فكيف نفسر هذا التناقض الصارخ والفاضح بين مبادئ الناصرية وبين ممارسات من يدعي الانتماء اليها ؟
وتتواتر الاسئلة ومنها : هل وقفنا ضد الكيان الصهيوني لانه كيان يهودي ام لانه احتل ارضنا في فلسطين ؟ والجواب الواضح جدا هو اننا لم نكن ضد اليهود ولكننا اخذنا نحاربهم حينما احتلوا ارضنا في فلسطين ، وقبلها كان اليهود يتمتعون بكامل حقوق المواطنة في العراق ومصر وغيرهما ، وقبل احتلال فلسطين كان اليهود يهربون من الاضطهاد الديني في اوربا المسيحية الى الوطن العربي نتيجة التسامح الديني التقليدي فيه .
هذه الاسئلة حاسمة في فضح المستور لانها تضع كل اسلاموي وكل ناصروي يدعم ايران امام تحد منطقي ومعياري واضحين ، فالعراق عربي واسلامي والاحواز عربية واسلامية والجزر الاماراتية عربية واسلامية ، وهي كلها تخضع لمنطق اسلامي وقومي عربي ولمعيار اسلامي وقومي عربي ، يقول بوحدة القيمة للارض والبلد والقطر بغض النظر عن حجمه ومكانه ، فاذا تعرض قطر عربي او بلد اسلامي للغزو فان الموقف المطلوب هو دعم نضال الشعب العربي او الاسلامي الذي احتلت ارضه او وطنه ، فهل التزم من يدعم ايران بتلك البديهيات الراسخة في العرف السياسي والقانوني والديني والقومي والوطني ؟
يجب ان نكرر التاكيد على اننا لم نقف ضد اليهود وتاريخنا العربي شاهد على ان اليهود عاشوا في الوطن العربي منذ سيادة الاسلام عليه بكل احترام لمعتقدهم ووجودهم الانساني وحقوقهم كمواطنين عرب يهود ، ووقفنا ضد اليهود الصهاينة حينما احتلوا فلسطين وهي ارض الشعب الفلسطيني ، لذلك لابد من التركيز على هذه الحقيقة في تحديد الموقف المطلوب تجاه احتلال ايران لقطر عربي ، هو الاحواز وهو اكبر واغنى من فلسطين بكثير ، والمشاركة الايرانية الرئيسية مع امريكا في احتلال وتدمير العراق ، واحتلال الجزر العربية ، والاشهار المتكرر والرسمي لمطمع ايران في غزو البحرين وهي قطر عربي ، وهو ان الاحتلال هو احتلال مرفوض سواء قامت به حهات يهودية ، كما في فلسطين ، او امريكية مسيحية ، كما في العراق ، او اسلامية كم في احتلال ايران للاحواز والعراق والجزر .
المنطق الاسلاموي – وليس الاسلامي - والمنطق الناصروي – وليس الناصري - الداعمان لايران منطقان ملتبسان وملغومان بتناقض صارخ ومفضوح لانهما ينسفان القاعدة الاساسية للانتماء الاسلامي والانتماء القومي وهي قاعدة تساوي اجزاء ( الامة الاسلامية ) ، بالنسبة للاسلاميين ، وتساوي اجزاء الامة العربية بالنسبة للقوميين العرب ، فما الذي يسند مواقف داعمي ايران العرب ؟ لعل نهج ايران الحالية يقدم دليلا على صحة أدانتنا لموقف الاسلامويين والناصرويين : فايران ترفض بشدة احتلال اراضيها من قبل أي طرف بغض النظر عن ديانته وقوميته ، لانها تعتقد انها اراض ايرانية وكل جزء منها مساو للاخر بغض النظر عن مكانه وموقعه ، والدستور الايراني يذهب بوضوح لا لبس فيه الى تاكيد انه ليس من حق البرلمان الايراني التنازل عن أي ارض ايرانية لاي بلد اخر ، رغم ان كل جيران ايران هم من المسلمين . فاذا كانت ايران لا تقبل بالتنازل عن أي جزء من اراضيها حتى عن طريق البرلمان ، فهل يعني هذا الموقف سوى انه موقف قومي متطرف لا صلة بالاسلام ؟
كما ان ايران خميني وتلاميذه يصرون واكثر من ايران الشاه على عدم اعادة الجزر العربية وتحرير الاحواز رغم انهم يقولون ان ايران دولة اسلامية ! وقاتلت ايران وتقاتل منذ عقود ابناء الاحواز الذين يريدون الاستقلال عن ايران وقتلت واعدمت الاف الاحوازيين دفاعا عما تعده وحدة ايران الوطنية ! وتسمية الخليج العربي تقدم لنا دليلا صارخا على ان اسلامية ايران لم تمنعها من الاصرار على تسمية الخليج بالفارسي بل ورفض حتى الحل الوسط بين الاقطار العربية وايران وهو تسميته بالخليج الاسلامي ، كما اقترحت منظمة المؤتمر الاسلامي ، واصرت على تسميته باسم قومي وهو ( الخليج الفارسي ) !
اذن ايران دولة ذات هوية قومية تتغلب ، وتتفوق على انتماءها الاسلامي ، وتدافع عما تعده ( اراضيها الوطنية ) رغم انها اراض عربية وفوقها شعب عربي مضطهد ، وتعد ذلك واجبها وحقها الوطني حتى لو تناقض مع انتمائها الاسلامي ، ولذلك قاتلت العراق لمدة ثمانية اعوام من اجل كيلومترات ارض ومياه وسقط اكثر من مليون مسلم عراقي وايراني من اجل ان تبقى ايران مسيطرة على ما تعده اراضيها ومياهها الاقليمية . ان هذه الحقيقة تطرح موقفا لايمكن تجاهله وهو ان سياسات ايران الملالي ، الفعلية والرسمية ، هي التي تحدد المعايير التي تحكم الموقف العربي منها وتجاهها قبل ان نحددها نحن وهي معايير قومية ووطنية وليست الاسلامية .
نكرر التاكيد : نحن لم نقف ضد اليهود ، كبشر لديهم عقيدة دينية محددة ، بل وقفنا ضد احتلالهم لفلسطين ولذلك لا يمكن ان نقف تجاه احتلال ايران للاحواز والعراق والجزر الا الموقف ذاته الذي اتخذناه ضد اليهود ، هذا هو المنطق السليم والموقف المطلوب قوميا واسلاميا ومنطقيا . لا مفر من تأكيد الحقيقة التالية بلا تردد او غموض وهي ان ايران الحالية لاتختلف عن ايران الشاه الا بدرجة الخطورة ، فلئن كانت ايران الشاه تعمل وفقا لشعار قومي فارسي صريح ، هو احياء امبراطورية قورش ، وهو ما عزلها عن محيطها العربي والاسلامي وعمق حصانة العرب ضد التوسع الاستعماري الايراني الشاهنشاهي ، فان ايران الملالي انجح في التمويه والاختراق لانها استخدمت اهم مقدسين لدى العرب وهما فلسطين والاسلام ، فنفذت بهما الى صفوفنا ومزقتها ووجدت طابورا خامسا يدعمها .
منطق اللامنطق
وهذه النقطة توصلنا لضرورة لابد منها وهي التذكير بمعنى ما تبلور وقبل وصار قاعدة بداهة في التفكير العربي وهي معاني الوطنية والقومية . ان عصر اليقظة القومية العربية الحديثة ، وليس نشوء القومية العربية ، في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين ، تميز بجعل معيار الانتماء القومي قاعدة التمييز بين العربي وغير العربي ، ففي ظل الحكم العثماني الذي كان يصف نفسه بانه حكم ( اسلامي ) وبانه يمثل الخلافة الاسلامية ، سادت نزعة قومية تركية ادت الى دفع مشاعر الاخوة الاسلامية الى الخلف اولا ، ثم وباستمرار سياسة التتريك للشعوب الاسلامية اجبر العرب على التمسك بهويتهم القومية امام محاولات محو الهوية العربية وشرعوا في النضال من اجل المحافظة عليها رغم ان الدولة كانت تعمل باسم الاسلام .
ان الصلة بين المسلمين ما لم تقم على اساس المساواة الفعلية والقانونية تتحول الى نوع من الاستعمار والاستغلال الذي لن يفضي الا الى الانشقاق والفرقة والقتال ، وبما ان الدولة العثمانية عجزت عن تحقيق المساواة الفعلية بيم المسلمين فان قدرة العرب وغيرهم من الشعوب الاسلامية على البقاء تحت الاستعمار التركي تقلصت ، ثم زالت وبدأ عصر التحرر والاستقلال عن الدولة العثمانية التي كانت ذات طبيعة قومية عنصرية واضحة في مراحلها الاخيرة .
اننا اذ نذكر بهذه الحقيقة التاريخية فلاننا نريد ايضا غلق الباب على من يريد من العرب وغيرهم تصوير صراعنا مع ايران على انه صراع طائفي بين السنة والشيعة ، وهو امر تريده ايران ويخدم اهم اهدافها وهو اجبار شيعة عرب على دعمها والتخلي عن قوميتهم العربية من اجل المحافظة على مصالح الطائفة ، كما قال وردد مقتدى الصدر مرارا خصوصا حينما قام بابشع عملية تطهير طائفي في بغداد في بداية عام 2006 . قبل ولادة حكومة ولاية الفقيه ودولتها في ايران اشتبكنا نحن العرب في حرب مع دولة كانت تسمى اسلامية وكانت تمثل المذهب السني وهي الدولة العثمانية ، من اجل الاستقلال والمحافظه على الهوية القومية العربية وتحقيق الوحدة العربية . واذا تذكرنا ان ايران لا تحركها مصالح الاسلام وقيمه بل مصالحها القومية كدولة وكامة ، وهو امر مشروع ومقبول ، واذا اخذنا بنظر الاعتبار ان التشيع بالنسبة لايران هو مجرد ( حصان طروادة ) تستخدمه لاختراق حصوننا ومحو هويتنا العربية ، كما اثبتت تجربة غزو العراق والدور الايراني فيه ، يمكننا الوصول الى حقيقة لا يمكن انكارها او تجاهلها وهي ان سعي ايران للهيمنة علينا كعرب ما هو الا عمل استعماري صرف محركه الاساسي والحقيقي قومي .
وبمواجهة نشاط استعماري اجنبي لا يمكن لاي امة الا ان تلجأ لحصنها الطبيعي وهو حصن الهوية القومية ، وهنا نصل الى نقطة جوهرية وهي ان اولئك العرب الذين يدعمون ايران يفتقرون الى المنطق او المعيار المقبول او المسنود منطقيا ، فالناصروي وهو يدعم ايران يعجز عن مناقشة دافعه او الاقناع بصوابه ، لان ايران ، بممارساتها الفعلية وبمواقفها الرسمية ، دولة ذات نهج قومي فارسي وتريد تحقيق مكاسب لها على حساب العرب .
والسؤال الذي يفرض نفسه بلا عناء وبتلقائية كاملة هو : كيف يستطيع اي ناصري مهما كان ذكيا ومثقفا ان يسّوق الاستعمار الايراني ويقنع به مع انه ظاهرة استعمارية ثابتة ومرئية في الواقع ؟ ان الناصروي والاسلاموي يقفان وهما يدعمان ايران عاجزين عن تقديم اي دفاع مقنع ، ولذلك يتهربان من مواجهة القوميين العرب الذين يستطيعون كشف المستور الذي يجعل هؤلاء يتخلون عن اهم واجبات الانسان العربي وهو واجب الدفاع عن اراضي العرب وهويتهم تماما كما فعلنا تجاه الاتراك .
ان العربي الحقيقي هو من يدافع عن الارض العربية ، بغض النظر عن حجمها وموقعها ، هذه هي ام بديهيات الانتماء القومي العربي ، وعلى اساسها حاربنا العثمانيين ، وحاربنا الانكليز في العراق ومصر ، والفرنسيين في سوريا والجزائر ، والامريكييين في العراق ، وبسببها نحن نرفض احتلال اسبانيا لسبتة ومليلة واحتلال تركيا للاسكندرون ، وبقوة فعلها وقف عبدالناصر ضد احتلال ايران للاحواز العربية وقدم السلاح لثوارها . نحن عرب لسنا ضد اي امة او شعب وانما نحن ضد كل سياسة معادية لنا تتبناها امة اخرى ، سواء كانت مسلمة او مسيحية او يهودية او هندوسية ، نحن لنا مصالح وحقوق وحينما تتعارض وتتناقض مصالحنا مع مصالح اي طرف اخر غير عربي ، وحينما تسلب منا حقوق في الارض والمياه والثروات من قبل اي طرف يقع التناقض بيننا وبين ذلك الطرف .
لا يوجد منطق اسلامي يسمح بدعم ايران على الاطلاق وفقا لما عرضناه ، وكما في حالة الناصرويين فان الاسلامويين عراة من المنطق الاسلامي المقبول وهم اسرى منطق اللامنطق منطق الانتهازية والدونية الانسانية الذي يجعل من المصلحة الخاصة او الدافع الايديولوجي محركا لهم بدل الدوافع الموضوعية والمتعارف عليها .
والسؤال المركزي هنا هو : لماذا يعمل البعض من الناصرويين ، على خلاف قواعد البداهة التي تحدد من هو العربي وماهي التزاماته ، بمحاولة استثناء ايران منها ؟ ولماذا بالذات نستثني ايران مع اننا لم نستثني تركيا قبلها رغم انهما كلاهما تنتميان للعالم الاسلامي ؟ ما السر ومالدافع وراء استثناء ايران من كل قواعد البداهة التي تحدد معاني ومفاهيم وضوابط الانتماء القومي العربي ؟ ولم يفعل الاسلاموي مثل الناصروي ؟ ومالذي يجمع بين الناصروي والاسلاموي حول دعم ايران رغم انهما اعداء لا يلتقون سياسيا وايديولوجيا ، كما تثبت تجربة مصر الحديثة ؟
ان الاسلامويون والناصرويون يسقطون في امتحان المنطق لانهم يتجردون من أي لباس وطني او قومي او اسلامي ، ويبدون بوضوح انهم اسرى معايير مزدوجة تحكم مواقفهم من ايران ، فهم اسلاميون تجاه اليهود برفضهم احتلال فلسطين ، لكنهم اسلامويون تجاه ايران لانهم يتخلون عن المنطق والمعيار الاسلامي ، اما الناصرويون فانهم ناصريون تجاه احتلال اليهود لفلسطين لكنهم ناصرويون تجاه احتلال ايران للاحواز والعراق والجزر العربية !
يتبع
بعد هذا الاستعراض التفصيلي لابد من تثبيت ملاحظات وحقائق ميدانية اساسية تؤكد ، بلا ادنى شك ، الهوية الحقيقة لايران :-
1 – ان من اهم الاسئلة التي يجب طرحها لتحديد الهوية الحقيقية لايران هو السؤال التالي : لم يدعم افراد وجماعات عربية ايران ؟ الجواب الجاهز والمعروف هو انها تدعم القضية الفلسطينية منذ اسقاط الشاه ، لذلك فمن الضروري التمييز بين ايران الشاه وايران الملالي وتثمين موقفها الايجابي تجاه القضية الفلسطينية .
طيب ثمة سؤال اخر مهم جدا وهو : لم يدعم العرب القضية الفلسطينية ؟ الجواب يختلف بين تيارين هما التيار القومي العربي والتيار الاسلاموي ، فالتيار القومي يؤمن بان فلسطين عربية وبما ان كل اجزاء الوطن العربي متساوية القيمة وتنتمي لامة واحدة فان الدفاع عن فلسطين واجب قومي مقدس كما الدفاع عن كل قطر عربي اخر . اما التيارات الاسلاموية فتجيب لان فلسطين بلد اسلامي وبما ان كل البلدان الاسلامية اجزاء من ( امتنا الاسلامية ) فيجب دعم القضية الفلسطينية . ويترتب على هذين السؤالين سؤال ثالث وهو : هل نقف ضد الكيان الصهيوني لان مستوطنيه يهود ام لأنه احتل فلسطين ؟
هذه الاسئلة حاسمة في تحديد الهوية الحقيقية لنظام الملالي في ايران ، والاهم في تحديد الدور الحقيقي لداعمي ايران من العرب وكشف دوافعهم غير الشريفة ، وهو موضوع بحثنا ، ومن دون طرحالاسئلة الثلاثة ومناقشتها من الصعب كشف التضليل الايراني وتعرية من يدافع عن ايران .
وعند مناقشة موقف التيارات الاسلاموية والكتاب الاسلامويين الداعمين لايران من منطلق ( اسلامي ) فان الاسئلة المهمة التي تواجههم ويعجزون عن تقديم اجابة مقنعة عليها هي : اليس العراق ، الذي تشارك ايران امريكا في احتلاله وتدميره والتسبب في اسوأ الكوارث التي تعرض لها خلال ثمانية الاف عام من تاريخه بعد ان ساعدت امريكا على غزوه رسميا ، قطرا مسلما كفلسطين ؟ ، اليست الاحواز التي تحتلها ايران قطرا اسلاميا كفلسطين وعدد نفوسه ضعف نفوس الشعب الفلسطيني ( حوالي تسعة ملايين احوازي ) وارضه اكبر من فلسطين بثمانية مرات ونصف المرة وتمتد من جنوب العراق حتى مضيق هرمز على امتداد الضفة الشرقية للخليج العربي ، وعلى ارض الاحواز وفي جوفها توجد اهم ثروات ايران الحالية وهي المياه والنفط ؟
وتتواصل عملية توالد الاسئلة المنطقية التي تفرض نفسها بحكم منطق الاشياء : لم تدعم ايران فلسطين الاسلامية وتحتل العراق الاسلامي والاحواز الاسلامية ؟ اليست اراضي المسلمين وحقوقهم واحدة في القيمة والاهمية من حيث الجوهر ؟ ولم تصر ايران على الصراع مع العرب حول الارض والمياه والحدود مع العرب المسلمين ، كما في حالة الامارات والعراق ودول الخليج كلها خصوصا البحرين ؟ اليست اراضي المسلمين واحدة ولكل المسلمين ولا فرق بين مسلم واخر ؟ ولم يصر نظام الملالي في ايران على تسمية الخليج العربي ب ( الفارسي ) اذا كانت هويته الحقيقة اسلامية ؟ الا يفترض عدم اشعال صراعات دموية وعدائية بين المسلمين من اجل ارض هي ملكهم كلهم وبالتساوي ؟ بل والاكثر ايحاء ومعنى هو الامر التالي : لم رفض خميني ( حلا وسطا ) لمسألة تسمية الخليج العربي قدمته منظمة المؤتمر الاسلامي في الثمانينيات لاجل أيقاف الصراع بين المسلمين يقوم على تسميته ب ( الخليج الاسلامي ) ؟ لقد رفضه خميني بشدة واصر على مواصلة الصراع مع العرب المسلمين حول اسم الخليج ! لم ذلك الاصرار اذا كان خميني وتياره اسلاميا حقا ؟
وتأخذ الاسئلة طابعا اكثر خطورة حينما يتعلق الامر بالاسلامويين العرب ومنها : لو ان من يحكم العراق كان حركة الاخوان المسلمين ( واسمها في العراق هو الحزب الاسلامي ) وغزته امريكا وايران هل كان رد فعل الاخوان المسلمين ، في مصر مثلا ، سيكون هو نفس رد فعلهم الحالي المتميز بدعم ايران رغم مشاركتها الرئيسية والحاسمة في الغزو ؟ من المؤكد ان اخوان مصر سوف يقفون ضد الغزو الامريكي الايراني لو كان الاخوان المسلمون في العراق ( او الحزب الاسلامي ) يحكمون العراق ، ولكنهم كانوا في ( المعارضة ) ضد نظام وطني وقومي الهوية ، لذلك ايدوا الاحتلال وشاركوا في حكوماته بفعالية حرصا على اجتثاث التيار القومي العربي في العراق ، وهو القلعة الاخيرة للقومية العربية بعد زوال النظام الناصري في مصر ، والذي تعرض لعداء متجذر من قبل الاخوان المسلمين في مصر .
يقينا ان موقف الاسلامويين العرب ( من الطائفيين السنة ) الداعم لايران ينبع من بئر سام ومسمم وهو بئر العداء الايديولوجي الاسلاموي للقومية العربية وتياراتها وليس من نبع الاسلام الصافي الذي لا يجسده تيار او حزب مثلما يجسده البعث كما اتثبتت تجربة غزو العراق . وهذه حقيقة مخيفة تحدد طبيعة التيارات الاسلاموية وهويتها ومكامن الغامها ، فهي من اجل تصفية التيار القومي الرئيسي وهو البعث ( لنتذكر انها ساهمت في تصفية التيار القومي الناصري في مصر ) دعمت الغزو الامريكي للعراق وشاركت في حكوماته ومارست اسوأ اشكال الطائفية عندما ادعت انها تمثل السنة في العراق في الحكومة التي اقامها الاحتلال !
واخيرا فان السؤال الذي يواجه الاسلامويون العرب هو : ما الفرق بين فلسطين ، التي تبررون دعمكم لايران باسمها ، والعراق ؟ هل يوجد فرق بين قطر مسلم واخر ؟
وهنا يجب ان نتوقف لنشاهد كيف ان الاممية الاسلاموية – وليس الاسلامية – التي يروج لها الاسلاميون كبديل عن الانتماءين الوطني والقومي ، تستخدم ممرا للخيانات الوطنية والقومية ، فلولا الحط من شأن القومية العربية والوطنية العربية من قبل الاسلامويين العرب ، تحت غطاء الاممية الاسلاموية الشيعية والسنية ، فان خيانة الاخوان المسلمين في العراق لوطنهم الصغير ما كانت ممكنة ، وما كان ممكنا ان تؤيد حركة الاخوان في مصر ايران وتدعم الاخوان المسلمين في العراق مع انهم ارتكبوا فعل الخيانة الوطنية العظمى بتأييدهم للاحتلال ومشاركتهم في حكوماته ، التي تركز دورها على تكريس الاحتلال والترويج له .
القومية والدين من منظور فلسفي
ان الدرس التاريخي الخطير والكبير الذي بلورته مواقف الاسلامويين العرب هو التالي : حينما تسقط الرابطة الوطنية وتهمش او تدان الهوية القومية ، وغالبا تكفر ويكفر المؤمنون بالقومية من قبل الاسلامويين ، وتجعل ( الاسلام ) ، حسب التفسير الفارسي او الاخواني له ، هوية لك مع انه قابل لعشرات التفسيرات ، كما لاحظنا عند غزو العراق وما الحقه من كوارث فيه والتي يتحمل الاسلامويون الشيعة والسنة مسئولية اساسية عنها ، فان الخيار الاسلاموي ، العدمي قوميا ووطنيا ، يكون المقدمة الطبيعية للخيانات الوطنية والقومية .
كيف ذلك ؟ من هنا من الضروري مناقشة دور الدين والقومية في حياة البشر وهذه الضرورة تتطلب تناول الطبيعة الفلسفية لكل من القومية والدين لفهم كيفية استخدام غطاء الدين في تفتيت الهوية الوطنية والقومية مع ان ذلك انتحار حقيقي . ان الدين اساسا صلة بالرب ، ايمان وعبادة وممارسات ، وهي صلة ذات طبيعة ميتافيزيقية لا يمكن التعامل معها بمنطق الرياضيات ، وهو القاعدة الاساسية للحياة السياسية بصفتها ممارسة دنيوية انموذجية ، فمهما كنا متبحرين في الشأن الديني فان ثمة قضايا لا يمكن اختراقها وتبقى سرا غير قابل للكشف او الاكتشاف ، مثل التساؤل عن الله وما بعد تفسير الدين للحياة والموت والخلق ، وهي قضية من المستحيل منع الانسان ، أي انسان ، من التفكير بها منذ صغره ، خصوصا الديانات السماوية التوحيدية ، من اليهودية الى الاسلام مرورا بالمسيحية ، التي امنت بوجود الله سبحانه وتعالى ومنعت التشكيك بوجوده .
ان صلة الانسان برجل الدين اساسها حاجة الانسان العادي لتفسيرات تشبع حاجته لمعرفة ظواهر اكبر من عقله او على الاقل تقلل دهشته من الكون والخلق والطبيعة ، كما انه بحاجة لفتاوى تنظم حياته الاجتماعية كالزواج والطلاق والارث وغيرها ، وهذه الصلة جبرية غالبا بما انها تقوم على حاجة الانسان العادي لتفسيرات وحلول لا يملكها وتوجد لدى رجل الدين حصرا في المجتمعات التقليدية ، مع ان الاسلام يرفض الكهنوتية ، وهكذا تبلورت صلة تابع ومتبوع اساسها وقاعدتها ميتافيزيقية وهي معلومات لا يجوز التشكيك بها او التساؤل عما ورائها او قبلها ، فاما ان تقبل كما هي دون نقاش او اعتراض ، وهذا مؤشر الايمان ، او ترفض كلها وهو مؤشر الالحاد .
ومن المؤكد ان لكل انسان يتمتع بذكاء ولو متوسط ذكريات في طفولته تتعلق بالاسئلة التي كان يوجهها لوالده او محيطه حول الخلق وغموضه ، وهي اسئلة لكونها تصدر عن طفل برئ وذكي لا تقتنع ب ، ولا تتوقف عند ، اجابات رجل الدين ، بل تذهب لما وراءها ، مثل السؤال عن خلق الكون ، وعند الجواب بانه الله لا يتردد الطفل عن طرح اسئلة محرمة بالنسبة للراشدين مثل ومن خلق الله ؟
ونتيجة لهذه الطبيعة الميتافيزيقية للايمان الديني فانه يقع في مركز الخوف الطبيعي والغريزي من دماغ البشر ، ويصبح ثمة فرق جوهري بين معلومات الحياة الدنيوية والتي يختزنها عقل الانسان بعد التاكد منها ماديا وحسيا كطرق العيش والبقاء والحلول لما يواجهه من تحديات حياتية ، وتلك المعلومات تشكل ثقافته التي ينشأ في بيئتها بكافة اشكالها ومراحلها ، وهي ثقافة اقدم من كل الديانات التوحيدية لان الانسان حالما يبدأ بوعي العالم وهو طفل يتشكل لديه مزيج متداخل عضويا من الوعي والسايكولوجيا ، وهما المنبع الاساسي لثقافته وخياراته الاجتماعية ، وهذا المزيج هو الوعي الاجتماعي الذي يشكل العمود الفقري لشخصية الانسان وخياراته ومميزاته .
ان الوعي الاجتماعي يتشكل وفقا للبيئة السائدة ويخضع لها ولا يتغير الا عند حصول انتقالة نوعية من مرحلة تاريخية الى اخرى ، وهو بنية فوقية تنبثق عن بنية تحتية اقتصادية اجتماعية ، لكنه – أي الوعي – حالما ينبثق ويتبلور يبدأ بالتأثير على البنية التحتية ويعيد تشكيلها ، وهكذا تبدا عملية صيرورة متنامية تخضع لمنطق جدلي لا يتوقف على الاطلاق .
والهوية هي الصورة الاولى والارسخ والاهم للوعي الاجتماعي ، فقبل ان يتكون وعي الانسان العام والخارجي يبدأ بوعي ذاته ويتعرف على نفسه ، بمزاجه وميوله وقدراته وشكله ...الخ ، وتصبح عملية تكون هويته الخاصة محور انشغاله الذاتي ، بحكم دوافع غريزية لا يمكن صدها . وحينما ينمو الانسان يتوسع وعيه فيزداد كما ويرتقي نوعا ، فبعد ذاته يبدأ باكتشاف هوية عائلته ثم هوية محيطه الاسري من لغة وتقاليد وضوابط وقيم ، ثم يتعامل مع هويته المحلية – اين يعيش ومع من يعيش – ثم هويته العشائرية ، ثم هويته القبلية ، ويأتي التطور النوعي الاهم وهو تفاعل القبائل المنتمية لنفس اللغة والثقافة والمحيط الجغرافي ، وعندها تبدأ الهوية الوطنية والقومية بالظهور والطغيان على الهويات السابقة لها كلها .
ان هذه الصيرورة استغرقت الاف السنين بالنسبة للشعوب العريقة ، واستمر الوعي الاجتماعي خلالها بالوجود ومع الاستمرارية كان يتجذر ويترسخ ويتوارث من جيل الى جيل حتى صار الوعي الاجتماعي ، في اطار الهوية ، طبيعة ثانية للانسان ، تملأ فراغات الوعي لديه ، ومنها خياراته في الحياة وكيفية مواجهة التحديات . وبفضل الهوية يستقر الانسان وتخفت مخاوفه الناجمة عن القلق الغريزي من المجهول الدنيوي ، والذي يتعلق بضرورات الحياة ومشاكلها وتحدياتها .
وهوية الانسان في مجتمع الامة هي نتاج تطور استغرق الاف السنين حتى تبلور بصيغة انتماء لامة لها لغتها الخاصة وتقاليدها وديانتها ومصالحها المشتركة واصلها الواحد - غالبا – وعيشها على رقعة جغرافية متصلة ...الخ ، وهي أي الهوية أنعكاس طبيعي لتكوينه السايكولوجي – الاجتماعي وصورته التي يعرفه الاخر من خلالها . ورغم ان الهوية القومية هي التطور الارقى لهويات سابقة لها تفاعلت وارتقت لتنتج القومية فان تلك الهويات القديمة ، او السابقة للهوية القومية ، اصبحت هويات فرعية تابعة للهوية الام وهي الهوية القومية . فالهوية القومية العربية مثلا تعود في نمو وتطور تكوينها الى الاف السنين قبل الاسلام ، وبدأت بظهور اللغة العربية لدى مجاميع بشرية ، ولكن هذه اللغة وان بقيت لغة المجاميع نفسها الا ان المجاميع تغيرت حالتها وطبيعة علاقاتها ، فالعائلة صارت عشيرة والعشيرة صارت قبيلة والقبائل اندمجت في اطار امة وشعب .
وحينما جاء الاسلام اضاف لهوية الامة بعدا روحيا كانت في امس الحاجة اليه ، عزز الهوية وانضجها بثراء روحي وفر لها نوعا من الكمال في الاستقرار النفسي والتلاحم الاجتماعي . فالعربي ورغم حضاراته السابقة للاسلام ، كالسومرية والبابلية والفرعونية والفينيقية وغيرها ، كان يفتقر للاستقرار الروحي وجاء الاسلام ليمنح العروبة روحها .
وهنا نشأت صلة عضوية جديدة لا تنفصم ، منذ اضيف الاسم للهوية ، وهي ما عبر عنه الرفيق القائد المؤسس احمد ميشيل عفلق بقوله : ( ان العروبة جسد روحه الاسلام ) . ما معنى ذلك ؟ وماذا يحصل اذا فصلت العروبة عن الاسلام ؟ وهل بقي الاسلام مجرد دين ام انه صار ثقافة لكل عربي غير مسلم تحركه وتتحكم في مسيرته الانسانية ؟ بالتاكيد اصبح الاسلام منذ ظهر ميسما ذاتيا ( ثقافيا وسايكولوجيا واجتماعيا ) لكل عربي سواء كان مسلما او مسيحيا او غير ذلك ، وتلك هي من اعظم مميزات أصالة هويتنا القومية العربية .
وهنا تبرز الخلافات الجوهرية بين الايمان الديني المجرد والايمان الوطني والقومي ، فالهوية الوطنية والقومية بمختلف مراحل تطورها اقدم بكثير من الدين التوحيدي ، لان الانسان حالما وجد كانت له هوية تميزه عن غيره ابتداء من اسمه وذاتيته وعائلته ثم عشيرته ثم قبيلته ، ثم منطقته ثم شعبه ووطنه وقوميته . ان هذا التسلسل التاريخي للهوية الانسانية اسبق بالاف السنين من ظهور الديانات التوحيدية ، وهي لذلك ارسخ سايكولوجيا وثقافيا من الدين . كان العربي موجودا عند ظهور الوثنية واليهودية والمسيحية واخيرا الاسلام ، وفي كل مراحل تطور صلته بالدين كان يعتنق الديانات القديمة ويغيرها واثناء ذلك كله كانت هويته القومية موجودة واقدم من كل دين وطائفة . اما الدين فانه اشد تأثيرا على مستوى الميتافيزيق او حينما يتعلق الامر بالعقاب والثواب ، فالدين يقترن بالايمان بالله والتمسك باوامره ونواهيه ، لذلك فانه مقدس يحتمي به الانسان من خوفه الغريزي من الحياة والكون وينظم حياته .
لقد ارتكب الاسلامويون العرب خطيئة عظمى بافتعال تناقض وهمي بين القومية العربية والاسلام ، وهو ما ادى الى تكفيرهم للقومية العربية ورفضهم للرابطة الوطنية وازلتهما من نفوس من انتمى اليهم ، دون وجود بديل حقيقي يملأ فراغ الهوية الذي احدثوه في نفوس انصارهم ، لان البديل الاسلاموي كان عبارة عن فقاعة مزيفة لاصلة لها بالاسلام يمكن تفجيرها باجتهاد انصاف اميين باسم الاسلام ، وتوالد الاجتهادات الخاطئة والتي تصبح كارثة الكوارث على الوطن والامة ، مثلما حدث في العراق حينما راينا اسلامويون يمارسون اخطر انواع السحر وهو الافتاء باسم الاسلام . ولعل المقتل في المنطق الاسلاموي رأيناه في العراق المحتل متمثلا في القدرة العجيبة على الانتقال الفجائي من موقع الجهاد ضد الاحتلال الى دعمه كما حصل حينما تشكلت الصحوات بغالبتها من اسلامويين متطرفين كانوا مجاهدين بالاصل ولكن فراغ الهوية المصطنع ، المتمثل في التبرؤ من الهوية الوطنية القومية وزرع هوية ( دينية ) متطرفة وزائفة بدلها ، في ظل امية او شبه امية من يفتي من امراء الحرب ، عجل بارتكابهم فعل الخيانة الوطنية بعد اول اغراء مادي تعرضوا له ، وكانت نتيجته كارثة العراق والتي ما كان لها ان تحصل لولا أمراء الحرب شيعة وسنة ! لقد استخدم هؤلاء اسم الاسلام لتضليل الناس ودفعهم اما لموالاة الاحتلال ، كالحزب الاسلامي وحزب الدعوة ، او لتفتيت الهوية الوطنية والقومية باسم اسلام مزيف لدى بعض السلفيين الذين قاوموا الاحتلال لكنهم نتيجة ازمة الهوية التي اصطنعت لديهم برفض اقدم وارسخ هوية ، وهي الهوية القومية والوطنية ، ضاع هذا البعض وانقلب على الجهاد وصار اميرا في الصحوات ومارس اشد انواع القسوة تجاه المجاهدين والمقاومين .
ان محاولة استبدال الهوية الوطنية والقومية بهوية دينية واصطناع تناقض زائف بينهما يجعلهما في حالة تناقض مستمر ، يمهد الطريق للضياع نتيجة تدمير اهم قاعدة حصانة ووعي لدى الانسان وهي الهوية العروبية المتبلورة تقليديا وتاريخيا قبل ظهور الدين ، وعلى العكس فان الدمج العضوي بين الهوية الاقدم وهي الهوية القومية وبين الاسلام ، كما فعل البعث ، يوفر للقومية طاقة جبارة تحولها الى انتماء وطني - ايماني لا يقهر ولا يدحر لا في ساحات الجهاد ولا في سجالات الايديلوجيات .
هل هم قوميون حقا ؟
اما من يدعي انه قومي عربي ويؤيد ايران فان السؤال الذي يواجهه هو : لم نصفق لايران لانها تدعم فلسطين بينما نخمد صوت الاحتجاج على غزوها للعراق والاحواز مع انهما قطرين عربيين ؟ اليست الارض العربية كلها مقدسة ومتساوية القيمة ؟ اين احد اهم معايير العروبة وهو الدفاع عن كل ارض عربية محتلة ؟ وهل الموقف القومي مرتبط بنظم سياسية فاذا تغيرت النظم يتغير الموقف ؟ ام ان الموقف ثابت لانه مبدأي ؟ ( قوميو ) هذا الزمان نراهم كما يلي : اذا كان النظام مقبولا منا كنظام الملالي في ايران نغض الطرف عن احتلاله لاراضينا ، واذا كان مرفوضا ، كنظام الشاه ، نحتج على ذلك ! هل هذا مقبول وصحيح ؟ ان الموقف القومي تحدده الحقوق بغض النظر عن طبيعة النظم السياسية او الهوية الدينية لمن يعتدي على الحقوق ، ولذلك لا تتغير الحقوق اذا تغيرت النظم السياسية او دين المحتل لاراضينا .
في زمن الشاه قدم الرئيس الراحل جمال عبدالناصر ، وكان قائدا للحركة القومية العربية بلا مازع ، دعما لثوار الاحواز من اجل التحرر من الاستعمار الايراني منطلقا من حقيقة ثابتة وهي ان الاحواز قطر عربي محتل ويجب دعمه من اجل التحرير والتخلص من الاحتلال الايراني ، والان يقف من يدعي انه ( ناصري ) مع ايران نفسها التي تحتل الاحواز العربية ، فكيف نفسر هذا التناقض الصارخ والفاضح بين مبادئ الناصرية وبين ممارسات من يدعي الانتماء اليها ؟
وتتواتر الاسئلة ومنها : هل وقفنا ضد الكيان الصهيوني لانه كيان يهودي ام لانه احتل ارضنا في فلسطين ؟ والجواب الواضح جدا هو اننا لم نكن ضد اليهود ولكننا اخذنا نحاربهم حينما احتلوا ارضنا في فلسطين ، وقبلها كان اليهود يتمتعون بكامل حقوق المواطنة في العراق ومصر وغيرهما ، وقبل احتلال فلسطين كان اليهود يهربون من الاضطهاد الديني في اوربا المسيحية الى الوطن العربي نتيجة التسامح الديني التقليدي فيه .
هذه الاسئلة حاسمة في فضح المستور لانها تضع كل اسلاموي وكل ناصروي يدعم ايران امام تحد منطقي ومعياري واضحين ، فالعراق عربي واسلامي والاحواز عربية واسلامية والجزر الاماراتية عربية واسلامية ، وهي كلها تخضع لمنطق اسلامي وقومي عربي ولمعيار اسلامي وقومي عربي ، يقول بوحدة القيمة للارض والبلد والقطر بغض النظر عن حجمه ومكانه ، فاذا تعرض قطر عربي او بلد اسلامي للغزو فان الموقف المطلوب هو دعم نضال الشعب العربي او الاسلامي الذي احتلت ارضه او وطنه ، فهل التزم من يدعم ايران بتلك البديهيات الراسخة في العرف السياسي والقانوني والديني والقومي والوطني ؟
يجب ان نكرر التاكيد على اننا لم نقف ضد اليهود وتاريخنا العربي شاهد على ان اليهود عاشوا في الوطن العربي منذ سيادة الاسلام عليه بكل احترام لمعتقدهم ووجودهم الانساني وحقوقهم كمواطنين عرب يهود ، ووقفنا ضد اليهود الصهاينة حينما احتلوا فلسطين وهي ارض الشعب الفلسطيني ، لذلك لابد من التركيز على هذه الحقيقة في تحديد الموقف المطلوب تجاه احتلال ايران لقطر عربي ، هو الاحواز وهو اكبر واغنى من فلسطين بكثير ، والمشاركة الايرانية الرئيسية مع امريكا في احتلال وتدمير العراق ، واحتلال الجزر العربية ، والاشهار المتكرر والرسمي لمطمع ايران في غزو البحرين وهي قطر عربي ، وهو ان الاحتلال هو احتلال مرفوض سواء قامت به حهات يهودية ، كما في فلسطين ، او امريكية مسيحية ، كما في العراق ، او اسلامية كم في احتلال ايران للاحواز والعراق والجزر .
المنطق الاسلاموي – وليس الاسلامي - والمنطق الناصروي – وليس الناصري - الداعمان لايران منطقان ملتبسان وملغومان بتناقض صارخ ومفضوح لانهما ينسفان القاعدة الاساسية للانتماء الاسلامي والانتماء القومي وهي قاعدة تساوي اجزاء ( الامة الاسلامية ) ، بالنسبة للاسلاميين ، وتساوي اجزاء الامة العربية بالنسبة للقوميين العرب ، فما الذي يسند مواقف داعمي ايران العرب ؟ لعل نهج ايران الحالية يقدم دليلا على صحة أدانتنا لموقف الاسلامويين والناصرويين : فايران ترفض بشدة احتلال اراضيها من قبل أي طرف بغض النظر عن ديانته وقوميته ، لانها تعتقد انها اراض ايرانية وكل جزء منها مساو للاخر بغض النظر عن مكانه وموقعه ، والدستور الايراني يذهب بوضوح لا لبس فيه الى تاكيد انه ليس من حق البرلمان الايراني التنازل عن أي ارض ايرانية لاي بلد اخر ، رغم ان كل جيران ايران هم من المسلمين . فاذا كانت ايران لا تقبل بالتنازل عن أي جزء من اراضيها حتى عن طريق البرلمان ، فهل يعني هذا الموقف سوى انه موقف قومي متطرف لا صلة بالاسلام ؟
كما ان ايران خميني وتلاميذه يصرون واكثر من ايران الشاه على عدم اعادة الجزر العربية وتحرير الاحواز رغم انهم يقولون ان ايران دولة اسلامية ! وقاتلت ايران وتقاتل منذ عقود ابناء الاحواز الذين يريدون الاستقلال عن ايران وقتلت واعدمت الاف الاحوازيين دفاعا عما تعده وحدة ايران الوطنية ! وتسمية الخليج العربي تقدم لنا دليلا صارخا على ان اسلامية ايران لم تمنعها من الاصرار على تسمية الخليج بالفارسي بل ورفض حتى الحل الوسط بين الاقطار العربية وايران وهو تسميته بالخليج الاسلامي ، كما اقترحت منظمة المؤتمر الاسلامي ، واصرت على تسميته باسم قومي وهو ( الخليج الفارسي ) !
اذن ايران دولة ذات هوية قومية تتغلب ، وتتفوق على انتماءها الاسلامي ، وتدافع عما تعده ( اراضيها الوطنية ) رغم انها اراض عربية وفوقها شعب عربي مضطهد ، وتعد ذلك واجبها وحقها الوطني حتى لو تناقض مع انتمائها الاسلامي ، ولذلك قاتلت العراق لمدة ثمانية اعوام من اجل كيلومترات ارض ومياه وسقط اكثر من مليون مسلم عراقي وايراني من اجل ان تبقى ايران مسيطرة على ما تعده اراضيها ومياهها الاقليمية . ان هذه الحقيقة تطرح موقفا لايمكن تجاهله وهو ان سياسات ايران الملالي ، الفعلية والرسمية ، هي التي تحدد المعايير التي تحكم الموقف العربي منها وتجاهها قبل ان نحددها نحن وهي معايير قومية ووطنية وليست الاسلامية .
نكرر التاكيد : نحن لم نقف ضد اليهود ، كبشر لديهم عقيدة دينية محددة ، بل وقفنا ضد احتلالهم لفلسطين ولذلك لا يمكن ان نقف تجاه احتلال ايران للاحواز والعراق والجزر الا الموقف ذاته الذي اتخذناه ضد اليهود ، هذا هو المنطق السليم والموقف المطلوب قوميا واسلاميا ومنطقيا . لا مفر من تأكيد الحقيقة التالية بلا تردد او غموض وهي ان ايران الحالية لاتختلف عن ايران الشاه الا بدرجة الخطورة ، فلئن كانت ايران الشاه تعمل وفقا لشعار قومي فارسي صريح ، هو احياء امبراطورية قورش ، وهو ما عزلها عن محيطها العربي والاسلامي وعمق حصانة العرب ضد التوسع الاستعماري الايراني الشاهنشاهي ، فان ايران الملالي انجح في التمويه والاختراق لانها استخدمت اهم مقدسين لدى العرب وهما فلسطين والاسلام ، فنفذت بهما الى صفوفنا ومزقتها ووجدت طابورا خامسا يدعمها .
منطق اللامنطق
وهذه النقطة توصلنا لضرورة لابد منها وهي التذكير بمعنى ما تبلور وقبل وصار قاعدة بداهة في التفكير العربي وهي معاني الوطنية والقومية . ان عصر اليقظة القومية العربية الحديثة ، وليس نشوء القومية العربية ، في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين ، تميز بجعل معيار الانتماء القومي قاعدة التمييز بين العربي وغير العربي ، ففي ظل الحكم العثماني الذي كان يصف نفسه بانه حكم ( اسلامي ) وبانه يمثل الخلافة الاسلامية ، سادت نزعة قومية تركية ادت الى دفع مشاعر الاخوة الاسلامية الى الخلف اولا ، ثم وباستمرار سياسة التتريك للشعوب الاسلامية اجبر العرب على التمسك بهويتهم القومية امام محاولات محو الهوية العربية وشرعوا في النضال من اجل المحافظة عليها رغم ان الدولة كانت تعمل باسم الاسلام .
ان الصلة بين المسلمين ما لم تقم على اساس المساواة الفعلية والقانونية تتحول الى نوع من الاستعمار والاستغلال الذي لن يفضي الا الى الانشقاق والفرقة والقتال ، وبما ان الدولة العثمانية عجزت عن تحقيق المساواة الفعلية بيم المسلمين فان قدرة العرب وغيرهم من الشعوب الاسلامية على البقاء تحت الاستعمار التركي تقلصت ، ثم زالت وبدأ عصر التحرر والاستقلال عن الدولة العثمانية التي كانت ذات طبيعة قومية عنصرية واضحة في مراحلها الاخيرة .
اننا اذ نذكر بهذه الحقيقة التاريخية فلاننا نريد ايضا غلق الباب على من يريد من العرب وغيرهم تصوير صراعنا مع ايران على انه صراع طائفي بين السنة والشيعة ، وهو امر تريده ايران ويخدم اهم اهدافها وهو اجبار شيعة عرب على دعمها والتخلي عن قوميتهم العربية من اجل المحافظة على مصالح الطائفة ، كما قال وردد مقتدى الصدر مرارا خصوصا حينما قام بابشع عملية تطهير طائفي في بغداد في بداية عام 2006 . قبل ولادة حكومة ولاية الفقيه ودولتها في ايران اشتبكنا نحن العرب في حرب مع دولة كانت تسمى اسلامية وكانت تمثل المذهب السني وهي الدولة العثمانية ، من اجل الاستقلال والمحافظه على الهوية القومية العربية وتحقيق الوحدة العربية . واذا تذكرنا ان ايران لا تحركها مصالح الاسلام وقيمه بل مصالحها القومية كدولة وكامة ، وهو امر مشروع ومقبول ، واذا اخذنا بنظر الاعتبار ان التشيع بالنسبة لايران هو مجرد ( حصان طروادة ) تستخدمه لاختراق حصوننا ومحو هويتنا العربية ، كما اثبتت تجربة غزو العراق والدور الايراني فيه ، يمكننا الوصول الى حقيقة لا يمكن انكارها او تجاهلها وهي ان سعي ايران للهيمنة علينا كعرب ما هو الا عمل استعماري صرف محركه الاساسي والحقيقي قومي .
وبمواجهة نشاط استعماري اجنبي لا يمكن لاي امة الا ان تلجأ لحصنها الطبيعي وهو حصن الهوية القومية ، وهنا نصل الى نقطة جوهرية وهي ان اولئك العرب الذين يدعمون ايران يفتقرون الى المنطق او المعيار المقبول او المسنود منطقيا ، فالناصروي وهو يدعم ايران يعجز عن مناقشة دافعه او الاقناع بصوابه ، لان ايران ، بممارساتها الفعلية وبمواقفها الرسمية ، دولة ذات نهج قومي فارسي وتريد تحقيق مكاسب لها على حساب العرب .
والسؤال الذي يفرض نفسه بلا عناء وبتلقائية كاملة هو : كيف يستطيع اي ناصري مهما كان ذكيا ومثقفا ان يسّوق الاستعمار الايراني ويقنع به مع انه ظاهرة استعمارية ثابتة ومرئية في الواقع ؟ ان الناصروي والاسلاموي يقفان وهما يدعمان ايران عاجزين عن تقديم اي دفاع مقنع ، ولذلك يتهربان من مواجهة القوميين العرب الذين يستطيعون كشف المستور الذي يجعل هؤلاء يتخلون عن اهم واجبات الانسان العربي وهو واجب الدفاع عن اراضي العرب وهويتهم تماما كما فعلنا تجاه الاتراك .
ان العربي الحقيقي هو من يدافع عن الارض العربية ، بغض النظر عن حجمها وموقعها ، هذه هي ام بديهيات الانتماء القومي العربي ، وعلى اساسها حاربنا العثمانيين ، وحاربنا الانكليز في العراق ومصر ، والفرنسيين في سوريا والجزائر ، والامريكييين في العراق ، وبسببها نحن نرفض احتلال اسبانيا لسبتة ومليلة واحتلال تركيا للاسكندرون ، وبقوة فعلها وقف عبدالناصر ضد احتلال ايران للاحواز العربية وقدم السلاح لثوارها . نحن عرب لسنا ضد اي امة او شعب وانما نحن ضد كل سياسة معادية لنا تتبناها امة اخرى ، سواء كانت مسلمة او مسيحية او يهودية او هندوسية ، نحن لنا مصالح وحقوق وحينما تتعارض وتتناقض مصالحنا مع مصالح اي طرف اخر غير عربي ، وحينما تسلب منا حقوق في الارض والمياه والثروات من قبل اي طرف يقع التناقض بيننا وبين ذلك الطرف .
لا يوجد منطق اسلامي يسمح بدعم ايران على الاطلاق وفقا لما عرضناه ، وكما في حالة الناصرويين فان الاسلامويين عراة من المنطق الاسلامي المقبول وهم اسرى منطق اللامنطق منطق الانتهازية والدونية الانسانية الذي يجعل من المصلحة الخاصة او الدافع الايديولوجي محركا لهم بدل الدوافع الموضوعية والمتعارف عليها .
والسؤال المركزي هنا هو : لماذا يعمل البعض من الناصرويين ، على خلاف قواعد البداهة التي تحدد من هو العربي وماهي التزاماته ، بمحاولة استثناء ايران منها ؟ ولماذا بالذات نستثني ايران مع اننا لم نستثني تركيا قبلها رغم انهما كلاهما تنتميان للعالم الاسلامي ؟ ما السر ومالدافع وراء استثناء ايران من كل قواعد البداهة التي تحدد معاني ومفاهيم وضوابط الانتماء القومي العربي ؟ ولم يفعل الاسلاموي مثل الناصروي ؟ ومالذي يجمع بين الناصروي والاسلاموي حول دعم ايران رغم انهما اعداء لا يلتقون سياسيا وايديولوجيا ، كما تثبت تجربة مصر الحديثة ؟
ان الاسلامويون والناصرويون يسقطون في امتحان المنطق لانهم يتجردون من أي لباس وطني او قومي او اسلامي ، ويبدون بوضوح انهم اسرى معايير مزدوجة تحكم مواقفهم من ايران ، فهم اسلاميون تجاه اليهود برفضهم احتلال فلسطين ، لكنهم اسلامويون تجاه ايران لانهم يتخلون عن المنطق والمعيار الاسلامي ، اما الناصرويون فانهم ناصريون تجاه احتلال اليهود لفلسطين لكنهم ناصرويون تجاه احتلال ايران للاحواز والعراق والجزر العربية !
يتبع
رد: المدافعون عن الاستعمار الايراني : من هم ؟ - صلاح المختار
نظرية ترتيب الاولويات
2 – ربما ثمة من يسوغ دعم ايران حتى وهي تحتل اقطار واراض عربية بالقول ان المشكلة الفلسطينية اهم من بقية القضايا العربية ، وبما ان ايران تدعم القضية الفلسطينية فيجب عدم مهاجمة ايران من اجل فلسطين ووضع جدول اولويات لاهتمامنا يقوم على تاجيل مشاكلنا مع ايران والتركيز على فلسطين . ان هذا التسويغ والتسويق خطيران جدا لانهما يؤديان ، اول ما يؤديان ، الى انفراط الاجماع العربي على دعم فلسطين وتبلور تيار عربي قطري متطرف في كل قطر عربي يرفض دعمها بحجة ان بعض الفلسطينيين يتصرف بنفس قطري متطرف وخاص وبمعزل عن المعايير القومية او الاسلامية ، لذلك فان التخلي عن دعم فلسطين يكون له ما يبرره في وسط معين . وهذا الاحتمال موجود وقوي لان اجهزة المخابرات الامريكية والصهيونية بشكل خاص تعمل من اجله منذ عقود من الزمن من اجل عزل القضية الفلسطينية عن عمقها العربي والانفراد بها اكثر مما يحصل الان وتصفيتها نهائيا لصالح الكيان الصهيوني .
ان ما حدث للشعب الفلسطيني في العراق بعد الغزو من قتل وتشريد على يد فرق الموت الايرانية ، خصوصا جيش المهدي الذي توجهه المخابرات الايرانية مباشرة لدرجة انها اعدت زعيمه مقتدى الصدر طائفيا مؤخرا بدورة سريعة في قم ، هو مجرد راس الجليد القطري والانعزالي العراقي الطافي الذي تنميه ايران وامريكا سوية منذ الغزو ، ولولا القوى القومية العربية في العراق لكان ممكنا ان تتفجر الغام قطرية عراقية تطالب علنا بقطع اي صلة بالقضية الفلسطينية .
وهنا يجب ان لا تغيب عن بالنا ابدا حقيقة ان اول من بادر الى تفجير النزعة القطرية ضد الفلسطينيين في العراق هم انصار ايران بالذات ، ولكن هناك تيارات اخرى امريكية تعمل بهذا الاتجاه وتدعمه بقوة بطرق مختلفة ، كما توجد فئة عراقية غير عميلة صدمتها مواقف حماس والجهاد الاسلامي ، وساسة وكتاب فلسطينيين ، المؤيدة لايران واستمرار هذا التأييد حتى بعد افتضاح موقفها المشارك في غزو العراق وبدور رئيسي وحاسم ، لذلك فأن هذه الاطراف المختلفة الدوافع جاهزة للانقلاب على موقف العراق التقليدي الداعم للقضية الفلسطينية ، وهو انقلاب اذا حدث سيلحق ضررا مميتا بقضية العراق وعروبته وسيخلق للتيار القومي في العراق مشكلة خطيرة لم تكن موجودة ابدا قبل تبعية حماس والجهاد الاسلامي لايران .
ان الافق الفقير ستراتيجيا لهذا البعض ، الذي يريد التضحية بالاقطار العربية كاقطار وليس كانظمة تحت شعار دعم فلسطين ، يجعله لا يميز بين القضية المركزية والصراع الرئيسي ويخلط بينهما ، فلئن كانت قضية فلسطين قضية العرب المركزية ومازالت ، فان ذلك لا يعني ان المعركة الرئيسية يجب ان تبقى دائرة في فلسطين او حولها جغرافيا ، بل يمكن ان تنتقل المعركة الرئيسية الى مكان اخر ومع ذلك تبقى ، من حيث الجوهر ، خاضعة لضرورات القضية المركزية اي قضية تحرير فلسطين ، وهنا يتحكم المعيار الستراتيجي في الصراع وليس المبدأي فقط .
دعونا نعيد توضيح هذه المسألة ذات الطبيعة الستراتيجية الخطيرة : ان قضية فلسطين بقيت القضية المركزية منذ عام 1948 وحتى الان ولم ولن تتغيير هذه الحقيقة ، من وجهة نظرنا كقوميين عرب ، الا بتحرير فلسطين ، ولكن الذي يتغير هو ساحة الصراع ، فقد يكون الصراع الرئيسي في فلسطين وحولها جغرافيا ، كما كان الحال حتى السبعينيات ، لكنه قد يصبح بعيدا عن ساحة فلسطين لسبب او لاخر ، كما هو الحال في العراق والخليج العربي ، حيث انتقل الصراع الرئيسي رسميا وفعليا الى الخليج العربي في نهاية السبعينيات ، ووقع تغييران ستراتيجيان كبيران اكدا انتقال الصراع من مكانه ، وهما زيارة السادات للقدس وايصال خميني الى السلطة .
كانت زيارة السادات للقدس ( في عام 1978 ) واعترافه بالكيان الصهيوني مؤشرا واضحا للتحول الستراتيجي واعتبار الصلح مع الكيان الصهيوني مقدمة لابد منها لنقل الصراع الرئيسي الى ساحة اخرى جديدة ، وجاء اسقاط الشاه وأيصال مخابرات الغرب لخميني الى السلطة في ايران ( في عام 1979 ) وتدشين العهد الجديد سياساته بشن ايران للحرب على العراق ليؤكدا ان ثمة تحولا خطيرا قد وقع ونقل الصراع الى ما يسمى ب ( اقليم النفط ) . وهذان التحولان الخطيران كانا ثمرة حتمية ومتوقعة لتحول ستراتيجي تمهيدي سبقهما وهو تبني امريكا ( مبدأ كارتر ) في النصف الثاني من السبعينيات الذي نقل التركيز الستراتيجي الامريكي من اوربا ومحيط فلسطين الى منطقة الخليج العربي وعدها اهم منطقة صراع ستراتيجي قادم في العالم .
من هنا فان انتقال الصراع الى ساحة اخرى غير فلسطين عنى ويعني امران متلازمان :-
أ – ان المعركة الرئيسية أخذت تدور في الخليج العربي والعراق ، اما فلسطين فقد اصبح الصراع فيها ثانويا بعد كامب ديفيد واعتراف السادات بالكيان الصهيوني وقبول منظمة التحرير بما يسمى ب ( الحل السلمي ) . لقد ادت اتفاقيتي كامب ديفيد الى انقسام عربي خطير دفع بالصراع العربي – الاسرائيلي الى الخلف وابرز الصراع في جبهة النفط ومركزها العراق . ومنذ ذلك الوقت والمعركة الرئيسية تدور حول او في العراق .
ب – ان الصراع مع العراق وفي الخليج العربي وان كان يدورحول النفط ، الا انه مرتبط عضويا بامن اسرائيل ، والدليل على ذلك هو ان الستراتيجية الامريكية الثابتة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية كانت ، وماتزال ، تقوم على ركيزتين ثابتتين لم تتغيرا هما امن النفط وامن اسرائيل . بمعنى اخر ان الصراع في الخليج العربي والعراق لم ينفصل عن الصراع العربي الاسرائيلي بل هو بشكل ما نتيجة له وان كان في جبهة اخرى وباطارات اخرى .
يضاف الى ذلك ان الصراع حول النفط مرتبط بالدور الاسرائيلي الاصلي ، لان اسرائيل قاعدة متقدمة للغرب الاستعماري ، فبعد ان احكم الكيان الصهيوني قبضته على فلسطين وتحول الى قوة اقليمية فعالة ، شرع بالمساهمة في تدمير المراكز العربية الصامدة جنبا الى جنب مع امريكا وعدم الاكتفاء بموقف الدفاع السلبي . ان حروب وعدوانات الكيان الصهيوني منذ عدوان حزيران عام 1967 وحتى غزو العراق تقدم صورة واضحة عن الطابع الهجومي والاستعماري للدور الاسرائيلي ، ويمكن رؤية الادراك الستراتيجي الاسرائيلي لحقيقة انتقال مركز الصراع من فلسطين الى العراق منذ السبعينيات ، اي بعد تاميم النفط العراقي في عام 1972 ، في تركيز اسرائيل الكامل لجهدها الرئيسي على تدمير العراق وليس غيره ، خصوصا وانها نجحت في اغتيال المرحوم جمال عبدالناصر وتجربته القومية التقدمية في مصر والتي كانت امل العرب في التحرر والوحدة العربية .
في عام 1982 اعاد الكيان الصهيوني تأكيد الموقف من العراق بوضوح اكبر ، متجليا في وثيقة الكاتب الاسرائيلي عوديد ينون المسماة ( ستراتيجية لاسرائيل في الثمانينيات ) ، التي قامت رسميا على عد العراق تحت قيادة البعث والشهيد صدام حسين العدو الرئيسي لاسرائيل واكدت ان تقسيمه هي المهمة الاساسية لاسرائيل ، وان ذلك يمكن ان يتم بواسطة دعم نظام خميني . هذه الحقيقة المعروفة ما هي الا دليل قاطع على ان الكيان الصهيوني لم يعد يرى في صراع الساحة الفلسطينية الا صراعا ثانويا يمكن ادارته وفقا لقاعدة الاحتواء التدريجي للعقبات الفلسطينية في اطار حل سلمي – يقرأ استسلامي - مدعوم دوليا وعربيا ، وهو لذلك عد ملحقا بالصراع الاساسي في العراق . لقد فتحت في العراق وحوله ، تدريجيا وعلى نحو متصاعد ، اعظم جبهة حرب منذ الحرب العالمية الثانية لانه تحدى ، بتأميم نفطه ، واحدا من اهم مبادئ ومحركات وقواعد العمل الاستعماري الغربي وهو ما يسمى في مبدأ كارتر ب ( امن النفط ) ، والذي وجدت اسرائيل بالاصل من اجل حمايته .
والعداء المستحكم للعراق من قبل الكيان الصهيوني لم يعد مخفيا وهو واقعيا ورسميا العداء الرئيسي في المنطقة الذي لم يتفوق عليه عداء اخر ابدا منذ سبعينيات القرن الماضي حينما اغتيل القائد جمال عبدالناصر ، وتجلى ذلك في محطات مهمة وموحية جدا : قصف مفاعل تموز النووي مع ان العراق كان مضطرا للدفاع عن نفسه ضد حرب فرضها خميني عليه ، فاختار الكيان الصهيوني الاصطفاف مع خميني ونظامه ضد العراق ، رغم ان شعار خميني كان ( الموت لاسرائيل ) ، واكد الكيان الصهيوني موقفه الداعم لايران خميني من اجل تدمير وتقسيم العراق بتقديم اسلحة ضخمة لايران لتستخدمها ضد العراق ( فضيحة ايرانجيت واسرائيلجيت ) ، وكانت مشاركة اسرائيل في غزو العراق في عام 2003 وتدميره واضحة جدا جنبا الى جنب مع امريكا وايران وبريطانيا في اصطفاف لا يمكن الخطأ في تفسيره وفهمه .
بمقارنة سريعة بين ادارة ناجحة وسهلة نسبيا لحل سلمي استسلامي في الساحة الفلسطينية يحافظ على الوضع الحالي ولا يغيره وحل ستراتيجي جبار ومعقد جدا وخطر جدا في العراق ، يقوم على تغيير خريطة وديموغرافيا المنطقة جذريا ، بتقسيمها واعادة تشكيلها ، من خلال استخدام اعلى اشكال العنف واخطره : الحرب الشاملة الحديثة ، نرى حقيقة جوهرية من المستحيل انكارها وهي ان ساحة المعركة الرئيسية انتقلت من فلسطين الى العراق ، وان فلسطين اصبحت ساحة مساومات حول حلول كلها تخدم الكيان الصهيوني وامريكا .
ولكن ، وفي ضوء ما تقدم ، فان معركة العراق هذه هي ، في ان واحد ، معركة تحرير العراق وتحرير فلسطين بقلب مساومات الحل الاستسلامي راسا على عقب ، فقوميا وستراتيجيا لا يوجد فاصل كبير بين العمليتين ، فاذا انتقلت المعركة الرئيسية الى العراق فان هدف الصراع البعيد والرئيسي يبقى ثابتا وهو تحرير كل الارض العربية بلا استثناء ، بعد كسب معركة العراق ودحر المخطط الصهيو- امريكي – ايراني وبتأثير صدمة الحاق الهزيمة بامريكا في العراق وهي درع اسرائيل ، وهو امر ممكن عمليا ونضاليا ، في حين ان كسب معركة غزو العراق بدعم ما يجري في الساحة الفلسطينية وعده الصراع الرئيسي واهمال العراق ومقاومته الباسلة يؤدي الى نتيجة كارثية شاملة وطبيعية ستكون ليس اكمال ذبح فلسطين فقط بل ذبح العراق والامة العربية كلها من المحيط الى الخليج العربي .
وهنا يجب اعادة التذكير باحدى اهم حقائق الصراع المصيري الحالي وهي انه لولا مواقف العراق الثابتة تجاه فلسطين ورفضه كامب ديفيد الاولى ، ومواصلة رفضه الاعتراف بالكيان الصهيوني او دعم الاعتراف به الذي قامت به انظمة عربية ، ولولا بناء القوة العراقية الشعبية والعسكرية والاقتصادية والعلمية والتكنولوجية وتحول العراق الى قوة اقليمية عظمى وحاسمة في الاقليم متجاوزا الخطوط الحمر الغربية والصهيونية ، ولولا دعم العراق للخط الفلسطيني الرافض للحل الاستسلامي في الساحة الفلسطينية والعربية ، ولولا الدعم المادي الضخم لاسر شهداء فلسطين ، والذي كان يقدم في اشد حالات العراق صعوبات مالية في زمن الحصار ، لولا كل ذلك ، وغيره كثير ، لما تعرض العراق للغزو ولكافة الحروب العلنية والسرية العسكرية والاقتصادية والامنية والاعلامية ...الخ . ان تجاهل هذه الحقيقة العيانية من قبل اي طرف عربي ، وبالاخص اذا كان فلسطينيا ، هو ليس فقط غدر بالعراق وشعبه وانما هو في المقام الاول موقف لا قومي ولا اخلاقي .
لذلك فان من يقول بانه يدعم ايران لانها تدعم القضية الفلسطينية رغم موقفها المخزي من غزو العراق ، ورغم انه دعم للواقع الحالي وليس من اجل تغييره ، كما قال احمدي نجاد حينما دعا لقبول حل الدولتين ، هو كمن يقول لنقتل الامل الوحيد المتبقي بتحرير فلسطين وهو انتصار العراق على الغزو وتحرره . لامفر من الاعتراف بكل صراحة بان تحرير فلسطين اصبح بعد الاعتراف بالكيان الصهيوني وتجريد العرب من امكانية الاحتكاك بالكيان الصهيوني عسكريا – اقامة دولة فلسطينية قزمة وعازلة - يفرض تبني ستراتيجية عامة تقوم على بناء قوة عربية رادعة مثلها العراق قبل غزوه ، توفر البيئة الضرورية لاعداد الامة كلها لحرب من نوع اخر جديد ، وهذه القوة هي العراق المتحرر من الاحتلال والمالك لافضل تجربة قتالية نظامية وفي حرب العصابات ، والمستند الى ثروة كافية لتمويل حرب تحرير فلسطين والصمود بوجه الضغوط الدولية والمقاطعات العسكرية والتكنولوجية .
ان اللعبة المشتركة الامريكية – الصهيونية – الايرانية تقوم ، كما توضح الان ، على تضليل العرب بالتركيز على الصراع في فلسطين وعده الصراع الرئيسي واهمال صراع العراق وعده ثانويا ، لان هذا الاستبدال يقود الى نتيجة خطيرة وهي انتحار امال الجماهير العربية في ساحة فلسطين لانها ساحة مغلقة على حلول استسلامية لا تغير الواقع الحالي فلسطينيا وعربيا بل تكرسهما لصالح القوى السائدة ، اي الاعتراف بالكيان الصهيوني وبالدور الاقليمي الايراني وبالدور الامريكي القيادي ، في حين ان تحرير العراق سيشكل انقلابا جذريا ليس في الوطن العربي فقط بل في العالم برمته نتيجة هزيمة القوة العظمى الوحيدة التي ارادت فرض استعمارها على العالم انطلاقا من السيطرة على العراق ، وهي القوة التي تشكل مصدر حياة اسرائيل ودرعها الاعظم .
هذه الحقيقة هي التي تفسر سر عدم تصفية حزب الله وبقاءه وعدم ضرب ايران رغم حروب الكلام مع امريكا والكيان الصهيوني ، انها معادلة المحافظة على الوضع القائم ومنع تغييره جذريا مقابل تقاسم المنافع بين الاطراف الدولية والاقليمية على حساب الامة العربية .
3 – ان اللعبة التقليدية التي تمارسها خيول طروادة العربية بصورة متعمدة هي الربط بين (مقاومة ) حزب الله وايران ، من خلال ابراز دعم ايران لحزب الله ، في حيلة معروفة لتجيير ما يقوم به حزب الله من اعمال ايجابية لايران ، وهذه الحيلة يمارسها حزب الله بشكل منظم ، حيث لا يكتفي بشكر ايران كلما قام بعمل بل انه اضافة لذلك يضع صورتين عملاقتين لخميني وخامنئي في كل اماكن الاحتفالات وتتردد الهتافات لهما ولايران ، في رسالة بالغة الوضوح تقول بانه لولا دعم ايران لما حقق حزب الله أي شيء ! ان منطقة القتل في منطق هؤلاء المدافعين عن ايران تكشف عنها حقيقة ان كل اعمال حزب الله قد صممت لخدمة ايران وغالبا مباشرة خصوصا بعد غزو العراق والدور الايراني الاساسي والاجرامي فيه ، مما جعل حزب الله مضطرا لافتعال معارك وازمات لامبر لها من اجل ان يحشد الجماهير العربية خلفه ثم يحول الدعم المقدم له الى ايران كي تواصل المشاركة الجوهرية في غزو وتدمير العراق دون عوائق عربية .
4 – ان التذكير ، واعادة التذكير ببديهيات ومفاهيم تقليدية ، امر ضروري لكشف ابعاد اللعبة الايرانية ، ومما يجب اعادة طرح السؤال حوله هو : ما معنى الاستعمار ؟ وهل يوجد استعمار حميد واستعمار خبيث ؟ ان الجواب واضح وهو ان الاستعمار يعني ان بلدا ما يحتل اراضي بلد اخر او يحتله كله من اجل النهب او تذويب هويته ودمجه في البلد المستعمر ، والامثلة كثيرة فبريطانيا احتلت عدة بلدان منها العراق والهند ، من اجل النهب ، اما فرنسا فاحتلت بلدان من اجل النهب ولكن بصيغة دمج المستعمرات بفرنسا كما في الجزائر ، او ان الاستعمار يقترن بجلب سكان غرباء وإهداءهم بلدا تم احتلاله كفلسطين وجنوب افريقيا وامريكا الشمالية . بهذا المعنى فان الاستعمار متعدد الاشكال ولكن هدفه الاساسي يبقى النهب والسيطرة على مال او اراضي الاخرين .
وبناء عليه فان الدين لا يغير من طبيعة الاستعمار لان الاصل فيه هو النهب او السيطرة على بلدان اخرى من اجل ثرواتها او موقعها ، فالاستعمار الغربي لافريقيا والاقطار العربية كان يتم بواسطة بلدان ديانتها مسيحية ، وفلسطين تم احتلالها من قبل يهود ، وايران مسلمة لكنها احتلت الاحواز والجزر العربية وتحتل بعض اراضي ومياه العراق . وفي كل الحالات فان الاستعمار حتى وان تظاهر بقيامه على اسس دينية – كالغزوات الصليبية - فانه في المقام الاول وفي جوهره ظاهرة لصوصية ونهب وقد يستخدم الدين لتحشيد الراي العام لدعمه كما حصل حينما شنت الحروب الصليبية علينا من قبل الاقطاع الاوربي ، او كما حصل حينما حشدت الصهيونية اليهود لغزو فلسطين تحت شعار ( العودة الى ارض الميعاد ) ، وفي كل الحالات يعرف مروجوا الدعوات الاستعمارية انهم كذابون وان الشعارات الدينية والعقائد الفاسدة ليست سوى غطاء لتوريط الشعوب في حروب اساسها ودافعها الحقيقي هو النهب والسلب لانها تقوم على الظلم والحاق الاذي بشعوب اخرى .
هل تختلف ايران عن اسرائيل او امريكا او فرنسا في ممارسة الاستعمار ؟ كلا ، ومن الضروري جدا ان نبقي حقيقة تاريخية اما نواظرنا دائما عندما نتسائل عن هوية ايران : ان ايران اعرق واقدم واكثر تجذرا من الاوربيين في موضوع الاستعمار ، فهي دولة استعمارية قبل نشوء امريكا وقبل تحول اوربا من قارة متخلفة تماما الى قوة استعمارية ، باستثناء اليونان ، فقد قامت بلاد فارس باحتلال بلدان عديدة في العالم القديم ووصلت غربا الى اليونان واحتلتها ، وشرقا الى وسط اسيا وهي لذلك عريقة في تقاليدها الاستعمارية .
وبالاضافة لكون الاستعمار الايراني هو اقدم ظاهرة استعمارية في التاريخ المعروف فانه استعمار سكاني كالاستعمار الفرنسي والاستعمار الصهيوني والاستعمار الامريكي والاستعمار الجنوب افريقي ، حيث ان بلاد فارس سابقا وايران حاليا تدفع كالصهيونية سكانها الى الهجرة الى بلدان اخرى وتزداد الهجرة تدريجيا ويتغلغل المهاجرون الفرس في المجتمعات الجديدة وينغمسون في النشاط العام التجاري والثقافي والسياسي حتى يتمكنوا فتبدأ رحلة السيطرة على تلك البلدان لصالح الوطن الام وهو بلاد فارس . ان الهجرة الفارسية الى العراق والخليج العربي في القرون السابقة تمثل انموذجا لهذه الحقيقة التاريخية البارزة فبعد ان تقوى المهاجرون الفرس اخذوا يعملون لالحاق بعض اقطار الخليج العربي بايران كما يحصل الان في البحرين .
بالاضافة لهذا الشكل السكاني الاستيطاني من الاستعمار الايراني اضيف نوع اخر من ممهدات الاستعمار الايراني وهو الاستعمار العقائدي والذي يقوم على استبدال الولاء الوطني بالولاء الطائفي ، كمرحلة اولى ، ثم بعد ان يصبح الولاء الطائفي هو القوة المقررة في وسط معين غير ايراني تبدا بعد ذلك عملية خدمة مصالح ايران مباشرة وعلنا تحت غطاء خطير هو الدفاع عن ( مصالح الطائفة ) وحمايتها ، كما قال مقتدى الصدر علنا حينما ارتكب مجزرة بغداد بعد تفجير مرقد سامراء في عام 2006 ، او كما فعل ويفعل حسن نصر الله في لبنان .
ان ما حصل ويحصل في لبنان والعراق ودول الخليج العربي قدم لنا امثلة خطيرة جدا عن كيفية النقل التدريجي ، والذكي والمدروس بدقة ، للولاء من ولاء للوطن وللهوية القومية الى ولاء للطائفة ومن ثم ولاء لمركز ومرجعية الطائفة في ايران . اليوم نرى حسن نصرالله يعد علي خامنئي مرجعه وامره وسيده الذي لا ترفض اوامره مهما كانت ضارة للبنان ، لدرجة ان نصر الله لا يتردد في تقبيل يد خامنئي كلما التقاه ، ونقل ذلك كله للعالم بملايينه ، تعبيرا عن الطاعة العمياء لايران وهي ممارسة عبودية ذليلة لا تليق بالانسان العادي ابدا ، فكيف حينما يكون من يقبل اليد ( مجاهدا ) ؟ ان الاثر النفسي لهذه الظاهرة مدمر في نفوس من يحترم حسن نصر الله لانه يجد ان هذه الممارسة من مخلفات نظام العبودية الذي تجاوزه العالم منذ قرون .
في الاستعمار الايراني ، وتحديدا الشكل العقائدي منه الذي طغى بعد اسقاط الشاه ووصول الملالي للسلطة ، نرى خطرا اشد تدميرا من خطر الاستعمارين الغربي والصهيوني لانه يقوم على السطو على دين وطائفة واستخدامهما لالحاق افدح الاضرار بالمصلحة القومية العربية . انه استعمار يبرز من الداخل ويتقوى داخل معسكرنا بينما الاستعمار الغربي والاستعمار الصهيوني حركتان اجنبيتان مدانتان سلفا ولدينا حصانة قوية ضدهما لانهما تأتيان لنا من الخارج الغريب والمعادي .
يتبع
2 – ربما ثمة من يسوغ دعم ايران حتى وهي تحتل اقطار واراض عربية بالقول ان المشكلة الفلسطينية اهم من بقية القضايا العربية ، وبما ان ايران تدعم القضية الفلسطينية فيجب عدم مهاجمة ايران من اجل فلسطين ووضع جدول اولويات لاهتمامنا يقوم على تاجيل مشاكلنا مع ايران والتركيز على فلسطين . ان هذا التسويغ والتسويق خطيران جدا لانهما يؤديان ، اول ما يؤديان ، الى انفراط الاجماع العربي على دعم فلسطين وتبلور تيار عربي قطري متطرف في كل قطر عربي يرفض دعمها بحجة ان بعض الفلسطينيين يتصرف بنفس قطري متطرف وخاص وبمعزل عن المعايير القومية او الاسلامية ، لذلك فان التخلي عن دعم فلسطين يكون له ما يبرره في وسط معين . وهذا الاحتمال موجود وقوي لان اجهزة المخابرات الامريكية والصهيونية بشكل خاص تعمل من اجله منذ عقود من الزمن من اجل عزل القضية الفلسطينية عن عمقها العربي والانفراد بها اكثر مما يحصل الان وتصفيتها نهائيا لصالح الكيان الصهيوني .
ان ما حدث للشعب الفلسطيني في العراق بعد الغزو من قتل وتشريد على يد فرق الموت الايرانية ، خصوصا جيش المهدي الذي توجهه المخابرات الايرانية مباشرة لدرجة انها اعدت زعيمه مقتدى الصدر طائفيا مؤخرا بدورة سريعة في قم ، هو مجرد راس الجليد القطري والانعزالي العراقي الطافي الذي تنميه ايران وامريكا سوية منذ الغزو ، ولولا القوى القومية العربية في العراق لكان ممكنا ان تتفجر الغام قطرية عراقية تطالب علنا بقطع اي صلة بالقضية الفلسطينية .
وهنا يجب ان لا تغيب عن بالنا ابدا حقيقة ان اول من بادر الى تفجير النزعة القطرية ضد الفلسطينيين في العراق هم انصار ايران بالذات ، ولكن هناك تيارات اخرى امريكية تعمل بهذا الاتجاه وتدعمه بقوة بطرق مختلفة ، كما توجد فئة عراقية غير عميلة صدمتها مواقف حماس والجهاد الاسلامي ، وساسة وكتاب فلسطينيين ، المؤيدة لايران واستمرار هذا التأييد حتى بعد افتضاح موقفها المشارك في غزو العراق وبدور رئيسي وحاسم ، لذلك فأن هذه الاطراف المختلفة الدوافع جاهزة للانقلاب على موقف العراق التقليدي الداعم للقضية الفلسطينية ، وهو انقلاب اذا حدث سيلحق ضررا مميتا بقضية العراق وعروبته وسيخلق للتيار القومي في العراق مشكلة خطيرة لم تكن موجودة ابدا قبل تبعية حماس والجهاد الاسلامي لايران .
ان الافق الفقير ستراتيجيا لهذا البعض ، الذي يريد التضحية بالاقطار العربية كاقطار وليس كانظمة تحت شعار دعم فلسطين ، يجعله لا يميز بين القضية المركزية والصراع الرئيسي ويخلط بينهما ، فلئن كانت قضية فلسطين قضية العرب المركزية ومازالت ، فان ذلك لا يعني ان المعركة الرئيسية يجب ان تبقى دائرة في فلسطين او حولها جغرافيا ، بل يمكن ان تنتقل المعركة الرئيسية الى مكان اخر ومع ذلك تبقى ، من حيث الجوهر ، خاضعة لضرورات القضية المركزية اي قضية تحرير فلسطين ، وهنا يتحكم المعيار الستراتيجي في الصراع وليس المبدأي فقط .
دعونا نعيد توضيح هذه المسألة ذات الطبيعة الستراتيجية الخطيرة : ان قضية فلسطين بقيت القضية المركزية منذ عام 1948 وحتى الان ولم ولن تتغيير هذه الحقيقة ، من وجهة نظرنا كقوميين عرب ، الا بتحرير فلسطين ، ولكن الذي يتغير هو ساحة الصراع ، فقد يكون الصراع الرئيسي في فلسطين وحولها جغرافيا ، كما كان الحال حتى السبعينيات ، لكنه قد يصبح بعيدا عن ساحة فلسطين لسبب او لاخر ، كما هو الحال في العراق والخليج العربي ، حيث انتقل الصراع الرئيسي رسميا وفعليا الى الخليج العربي في نهاية السبعينيات ، ووقع تغييران ستراتيجيان كبيران اكدا انتقال الصراع من مكانه ، وهما زيارة السادات للقدس وايصال خميني الى السلطة .
كانت زيارة السادات للقدس ( في عام 1978 ) واعترافه بالكيان الصهيوني مؤشرا واضحا للتحول الستراتيجي واعتبار الصلح مع الكيان الصهيوني مقدمة لابد منها لنقل الصراع الرئيسي الى ساحة اخرى جديدة ، وجاء اسقاط الشاه وأيصال مخابرات الغرب لخميني الى السلطة في ايران ( في عام 1979 ) وتدشين العهد الجديد سياساته بشن ايران للحرب على العراق ليؤكدا ان ثمة تحولا خطيرا قد وقع ونقل الصراع الى ما يسمى ب ( اقليم النفط ) . وهذان التحولان الخطيران كانا ثمرة حتمية ومتوقعة لتحول ستراتيجي تمهيدي سبقهما وهو تبني امريكا ( مبدأ كارتر ) في النصف الثاني من السبعينيات الذي نقل التركيز الستراتيجي الامريكي من اوربا ومحيط فلسطين الى منطقة الخليج العربي وعدها اهم منطقة صراع ستراتيجي قادم في العالم .
من هنا فان انتقال الصراع الى ساحة اخرى غير فلسطين عنى ويعني امران متلازمان :-
أ – ان المعركة الرئيسية أخذت تدور في الخليج العربي والعراق ، اما فلسطين فقد اصبح الصراع فيها ثانويا بعد كامب ديفيد واعتراف السادات بالكيان الصهيوني وقبول منظمة التحرير بما يسمى ب ( الحل السلمي ) . لقد ادت اتفاقيتي كامب ديفيد الى انقسام عربي خطير دفع بالصراع العربي – الاسرائيلي الى الخلف وابرز الصراع في جبهة النفط ومركزها العراق . ومنذ ذلك الوقت والمعركة الرئيسية تدور حول او في العراق .
ب – ان الصراع مع العراق وفي الخليج العربي وان كان يدورحول النفط ، الا انه مرتبط عضويا بامن اسرائيل ، والدليل على ذلك هو ان الستراتيجية الامريكية الثابتة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية كانت ، وماتزال ، تقوم على ركيزتين ثابتتين لم تتغيرا هما امن النفط وامن اسرائيل . بمعنى اخر ان الصراع في الخليج العربي والعراق لم ينفصل عن الصراع العربي الاسرائيلي بل هو بشكل ما نتيجة له وان كان في جبهة اخرى وباطارات اخرى .
يضاف الى ذلك ان الصراع حول النفط مرتبط بالدور الاسرائيلي الاصلي ، لان اسرائيل قاعدة متقدمة للغرب الاستعماري ، فبعد ان احكم الكيان الصهيوني قبضته على فلسطين وتحول الى قوة اقليمية فعالة ، شرع بالمساهمة في تدمير المراكز العربية الصامدة جنبا الى جنب مع امريكا وعدم الاكتفاء بموقف الدفاع السلبي . ان حروب وعدوانات الكيان الصهيوني منذ عدوان حزيران عام 1967 وحتى غزو العراق تقدم صورة واضحة عن الطابع الهجومي والاستعماري للدور الاسرائيلي ، ويمكن رؤية الادراك الستراتيجي الاسرائيلي لحقيقة انتقال مركز الصراع من فلسطين الى العراق منذ السبعينيات ، اي بعد تاميم النفط العراقي في عام 1972 ، في تركيز اسرائيل الكامل لجهدها الرئيسي على تدمير العراق وليس غيره ، خصوصا وانها نجحت في اغتيال المرحوم جمال عبدالناصر وتجربته القومية التقدمية في مصر والتي كانت امل العرب في التحرر والوحدة العربية .
في عام 1982 اعاد الكيان الصهيوني تأكيد الموقف من العراق بوضوح اكبر ، متجليا في وثيقة الكاتب الاسرائيلي عوديد ينون المسماة ( ستراتيجية لاسرائيل في الثمانينيات ) ، التي قامت رسميا على عد العراق تحت قيادة البعث والشهيد صدام حسين العدو الرئيسي لاسرائيل واكدت ان تقسيمه هي المهمة الاساسية لاسرائيل ، وان ذلك يمكن ان يتم بواسطة دعم نظام خميني . هذه الحقيقة المعروفة ما هي الا دليل قاطع على ان الكيان الصهيوني لم يعد يرى في صراع الساحة الفلسطينية الا صراعا ثانويا يمكن ادارته وفقا لقاعدة الاحتواء التدريجي للعقبات الفلسطينية في اطار حل سلمي – يقرأ استسلامي - مدعوم دوليا وعربيا ، وهو لذلك عد ملحقا بالصراع الاساسي في العراق . لقد فتحت في العراق وحوله ، تدريجيا وعلى نحو متصاعد ، اعظم جبهة حرب منذ الحرب العالمية الثانية لانه تحدى ، بتأميم نفطه ، واحدا من اهم مبادئ ومحركات وقواعد العمل الاستعماري الغربي وهو ما يسمى في مبدأ كارتر ب ( امن النفط ) ، والذي وجدت اسرائيل بالاصل من اجل حمايته .
والعداء المستحكم للعراق من قبل الكيان الصهيوني لم يعد مخفيا وهو واقعيا ورسميا العداء الرئيسي في المنطقة الذي لم يتفوق عليه عداء اخر ابدا منذ سبعينيات القرن الماضي حينما اغتيل القائد جمال عبدالناصر ، وتجلى ذلك في محطات مهمة وموحية جدا : قصف مفاعل تموز النووي مع ان العراق كان مضطرا للدفاع عن نفسه ضد حرب فرضها خميني عليه ، فاختار الكيان الصهيوني الاصطفاف مع خميني ونظامه ضد العراق ، رغم ان شعار خميني كان ( الموت لاسرائيل ) ، واكد الكيان الصهيوني موقفه الداعم لايران خميني من اجل تدمير وتقسيم العراق بتقديم اسلحة ضخمة لايران لتستخدمها ضد العراق ( فضيحة ايرانجيت واسرائيلجيت ) ، وكانت مشاركة اسرائيل في غزو العراق في عام 2003 وتدميره واضحة جدا جنبا الى جنب مع امريكا وايران وبريطانيا في اصطفاف لا يمكن الخطأ في تفسيره وفهمه .
بمقارنة سريعة بين ادارة ناجحة وسهلة نسبيا لحل سلمي استسلامي في الساحة الفلسطينية يحافظ على الوضع الحالي ولا يغيره وحل ستراتيجي جبار ومعقد جدا وخطر جدا في العراق ، يقوم على تغيير خريطة وديموغرافيا المنطقة جذريا ، بتقسيمها واعادة تشكيلها ، من خلال استخدام اعلى اشكال العنف واخطره : الحرب الشاملة الحديثة ، نرى حقيقة جوهرية من المستحيل انكارها وهي ان ساحة المعركة الرئيسية انتقلت من فلسطين الى العراق ، وان فلسطين اصبحت ساحة مساومات حول حلول كلها تخدم الكيان الصهيوني وامريكا .
ولكن ، وفي ضوء ما تقدم ، فان معركة العراق هذه هي ، في ان واحد ، معركة تحرير العراق وتحرير فلسطين بقلب مساومات الحل الاستسلامي راسا على عقب ، فقوميا وستراتيجيا لا يوجد فاصل كبير بين العمليتين ، فاذا انتقلت المعركة الرئيسية الى العراق فان هدف الصراع البعيد والرئيسي يبقى ثابتا وهو تحرير كل الارض العربية بلا استثناء ، بعد كسب معركة العراق ودحر المخطط الصهيو- امريكي – ايراني وبتأثير صدمة الحاق الهزيمة بامريكا في العراق وهي درع اسرائيل ، وهو امر ممكن عمليا ونضاليا ، في حين ان كسب معركة غزو العراق بدعم ما يجري في الساحة الفلسطينية وعده الصراع الرئيسي واهمال العراق ومقاومته الباسلة يؤدي الى نتيجة كارثية شاملة وطبيعية ستكون ليس اكمال ذبح فلسطين فقط بل ذبح العراق والامة العربية كلها من المحيط الى الخليج العربي .
وهنا يجب اعادة التذكير باحدى اهم حقائق الصراع المصيري الحالي وهي انه لولا مواقف العراق الثابتة تجاه فلسطين ورفضه كامب ديفيد الاولى ، ومواصلة رفضه الاعتراف بالكيان الصهيوني او دعم الاعتراف به الذي قامت به انظمة عربية ، ولولا بناء القوة العراقية الشعبية والعسكرية والاقتصادية والعلمية والتكنولوجية وتحول العراق الى قوة اقليمية عظمى وحاسمة في الاقليم متجاوزا الخطوط الحمر الغربية والصهيونية ، ولولا دعم العراق للخط الفلسطيني الرافض للحل الاستسلامي في الساحة الفلسطينية والعربية ، ولولا الدعم المادي الضخم لاسر شهداء فلسطين ، والذي كان يقدم في اشد حالات العراق صعوبات مالية في زمن الحصار ، لولا كل ذلك ، وغيره كثير ، لما تعرض العراق للغزو ولكافة الحروب العلنية والسرية العسكرية والاقتصادية والامنية والاعلامية ...الخ . ان تجاهل هذه الحقيقة العيانية من قبل اي طرف عربي ، وبالاخص اذا كان فلسطينيا ، هو ليس فقط غدر بالعراق وشعبه وانما هو في المقام الاول موقف لا قومي ولا اخلاقي .
لذلك فان من يقول بانه يدعم ايران لانها تدعم القضية الفلسطينية رغم موقفها المخزي من غزو العراق ، ورغم انه دعم للواقع الحالي وليس من اجل تغييره ، كما قال احمدي نجاد حينما دعا لقبول حل الدولتين ، هو كمن يقول لنقتل الامل الوحيد المتبقي بتحرير فلسطين وهو انتصار العراق على الغزو وتحرره . لامفر من الاعتراف بكل صراحة بان تحرير فلسطين اصبح بعد الاعتراف بالكيان الصهيوني وتجريد العرب من امكانية الاحتكاك بالكيان الصهيوني عسكريا – اقامة دولة فلسطينية قزمة وعازلة - يفرض تبني ستراتيجية عامة تقوم على بناء قوة عربية رادعة مثلها العراق قبل غزوه ، توفر البيئة الضرورية لاعداد الامة كلها لحرب من نوع اخر جديد ، وهذه القوة هي العراق المتحرر من الاحتلال والمالك لافضل تجربة قتالية نظامية وفي حرب العصابات ، والمستند الى ثروة كافية لتمويل حرب تحرير فلسطين والصمود بوجه الضغوط الدولية والمقاطعات العسكرية والتكنولوجية .
ان اللعبة المشتركة الامريكية – الصهيونية – الايرانية تقوم ، كما توضح الان ، على تضليل العرب بالتركيز على الصراع في فلسطين وعده الصراع الرئيسي واهمال صراع العراق وعده ثانويا ، لان هذا الاستبدال يقود الى نتيجة خطيرة وهي انتحار امال الجماهير العربية في ساحة فلسطين لانها ساحة مغلقة على حلول استسلامية لا تغير الواقع الحالي فلسطينيا وعربيا بل تكرسهما لصالح القوى السائدة ، اي الاعتراف بالكيان الصهيوني وبالدور الاقليمي الايراني وبالدور الامريكي القيادي ، في حين ان تحرير العراق سيشكل انقلابا جذريا ليس في الوطن العربي فقط بل في العالم برمته نتيجة هزيمة القوة العظمى الوحيدة التي ارادت فرض استعمارها على العالم انطلاقا من السيطرة على العراق ، وهي القوة التي تشكل مصدر حياة اسرائيل ودرعها الاعظم .
هذه الحقيقة هي التي تفسر سر عدم تصفية حزب الله وبقاءه وعدم ضرب ايران رغم حروب الكلام مع امريكا والكيان الصهيوني ، انها معادلة المحافظة على الوضع القائم ومنع تغييره جذريا مقابل تقاسم المنافع بين الاطراف الدولية والاقليمية على حساب الامة العربية .
3 – ان اللعبة التقليدية التي تمارسها خيول طروادة العربية بصورة متعمدة هي الربط بين (مقاومة ) حزب الله وايران ، من خلال ابراز دعم ايران لحزب الله ، في حيلة معروفة لتجيير ما يقوم به حزب الله من اعمال ايجابية لايران ، وهذه الحيلة يمارسها حزب الله بشكل منظم ، حيث لا يكتفي بشكر ايران كلما قام بعمل بل انه اضافة لذلك يضع صورتين عملاقتين لخميني وخامنئي في كل اماكن الاحتفالات وتتردد الهتافات لهما ولايران ، في رسالة بالغة الوضوح تقول بانه لولا دعم ايران لما حقق حزب الله أي شيء ! ان منطقة القتل في منطق هؤلاء المدافعين عن ايران تكشف عنها حقيقة ان كل اعمال حزب الله قد صممت لخدمة ايران وغالبا مباشرة خصوصا بعد غزو العراق والدور الايراني الاساسي والاجرامي فيه ، مما جعل حزب الله مضطرا لافتعال معارك وازمات لامبر لها من اجل ان يحشد الجماهير العربية خلفه ثم يحول الدعم المقدم له الى ايران كي تواصل المشاركة الجوهرية في غزو وتدمير العراق دون عوائق عربية .
4 – ان التذكير ، واعادة التذكير ببديهيات ومفاهيم تقليدية ، امر ضروري لكشف ابعاد اللعبة الايرانية ، ومما يجب اعادة طرح السؤال حوله هو : ما معنى الاستعمار ؟ وهل يوجد استعمار حميد واستعمار خبيث ؟ ان الجواب واضح وهو ان الاستعمار يعني ان بلدا ما يحتل اراضي بلد اخر او يحتله كله من اجل النهب او تذويب هويته ودمجه في البلد المستعمر ، والامثلة كثيرة فبريطانيا احتلت عدة بلدان منها العراق والهند ، من اجل النهب ، اما فرنسا فاحتلت بلدان من اجل النهب ولكن بصيغة دمج المستعمرات بفرنسا كما في الجزائر ، او ان الاستعمار يقترن بجلب سكان غرباء وإهداءهم بلدا تم احتلاله كفلسطين وجنوب افريقيا وامريكا الشمالية . بهذا المعنى فان الاستعمار متعدد الاشكال ولكن هدفه الاساسي يبقى النهب والسيطرة على مال او اراضي الاخرين .
وبناء عليه فان الدين لا يغير من طبيعة الاستعمار لان الاصل فيه هو النهب او السيطرة على بلدان اخرى من اجل ثرواتها او موقعها ، فالاستعمار الغربي لافريقيا والاقطار العربية كان يتم بواسطة بلدان ديانتها مسيحية ، وفلسطين تم احتلالها من قبل يهود ، وايران مسلمة لكنها احتلت الاحواز والجزر العربية وتحتل بعض اراضي ومياه العراق . وفي كل الحالات فان الاستعمار حتى وان تظاهر بقيامه على اسس دينية – كالغزوات الصليبية - فانه في المقام الاول وفي جوهره ظاهرة لصوصية ونهب وقد يستخدم الدين لتحشيد الراي العام لدعمه كما حصل حينما شنت الحروب الصليبية علينا من قبل الاقطاع الاوربي ، او كما حصل حينما حشدت الصهيونية اليهود لغزو فلسطين تحت شعار ( العودة الى ارض الميعاد ) ، وفي كل الحالات يعرف مروجوا الدعوات الاستعمارية انهم كذابون وان الشعارات الدينية والعقائد الفاسدة ليست سوى غطاء لتوريط الشعوب في حروب اساسها ودافعها الحقيقي هو النهب والسلب لانها تقوم على الظلم والحاق الاذي بشعوب اخرى .
هل تختلف ايران عن اسرائيل او امريكا او فرنسا في ممارسة الاستعمار ؟ كلا ، ومن الضروري جدا ان نبقي حقيقة تاريخية اما نواظرنا دائما عندما نتسائل عن هوية ايران : ان ايران اعرق واقدم واكثر تجذرا من الاوربيين في موضوع الاستعمار ، فهي دولة استعمارية قبل نشوء امريكا وقبل تحول اوربا من قارة متخلفة تماما الى قوة استعمارية ، باستثناء اليونان ، فقد قامت بلاد فارس باحتلال بلدان عديدة في العالم القديم ووصلت غربا الى اليونان واحتلتها ، وشرقا الى وسط اسيا وهي لذلك عريقة في تقاليدها الاستعمارية .
وبالاضافة لكون الاستعمار الايراني هو اقدم ظاهرة استعمارية في التاريخ المعروف فانه استعمار سكاني كالاستعمار الفرنسي والاستعمار الصهيوني والاستعمار الامريكي والاستعمار الجنوب افريقي ، حيث ان بلاد فارس سابقا وايران حاليا تدفع كالصهيونية سكانها الى الهجرة الى بلدان اخرى وتزداد الهجرة تدريجيا ويتغلغل المهاجرون الفرس في المجتمعات الجديدة وينغمسون في النشاط العام التجاري والثقافي والسياسي حتى يتمكنوا فتبدأ رحلة السيطرة على تلك البلدان لصالح الوطن الام وهو بلاد فارس . ان الهجرة الفارسية الى العراق والخليج العربي في القرون السابقة تمثل انموذجا لهذه الحقيقة التاريخية البارزة فبعد ان تقوى المهاجرون الفرس اخذوا يعملون لالحاق بعض اقطار الخليج العربي بايران كما يحصل الان في البحرين .
بالاضافة لهذا الشكل السكاني الاستيطاني من الاستعمار الايراني اضيف نوع اخر من ممهدات الاستعمار الايراني وهو الاستعمار العقائدي والذي يقوم على استبدال الولاء الوطني بالولاء الطائفي ، كمرحلة اولى ، ثم بعد ان يصبح الولاء الطائفي هو القوة المقررة في وسط معين غير ايراني تبدا بعد ذلك عملية خدمة مصالح ايران مباشرة وعلنا تحت غطاء خطير هو الدفاع عن ( مصالح الطائفة ) وحمايتها ، كما قال مقتدى الصدر علنا حينما ارتكب مجزرة بغداد بعد تفجير مرقد سامراء في عام 2006 ، او كما فعل ويفعل حسن نصر الله في لبنان .
ان ما حصل ويحصل في لبنان والعراق ودول الخليج العربي قدم لنا امثلة خطيرة جدا عن كيفية النقل التدريجي ، والذكي والمدروس بدقة ، للولاء من ولاء للوطن وللهوية القومية الى ولاء للطائفة ومن ثم ولاء لمركز ومرجعية الطائفة في ايران . اليوم نرى حسن نصرالله يعد علي خامنئي مرجعه وامره وسيده الذي لا ترفض اوامره مهما كانت ضارة للبنان ، لدرجة ان نصر الله لا يتردد في تقبيل يد خامنئي كلما التقاه ، ونقل ذلك كله للعالم بملايينه ، تعبيرا عن الطاعة العمياء لايران وهي ممارسة عبودية ذليلة لا تليق بالانسان العادي ابدا ، فكيف حينما يكون من يقبل اليد ( مجاهدا ) ؟ ان الاثر النفسي لهذه الظاهرة مدمر في نفوس من يحترم حسن نصر الله لانه يجد ان هذه الممارسة من مخلفات نظام العبودية الذي تجاوزه العالم منذ قرون .
في الاستعمار الايراني ، وتحديدا الشكل العقائدي منه الذي طغى بعد اسقاط الشاه ووصول الملالي للسلطة ، نرى خطرا اشد تدميرا من خطر الاستعمارين الغربي والصهيوني لانه يقوم على السطو على دين وطائفة واستخدامهما لالحاق افدح الاضرار بالمصلحة القومية العربية . انه استعمار يبرز من الداخل ويتقوى داخل معسكرنا بينما الاستعمار الغربي والاستعمار الصهيوني حركتان اجنبيتان مدانتان سلفا ولدينا حصانة قوية ضدهما لانهما تأتيان لنا من الخارج الغريب والمعادي .
يتبع
رد: المدافعون عن الاستعمار الايراني : من هم ؟ - صلاح المختار
المقاومة : المعنى والوظيفة
5 – تهجين المقاومة : إن من اخطر ما ادخلته المخابرات الايرانية من تشويهات على وعي بعض العرب ، مستغلة عقدة الهزيمة لديهم ، هو تهجين مفهوم المقاومة عبر تحويلها من وسيلة إلى هدف قائم بذاته ، بالإضافة لتشويه مفهوم مشروعية المقاومة ، من اجل استغلال اسمها في تجنيد بعض المثقفين والساسة العرب تحت شعار المقاومة . فكيف تم ذلك ؟
قبل الجواب من الضروري التذكير باحدى اهم الحقائق التي تحدد وظيفة حزب الله وهي إن المخابرات الايرانية تعرف جيدا إن نخبا عربية وطنية اصيبت باليأس نتيجة تعاقب هزائم العرب امام الكيان الصهيوني فصار الانتصار حلما رومانتيكيا يخجل المثقف عند الحديث عنه ، وحينما جاء (النصر ) على يد حزب الله – وابتدأ ذلك بتحرير جنوب لبنان واكتمل في حرب عام 2006 - وجدت هذه النخب فيه استجابة لاحلامها المحبطة ، وبما ( إن نصر حزب الله هو النصر العربي الوحيد ) كما روجت وتروج دعاية حزب الله وايران فان خوف النخب من فقدان هذا النصر ( اليتيم ) ، وهو ما يعيدها لحالة اليأس والاحباط ، يجعلها تتمسك بحزب الله وتدافع عنه بالحق وبالباطل ، وتقبل بكل ما يضمن بقاء الحلم حيا امامها حتى لو زورت مفاهيم المقاومة والحرب والسلام ! وتلك هي خطة المخابرات الايرانية التي يجب التنبه دائما اليها لتجنب الوقوع في فخ سايكولوجي – الشعور بالنقص - يقود إلى فخاخ اخطر منه ومنها فخ قبول مفاهيم غير منطقية وغير عملية وتتناقض مع الوعي السابق للمثقف العربي حول المقاومة .
لقد بدأت بالظهور ضرورة تحديد مسألة ( هل المقاومة غاية ام وسيلة ) بعد تحرير جنوب لبنان وعدم حصول تطور في فهم دور المقاومة اللبنانية لدى حزب الله ، اذ بدلا من الاعتراف بان القسم الجوهري والاعظم من الارض اللبنانية المحتلة قد تحرر وبقيت مزارع شبعا وقرية اخرى ، ومن ثم كان ضروريا جدا اعادة تحديد دور حزب الله والمقاومة في لبنان ، في ضوء ذلك التغيير ، فان حزب الله واصل العمل كحزب مقاوم رغم انتهاء مبرر المقاومة وهو الاحتلال ! وهذه ظاهرة غير مألوفة في تاريخ المقاومة في العالم كله ، حيث تنتهي المقاومة حالما تتحرر الارض ويطرد الاحتلال . لقد ناقشنا هذه المسالة في هذه الدراسة في الاجزاء السابقة ولذلك سنكتفي بتأكيد ما يلي : إن مواصلة العمل المسلح ضد الكيان الصهيوني من جنوب لبنان ، بعد تحرير الجنوب وتكرار اعلان حسن نصرالله إن تحرير فلسطين ليس واجب حزبه ، اصبحت وظيفته الاساسية ليس تحرير الارض بل اكمال بناء صورة ، من جهة ، وخلق بيئة اقليمية تحتاج اليها السياسات الايرانية في المنطقة من جهة ثانية . كيف ذلك ؟
كان حزب الله في نشأته واهدافه التي وضعتها ايران مباشرة ، كما وضحنا ، عبارة عن تنظيم اريد به صنع صورة مشرفة تبهر العرب الذين عاشوا مسلسل هزائم امام اسرائيل وامريكا ، ووظيفة الصورة المبهرة لحزب الله هي استقطاب اكبر عدد ممكن من العرب خصوصا النخب ، وتأطير احترامهم واعجابهم بحزب الله بصيغة تيار عربي يوجهه حزب الله بصورته المبهرة ، واهم اهداف التوجيه هو دعم ايران على اساس إن هذا الحزب مدعوم من قبل ايران وانتصاراته ما كانت ستحصل لولا الدعم الايراني المباشر والرسمي . اذن خلق صورة مبهرة لحزب الله كان الهدف الجوهري المطلوب اصلا ، وهو لذلك حتمية لابد منها لان صورة ايران ، التي كانت قد خططت مبكرا للتوسع الاقليمي على حساب العرب ، كانت معرضة للشيطنة والتبشيع بطريقة تعزل ايران عربيا وتخلق حصانه ضدها فتفشل في تنفيذ خططها الاستعمارية التوسعية على حساب العرب ، كما حصل لايران الشاه نتيجة توسعيتها على حساب العرب ، من هنا فان خلق صورة مبهرة ومحبوبة لحزب الله كان شرطا مسبقا لحماية ايران من النقد والمهاجمة من قبل العرب الذين يلاحظون انها تقوم باحتلالات وتنفذ فتن طائفية في الوطن العربي .
كيف تخلق صورة مبهرة لحزب الله ؟ بما إن اهم مقدسين لدى العرب في العصر الحديث هما فلسطين والاسلام اذن يجب استغلالهما بصورة مدروسة ومنظمة من اجل صنع صورة مبهرة ، ففلسطين حلم العرب التحرري استغل بالكامل من قبل ايران وذراعها حزب الله طوال زمن انتهى بتكرار الاعلان بان مهمة تحرير فلسطين ليست واجب حزب الله وانما المقاومة الفلسطينية اما واجب حزب الله فهو تحرير الاراضي اللبنانية المحتلة فقط ودعم المقاومة الفلسطينية . ومن جهة اخرى فان الاسلام هو الهوية التي اراد حزب الله ، متبعا نهج ايران ، إن يزرعها بعد اجتثاث العروبة والرابطة القومية من خلال افتعال تناقض وهمي بين الاسلام والعروبة . والاطار العام ، الذي يمكن إن ينجح ، لهذا الاستغلال هو ممارسة المقاومة المسلحة لا رفع الشعارات فقط كما فعلت الانظمة العربية ففقدت ثقة الجماهير بها .
ولكن المقاومة المسلحة انتهى مبررها ودافعها ومشروعيتها بتحرير جنوب لبنان وتحرير فلسطين ليس مهمة حزب الله ولا واجبه كما اكد هذا الحزب مرارا ، فكيف يمكن ابقاء حزب الله مبهرا وزيادة الاعجاب به ؟ الجواب هو : بما إن حربا تأهيلية مثل حرب عام 2006 لم تعد ممكنة عمليا من وجهة نظر إيرانية ، فان البديل هو مواصلة المقاومة ولكن بصيغة استعراضية تبقي الانبهار الجماهيري والنخبوي ، عن طريق عمليات خطف وإثارة أزمات منضبطة مع الكيان الصهيوني أهدافها محدودة جدا تتعلق بإطلاق سراح أسير أو مبادلة جثث ليس إلا ، وفي نهاية الازمة يقدم عرض هولي وودي ، فني وراق ومبهر بإعداده وتنفيذه ، للحدث الثانوي بحيث يتحول سيكولوجيا إلى حدث طاغ يسحر المشاهد وربما يعوض عن ، ويغطي على ، مسالة قيمة الحدث الاصلي وضرورته . ولقد جاءت تجربة هولوكوست غزة ( في نهاية 2008 وبداية عام 2009 ) لتؤكد ذلك لانها وضعت حزب الله امام امتحان مر جدا اذ كان عليه تجاوز القيد الفولاذي ، الذي وضعته ايران لحركته وتمثل في منعه من اثارة ازمة خطيرة مع اسرائيل ، بقيامه بدعم غزة وشعبها بإطلاق صواريخه التي لا تعد إلا بالالاف ، لكنه لم يطلق رصاصة واحدة وانكر بشدة وقلق انه من اطلق بضعة صواريخ على شمال الكيان الصهيوني اثناء مجزرة غزة ، وهو ما أدهش من راهن على هذا الحزب وزرع في ضميره سؤالا مهما جدا وهو : ايهما اهم تحرير أسير أو مبادلة جثث واشعال ازمة ساخنة من اجل ذلك ، مع انها حالة انسانية يمكن تأجيلها ، ام تخفيف الضغط الاسرائيلي عن غزة بفتح جبهة من جنوب لبنان مع إن هذه ضرورة عاجلة جدا ولا يمكن تأجيلها ؟
ويمكن القول بثقة كاملة بان لعبة الابهار قد فقدت الكثير من عناصرها واصبحت معقدة جدا بالنسبة لحزب الله بعد حرب عام 2006 بسبب الاوامر الايرانية بعدم اثارة ازمة كبرى ، وكان فشلة في دعم غزة هو رصاصة الرحمة التي اطلقت على راس لعبة تحويل المقاومة من وسيلة تحرير الى هدف بحد ذاته لاجل مواصلة عملية تجميل وجه ايران كلما تشيطن وتبشع في العراق والمنطقة .
اذن فان مواصلة حزب الله لدوره كحزب مقاومة حتى بعد تحرير جنوب لبنان يقع في اطار خطة إيرانية تجعل من المقاومة هدفا وليس وسيلة من اجل اخفاء حقيقة عدم وجود مبرر للمقاومة بعد تحرير الجنوب ، ووظيفة الهدف هذا هو ليس تحرير ارض ، لانه لم تعد توجد ارض محتلة يريد حزب الله تحريرها ، بل ابقاء شعبية الاداة – حزب الله - وزيادتها كي تساعد بسمعتها الطيبة ايران على تحقيق غزواتها وتوسعها الاقليمي على حساب العرب ، خصوصا من خلال تحويل لبنان الى مقر ايراني رئيسي يضمن تحقيق الاتصال الجغرافي بين ايران ولبنان ، مرورا بالعراق وسوريا ، على اعتبار إن تلك المنطقة هي منطقة الانطلاق في تأسيس الامبراطورية الفارسية الجديدة .
ويقترن بسؤال هل المقاومة وسيلة ام هدف سؤال جوهري اخر وهو : هل كل مقاومة مشروعة ؟ ام إن المقاومة المشروعة هي التي تقوم على دافع وطني وقومي وانساني ؟ الجواب كما قدمته تجارب المقاومة لدى كل الشعوب هو إن مشروعية المقاومة تستمد اساسا من وجود عدوان واحتلال مسلح مما يفرض الرد عليه بالسلاح . وهنا نواجه مسألة معقدة جدا وخطيرة جدا فرضها نهج حزب الله وهي التي يلخصها السؤال التالي : هل توجد مقاومة ذات طبيعة طائفية في بلد لا تتعرض فيه الطائفة الى تطهير طائفي حقيقي كلبنان ؟ لقد شكل انتقال حزب الله من مقاومة الكيان الصهيوني الى محاولة فرض ارادته على لبنان كله ، مع انه حزب طائفي الهوية والتكوين ولا يمثل إلا جزء من لبنان ، ظاهرة خطيرة من المستحيل عدم الوقوف عند معانيها ونتائجها . اذ بعد إن تأهل حزب الله وطنيا بمقاتلة اسرائيل ، وبعد إن رسم صورة ايجابية له وحصل على دعم لبناني كبير ، اضافة للدعم العربي والعالمي ، وبعد إن امتلك قوة عسكرية ضخمة تفوق قوة الجيش اللبناني بحجة المقاومة وضروراتها اثناء ممارستها ، شرع في صيف عام 2008 باستخدام قوته ونفوذه وقدراته العسكرية والمالية والسياسية ضد الشعب اللبناني ووحدة لبنان لنسف قاعدة وجود لبنان وهي التوافق .
إن احتلال بيروت في صيف عام 2008 كان تطورا حاسما في تاريخ حزب الله نقله من حزب مقاوم الى حزب مساوم بالنيابة عن ايران ، فسيطرته على لبنان ، أو على الاقل ضمانه للعب دور حاسم في تقرير توجهات لبنان ، كان جزء اساسيا من متطلبات الامن القومي الايراني وليس له صلة بامن لبنان أو مصالحها باي شكل من الاشكال ، وهي لعبة انكشفت ولم يعد هو قادرا على اخفاءها ، الامر الذي اجبر حسن نصر الله للاعلان رسميا ، عقب غزوه لبيروت ، انه حزب ولاية الفقية مع ما يعنيه هذا الاعتراف من تبعية تامة لايران وخدمة رسمية لمصالحها رغم إن هذه المصالح تتعارض مع مصالح لبنان والامة العربية .
هنا يظهر الجذر الخطير لمسألة المشروعية في عمل المقاومة ، فلئن كان حزب الله يمتلك المشروعية في مقاومة الاحتلال اثناء الغزو الاسرائيلي للجنوب فانه فقدها كليا ، وليس جزئيا ، بعد تحريره ، وبما انه حزب مصمم ومبني على اساس خدمة الستراتيجية الامبريالية الايرانية فقد تجاوز مفهوم الشرعية الضروري لاي مقاومة واضطر نتيجة لغياب المشروعية الى استخدام القوة المفرطة في صيف عام 2008 لابتزاز واخضاع الشعب اللبناني .
إن الدرس الكبير الذي قدمته تجربة ذلك الصيف الدامي هو إن المقاومة حالما تتحرك بدافع طائفي ستراتيجيا ، حتى وهي تقاتل احتلالا اجنبيا ، تفقد الهوية الوطنية ، التي اكتسبتها اثناء مقاتلة الاحتلال ، عندما تدخل مرحلة طرد الاحتلال وتعود الى جذرها الحقيقي وهويتها الحقيقية وهي هوية طائفية صرفة ، ولا تقتصر خطورتها على انها تفتت الوحدة الوطنية بل الاخطر انها طائفية مسخرة لخدمة اهداف ستراتيجية لدولة أجنبية ذات طبيعة قومية وليس طائفية ولا دينية .
إن النزعة الطائفية لحزب الله قد جعلته ، بحكم آليات وقوانين الانتماء الطائفي ، يتحول بسرعة شديدة الى حزب مثير للانقسامات ويصنع التشرذم في لبنان ويحيي ظاهرة عسكرة الطوائف في لبنان والتي توقفت عند انتهاء الحرب الاهلية اللبنانية في التسعينيات ، بعد إن اقتنعت كل الاطراف بان عسكرة الطوائف لا تخدم إلا هدف تقسيم لبنان ، لكن حزب الله ، بتسلحه الذي فاق تسلح الجيش اللبناني ، كما ونوعا ، وبغزوه لبيروت بصورة دموية مرعبة للراي العام اللبناني وبمحاولته ابتزاز الاطراف الطائفية الاخرى في المكون اللبناني ، ايقظ مارد عسكرة الطوائف في لبنان والذي نام بعد إن اتعبته الحرب الاهلية الطويلة والمدمرة ، ودفع الاطراف الاخرى للعودة إلى التسلح والاعتماد على الاجنبي لحماية نفسها من الاندفاعة الطائفية الشرسة لحزب الله .
لمن تخدم عسكرة لبنان ؟ دون ادنى شك انها تخدم ظاهرة شرذمة لبنان وهو وضع تريده اسرائيل كما تريده ايران وامريكا ، لذلك فان حزب الله ، وبعد إن امتلك صورة مبهرة بوطنيته وشجاعته وبعد إن استثمر هذا الابهار في تحقيق اهداف مدمرة للبنان والاقطار العربية ، ومنها تجميل صورة ايران كلما ارتكبت جريمة في العراق أو غيره ، فقد بريقه ودخل نفق الانعزال عن الكتل الاساسية من الجماهير العربية التي استيقظت من حلم الانتصار لتجد انه انتصار جيّر لخدمة ايران من اجل إن تحتل العراق – بمشاركة امريكية مباشرة - وتمزقه وتمزق بقية الاقطار العربية .
6 – مآسي الدور الايراني في العراق : ولكي يتذكر عهار الضمير العرب معاني اللغة العربية نكرر ما يلي من اجل ان تبقى جرائم ايران ماثلة امام ضمير كل عربي كجرائم امريكا والكيان الصهيوني : ان اعتراف محمد علي ابطحي نائب الرئيس الايراني بانه ( لولا المساعدة الايرانية لما نجحت امريكا بغزو افغانستان والعراق ) هو تصريح يجعل الفشل الامريكي حتميا في غزو البلدين اذا امتنعت ايران عن تقديم المساعدة ، انه فعل شرطي ف( لولا ) هذه تعني انه لو ان ايران لم تقدم الدعم والمساعدة لامريكا لما نجح الغزو لكل من افغانستان والعراق . هل يدرك الاسلامويين المصري والتونسي والناصروي المصري معنى هذا ؟ انه يعني رسميا وواقعيا ان ايران هي الشريك الاول والاهم لامريكا في غزو العراق . ان السؤال المترتب على ذلك هو : هل غزو العراق وتدميره ومحاولة تقسيمه واستشهاد مليون ونصف مليون عراقي ، وهو بقدر سكان غزة ، وتهجير ستة ملايين عراقي ، وهو رقم اكبر من اللاجئين الفلسطينيين في العالم كله ، ووجود مليون ارملة واربعة ملايين يتيم عراقي ، وتوفير ايران اداة مواصلة الغزو لامريكا ، وهي الاحزاب التابعة لها في العراق التي شكلت وتشكل الحكومة التابعة للاحتلال والعصابات المسلحة التي تقاتل المقاومة العراقية ، نقول هل غزو العراق هذا بكل كارثيته لا يضع ايران في موقع العدو الرئيسي ليس قبل امريكا والكيان الصهيوني بل معهما في صف واحد ومعسكر واحد ؟ اننا لا نكتشف عهر ضمير من يدعم ايران من العرب الا اذا نظرنا الى كارثة العراق والدور الايراني الخطير في التسبب بها ، لذلك من حق كل عراقي ان يتسائل بغضب تام : ما الذي جعل هؤلاء يتناسون العراق عمدا وليس صدفة او سهوا ، رغم ان غزو العراق اكبر كارثة حلت بالامة العربية منذ غزو فلسطين وهي كارثة مصممة لإكمال دفن فلسطين والبدء بدفن كافة الاقطار العربية ؟
حيلة عهار الضمير هؤلاء ، وهي تجاهل الدور الايراني في غزو العراق ، تسمح لهم بتقديم ايران كعدو لامريكا وقائد للصراع الستراتيجي فيها ، ومن ثم يمهد ذلك لاستقطاب كل معاد لامريكا والكيان الصهيوني الى جانب ايران وليس الى جانب من يقاتل امريكا فعلا وهي المقاومة العراقية ، وهذا هو احد اهم شروط مواصلة ايران سياستها الاستعمارية تحت غطاء كثيف من التضليل الذي يمارسه عرب في اللغة لكنهم فرس في الولاء حتى لو انحدروا من اصلاب عدنان وقحطان . وتضليل هؤلاء للراي العام هدفه ابقاء الدعم العربي لايران بدل ادانتها وعزلها بسبب جرائمها في العراق وغيره ، وهو ما يحصل الان بالضبط بمساعدة الاعلام العربي الرسمي ، خصوصا قناة الجزيرة وقناة العربية ، الذي يغيب المقاومة العراقية ولا يركز على العراق بما يتناسب مع حقيقة الوضع العراقي بل يهتم بقصة عتيقة جدا عمرها ثلاثة عقود ، وهو ما جعلها ( بايخة جدا ) ، وهي اقتراب ساعة ضرب ايران وتحشيد بعض الراي العام معها ضد امريكا ونشر خرائط وخطط عن طريقة ضرب ايران ، ومع ذلك لم تضرب ايران ، ورغم ذلك ، ولصلافة هذا الاعلام ، يبقى يكرر هذه النغمة بلا خجل مهني ، دعنا الان من ( الخجل ) الوطني ، ف( الحياء نقطة وليس جرة ) كما قالت العرب !
7 – أيهما اسوأ الا نظمة العربية ام ايران ؟ عهار الضمير العرب حينما يريدون تبرير دعمهم لايران يقولون انها افضل من الانظمة العربية التي تخدم امريكا وتطبع مع اسرائيل بينما ايران تقاوم امريكا واسرائيل وتدعم المقاومة في لبنان وفلسطين ، لذلك فان دعم ايران ضروري لعدم وجود نظام عربي يعتمد عليه في مواجه الكيان الصهيوني وامريكا ! هل هذا صحيح ؟ هل تختلف ايران عن الانظمة العربية من حيث الجوهر ؟
قبل كل شيء فان هذه الحيلة تستهدف طمر المقاومة العراقية وابعادها عن مساحة الرؤية لانها ، هي وليس ايران ، من تقاتل امريكا منذ سبع سنوات ، وهي وليس ايران من تخوض الصراع الرئيسي في العالم كله وليس في منطقتنا فقط ، ولذلك فان تعمد عهار الضمير العرب محاولة اقناع الراي العام بان هناك فقط الانظمة العربية وايران وبان العرب كلهم ممثلين بانظمتهم لا يقاومون امريكا والكيان الصهيوني لا يترك امام العرب خيار سوى دعم ايران مع انها تخوض حرب عض اصابع مع امريكا من اجل تقاسم النفوذ بينهما ، او لتغطية الطبيعة الاستعمارية لايران !
من الضروري تذكر حقيقة هي الابرز في الوضع العربي والاقليمي وهي ان النظام العربي الرسمي وايران وتركيا تتبنى ، من حيث الجوهر ، سياسة واحدة تجاه القضية الفلسطينية تقوم على الاعتراف بالكيان الصهيوني مقابل ما يسمى ( السلام ) ، وتجلى ذلك في المبادرة العربية في قمة بيروت والتي قبلتها الحكومات العربية ، اما ايران فان قبولها بحل الدولتين يقود تلقائيا وحتميا الى الاعتراف بالكيان الصهيوني ، ولا ضرورة لذكر ان تركيا لديها علاقات حميمة مع اسرائيل منذ قيامها وحتى الان . اذن اين الفرق الجوهري بين النظام الرسمي العربي وايران ؟
ان عدم نسيان هذه الحقيقة يفضي الى حقيقة اخرى بالغة الاهمية وهي ان تقسيم الانظمة والحكومات العربية والاقليمية الى حكومات رافضة او ممانعة واخرى خانعة تقسيم غير صحيح ، قدر تعلق الامر بطريقة حل الصراع العربي – الصهيوني ، والاختلاف الوحيد بين نظم الاقليم هو في الدرجة وليس في النوع . ان ايران مثلا اعلنت كما كان متوقعا استنادا الى تاريخ التعاملات الخمينية مع امريكا والكيان الصهيوني – هل تذكرون ايرانجيت ؟ - بانها لن تعارض حل الدولتين ، وهو نفس موقف الانظمة العربية بغض النظر عن خلافاتها هنا وهناك . بعد تحديد هذه الحقيقة لابد من التساؤل : ما معنى اعتبار ايران تخوض صراعا مع امريكا والكيان الصهيوني وانها افضل في موقفها من الانظمة العربية اذا كانت تقبل بحل الدولتين ؟
انها محاولة لاظهار ايران بانها مختلفة عن الانظمة العربية تجاه الكيان الصهيوني مع ان ذلك غير صحيح ، وهو امر يساعد على تحشيد عدد من العرب خلف ايران نتيجة رفض هؤلاء العرب لسياسات الانظمة العربية . اما القول بان ايران تمارس سياسة اذكى واصح من سياسات الانظمة العربية في تعاملها مع امريكا فهذا صحيح ، فايران دولة مستقلة دون ادنى شك وهي لديها مشروع قومي تعمل على تنفيذه بكافة الطرق الميكيافيلية ، وهي تتقدم علميا وتكنولوجيا والانظمة العربية تتراجع ، ولكن ما صلة هذا بتبرئة ايران من سياساتها الاستعمارية ؟ ان اسرائيل اكثر تقدما من ايران فهل يسوغ ذلك دعمها ؟
8 – من هو بطل سايكس بيكو الثانية ؟ من الواضح تماما الان وبعد ثلاثة عقود على الانقلاب ضد الشاه ان نظام خميني وخامنئي هو الاداة الرئيسية التي نجحت في تنفيذ خطة امريكية صهيونية قديمة ومعروفة هي تقسيم الاقطار العربية على اسس طائفية ودينية وعرقية ، وهي خطة ايران ايضا . لقد حصل تلاق ستراتيجي خطير بين مخططات هذه الاطراف الثلاثة ، وبدا العمل الجدي والفعال بينها لتقسيم الاقطار العربية مباشرة بعد وصول خميني للسلطة بدعم غربي كامل وواضح ، عبر تغيير قواعد الصراع الاقليمي التقليدية . ان الاجابة على السؤال التالي هي التي تحدد الدور الايراني فيما يسمى ب ( سايكس – بيكو الثانية ) : لم لم تنجح فرنسا وبريطانيا اثناء عز امبراطوريتهما في اشعال فتن طائفية في الاقطار العربية ؟ ولم فشلت بعدهما امريكا وفشل الكيان الصهيوني في تحقيق نفس الهدف رغم تسخير امكانات هائلة من اجل ذلك ؟ ومن نجح في تنفيذ مخطط شرذمة العرب وغير طبيعة الصراع في الاقليم كله ؟
لقد فشلت القوى الاستعمارية الغربية والصهيونية في اثارة الفتن الطائفية لانها دول معادية رسميا وتنتمي لديانات اخرى لدى العرب حصانة طبيعية ضدها ، فالعرب والغرب والصهاينة في حالة صراع عدائي منذ احتلال فلسطين ، ولا توجد امكانية لوجود قاسم مشترك بينهم يسمح بتغلغل الغربيين والصهاينة في صفوف العرب وتقسيم اقطارهم بعد تقسيم وطنهم العربي في سايكس – بيكو الاولى . اما ايران فانها بلد اسلامي تجمعنا معه الثقافة الاسلامية والتاريخ المشترك لذلك فان امكانية ممارستها لتأثير على بعض العرب ممكن ، كما ان وجود الطائفية يعد وسيلة اخرى للتغلغل الايراني وزرع الفتن ، من هنا يمكن فهم لم نجح خميني في تحقيق انقلاب اقليمي خطير بعد حصول الانقلاب في ايران ، حيث كان الصراع الاقليمي قبل خميني هو الصراع العربي – الصهيوني ، اما بعد صعود خميني فانه اصبح الصراع العربي – الفارسي ، وما الحرب التي فرضتها ايران على العراق الا مقدمة لذلك الصراع الجديد . ووسعت ايران دائرة الصراع باشعال فتن طائفية لم تكن موجودة ، وهكذا تحرر الكيان الصهيوني من مخاطر صراعه مع العرب والذي ملأ العقود السابقة لصعود خميني ، وتحرر الغرب الاستعماري من ضغط حركة التحرر الوطني العربية التي ارهقت الاستعمار .
اذن خميني ونظامه احدثا انقلابا لصالح الصهيونية والغرب في منطقتنا ولولا ايران الملالي لما امكن حدوثه ، وهو انقلاب مهد الطريق لتدشين مرحلة جديدة في الوطن العربي تتميز باشتعال فتن طائفية داخل الاقطار العربية لعبت ايران الدور الحاسم في اشعالها وبدعم امريكي صهيوني كامل ، ويضاف لذلك نجاح الغرب في اثارة فتن عرقية مثل التمرد الكردي في شمال العراق وغيرها .
مفارقات ذات مغزى
وثمة عنصر اخر للتلاقي الصهيوني – الفارسي : فالصهيونية والغرب يستخدمان ورقة الاسلام لعزلنا نحن العرب - وليس الفرس رغم انهم مسلمين - عن العالم ، والصفوية الفارسية تكمل هدف اضعافنا باستخدام الاسلام لتقسيمنا من الداخل طائفيا الى شيعة وسنة . اسئلوا انفسكم : قبل وصول خميني للسلطة هل كنتم تسمعون بوجود صراعات طائفية بين المسلمين خصوصا في الاقطار العربية ؟
وهناك مفارقة مذهلة اخرى فالمشروع القومي الامبراطوري الايراني يخدم اسرائيل من وجه اخر لانه بالتهديدات الفارغة لاسرائيل التي يطلقها زعماء ايران ، مثل ازالة اسرائيل وجعل المشروع النووي الايراني مصدر قلق الكيان الصهيوني ، تعزز ايران احد شروط وحدة المجتمع الاسرائيلي لمواجهة الخطر الخارجي ( الاسلامي ) ، وهو توحد لا يتجه ضد ايران بل ضد العرب لان الاسلام ، من وجهة نظر صهيونية ، يعني العرب وليس ايران ، هل رأيتم : ايران تأكل الحصرم والعرب يضرسون !
ولا تتوقف مفارقات السياسات الايرانية عند هذا الحد فدعم ايران المقتصر على تنظيمات اسلاموية ( حماس والجهاد الاسلامي وحزب الله ) يخدم اسرائيل في جانب محدد وهو انه يدعم وجهة النظر الصهيونية القائمة على فكرة إن العرب يحاربون اليهود كديانة يكرهونها ، ومن ثم فان الصراع هو صراع اديان ، وليس صراع حقوق وطنية وقومية وقانونية ، وهذا بالضبط هو جوهر ما تريده اسرائيل منذ انشائها من اجل كسب تعاطف العالم معها ، لان العالم يقف ضد معاداة البشر على اساس دينهم أو اصلهم ، اما اذا كان الصراع بين العرب والكيان الصهيوني هو صراع من اجل حقوق ثابتة في الارض والوطن المغتصب فان اوساط كثيرة تدعم اسرائيل سوف تعيد النظر وتقبل بمنطق الحقوق والقانون .
صراع ديني ام صراع قومي ؟
ربما يقول البعض إن صراعنا مع اليهود صراع ديني وليس وطني وقومي ، وهذا القول خطير جدا وهو ما تريده اسرائيل وتعمل من اجله بكل طاقاتها ، لانه الممهد الطبيعي لفقداننا حقوقنا في فلسطين ، كيف ذلك ؟ وضحنا في الفقرات السابقة جانبا من الموضوع والان نوضح جانبا اخرا : إن واحدا من اهم الاسئلة المتعلقة بالصراع العربي – الصهيوني هو : هل كان هناك صراع يهودي – اسلامي رئيسي في التاريخ باستثناء فترة بدء الدعوة الاسلامية ؟ كلا لم يشهد تاريخ العرب حروبا اسلامية - يهودية منذ ساد الاسلام في الجزيرة العربية وغيرها ، بل عاش اليهود مكرمين مع العرب وبينهم وعوملوا كمواطنين عرب ديانتهم يهودية . وعلينا إن نتذكر حقيقة تاريخية ليس من صالحنا تناسيها أو اهمالها وهي إن اليهود عرب اصلا ودخلوا اليهودية وهم عرب ، وان اصلهم عرب وليس ساميين ، فالسامية اختراع غربي لا وجود له كما اثبت الدكتور احمد سوسة في كتابه ( العرب واليهود في التاريخ ) . الصهيونية هي التي تحاول إن تحول الديانة إلى قومية .
ومن يعترض عليه إن يجيب على السؤال التالي : ماهي هوية اليهود قبل ظهور اليهودية ؟ انها هوية عربية فهم من ابناء الجزيرة العربية ولغتهم عربية ، تذكروا إن العربية كانت لغات عديدة وليس لغة واحدة ، منها لغة تسمى العبرية ، وبفضل تدوين القران بلغة اهل قريش سادت هذه اللغة وتحولت بقية اللغات العربية الى لهجات محلية . نعم مارس اليهود التقية ، وكانوا اول من مارسها في التاريخ المعروف ، ولكنها كانت تعبيرا عن خلافات دينية وليس قومية ، وهي من الجانب اليهودي فقط . من هنا فان السؤال المنطقي الذي يجب التعامل معه هو : لمصلحة من جعل صراعنا مع اليهود دينيا ؟ انه لصالح اسرائيل دون ادنى شك التي قامت على اساس ديني زائف من اجل تجميع يهود العالم واستخدامهم لاقامة كيان وكيل للاستعمار بدليل انها دولة علمانية وليست دولة دينية داخليا رغم انها دولة دينية خارجيا .
لقد قامت اسرائيل على اساس ديني يقول إن اليهود مضطهدون في العالم لذلك فهم بحاجة لوطن قومي يحميهم من العدوان ومجرد استخدام وصف ( وطن قومي ) ينفي الصفة الدينية ، لكن الصهيونية وان كانت تعد من قبل الصهاينة حركة اليهود القومية فانها استغلت اوضاع اليهود من اجل اقامة دولة قومية علمانية ، فحصلت الازدواجية البارزة في الكيان الصهيوني وهو انه كيان علماني في داخله لكنه كيان ديني في تعامله مع الخارج .
إن الفكرة الصهيونية هي محاولة للدمج بين الدين كاداة جذب لليهود إلى فلسطين المحتلة ، والعلمانية كاداة تعايش داخلية بين يهود من مختلف الايديولوجيات : ملحدون ، متطرفون اصوليون ، معتدلون ، ليبراليون ...الخ . وهذه الحقيقة تنسف فكرة إن اسرائيل دولة يهودية وتؤكد إن يهودية اسرائيل لها هدف اخر : طمر الحقوق الوطنية الفلسطينية بغبار واطيان ودماء حروب دينية مفتعلة من المستحيل إن تفهم أو تدحض اسبابها أو تغير ايديولوجياتها لانها دينية ميتافيزيقية يعتمد الايمان بها على القناعات وليس على الواقع أو الحقوق ، وهذه الحقيقة تجعل من المستحيل تحديد من هو صاحب الحق القانوني ومن هو صاحب الارض مادام المرجع الحاسم هو نصوص دينية متناقضة تمنح كل طرف حقا مقدسا .
وهذا هو السبب في الحرب المستمرة والشاملة والجدية التي تشنها الصهيونية ضد القومية العربية ، والتي تمثلت في تجربتين : تدمير تجربة عبدالناصر في مصر من قبل الغرب والصهيونية ، وتدمير تجربة صدام حسين في العراق بنفس التحالف الغربي الصهيوني مضافا اليه ايران . إن القومية العربية ، بحكم كونها حركة تحرر العرب ووحدتهم ، لا تنجر إلى حروب اديان وطوائف بل تركز اساسا وتهتم اساسا بالحقوق العربية المادية في الارض والمياه والسيادة ، وهي لذلك تفضح الطابع اللصوصي للصهيونية التي احتلت ارضا عربية وطردت العرب منها ، استنادا لوعود دينية زائفة ، فتحشد القومية العربية قواها حول هدف محدد دنيوي واضح له اسس قانونية واضحة ويمكن اثباتها . كما إن القومية العربية تسقط كليا اي مسألة تتعلق بالانتماءات الدينية والطائفية والاثنية للعرب ، وتهتم فقط بانتمائهم للامة ورابطة الامة ، وهي الرابطة الاساسية التي تشد كل العرب من المحيط إلى الخليج العربي .
وهنا يكمن السر الواضح الذي يفسر ظاهرة معروفة وهي إن الغرب الاستعماري والصهيونية قد ركزا قواهما وهجماتهما على القومية العربية ، وتجنبا شن حروب عل التيارات الاسلاموية التي تجد تشجيعا ودعما واضحا من الغرب ، سواء من خلال دعم انظمة عربية موالية للغرب للاسلامويين ، أو من خلال تشجيع الغرب ودعمه للقيادات الاسلاموية التي تعيش في الغرب ، بل انها تربت في الغرب ودعمت من قبله ، من منطلق إن التيارات الدينية خير مصد للشيوعية والقوى التحررية .
سيسجل التاريخ باحرف من نار ودموع العرب بان ايران الملالي قد اشعلت اخطر ما يواجهه العرب في العصر الحديث وهو الفتن الطائفية التي راينا في العراق صورتها وتجسيدها المأساوي ، انها هي من نشرت الطائفية وزرعتها في اقطار عربية لم تكن فيها طلاقا ، لقد خلخلت ايران الوحدة الوطنية لاقطار عربية واجبرت حركة التحرر العربية ضد الاستعمار والصهيونية على تغيير اتجاه بنادقها دفاعا عن النفس . ايران وليس غيرها بطائفيتها واموالها اشترت ولاء الكثير من العرب الجائعين ، وكأن تجويع الملايين كان متعمدا من اجل فسح المجال لتغيير الولاء الطائفي مقابل الملايين الايرانية التي غطت مدن الصفيح العربية ، وهنا تظهر العبقرية والحكمة والدهاء الايراني مقابل الغباء والانانية التي تميزالنظام الرسمي العربي !
يتبع
5 – تهجين المقاومة : إن من اخطر ما ادخلته المخابرات الايرانية من تشويهات على وعي بعض العرب ، مستغلة عقدة الهزيمة لديهم ، هو تهجين مفهوم المقاومة عبر تحويلها من وسيلة إلى هدف قائم بذاته ، بالإضافة لتشويه مفهوم مشروعية المقاومة ، من اجل استغلال اسمها في تجنيد بعض المثقفين والساسة العرب تحت شعار المقاومة . فكيف تم ذلك ؟
قبل الجواب من الضروري التذكير باحدى اهم الحقائق التي تحدد وظيفة حزب الله وهي إن المخابرات الايرانية تعرف جيدا إن نخبا عربية وطنية اصيبت باليأس نتيجة تعاقب هزائم العرب امام الكيان الصهيوني فصار الانتصار حلما رومانتيكيا يخجل المثقف عند الحديث عنه ، وحينما جاء (النصر ) على يد حزب الله – وابتدأ ذلك بتحرير جنوب لبنان واكتمل في حرب عام 2006 - وجدت هذه النخب فيه استجابة لاحلامها المحبطة ، وبما ( إن نصر حزب الله هو النصر العربي الوحيد ) كما روجت وتروج دعاية حزب الله وايران فان خوف النخب من فقدان هذا النصر ( اليتيم ) ، وهو ما يعيدها لحالة اليأس والاحباط ، يجعلها تتمسك بحزب الله وتدافع عنه بالحق وبالباطل ، وتقبل بكل ما يضمن بقاء الحلم حيا امامها حتى لو زورت مفاهيم المقاومة والحرب والسلام ! وتلك هي خطة المخابرات الايرانية التي يجب التنبه دائما اليها لتجنب الوقوع في فخ سايكولوجي – الشعور بالنقص - يقود إلى فخاخ اخطر منه ومنها فخ قبول مفاهيم غير منطقية وغير عملية وتتناقض مع الوعي السابق للمثقف العربي حول المقاومة .
لقد بدأت بالظهور ضرورة تحديد مسألة ( هل المقاومة غاية ام وسيلة ) بعد تحرير جنوب لبنان وعدم حصول تطور في فهم دور المقاومة اللبنانية لدى حزب الله ، اذ بدلا من الاعتراف بان القسم الجوهري والاعظم من الارض اللبنانية المحتلة قد تحرر وبقيت مزارع شبعا وقرية اخرى ، ومن ثم كان ضروريا جدا اعادة تحديد دور حزب الله والمقاومة في لبنان ، في ضوء ذلك التغيير ، فان حزب الله واصل العمل كحزب مقاوم رغم انتهاء مبرر المقاومة وهو الاحتلال ! وهذه ظاهرة غير مألوفة في تاريخ المقاومة في العالم كله ، حيث تنتهي المقاومة حالما تتحرر الارض ويطرد الاحتلال . لقد ناقشنا هذه المسالة في هذه الدراسة في الاجزاء السابقة ولذلك سنكتفي بتأكيد ما يلي : إن مواصلة العمل المسلح ضد الكيان الصهيوني من جنوب لبنان ، بعد تحرير الجنوب وتكرار اعلان حسن نصرالله إن تحرير فلسطين ليس واجب حزبه ، اصبحت وظيفته الاساسية ليس تحرير الارض بل اكمال بناء صورة ، من جهة ، وخلق بيئة اقليمية تحتاج اليها السياسات الايرانية في المنطقة من جهة ثانية . كيف ذلك ؟
كان حزب الله في نشأته واهدافه التي وضعتها ايران مباشرة ، كما وضحنا ، عبارة عن تنظيم اريد به صنع صورة مشرفة تبهر العرب الذين عاشوا مسلسل هزائم امام اسرائيل وامريكا ، ووظيفة الصورة المبهرة لحزب الله هي استقطاب اكبر عدد ممكن من العرب خصوصا النخب ، وتأطير احترامهم واعجابهم بحزب الله بصيغة تيار عربي يوجهه حزب الله بصورته المبهرة ، واهم اهداف التوجيه هو دعم ايران على اساس إن هذا الحزب مدعوم من قبل ايران وانتصاراته ما كانت ستحصل لولا الدعم الايراني المباشر والرسمي . اذن خلق صورة مبهرة لحزب الله كان الهدف الجوهري المطلوب اصلا ، وهو لذلك حتمية لابد منها لان صورة ايران ، التي كانت قد خططت مبكرا للتوسع الاقليمي على حساب العرب ، كانت معرضة للشيطنة والتبشيع بطريقة تعزل ايران عربيا وتخلق حصانه ضدها فتفشل في تنفيذ خططها الاستعمارية التوسعية على حساب العرب ، كما حصل لايران الشاه نتيجة توسعيتها على حساب العرب ، من هنا فان خلق صورة مبهرة ومحبوبة لحزب الله كان شرطا مسبقا لحماية ايران من النقد والمهاجمة من قبل العرب الذين يلاحظون انها تقوم باحتلالات وتنفذ فتن طائفية في الوطن العربي .
كيف تخلق صورة مبهرة لحزب الله ؟ بما إن اهم مقدسين لدى العرب في العصر الحديث هما فلسطين والاسلام اذن يجب استغلالهما بصورة مدروسة ومنظمة من اجل صنع صورة مبهرة ، ففلسطين حلم العرب التحرري استغل بالكامل من قبل ايران وذراعها حزب الله طوال زمن انتهى بتكرار الاعلان بان مهمة تحرير فلسطين ليست واجب حزب الله وانما المقاومة الفلسطينية اما واجب حزب الله فهو تحرير الاراضي اللبنانية المحتلة فقط ودعم المقاومة الفلسطينية . ومن جهة اخرى فان الاسلام هو الهوية التي اراد حزب الله ، متبعا نهج ايران ، إن يزرعها بعد اجتثاث العروبة والرابطة القومية من خلال افتعال تناقض وهمي بين الاسلام والعروبة . والاطار العام ، الذي يمكن إن ينجح ، لهذا الاستغلال هو ممارسة المقاومة المسلحة لا رفع الشعارات فقط كما فعلت الانظمة العربية ففقدت ثقة الجماهير بها .
ولكن المقاومة المسلحة انتهى مبررها ودافعها ومشروعيتها بتحرير جنوب لبنان وتحرير فلسطين ليس مهمة حزب الله ولا واجبه كما اكد هذا الحزب مرارا ، فكيف يمكن ابقاء حزب الله مبهرا وزيادة الاعجاب به ؟ الجواب هو : بما إن حربا تأهيلية مثل حرب عام 2006 لم تعد ممكنة عمليا من وجهة نظر إيرانية ، فان البديل هو مواصلة المقاومة ولكن بصيغة استعراضية تبقي الانبهار الجماهيري والنخبوي ، عن طريق عمليات خطف وإثارة أزمات منضبطة مع الكيان الصهيوني أهدافها محدودة جدا تتعلق بإطلاق سراح أسير أو مبادلة جثث ليس إلا ، وفي نهاية الازمة يقدم عرض هولي وودي ، فني وراق ومبهر بإعداده وتنفيذه ، للحدث الثانوي بحيث يتحول سيكولوجيا إلى حدث طاغ يسحر المشاهد وربما يعوض عن ، ويغطي على ، مسالة قيمة الحدث الاصلي وضرورته . ولقد جاءت تجربة هولوكوست غزة ( في نهاية 2008 وبداية عام 2009 ) لتؤكد ذلك لانها وضعت حزب الله امام امتحان مر جدا اذ كان عليه تجاوز القيد الفولاذي ، الذي وضعته ايران لحركته وتمثل في منعه من اثارة ازمة خطيرة مع اسرائيل ، بقيامه بدعم غزة وشعبها بإطلاق صواريخه التي لا تعد إلا بالالاف ، لكنه لم يطلق رصاصة واحدة وانكر بشدة وقلق انه من اطلق بضعة صواريخ على شمال الكيان الصهيوني اثناء مجزرة غزة ، وهو ما أدهش من راهن على هذا الحزب وزرع في ضميره سؤالا مهما جدا وهو : ايهما اهم تحرير أسير أو مبادلة جثث واشعال ازمة ساخنة من اجل ذلك ، مع انها حالة انسانية يمكن تأجيلها ، ام تخفيف الضغط الاسرائيلي عن غزة بفتح جبهة من جنوب لبنان مع إن هذه ضرورة عاجلة جدا ولا يمكن تأجيلها ؟
ويمكن القول بثقة كاملة بان لعبة الابهار قد فقدت الكثير من عناصرها واصبحت معقدة جدا بالنسبة لحزب الله بعد حرب عام 2006 بسبب الاوامر الايرانية بعدم اثارة ازمة كبرى ، وكان فشلة في دعم غزة هو رصاصة الرحمة التي اطلقت على راس لعبة تحويل المقاومة من وسيلة تحرير الى هدف بحد ذاته لاجل مواصلة عملية تجميل وجه ايران كلما تشيطن وتبشع في العراق والمنطقة .
اذن فان مواصلة حزب الله لدوره كحزب مقاومة حتى بعد تحرير جنوب لبنان يقع في اطار خطة إيرانية تجعل من المقاومة هدفا وليس وسيلة من اجل اخفاء حقيقة عدم وجود مبرر للمقاومة بعد تحرير الجنوب ، ووظيفة الهدف هذا هو ليس تحرير ارض ، لانه لم تعد توجد ارض محتلة يريد حزب الله تحريرها ، بل ابقاء شعبية الاداة – حزب الله - وزيادتها كي تساعد بسمعتها الطيبة ايران على تحقيق غزواتها وتوسعها الاقليمي على حساب العرب ، خصوصا من خلال تحويل لبنان الى مقر ايراني رئيسي يضمن تحقيق الاتصال الجغرافي بين ايران ولبنان ، مرورا بالعراق وسوريا ، على اعتبار إن تلك المنطقة هي منطقة الانطلاق في تأسيس الامبراطورية الفارسية الجديدة .
ويقترن بسؤال هل المقاومة وسيلة ام هدف سؤال جوهري اخر وهو : هل كل مقاومة مشروعة ؟ ام إن المقاومة المشروعة هي التي تقوم على دافع وطني وقومي وانساني ؟ الجواب كما قدمته تجارب المقاومة لدى كل الشعوب هو إن مشروعية المقاومة تستمد اساسا من وجود عدوان واحتلال مسلح مما يفرض الرد عليه بالسلاح . وهنا نواجه مسألة معقدة جدا وخطيرة جدا فرضها نهج حزب الله وهي التي يلخصها السؤال التالي : هل توجد مقاومة ذات طبيعة طائفية في بلد لا تتعرض فيه الطائفة الى تطهير طائفي حقيقي كلبنان ؟ لقد شكل انتقال حزب الله من مقاومة الكيان الصهيوني الى محاولة فرض ارادته على لبنان كله ، مع انه حزب طائفي الهوية والتكوين ولا يمثل إلا جزء من لبنان ، ظاهرة خطيرة من المستحيل عدم الوقوف عند معانيها ونتائجها . اذ بعد إن تأهل حزب الله وطنيا بمقاتلة اسرائيل ، وبعد إن رسم صورة ايجابية له وحصل على دعم لبناني كبير ، اضافة للدعم العربي والعالمي ، وبعد إن امتلك قوة عسكرية ضخمة تفوق قوة الجيش اللبناني بحجة المقاومة وضروراتها اثناء ممارستها ، شرع في صيف عام 2008 باستخدام قوته ونفوذه وقدراته العسكرية والمالية والسياسية ضد الشعب اللبناني ووحدة لبنان لنسف قاعدة وجود لبنان وهي التوافق .
إن احتلال بيروت في صيف عام 2008 كان تطورا حاسما في تاريخ حزب الله نقله من حزب مقاوم الى حزب مساوم بالنيابة عن ايران ، فسيطرته على لبنان ، أو على الاقل ضمانه للعب دور حاسم في تقرير توجهات لبنان ، كان جزء اساسيا من متطلبات الامن القومي الايراني وليس له صلة بامن لبنان أو مصالحها باي شكل من الاشكال ، وهي لعبة انكشفت ولم يعد هو قادرا على اخفاءها ، الامر الذي اجبر حسن نصر الله للاعلان رسميا ، عقب غزوه لبيروت ، انه حزب ولاية الفقية مع ما يعنيه هذا الاعتراف من تبعية تامة لايران وخدمة رسمية لمصالحها رغم إن هذه المصالح تتعارض مع مصالح لبنان والامة العربية .
هنا يظهر الجذر الخطير لمسألة المشروعية في عمل المقاومة ، فلئن كان حزب الله يمتلك المشروعية في مقاومة الاحتلال اثناء الغزو الاسرائيلي للجنوب فانه فقدها كليا ، وليس جزئيا ، بعد تحريره ، وبما انه حزب مصمم ومبني على اساس خدمة الستراتيجية الامبريالية الايرانية فقد تجاوز مفهوم الشرعية الضروري لاي مقاومة واضطر نتيجة لغياب المشروعية الى استخدام القوة المفرطة في صيف عام 2008 لابتزاز واخضاع الشعب اللبناني .
إن الدرس الكبير الذي قدمته تجربة ذلك الصيف الدامي هو إن المقاومة حالما تتحرك بدافع طائفي ستراتيجيا ، حتى وهي تقاتل احتلالا اجنبيا ، تفقد الهوية الوطنية ، التي اكتسبتها اثناء مقاتلة الاحتلال ، عندما تدخل مرحلة طرد الاحتلال وتعود الى جذرها الحقيقي وهويتها الحقيقية وهي هوية طائفية صرفة ، ولا تقتصر خطورتها على انها تفتت الوحدة الوطنية بل الاخطر انها طائفية مسخرة لخدمة اهداف ستراتيجية لدولة أجنبية ذات طبيعة قومية وليس طائفية ولا دينية .
إن النزعة الطائفية لحزب الله قد جعلته ، بحكم آليات وقوانين الانتماء الطائفي ، يتحول بسرعة شديدة الى حزب مثير للانقسامات ويصنع التشرذم في لبنان ويحيي ظاهرة عسكرة الطوائف في لبنان والتي توقفت عند انتهاء الحرب الاهلية اللبنانية في التسعينيات ، بعد إن اقتنعت كل الاطراف بان عسكرة الطوائف لا تخدم إلا هدف تقسيم لبنان ، لكن حزب الله ، بتسلحه الذي فاق تسلح الجيش اللبناني ، كما ونوعا ، وبغزوه لبيروت بصورة دموية مرعبة للراي العام اللبناني وبمحاولته ابتزاز الاطراف الطائفية الاخرى في المكون اللبناني ، ايقظ مارد عسكرة الطوائف في لبنان والذي نام بعد إن اتعبته الحرب الاهلية الطويلة والمدمرة ، ودفع الاطراف الاخرى للعودة إلى التسلح والاعتماد على الاجنبي لحماية نفسها من الاندفاعة الطائفية الشرسة لحزب الله .
لمن تخدم عسكرة لبنان ؟ دون ادنى شك انها تخدم ظاهرة شرذمة لبنان وهو وضع تريده اسرائيل كما تريده ايران وامريكا ، لذلك فان حزب الله ، وبعد إن امتلك صورة مبهرة بوطنيته وشجاعته وبعد إن استثمر هذا الابهار في تحقيق اهداف مدمرة للبنان والاقطار العربية ، ومنها تجميل صورة ايران كلما ارتكبت جريمة في العراق أو غيره ، فقد بريقه ودخل نفق الانعزال عن الكتل الاساسية من الجماهير العربية التي استيقظت من حلم الانتصار لتجد انه انتصار جيّر لخدمة ايران من اجل إن تحتل العراق – بمشاركة امريكية مباشرة - وتمزقه وتمزق بقية الاقطار العربية .
6 – مآسي الدور الايراني في العراق : ولكي يتذكر عهار الضمير العرب معاني اللغة العربية نكرر ما يلي من اجل ان تبقى جرائم ايران ماثلة امام ضمير كل عربي كجرائم امريكا والكيان الصهيوني : ان اعتراف محمد علي ابطحي نائب الرئيس الايراني بانه ( لولا المساعدة الايرانية لما نجحت امريكا بغزو افغانستان والعراق ) هو تصريح يجعل الفشل الامريكي حتميا في غزو البلدين اذا امتنعت ايران عن تقديم المساعدة ، انه فعل شرطي ف( لولا ) هذه تعني انه لو ان ايران لم تقدم الدعم والمساعدة لامريكا لما نجح الغزو لكل من افغانستان والعراق . هل يدرك الاسلامويين المصري والتونسي والناصروي المصري معنى هذا ؟ انه يعني رسميا وواقعيا ان ايران هي الشريك الاول والاهم لامريكا في غزو العراق . ان السؤال المترتب على ذلك هو : هل غزو العراق وتدميره ومحاولة تقسيمه واستشهاد مليون ونصف مليون عراقي ، وهو بقدر سكان غزة ، وتهجير ستة ملايين عراقي ، وهو رقم اكبر من اللاجئين الفلسطينيين في العالم كله ، ووجود مليون ارملة واربعة ملايين يتيم عراقي ، وتوفير ايران اداة مواصلة الغزو لامريكا ، وهي الاحزاب التابعة لها في العراق التي شكلت وتشكل الحكومة التابعة للاحتلال والعصابات المسلحة التي تقاتل المقاومة العراقية ، نقول هل غزو العراق هذا بكل كارثيته لا يضع ايران في موقع العدو الرئيسي ليس قبل امريكا والكيان الصهيوني بل معهما في صف واحد ومعسكر واحد ؟ اننا لا نكتشف عهر ضمير من يدعم ايران من العرب الا اذا نظرنا الى كارثة العراق والدور الايراني الخطير في التسبب بها ، لذلك من حق كل عراقي ان يتسائل بغضب تام : ما الذي جعل هؤلاء يتناسون العراق عمدا وليس صدفة او سهوا ، رغم ان غزو العراق اكبر كارثة حلت بالامة العربية منذ غزو فلسطين وهي كارثة مصممة لإكمال دفن فلسطين والبدء بدفن كافة الاقطار العربية ؟
حيلة عهار الضمير هؤلاء ، وهي تجاهل الدور الايراني في غزو العراق ، تسمح لهم بتقديم ايران كعدو لامريكا وقائد للصراع الستراتيجي فيها ، ومن ثم يمهد ذلك لاستقطاب كل معاد لامريكا والكيان الصهيوني الى جانب ايران وليس الى جانب من يقاتل امريكا فعلا وهي المقاومة العراقية ، وهذا هو احد اهم شروط مواصلة ايران سياستها الاستعمارية تحت غطاء كثيف من التضليل الذي يمارسه عرب في اللغة لكنهم فرس في الولاء حتى لو انحدروا من اصلاب عدنان وقحطان . وتضليل هؤلاء للراي العام هدفه ابقاء الدعم العربي لايران بدل ادانتها وعزلها بسبب جرائمها في العراق وغيره ، وهو ما يحصل الان بالضبط بمساعدة الاعلام العربي الرسمي ، خصوصا قناة الجزيرة وقناة العربية ، الذي يغيب المقاومة العراقية ولا يركز على العراق بما يتناسب مع حقيقة الوضع العراقي بل يهتم بقصة عتيقة جدا عمرها ثلاثة عقود ، وهو ما جعلها ( بايخة جدا ) ، وهي اقتراب ساعة ضرب ايران وتحشيد بعض الراي العام معها ضد امريكا ونشر خرائط وخطط عن طريقة ضرب ايران ، ومع ذلك لم تضرب ايران ، ورغم ذلك ، ولصلافة هذا الاعلام ، يبقى يكرر هذه النغمة بلا خجل مهني ، دعنا الان من ( الخجل ) الوطني ، ف( الحياء نقطة وليس جرة ) كما قالت العرب !
7 – أيهما اسوأ الا نظمة العربية ام ايران ؟ عهار الضمير العرب حينما يريدون تبرير دعمهم لايران يقولون انها افضل من الانظمة العربية التي تخدم امريكا وتطبع مع اسرائيل بينما ايران تقاوم امريكا واسرائيل وتدعم المقاومة في لبنان وفلسطين ، لذلك فان دعم ايران ضروري لعدم وجود نظام عربي يعتمد عليه في مواجه الكيان الصهيوني وامريكا ! هل هذا صحيح ؟ هل تختلف ايران عن الانظمة العربية من حيث الجوهر ؟
قبل كل شيء فان هذه الحيلة تستهدف طمر المقاومة العراقية وابعادها عن مساحة الرؤية لانها ، هي وليس ايران ، من تقاتل امريكا منذ سبع سنوات ، وهي وليس ايران من تخوض الصراع الرئيسي في العالم كله وليس في منطقتنا فقط ، ولذلك فان تعمد عهار الضمير العرب محاولة اقناع الراي العام بان هناك فقط الانظمة العربية وايران وبان العرب كلهم ممثلين بانظمتهم لا يقاومون امريكا والكيان الصهيوني لا يترك امام العرب خيار سوى دعم ايران مع انها تخوض حرب عض اصابع مع امريكا من اجل تقاسم النفوذ بينهما ، او لتغطية الطبيعة الاستعمارية لايران !
من الضروري تذكر حقيقة هي الابرز في الوضع العربي والاقليمي وهي ان النظام العربي الرسمي وايران وتركيا تتبنى ، من حيث الجوهر ، سياسة واحدة تجاه القضية الفلسطينية تقوم على الاعتراف بالكيان الصهيوني مقابل ما يسمى ( السلام ) ، وتجلى ذلك في المبادرة العربية في قمة بيروت والتي قبلتها الحكومات العربية ، اما ايران فان قبولها بحل الدولتين يقود تلقائيا وحتميا الى الاعتراف بالكيان الصهيوني ، ولا ضرورة لذكر ان تركيا لديها علاقات حميمة مع اسرائيل منذ قيامها وحتى الان . اذن اين الفرق الجوهري بين النظام الرسمي العربي وايران ؟
ان عدم نسيان هذه الحقيقة يفضي الى حقيقة اخرى بالغة الاهمية وهي ان تقسيم الانظمة والحكومات العربية والاقليمية الى حكومات رافضة او ممانعة واخرى خانعة تقسيم غير صحيح ، قدر تعلق الامر بطريقة حل الصراع العربي – الصهيوني ، والاختلاف الوحيد بين نظم الاقليم هو في الدرجة وليس في النوع . ان ايران مثلا اعلنت كما كان متوقعا استنادا الى تاريخ التعاملات الخمينية مع امريكا والكيان الصهيوني – هل تذكرون ايرانجيت ؟ - بانها لن تعارض حل الدولتين ، وهو نفس موقف الانظمة العربية بغض النظر عن خلافاتها هنا وهناك . بعد تحديد هذه الحقيقة لابد من التساؤل : ما معنى اعتبار ايران تخوض صراعا مع امريكا والكيان الصهيوني وانها افضل في موقفها من الانظمة العربية اذا كانت تقبل بحل الدولتين ؟
انها محاولة لاظهار ايران بانها مختلفة عن الانظمة العربية تجاه الكيان الصهيوني مع ان ذلك غير صحيح ، وهو امر يساعد على تحشيد عدد من العرب خلف ايران نتيجة رفض هؤلاء العرب لسياسات الانظمة العربية . اما القول بان ايران تمارس سياسة اذكى واصح من سياسات الانظمة العربية في تعاملها مع امريكا فهذا صحيح ، فايران دولة مستقلة دون ادنى شك وهي لديها مشروع قومي تعمل على تنفيذه بكافة الطرق الميكيافيلية ، وهي تتقدم علميا وتكنولوجيا والانظمة العربية تتراجع ، ولكن ما صلة هذا بتبرئة ايران من سياساتها الاستعمارية ؟ ان اسرائيل اكثر تقدما من ايران فهل يسوغ ذلك دعمها ؟
8 – من هو بطل سايكس بيكو الثانية ؟ من الواضح تماما الان وبعد ثلاثة عقود على الانقلاب ضد الشاه ان نظام خميني وخامنئي هو الاداة الرئيسية التي نجحت في تنفيذ خطة امريكية صهيونية قديمة ومعروفة هي تقسيم الاقطار العربية على اسس طائفية ودينية وعرقية ، وهي خطة ايران ايضا . لقد حصل تلاق ستراتيجي خطير بين مخططات هذه الاطراف الثلاثة ، وبدا العمل الجدي والفعال بينها لتقسيم الاقطار العربية مباشرة بعد وصول خميني للسلطة بدعم غربي كامل وواضح ، عبر تغيير قواعد الصراع الاقليمي التقليدية . ان الاجابة على السؤال التالي هي التي تحدد الدور الايراني فيما يسمى ب ( سايكس – بيكو الثانية ) : لم لم تنجح فرنسا وبريطانيا اثناء عز امبراطوريتهما في اشعال فتن طائفية في الاقطار العربية ؟ ولم فشلت بعدهما امريكا وفشل الكيان الصهيوني في تحقيق نفس الهدف رغم تسخير امكانات هائلة من اجل ذلك ؟ ومن نجح في تنفيذ مخطط شرذمة العرب وغير طبيعة الصراع في الاقليم كله ؟
لقد فشلت القوى الاستعمارية الغربية والصهيونية في اثارة الفتن الطائفية لانها دول معادية رسميا وتنتمي لديانات اخرى لدى العرب حصانة طبيعية ضدها ، فالعرب والغرب والصهاينة في حالة صراع عدائي منذ احتلال فلسطين ، ولا توجد امكانية لوجود قاسم مشترك بينهم يسمح بتغلغل الغربيين والصهاينة في صفوف العرب وتقسيم اقطارهم بعد تقسيم وطنهم العربي في سايكس – بيكو الاولى . اما ايران فانها بلد اسلامي تجمعنا معه الثقافة الاسلامية والتاريخ المشترك لذلك فان امكانية ممارستها لتأثير على بعض العرب ممكن ، كما ان وجود الطائفية يعد وسيلة اخرى للتغلغل الايراني وزرع الفتن ، من هنا يمكن فهم لم نجح خميني في تحقيق انقلاب اقليمي خطير بعد حصول الانقلاب في ايران ، حيث كان الصراع الاقليمي قبل خميني هو الصراع العربي – الصهيوني ، اما بعد صعود خميني فانه اصبح الصراع العربي – الفارسي ، وما الحرب التي فرضتها ايران على العراق الا مقدمة لذلك الصراع الجديد . ووسعت ايران دائرة الصراع باشعال فتن طائفية لم تكن موجودة ، وهكذا تحرر الكيان الصهيوني من مخاطر صراعه مع العرب والذي ملأ العقود السابقة لصعود خميني ، وتحرر الغرب الاستعماري من ضغط حركة التحرر الوطني العربية التي ارهقت الاستعمار .
اذن خميني ونظامه احدثا انقلابا لصالح الصهيونية والغرب في منطقتنا ولولا ايران الملالي لما امكن حدوثه ، وهو انقلاب مهد الطريق لتدشين مرحلة جديدة في الوطن العربي تتميز باشتعال فتن طائفية داخل الاقطار العربية لعبت ايران الدور الحاسم في اشعالها وبدعم امريكي صهيوني كامل ، ويضاف لذلك نجاح الغرب في اثارة فتن عرقية مثل التمرد الكردي في شمال العراق وغيرها .
مفارقات ذات مغزى
وثمة عنصر اخر للتلاقي الصهيوني – الفارسي : فالصهيونية والغرب يستخدمان ورقة الاسلام لعزلنا نحن العرب - وليس الفرس رغم انهم مسلمين - عن العالم ، والصفوية الفارسية تكمل هدف اضعافنا باستخدام الاسلام لتقسيمنا من الداخل طائفيا الى شيعة وسنة . اسئلوا انفسكم : قبل وصول خميني للسلطة هل كنتم تسمعون بوجود صراعات طائفية بين المسلمين خصوصا في الاقطار العربية ؟
وهناك مفارقة مذهلة اخرى فالمشروع القومي الامبراطوري الايراني يخدم اسرائيل من وجه اخر لانه بالتهديدات الفارغة لاسرائيل التي يطلقها زعماء ايران ، مثل ازالة اسرائيل وجعل المشروع النووي الايراني مصدر قلق الكيان الصهيوني ، تعزز ايران احد شروط وحدة المجتمع الاسرائيلي لمواجهة الخطر الخارجي ( الاسلامي ) ، وهو توحد لا يتجه ضد ايران بل ضد العرب لان الاسلام ، من وجهة نظر صهيونية ، يعني العرب وليس ايران ، هل رأيتم : ايران تأكل الحصرم والعرب يضرسون !
ولا تتوقف مفارقات السياسات الايرانية عند هذا الحد فدعم ايران المقتصر على تنظيمات اسلاموية ( حماس والجهاد الاسلامي وحزب الله ) يخدم اسرائيل في جانب محدد وهو انه يدعم وجهة النظر الصهيونية القائمة على فكرة إن العرب يحاربون اليهود كديانة يكرهونها ، ومن ثم فان الصراع هو صراع اديان ، وليس صراع حقوق وطنية وقومية وقانونية ، وهذا بالضبط هو جوهر ما تريده اسرائيل منذ انشائها من اجل كسب تعاطف العالم معها ، لان العالم يقف ضد معاداة البشر على اساس دينهم أو اصلهم ، اما اذا كان الصراع بين العرب والكيان الصهيوني هو صراع من اجل حقوق ثابتة في الارض والوطن المغتصب فان اوساط كثيرة تدعم اسرائيل سوف تعيد النظر وتقبل بمنطق الحقوق والقانون .
صراع ديني ام صراع قومي ؟
ربما يقول البعض إن صراعنا مع اليهود صراع ديني وليس وطني وقومي ، وهذا القول خطير جدا وهو ما تريده اسرائيل وتعمل من اجله بكل طاقاتها ، لانه الممهد الطبيعي لفقداننا حقوقنا في فلسطين ، كيف ذلك ؟ وضحنا في الفقرات السابقة جانبا من الموضوع والان نوضح جانبا اخرا : إن واحدا من اهم الاسئلة المتعلقة بالصراع العربي – الصهيوني هو : هل كان هناك صراع يهودي – اسلامي رئيسي في التاريخ باستثناء فترة بدء الدعوة الاسلامية ؟ كلا لم يشهد تاريخ العرب حروبا اسلامية - يهودية منذ ساد الاسلام في الجزيرة العربية وغيرها ، بل عاش اليهود مكرمين مع العرب وبينهم وعوملوا كمواطنين عرب ديانتهم يهودية . وعلينا إن نتذكر حقيقة تاريخية ليس من صالحنا تناسيها أو اهمالها وهي إن اليهود عرب اصلا ودخلوا اليهودية وهم عرب ، وان اصلهم عرب وليس ساميين ، فالسامية اختراع غربي لا وجود له كما اثبت الدكتور احمد سوسة في كتابه ( العرب واليهود في التاريخ ) . الصهيونية هي التي تحاول إن تحول الديانة إلى قومية .
ومن يعترض عليه إن يجيب على السؤال التالي : ماهي هوية اليهود قبل ظهور اليهودية ؟ انها هوية عربية فهم من ابناء الجزيرة العربية ولغتهم عربية ، تذكروا إن العربية كانت لغات عديدة وليس لغة واحدة ، منها لغة تسمى العبرية ، وبفضل تدوين القران بلغة اهل قريش سادت هذه اللغة وتحولت بقية اللغات العربية الى لهجات محلية . نعم مارس اليهود التقية ، وكانوا اول من مارسها في التاريخ المعروف ، ولكنها كانت تعبيرا عن خلافات دينية وليس قومية ، وهي من الجانب اليهودي فقط . من هنا فان السؤال المنطقي الذي يجب التعامل معه هو : لمصلحة من جعل صراعنا مع اليهود دينيا ؟ انه لصالح اسرائيل دون ادنى شك التي قامت على اساس ديني زائف من اجل تجميع يهود العالم واستخدامهم لاقامة كيان وكيل للاستعمار بدليل انها دولة علمانية وليست دولة دينية داخليا رغم انها دولة دينية خارجيا .
لقد قامت اسرائيل على اساس ديني يقول إن اليهود مضطهدون في العالم لذلك فهم بحاجة لوطن قومي يحميهم من العدوان ومجرد استخدام وصف ( وطن قومي ) ينفي الصفة الدينية ، لكن الصهيونية وان كانت تعد من قبل الصهاينة حركة اليهود القومية فانها استغلت اوضاع اليهود من اجل اقامة دولة قومية علمانية ، فحصلت الازدواجية البارزة في الكيان الصهيوني وهو انه كيان علماني في داخله لكنه كيان ديني في تعامله مع الخارج .
إن الفكرة الصهيونية هي محاولة للدمج بين الدين كاداة جذب لليهود إلى فلسطين المحتلة ، والعلمانية كاداة تعايش داخلية بين يهود من مختلف الايديولوجيات : ملحدون ، متطرفون اصوليون ، معتدلون ، ليبراليون ...الخ . وهذه الحقيقة تنسف فكرة إن اسرائيل دولة يهودية وتؤكد إن يهودية اسرائيل لها هدف اخر : طمر الحقوق الوطنية الفلسطينية بغبار واطيان ودماء حروب دينية مفتعلة من المستحيل إن تفهم أو تدحض اسبابها أو تغير ايديولوجياتها لانها دينية ميتافيزيقية يعتمد الايمان بها على القناعات وليس على الواقع أو الحقوق ، وهذه الحقيقة تجعل من المستحيل تحديد من هو صاحب الحق القانوني ومن هو صاحب الارض مادام المرجع الحاسم هو نصوص دينية متناقضة تمنح كل طرف حقا مقدسا .
وهذا هو السبب في الحرب المستمرة والشاملة والجدية التي تشنها الصهيونية ضد القومية العربية ، والتي تمثلت في تجربتين : تدمير تجربة عبدالناصر في مصر من قبل الغرب والصهيونية ، وتدمير تجربة صدام حسين في العراق بنفس التحالف الغربي الصهيوني مضافا اليه ايران . إن القومية العربية ، بحكم كونها حركة تحرر العرب ووحدتهم ، لا تنجر إلى حروب اديان وطوائف بل تركز اساسا وتهتم اساسا بالحقوق العربية المادية في الارض والمياه والسيادة ، وهي لذلك تفضح الطابع اللصوصي للصهيونية التي احتلت ارضا عربية وطردت العرب منها ، استنادا لوعود دينية زائفة ، فتحشد القومية العربية قواها حول هدف محدد دنيوي واضح له اسس قانونية واضحة ويمكن اثباتها . كما إن القومية العربية تسقط كليا اي مسألة تتعلق بالانتماءات الدينية والطائفية والاثنية للعرب ، وتهتم فقط بانتمائهم للامة ورابطة الامة ، وهي الرابطة الاساسية التي تشد كل العرب من المحيط إلى الخليج العربي .
وهنا يكمن السر الواضح الذي يفسر ظاهرة معروفة وهي إن الغرب الاستعماري والصهيونية قد ركزا قواهما وهجماتهما على القومية العربية ، وتجنبا شن حروب عل التيارات الاسلاموية التي تجد تشجيعا ودعما واضحا من الغرب ، سواء من خلال دعم انظمة عربية موالية للغرب للاسلامويين ، أو من خلال تشجيع الغرب ودعمه للقيادات الاسلاموية التي تعيش في الغرب ، بل انها تربت في الغرب ودعمت من قبله ، من منطلق إن التيارات الدينية خير مصد للشيوعية والقوى التحررية .
سيسجل التاريخ باحرف من نار ودموع العرب بان ايران الملالي قد اشعلت اخطر ما يواجهه العرب في العصر الحديث وهو الفتن الطائفية التي راينا في العراق صورتها وتجسيدها المأساوي ، انها هي من نشرت الطائفية وزرعتها في اقطار عربية لم تكن فيها طلاقا ، لقد خلخلت ايران الوحدة الوطنية لاقطار عربية واجبرت حركة التحرر العربية ضد الاستعمار والصهيونية على تغيير اتجاه بنادقها دفاعا عن النفس . ايران وليس غيرها بطائفيتها واموالها اشترت ولاء الكثير من العرب الجائعين ، وكأن تجويع الملايين كان متعمدا من اجل فسح المجال لتغيير الولاء الطائفي مقابل الملايين الايرانية التي غطت مدن الصفيح العربية ، وهنا تظهر العبقرية والحكمة والدهاء الايراني مقابل الغباء والانانية التي تميزالنظام الرسمي العربي !
يتبع
رد: المدافعون عن الاستعمار الايراني : من هم ؟ - صلاح المختار
تغييب المشروع القومي العربي
9 - ومن الحيل الخطيرة التي يمارسها الطابور الخامس الايراني في الوطن العربي حيلة انكار وجود مشروع قومي عربي وفشل العرب في تبني مشروع نهضوي عربي وتشرذمهم وعجزهم عن تحقيق حتى الحد الادنى من النجاح في كل المجالات ، مقابل تأكيد وجود مشروع ( أسلامي ايراني ) – لاحظوا يتعمدون اخفاء الطبيعة القومية للمشروع الايراني ويضفون عليه صفة اسلامية - واظهار نجاحاته السياسية والعلمية والتباهي بها مثلما حصل عند اعلان ايران تصنيع طائرة وصواريخ ، والهدف واضح جدا : تحقير الامة العربية وتعظيم الامة الفارسية طبقا لاهم ركائز الدعاية الايرانية التقليدية ! إن التدقيق في كتابات الطابور الخامس الايراني في الوطن العربي تؤكد هذه الملاحظة بسهولة ، والتي تعد امتدادا عضويا لصراع ثقافي عبر التاريخ خاضه مثقفو بلاد فارس مع العرب ، خصوصا حينما امتلكوا ادوات السلطة في العهد العباسي وصاروا بطانة الخليفة الاقرب ، حيث كان كتاب الفرس المقيمون في بغداد يكتبون ضد ( الجنس العربي ) بطريقة تحقيرية واضحة جدا مما اجبر العديد من الكتاب العرب على الرد عليهم ودحض نظرياتهم العنصرية حول العرب مثلما فعل الجاحظ .
ملاحظة جديدة مضافة : في مقال جديد للاسلاموي المصري ذاته يقدم لنا انموذجا واضحا ومعبرا عن هذه اللعبة الاستخبارية الايرانية ، فقد كتب يقول : ( في ختام السنوات العشر الأولى من القرن الجديد برزت في خريطة العالم العربي المعالم التالية : الغياب التام للمشروع العربي مع تنامي حضور المشروعين التركي والايراني . تراجع أولوية القضية الفلسطينية التي سلم ملفها الى الولايات المتحدة الأمريكية، الأمر الذي أطلق يد اسرائيل في الاستيطان والتهويد والاستعلاء. التهوين من شأن الخطر الاسرائيلي والدفع باتجاه ترشيح ايران لتنصيبها عدوا للعرب وخطرا أول يهدده.)
وهنا يجب الانتباه إلى ما يلي بدقة :
أ - انه يستخدم مصطلح - العالم العربي - وليس الامة العربية في انسجام واضح جدا مع خطة الغرب والصهيونية بانكار وجود امة عربية .
ب – إن الامة العربية ليس لديها مشروع نهضة قومي وانها لذلك تخلفت عن باقي العالم ، ويؤكد ذلك بعبارة ( الغياب التام للمشروع العربي ) وهو تأكيد سنرى كم هو مضلل .
ج – إن العرب هونوا من الخطر الاسرائيلي و( رشحوا ) ايران لتكون عدو العرب الاول الذي يهددهم !
هل هذا صحيح ؟ هل صحيح إن هناك ( غياب تام للمشروع العربي ) ؟ هل صحيح إن العرب هم من جعلوا ايران العدو الاول لهم ؟ لنتأمل المسالة كما هي في الواقع : ما تجب ملاحظته اولا هو إن استخدام مصطلح ( العالم العربي ) بدل الامة العربية من قبل الاسلاموي المصري ، وبأصرار وتكرار ، هو استخدام متعمد لمصطلحات قاموس الاستعمار والصهيونية والصفوية الفارسية التي تنفي وجود امة عربية أو قومية عربية وتريد اثبات وجود عالم عربي وليس امة عربية ، لان هذا المصطلح يظهر العرب كأنهم عالم متعدد الهويات القومية ، وليس فقط عالم مملوء بالتناقضات ، جمعته الصدفة الجغرافية وينفي وجود مقومات الامة فيهم ، كما جمعت الجغرافية امم فرنسا وايطاليا واسبانيا فاصبحت هذه البلدان تمثل عالما متعدد الهويات ! إن التضليل هنا يكمن في انه يتجاهل إن العرب يشكلون امة واحدة حتى لو كانت ممزقة بفعل عمل استعماري متعدد الاطراف وغارقة في الازمات والتناقضات ، والتي تؤكد بحدا ذاتها اننا امة واحدة ، لان عدم التوحد ووجود خلافات عميقة بين الانظمة العربية وتعقدها – بأي درجة ومستوى – لا ينفي الانتماء الواحد لامة واحدة في طور النضال من اجل وحدتها .
والدليل على انه يكتب بتنسيق ، مباشر أو غير مباشر ، مع غيره من كتاب عصر الاستعمار الجديد هو انه يكرر في مقاله هذا غياب الامة العربية وزوالها وانحطاطها ، وهو تصوير نجده بصورة مطابقة وسابقة له في كتابات الصهاينة واعمدة الغرب الاستعماري الذين يتعمدون استخدام مصطلح ( العالم العربي ) بدل الامة العربية منذ زمان المرحوم القائد جمال عبدالناصر وحتى الان ، حينما بدأت الحرب ضد الامة العربية ووحدتها تشتد وتتسع وتتشكل الجوانب السايكولوجية والثقافية والاجتماعية وغيرها في تلك الحرب الشاملة . بل لقد تذكرت وانا اقرأ هذا المقال مقال قرأته في بداية الثمانينيات للكاتبة الصهيونية الامريكية المعادية للعرب فلورا لويس والتي بشرت باندثار وزوال الامة العربية واستخدمت نفس المصطلحات والافكار التي استخدمها الاسلاموي المصري حرفيا . فما الذي يجمع هذا الاسلاموي والصهيونية فلورا لويس ؟ إن الاسلاموي المصري بموقفه هذا لا يكتب بعفوية ابدا وهو ليس قارئا بسيطا وعاديا يجهل الفرق بين العالم والامة كي نتجاهل ما يكتب ونتركه يمر ، بل هو احد من اعدوا اعداد ممتازا للتنكيل بالامة العربية والقومية العربية .
نأتي الان إلى حيلته الاخرى والتي تتمثل بقوله بان ( العرب هونوا من الخطر الاسرائيلي ) فمن الواضح انه ، كما هي عادته ، يحاول طمس موقف القوى الوطنية والمقاومة بابراز موقف الانظمة العربية ، والخلط المتعمد بينهما ، مع إن هذا الموقف لا يمثل الامة ولا قواها الوطنية . وربما لا يبرز التضليل إلا اذا تساءلنا : لم يتعمد استخدام مصطلح ( العرب ) ويتجنب استخدام مصطلح ( الانظمة العربية ) عندما يشير للموقف من الكيان الصهيوني ؟ إلا يشير هذا الاستخدام المتعمد والمضلل إلى انه يريد الاساءة للشعب العربي باتهامه بانه يتهاون مع الصهيونية أستنادا إلى مواقف الانظمة فقط ؟ إلا يؤكد ذلك انه يريد متعمدا اخفاء مناهضة القوى الوطنية ومقاومتها المسلحة للكيان الصهيوني ، والتي اشتدت ، ولم تظهر اي تهاون تجاه الكيان الصهيوني ؟ ولم يربط هذا التوصيف للعرب المحط لدورهم وشأنهم بتوصيف لايران يعظمها بعيون العرب بوضعها في موقع المتشدد تجاه الكيان الصهيوني ؟ اليس احد الاهداف هو استقطاب العرب المناهضين للصهيونية حول ايران من اجل دعمها والابتعاد عن القوى الوطنية العربية المقاتلة للصهيونية ؟
لقد تجاهل الاسلاموي المصري حقيقة بارزة ، يشكل التعتيم عليها موقفا خبيثا دون ادنى شك ، وهي إن هناك قوى الاغلبية المسحوقة والصامتة من الجماهير العربية التي ترفض تهوين الخطر الاسرائيلي ، بدليل فشل التطبيع الشعبي مع الكيان الصهيوني في مصر بشكل خاص رغم مرور عقود من الزمن على الاعتراف به ، كما إن معركة العراق منذ عام 1991 وحتى الان احد اهم محورين وسببين لها هو الدفاع عن فلسطين ورفض اي مساومة بشأنها .
وتقدم القضية التي اطلقت عليها تسمية ( خلية حزب الله في مصر ) انموذجا للتكتيك الايراني البالغ الخبث والقائم على افتعال اشتباكات مع انظمة عربية لها علاقات جيدة بالكيان الصهيوني من اجل تسويغ وتسويق ايران وحزب الله في الوطن العربي على اساس انهما يناهضان الانظمة المعترفة بالكيان الصهيوني ويحارباها في حين إن القوى السياسية العربية نائمة وقاصرة عن القيام بدروها في دعم المقاومة الفلسطينية أو مناهضة النفوذ الصهيوني ! بعد زوال البيئة الاقليمية والدولية التي تسمح بافتعال ازمة مع الكيان الصهيوني عقب حرب عام 2006 لاحظنا اللجوء لهذا التكتيك . فما هي قصة خلية حزب الله هذه ؟ إن الحاجة لابقاء الاستعراض الصاخب لحزب الله تشكل العنصر الاساسي للسياسة الايرانية في المنطقة لذلك امرت ايران حزب الله بالعمل لاجل تفجير ازمة مع النظام المصري الذي تعرض لحملات نقد شعبية قوية نتيجة موقفه من هولوكوست غزة فارادت ايران ان تفجر ازمة معه لاجل استقطاب الراي العام العربي الغاضب من الموقف الرسمي المصري ودفعه دفعا للاصطفاف مع ايران . هذا التكتيك ينفذ في وقت تصل فيه ايران الى قمة معاداتها للامة العربية من خلال الغزل الامريكي – الايراني وتصاعد لغة تقاسم المصالح في العراق وبقية الاقطار العربية ، كما قال علي لاريجاني رئيس مجلس الشورى الايراني وغيره اثناء تفجر خلية حزب الله .
وبما ان حزب الله قد استنفذ خيارات التصعيد مع الكيان الصهيوني بعد حرب عام 2006 نتيجة التهديد الامريكي – الصهيوني بان اي ازمة اخرى يفتعلها حزب الله مع الكيان الصهيوني سوف يكون الرد هو ضرب طهران وليس حزب الله ، فان ايجاد طريقة اخرى لتحشيد الناس خلف ايران ، رغم انها تدخل في مساومة واضحة مع امريكا وللتغطية على المساومة او تخفيف اثارها على الشعب العربي ، وهي العراك مع نظام يتعرض لنقد شعبي كبير بسبب موقفه من غزة هو النظام المصري . ان حساب المخابرات الايرانية كان كالاتي : اذا فجرنا ازمة بين حزب الله الداعم للمقاومة في فلسطين والنظام المصري واذا كان سبب الازمة هو دعم المقاومة ومساعدة غزة فان الراي العام العربي سوف يعزز دعمه لحزب الله ، وهو امر سوف يجير تلقائيا الى ايران فتصبح ايران مدافعة عن فلسطين ضد الصهاينة في حين ان مصر وبقية العرب يدعمون امريكا والكيان الصهيوني !
هذا هو الاطار الاستخباري لما سمي قضية خلية حزب الله في مصر ومن دون ادراكه سوف نقع في فخ ايران ونخدم هدفها الاستعماري التوأم للهدف الاستعماري الامريكي والصهيوني . ايران بحاجة مستمرة ، بقدر استمرارية جرائمها ضد الامة العربية ، لتجميل صورتها كلما مزقتها الجماهير العربية نتيجة افتضاح الدور الايراني اكثر عن عقد مساومات مع امريكا ، ان تزامن الحديث عن الصفقة وتحسن العلاقات الامريكية الايرانية وتعمق الغزل الايراني الامريكي مع تفجير قضية خلية حزب الله تزامن خطير ويحدد وظيفة هذه الازمة ويجب الانتباه اليه وعدم اهماله .
ايران طفل برئ !!!
اما معاداة ايران ، وهي هنا ( قدس اقداس ) هذا الاسلاموي ، فان العرب يرشحونها لمناصبتها العداء ( ! ) كما يقول ، مصورا ايران كطفل برئ مسالم لم يقم باي عمل يدفع العرب للرد عليه وانما العرب يعتدون عليه وهو مسكين يتحمل ولا يرد بصبر وحكمة اسلامية !!! لقد قمنا بتفنيد هذا الادعاء واثبتنا ، بالادلة والوثائق والمواقف ، إن ايران وليس العرب ( حكاما ومحكومين ) هي التي تعتدي وتتوسع وتحتل ارض العرب ، مثل الاحواز والجزر واراض ومياه عراقية ، ووصل عدوان ايران حد مشاركة امريكا في غزو العراق وتدميره وتعمد نشر الفتن الطائفية في الوطن العربي . وعلينا إن نتذكر ، اضافة لما تقدم ، إن العرب ، حكاما ومحكومين ، لم يرفعوا شعار نشر ( الثورة الاسلامية ) في ايران بل ايران هي من فعلت ذلك ، عندما قامت برفع شعار ( تصدير الثروة ) والذي هو ، رسميا وعمليا ، خطة لاسقاط كل الانظمة العربية ، وبلا تمييز ايديولوجي أو سياسي بينها إلا بقد ما يستوجب تكتيك القضم التدريجي للعرب ، وهي السياسة الرسمية الايرانية التي اشعلت الصراع الجديد مع العرب منذ الثمانينيات . ايران وليس العرب ، حكاما ومحكومين ، هي من قامت ، رسميا وعلنيا وعمليا ، بنشر الارهاب في الاقطار العربية منذ وصول خميني للسلطة ، وكانت هذه السياسة هي التي فجرت الحرب الايرانية ضد العراق ، وايران وليس العرب ، محكومين فقط ، هي من قامت بدعم غزو أمريكا للعراق وتدميره ونشر الفتن الطائفية . ماذا يريد الاسلاموي المصري اكثر من هذه الحقائق ليكف عن اتهام العرب بانهم من يريدون معاداة ايران أو انهم يعادونها بالفعل ؟
ملاحظة جديدة اخرى ربما تحرج الاسلاموي المصري : اخر افعال المسكينة البريئة ايران ، هي احتلال منطقة الفكة في العراق وهي منطقة نفطية عراقية ، رغم إن الحكومة في العراق عميلة لايران ! فهل يستطيع ، المتوافق مع فلورا لويس ، إن يوضح لنا كيف تكون ايران مسالمة والعرب يعتدون عليها بينما هي تدخل الاراضي العراقية علنا وتحتل منطقة نفطية وتدعي انها منطقة إيرانية ؟ وكيف نفهم قيام ايران بهذه الخطوة والعراق تحت الاحتلال الامريكي – لننسى الان انه ايضا تحت الاحتلال الايراني ؟ ما هي القيم والدوافع الي حركت ايران ( الاسلامية ) لتقوم بهذه الخطوة العدوانية على العراق ؟
اذن الاسلاموي المصري لا يترك مناسبة إلا ويحاول استغلالها للدفاع عن ايران وتبرئتها من جرائمها وتحميل العرب مسئولية محاربة ايران مع إن اي قطر عربي لم يحارب ايران ولم يستفزها بأي شكل ، بل إن كل الاقطار تريد حكوماتها تطبيع العلاقات مع ايران التي ترد بوقاحة عنصرية فريدة بالتدخل الفظ في شئونها الداخلية بطريقة خطيرة جدا كما يحصل في اليمن الان مثلا ، بل وصل ( الانفتاح ) على ايران من قبل نظم عربية حد دعوة الرئيس الايراني لحضور قمة خليجية !
وماذا عن مصر عبدالناصر وعراق البعث وصدام حسين ؟
نأتي الان إلى موضوع ( الغياب التام للمشروع النهضوي العربي ) هل هذا صحيح ؟ إن ما يسقط هذه الكذبة الساذجة هو تذكر تجربتين عظيمتين شهدتهما الامة العربية ، وهما تجربة جمال عبدالناصر في مصر وتجربة البعث وصدام حسين في العراق ، فلا احد حتى الاعمى ضميريا يستطيع انكار إن عبدالناصر حاول بناء تجربة نهضة عربية عظيمة ، ولذلك تمحور العالم حول مصر عبدالناصر ما بين صديق ومعاد ، وانتهت باسقاط التجربة بعد عمليات استنزاف منظمة تعرضت لها من الخارج نفذتها القوى الاستعمارية الغربية والصهيونية العالمية ، ومن الداخل ، وكان تيار الاسلاموي المصري هذا احد الجهات التي استنزفت مصر الناصرية . يكفي اي انسان شريف إن يتذكر عبدالناصر ليدرك انه كان صاحب مشروع قومي نهضوي اغتيل ولم يفشل . اما تجربة العراق النهضوية فهي اكبر من إن تخفى لان العدو المشترك ( امريكا والصهيونية وايران ) اتحد ضد عراق النهضة القومية ، والذي خرج اكثر من 300 الف حامل شهادة ماجستير ودكتوراه ، ومنهم 40 الف عالم في العلوم الصرفة ، وهم من اطلق عليهم ديفيد كي ، ضابط المخابرات الامريكية الذي كان رئيس فريق التفتيش النووي في العراق اثناء الحصار وبعد الغزو ، تسمية موحية في هذا الصراع المصيري وهي ( جيش العلماء والمهندسين ) ، وقال إن وجود هذا الجيش لدى العراق اخطر من امتلاكه قنابل ذرية .
وبسبب هذه النهضة العلمية والتكنولوجية والاجتماعية والثقافية الشاملة أصبح غزو العراق ، وتدمير قدراته البشرية المؤهلة علميا وتكنولوجيا والخادمة للاهداف الوطنية والقومية ، الهدف الستراتيجي الامريكي- الصهيوني الاول والاخطر ، بدليل إن الحرب ضد العراق ابتدأت في عام 1991 ومازالت مستمرة حتى الان ، وهي اطول واخطر واعقد واكثر تكلفة ماديا من الحرب العالمية الثانية ومن حرب فيتنام ومن اي حرب في التاريخ الانساني ، وهي التي اوصلت امريكا ، التي كانت تعد نفسها متفائلة وواثقة لاستعمار العالم كله بلا عوائق جدية ، إلى الفشل ، لان عراق البعث وصدام حسين كان لامريكا بالمرصاد فجرها إلى مستنقع مميت خنق مشروعها الاستعماري الكوني واجبرها على الانكماش والتراجع لتجنب تقسيمها ( امريكا ) وانهيارها . فهل تخوض قوى الشر الغربية والصهيونية حربا شاملة ومكلفة ومدمرة من اجل عراق ضعيف بلا مشروع عظيم عدته الصهيونية ، طبقا لاوديد ينون مثلا ، عدوها الاخطر ؟
إن عراق البعث وصدام حسين كان عراق النهوض العلمي والتكنولوجي العظيمين ، فحينما كانت ايران تزحف على بطنها تخلفا وتراجعا في ظل نظام الملالي كان العراق يطور ويصنع الصواريخ الستراتيجية ، التي هز بها نظرية وقاعدة الامن القومي الاسرائيلية باطلا ق 43 صاروخا ناشت قلب الكيان الصهيوني ، وليس اطرافه كما فعل حزب الله بصواريخ كاتيوشا التي تعد لعبة اطفال مقارنة بصواريح العراق ، كما إن العراق صنّع قمرا صناعيا كان على وشك الاطلاق عندما هوجم ، بل إن العراق اخترع طريقة ثالثة لتخصيب اليورانيوم وصنّع القداحة النووية ، ناهيك عن التصنيع المكثف لاسلحة تقليدية كدبابات بابل والاسد والمدفعية الثقيلة والمعدات المدنية ، ووصل الامر إلى حد إن العراق رشح من قبل الامم المتحدة في نهاية السبعينيات ليخرج من فئة الدول النامية ويدخل فئة الدول المتقدمة .
هذا المشروع القومي النهضوي العربي في العراق كان السبب الرئيسي لافتعال أزمات مع العراق لم تنتهي ومازالت مستمرة بعد غزوه وتدميره وجعل اغتيال علماءه وخبراءه الهدف الاول بعد الغزو واجتثاث البعث ، وهو واجب قامت به فرق موت اسرائيلية وايرانية وامريكية كما اصبح واضحا الان . وهنا يجب إن نشير بوضوح تام إلى إن فرق الموت الايرانية ، الحبيبة على قلب الاسلاموي المصري ، قامت بالدور الاشد قذارة وقسوة في تصفية العلماء والضباط والطيارين العراقيين . إن مجرد تدمير الدولة والمجتمع في العراق وعدم الاكتفاء باسقاط النظام الوطني يقدم الدليل الحاسم والقاطع على إن العرب كان لديهم مشروع نهضوي عظيم مرة في عهد القائد جمال عبدالناصر واخرى واخيرة في عهد البعث والشهيد صدام حسين والذي كان بحق شهيد المشروع النهضوي القومي العربي .
كما يجب التذكير بان صراعات حركة التحرر الوطني العربية في القرن الجديد هي امتداد وتكملة لصراعات القرن العشرين ، لذلك فان مسألة تغييب المشروع العربي هذه تعد احد اهم اعمدة السياسات الغربية الاستعمارية والصهيونية ، بعكس موقف هذه القوى من المشروع النهضوي القومي الايراني المدعوم من الغرب بقوة لانه من وجهة نظرهم الخصم العنيد للمشروع العربي .
اذن لم ينفي هذا الاسلاموي وبشكل تام وجود مشروع عربي مع انه موجود وكان تدميره هو اهم اهداف الصراع الجبار مع الصهيونية والاستعمار الغربي والاستعمار الايراني ؟ من الواضح انه منسجم مع خطة مشتركة إيرانية – امريكية – صهيونية هدفها اخلاء ساحة الاقليم من اي فضيلة أو انجاز أو دور فعال للعرب كي يبقي ايران والكيان الصهيوني وتركيا وحدها صاحبة انجازات ، ومن ثم وضع الجيل العربي الجديد امام خيارات كلها مدمرة ومنها :
أ- خيار دعم ايران رغم انها تنفذ مشروعا لا ينجح إلا على جثة الامة العربية ، تماما كالمشروع الصهيوني .
ب- أو قبول التطبيع مع اسرائيل والخضوع لها .
ج- أو قبول خيار طلب الحماية التركية للعرب ، وهو خيار لا يؤدي إلى تغييبهم فقط بل يحول الصراع إلى صراع طائفي على مستوى اقليمي ، على اعتبار ( إن تركيا السنية تقف بوجه ايران الشيعية ) ، وهو تصوير زائف لان لا ايران شيعية ، لانها دولة قومية ، ولا تركيا دولة سنية ، لانها رسميا دولة علمانية على الطريقة الغربية
.
10 – دعم حزب الله وليس دعم ايران : وثمة حيلة اخرى بارزة وهي التخلي عن الدفاع عن ايران ، عندما يحرج المدافع عن ايران ، ويتمسك بالدفاع عن حزب الله ويقول دعنا الان من ايران نحن ندعم حزب الله لانه ( يحارب اسرائيل ) ونحن مع من يحاربها . وهذه الحيلة تستخدم عندما يجد الطابور الخامس نفسه عاجزا عن الدفاع عن ايران نتيجة بشاعة ووضوح جرائمها ضد العراق والامة العربية ، فيضطر لايجاد فصل مصطنع بين ايران وحزب الله ، ويقول ، بتساذج واضح وليس بسذاجة ، بان من الضروري فصل حزب الله عن ايران لانهما شيئان مختلفان ! لذلك لابد من طرح سؤال جوهري وهو : هل ممكن عمليا فصل حزب الله عن ايران ؟ لنناقش هذا الامر باختصار لاننا ناقشناه بالتفصيل .
ان حسن نصرالله اعلن رسميا بانه ( يتشرف بانه حزب ولاية الفقيه ) ، وهو أضافة لذلك الوكيل الرسمي لعلي خامنئي في لبنان ، فما معنى كل هذا عمليا ؟ ان الفهم الصحيح لطبيعة صلة حسن نصرالله بايران لا يمكن الا بالتذكير بجوهر ولاية الفقية ، فهذه النظرية تعد ولي الفقية ، وهو الان علي خامنئي ، اوجب بالطاعة من الانبياء ، وعدم تنفيذ اوامره تقذف بمن يقوم به في النار ، فقاعدة ولاية الفقية هي الطاعة التامة والعمياء لولي الفقيه . من يريد التوسع او التاكد من صحة مفهوم ولاية الفقيه عليه دخول أي شبكة موالية لايران مثل شبكة حزب الله سيجد توضيحا تاما لفكرة الطاعة التامة لولي الفقيه .
وثمة دليل اخر على استحالة مزاحمة ولي الفقيه في زعامته الفردية المطلقة هو انه لا يمكن اقالته من منصبه ، رغم وجود نص في الدستور الايراني يسمح نظريا بذلك ، ولكن عمليا هذا غير ممكن . استمعوا لما يقوله احد قادة ايران ردا على من لمح لاقال المرشد الاعلى اثناء الصراع على السلطة في ايران عقب الانتخابات الرئاسية : ( أعلن مسئول مقرب من الزعيم الأعلى الإيراني علي خامنئي اليوم الجمعة أنه لا يمكن إقالة هذا الأخير لأن شرعيته تأتي من الله ) واضاف هذا المسئول :
( مجلس الخبراء الذي اختار خامنئي للمنصب لا يستطيع إقالته ) قال مجتبى ذو النور ، وهو ممثل خامنئي في ( الحرس الثوري الإيراني ) أمام حشد لممثلي الزعيم الأعلى في الجامعات الإيرانية . اما لماذا لا يستطيع من يعين خامنئي اقالته فقد وضحه ذو النور في شبكة موجكامب على الإنترنت التي تدعم مير حسين موسوي خصم أحمدي نجاد فقال : ( أعضاء المجلس لا يعينون الزعيم الأعلى لكنهم يكتشفونه ولا يعني هذا أن بإمكانهم إقالته وقتما شاءوا ). .
ويقول المحللون إنه من الناحية النظرية يمكن لمجلس الخبراء المكون من 86 عضوًا إقالة خامنئي الذي وافق على
تعيينه كخليفة للخميني عام 1989 لكن من الناحية الواقعة فإن إجراء إقالة الزعيم الأعلى لم يحدث من قبل ، وقال ذو النور أمام الحشد بمدينة قم : " يأتي منصب الزعيم الأعلى في النظام الإسلامي وشرعيته من الله والنبي والأئمة الشيعة
ولا يكون الأشخاص هم من يمنحون الزعيم الأعلى الشرعية ، فلا يمكنهم إقالته وقتما شاءوا "، وفق هذ المفهوم فانه لا يهم رضاء الناس عن الزعيم الاعلى يقول ذو النور : " الزعيم الأعلى يجب أن يحاول أن يكون مقبولاً لدى الناس ، لكن شرعية الزعيم الأعلى تكون من السماء وقبوله يكون من الناس".. . المصدر مفكرة الاسلام في 13 / 11 / 2009
هل يذكركم هذا الكلام بنظرية اشاعت الظلم والقتل باسم الدين ؟
في القرون الوسطى سادت اوربا ( نظرية التفويض الالهي ) وهي نظرية تمنح رجال الدين حقا الهيا مطلقا في التصرف بالبشر وحكمهم واعدامهم ومصادرة اموالهم لانهم مخولين من الله بالقيام بكل شيء ! ما قاله مجتبى ذو النور هو تكرار حرفي ونصي لنظرية التفويض الالهي هذه لكنها تعود برداء ( اسلامي ) صفوي ، لتمنح خامنئي كما منحت خميني سلطة ديكتاتورية مطلقة في التحكم بالناس داخل وخارج ايران ، تجعل من يعارضه كافرا بصورة تلقائية ويستحق الموت ! وخامنئي وفقا لما قاله هذا القائد الايراني يملك سلطات اكبر من سلطات رجال الدين المسيحي في اوربا في القرون الوسطى لانه ليس مخول من الله فقط بل أيضا مخول من النبي والائمة الشيعة !
من هنا نفهم لم على حسن نصر الله وغيره تقبيل يد خامنئي كلما التقاه ، فهي قبلات ينال من يطبعها على يد خامنئي ( بركة الهية ) منه ، وهي تعبير غير مباشر عن طاعة الله لان طاعة ممثله في الارض هي طاعة لله . بعد هذا فان السؤال التالي يصبح تحصيل حاصل : هل يمكن لحسن نصر الله ان يخالف خامنئي او يتمرد عليه ؟ الجواب هو كلا ، لذلك راينا كل عمل يقوم به حزب الله يجير فورا لخدمة ايران ، وعلى من يريد التاكد من هذه الحقيقة ان يسترجع في ذاكرته الاحداث التي جرت .
11– وحدة المقولات الصهيونية الايرانية : انتم تكرهون ايران ! والبدعة الاخرى التي يرددها صحفي فلسطيني مقيم في اوربا في الدفاع عن ايران هي نفس البدع الصهيونية والامريكية ، اذ يقول في مقابلة مصورة موجودة لدينا ، بانكم تكرهون ايران لذلك تهاجمونها وانا لا اكره ايران ولا اريد مهاجمتها ! والمقصود بانتم هم ابناء العراق ومن ينتقد ايران بسبب مواقفها تجاه العراق والامة العربية .
ما معنى هذه النظرية الجديدة التي طرحها هذا الصحفي الفلسطيني التي تميزت مواقفه بالدفاع عن ايران حتى وهي تحتل العراق والاحواز والجزر وتنشر الفتن الطائفية ؟ قبل الاجابة لا بد من تذكر ما يلي :
أ – حينما هوجم البرجان في نيويورك في عام 2001 وغزت امريكا افغانستان والعراق وصعدت موجة مهاجمة امريكا كان السؤال الذي يردده جورج بوش : لماذا تكرهوننا ايها العرب والمسلمون ؟ وطبعا ان هذا السؤال والتساؤل الامريكي يقوم على اخفاء جبال من الهياكل العظمية للعراقيين والفلسطينيين الذين قتلوا نتيجة السياسات الامريكية ، وهو امر تجاهله بوش واضرابة وكانه غير موجود على الاطلاق وان كره العرب لامريكا ناتج عن مزاج عنصري او ديني خالصين !
ب – تقوم فكرة ( معاداة السامية ) على فرضية ان العالم ، ومنهم العرب ، يكره اليهود لانهم يهود ، في تجاهل تام للسياسات الصهيونية تجاه العرب ومنها احتلال فلسطين ، فالصهاينة كالادارة الامريكية ومن يصنع قرار الحرب في امريكا يعرفون انهم غزو فلسطين وقتلوا مئات الالاف من الفلسطينيين والعرب من مصر وسوريا والاردن والعراق ولبنان وغيرها ، واحتلوا اراض سورية ولبنانية ومصرية ، ومع ذلك يشعرون بالدهشة لوجود من يكرههم في الاوساط العربية !
والان يأتي احد ضحايا الصهيونية ليطبق هذه النظرية في الكراهية على موقفنا من ايران بالقول انكم تكرهون ايران ! ما الذي يجمع سايكولوجيا نخب امريكا والصهيونية وعرب وايرانيين يقولون لمن يتحاربون معهم انتم تكرهوننا ؟ ان الذي يجمعهم دون ادنى شك عقلية عنصرية استعلائية تقتل وتنهب من الاخر لانها تعتقد بان من حقها فعل ذلك وما تقوم به ليس عدوانا ولا اضطهادا لان الاخر قيمته متدنية ومتخلف ولا يستحق الحياة ، او انه لا يستطيع استغلال ما وهبه الله من ثروة فيأتي الاخر الذكي والافضل عقليا لاستغلالها ، وهو ما قاله مؤخرا جيمس ايكنز الذي كان سفيرا في السعودية في السبعينيات .
صاحبنا الفلسطيني مصاب بعقدة اسمها ( متلازمة ستوكهولم ) وهي عقدة تنشأ لدى ضحية الاختطاف الذي يتأثر بخاطفه فيصبح مؤيدا له بدل كرهه ، ونظرية انتم تكرهون ايران هي نتاج عقدة متلازمة ستوكهولم هذه ، حيث ان الاضطهاد الصهيوني له زرع فيه هذه العقدة التي تستبدل الحقد بالتعاطف مع مفاهيم العدو ومنها نظرية انتم تكرهون ايران !
هل حقا نحن ننطلق في موقفنا من ايران من الكره لها ؟ ان هذه النظرية متهافتة اكثر من النطريتين الامريكية والصهيونية القائمة على طرح سؤال : لماذا تكرهوننا ؟ ان من ينظر الى سياسات ايران تجاه العراق وبقية الاقطار العربية منذ وصول خميني للسلطة وحتى الان يدرك ان ايران هي التي تعتدي وتتوسع وتحتل وتقتل وتستفز العرب وليس العكس ، ونحن نتحدى صاحبنا الفلسطيني ان يقدم لنا حالة واحدة كان العرب فيها هم من يستفز ايران او يعتدي عليها . فقط على كل موضوعي ان يتامل مجريات الاحداث منذ وصول خميني للسلطة ويدقق فيها سيجد ان ايران تتبنى سياسة هجومية عدوانية توسعية تجاه العرب ، ولذلك فان العرب مضطرون للرد عليها دفاعا عن النفس وليس نتيجة كرها لها .
ان مقولة ( انتم تكرهون ايران ) هي نسخة من مقولة اولئك الذين يقولون ( انتم تكرهون امريكا ) و ( انتم تكرهون اليهود ) ، ولافرق اطلاقا لا في النص ولا في الروح ، التطابق مدهش وهو يكمل صورة التطابق الستراتيجي الامريكي الصهيوني الايراني في معاداة العرب واستهدافهم هوية ووجودا وثروات .
مطلع كانون الاول 2009
ملاحظة كتبت هذه الدراسة بين أيار/ مايو و آب / اوغست 2009 لكنها تركت مؤقتا ولم تنشر ، والان ننشرها بعد اضافة تصريحات ايرانية جديدة اطلقت في الاسابيع الماضية ، ووقوع احداث في ايران ولبنان وغيرهما اكدت ما ورد فيها .
12 – تعمد الدمج بين الشيعة وايران : لوحظ في العراق اولا إن من يهاجم ايران بسبب غزوها للعراق يرد عليه فورا بالقول انتم تكرهون ايران والشيعة، أو انتم تروجون للخطر الايراني والشيعي...الخ. وتوصلنا بعد بحث إلى إن هذا الربط المصطنع بين الشيعة العرب وايران هو من عمل المخابرات الايرانية ايضا، التي وجهت من يعمل في خدمتها بان يدافع عن ايران بالربط بينها وبين الشيعة العرب. ومؤخرا وصلت هذه البدعة الاستخبارية الايرانية إلى الارض الفلسطينية بفضل بركات وعمق (الصلة الستراتيجية) بين عناصر فلسطينية وايران، فقد نشر كاتب فلسطيني مغمور مقالا تبنته شبكة الجزيرة نت، وهو تبن ملفت للنظر، عنوانه يقدم صورة كافية لهذه الحيلة الايرانية وهو التالي : (في مقولة الخطر الشيعي الإيراني.. أين يكمنُ الخطر؟!). ان الربط بين ايران والشيعة العرب هدفه الأبعد ردع من يهاجم ايران خوفا من الاتهام بانه يهاجم الشيعة العرب! فلو ان النقد تركز على ايران لامكن قبوله لان ايران تمارس سياسة توسعية في العراق وغيره ودورها المكمل للدور الامريكي واضح جدا، ولكن ان يربط قسريا بين ايران والشيعة فان الناقد سوف يتردد كثيرا في القيام بنقده، وهنا يكمن الدور المخابراتي الايراني وحساسيته. ونتيجة لهذه الحيلة نجد بعض العرب يتقيد بعدم الدفاع عن ايران الا بعد ربطها بمعاداة الشيعة العرب او الشيعة بشكل عام، فمن يهاجم ايران، في هذه الحالة، يتهم بانه يهاجم الشيعة حتى لو كان من اقحاح الشيعة العلويين العراقيين المناهضين للاحتلال الامريكي الايراني للعراق، وهم يشكلون الاغلبية الصامتة في الوسط الشيعي العراقي.
وهنا مرة اخرى علينا الانتباه الى التماثل التام بين تكتيك المخابرات الايرانية هذا وتكتيك الحركة الصهيونية العالمية التي تقرن ايضا مهاجمة الصهيونية بمهاجمة اليهود من اجل توجيه تهمة (معاداة السامية) فورا وابتزاز من ينتقد الصهيونية ويفضح جرائمها! ان واجبنا يفرض علينا كشف هذه الحيلة ورفض الربط بين ايران والشيعة العرب عند الدفاع عن ايران والرد بحزم وقوة ومنطق على هذه الحيلة، خصوصا وان من يهاجم الشيعة العرب هم زمرة من الطائفيين السنة لا تمثل الا عددا ضئيلا يستمد حياته وقوته من جرائم ايران.
13 – محاربة ايران لدعم امريكا : والحيلة الاخرى تقول انتم تحاربون ايران لان امريكا تريد ذلك! وهذه الحيلة وظيفتها اخفاء عدة حقائق تكشفها عدة أسئلة منها :
أ- هل امريكا تحارب ايران حقا واين تحاربها؟ الجواب : كلا، الواقع يقول إن امريكا تتحالف مع ايران في العراق ضد المقاومة العراقية ومن اجل تمزيق العراق ومحو عروبته، وتتفق معها على نشر الفتن الطائفية في الوطن العربي.
ب- هل حقا إن الانظمة العربية تحارب ايران؟ الجواب : كلا، الانظمة العربية، خصوصا الاشد تبعية لامريكا، في حالات عديد تساعد ايران على نشر الفتن الطائفية بتبني موقف طائفي مضاد للطائفية الايرانية ومكمل لها، الامر الذي يساعد ايران – وامريكا والكيان الصهيوني أيضا - على تعظيم الصراع الطائفي، مع انه صراع مفتعل وثانوي، وتقزيم الصراع التحرري الوطني والقومي، مع انه الصراع الرئيسي والحقيقي، بالاضافة لحقيقة معروفة وهي إن من ساعد امريكا على غزو العراق انظمة عربية وليس ايران فقط.
ج - هل تحارب المقاومة العراقية ايران ارضاء لامريكا أو النظم العربية أم لان ايران تشارك امريكا في احتلال العراق فتحاربها كما تحارب امريكا وبترابط لا يجوز فصله ابدا؟ الجواب : ان المقاومة العراقية تحارب في إن واحد امريكا وايران ولاتفصل بينهما لانهما شريكان مترابطان في غزو وتدمير العراق شعبا وارضا ودولة ومجتمعا.
اذن حيلة إن المقاومة تحارب ايران ارضاء للنظم العربية أو امريكا هي جزء من آليات الدفاع الايرانية التي تستخدمها من اجل ابقاء خطتها التوسعية حية وقادرة على اختراق الجدران التي تقيمها القوى الوطنية العربية لمنع امتدادها الاستعماري.
14 – خنق المقاومة العراقية : تقوم الدعاية الايرانية التي ينفذها الطابور الخامس الايراني على هدف التعتيم على المقاومة العراقية وتشويه صورتها لان ذلك يسهل حرمانها من الدعم المعنوي العربي، او اضعافه، وتكون نتيجته الحط من شأنها ومن دورها وعندها يمكن توجيه ضربات للمقاومة العراقية من قبل الاحتلال الامريكي - الايراني، وسط صمت عربي شعبي، او على الاقل وسط صمت نخب مثقفة. إن السؤال التالي واجب الطرح : من يمارس مؤامرة الصمت والشيطنة على المقاومة العراقية؟ إن اكثر من يسيء للمقاومة العراقية ويحاول عزلها عن محيطها الشعبي العربي هي عناصر الطابور الخامس الايراني التي تعظم حزب الله وحماس، فتكسب تعاطف مناهضي الصهيونية والاحتلال، لكنها وبنفس الوقت تهمل المقاومة العراقية أو توجه لها تهما مسيئة، مثل انها تحولت إلى مقاومة طائفية فتحرمها من الدعم الشعبي أو بعضه على الاقل. وبطبيعة الحال فان ايران وان كانت تستفيد من هذه الدعاية في محاولة عزل المقاومة فان امريكا ايضا تحقق اعظم هدف لها وهو اضعاف الخطر الاكبر الذي يهدد احتلالها للعراق.
15 – ثمن بخس : حينما نقارن ما تدفعه ايران لقاء تحجيم الادانة العربية لها بسبب مشاركتها لامريكا في غزو العراق نلاحظ انه ثمن بخس، بضعة ملايين من الدولارات تدفع شهريا لمن يصمت من العرب على كارثة العراق، خصوصا بعض العناصر الفلسطينية، مع إن غزو وتدمير العراق هو اخطر ما تواجهه الامة العربية منذ غزو فلسطين، لانه الحلقة المركزية في المخطط الصهيوني – الامريكي لانهاء الامة العربية ومحو هويتها، على اعتبار إن العراق هو القلعة الاخيرة للقومية العربية. وهنا تكمن ظاهرة الانحطاط ليس الاخلاقي والوطني فقط بل أيضا الانحطاط التام للتفكير العقلاني والحساب المنطقي : فبين دعم مالي وسياسي تقدمه ايران لعناصر فلسطينية تستطيع به المناورة والمساومة لكنه لا يكفي لتغيير مجرى الصراع الستراتيجي، وهذه حقيقة لابد من الانتباه اليها، وبين القضاء على الثورة العراقية المسلحة، مع انها امل العرب في التحرر والتحرير بما في ذلك تحرير فلسطين، نجد إن الكاسب الاكبر هي ايران والصهيونية وامريكا والخاسر الاكبر هي الامة العربية وحركة التحرر الوطني العربية. إن الصمت على كارثة العراق ما هو إلا انتحار كل عربي وموته البطئ والمؤجل لكنه موت محتوم.
إن غنيمة ايران الاعظم هي غزو العراق وان فشل فتدميره، تماما كما تريد وكما خططت امريكا والكيان الصهيوني، لان العراق هو العقبة الاساسية التي تمنع التوسع الايراني غربا وتمنع التوسع الصهيوني في كل الاتجاهات وتمنع الامبريالية الامريكية من الابقاء على نفط العرب رهينة في يدها، لذلك فان الصمت على هذا الغزو يشكل اهم فرصة لايران – كما امريكا والكيان الصهيوني - كي تتنفس وتتحرك دون عوائق أو باقل العوائق، وتنفس ايران ومنحها فرصة مواصلة التحرك التدميري في العراق مشروط برشوة عناصر فلسطينية يستخدم اسمها للتمويه على مشاركة ايران لامريكا في غزو وتدمير العراق.
ويجب علينا الانتباه التام إلى حقيقة تحكم الموقفين الامريكي والصهيوني من ايران، فبالاضافة للغياب التام لاي توجه في مشروع ايران القومي، في زمن الشاه وزمن خميني - خامنئي، يتناقض جوهريا مع المشروعين الامريكي الامبريالي والصهيوني الاستيطاني، فإن ايران تعرف بانها حتى لو ارادت تبني مشروع يتناقض مع المشروعين المذكورين فانها عاجزة عن تحقيق اهدافها في فلسطين والمنطقة على حساب امريكا والصهيونية، لذلك فانها تقدم المال لشراء مناورات تقوم عناصر فلسطينية لصالح ايران من اجل إن تحقق ايران مكاسب في تقاسم النفوذ الاقليمي على حساب العرب. إن صمت عناصر فلسطينية على كارثة العراق، هو رشوة صريحة وعلنية بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، وهنا تظهر الاوجه الاخرى لخطورة اللعبة الايرانية مع عناصر فلسطينية وعربية.
16 – لم لم تضرب ايران؟ هناك من يقول بان امريكا لم تغزو ايران لانها عاجزة عن ذلك بفضل قوة ايران، وهنا نواجه لعبة إيرانية – امريكية - اسرائيلية تقدم لنا امريكا والكيان الصهيوني بمظهر العاجز عن مهاجمة ايران من اجل شلها ومنع (خطرها)، اذا افترضنا انها فعلا تشكل خطرا على امريكا والكيان الصهيوني. فهل صحيح إن امريكا بكل ماكنتها العسكرية وقدراتها التكنولوجية، التي تعد الافضل في العالم، لا تستطيع حرمان ايران من مصادر قوتها العسكرية الفائضة عن حاجتها؟
لنفترض لاغراض الجدل بإن امريكا غير قادرة على غزو شامل لايران، كما فعلت في العراق، نتيجة التورط الخطير في العراق والذي أستنزف قدرات امريكا بصورة خطيرة وحيّد خيار تحقيق نصر حقيقي او شن حرب اخرى، طيب غزوها مستحيل، ولكن هل هذا يعني عجز امريكا عن شن حرب صاروخية وجوية، ان ارادت، من اجل تدمير مصادر (الخطر) الايراني المزعوم إن كان هناك خطرا فعلا؟ الجواب هو كلا انها غير عاجزة وتستطيع تدمير المشروع النووي الايراني، بل والقدرة العسكرية الايرانية، بقصف جوي وصاروخي لعدة اسابيع كما فعلت مع العراق. هذه حقيقة أولى يجب الانتباه لها ويعرفها اي عسكري لديه اطلاع ولو بسيط على القدرات المقارنة بين امريكا وايران.
ولكن قد يرد البعض بالقول إن ايران سترد بقصف القوات الامريكية في العراق والخليج العربي وعلى منشأت النفط، وهو ما يردع امريكا! هل هذا صحيح؟ طبعا لا، فان بامكان امريكا ان تحبط اكثر هذه الهجمات الايرانية بفضل اسلحتها المتطورة المضادة للصواريخ من جهة، وقدرتها على تدمير البنى التحتية والمنشأت الاقتصادية الايرانية اذا ردت ايران على موجات القصف الجوي والصاروخي من جهة ثانية، وهذا امر تعرفه ايران وتتجنبه لانه سيخلق فوضى وتدهور الامن الايراني مما يسمح بتمردات داخلية كثيرة. وفي هذا السيناريو فان الخسائر متوقعة ومحسوبة لان امريكا لا تقوم بمناورة تدريبية بلا خسائر بل تنفذ مخططا امبرياليا شاملا لابد وان يتضمن خسائر محسوبة.
اذن لم لا تضرب امريكا أو الكيان الصهيوني ايران رغم مرور ثلاثة عقود على الصراع بينها؟ الجواب العملي وليس النظري هو مانراه في العراق وكل الاقطار العربية، فاولا، غزو العراق ما كان له إن ينجح لولا الدعم الايراني، كما اعترف قادة ايرانيون كثر وهو ما وضحناه، وبما إن غزو العراق هو الهدف الستراتيجي الامريكي الاول والاهم، كما اكدت تجربة غزو العراق وبدء الحرب منذ عام 1991 واستمرارها حتى الان، وهو اي تدمير العراق، ثانيا، الهدف الستراتيجي الصهيوني الاول كما اعترف شارون وعوديد ينون وغيرهما مرارا، فان ايران تنفذ سياسات تقدم خدمات ستراتيجية عظمى، وليس ثانوية، لامريكا والكيان الصهيوني تجعل شغبها ومطاليبها مهما كانت عالية ثمنا مقبولا لقاء تلك الخدمات الايرانية الخطيرة.
وعلينا إن لا ننسى الخدمة الستراتيجية الاخرى التي تقدمها ايران لامريكا والكيان الصهيوني وهي نشر الفتن الطائفية وهو ما وضحناه بالتفصيل سابقا، بعد إن فشلت كل القوى المعادية للامة العربية منذ بداية القرن الماضي كفرنسا وبريطانيا وامريكا ثم الكيان الصهيوني في اثارة اي فتنة طائفية كبيرة فجاءت ايران خميني لتحقق هذا الهدف الخطير والمشترك لكل من الصهيونية والغرب الاستعماري.
امريكا لا تريد ضرب ايران ليس لانها لا تستطيع ذلك بل لان ايران تلعب دورا خطير في الاقطار العربية وهو نشر الفتن الطائفية وشرذمة الاقطار العربية واستنزافها وتخويفها بالخطر التوسعي الايراني، والذي يخفي ويقزم الخطرين الامريكي والصهيوني وهما خطران قاتلان، وتلك شروط مسبقة تحتاج اليها امريكا لتعزيز وجودها وبيع المزيد من الاسلحة للعرب، كما يحتاجها الكيان الصهيوني لانها تشغل العرب بعدو اخر يستنزفهم ويدمر مصادر قوتهم فيرتاح من (الخطر العربي).
ولابد من الاخذ بنظر الاعتبار دروس تجربة الحرب التي شنتها ايران على العراق (بين عامي 1980 و1988) لاكمال الصورة الحقيقية لايران، ومنها استعداد ايران لاستخدام ما تملك من اسلحة لضرب الشعب العراقي، فاول من قصف بغداد والبصرة وبقية مدن العراق بالصواريخ والطائرات لم يكن امريكا ولا الكيان الصهيوني بل ايران خميني (ايران الاسلامية) وهو قصف حصد ارواح الاف العراقيين المدنيين الابرياء وهجر مئات الالاف منهم إلى مناطق اخرى من العراق! وهذه حقيقة معروفة وموثقة ويعرفها كل عراقي، خصوصا اهالي البصرة التي تعرضت لكارثة انسانية نتيجة القصف الايراني المتواصل لها طيلة ثمانية اعوام من الحرب. اذن امريكا لا ترى ان ايران القوية تشكل خطرا عليها او على الكيان الصهيوني لان ايران استخدمت وستستخدم قوتها ضد العرب وليس ضد امريكا والكيان الصهيوني، وهي حقيقة تضم في أحشاءها بنتها الطبيعية وهي حقيقة إن استخدام اسلحة نووية ضد العرب، اذا امتلكتها ايران، امر متوقع وحتمي، لان الاستعداد للقتل اذا توفر فان الوسيلة لا تهم ولا تغير المنهج والسلوك.
هنا يكمن سر عدم مهاجمة ايران على الاطلاق خلال ثلاثة عقود رغم كل التهديدات المتكررة، كما انها تفسر لم فرضت امريكا على ايران مقاطعة انتقائية بسيطة ولم تفرض امريكا حصارا شاملا، مثل الذي فرضته على العراق، وهو كفيل بتدهور قدرة ايران على الصمود؟ واخيرا وليس اخرا فان بقاء صراع اللصوص حول تقاسم الغنائم، بين امريكا والكيان الصهيوني من جهة وايران من جهة ثانية، يخدم ايران لانه يصورها وكأنها تعارك امريكا واسرائيل الامر الذي يسمح لبعض العرب بدعم ايران حتى وهي تحتل العراق والاحواز والجزر العربية وتريد احتلال البحرين وتنشر الفتن الطائفية بحجة انها تعارك امريكا والكيان الصهيوني! هل هذه حيل غامضة؟
واخيرا تبقى نقطة مهمة وهي : لو كانت ايران في حالة صراع حقيقي مع امريكا لكان ممكنا فهم، وليس قبول، هذا الولاء الاعمى من قبل الطابور الخامس لايران، اما وان ايران دولة محتلة لاراض عربية وتقوم بالدور الاسرائيلي والامريكي الاخطر وهو نشر الفتن الطائفية والمشاركة في الاحتلال الامريكي للعراق وتغيير الهوية العربية للاقطار العربية فان دعم ايران لا يمكن عده الا خيانة وطنية عظمى بالنسبة لذوي الاصول العربية.
17 – هل لايران مطامع في العراق والاقطار العربية؟ هناك من ينفي بصلافة مرتزق إن لايران مطامع في العراق والاقطار العربية حتى بعد غزو العراق وبروز الدور الايراني الخطير فيه. ويكفي هنا ان نشير بسرعة وايجاز إلى حقيقة يعرفها شعب العراق، وهي محاولة ايران بعد الغزو فرض مادة في الدستور الذي وضع اسسه بول بريمير، الحاكم الامريكي للعراق وقتها، تدعي وجود قومية رابعة في العراق ويجب الاعتراف بها وبحقوقها، وهي القومية الفارسية، بعد القومية العربية والقومية الكردية والقومية التركمانية، مع إنه لم تكن، ولم توجد، اقلية فارسية في العراق على الاطلاق!
إلا يشكل ذلك دليلا قاطعا على إن ايران تريد حشر، من ادخلتهم إلى العراق بالملايين بعد الغزو ومنحت قسما منهم الجنسية العراقية بواسطة الحكومة العميلة في بغداد وبمباركة امريكية رسمية، في قائمة العراقيين؟ اليس ذلك دليلا قاطعا على محاولة ايران تقسيم العراق، او على الاقل تذويب هويته العربية؟ إن افضل من كتب عن هذه القضية ذات الدلالات الكبيرة هي الكاتبة المبدعة عشتار اينانا المنشور في مدونتها.
18 – من تقاتل المقاومة العراقية؟ رغم إن اكثر من يدافعون عن ايران يعربون عن تأييدهم للمقاومة العراقية في الزوايا المظلمة أو عند الاحراج، لكنهم وهم يقولون انهم مع المقاومة العراقية، وبعضهم يعترف بانها هي التي تخوض معركة الحسم الرئيسية في الوطن العربي والعالم، يتجنبون كليا التطرق إلى حقيقة معروفة وثابتة ويعرفها كل عراقي وكل مطلع على ما يجري في العراق منذ الغزو وهي إن المقاومة لا تقاتل امريكا وشركائها الأوربيين فقط بل هي تقاتل اهم شريك لامريكا في الغزو وفي محاولات تكريس الاحتلال وهي ايران.
يجب ان نبرز وبقوة حقيقة ان هناك صراع دام تريد ايران وداعميها العرب اخفاءه وهو الصراع بين ايران والمقاومة العراقية، فمن يقول بان المقاومة العراقية تقاتل امريكا فقط واهم، او مرتزق لئيم، لان الحرب متعددة الاطراف وايران تشكل احد اهم طرفين يقاتلان المقاومة العراقية، ولذلك تجد المقاومة العراقية في ايران عدوا اشرس واخطر من امريكا من نواحي عديدة، منها ان قوات ايران في العراق اشد قسوة على العراقيين بشكل عام وعلى المقاومة بشكل خاص من الامريكيين، فالامريكي لديه ضوابط عسكرية تمنعه من تجاوز حدود الاوامر المركزية، كما انه ابن بيئة غربية تحكمها انظمة دستورية واضحة تجعل كل مسئول معرض للمسائلة، واخيرا فانه نتاج ثقافة براغماتية لا تحكمه احقاد دفينة على العراقيين – باستثناء قلة – ولذلك تحدد اهدافه بدقة عند التعامل مع العراقي الاسير لديه، حيث يتعرض للضغط والتعذيب ولكن بحدود مقررة سلفا.
اما الغازي الايراني فانه نتاج احقاد وثأرات تاريخية معقدة جدا، وهو ليس راغماتيا بل عقائديا ينطلق دائما من عقيدة عامة تحدد موقفه من العرب بشكل مسبق كاعداء تاريخيين، خصوصا العراقيين، لذلك فانه يتعامل معهم بقسوة لا حدود لها، وهي تقليد ايراني منذ حروب بلاد فارس القديمة مع العرب، حيث كان الاسرى العرب يعذبون بطرق بشعة منها تقطيع الاطراف وفقأ العيون وتمزيق الجسد بالات حادة. وبسبب هذه الحقيقة فان الاسرى العراقيين يتمنون ان لا يقعوا اسرى بيد ايران ويفضلون الاسر لدى القوات الامريكية. وقدمت ايران مشهدا بشعا هز ضمير العالم بل انه هز ضمير بعض من يؤيد ايران وهو مشهد اغتيال الر
9 - ومن الحيل الخطيرة التي يمارسها الطابور الخامس الايراني في الوطن العربي حيلة انكار وجود مشروع قومي عربي وفشل العرب في تبني مشروع نهضوي عربي وتشرذمهم وعجزهم عن تحقيق حتى الحد الادنى من النجاح في كل المجالات ، مقابل تأكيد وجود مشروع ( أسلامي ايراني ) – لاحظوا يتعمدون اخفاء الطبيعة القومية للمشروع الايراني ويضفون عليه صفة اسلامية - واظهار نجاحاته السياسية والعلمية والتباهي بها مثلما حصل عند اعلان ايران تصنيع طائرة وصواريخ ، والهدف واضح جدا : تحقير الامة العربية وتعظيم الامة الفارسية طبقا لاهم ركائز الدعاية الايرانية التقليدية ! إن التدقيق في كتابات الطابور الخامس الايراني في الوطن العربي تؤكد هذه الملاحظة بسهولة ، والتي تعد امتدادا عضويا لصراع ثقافي عبر التاريخ خاضه مثقفو بلاد فارس مع العرب ، خصوصا حينما امتلكوا ادوات السلطة في العهد العباسي وصاروا بطانة الخليفة الاقرب ، حيث كان كتاب الفرس المقيمون في بغداد يكتبون ضد ( الجنس العربي ) بطريقة تحقيرية واضحة جدا مما اجبر العديد من الكتاب العرب على الرد عليهم ودحض نظرياتهم العنصرية حول العرب مثلما فعل الجاحظ .
ملاحظة جديدة مضافة : في مقال جديد للاسلاموي المصري ذاته يقدم لنا انموذجا واضحا ومعبرا عن هذه اللعبة الاستخبارية الايرانية ، فقد كتب يقول : ( في ختام السنوات العشر الأولى من القرن الجديد برزت في خريطة العالم العربي المعالم التالية : الغياب التام للمشروع العربي مع تنامي حضور المشروعين التركي والايراني . تراجع أولوية القضية الفلسطينية التي سلم ملفها الى الولايات المتحدة الأمريكية، الأمر الذي أطلق يد اسرائيل في الاستيطان والتهويد والاستعلاء. التهوين من شأن الخطر الاسرائيلي والدفع باتجاه ترشيح ايران لتنصيبها عدوا للعرب وخطرا أول يهدده.)
وهنا يجب الانتباه إلى ما يلي بدقة :
أ - انه يستخدم مصطلح - العالم العربي - وليس الامة العربية في انسجام واضح جدا مع خطة الغرب والصهيونية بانكار وجود امة عربية .
ب – إن الامة العربية ليس لديها مشروع نهضة قومي وانها لذلك تخلفت عن باقي العالم ، ويؤكد ذلك بعبارة ( الغياب التام للمشروع العربي ) وهو تأكيد سنرى كم هو مضلل .
ج – إن العرب هونوا من الخطر الاسرائيلي و( رشحوا ) ايران لتكون عدو العرب الاول الذي يهددهم !
هل هذا صحيح ؟ هل صحيح إن هناك ( غياب تام للمشروع العربي ) ؟ هل صحيح إن العرب هم من جعلوا ايران العدو الاول لهم ؟ لنتأمل المسالة كما هي في الواقع : ما تجب ملاحظته اولا هو إن استخدام مصطلح ( العالم العربي ) بدل الامة العربية من قبل الاسلاموي المصري ، وبأصرار وتكرار ، هو استخدام متعمد لمصطلحات قاموس الاستعمار والصهيونية والصفوية الفارسية التي تنفي وجود امة عربية أو قومية عربية وتريد اثبات وجود عالم عربي وليس امة عربية ، لان هذا المصطلح يظهر العرب كأنهم عالم متعدد الهويات القومية ، وليس فقط عالم مملوء بالتناقضات ، جمعته الصدفة الجغرافية وينفي وجود مقومات الامة فيهم ، كما جمعت الجغرافية امم فرنسا وايطاليا واسبانيا فاصبحت هذه البلدان تمثل عالما متعدد الهويات ! إن التضليل هنا يكمن في انه يتجاهل إن العرب يشكلون امة واحدة حتى لو كانت ممزقة بفعل عمل استعماري متعدد الاطراف وغارقة في الازمات والتناقضات ، والتي تؤكد بحدا ذاتها اننا امة واحدة ، لان عدم التوحد ووجود خلافات عميقة بين الانظمة العربية وتعقدها – بأي درجة ومستوى – لا ينفي الانتماء الواحد لامة واحدة في طور النضال من اجل وحدتها .
والدليل على انه يكتب بتنسيق ، مباشر أو غير مباشر ، مع غيره من كتاب عصر الاستعمار الجديد هو انه يكرر في مقاله هذا غياب الامة العربية وزوالها وانحطاطها ، وهو تصوير نجده بصورة مطابقة وسابقة له في كتابات الصهاينة واعمدة الغرب الاستعماري الذين يتعمدون استخدام مصطلح ( العالم العربي ) بدل الامة العربية منذ زمان المرحوم القائد جمال عبدالناصر وحتى الان ، حينما بدأت الحرب ضد الامة العربية ووحدتها تشتد وتتسع وتتشكل الجوانب السايكولوجية والثقافية والاجتماعية وغيرها في تلك الحرب الشاملة . بل لقد تذكرت وانا اقرأ هذا المقال مقال قرأته في بداية الثمانينيات للكاتبة الصهيونية الامريكية المعادية للعرب فلورا لويس والتي بشرت باندثار وزوال الامة العربية واستخدمت نفس المصطلحات والافكار التي استخدمها الاسلاموي المصري حرفيا . فما الذي يجمع هذا الاسلاموي والصهيونية فلورا لويس ؟ إن الاسلاموي المصري بموقفه هذا لا يكتب بعفوية ابدا وهو ليس قارئا بسيطا وعاديا يجهل الفرق بين العالم والامة كي نتجاهل ما يكتب ونتركه يمر ، بل هو احد من اعدوا اعداد ممتازا للتنكيل بالامة العربية والقومية العربية .
نأتي الان إلى حيلته الاخرى والتي تتمثل بقوله بان ( العرب هونوا من الخطر الاسرائيلي ) فمن الواضح انه ، كما هي عادته ، يحاول طمس موقف القوى الوطنية والمقاومة بابراز موقف الانظمة العربية ، والخلط المتعمد بينهما ، مع إن هذا الموقف لا يمثل الامة ولا قواها الوطنية . وربما لا يبرز التضليل إلا اذا تساءلنا : لم يتعمد استخدام مصطلح ( العرب ) ويتجنب استخدام مصطلح ( الانظمة العربية ) عندما يشير للموقف من الكيان الصهيوني ؟ إلا يشير هذا الاستخدام المتعمد والمضلل إلى انه يريد الاساءة للشعب العربي باتهامه بانه يتهاون مع الصهيونية أستنادا إلى مواقف الانظمة فقط ؟ إلا يؤكد ذلك انه يريد متعمدا اخفاء مناهضة القوى الوطنية ومقاومتها المسلحة للكيان الصهيوني ، والتي اشتدت ، ولم تظهر اي تهاون تجاه الكيان الصهيوني ؟ ولم يربط هذا التوصيف للعرب المحط لدورهم وشأنهم بتوصيف لايران يعظمها بعيون العرب بوضعها في موقع المتشدد تجاه الكيان الصهيوني ؟ اليس احد الاهداف هو استقطاب العرب المناهضين للصهيونية حول ايران من اجل دعمها والابتعاد عن القوى الوطنية العربية المقاتلة للصهيونية ؟
لقد تجاهل الاسلاموي المصري حقيقة بارزة ، يشكل التعتيم عليها موقفا خبيثا دون ادنى شك ، وهي إن هناك قوى الاغلبية المسحوقة والصامتة من الجماهير العربية التي ترفض تهوين الخطر الاسرائيلي ، بدليل فشل التطبيع الشعبي مع الكيان الصهيوني في مصر بشكل خاص رغم مرور عقود من الزمن على الاعتراف به ، كما إن معركة العراق منذ عام 1991 وحتى الان احد اهم محورين وسببين لها هو الدفاع عن فلسطين ورفض اي مساومة بشأنها .
وتقدم القضية التي اطلقت عليها تسمية ( خلية حزب الله في مصر ) انموذجا للتكتيك الايراني البالغ الخبث والقائم على افتعال اشتباكات مع انظمة عربية لها علاقات جيدة بالكيان الصهيوني من اجل تسويغ وتسويق ايران وحزب الله في الوطن العربي على اساس انهما يناهضان الانظمة المعترفة بالكيان الصهيوني ويحارباها في حين إن القوى السياسية العربية نائمة وقاصرة عن القيام بدروها في دعم المقاومة الفلسطينية أو مناهضة النفوذ الصهيوني ! بعد زوال البيئة الاقليمية والدولية التي تسمح بافتعال ازمة مع الكيان الصهيوني عقب حرب عام 2006 لاحظنا اللجوء لهذا التكتيك . فما هي قصة خلية حزب الله هذه ؟ إن الحاجة لابقاء الاستعراض الصاخب لحزب الله تشكل العنصر الاساسي للسياسة الايرانية في المنطقة لذلك امرت ايران حزب الله بالعمل لاجل تفجير ازمة مع النظام المصري الذي تعرض لحملات نقد شعبية قوية نتيجة موقفه من هولوكوست غزة فارادت ايران ان تفجر ازمة معه لاجل استقطاب الراي العام العربي الغاضب من الموقف الرسمي المصري ودفعه دفعا للاصطفاف مع ايران . هذا التكتيك ينفذ في وقت تصل فيه ايران الى قمة معاداتها للامة العربية من خلال الغزل الامريكي – الايراني وتصاعد لغة تقاسم المصالح في العراق وبقية الاقطار العربية ، كما قال علي لاريجاني رئيس مجلس الشورى الايراني وغيره اثناء تفجر خلية حزب الله .
وبما ان حزب الله قد استنفذ خيارات التصعيد مع الكيان الصهيوني بعد حرب عام 2006 نتيجة التهديد الامريكي – الصهيوني بان اي ازمة اخرى يفتعلها حزب الله مع الكيان الصهيوني سوف يكون الرد هو ضرب طهران وليس حزب الله ، فان ايجاد طريقة اخرى لتحشيد الناس خلف ايران ، رغم انها تدخل في مساومة واضحة مع امريكا وللتغطية على المساومة او تخفيف اثارها على الشعب العربي ، وهي العراك مع نظام يتعرض لنقد شعبي كبير بسبب موقفه من غزة هو النظام المصري . ان حساب المخابرات الايرانية كان كالاتي : اذا فجرنا ازمة بين حزب الله الداعم للمقاومة في فلسطين والنظام المصري واذا كان سبب الازمة هو دعم المقاومة ومساعدة غزة فان الراي العام العربي سوف يعزز دعمه لحزب الله ، وهو امر سوف يجير تلقائيا الى ايران فتصبح ايران مدافعة عن فلسطين ضد الصهاينة في حين ان مصر وبقية العرب يدعمون امريكا والكيان الصهيوني !
هذا هو الاطار الاستخباري لما سمي قضية خلية حزب الله في مصر ومن دون ادراكه سوف نقع في فخ ايران ونخدم هدفها الاستعماري التوأم للهدف الاستعماري الامريكي والصهيوني . ايران بحاجة مستمرة ، بقدر استمرارية جرائمها ضد الامة العربية ، لتجميل صورتها كلما مزقتها الجماهير العربية نتيجة افتضاح الدور الايراني اكثر عن عقد مساومات مع امريكا ، ان تزامن الحديث عن الصفقة وتحسن العلاقات الامريكية الايرانية وتعمق الغزل الايراني الامريكي مع تفجير قضية خلية حزب الله تزامن خطير ويحدد وظيفة هذه الازمة ويجب الانتباه اليه وعدم اهماله .
ايران طفل برئ !!!
اما معاداة ايران ، وهي هنا ( قدس اقداس ) هذا الاسلاموي ، فان العرب يرشحونها لمناصبتها العداء ( ! ) كما يقول ، مصورا ايران كطفل برئ مسالم لم يقم باي عمل يدفع العرب للرد عليه وانما العرب يعتدون عليه وهو مسكين يتحمل ولا يرد بصبر وحكمة اسلامية !!! لقد قمنا بتفنيد هذا الادعاء واثبتنا ، بالادلة والوثائق والمواقف ، إن ايران وليس العرب ( حكاما ومحكومين ) هي التي تعتدي وتتوسع وتحتل ارض العرب ، مثل الاحواز والجزر واراض ومياه عراقية ، ووصل عدوان ايران حد مشاركة امريكا في غزو العراق وتدميره وتعمد نشر الفتن الطائفية في الوطن العربي . وعلينا إن نتذكر ، اضافة لما تقدم ، إن العرب ، حكاما ومحكومين ، لم يرفعوا شعار نشر ( الثورة الاسلامية ) في ايران بل ايران هي من فعلت ذلك ، عندما قامت برفع شعار ( تصدير الثروة ) والذي هو ، رسميا وعمليا ، خطة لاسقاط كل الانظمة العربية ، وبلا تمييز ايديولوجي أو سياسي بينها إلا بقد ما يستوجب تكتيك القضم التدريجي للعرب ، وهي السياسة الرسمية الايرانية التي اشعلت الصراع الجديد مع العرب منذ الثمانينيات . ايران وليس العرب ، حكاما ومحكومين ، هي من قامت ، رسميا وعلنيا وعمليا ، بنشر الارهاب في الاقطار العربية منذ وصول خميني للسلطة ، وكانت هذه السياسة هي التي فجرت الحرب الايرانية ضد العراق ، وايران وليس العرب ، محكومين فقط ، هي من قامت بدعم غزو أمريكا للعراق وتدميره ونشر الفتن الطائفية . ماذا يريد الاسلاموي المصري اكثر من هذه الحقائق ليكف عن اتهام العرب بانهم من يريدون معاداة ايران أو انهم يعادونها بالفعل ؟
ملاحظة جديدة اخرى ربما تحرج الاسلاموي المصري : اخر افعال المسكينة البريئة ايران ، هي احتلال منطقة الفكة في العراق وهي منطقة نفطية عراقية ، رغم إن الحكومة في العراق عميلة لايران ! فهل يستطيع ، المتوافق مع فلورا لويس ، إن يوضح لنا كيف تكون ايران مسالمة والعرب يعتدون عليها بينما هي تدخل الاراضي العراقية علنا وتحتل منطقة نفطية وتدعي انها منطقة إيرانية ؟ وكيف نفهم قيام ايران بهذه الخطوة والعراق تحت الاحتلال الامريكي – لننسى الان انه ايضا تحت الاحتلال الايراني ؟ ما هي القيم والدوافع الي حركت ايران ( الاسلامية ) لتقوم بهذه الخطوة العدوانية على العراق ؟
اذن الاسلاموي المصري لا يترك مناسبة إلا ويحاول استغلالها للدفاع عن ايران وتبرئتها من جرائمها وتحميل العرب مسئولية محاربة ايران مع إن اي قطر عربي لم يحارب ايران ولم يستفزها بأي شكل ، بل إن كل الاقطار تريد حكوماتها تطبيع العلاقات مع ايران التي ترد بوقاحة عنصرية فريدة بالتدخل الفظ في شئونها الداخلية بطريقة خطيرة جدا كما يحصل في اليمن الان مثلا ، بل وصل ( الانفتاح ) على ايران من قبل نظم عربية حد دعوة الرئيس الايراني لحضور قمة خليجية !
وماذا عن مصر عبدالناصر وعراق البعث وصدام حسين ؟
نأتي الان إلى موضوع ( الغياب التام للمشروع النهضوي العربي ) هل هذا صحيح ؟ إن ما يسقط هذه الكذبة الساذجة هو تذكر تجربتين عظيمتين شهدتهما الامة العربية ، وهما تجربة جمال عبدالناصر في مصر وتجربة البعث وصدام حسين في العراق ، فلا احد حتى الاعمى ضميريا يستطيع انكار إن عبدالناصر حاول بناء تجربة نهضة عربية عظيمة ، ولذلك تمحور العالم حول مصر عبدالناصر ما بين صديق ومعاد ، وانتهت باسقاط التجربة بعد عمليات استنزاف منظمة تعرضت لها من الخارج نفذتها القوى الاستعمارية الغربية والصهيونية العالمية ، ومن الداخل ، وكان تيار الاسلاموي المصري هذا احد الجهات التي استنزفت مصر الناصرية . يكفي اي انسان شريف إن يتذكر عبدالناصر ليدرك انه كان صاحب مشروع قومي نهضوي اغتيل ولم يفشل . اما تجربة العراق النهضوية فهي اكبر من إن تخفى لان العدو المشترك ( امريكا والصهيونية وايران ) اتحد ضد عراق النهضة القومية ، والذي خرج اكثر من 300 الف حامل شهادة ماجستير ودكتوراه ، ومنهم 40 الف عالم في العلوم الصرفة ، وهم من اطلق عليهم ديفيد كي ، ضابط المخابرات الامريكية الذي كان رئيس فريق التفتيش النووي في العراق اثناء الحصار وبعد الغزو ، تسمية موحية في هذا الصراع المصيري وهي ( جيش العلماء والمهندسين ) ، وقال إن وجود هذا الجيش لدى العراق اخطر من امتلاكه قنابل ذرية .
وبسبب هذه النهضة العلمية والتكنولوجية والاجتماعية والثقافية الشاملة أصبح غزو العراق ، وتدمير قدراته البشرية المؤهلة علميا وتكنولوجيا والخادمة للاهداف الوطنية والقومية ، الهدف الستراتيجي الامريكي- الصهيوني الاول والاخطر ، بدليل إن الحرب ضد العراق ابتدأت في عام 1991 ومازالت مستمرة حتى الان ، وهي اطول واخطر واعقد واكثر تكلفة ماديا من الحرب العالمية الثانية ومن حرب فيتنام ومن اي حرب في التاريخ الانساني ، وهي التي اوصلت امريكا ، التي كانت تعد نفسها متفائلة وواثقة لاستعمار العالم كله بلا عوائق جدية ، إلى الفشل ، لان عراق البعث وصدام حسين كان لامريكا بالمرصاد فجرها إلى مستنقع مميت خنق مشروعها الاستعماري الكوني واجبرها على الانكماش والتراجع لتجنب تقسيمها ( امريكا ) وانهيارها . فهل تخوض قوى الشر الغربية والصهيونية حربا شاملة ومكلفة ومدمرة من اجل عراق ضعيف بلا مشروع عظيم عدته الصهيونية ، طبقا لاوديد ينون مثلا ، عدوها الاخطر ؟
إن عراق البعث وصدام حسين كان عراق النهوض العلمي والتكنولوجي العظيمين ، فحينما كانت ايران تزحف على بطنها تخلفا وتراجعا في ظل نظام الملالي كان العراق يطور ويصنع الصواريخ الستراتيجية ، التي هز بها نظرية وقاعدة الامن القومي الاسرائيلية باطلا ق 43 صاروخا ناشت قلب الكيان الصهيوني ، وليس اطرافه كما فعل حزب الله بصواريخ كاتيوشا التي تعد لعبة اطفال مقارنة بصواريح العراق ، كما إن العراق صنّع قمرا صناعيا كان على وشك الاطلاق عندما هوجم ، بل إن العراق اخترع طريقة ثالثة لتخصيب اليورانيوم وصنّع القداحة النووية ، ناهيك عن التصنيع المكثف لاسلحة تقليدية كدبابات بابل والاسد والمدفعية الثقيلة والمعدات المدنية ، ووصل الامر إلى حد إن العراق رشح من قبل الامم المتحدة في نهاية السبعينيات ليخرج من فئة الدول النامية ويدخل فئة الدول المتقدمة .
هذا المشروع القومي النهضوي العربي في العراق كان السبب الرئيسي لافتعال أزمات مع العراق لم تنتهي ومازالت مستمرة بعد غزوه وتدميره وجعل اغتيال علماءه وخبراءه الهدف الاول بعد الغزو واجتثاث البعث ، وهو واجب قامت به فرق موت اسرائيلية وايرانية وامريكية كما اصبح واضحا الان . وهنا يجب إن نشير بوضوح تام إلى إن فرق الموت الايرانية ، الحبيبة على قلب الاسلاموي المصري ، قامت بالدور الاشد قذارة وقسوة في تصفية العلماء والضباط والطيارين العراقيين . إن مجرد تدمير الدولة والمجتمع في العراق وعدم الاكتفاء باسقاط النظام الوطني يقدم الدليل الحاسم والقاطع على إن العرب كان لديهم مشروع نهضوي عظيم مرة في عهد القائد جمال عبدالناصر واخرى واخيرة في عهد البعث والشهيد صدام حسين والذي كان بحق شهيد المشروع النهضوي القومي العربي .
كما يجب التذكير بان صراعات حركة التحرر الوطني العربية في القرن الجديد هي امتداد وتكملة لصراعات القرن العشرين ، لذلك فان مسألة تغييب المشروع العربي هذه تعد احد اهم اعمدة السياسات الغربية الاستعمارية والصهيونية ، بعكس موقف هذه القوى من المشروع النهضوي القومي الايراني المدعوم من الغرب بقوة لانه من وجهة نظرهم الخصم العنيد للمشروع العربي .
اذن لم ينفي هذا الاسلاموي وبشكل تام وجود مشروع عربي مع انه موجود وكان تدميره هو اهم اهداف الصراع الجبار مع الصهيونية والاستعمار الغربي والاستعمار الايراني ؟ من الواضح انه منسجم مع خطة مشتركة إيرانية – امريكية – صهيونية هدفها اخلاء ساحة الاقليم من اي فضيلة أو انجاز أو دور فعال للعرب كي يبقي ايران والكيان الصهيوني وتركيا وحدها صاحبة انجازات ، ومن ثم وضع الجيل العربي الجديد امام خيارات كلها مدمرة ومنها :
أ- خيار دعم ايران رغم انها تنفذ مشروعا لا ينجح إلا على جثة الامة العربية ، تماما كالمشروع الصهيوني .
ب- أو قبول التطبيع مع اسرائيل والخضوع لها .
ج- أو قبول خيار طلب الحماية التركية للعرب ، وهو خيار لا يؤدي إلى تغييبهم فقط بل يحول الصراع إلى صراع طائفي على مستوى اقليمي ، على اعتبار ( إن تركيا السنية تقف بوجه ايران الشيعية ) ، وهو تصوير زائف لان لا ايران شيعية ، لانها دولة قومية ، ولا تركيا دولة سنية ، لانها رسميا دولة علمانية على الطريقة الغربية
.
10 – دعم حزب الله وليس دعم ايران : وثمة حيلة اخرى بارزة وهي التخلي عن الدفاع عن ايران ، عندما يحرج المدافع عن ايران ، ويتمسك بالدفاع عن حزب الله ويقول دعنا الان من ايران نحن ندعم حزب الله لانه ( يحارب اسرائيل ) ونحن مع من يحاربها . وهذه الحيلة تستخدم عندما يجد الطابور الخامس نفسه عاجزا عن الدفاع عن ايران نتيجة بشاعة ووضوح جرائمها ضد العراق والامة العربية ، فيضطر لايجاد فصل مصطنع بين ايران وحزب الله ، ويقول ، بتساذج واضح وليس بسذاجة ، بان من الضروري فصل حزب الله عن ايران لانهما شيئان مختلفان ! لذلك لابد من طرح سؤال جوهري وهو : هل ممكن عمليا فصل حزب الله عن ايران ؟ لنناقش هذا الامر باختصار لاننا ناقشناه بالتفصيل .
ان حسن نصرالله اعلن رسميا بانه ( يتشرف بانه حزب ولاية الفقيه ) ، وهو أضافة لذلك الوكيل الرسمي لعلي خامنئي في لبنان ، فما معنى كل هذا عمليا ؟ ان الفهم الصحيح لطبيعة صلة حسن نصرالله بايران لا يمكن الا بالتذكير بجوهر ولاية الفقية ، فهذه النظرية تعد ولي الفقية ، وهو الان علي خامنئي ، اوجب بالطاعة من الانبياء ، وعدم تنفيذ اوامره تقذف بمن يقوم به في النار ، فقاعدة ولاية الفقية هي الطاعة التامة والعمياء لولي الفقيه . من يريد التوسع او التاكد من صحة مفهوم ولاية الفقيه عليه دخول أي شبكة موالية لايران مثل شبكة حزب الله سيجد توضيحا تاما لفكرة الطاعة التامة لولي الفقيه .
وثمة دليل اخر على استحالة مزاحمة ولي الفقيه في زعامته الفردية المطلقة هو انه لا يمكن اقالته من منصبه ، رغم وجود نص في الدستور الايراني يسمح نظريا بذلك ، ولكن عمليا هذا غير ممكن . استمعوا لما يقوله احد قادة ايران ردا على من لمح لاقال المرشد الاعلى اثناء الصراع على السلطة في ايران عقب الانتخابات الرئاسية : ( أعلن مسئول مقرب من الزعيم الأعلى الإيراني علي خامنئي اليوم الجمعة أنه لا يمكن إقالة هذا الأخير لأن شرعيته تأتي من الله ) واضاف هذا المسئول :
( مجلس الخبراء الذي اختار خامنئي للمنصب لا يستطيع إقالته ) قال مجتبى ذو النور ، وهو ممثل خامنئي في ( الحرس الثوري الإيراني ) أمام حشد لممثلي الزعيم الأعلى في الجامعات الإيرانية . اما لماذا لا يستطيع من يعين خامنئي اقالته فقد وضحه ذو النور في شبكة موجكامب على الإنترنت التي تدعم مير حسين موسوي خصم أحمدي نجاد فقال : ( أعضاء المجلس لا يعينون الزعيم الأعلى لكنهم يكتشفونه ولا يعني هذا أن بإمكانهم إقالته وقتما شاءوا ). .
ويقول المحللون إنه من الناحية النظرية يمكن لمجلس الخبراء المكون من 86 عضوًا إقالة خامنئي الذي وافق على
تعيينه كخليفة للخميني عام 1989 لكن من الناحية الواقعة فإن إجراء إقالة الزعيم الأعلى لم يحدث من قبل ، وقال ذو النور أمام الحشد بمدينة قم : " يأتي منصب الزعيم الأعلى في النظام الإسلامي وشرعيته من الله والنبي والأئمة الشيعة
ولا يكون الأشخاص هم من يمنحون الزعيم الأعلى الشرعية ، فلا يمكنهم إقالته وقتما شاءوا "، وفق هذ المفهوم فانه لا يهم رضاء الناس عن الزعيم الاعلى يقول ذو النور : " الزعيم الأعلى يجب أن يحاول أن يكون مقبولاً لدى الناس ، لكن شرعية الزعيم الأعلى تكون من السماء وقبوله يكون من الناس".. . المصدر مفكرة الاسلام في 13 / 11 / 2009
هل يذكركم هذا الكلام بنظرية اشاعت الظلم والقتل باسم الدين ؟
في القرون الوسطى سادت اوربا ( نظرية التفويض الالهي ) وهي نظرية تمنح رجال الدين حقا الهيا مطلقا في التصرف بالبشر وحكمهم واعدامهم ومصادرة اموالهم لانهم مخولين من الله بالقيام بكل شيء ! ما قاله مجتبى ذو النور هو تكرار حرفي ونصي لنظرية التفويض الالهي هذه لكنها تعود برداء ( اسلامي ) صفوي ، لتمنح خامنئي كما منحت خميني سلطة ديكتاتورية مطلقة في التحكم بالناس داخل وخارج ايران ، تجعل من يعارضه كافرا بصورة تلقائية ويستحق الموت ! وخامنئي وفقا لما قاله هذا القائد الايراني يملك سلطات اكبر من سلطات رجال الدين المسيحي في اوربا في القرون الوسطى لانه ليس مخول من الله فقط بل أيضا مخول من النبي والائمة الشيعة !
من هنا نفهم لم على حسن نصر الله وغيره تقبيل يد خامنئي كلما التقاه ، فهي قبلات ينال من يطبعها على يد خامنئي ( بركة الهية ) منه ، وهي تعبير غير مباشر عن طاعة الله لان طاعة ممثله في الارض هي طاعة لله . بعد هذا فان السؤال التالي يصبح تحصيل حاصل : هل يمكن لحسن نصر الله ان يخالف خامنئي او يتمرد عليه ؟ الجواب هو كلا ، لذلك راينا كل عمل يقوم به حزب الله يجير فورا لخدمة ايران ، وعلى من يريد التاكد من هذه الحقيقة ان يسترجع في ذاكرته الاحداث التي جرت .
11– وحدة المقولات الصهيونية الايرانية : انتم تكرهون ايران ! والبدعة الاخرى التي يرددها صحفي فلسطيني مقيم في اوربا في الدفاع عن ايران هي نفس البدع الصهيونية والامريكية ، اذ يقول في مقابلة مصورة موجودة لدينا ، بانكم تكرهون ايران لذلك تهاجمونها وانا لا اكره ايران ولا اريد مهاجمتها ! والمقصود بانتم هم ابناء العراق ومن ينتقد ايران بسبب مواقفها تجاه العراق والامة العربية .
ما معنى هذه النظرية الجديدة التي طرحها هذا الصحفي الفلسطيني التي تميزت مواقفه بالدفاع عن ايران حتى وهي تحتل العراق والاحواز والجزر وتنشر الفتن الطائفية ؟ قبل الاجابة لا بد من تذكر ما يلي :
أ – حينما هوجم البرجان في نيويورك في عام 2001 وغزت امريكا افغانستان والعراق وصعدت موجة مهاجمة امريكا كان السؤال الذي يردده جورج بوش : لماذا تكرهوننا ايها العرب والمسلمون ؟ وطبعا ان هذا السؤال والتساؤل الامريكي يقوم على اخفاء جبال من الهياكل العظمية للعراقيين والفلسطينيين الذين قتلوا نتيجة السياسات الامريكية ، وهو امر تجاهله بوش واضرابة وكانه غير موجود على الاطلاق وان كره العرب لامريكا ناتج عن مزاج عنصري او ديني خالصين !
ب – تقوم فكرة ( معاداة السامية ) على فرضية ان العالم ، ومنهم العرب ، يكره اليهود لانهم يهود ، في تجاهل تام للسياسات الصهيونية تجاه العرب ومنها احتلال فلسطين ، فالصهاينة كالادارة الامريكية ومن يصنع قرار الحرب في امريكا يعرفون انهم غزو فلسطين وقتلوا مئات الالاف من الفلسطينيين والعرب من مصر وسوريا والاردن والعراق ولبنان وغيرها ، واحتلوا اراض سورية ولبنانية ومصرية ، ومع ذلك يشعرون بالدهشة لوجود من يكرههم في الاوساط العربية !
والان يأتي احد ضحايا الصهيونية ليطبق هذه النظرية في الكراهية على موقفنا من ايران بالقول انكم تكرهون ايران ! ما الذي يجمع سايكولوجيا نخب امريكا والصهيونية وعرب وايرانيين يقولون لمن يتحاربون معهم انتم تكرهوننا ؟ ان الذي يجمعهم دون ادنى شك عقلية عنصرية استعلائية تقتل وتنهب من الاخر لانها تعتقد بان من حقها فعل ذلك وما تقوم به ليس عدوانا ولا اضطهادا لان الاخر قيمته متدنية ومتخلف ولا يستحق الحياة ، او انه لا يستطيع استغلال ما وهبه الله من ثروة فيأتي الاخر الذكي والافضل عقليا لاستغلالها ، وهو ما قاله مؤخرا جيمس ايكنز الذي كان سفيرا في السعودية في السبعينيات .
صاحبنا الفلسطيني مصاب بعقدة اسمها ( متلازمة ستوكهولم ) وهي عقدة تنشأ لدى ضحية الاختطاف الذي يتأثر بخاطفه فيصبح مؤيدا له بدل كرهه ، ونظرية انتم تكرهون ايران هي نتاج عقدة متلازمة ستوكهولم هذه ، حيث ان الاضطهاد الصهيوني له زرع فيه هذه العقدة التي تستبدل الحقد بالتعاطف مع مفاهيم العدو ومنها نظرية انتم تكرهون ايران !
هل حقا نحن ننطلق في موقفنا من ايران من الكره لها ؟ ان هذه النظرية متهافتة اكثر من النطريتين الامريكية والصهيونية القائمة على طرح سؤال : لماذا تكرهوننا ؟ ان من ينظر الى سياسات ايران تجاه العراق وبقية الاقطار العربية منذ وصول خميني للسلطة وحتى الان يدرك ان ايران هي التي تعتدي وتتوسع وتحتل وتقتل وتستفز العرب وليس العكس ، ونحن نتحدى صاحبنا الفلسطيني ان يقدم لنا حالة واحدة كان العرب فيها هم من يستفز ايران او يعتدي عليها . فقط على كل موضوعي ان يتامل مجريات الاحداث منذ وصول خميني للسلطة ويدقق فيها سيجد ان ايران تتبنى سياسة هجومية عدوانية توسعية تجاه العرب ، ولذلك فان العرب مضطرون للرد عليها دفاعا عن النفس وليس نتيجة كرها لها .
ان مقولة ( انتم تكرهون ايران ) هي نسخة من مقولة اولئك الذين يقولون ( انتم تكرهون امريكا ) و ( انتم تكرهون اليهود ) ، ولافرق اطلاقا لا في النص ولا في الروح ، التطابق مدهش وهو يكمل صورة التطابق الستراتيجي الامريكي الصهيوني الايراني في معاداة العرب واستهدافهم هوية ووجودا وثروات .
مطلع كانون الاول 2009
ملاحظة كتبت هذه الدراسة بين أيار/ مايو و آب / اوغست 2009 لكنها تركت مؤقتا ولم تنشر ، والان ننشرها بعد اضافة تصريحات ايرانية جديدة اطلقت في الاسابيع الماضية ، ووقوع احداث في ايران ولبنان وغيرهما اكدت ما ورد فيها .
12 – تعمد الدمج بين الشيعة وايران : لوحظ في العراق اولا إن من يهاجم ايران بسبب غزوها للعراق يرد عليه فورا بالقول انتم تكرهون ايران والشيعة، أو انتم تروجون للخطر الايراني والشيعي...الخ. وتوصلنا بعد بحث إلى إن هذا الربط المصطنع بين الشيعة العرب وايران هو من عمل المخابرات الايرانية ايضا، التي وجهت من يعمل في خدمتها بان يدافع عن ايران بالربط بينها وبين الشيعة العرب. ومؤخرا وصلت هذه البدعة الاستخبارية الايرانية إلى الارض الفلسطينية بفضل بركات وعمق (الصلة الستراتيجية) بين عناصر فلسطينية وايران، فقد نشر كاتب فلسطيني مغمور مقالا تبنته شبكة الجزيرة نت، وهو تبن ملفت للنظر، عنوانه يقدم صورة كافية لهذه الحيلة الايرانية وهو التالي : (في مقولة الخطر الشيعي الإيراني.. أين يكمنُ الخطر؟!). ان الربط بين ايران والشيعة العرب هدفه الأبعد ردع من يهاجم ايران خوفا من الاتهام بانه يهاجم الشيعة العرب! فلو ان النقد تركز على ايران لامكن قبوله لان ايران تمارس سياسة توسعية في العراق وغيره ودورها المكمل للدور الامريكي واضح جدا، ولكن ان يربط قسريا بين ايران والشيعة فان الناقد سوف يتردد كثيرا في القيام بنقده، وهنا يكمن الدور المخابراتي الايراني وحساسيته. ونتيجة لهذه الحيلة نجد بعض العرب يتقيد بعدم الدفاع عن ايران الا بعد ربطها بمعاداة الشيعة العرب او الشيعة بشكل عام، فمن يهاجم ايران، في هذه الحالة، يتهم بانه يهاجم الشيعة حتى لو كان من اقحاح الشيعة العلويين العراقيين المناهضين للاحتلال الامريكي الايراني للعراق، وهم يشكلون الاغلبية الصامتة في الوسط الشيعي العراقي.
وهنا مرة اخرى علينا الانتباه الى التماثل التام بين تكتيك المخابرات الايرانية هذا وتكتيك الحركة الصهيونية العالمية التي تقرن ايضا مهاجمة الصهيونية بمهاجمة اليهود من اجل توجيه تهمة (معاداة السامية) فورا وابتزاز من ينتقد الصهيونية ويفضح جرائمها! ان واجبنا يفرض علينا كشف هذه الحيلة ورفض الربط بين ايران والشيعة العرب عند الدفاع عن ايران والرد بحزم وقوة ومنطق على هذه الحيلة، خصوصا وان من يهاجم الشيعة العرب هم زمرة من الطائفيين السنة لا تمثل الا عددا ضئيلا يستمد حياته وقوته من جرائم ايران.
13 – محاربة ايران لدعم امريكا : والحيلة الاخرى تقول انتم تحاربون ايران لان امريكا تريد ذلك! وهذه الحيلة وظيفتها اخفاء عدة حقائق تكشفها عدة أسئلة منها :
أ- هل امريكا تحارب ايران حقا واين تحاربها؟ الجواب : كلا، الواقع يقول إن امريكا تتحالف مع ايران في العراق ضد المقاومة العراقية ومن اجل تمزيق العراق ومحو عروبته، وتتفق معها على نشر الفتن الطائفية في الوطن العربي.
ب- هل حقا إن الانظمة العربية تحارب ايران؟ الجواب : كلا، الانظمة العربية، خصوصا الاشد تبعية لامريكا، في حالات عديد تساعد ايران على نشر الفتن الطائفية بتبني موقف طائفي مضاد للطائفية الايرانية ومكمل لها، الامر الذي يساعد ايران – وامريكا والكيان الصهيوني أيضا - على تعظيم الصراع الطائفي، مع انه صراع مفتعل وثانوي، وتقزيم الصراع التحرري الوطني والقومي، مع انه الصراع الرئيسي والحقيقي، بالاضافة لحقيقة معروفة وهي إن من ساعد امريكا على غزو العراق انظمة عربية وليس ايران فقط.
ج - هل تحارب المقاومة العراقية ايران ارضاء لامريكا أو النظم العربية أم لان ايران تشارك امريكا في احتلال العراق فتحاربها كما تحارب امريكا وبترابط لا يجوز فصله ابدا؟ الجواب : ان المقاومة العراقية تحارب في إن واحد امريكا وايران ولاتفصل بينهما لانهما شريكان مترابطان في غزو وتدمير العراق شعبا وارضا ودولة ومجتمعا.
اذن حيلة إن المقاومة تحارب ايران ارضاء للنظم العربية أو امريكا هي جزء من آليات الدفاع الايرانية التي تستخدمها من اجل ابقاء خطتها التوسعية حية وقادرة على اختراق الجدران التي تقيمها القوى الوطنية العربية لمنع امتدادها الاستعماري.
14 – خنق المقاومة العراقية : تقوم الدعاية الايرانية التي ينفذها الطابور الخامس الايراني على هدف التعتيم على المقاومة العراقية وتشويه صورتها لان ذلك يسهل حرمانها من الدعم المعنوي العربي، او اضعافه، وتكون نتيجته الحط من شأنها ومن دورها وعندها يمكن توجيه ضربات للمقاومة العراقية من قبل الاحتلال الامريكي - الايراني، وسط صمت عربي شعبي، او على الاقل وسط صمت نخب مثقفة. إن السؤال التالي واجب الطرح : من يمارس مؤامرة الصمت والشيطنة على المقاومة العراقية؟ إن اكثر من يسيء للمقاومة العراقية ويحاول عزلها عن محيطها الشعبي العربي هي عناصر الطابور الخامس الايراني التي تعظم حزب الله وحماس، فتكسب تعاطف مناهضي الصهيونية والاحتلال، لكنها وبنفس الوقت تهمل المقاومة العراقية أو توجه لها تهما مسيئة، مثل انها تحولت إلى مقاومة طائفية فتحرمها من الدعم الشعبي أو بعضه على الاقل. وبطبيعة الحال فان ايران وان كانت تستفيد من هذه الدعاية في محاولة عزل المقاومة فان امريكا ايضا تحقق اعظم هدف لها وهو اضعاف الخطر الاكبر الذي يهدد احتلالها للعراق.
15 – ثمن بخس : حينما نقارن ما تدفعه ايران لقاء تحجيم الادانة العربية لها بسبب مشاركتها لامريكا في غزو العراق نلاحظ انه ثمن بخس، بضعة ملايين من الدولارات تدفع شهريا لمن يصمت من العرب على كارثة العراق، خصوصا بعض العناصر الفلسطينية، مع إن غزو وتدمير العراق هو اخطر ما تواجهه الامة العربية منذ غزو فلسطين، لانه الحلقة المركزية في المخطط الصهيوني – الامريكي لانهاء الامة العربية ومحو هويتها، على اعتبار إن العراق هو القلعة الاخيرة للقومية العربية. وهنا تكمن ظاهرة الانحطاط ليس الاخلاقي والوطني فقط بل أيضا الانحطاط التام للتفكير العقلاني والحساب المنطقي : فبين دعم مالي وسياسي تقدمه ايران لعناصر فلسطينية تستطيع به المناورة والمساومة لكنه لا يكفي لتغيير مجرى الصراع الستراتيجي، وهذه حقيقة لابد من الانتباه اليها، وبين القضاء على الثورة العراقية المسلحة، مع انها امل العرب في التحرر والتحرير بما في ذلك تحرير فلسطين، نجد إن الكاسب الاكبر هي ايران والصهيونية وامريكا والخاسر الاكبر هي الامة العربية وحركة التحرر الوطني العربية. إن الصمت على كارثة العراق ما هو إلا انتحار كل عربي وموته البطئ والمؤجل لكنه موت محتوم.
إن غنيمة ايران الاعظم هي غزو العراق وان فشل فتدميره، تماما كما تريد وكما خططت امريكا والكيان الصهيوني، لان العراق هو العقبة الاساسية التي تمنع التوسع الايراني غربا وتمنع التوسع الصهيوني في كل الاتجاهات وتمنع الامبريالية الامريكية من الابقاء على نفط العرب رهينة في يدها، لذلك فان الصمت على هذا الغزو يشكل اهم فرصة لايران – كما امريكا والكيان الصهيوني - كي تتنفس وتتحرك دون عوائق أو باقل العوائق، وتنفس ايران ومنحها فرصة مواصلة التحرك التدميري في العراق مشروط برشوة عناصر فلسطينية يستخدم اسمها للتمويه على مشاركة ايران لامريكا في غزو وتدمير العراق.
ويجب علينا الانتباه التام إلى حقيقة تحكم الموقفين الامريكي والصهيوني من ايران، فبالاضافة للغياب التام لاي توجه في مشروع ايران القومي، في زمن الشاه وزمن خميني - خامنئي، يتناقض جوهريا مع المشروعين الامريكي الامبريالي والصهيوني الاستيطاني، فإن ايران تعرف بانها حتى لو ارادت تبني مشروع يتناقض مع المشروعين المذكورين فانها عاجزة عن تحقيق اهدافها في فلسطين والمنطقة على حساب امريكا والصهيونية، لذلك فانها تقدم المال لشراء مناورات تقوم عناصر فلسطينية لصالح ايران من اجل إن تحقق ايران مكاسب في تقاسم النفوذ الاقليمي على حساب العرب. إن صمت عناصر فلسطينية على كارثة العراق، هو رشوة صريحة وعلنية بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، وهنا تظهر الاوجه الاخرى لخطورة اللعبة الايرانية مع عناصر فلسطينية وعربية.
16 – لم لم تضرب ايران؟ هناك من يقول بان امريكا لم تغزو ايران لانها عاجزة عن ذلك بفضل قوة ايران، وهنا نواجه لعبة إيرانية – امريكية - اسرائيلية تقدم لنا امريكا والكيان الصهيوني بمظهر العاجز عن مهاجمة ايران من اجل شلها ومنع (خطرها)، اذا افترضنا انها فعلا تشكل خطرا على امريكا والكيان الصهيوني. فهل صحيح إن امريكا بكل ماكنتها العسكرية وقدراتها التكنولوجية، التي تعد الافضل في العالم، لا تستطيع حرمان ايران من مصادر قوتها العسكرية الفائضة عن حاجتها؟
لنفترض لاغراض الجدل بإن امريكا غير قادرة على غزو شامل لايران، كما فعلت في العراق، نتيجة التورط الخطير في العراق والذي أستنزف قدرات امريكا بصورة خطيرة وحيّد خيار تحقيق نصر حقيقي او شن حرب اخرى، طيب غزوها مستحيل، ولكن هل هذا يعني عجز امريكا عن شن حرب صاروخية وجوية، ان ارادت، من اجل تدمير مصادر (الخطر) الايراني المزعوم إن كان هناك خطرا فعلا؟ الجواب هو كلا انها غير عاجزة وتستطيع تدمير المشروع النووي الايراني، بل والقدرة العسكرية الايرانية، بقصف جوي وصاروخي لعدة اسابيع كما فعلت مع العراق. هذه حقيقة أولى يجب الانتباه لها ويعرفها اي عسكري لديه اطلاع ولو بسيط على القدرات المقارنة بين امريكا وايران.
ولكن قد يرد البعض بالقول إن ايران سترد بقصف القوات الامريكية في العراق والخليج العربي وعلى منشأت النفط، وهو ما يردع امريكا! هل هذا صحيح؟ طبعا لا، فان بامكان امريكا ان تحبط اكثر هذه الهجمات الايرانية بفضل اسلحتها المتطورة المضادة للصواريخ من جهة، وقدرتها على تدمير البنى التحتية والمنشأت الاقتصادية الايرانية اذا ردت ايران على موجات القصف الجوي والصاروخي من جهة ثانية، وهذا امر تعرفه ايران وتتجنبه لانه سيخلق فوضى وتدهور الامن الايراني مما يسمح بتمردات داخلية كثيرة. وفي هذا السيناريو فان الخسائر متوقعة ومحسوبة لان امريكا لا تقوم بمناورة تدريبية بلا خسائر بل تنفذ مخططا امبرياليا شاملا لابد وان يتضمن خسائر محسوبة.
اذن لم لا تضرب امريكا أو الكيان الصهيوني ايران رغم مرور ثلاثة عقود على الصراع بينها؟ الجواب العملي وليس النظري هو مانراه في العراق وكل الاقطار العربية، فاولا، غزو العراق ما كان له إن ينجح لولا الدعم الايراني، كما اعترف قادة ايرانيون كثر وهو ما وضحناه، وبما إن غزو العراق هو الهدف الستراتيجي الامريكي الاول والاهم، كما اكدت تجربة غزو العراق وبدء الحرب منذ عام 1991 واستمرارها حتى الان، وهو اي تدمير العراق، ثانيا، الهدف الستراتيجي الصهيوني الاول كما اعترف شارون وعوديد ينون وغيرهما مرارا، فان ايران تنفذ سياسات تقدم خدمات ستراتيجية عظمى، وليس ثانوية، لامريكا والكيان الصهيوني تجعل شغبها ومطاليبها مهما كانت عالية ثمنا مقبولا لقاء تلك الخدمات الايرانية الخطيرة.
وعلينا إن لا ننسى الخدمة الستراتيجية الاخرى التي تقدمها ايران لامريكا والكيان الصهيوني وهي نشر الفتن الطائفية وهو ما وضحناه بالتفصيل سابقا، بعد إن فشلت كل القوى المعادية للامة العربية منذ بداية القرن الماضي كفرنسا وبريطانيا وامريكا ثم الكيان الصهيوني في اثارة اي فتنة طائفية كبيرة فجاءت ايران خميني لتحقق هذا الهدف الخطير والمشترك لكل من الصهيونية والغرب الاستعماري.
امريكا لا تريد ضرب ايران ليس لانها لا تستطيع ذلك بل لان ايران تلعب دورا خطير في الاقطار العربية وهو نشر الفتن الطائفية وشرذمة الاقطار العربية واستنزافها وتخويفها بالخطر التوسعي الايراني، والذي يخفي ويقزم الخطرين الامريكي والصهيوني وهما خطران قاتلان، وتلك شروط مسبقة تحتاج اليها امريكا لتعزيز وجودها وبيع المزيد من الاسلحة للعرب، كما يحتاجها الكيان الصهيوني لانها تشغل العرب بعدو اخر يستنزفهم ويدمر مصادر قوتهم فيرتاح من (الخطر العربي).
ولابد من الاخذ بنظر الاعتبار دروس تجربة الحرب التي شنتها ايران على العراق (بين عامي 1980 و1988) لاكمال الصورة الحقيقية لايران، ومنها استعداد ايران لاستخدام ما تملك من اسلحة لضرب الشعب العراقي، فاول من قصف بغداد والبصرة وبقية مدن العراق بالصواريخ والطائرات لم يكن امريكا ولا الكيان الصهيوني بل ايران خميني (ايران الاسلامية) وهو قصف حصد ارواح الاف العراقيين المدنيين الابرياء وهجر مئات الالاف منهم إلى مناطق اخرى من العراق! وهذه حقيقة معروفة وموثقة ويعرفها كل عراقي، خصوصا اهالي البصرة التي تعرضت لكارثة انسانية نتيجة القصف الايراني المتواصل لها طيلة ثمانية اعوام من الحرب. اذن امريكا لا ترى ان ايران القوية تشكل خطرا عليها او على الكيان الصهيوني لان ايران استخدمت وستستخدم قوتها ضد العرب وليس ضد امريكا والكيان الصهيوني، وهي حقيقة تضم في أحشاءها بنتها الطبيعية وهي حقيقة إن استخدام اسلحة نووية ضد العرب، اذا امتلكتها ايران، امر متوقع وحتمي، لان الاستعداد للقتل اذا توفر فان الوسيلة لا تهم ولا تغير المنهج والسلوك.
هنا يكمن سر عدم مهاجمة ايران على الاطلاق خلال ثلاثة عقود رغم كل التهديدات المتكررة، كما انها تفسر لم فرضت امريكا على ايران مقاطعة انتقائية بسيطة ولم تفرض امريكا حصارا شاملا، مثل الذي فرضته على العراق، وهو كفيل بتدهور قدرة ايران على الصمود؟ واخيرا وليس اخرا فان بقاء صراع اللصوص حول تقاسم الغنائم، بين امريكا والكيان الصهيوني من جهة وايران من جهة ثانية، يخدم ايران لانه يصورها وكأنها تعارك امريكا واسرائيل الامر الذي يسمح لبعض العرب بدعم ايران حتى وهي تحتل العراق والاحواز والجزر العربية وتريد احتلال البحرين وتنشر الفتن الطائفية بحجة انها تعارك امريكا والكيان الصهيوني! هل هذه حيل غامضة؟
واخيرا تبقى نقطة مهمة وهي : لو كانت ايران في حالة صراع حقيقي مع امريكا لكان ممكنا فهم، وليس قبول، هذا الولاء الاعمى من قبل الطابور الخامس لايران، اما وان ايران دولة محتلة لاراض عربية وتقوم بالدور الاسرائيلي والامريكي الاخطر وهو نشر الفتن الطائفية والمشاركة في الاحتلال الامريكي للعراق وتغيير الهوية العربية للاقطار العربية فان دعم ايران لا يمكن عده الا خيانة وطنية عظمى بالنسبة لذوي الاصول العربية.
17 – هل لايران مطامع في العراق والاقطار العربية؟ هناك من ينفي بصلافة مرتزق إن لايران مطامع في العراق والاقطار العربية حتى بعد غزو العراق وبروز الدور الايراني الخطير فيه. ويكفي هنا ان نشير بسرعة وايجاز إلى حقيقة يعرفها شعب العراق، وهي محاولة ايران بعد الغزو فرض مادة في الدستور الذي وضع اسسه بول بريمير، الحاكم الامريكي للعراق وقتها، تدعي وجود قومية رابعة في العراق ويجب الاعتراف بها وبحقوقها، وهي القومية الفارسية، بعد القومية العربية والقومية الكردية والقومية التركمانية، مع إنه لم تكن، ولم توجد، اقلية فارسية في العراق على الاطلاق!
إلا يشكل ذلك دليلا قاطعا على إن ايران تريد حشر، من ادخلتهم إلى العراق بالملايين بعد الغزو ومنحت قسما منهم الجنسية العراقية بواسطة الحكومة العميلة في بغداد وبمباركة امريكية رسمية، في قائمة العراقيين؟ اليس ذلك دليلا قاطعا على محاولة ايران تقسيم العراق، او على الاقل تذويب هويته العربية؟ إن افضل من كتب عن هذه القضية ذات الدلالات الكبيرة هي الكاتبة المبدعة عشتار اينانا المنشور في مدونتها.
18 – من تقاتل المقاومة العراقية؟ رغم إن اكثر من يدافعون عن ايران يعربون عن تأييدهم للمقاومة العراقية في الزوايا المظلمة أو عند الاحراج، لكنهم وهم يقولون انهم مع المقاومة العراقية، وبعضهم يعترف بانها هي التي تخوض معركة الحسم الرئيسية في الوطن العربي والعالم، يتجنبون كليا التطرق إلى حقيقة معروفة وثابتة ويعرفها كل عراقي وكل مطلع على ما يجري في العراق منذ الغزو وهي إن المقاومة لا تقاتل امريكا وشركائها الأوربيين فقط بل هي تقاتل اهم شريك لامريكا في الغزو وفي محاولات تكريس الاحتلال وهي ايران.
يجب ان نبرز وبقوة حقيقة ان هناك صراع دام تريد ايران وداعميها العرب اخفاءه وهو الصراع بين ايران والمقاومة العراقية، فمن يقول بان المقاومة العراقية تقاتل امريكا فقط واهم، او مرتزق لئيم، لان الحرب متعددة الاطراف وايران تشكل احد اهم طرفين يقاتلان المقاومة العراقية، ولذلك تجد المقاومة العراقية في ايران عدوا اشرس واخطر من امريكا من نواحي عديدة، منها ان قوات ايران في العراق اشد قسوة على العراقيين بشكل عام وعلى المقاومة بشكل خاص من الامريكيين، فالامريكي لديه ضوابط عسكرية تمنعه من تجاوز حدود الاوامر المركزية، كما انه ابن بيئة غربية تحكمها انظمة دستورية واضحة تجعل كل مسئول معرض للمسائلة، واخيرا فانه نتاج ثقافة براغماتية لا تحكمه احقاد دفينة على العراقيين – باستثناء قلة – ولذلك تحدد اهدافه بدقة عند التعامل مع العراقي الاسير لديه، حيث يتعرض للضغط والتعذيب ولكن بحدود مقررة سلفا.
اما الغازي الايراني فانه نتاج احقاد وثأرات تاريخية معقدة جدا، وهو ليس راغماتيا بل عقائديا ينطلق دائما من عقيدة عامة تحدد موقفه من العرب بشكل مسبق كاعداء تاريخيين، خصوصا العراقيين، لذلك فانه يتعامل معهم بقسوة لا حدود لها، وهي تقليد ايراني منذ حروب بلاد فارس القديمة مع العرب، حيث كان الاسرى العرب يعذبون بطرق بشعة منها تقطيع الاطراف وفقأ العيون وتمزيق الجسد بالات حادة. وبسبب هذه الحقيقة فان الاسرى العراقيين يتمنون ان لا يقعوا اسرى بيد ايران ويفضلون الاسر لدى القوات الامريكية. وقدمت ايران مشهدا بشعا هز ضمير العالم بل انه هز ضمير بعض من يؤيد ايران وهو مشهد اغتيال الر
مواضيع مماثلة
» مقالات: الاستاذ صلاح المختار
» ماذا وراء ( فضائح ) ويكيليكس ؟ - صلاح المختار
» صلاح المختار" لكي لا تحول الانتفاضات الوطنية الى فوضى كوندي ( 2)
» نص المقابلة المكتوبة مع الرفيق صلاح المختار مع قناة الجزيرة
» صلاح المختار...لكي لا تحول الانتفاضات الوطنية الى فوضى كوندي ( 3 )
» ماذا وراء ( فضائح ) ويكيليكس ؟ - صلاح المختار
» صلاح المختار" لكي لا تحول الانتفاضات الوطنية الى فوضى كوندي ( 2)
» نص المقابلة المكتوبة مع الرفيق صلاح المختار مع قناة الجزيرة
» صلاح المختار...لكي لا تحول الانتفاضات الوطنية الى فوضى كوندي ( 3 )
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى