مقبرة مقلوبة

كتبت: منال خميس

واذن... هي سيرةُ من حياة سقطت علينا..


كفنٌ هائلٌ ينتهي عند مدار الـ 363 يغطي سّماءنا كـ غيمة تعلو ليل
الميتين. كفن من رمل لأموات فوق الأرض مشدودين إليه من ذؤاباتهم. ثمّةَ
صقيع الملح، الـ مفوّحُ بزنخة أسماك متعفّنةٍ. هم لا يمشون هناك.. في
المدينة/ المقبرة/ هم علكة في فم الموت... فقط يدورون في المدار الـ 363.





المدينة/ المقبرة/ قادرة على مَسْرَحة كل شيء، مولعة بتدجين الأخطاءِ.
يحتفي موتاها بموتهم الساكن تماما كهدأة القبرْ، يمارسون تفسخهم الطبيعي،
ميت بلحية كثة، ميت صاحب دكان ألعاب، ميت يقلي فلافل لميت في المطعم، ميت
يحضر لأمواته الصغار وجبة من لحم أخيه، ميت لنظراته مخالب ونيوب يعاقب
ميتين شقوا عصا الطاعة، ميت يضاجع زوجته الميتة، ميت قتل هذا الصباح ثلاث
ميتات، موتى يبكون على موتى، يضحكون على موتى، والإذاعات تكذب عليهم جميعا
بأنهم لن يموتوا، وأنا وحدي بمنأى عن عيون هؤلاء الموتى الـ وجه حجر..





أجول في الطرقات، لصيقتي نزعة الهرب، لا وقت في وقتي لأذكر كل موت، فجأة
نادى مُنادٍ: يا سدنةَ المدينة/ المقبرةِ.. تلك أرض لا تتسع لاثنين..
مَيِّتٌ مَيْتٌ ومَيِّتٌ حيٌّ.. تأخذني الرعدة من صرخته، فانجذب لما في
الموت من موت..





كائنات الملح الزنخة الميتة عند مدار الـ 363، لا تنام، تنفلت أرواحا ضجرة
هاربة من أرواحها. تنسلّ من أجساد مضغوطة عند البوابات وتهمي كل الليل
تلوب، تنقضُّ على بعضها، بين البدأة والمنتهى.. وبين بدأةٍ ولا مُنتهى..
الكائنات الـ شهقة الـ فقدتْ سهمَ الريح.. استحوذها الملحُ، فهطلتْ
فخاخاً، أسماكاً ضاريةً، زوابع.. ورصاص..





سلام على كل شيء حيٍّ خارج هذي المدينة/ أجساد موتاها روث يعوم على السطح،
بِرك وجنازات وجثثٌ تتفسَّخُ، تنتظرُ يداً تَكْنُسُها من على ظهرِ
المقبرةِ من على بوابة الظلماتِ.





خرجَ الأحياء منْ قبورهمْ الـ تحت الأرض فشاهدوا أمواتاً يعيشونَ حياة
كانت لهم... ضحكوا.. ضحكوا.. ثم بكوا حدّ الموتِ... انهم لا يفهمونَ سر
هذا الجحيمْ!!.