الصلة بين الحالة المتحققة على الجناح الشرقي وبين معركة تحرير فلسطين
ملتقى الفكر القومي :: المنتدى الفكري والثقافي ***(حزب البعث العربي الاشتراكي وجبهة التحرير العربية) :: مكتبة الحزب والجبهة
صفحة 1 من اصل 1
الصلة بين الحالة المتحققة على الجناح الشرقي وبين معركة تحرير فلسطين
الصلة بين الحالة المتحققة على الجناح الشرقي وبين معركة تحرير فلسطين
من كتابات القائد الموئسس احمد ميشيل عفلق
عداد"الرفيق بشيرالغزاوي
أرحب بكم أيها الرفاق وأقدر أهمية تواجدكم في عاصمة البعث في هذه الظروف، وأقدر العلاقة العميقة المتينة التي تربط نضالكم في جبهة التحرير العربية، نضالكم من اجل تحرير فلسطين بمعركة التحرير الجارية في هذا القطر العظيم، والبعثيون أقدر وأجدر من غيرهم في فهم هذه الرابطة وهذه العلاقة.
أيها الرفاق
نجد أنفسنا في الحزب -وهذا ليس شيئا جديدا- نجد أنفسنا كلما طرحنا موضوعا للتفكير والبحث كأننا نطرح قضية الأمة العربية كلها وقضية الثورة العربية كلها، هذا هو منطق البعث، المنطق الثوري الوحدوي، منطق الترابط بين كل القضايا وكل الأجزاء في وطننا الكبير وفي ثورتنا الكبرى، قضية التفاعل بين مختلف النضالات ومختلف الساحات. وكيف لا يكون ثمة صلة ورابطة وتفاعل بين هذه المعركة الدائرة على حدود العراق التي هي الحدود الشرقية للوطن العربي وبين القضية المركزية والمعركة الأم، معركة تحرير فلسطين؟ كيف لا يكون ثمة ترابط وتفاعل بين المعركة التي تدافع عن ثورة البعث في العراق وتحميها من مخططات ونوايا تبغي تدميرها، وتدمير الفكرة القومية من أساسها؟ كيف لا يكون الترابط والتفاعل بين هذه المعركة ومعركة فلسطين التي نعرف أكثر من غيرنا بأنها معركة المصير العربي والمستقبل العربي ومستقبل النهضة العربية.
أيها الرفاق
لا أظن أنني سأزيدكم علما بما تم ويتم في عراق البعث، انتم منه، وانتم من البعث ومعنيون بثورة البعث ومتابعون لخطواتها، ولكنني اكتفي بالتذكير ببعض النقاط.
هذه المعركة الجارية هي معركة البعث لان فيها مستوى الوعي القومي والثوري الذي أوجده البعث على الساحة العربية منذ عشرات السنين، هي ليست معركة بسيطة وليست سهلة، وليست على الأخص سهلة الفهم، فلذلك هي تمثل هذا المستوى غير الاعتيادي من الوعي القومي والثوري، فيها بعد النظر المطلوب، فيها الشمول لكل المعاني القومية والحضارية والإنسانية. وبالمقابل ماذا نجد؟ نجد شيئا مبسطاً مسطحاً -كما يقولون- يدّعي الوعي ولا يملكه، يعتمد على السهولة، على الحالة العامة من الجهل، يستغلها أسوأ استغلال، هذا الشيء الذي جاء مهددا من ايران بشعارات وبقناع يمكن أن يؤثر في المستويات الدنيا من الوعي، إنما اقترح نفسه كبديل للثورة العربية وبأكثر الأشكال جدية، لم يكن يمزح وانما هذا الشيء من ضمن منطقه وتفكيره ومخططه منذ زمن بعيد في ان يقضي على القومية العربية، بان تأتي ثورة بديلة للثورة العربية تستفيد من النكسات التي حلت بها تستفيد من حالة العجز والتردي الواضحة في كثير من أقطارنا، تستفيد من الهجمة التي لم يوجه مثلها وبحجمها وضخامتها الى أي شعب، الى أية أمة في العالم، بل أقول في التاريخ، لأنه لم يعرف في التاريخ شيء يماثل او يداني الإجرام الذي دبره الاستعماريون والامبرياليون بالتعاون والتحالف مع الصهيونية العالمية لاغتصاب فلسطين وزرع كيان مريض مصطنع عدائي وعدواني في قلب الأمة العربية، هذا الشيء لم يعرف مثله في التاريخ، إذن كيف يجوز ان يوجه العداء تحت أي اسم كان و أي شعار كان الى الأمة التي تناضل أمرّ نضال في هذا العصر؟ وكيف يوجه العداء مكثفا نحو البؤرة الوحيدة العميقة المعافاة التي لم يشملها التردي، والتي تتغلب على الأمراض والتي يؤمل بان تكون هي منطلق الخلاص، وان تسري منها الصحة الى باقي أجزاء الجسد العربي او على الأقل ان تكون قدوة حافزة ومشجعة ونورا مضيئا يهدي ويحرك، لكي تتحرك الأجزاء الصحيحة السليمة في امتنا، وبين جماهيرنا، وان تقتدي بما اختطه العراق، عراق البعث لكي يبدأ حالة من النهوض، قلت ان هذه الحركة الآتية من إيران لم تجد إلا هذا القطر وهذا الوضع المعافى لكي تبدأ بالدعوة الى تدميره من أجل ان تكون هي الثورة البديلة للأمة العربية وللشعوب الإسلامية.
كيف نفرق بين ثورة مزعومة وثورة أصيلة صحيحة؟ بين ثورة مختلطة بالرواسب الرجعية والمريضة وبالتالي عاجزة عن أن تنهض بالاهداف التي وضعتها لنفسها وبين ثورة متوازنة بكل ما تعني الكلمة من محبة من يقظة في الفعل وفي النظر إلى العالم و إلى العصر، إذن المقارنة لا تصلح، او المقارنة هي بصورة حاسمة ولمصلحة الثورة العربية ولمصلحة ثورة البعث. الثورة الصحيحة تعرف مواطن القوة عند الخصم كما تعرف مواطن الضعف، فنحن لا نجهل مواطن القوة عند خصمنا، ونعرف بأن شيئاً كبيراً تحقق عند إسقاط نظام الشاه في ايران. ولم نتجاهل هذا ولم نخف تقديرنا لهذا الذي حصل، ولكننا نضع في ذهننا شروطا وتحفظات لكي نتأكد إذا كانت هذه الثورة هي بالفعل ثورة كاملة قادرة على البناء مثلما كانت قادرة على الهدم. إذا كانت قادرة على البناء، فأول شرط هو أن تفهم أين موضعها، أين هي: موضعها في الأمة العربية، والأمة العربية في حالة نهضة منذ قرنين من الزمن، و الأمة العربية في حالة ثورة منذ عشرات السنين، وفيها طليعة لهذه الثورة طرحت نفسها ولم يعد يجهلها لا القريب ولا البعيد، هي ثورة البعث، وهي متجلية في القطر العراقي الذي هو متاخم لإيران، و بينه وبين إيران شتى العلاقات من قديم الزمن. ثورة البعث في العراق ليست بنت اليوم و لا بنت الأمس، وراءها سنين طويلة، وراءها معارك ظافرة مع الأجنبي ومع التخلف وفي كل مجالات البناء بكل حالاته، و ثورة البعث التي هي طليعة الثورة العربية هي ايضا ثورة الإسلام: الإسلام في صميمها، الإسلام في روحها وفي فكرها، ولكن الإسلام كما يفهمه أصحابه، الذين خرج الإسلام من أرضهم ومن جوهم ومن عبقريتهم ومن سجاياهم وهم بالتالي أقدر من غيرهم على فهمه الفهم السليم، وهم الذين نشروا رسالته وقدموا دماءهم ثمناً لنشر هذه الرسالة، لا احد يستطيع ان ينافسهم في هذا المجال، وان يستعلي عليهم وان يدعي تعليمهم إسلامهم وهو جوهر تاريخهم وحضارتهم، بل يجب ان يفهم حكام إيران الجدد أنهم بجوار الأمة العربية، وان الأمة العربية لها تاريخها المعروف وأنها تنهض وتمشي في طريق النهضة منذ أوائل القرن التاسع عشر، وانها هي المستهدفة من الامبريالية والصهيونية قبل أي بلد آخر في العالم.
فمن يدعي محاربة الامبريالية والصهيونية يجب أن يكون حليفا وصديقا للأمة العربية في نضالها وان يكون الى جانبها، وان لا تسول له نفسه ان يكون بديلا، او ان يستغل ظروفها الصعبة لكي يحقق مكاسب عنصرية، مكاسب توسعية، فلم يفهموا حقيقة الحالة التي تعيشها امتنا ولم يفهموا بصورة خاصة الحالة التي يعيشها العراق منذ ثورة السابع عشر من تموز، ولم يفهموا ما هو حزب البعث وما هي أفكاره و ما هو السر في استمراريته برغم كل ما ووجه به من عداء وكل ما تعرض له من مؤامرات ومن نكسات، وان حزب البعث كان في العراق قبل ثلاثين سنة وعمل ثورة في عام 1963، ولو انها لم تستطع ان تستمر طويلا، ولكنها ما كانت لتحصل لو لم يكن حزب البعث عميق الجذور في هذه الأرض، وان تغلبت الأخطاء في عام 1963. فقد اخذ البعثيون الدرس اللازم واستوعبوه وقاموا بالتصحيح في عام 1968. ألا يجدر بمن يريد ان يقدم نفسه بديلا للثورة العربية وللثورة في كل العالم والشعوب الإسلامية ان يعرف هذه الحقائق البسيطة الجارية في قطر مجاور له؟ إذا لم نميز الثورة القابلة للحياة، المستوفية للشروط من اجل البناء للمستقبل الطويل، والثورة الناقصة المشبوهة المريضة التي لا تستطيع ان تخطو خطوتين ثم ينكشف خواؤها وعجزها وتصبح موضع شماتة الذين لا يروق لهم في العالم ان يظهر الإسلام بمظهره الحقيقي، على حقيقته وان يجلو جوهره، فكثيرون من الذين صفقوا لثورة الخميني في الغرب وفي بلدان أخرى أجنبية كان تصفيقهم غير بريء لأنهم انما يريدون أي شيء غير عربي، أي شيء يأتي من خارج البلاد العربية، يعتبرون ذلك كسبا ولكنهم خاب ظنهم فصاروا يشمتون.
أيها الرفاق
في قطرنا العراقي شيئان لا يجوز الخلط بينهما وان كانا متصلين ومتداخلين. هناك الحرب وهي معروفة، وهناك حالة النهوض وهذا شيء آخر. أقول ذلك لان عملكم واتصالكم بالإخوة العرب يستدعي ان تكونوا ملمين، وان تنقلوا الصورة الصحيحة.
الحرب بحد ذاتها قضية عادلة لا يمكن لأي عربي مخلص، أوتي حدا معتدلا من الوعي إلا أن يقر بعدالتها فهي دفاعية في حقيقتها وفي اعماقها. دفاعية، لان العراق وهو جزء من الأمة العربية لم ينته بعد من التهيئة اللازمة لمواجهة أعداء الأمة العربية، لم ينته من إعداد نفسه، لم ينته من معركة البناء وهي معركة شاقة وطويلة، فهل يريد التوسع، هل هذا معقول؟ هل يخطر ببال احد والأمة العربية مجزأة وبعضها محتل ومقسمة الى مناطق نفوذ؟ إذن، الآخرون هم معتدون، هم المتحرشون، هم الذين يدفعهم الجهل ونقص الوعي ونقص الاطلاع الى الاعتقاد بأنه هنا، وقريبا منهم، لقمة سائغة يمكن ان يقتسموها، بأن شيئا سهلا يمكن ان يكسبوه، واستهدفوا العراق وقوميته ووحدة مجتمعه وكل البناء الذي بناه في أعوام الثورة، كل هذا البناء الجدي استهدفوه.
وكان على العراق ان يدافع عن نفسه، وان يطالب ايضا بما اغتصبوه سابقا من أراضيه ومياهه، ولكن الأهم يبقى دوما هو انه خاض هذه الحرب دفاعا عن ثورته، دفاعا عن وحدة شعبه، دفاعا عن النهضة العربية التي يجب ان تتجاوز بمسافات مستوى الحروب الطائفية ليشترك العرب كلهم في مشروع حضاري إنساني كبير في المستقبل، وكان يراد لنا النكوص والتراجع الى عهود بالية والى عقليات بالية ومتخلفة فكان من حق العراق ومن واجبه، باسمه وباسم الأمة العربية، باسم ثورته وباسم النهضة العربية كلها، باسم قيمها وأهدافها ان يقف بحزم في وجه هذه الرياح الهمجية المهددة.
فإذن الحق واضح، عدالة الحرب واضحة، ولكن قلت ان هناك شيئا آخر هو حالة النهوض. حالة النهوض هذه تكاد تبدو وكأنها مفاجئة لانها بالفعل شيء إبداعي متفجر يوما بعد يوم، ولكن بالتحليل وبالنظرة الهادئة نجد بان ذلك ليس شيئا مفاجئا ما دام هو ثمرة للبناء الثوري الذي عمره الآن يقترب من أربعة عشر سنة. بناء ثوري محكم جدي في أرض خصبة وشعب أصيل مشبع بروح الحضارة.
حالة النهوض هذه، أعطت مبررات للحرب، مبررات إضافية وأكثر من المبررات الواقعية التي ذكرناها والتي هي وحدها كافية لمشروعية الدفاع، دفاع العراق عن نفسه من الخطر الإيراني. حالة النهوض هذه تعطي مبررات جديدة بمعنى ان ما يحصل في هذا القطر من استبسال في القتال ومن حماسة شعبية لرفد المعركة بعطاء سخي متزايد، من توهج فكري وفني لم يسبق له مثيل في جو المعركة، من انسجام رائع ونادر المثال بين كل فئات الشعب وتوحدها مع المقاتلين، ومع المعركة، ومع هذه القيادة الفذة التي لم تعد بحاجة الى التعريف، هذا القائد الذي هو ابن البعث وابن العراق، حصيلة مخاض طويل للبعث وللعراق وللآلام والآمال العربية، تجمعت فيه هذه الشروط وكان عنصرا حاسما في النصر في كل المعارك، في القتال وفي البناء على السواء.
هذه الحالة الجديدة لم تخلقها الحرب ولكن الحرب كانت مناسبة لتزيدها توهجاً وإشراقا غير مألوف. هذه الحالة اذا بقيت للعراقيين، محصورة في نطاق العراق فلن تؤدي الغرض كله، ولن تأخذ مداها كله لأنها في الأصل وفي الأعماق ليست حالة عراقية فقط، ونحن البعثيين كما بدأت حديثي نؤمن بوحدة الأمة، وبأن الأمة جسد واحد تسري فيه دماء واحدة، له قلب واحد، له عقل واحد، وفكر واحد، فكل قطر يتحرك بظروفه الخاصة وبظروف الأمة العربية جمعاء بكاملها، القطر يحمل همومه الخاصة ويحمل هموم الأمة العربية، القطر -أي قطر- يستفيد من تجارب كل قطر عربي آخر، الحالة هي عراقية وعربية، للعرب فيها مثل ما للعراقيين وهي للمستقبل العربي اكثر مما هي لمستقبل العراق، ونريد ان نكون للحاضر العربي، ان لا ننتظر السنين المقبلة ان تنقلها، ان نوجد القنوات التي توصل الى روح الجماهير العربية الى ضمير هذه الجماهير، الى عقولها، هذه الحالة الصحية التي هي بشارة بما تتمخض عنه أمتنا، بما يتهيأ له الوطن العربي لكي يتغلب على أمراضه ويتغلب على العقبات المصطنعة الموضوعة في طريق نهضته، نريد أن نقوي الاتصال بين ما يجري في العراق، بين ما يتحقق في العراق من انتصارات ليس على جبهات القتال فحسب وانما في كل ساحة من ساحات النشاط الإنساني، الشعب الذي ينتصر بوعيه وببعد نظره وباندفاعه التاريخي للدفاع عن كرامته، عن شخصيته، عن حقه، هذا الذي يتم هنا لم يصل كله الى جماهيرنا العربية، لم نبذل كل الجهود لكي نبشرهم بهذه الحالة الصحية التي يمكن ان تتحقق في كل قطر عربي وفي مستقبل قريب.
ولذلك قلت في أول الحديث بان الصلة بين معركة العراق على الحدود الشرقية وبين معركة تحرير فلسطين صلة قوية يفهمها البعثيون أكثر من غيرهم لان تحرير فلسطين أيها الرفاق كما تفكر عقولنا وتشعر ضمائرنا بكل صدق ونزاهة ووضوح، تحرير فلسطين معركة طويلة، ومعركة جدية وقاسية، ومعركة حضارية مرتبطة بدرجة ما يستطيع العرب، كل العرب، تحقيقه من تقدم، من رقي، من وحدة، وهذا لا يكون الا في حالة مثل هذه الحالة المتحققة في العراق، حالة النهوض، حالة الإقبال الى الأمام، الشعور بالثقة بالنفس، بالثقة بالمستقبل بالتخلص من حالة العجز، فهي إذاً ليست تسويات، وليست اجتماعات، وليست مفاوضات ومساومات، وليست ما يبتدعون من كلمات وذرائع من حالات الصمود والتصدي وغير ذلك، وهي حالات بائسة وحالات تعيسة وحالات منكفئة. أي صمود وأي تصد، وليس هناك نظام متصالح مع شعبه، يوحي الثقة للشعب بأنه جاد وبأنه صادق؟ فإذن نحن نحمل أمانة، نحمل رسالة، الرسالة هذا جزء بسيط منها، هذا الذي يتحقق في العراق الآن. نحمل رسالة اكبر بكثير، وعلينا ان نخترق هذه السدود المصطنعة التي بنوها بين كل قطر وآخر، بين فئات الشعب، بين الأحزاب، بين فصائل المقاومة، علينا ان نرجع الى التصور الصافي لقوميتنا، لعروبتنا، نتصور العروبة على حقيقتها، ونعتبر هذا الوطن الواسع الكبير هو مجال تحركنا، لنا الحق في ان نخاطب كل عربي من مشرق الوطن ومغربه، ان نهزّه ونصحّيه، وان نخرجه من خدره لكي نكسب عددا أكبر لهذه الطليعة التي تجاوزت أمراض التخلف وتجاوزت حالة الضعف والعجز. بهذا الشكل نسير على طريق تحرير فلسطين. العروبة هي مدخلنا الى هذا التبشير، هذا الاتصال، العروبة التي تمثل شيئين متكاملين لا يستغني احدهما عن الآخر، هذا الحنين الغريزي اللاشعوري العميق الدفين في وجداننا، الذي يشدنا، يهزنا الى كل عربي في أي بقعة كانت.
الشيء الآخر هو الوعي، ذروة الوعي الثوري الذي يتمثل في عروبة البعث، عروبة الثورة، عروبة الحضارة، عروبة الإنسانية، هذه هي التي تجمعنا الى الطلائع العربية في كل قطر، التي تسبق غيرها في تصور المستقبل.. نحن مسؤولون عنهم لأننا لا يقتصر عملنا على أن ننجح في قطر وأن نبني في قطر واحد فقط، ولأننا بمنطق حزبنا ندرك ان عملنا وبناءنا يبقيان مهددين اذا لم تتفاعل جماهيرنا الواسعة في كل قطر عربي معنا لتحصل الحصانة -الحصانة اللازمة- لان المطلوب ليس النجاح في جزء وانما التقدم دوما والتوسع دوما، ان نوسع رقعة النجاح.
أيها الرفاق
فرصة طيبة أني التقيت بكم وعبرت لكم عن بعض ما يجيش في نفسي في هذه الظروف، من شعور بالفرح والاستبشار وبالتفاؤل الكبير بما يحققه حزبنا في هذا القطر، ومن شعور بالمسؤولية الثقيلة الجدية، بأننا قد لا نكون قمنا بكل واجبنا نحو أقطارنا الأخرى، قد لا نكون بذلنا كل ما يجب ان نبذل لكي ينفتح إخوتنا العرب في كل مكان على هذه التجربة وعلى هذه المعركة، وان يرفدوها، لأنه صحيح القول ان الشعب مستعد ان يضحي بآخر قطرة من دمه لتحقيق النصر الكامل في هذه المعركة، ولا يخالجنا أي شك في هذا، ولكن لن تكون معركة المستقبل العربي اذا لم يشارك فيها العرب، ولن تكون معركة البعث إذا لم يعمل البعثيون بروح الرسالة، بروح التبشير بالرسالة من اجل أن تصل معاني هذه المعركة الى قلب كل عربي. فهي البداية، هي البداية لتحرير فلسطين لان طريق فلسطين لن يكون إلا طريق الحالة الصحية، الحالة الواثقة بنفسها، حالة النهوض، حالة الإقدام، حالة السيطرة على الوسائل، حالة التخطيط والإعداد الدقيق والمتين و قد تحققت لكم بداية صادقة وصورة مصغرة عن المسيرة الكبرى التي ستجمع امتنا في كل قطر عربي على طريق القدس وتحرير فلسطين ان شاء الله. والسلام عليكم...
29 كانون الثاني 1982
من كتابات القائد الموئسس احمد ميشيل عفلق
عداد"الرفيق بشيرالغزاوي
أرحب بكم أيها الرفاق وأقدر أهمية تواجدكم في عاصمة البعث في هذه الظروف، وأقدر العلاقة العميقة المتينة التي تربط نضالكم في جبهة التحرير العربية، نضالكم من اجل تحرير فلسطين بمعركة التحرير الجارية في هذا القطر العظيم، والبعثيون أقدر وأجدر من غيرهم في فهم هذه الرابطة وهذه العلاقة.
أيها الرفاق
نجد أنفسنا في الحزب -وهذا ليس شيئا جديدا- نجد أنفسنا كلما طرحنا موضوعا للتفكير والبحث كأننا نطرح قضية الأمة العربية كلها وقضية الثورة العربية كلها، هذا هو منطق البعث، المنطق الثوري الوحدوي، منطق الترابط بين كل القضايا وكل الأجزاء في وطننا الكبير وفي ثورتنا الكبرى، قضية التفاعل بين مختلف النضالات ومختلف الساحات. وكيف لا يكون ثمة صلة ورابطة وتفاعل بين هذه المعركة الدائرة على حدود العراق التي هي الحدود الشرقية للوطن العربي وبين القضية المركزية والمعركة الأم، معركة تحرير فلسطين؟ كيف لا يكون ثمة ترابط وتفاعل بين المعركة التي تدافع عن ثورة البعث في العراق وتحميها من مخططات ونوايا تبغي تدميرها، وتدمير الفكرة القومية من أساسها؟ كيف لا يكون الترابط والتفاعل بين هذه المعركة ومعركة فلسطين التي نعرف أكثر من غيرنا بأنها معركة المصير العربي والمستقبل العربي ومستقبل النهضة العربية.
أيها الرفاق
لا أظن أنني سأزيدكم علما بما تم ويتم في عراق البعث، انتم منه، وانتم من البعث ومعنيون بثورة البعث ومتابعون لخطواتها، ولكنني اكتفي بالتذكير ببعض النقاط.
هذه المعركة الجارية هي معركة البعث لان فيها مستوى الوعي القومي والثوري الذي أوجده البعث على الساحة العربية منذ عشرات السنين، هي ليست معركة بسيطة وليست سهلة، وليست على الأخص سهلة الفهم، فلذلك هي تمثل هذا المستوى غير الاعتيادي من الوعي القومي والثوري، فيها بعد النظر المطلوب، فيها الشمول لكل المعاني القومية والحضارية والإنسانية. وبالمقابل ماذا نجد؟ نجد شيئا مبسطاً مسطحاً -كما يقولون- يدّعي الوعي ولا يملكه، يعتمد على السهولة، على الحالة العامة من الجهل، يستغلها أسوأ استغلال، هذا الشيء الذي جاء مهددا من ايران بشعارات وبقناع يمكن أن يؤثر في المستويات الدنيا من الوعي، إنما اقترح نفسه كبديل للثورة العربية وبأكثر الأشكال جدية، لم يكن يمزح وانما هذا الشيء من ضمن منطقه وتفكيره ومخططه منذ زمن بعيد في ان يقضي على القومية العربية، بان تأتي ثورة بديلة للثورة العربية تستفيد من النكسات التي حلت بها تستفيد من حالة العجز والتردي الواضحة في كثير من أقطارنا، تستفيد من الهجمة التي لم يوجه مثلها وبحجمها وضخامتها الى أي شعب، الى أية أمة في العالم، بل أقول في التاريخ، لأنه لم يعرف في التاريخ شيء يماثل او يداني الإجرام الذي دبره الاستعماريون والامبرياليون بالتعاون والتحالف مع الصهيونية العالمية لاغتصاب فلسطين وزرع كيان مريض مصطنع عدائي وعدواني في قلب الأمة العربية، هذا الشيء لم يعرف مثله في التاريخ، إذن كيف يجوز ان يوجه العداء تحت أي اسم كان و أي شعار كان الى الأمة التي تناضل أمرّ نضال في هذا العصر؟ وكيف يوجه العداء مكثفا نحو البؤرة الوحيدة العميقة المعافاة التي لم يشملها التردي، والتي تتغلب على الأمراض والتي يؤمل بان تكون هي منطلق الخلاص، وان تسري منها الصحة الى باقي أجزاء الجسد العربي او على الأقل ان تكون قدوة حافزة ومشجعة ونورا مضيئا يهدي ويحرك، لكي تتحرك الأجزاء الصحيحة السليمة في امتنا، وبين جماهيرنا، وان تقتدي بما اختطه العراق، عراق البعث لكي يبدأ حالة من النهوض، قلت ان هذه الحركة الآتية من إيران لم تجد إلا هذا القطر وهذا الوضع المعافى لكي تبدأ بالدعوة الى تدميره من أجل ان تكون هي الثورة البديلة للأمة العربية وللشعوب الإسلامية.
كيف نفرق بين ثورة مزعومة وثورة أصيلة صحيحة؟ بين ثورة مختلطة بالرواسب الرجعية والمريضة وبالتالي عاجزة عن أن تنهض بالاهداف التي وضعتها لنفسها وبين ثورة متوازنة بكل ما تعني الكلمة من محبة من يقظة في الفعل وفي النظر إلى العالم و إلى العصر، إذن المقارنة لا تصلح، او المقارنة هي بصورة حاسمة ولمصلحة الثورة العربية ولمصلحة ثورة البعث. الثورة الصحيحة تعرف مواطن القوة عند الخصم كما تعرف مواطن الضعف، فنحن لا نجهل مواطن القوة عند خصمنا، ونعرف بأن شيئاً كبيراً تحقق عند إسقاط نظام الشاه في ايران. ولم نتجاهل هذا ولم نخف تقديرنا لهذا الذي حصل، ولكننا نضع في ذهننا شروطا وتحفظات لكي نتأكد إذا كانت هذه الثورة هي بالفعل ثورة كاملة قادرة على البناء مثلما كانت قادرة على الهدم. إذا كانت قادرة على البناء، فأول شرط هو أن تفهم أين موضعها، أين هي: موضعها في الأمة العربية، والأمة العربية في حالة نهضة منذ قرنين من الزمن، و الأمة العربية في حالة ثورة منذ عشرات السنين، وفيها طليعة لهذه الثورة طرحت نفسها ولم يعد يجهلها لا القريب ولا البعيد، هي ثورة البعث، وهي متجلية في القطر العراقي الذي هو متاخم لإيران، و بينه وبين إيران شتى العلاقات من قديم الزمن. ثورة البعث في العراق ليست بنت اليوم و لا بنت الأمس، وراءها سنين طويلة، وراءها معارك ظافرة مع الأجنبي ومع التخلف وفي كل مجالات البناء بكل حالاته، و ثورة البعث التي هي طليعة الثورة العربية هي ايضا ثورة الإسلام: الإسلام في صميمها، الإسلام في روحها وفي فكرها، ولكن الإسلام كما يفهمه أصحابه، الذين خرج الإسلام من أرضهم ومن جوهم ومن عبقريتهم ومن سجاياهم وهم بالتالي أقدر من غيرهم على فهمه الفهم السليم، وهم الذين نشروا رسالته وقدموا دماءهم ثمناً لنشر هذه الرسالة، لا احد يستطيع ان ينافسهم في هذا المجال، وان يستعلي عليهم وان يدعي تعليمهم إسلامهم وهو جوهر تاريخهم وحضارتهم، بل يجب ان يفهم حكام إيران الجدد أنهم بجوار الأمة العربية، وان الأمة العربية لها تاريخها المعروف وأنها تنهض وتمشي في طريق النهضة منذ أوائل القرن التاسع عشر، وانها هي المستهدفة من الامبريالية والصهيونية قبل أي بلد آخر في العالم.
فمن يدعي محاربة الامبريالية والصهيونية يجب أن يكون حليفا وصديقا للأمة العربية في نضالها وان يكون الى جانبها، وان لا تسول له نفسه ان يكون بديلا، او ان يستغل ظروفها الصعبة لكي يحقق مكاسب عنصرية، مكاسب توسعية، فلم يفهموا حقيقة الحالة التي تعيشها امتنا ولم يفهموا بصورة خاصة الحالة التي يعيشها العراق منذ ثورة السابع عشر من تموز، ولم يفهموا ما هو حزب البعث وما هي أفكاره و ما هو السر في استمراريته برغم كل ما ووجه به من عداء وكل ما تعرض له من مؤامرات ومن نكسات، وان حزب البعث كان في العراق قبل ثلاثين سنة وعمل ثورة في عام 1963، ولو انها لم تستطع ان تستمر طويلا، ولكنها ما كانت لتحصل لو لم يكن حزب البعث عميق الجذور في هذه الأرض، وان تغلبت الأخطاء في عام 1963. فقد اخذ البعثيون الدرس اللازم واستوعبوه وقاموا بالتصحيح في عام 1968. ألا يجدر بمن يريد ان يقدم نفسه بديلا للثورة العربية وللثورة في كل العالم والشعوب الإسلامية ان يعرف هذه الحقائق البسيطة الجارية في قطر مجاور له؟ إذا لم نميز الثورة القابلة للحياة، المستوفية للشروط من اجل البناء للمستقبل الطويل، والثورة الناقصة المشبوهة المريضة التي لا تستطيع ان تخطو خطوتين ثم ينكشف خواؤها وعجزها وتصبح موضع شماتة الذين لا يروق لهم في العالم ان يظهر الإسلام بمظهره الحقيقي، على حقيقته وان يجلو جوهره، فكثيرون من الذين صفقوا لثورة الخميني في الغرب وفي بلدان أخرى أجنبية كان تصفيقهم غير بريء لأنهم انما يريدون أي شيء غير عربي، أي شيء يأتي من خارج البلاد العربية، يعتبرون ذلك كسبا ولكنهم خاب ظنهم فصاروا يشمتون.
أيها الرفاق
في قطرنا العراقي شيئان لا يجوز الخلط بينهما وان كانا متصلين ومتداخلين. هناك الحرب وهي معروفة، وهناك حالة النهوض وهذا شيء آخر. أقول ذلك لان عملكم واتصالكم بالإخوة العرب يستدعي ان تكونوا ملمين، وان تنقلوا الصورة الصحيحة.
الحرب بحد ذاتها قضية عادلة لا يمكن لأي عربي مخلص، أوتي حدا معتدلا من الوعي إلا أن يقر بعدالتها فهي دفاعية في حقيقتها وفي اعماقها. دفاعية، لان العراق وهو جزء من الأمة العربية لم ينته بعد من التهيئة اللازمة لمواجهة أعداء الأمة العربية، لم ينته من إعداد نفسه، لم ينته من معركة البناء وهي معركة شاقة وطويلة، فهل يريد التوسع، هل هذا معقول؟ هل يخطر ببال احد والأمة العربية مجزأة وبعضها محتل ومقسمة الى مناطق نفوذ؟ إذن، الآخرون هم معتدون، هم المتحرشون، هم الذين يدفعهم الجهل ونقص الوعي ونقص الاطلاع الى الاعتقاد بأنه هنا، وقريبا منهم، لقمة سائغة يمكن ان يقتسموها، بأن شيئا سهلا يمكن ان يكسبوه، واستهدفوا العراق وقوميته ووحدة مجتمعه وكل البناء الذي بناه في أعوام الثورة، كل هذا البناء الجدي استهدفوه.
وكان على العراق ان يدافع عن نفسه، وان يطالب ايضا بما اغتصبوه سابقا من أراضيه ومياهه، ولكن الأهم يبقى دوما هو انه خاض هذه الحرب دفاعا عن ثورته، دفاعا عن وحدة شعبه، دفاعا عن النهضة العربية التي يجب ان تتجاوز بمسافات مستوى الحروب الطائفية ليشترك العرب كلهم في مشروع حضاري إنساني كبير في المستقبل، وكان يراد لنا النكوص والتراجع الى عهود بالية والى عقليات بالية ومتخلفة فكان من حق العراق ومن واجبه، باسمه وباسم الأمة العربية، باسم ثورته وباسم النهضة العربية كلها، باسم قيمها وأهدافها ان يقف بحزم في وجه هذه الرياح الهمجية المهددة.
فإذن الحق واضح، عدالة الحرب واضحة، ولكن قلت ان هناك شيئا آخر هو حالة النهوض. حالة النهوض هذه تكاد تبدو وكأنها مفاجئة لانها بالفعل شيء إبداعي متفجر يوما بعد يوم، ولكن بالتحليل وبالنظرة الهادئة نجد بان ذلك ليس شيئا مفاجئا ما دام هو ثمرة للبناء الثوري الذي عمره الآن يقترب من أربعة عشر سنة. بناء ثوري محكم جدي في أرض خصبة وشعب أصيل مشبع بروح الحضارة.
حالة النهوض هذه، أعطت مبررات للحرب، مبررات إضافية وأكثر من المبررات الواقعية التي ذكرناها والتي هي وحدها كافية لمشروعية الدفاع، دفاع العراق عن نفسه من الخطر الإيراني. حالة النهوض هذه تعطي مبررات جديدة بمعنى ان ما يحصل في هذا القطر من استبسال في القتال ومن حماسة شعبية لرفد المعركة بعطاء سخي متزايد، من توهج فكري وفني لم يسبق له مثيل في جو المعركة، من انسجام رائع ونادر المثال بين كل فئات الشعب وتوحدها مع المقاتلين، ومع المعركة، ومع هذه القيادة الفذة التي لم تعد بحاجة الى التعريف، هذا القائد الذي هو ابن البعث وابن العراق، حصيلة مخاض طويل للبعث وللعراق وللآلام والآمال العربية، تجمعت فيه هذه الشروط وكان عنصرا حاسما في النصر في كل المعارك، في القتال وفي البناء على السواء.
هذه الحالة الجديدة لم تخلقها الحرب ولكن الحرب كانت مناسبة لتزيدها توهجاً وإشراقا غير مألوف. هذه الحالة اذا بقيت للعراقيين، محصورة في نطاق العراق فلن تؤدي الغرض كله، ولن تأخذ مداها كله لأنها في الأصل وفي الأعماق ليست حالة عراقية فقط، ونحن البعثيين كما بدأت حديثي نؤمن بوحدة الأمة، وبأن الأمة جسد واحد تسري فيه دماء واحدة، له قلب واحد، له عقل واحد، وفكر واحد، فكل قطر يتحرك بظروفه الخاصة وبظروف الأمة العربية جمعاء بكاملها، القطر يحمل همومه الخاصة ويحمل هموم الأمة العربية، القطر -أي قطر- يستفيد من تجارب كل قطر عربي آخر، الحالة هي عراقية وعربية، للعرب فيها مثل ما للعراقيين وهي للمستقبل العربي اكثر مما هي لمستقبل العراق، ونريد ان نكون للحاضر العربي، ان لا ننتظر السنين المقبلة ان تنقلها، ان نوجد القنوات التي توصل الى روح الجماهير العربية الى ضمير هذه الجماهير، الى عقولها، هذه الحالة الصحية التي هي بشارة بما تتمخض عنه أمتنا، بما يتهيأ له الوطن العربي لكي يتغلب على أمراضه ويتغلب على العقبات المصطنعة الموضوعة في طريق نهضته، نريد أن نقوي الاتصال بين ما يجري في العراق، بين ما يتحقق في العراق من انتصارات ليس على جبهات القتال فحسب وانما في كل ساحة من ساحات النشاط الإنساني، الشعب الذي ينتصر بوعيه وببعد نظره وباندفاعه التاريخي للدفاع عن كرامته، عن شخصيته، عن حقه، هذا الذي يتم هنا لم يصل كله الى جماهيرنا العربية، لم نبذل كل الجهود لكي نبشرهم بهذه الحالة الصحية التي يمكن ان تتحقق في كل قطر عربي وفي مستقبل قريب.
ولذلك قلت في أول الحديث بان الصلة بين معركة العراق على الحدود الشرقية وبين معركة تحرير فلسطين صلة قوية يفهمها البعثيون أكثر من غيرهم لان تحرير فلسطين أيها الرفاق كما تفكر عقولنا وتشعر ضمائرنا بكل صدق ونزاهة ووضوح، تحرير فلسطين معركة طويلة، ومعركة جدية وقاسية، ومعركة حضارية مرتبطة بدرجة ما يستطيع العرب، كل العرب، تحقيقه من تقدم، من رقي، من وحدة، وهذا لا يكون الا في حالة مثل هذه الحالة المتحققة في العراق، حالة النهوض، حالة الإقبال الى الأمام، الشعور بالثقة بالنفس، بالثقة بالمستقبل بالتخلص من حالة العجز، فهي إذاً ليست تسويات، وليست اجتماعات، وليست مفاوضات ومساومات، وليست ما يبتدعون من كلمات وذرائع من حالات الصمود والتصدي وغير ذلك، وهي حالات بائسة وحالات تعيسة وحالات منكفئة. أي صمود وأي تصد، وليس هناك نظام متصالح مع شعبه، يوحي الثقة للشعب بأنه جاد وبأنه صادق؟ فإذن نحن نحمل أمانة، نحمل رسالة، الرسالة هذا جزء بسيط منها، هذا الذي يتحقق في العراق الآن. نحمل رسالة اكبر بكثير، وعلينا ان نخترق هذه السدود المصطنعة التي بنوها بين كل قطر وآخر، بين فئات الشعب، بين الأحزاب، بين فصائل المقاومة، علينا ان نرجع الى التصور الصافي لقوميتنا، لعروبتنا، نتصور العروبة على حقيقتها، ونعتبر هذا الوطن الواسع الكبير هو مجال تحركنا، لنا الحق في ان نخاطب كل عربي من مشرق الوطن ومغربه، ان نهزّه ونصحّيه، وان نخرجه من خدره لكي نكسب عددا أكبر لهذه الطليعة التي تجاوزت أمراض التخلف وتجاوزت حالة الضعف والعجز. بهذا الشكل نسير على طريق تحرير فلسطين. العروبة هي مدخلنا الى هذا التبشير، هذا الاتصال، العروبة التي تمثل شيئين متكاملين لا يستغني احدهما عن الآخر، هذا الحنين الغريزي اللاشعوري العميق الدفين في وجداننا، الذي يشدنا، يهزنا الى كل عربي في أي بقعة كانت.
الشيء الآخر هو الوعي، ذروة الوعي الثوري الذي يتمثل في عروبة البعث، عروبة الثورة، عروبة الحضارة، عروبة الإنسانية، هذه هي التي تجمعنا الى الطلائع العربية في كل قطر، التي تسبق غيرها في تصور المستقبل.. نحن مسؤولون عنهم لأننا لا يقتصر عملنا على أن ننجح في قطر وأن نبني في قطر واحد فقط، ولأننا بمنطق حزبنا ندرك ان عملنا وبناءنا يبقيان مهددين اذا لم تتفاعل جماهيرنا الواسعة في كل قطر عربي معنا لتحصل الحصانة -الحصانة اللازمة- لان المطلوب ليس النجاح في جزء وانما التقدم دوما والتوسع دوما، ان نوسع رقعة النجاح.
أيها الرفاق
فرصة طيبة أني التقيت بكم وعبرت لكم عن بعض ما يجيش في نفسي في هذه الظروف، من شعور بالفرح والاستبشار وبالتفاؤل الكبير بما يحققه حزبنا في هذا القطر، ومن شعور بالمسؤولية الثقيلة الجدية، بأننا قد لا نكون قمنا بكل واجبنا نحو أقطارنا الأخرى، قد لا نكون بذلنا كل ما يجب ان نبذل لكي ينفتح إخوتنا العرب في كل مكان على هذه التجربة وعلى هذه المعركة، وان يرفدوها، لأنه صحيح القول ان الشعب مستعد ان يضحي بآخر قطرة من دمه لتحقيق النصر الكامل في هذه المعركة، ولا يخالجنا أي شك في هذا، ولكن لن تكون معركة المستقبل العربي اذا لم يشارك فيها العرب، ولن تكون معركة البعث إذا لم يعمل البعثيون بروح الرسالة، بروح التبشير بالرسالة من اجل أن تصل معاني هذه المعركة الى قلب كل عربي. فهي البداية، هي البداية لتحرير فلسطين لان طريق فلسطين لن يكون إلا طريق الحالة الصحية، الحالة الواثقة بنفسها، حالة النهوض، حالة الإقدام، حالة السيطرة على الوسائل، حالة التخطيط والإعداد الدقيق والمتين و قد تحققت لكم بداية صادقة وصورة مصغرة عن المسيرة الكبرى التي ستجمع امتنا في كل قطر عربي على طريق القدس وتحرير فلسطين ان شاء الله. والسلام عليكم...
29 كانون الثاني 1982
(1) حديث مع المشاركين في دورة اجتماعات مكتب التنظيم والعلاقات الخارجية لجبهة التحرير العربية المنعقدة في بغداد في 29/1/ 1982
بشير الغزاوي- عضو فعال
- عدد الرسائل : 622
العمر : 84
تاريخ التسجيل : 28/03/2010
مواضيع مماثلة
» معركة الأرض .. معركة الشعب يوم الأرض 30 مارس ( آذار ) 1976 -طلعت الصفدى غزة – فلسطين
» صدّام حسين يتحدّث : خطّة تحرير فلسطين
» الوحدة العربية ومعركة تحرير فلسطين د. عصمت سيف الدولة
» خبر وتعليق;الظواهري شبح السي اي اي يريد تحرير العراق وبعدين فلسطين
» شهداء البعث وجبهة التحرير العربية منارات على طريق تحرير فلسطين من النهر الى البحر
» صدّام حسين يتحدّث : خطّة تحرير فلسطين
» الوحدة العربية ومعركة تحرير فلسطين د. عصمت سيف الدولة
» خبر وتعليق;الظواهري شبح السي اي اي يريد تحرير العراق وبعدين فلسطين
» شهداء البعث وجبهة التحرير العربية منارات على طريق تحرير فلسطين من النهر الى البحر
ملتقى الفكر القومي :: المنتدى الفكري والثقافي ***(حزب البعث العربي الاشتراكي وجبهة التحرير العربية) :: مكتبة الحزب والجبهة
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى