خطاب اوباما افتقد نزاهة الاكاديمي وحنكة السياسي
صفحة 1 من اصل 1
خطاب اوباما افتقد نزاهة الاكاديمي وحنكة السياسي
خطاب اوباما
افتقد نزاهة الاكاديمي وحنكة السياسي
افتقد نزاهة الاكاديمي وحنكة السياسي
معن بشور
يبدو ان موهبة الرئيس الأمريكي اوباما الخطابية لم تسعفه في كلمته الموجهة إلى العالم الاسلامي من مقر وزارة الخارجية الأمريكية هذه المرة، فلقد غابت عن الخطاب "التاريخي" نزاهة الأكاديمي وحنكة السياسي فوقع في جملة تناقضات جعلت من كلمته نموذجاً لسياسة المعايير المزدوجة أو الكيل بمكيالين، وهي سياسة أفقدت واشنطن وحلفاؤها مصداقيتهم في العالم اجمع، وفي منطقتنا على وجه التحديد، وساهمت في تصعيد الاحتقان الشعبي العربي والإسلامي بما يؤدي إلى الجنوح نحو التشدد والتطرف والغلو، ولعل ما نشر مؤخراً من استطلاع لشعبية الولايات المتحدة في الدول العربية والاسلامية قامت به جامعة امريكية ما يؤكد أتساع حجم الهوة بين واشنطن من جهة وبين العرب والمسلمين واحرار العالم من جهة ثانية.
ولم يكن صعباً لأي مراقب ان يلاحظ ان باراك اوباما قد استعاد خطاب "المحافظين الجدد"، الذي بنى شعبيته، وخاض انتخاباته الرئاسية، في مواجهته، فاذا هو يردد مفردات واولويات استراتيجية بوش، ويخاطب العرب والمسلمين والعالم بلهجة فوقية املائية تحدد لكل شعب ودولة سياساتها وقراراتها، بل تحدد "للمجتمع الدولي" نفسه ما ينبغي وما لا ينبغي ان يقوم به لا سيّما بالنسبة لقرار هيئة الامم المتحدة حول الاعتراف بدولة فلسطين في ايلول/سبتمبر القادم حيث اسقط اوباما من حسابه مواقف الأغلبية الكاسحة في الجمعية العامة، وكأنه يريد القول ان ادارته تملك أيضاً حق الفيتو في الجمعية العامة للأمم المتحدة بعد مجلس الامن، وهو ما يخالف الميثاق الأممي، واعراف المنظمة الدولية وتاريخها.
لقد فرض المنطق الذي اعتمده في خطابه الجديد على المحللين والمتابعين جملة أسئلة وتساؤلات تفضح ازدواجية الخطاب وانتقائيته واستنسابيته.
1- في غمرة تودده إلى الثورة الشعبية في مصر وتونس، والتي بقي مسانداً لانظمتها السابقة حتى اللحظة الاخيرة، اعترف اوباما بخطأ دعمه للآنظمة الدكتاتورية التي سقطت، فهل يشمل هذا الاعتراف أيضاً خطأ دعم انظمة صديقة لواشنطن، ما زالت قائمة، وهي تفتقر لأبسط المعايير الديمقراطية من انتخابات وتداول سلطة واصلاحات ومكافحة فساد واحترام حقوق المرأة.
2- لقد ذرف الرئيس اوباما دموعاً غزيرة على الدماء التي أريقت في غير بلد عربي، ونحن معه في الأسى على كل نقطة دم تراق في مواجهات داخلية، ولكن الرئيس نسي مثلاً أكثر من مليوني شهيد عراقي سقطوا، وما زالوا، بفضل حصار ادارته وحروبها واحتلالها المتواصل منذ اكثر من عقدين، ناهيك عن عشرات الشهداء من مدنيين وابرياء تحصدهم طائرات الاطلسي في أفغانستان وصولاًًًً إلى ليبيا...
فهل دماء البشر عند اوباما فئات، نتذكر بعضه اذا اردنا استغلاله وتوظيفه، ونتجاهل اكثره صامتين عنه صمت القبور.
3- حاول اوباما رشوة الشعب الثائر في مصر حين تحدث عن اعفائه مليار دولار من الديون، وهو بالطبع مبلغ تافه بالنسبة لحاجات مصر، وبالتأكيد اقل بكثير من عشرات المليارات التي سرقها حكام مصر السابقين واودعوها مصارف أمريكا واوروبا.
4- واذا ساء الرئيس اوباما الاعتقالات العشوائية وعمليات التعذيب، ونحن نستنكر معه الاعتقال السياسي أياً كانت مبرراته، ولكن نسأل الرئيس اوباما ألم ينسي المعتقلين منذ عشر سنوات دون محاكمة في معتقل غوانتانامو وفي المعتقلات الأمريكية السرية والعلنية ونسي التعذيب في معسكر ابو غريب، كما في سجون الانظمة الصديقة له، بل نسي بشكل خاص وعده يوم تسلّمه رئاسة أمريكا بأنه سيعمد إلى اقفال معتقل غوانتانامو فوراً، فأين وعده ذاك، ام انه تبخر، كما تبخرت العديد من وعود اوباما في السياستين الداخلية والخارجية، وكما تبخر وعده بوقف الاستيطان الصهيوني وقد قفز فوقه اوباما في خطابه دون ان يوجه لحليفه الصهيوني ولو كلمة عتاب بسيط.
5- لقد قدم اوباما بلاده كمصدّر للديمقراطية، كما يصّدر غيره الثورات حسب زعمه، ونسي ما قاله في خطابه الأول في القاهرة عن ترك هذا الأمر لشعوب المنطقة (وفي نقد مباشر آنذاك لاستراتيجية بوش وزمرته)، فإذا كانت الثورات الشعبية قد دفعته إلى العودة إلى استراتيجية بوش، فهل يشكل النموذج الديمقراطي الذي قدمه الاحتلال الأمريكي في العراق نموذجاً يحتذى به، وهو نموذج اطلق العنان للعصبيات العرقية والطائفية والمذهبية على انواعها، كما وفر الرعاية الامريكية لكل انواع القتل والقمع والبطش والتي وصلت اخيراً إلى مستوى القمع الدموي للتحركات الشعبية من شمال العراق إلى جنوبه، وهو بالمناسبة قمع سكت عنه اوباما في خطابه التاريخي.
وما يقال عن النموذج الديمقراطي في العراق، يقال كذلك عن نموذج مماثل في افغانستان حيث الفساد في ذروته، والقمع في اوجه، كما يقال عن "نماذج" من احترام حقوق الانسان والحريات العامة وحقوق المرأة التي نراها تسود بين اصدقاء واشنطن من المحيط إلى الخليج.
اما بالنسبة للقضية الفلسطينية فلم تكن ازدواجية المعايير، والانقلاب في المواقف، والتلاعب بالكلمات، بأقل منها في تعامله مع القضية الديمقراطية.
فالجديد الذي حمله الخطاب ليس واضحاً، والواضح في الخطاب ليس جديداً، لا سيّما لجهة الانحياز الكامل للموقف الصهيوني في كل القضايا المطروحة، حتى يمكن التساؤل، وباستغراب،: " اذا كان الخطاب الموجّه للعالم الاسلامي يتضمن كل هذا الانحياز لتل أبيب، فكيف سيكون خطابه الموجه بعد أيام إلى (الايباك)"، اقوى مجموعات اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، وبحضور نتنياهو نفسه الذي استقبله اوباما باصدار العقوبات ضد الرئيس الأسد واخوانه والتهديدات ضد سوريا والمنطقة.
وهنا لا بد من طرح جملة أسئلة وتساؤلات أيضاً، لا تكشف فقط درجة عالية من الانحياز للعدوان الصهيوني، بل تكشف درجة اعلى من الجهل بحقائق المنطقة ومشاعر ابنائها لا سيّما الارتباط الوثيق بين ما هو وطني وما هو قومي وما هو اسلامي، ولا سيّما بين فلسطين والقدس وبين كل هموم المنطقة واهتمامات ابنائها.
1- الا يعتقد اوباما انه من الخطأ السياسي البالغ ان يعلن في خطاب موجه للعالم الاسلامي عن تأجيل البحث في قضية القدس واللاجئين، وهما القضيتان الأكثر قدسية عند الناس والاكثر إثارة للمشاعر في هذه المنطقة.
ثم الا يرى اوباما تناقضاً في حديثه عن مفاوضات حول دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة والاتفاق على حدودها، وبين تأجيل البحث حول مصير القدس وهي عاصمة هذه الدولة، بل هي مركز مقدسات المسلمين والمسيحيين في العالم. فأي حدود يمكن التفاوض عليها اذا كان موضوع القدس مؤجلاً.
2- اما بالنسبة لحق العودة فلم يخف الرئيس الأمريكي تبنيه الكامل والقاطع للموقف الصهيوني منه، والذي لن يحرم ملايين الفلسطينيين من حق تكفله لهم شرائع السماء وقوانين الارض والمواثيق والقرارات الدولية فحسب، بل انه يريد من خلال انكارها تصدير مشكلة اوجدها الاغتصاب الصهيوني لنفسه منذ 63 سنة حين شرد شعباً بأكمله من ارضه، لكي تصبح مشكلةٍ في الاقطار المضيفة من خلال مشاريع "التوطين" أو "الوطن البديل".
ولعل من المفارقات الكاشفة هي ان الانكار المبدئي لحق العودة قد ترافق مع التبني الرسمي الأمريكي للجريمة الصهيونية بحق مئات الالاف من ابناء فلسطين في الداخل والخارج في مسيرة العودة والتي ادت إلى سفك دماء اطفال ونساء ومسنين مسالمين كل ذنبهم انهم خرجوا داخل بلدهم في جنوب لبنان والجولان يطالبون بالعودة إلى بلادهم.
فكيف يستوي الادعاء بالحرص على الدماء في هذا البلد أو ذلك ثم تبرير قتل العشرات وجرح المئات في 15 ايار.
وكيف يسمح اوباما لنفسه ان يشن حروباً ويصدر عقوبات بذريعة وقف سفك الدماء، فيما ادارته عرقلت، وما تزال، احالة تقرير غولدستون حول جرائم حرب غزة، وتقرير اخر حول جريمة اسطول الحرية، وهما تقريران اصدرهما مجلس حقوق الانسان التابع للامم المتحدة.
3- ثم كيف يستقيم حديث اوباما عن "يهودية" دولة اسرائيل بكل ما ينطوي عليه من محتوى عنصري إقصاّئي يقود إلى تطهير عرقي، مع حديثه عن الديمقراطية وحقوق الانسان والقيم والمثل التي قامت أساساً لمواجهة كل اشكال العنصرية وصنوفها، خصوصاً وان اوباما قد خرج اصلاً من اكناف جماعة سوداء دفعت غالياً ثمنا لعنصرية النظام الأمريكي ورفض اوساط واسعة فيه ابسط الحقوق المدنية للسود، ناهيك عن اضطهاد لكل الملونين في الولايات المتحدة.
4- وحين يكون الأمر متعلقاً بالكيان الصهيوني فان خطاب الرئيس الأمريكي يأتي قاطعاً حاسماً في دعمه لأمن هذا الكيان ولكل مواقفه، اما بالنسبة للحقوق الفلسطينية المكرّسة دولياً فالخطاب يقوم على الانكار المطلق حيناً، والغموض المتعّمد حيناً آخر والتسويف والتأجيل دائماً، فكيف يمكن لخطاب يقوم على انتقائية فظة ان يقنع الفلسطيني والعرب والمسلمين واحرار العالم بصوابيته
5- كيف يمكن ان يكون خطاب اوباما نزيهاً ومتوازناً ومقبولاً وهو الذي لم يكلف نفسه عناء توضيح اسباب استقالة مبعوثه إلى فلسطين جورج ميتشيل بعد عامين ونصف على تكليفه، (وهي ليست الاستقالة الأولى لهذا المبعوث الرئاسي الذي طالما اصطدم بالحائط المسدود في تل أبيب)، ولماذا لا يقدم اوباما أيضاً تفسيراً لتراجعه عن مطلبه الشهير الذي اعلنه من على منبر الجمعية العامة للامم المتحدة قبل عامين حول لا شرعية الاستيطان ولا قانونيته، وهي الجمعية التي ينكر عليها اوباما اليوم التصويت على الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة. بل كيف يدعو العالم كله للانصياع لقرارات المجتمع الدولي، اذا جاءت وفق املاءاته، ثم ينكر على المؤسسة الدولية نفسها ان تتخذ قراراً ينسجم مع قرارات دولية سابقة بدءاً من عام 1948، ومع ميثاق الامم المتحدة وحقوق الانسان.
وفي الختام ماذا يبقى من شعار "التغيير" الذي اطلقه اوباما عشية حملته الانتخابية، وكيف يمكن لسياسة تقوم على هذا الكم من التناقضات والانتقائية وازدواجية المعايير ان تسهم في صون الامن والسلم العالميين وفي الدفاع عن حقوق الشعوب وحرياتهم.
ان خطاب اوباما الاخير لا يكشف فقط عن حجم التراجعات في سياساته، وهي تراجعات تشمل السياسات الداخلية والخارجية، بل يكشف مرة اخرى حجم الوهن الذي أخذ يصيب الدولة الأقوى في العالم، وحجم الارتباك الذي يلف سياستها، وحجم التناقض الذي يسود خطابها، بل يكشف كذلك الفرص المتاحة امام شعوب العالم، وفي مقدمها ابناء امتنا العربية والاسلامية، لتعزيز مقاومتها وصمودها، وتوطيد دعائم كفاحها، على طريق التحرر والحرية وطريق العدالة والتقدم.
20/5/2011
- المنسق العام لتجمع اللجان والروابط الشعبية
- المنسق العام للحملة الاهلية لنصرة فلسطين والعراق
- رئيس المركز العربي الدولي للتواصل والتضامن
- الامين العام السابق للمؤتمر القومي العربي
مواضيع مماثلة
» معضلة الكيان السياسي في العراق
» دعونا نفهم خطاب اوباما بشكل آخر
» التاريخ يعيد نفسه – من ترومان الى اوباما
» الحلقة المفقودة في المشهد السياسي الفلسطيني
» العهر السياسي... في المزابل العربية
» دعونا نفهم خطاب اوباما بشكل آخر
» التاريخ يعيد نفسه – من ترومان الى اوباما
» الحلقة المفقودة في المشهد السياسي الفلسطيني
» العهر السياسي... في المزابل العربية
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى