ملتقى الفكر القومي
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم, أنت لم تقم بتسجيل الدخول بعد! يشرفنا أن تقوم بالدخول أو التسجيل إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

ملتقى الفكر القومي
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم, أنت لم تقم بتسجيل الدخول بعد! يشرفنا أن تقوم بالدخول أو التسجيل إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى

ملتقى الفكر القومي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

ذكريات مع جورج حبش: «حكيم» الثورة الفلسطينية

اذهب الى الأسفل

ذكريات مع جورج حبش: «حكيم» الثورة الفلسطينية Empty ذكريات مع جورج حبش: «حكيم» الثورة الفلسطينية

مُساهمة من طرف ابو عصام العراقي الجمعة سبتمبر 10, 2010 10:07 pm

ذكريات مع جورج حبش: «حكيم» الثورة الفلسطينية
ابوعصام العراقي
لم تعد كلمة «ثورة» متداولة كثيراً في السنوات الأخيرة. لقد ملّها الناس في وطننا العربي من كثرة «الانقلابات»، التي سمي كل منها نفسه «ثورة»، ثم بغي وتجبّر، وفي مصر تفرعن، كل من قاموا بهذه «الانقلابات/ الثورات»، حتي إن الناس يترحمون علي ملوكهم وحكّامهم السابقين لهذه الانقلابات. وقد حدث نفس الشيء تقريباً لكلمات ومصطلحات ـ مثل «القومية العربية»، و«الوحدة»، و«الاشتراكية».
وبعد ما فعلته حماس في غزة في يونيو ٢٠٠٧، وفصائل «فتح الإسلام» وتنظيم القاعدة في بلاد الرافدين، وفي المغرب العربي، فإن شعارات مثل «الإسلام هو الحل»، أو «نعم، الإسلام هو الحل»، بدأ يصيبها ما أصاب مصطلحات وممارسات كانت ملء الأسماع والأبصار ـ في الخمسينات والستينات والسبعينات من القرن الماضي.
وكان ممن أسهموا في الترويج للشعارات والمفاهيم والممارسات «القومية»، ثم «الاشتراكية»، في الربع الثالث (١٩٥٠-١٩٧٥) من القرن العشرين، الطالب، ثم الطبيب الفلسطيني جورج حبش، الذي انتقل إلي رحمة الله في٢٧/١/٢٠٠٨، بمدينة عمان، عن عمر يناهز ثلاثة وثمانين عاماً. ولأن جيلاً كاملاً من المصريين والعرب لم يعاصروا جورج حبش، وهو في قمة ثوريته، فإنهم لا يعرفون عنه كثيراً.
لقد كنت كمئات الطلبة العرب في أمريكا ضمن من عرفوا عن جورج حبش، من خلال زملاء لنا، يدرسون معنا هناك، في عقد الستينات، وكانوا ينتظمون فيما سمي أيامها «حركة القوميين العرب». وأخص بالذكر منهم العراقي باسل البلبيسي، والفلسطيني رمزي دلول، والكويتي عامر التميمي، والكويتي ـ الفلسطيني عدنان شهاب الدين.
كان جورج حبش قد خرج من مدينة اللّد بفلسطين في خريف ١٩٤٤، للدراسة بالجامعة الأمريكية في بيروت. وكان في ذلك مثل عشرات الشباب الفلسطينيين الذين يتوجهون إلي القاهرة، أو بيروت، أو دمشق، أو بغداد، لاستكمال دراستهم الجامعية، حيث لم تكن هناك جامعات في فلسطين في ذلك الوقت، بينما كانت توجد جامعة يهودية، هي الجامعة العبرية، في القدس.
وفي غضون دراسته في بيروت، ترامت إليه وغيره من الطلبة الفلسطينيين، أنباء انتهاء الانتداب البريطاني وقرار التقسيم (نوفمبر ١٩٤٧)، وإعلان قيام دولة يهودية، اسمها إسرائيل علي الجزء الأكبر من أرض فلسطين، يوم ١٥ مايو ١٩٤٨، وما تبع ذلك من ترويع واقتلاع مئات الآلاف من العرب الفلسطينيين من قراهم ومدنهم، وطردهم إلي خارج حدود الدولة اليهودية الجديدة.
وتابع جورج حبش وزملاؤه التطورات المأساوية التي تتابعت بعد ذلك ـ من إعلان جامعة الدول العربية قرار أعضائها لإنقاذ فلسطين من السيطرة اليهودية، ثم انهزامها علي يد من كان الإعلام العربي يسميهم «عصابات».
ومن حكايات جورج حبش عن تلك الأيام المريرة، أنه عاد من بيروت إلي فلسطين، عن طريق الأردن للاشتراك في المقاومة. ولكن مع وصوله إلي مشارف بلدته، اللّد، كان يري جثث الشباب والشيوخ والأطفال علي جانبي الطريق. وما إن وصل إلي بيت أسرته حتي علم بوفاة شقيقته الشابة، التي كانت الأقرب إليه بين إخوته. وفي غضون ساعات، كان المسلحون اليهود علي الأبواب، يأمرون أسرته، كما أُسر أخري، بترك منازلهم فوراً... وإلا تم رميهم بالرصاص فوراً. وقد رأي وسمع آخرين يسقطون برصاص هؤلاء المسلحين، عند أي بادرة مقاومة، أو حتي تلكؤ في تنفيذ أوامر الخروج. وكان هو وغيره من الفلسطينيين يتساءلون في مرارة وغضب: أين ضمير العالم؟ أين العرب وجيوشهم؟
أراد جورج حبش أن يبقي مع أسرته، التي أصبحت ضمن آلاف اللاجئين في الأردن. ولكن أمه التي كانت تحلم بأن يصبح ابنها طبيباً، توسلت إليه أن يعود إلي دراسته الطبية في الجامعة الأمريكية ببيروت، وحينما يصبح طبيباً فإنه سيكون أقدر علي مساعدة أهله وشعبه المثخن بالجراح النفسية والبدنية. فأذعن جورج لرغبة أمه التي كانت لاتزال بملابس الحداد، مكلومة علي ابنتها التي رحلت قبل أسابيع.
وفي الجامعة الأمريكية، وهو في سنوات الطب النهائية ينشط جورج حبش في تجميع وتعبئة زملائه الفلسطينيين والعرب بالجامعة، لكي يتدارسوا أسباب «النكبة»، كما سماها المؤرخ السوري الشاب قسطنطين زريق، وكان هو نفسه أستاذ بنفس الجامعة. واستطاع جورج وزملاؤه السيطرة علي أحد الأندية الأدبية بالجامعة (العروة الوثقي)، وتحويله إلي منتدي سياسي، ثم إلي تنظيم، اتخذ من شعار «الأرض والثأر» نبراساً لعمله. وكوّنوا ما سموه «كتائب الفداء العربي».
وقامت كما يقول أحد زملاء جورج حبش، وهو ماهر الطاهر، بعمليات ضد مؤسسات ومرافق مملوكة ليهود، أو أجانب متعاطفين معهم. ولكن السلطات الأمنية في لبنان وسوريا والأردن لاحقتهم، وأجبرتهم علي الإقلاع عن هذه الممارسات «العسكرية»، التي كانت في الواقع «تعبيرية وتنفيسية» للشباب الجريح، أكثر منها ذات تأثير فعال في إفشال المشروع الصهيوني.
وفي السنوات الخمس عشرة التالية (١٩٥٢-١٩٦٧)، ينتقل جورج حبش، ورفيق عمره وديع حداد، علانية أو سراً، بين بيروت ودمشق وعمان والقدس: يفتتحون العيادات والمستوصفات، والمدارس، ومراكز الخدمة الاجتماعية في مخيمات اللاجئين، ويجندون الشباب لحركة جديدة، ستسمي «حركة القوميين العرب»، والتي كانت فلسفتها أن استعادة فلسطين لن تتم إلا من خلال العمل الوحدوي العربي.
وكان قيام ثورة يوليو، وظهور عبد الناصر علي مسرح الأحداث، هو ضالتهم المنشودة. وتضاعف حماسهم له والمناداة به زعيماً للأمة العربية، بعد تأميمه قناة السويس (١٩٥٦)، وصموده للعدوان الثلاثي، ثم بعد إعلان قيام «الوحدة المصرية ـ السورية»، ممثلة في «الجمهورية العربية المتحدة».
امتدت حركة القوميين العرب من المشرق العربي ـ لبنان، سوريا، فلسطين، الأردن، العراق ـ إلي الخليج والجزيرة العربية. وساعد وجود لاجئين فلسطينيين في هذه الأخيرة، كمعلمين وأطباء ومهندسين، علي نشر أفكار الحركة. وتلك أيضاً هي الفترة التي انتعشت فيها بين الطلبة العرب في أمريكا وأوروبا. ولأن التنظيمات الناصرية لم تكن موجودة خارج مصر، أو كانت ضعيفة، فإن حركة القوميين العرب، كانت بمثابة «الحزب الناصري غير الرسمي». وكانت هي التي روجت لأفكار عبد الناصر، ودافعت عن ممارساته، وناهضت خصومه وأعداءه.
ولكن مع هزيمة يونيو ١٩٦٧، أصيب أنصار الحركة بالصدمة. والإحباط، خاصة أن جسمها الأساسي وطليعتها الفلسطينية، رأت ضياع ما كان قد تبقي من فلسطين (الضفة الغربية وقطاع غزة). ولكن رغم عمق جرح الهزيمة، حاول جورج حبش إعادة زرع الأمل واستنهاض روح الصمود، ومراجعة الأفكار والممارسات السابقة لحركة القوميين العرب وللناصرية. وتردد علي القاهرة عدة مرات بعد الهزيمة، والتقي عبد الناصر، وتحاور معه طويلاً حول دروس النكبة الثانية.
وهنا يدخل جورج حبش المرحلة الثالثة والأخيرة من تحولاته الفكرية والحركية ـ ألا وهي «الاشتراكية الماركسية» فكراً، و«العمل الجبهوي» تنظيماً وممارسة. فأسس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين (١/١٢/١٩٦٧). وتبنت الجبهة العمل المسلح نهجاً لتحرير فلسطين. وكان واضحاً إعجاب جورج حبش بالتجربة الفيتنامية، التي كانت في قمة مواجهاتها مع قوي الهيمنة الأمريكية الرأسمالية.
ولكن بلا أرض تحارب عليها، كان لابد للجبهة، كغيرها من الفصائل الفلسطينية الأخري أن تشتبك مع إسرائيل وأنصارها الدوليين، إما من لبنان أو الأردن، أو من الجو. وتلك هي الفترة التي بدأت مع معركة «الكرامة» (مارس ١٩٦٨) من الأردن، وممارسة خطف الطائرات، وأخذ الرهائن. وهي الفترة التي شهدت مواجهات فلسطينية ـ عربية، بقدر ما شهدت من اشتباكات مع إسرائيل وحلفائها الغربيين.
من ذلك المواجهة المأساوية مع النظام الأردني، والتي وصلت قمتها في سبتمبر (أيلول ١٩٧٠)، وعرفت باسم «أيلول الأسود». ومن ذلك أيضاً ما حدث بعد خمس سنوات وفجّر الحرب الأهلية في لبنان (١٩٧٥-١٩٩٠).
لم يكن جورج حبش هو الفاعل الوحيد، أو المسئول الرئيسي عن تلك الجوانب المأساوية في المسيرة الفلسطينية. ولكنها أخذت من صحته وتوهجه الشيء الكثير. وظهرت إلي جانبه، وفي منافسة قوي فلسطينية عربية أخري، تجاوزته، واستقطبت جماهير أكبر، بدءاً من حركة فتح وانتهاء بحركة حماس. ولأن جورج حبش أيقن ذلك، وكان أميناً مع نفسه ومع رفاقه، فإنه تخلي طواعية عن قيادة الجبهة الشعبية، قبل عدة سنوات من رحيله.
لقد اتيحت لي فرصة لقاء جورج حبش والعمل بالقرب منه في عامي ١٩٦٩ و١٩٧٠، حيث تطوعت مع عدد من الشباب العربي لصفوف المقاومة في الأردن. وكنت مشاركاً وشاهد عيان علي الأحداث التي أدت إلي أيلول الأسود. وكتبت عن ذلك عدة مقالات في حينه. ورغم اختلافي مع نهج جورج حبش في تلك الفترة، إلا أنه لم يخالجني أدني شك، لا وقتها، ولا بعد ذلك، في إخلاص الرجل وتفانيه من أجل القضية الفلسطينية، وفي طهارته وعفته وسمو أخلاقه، لذلك سمي «حكيم الثورة الفلسطينية»، ولأنه كان طبيباً، ويسمون الطبيب في الأرياف العربية الحكيم، فقد أصبح الوصف مزدوجاً: «حكيم» من الحكمة والطهارة، و«حكيم» من الطب، كمهنة فيها شفاء للناس.
تساءل الكاتب د. خالد الحروب في أحد مقالاته: هل تجوز الصلاة والرحمة علي جورج حبش، الذي ولد مسيحياً وانتهي ماركسياً؟ وأنا أجيب، كمسلم: نعم تجوز الصلاة والرحمة علي روح د. جورج حبش، ألف مرة ومرة. فقد عاش وأعطي للوطن والأمة أكثر بآلاف المرات مما أعطي كثير من المتاجرين بالدين، وعندنا كمسلمين، يقول الحديث الشريف «الدين المعاملة». ولقد كان جورج حبش بكل المعايير معطاءً لشعبه وأمته، وطاهراً عفيفاً في تعامله مع الجميع.
رحم الله جورج حبش، وأدخله فسيح جناته

ابو عصام العراقي
عضو فعال
عضو فعال

عدد الرسائل : 149
العمر : 85
تاريخ التسجيل : 26/08/2010

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى