نص اتهام الرئيس السوداني
صفحة 1 من اصل 1
نص اتهام الرئيس السوداني
أحدث قرار الأرجنتيني لويس مورينو أوكامبو المدعي العام أمام المحكمة الجنائية الدولية بطلب القبض علي الرئيس السوداني عمر حسن البشير لمحاكمته بموجب النظام الأساسي للمحكمة الصادر في روما عام ١٩٩٨، دوياً هائلاً حيث
انبرت العديد من المنظمات الحقوقية ومنظمات المجتمع المدني بعضها يدافع عن البشير والبعض الآخر يطالب بتسليمه.
وقبل أن يعلن أوكامبو اتهامه للرئيس البشير كان قد طالب بتسليم الوزير السوداني أحمد هارون الذي رفضت الخرطوم تسليمه لمحاكمته علي ما تم إتهامه به من قبل أوكامبو بأنه ارتكب جرائم حرب ضد الإنسانية في دارفور.
أوكامبو الذي كان في زيارة عادية إلي القاهرة قبل عدة أيام من إصداره القرار قال لصحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية: إنه سيقدم للقضاة «أدلة علي جرائم ارتكبت في دارفور علي مدي الأعوام الخمسة الماضية» وأنه سيطلب توجيه الاتهام لفرد أو أفراد لكنه لم يذكر التفاصيل.ولكن التكهنات ترددت وقتها وعلي نطاق واسع بأنه قد يستهدف الرئيس السوداني وهو ما حدث بالفعل.وكان هذا نص القضية المرفوعة ضد البشير:أولاً: الطلب:بعد التحقيق في الجرائم المزعوم ارتكابها في أرض دارفور، السودان، في الأول من يوليو ٢٠٠٢ أو بعده، انتهي مكتب المدعي العام إلي أن هناك أسباباً معقولة للاعتقاد بأن عمر حسن أحمد البشير (المشار إليه أدناه باسم «البشير»)، يتحمل المسؤولية الجنائية فيما يتعلق بجرائم الإبادة الجماعية بموجب المادة ٦(أ) من نظام روما الأساسي، وقتل أفراد المجموعات العرقية التي تنتمي إليها جماعات الفور والمساليت والزغاوة (المشار إليها أيضاً أدناه بعبارة «الجماعات المستهدفة»)، (ب) وإلحاق ضرر جسدي أو عقلي جسيم بأفراد تلك الجماعات، (ج) وإخضاع الجماعة عمداً لأحوال معيشية يقصد بها إهلاكها الفعلي جزئياً، والجرائم ضد الإنسانية بموجب المادة ٧(١) من نظام روما الأساسي، المرتكبة كجزء من هجوم منتظم وواسع النطاق علي السكان المدنيين في دارفور، وعن علم بالهجوم، وأفعال (أ) القتل العمد، (ب) الإبادة، (د) إبعاد السكان أو النقل القسري للسكان، (و) التعذيب، (ز) الاغتصاب، وجرائم الحرب بموجب المادة ٨(٢)(هـ)،١، من نظام روما الأساسي، تعمد توجيه هجمات ضد السكان المدنيين بصفتهم هذه، و(٥) نهب أي بلدة أو مكان.إن مكتب المدعي العام لا يدعي بأن البشير قد ارتكب أياً من هذه الجرائم جسدياً أو بصورة مباشرة. وإنما ارتكب هذه الجرائم بواسطة أعضاء جهاز الدولة، والجيش وميليشيا «الجنجويد»، وفقاً للمادة ٢٥(٣)(أ)، (ارتكاب الجريمة بصوة غير مباشرة، أو ارتكابها بوسائل أخري).في جميع الأوقات المتعلقة بهذا الطلب، كان البشير يحتل منصب رئيس جمهورية السودان، ويمارس السلطة السيادية قانوناً وواقعاً، وهو رئيس حزب المؤتمر الوطني، والقائد الأعلي للقوات المسلحة. وهو يحتل قمة القيادة في هيكل السلطة الهرمي التابع للدولة، وهو شخصياً يدبر هذا الهيكل، ويوجه إدماج ميليشيا «الجنجويد» داخله. وهو الدماغ المدبر للجرائم المزعومة. وهو يتمتع أيضاً بالسلطة المطلقة.إن الأدلة تبرهن علي أن هناك أسباباً معقولة للاعتقاد بأن البشير ينوي إهلاك جزء كبير من الجماعات العرقية «الفور»، والمساليت، والزغاوة بصفتها هذه. إن القوات والمجموعات الأمنية التابعة للبشير قد شنت هجمات علي المدنيين في المدن والقري التي تقطنها المجموعات المستهدفة، وارتكبت أفعال القتل، والاغتصاب، والتعذيب، ودمرت الوسائل المعيشية. بذا، فقد أجبر البشير جزءاً كبيراً من المجموعات المستهدفة علي التشريد، وهاجمهم في مخيمات الأشخاص المشردين داخلياً، ملحقاً بذلك أضراراً جسدية جسيمة - بواسطة الاغتصاب، والتعذيب والتشريد القسري، والظروف المسببة للصدمات - وإخضاع جزء كبير من تلك المجموعات عمداً لأحوال معيشية يقصد بها إهلاكها الفعلي.إن الأفعال التي يقوم بها البشير في نفس الوقت تمثل جريمة الإبادة الجماعية ضد الجماعات العرقية الفور والمساليت والزغاوة، وجرائم ضد الإنسانية، وجرائم حرب ضد جميع السكان المدنيين في المنطقة، بمن فيهم أفراد المجموعات المستهدفة.إن القضية المرفوعة بموجب هذا الطلب هي القضية الثانية في هذه الحالة، وهي تشمل الجرائم المرتكبة في دارفور من شهر مارس ٢٠٠٣ إلي تاريخ تقديم هذا الطلب. إن حكومة السودان لا تقوم بتحقيق أو بمقاضاة في هذه القضية.ثانياً: المعلومات الأساسية ونطاق التحقيق:الاختصاص:أحيلت قضية دارفور إلي مكتب المدعي العام بموجب قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم ١٥٩٣ (٢٠٠٥)، الذي يؤكد أن العدالة والمساءلة أمران أساسيان لتحقيق السلم والأمن الدائمين في دارفور.التحقيق:منذ بداية التحقيق، جمع مكتب المدعي العام إفادات وأدلة أثناء ١٠٥ بعثات اضطلع بها في ١٨ بلداً. وقد قام المدعي العام، في جميع مراحل التحقيق، بفحص وقائع التجريم ووقائع التبرئة بصورة مستقلة ونزيهة.لأغراض هذا الطلب، استند مكتب المدعي العام في المقام الأول علي: (١) إفادات الشهود التي أدلي بها شهود عيان وضحايا الهجمات التي شنت علي دارفور، (٢) مقابلات مسجلة لمسؤولين سودانيين، (٣) إفادات أدلي بها أشخاص لهم علم بأنشطة المسؤولين والممثلين للحكومة السودانية وميليشيا «الجنجويد في النزاع القائم في دارفور، (٤) الوثائق وغيرها من المعلومات التي قدمتها الحكومة السودانية استجابة لطلب مكتب المدعي العام، (٥) تقرير لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة، وغير ذلك من الأدوات التي قدمتها اللجنة، (٦) تقرير لجنة التحقيق الوطنية السودانية وغير ذلك من الأدوات التي قدمتها هذه اللجنة، (٧) الوثائق وغيرها من الأدوات التي تم الحصول عليها من مصادر عامة.قام مكتب المدعي العام، في جميع مراحل التحقيق، بمراقبة أمن الضحايا والشهود، وبتنفيذ التدابير الحمائية ويواصل مكتب المدعي العام، بمشاركة وحدة الضحايا والشهود التابعة لقلم المحكمة ورصد وتقييم المخاطر التي تواجه الضحايا والشهود.المقبولية:(أ) السياق الذي أرتكبت فيه الجرائم:منذ أن تولي البشير السلطة في شهر يونيو ١٩٨٩، وهو يدخل في صراعات سياسية وعسكرية مع جماعات في الخرطوم كما في أطراف بالسودان، كان يري أنها تمثل خطراً علي سلطته، وهو يري أن الجماعات العرقية من فور ومساليت وزغاوة، في دارفور، بصفتها المجموعات المهيمنة اجتماعياً وسياسياً في الأرض، تمثل هذه المخاطر: إذ إنها تحتج علي تهميش منطقتها علي الصعيدين الاقتصادي والسياسي، وشارك أفراد هذه المجموعات في حركة تمرد مسلح.شرع البشير في قمع تلك الحركات بواسطة القوات المسلحة، ومع مرور السنوات، استخدم أيضاً سياسة استغلال المظالم الحقيقية أو الوهمية القائمة بين مختلف القبائل وهي تقاوم من أجل الرفاه في ظروف دارفور الوعرة. وروج فكرة التناقض بين القبائل الموالية للحكومة، وسماها «العرب»، والمجموعات الثلاث التي يري فيها الخطر الرئيسي، وسماها «الزرقة» أو «الأفارقة». وهي إحدي الصور التي يستعملها البشير لإخفاء جرائمه، إذ إن الضحايا ومرتكبي الجرائم، كلهم «أفارقة» وكلهم يتكلمون باللغة «العربية».في شهر مارس ٢٠٠٣، وبعد فشل كل من المفاوضات والعمل المسلح، لم يتمكن أي من الطرفين من وضع حد لحملة التمرد في دارفور، كان أفرادها في معظمهم ينتمون إلي المجموعات المستهدفة الثلاث، فقرر البشير إهلاك جزء من جماعات الفور والمساليت والزغاوة استناداً إلي انتمائها العرقي. كانت دوافعه سياسية في معظمها. وكان يتذرع بحجة «مكافحة التمرد». أما نيته فهي الإبادة الجماعية.يتكلم الفور والمساليت والزغاوة اللغة العربية، وهم يشاركون أغلبية أهل دارفور في نفس الديانة، ألا وهي الإسلام. وقد مسح التعايش والزواج بين القبائل اختلافاتهم. لكنها، تاريخياً، كانت تسكن في أراض معينة، وهي دار الفور، ودار الزغاوة، ودار المساليت، وكانت أيضاً كل منها تتكلم لغتها الخاصة بها، وهي لغة تختلف عن اللغات الأخري كما تختلف عن العربية. ويري أفراد المجموعات أنفسهم، كما يراهم المهاجمون، علي أنهم مجموعات عرقية مختلفة.(ب) الجرائم:الإبادة الجماعية بقتل أفراد المجموعات المستهدفة:منذ شهر مارس ٢٠٠٣ حتي تاريخ تقديم الطلب، أسفرت أوامر البشير بمنح الحرية المطلقة لمرؤوسيه من أجل قمع التمرد، وعدم الاحتفاظ بأي سجين، عن سلسلة من الهجمات علي مجموعات الفور والمساليت والزغاوة. كانت القوات المسلحة، وهي غالباً ما تعمل مع ميليشيا «الجنجويد»، تخص بالهجمات تلك القري والبلدات الصغيرة التي يسكنها أساساً أفراد الجماعات المستهدفة. وأخذ المهاجمون مبادرة إعفاء القري التي يتشكل سكانها في معظمهم من القبائل الأخري التي تعتبر موالية للحكومة، حتي عندما كانت هذه القري مجاورة للقري التي يسكنها أفراد الجماعات المستهدفة.وقد أشار مكتب المدعي العام إلي أماكن جميع الهجمات المعروفة التي وقعت في الفترة ما بين ٢٠٠٣ و٢٠٠٨، في دارفور، قتل ٣٥ ألف شخص دفعة واحدة في مثل هذه الهجمات، وتنتمي غالبيتهم العظمي إلي الجماعات الثلاث المستهدفة. مصير الأشخاص المشردين داخلياً.لقد شرد تقريباً مجموع السكان المنتمين إلي الجماعات الثلاث المستهدفة بعد الهجمات. إن المعلومات الواردة من مخيمات اللاجئين في تشاد ومن مخيمات الأشخاص المشردين داخلياً داخل دارفور، تؤكد أن معظم المشردين ينتمون إلي الجماعات المستهدفة.في شهر ديسمبر ٢٠٠٧، كان مجموع السكان السودانيين المنتمين إلي دارفور الموجودين في المخيمات في تشاد يناهز ٢٣٥٠٠٠، منهم، ١١٠٠٠٠ تقريباً من الزغاوة، و١٠٣٠٠٠ من المساليت تقريباً. ولم يصل إلي تشاد من الفور إلا ٧٧٥٠ شخصاً، بسبب موقعهم الجغرافي في جنوب دارفور.لاحظت لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة، في شهر يناير ٢٠٠٥، أنه لن تكون هناك سياسة للإبادة الجماعية لو «كان الناجون من الهجمات علي القري... يعيشون معاً في مناطق تختارها الحكومة.. وتقدم لهم المساعدة». إضافة إلي الأدلة التي تبرهن علي ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية بالقتل وإلحاق ضرر جسدي أو عقلي جسيم، تبين هذه الأدلة الأخري أن الجماعات المستهدفة لا تستفيد من المساعدة، لا بل هي تهاجم في المخيمات. إن هذه الهجمات، كما يرد وصفها أدناه، التي تُشن علي غالبية ساحقة من أفراد الجماعات المستهدفة، إنما تدل بوضوح علي نية البشير بالإبادة الجماعية.الإبادة الجماعية بإلحاق ضرر عقلي جسيم بأفراد المجموعات المستهدفة:نتيجة الهجمات التي شُنت علي القري، طرد قسراً علي الأقل ٢٧٠٠ من الأشخاص من بيوتهم، معظمهم من أفراد المجموعات المستهدفة. وعندما كان يفر الناجون من الهجمات، كانت تتم متابعتهم إلي الصحاري، ويقتلون أو يتركون هناك لكي يموتوا. أما هؤلاء الذين تمكنوا من الوصول إلي ضواحي المدن الكبري، أو إلي ما أصبح لاحقاً مخيمات للمشردين داخلياً، فكان يتم إخضاعهم لأضرار جسدية وعقلية، وإلي ظروف مدروسة عموماً لإهلاكهم رويداً رويداً.(١) إن الآلاف من النساء والفتيات اللواتي ينتمين إلي المجموعات المستهدفة، قد اغتصبن وما يزلن يغتصبن في الولايات الثلاث من دارفور من طرف ميليشيا «الجنجويد» والقوات المسلحة، وذلك منذ ٢٠٠٣. اغتصبت بنات لا تتجاوز أعمارهن ٥ سنوات. يتمثل ثلث عمليات الاغتصاب في اغتصاب الأطفال. إن عدم الإبلاغ بالاغتصابات أمر جار به العمل. لكن يستنتج من الإبلاغات المتكررة والشهادات أن الاغتصاب يرتكب بانتظام وباستمرار منذ خمس سنوات. إن النساء والفتيات اللواتي تخرجن لجمع الحطب، أو العشب أو لجلب الماء يتم اغتصابهن باستمرار من طرف ميليشيا «الجنجويد» والقوات المسلحة، وغير ذلك من رجال الأمن في الحكومة السودانية: عندما نراهم، نفر جرياً. فينجو بعضنا، ويقبض علي البعض الآخر، فيقاد ويغتصب - يغتصب جماعياً. فقد يغتصب حوالي عشرين رجلاً امرأة واحدة (...). وهذا أمر عادي بالنسبة لنا نحن هنا في دارفور. إنه أمر يحدث باستمرار. لقد شهدت أنا أيضاً عمليات اغتصاب. ليس مهماً من يراهم وهم يغتصبون إحدي النساء - إنهم لا يأبهون. فهم يغتصبون الفتيا بحضور أمهاتهم وآبائهم». يمثِّل الاغتصاب جزءاً لا يتجزأ من نمط الإهلاك الذي تفرضه الحكومة السودانية علي الجماعات المستهدفة في دارفور. وكما وصفت المحكمة الجنائية الدولية لرواندا في قضية أكايسو، إنهم يستخدمون الاغتصاب لقتل العزيمة، والروح، بل الحياة نفسها.خصوصاً ونظراً لوصمة العار الاجتماعية المتعلقة بالاغتصاب وأشكال العنف الجنسي الأخري في وسط جماعات الفور والمساليت والزغاوة، تسبب هذه الأفعال ضرراً كبيراً لا يمكن درءه، ليس بالنسبة للنساء المعنيات فحسب بل أيضاً لمجتمعاتهن.(٢) إن التهجير القسري كان ومازال يمارس بطريقة تسبب الصدمة النفسية للضحايا وتمنعهم من إعادة تكوين جماعتهم. لقد استأصلت خطة البشير الإجرامية بعنف ما لا يقل عن مليونين وسبعمائة ألف مدني -معظمهم من الجماعات المستهدفة- من الأراضي التي كانوا يقطنونها والتي كان يقطنها من قبل أسلافهم لقرون، ويعاني الضحايا من الصدمة النفسية التي بسببها لهم شعورهم بأن يرغموا علي مشاهدة تدمير أو نهب منازلهم وممتلكاتهم واغتصاب أو قتل أفراد أسرهم، وبعد ذلك، يعاني الضحايا من حسرة إلمامهم بأن مواطنهم السابقة، في كثير من الحالات، احتلها أفراد من جماعات أخري واستوطنوا فيها - وبالتالي، لا يوجد أي أمل في العودة إليها. إن الإخلال الأمني المنظم الذي تقوم به عناصر وقوات البشير خارج المخيمات، بما في ذلك عمليات التجسس والتحرش التي يقوم بها أعضاء مفوضية العون الإنساني، قد زاد من خوف المشردين داخلياً. إن التأثير التراكمي للجرائم الموصوفة أعلاه هو أن الكثير من أعضاء الجماعات المستهدفة الناجين من الموت، لاسيما الذين يعيشون في مخيمات المشردين داخلياً، يعانون من ضرر عقلي أو نفسي خطير.الإبادة الجماعية بإخضاع أعضاء الجماعات المستهدفة عمداً لأحوال معيشية يقصد بها إهلاكها الفعلي كلياً أو جزئياً:(١) إن الهجمات التي تشن علي القري في دارفور من مارس ٢٠٠٣ إلي اليوم قد صممت ليس لقتل أعضاء الجماعات المستهدفة وإخراجهم من أراضيهم فحسب بل أيضاً لتدمير وسائل كسب عيش هذه الجماعات. إنهم يدمرون الطعام والآبار ومضخات المياه والمأوي والمحاصيل والماشية، بالإضافة إلي أي إنشاءات يمكن أن توفر سبل العيش أو التجارة. إنهم يدمرون المزارع وينهبون أو يحرقون صوامع الغلال. والهدف هو التأكد من إعجاز السكان الذين نجوا من الموت علي البقاء علي قيد الحياة دون مساعدة.(٢) إن الناجين من الموت لم يهجروا فقط من ديارهم بل أيضاً تمت ملاحقتهم في مناطق وعرة.
انبرت العديد من المنظمات الحقوقية ومنظمات المجتمع المدني بعضها يدافع عن البشير والبعض الآخر يطالب بتسليمه.
وقبل أن يعلن أوكامبو اتهامه للرئيس البشير كان قد طالب بتسليم الوزير السوداني أحمد هارون الذي رفضت الخرطوم تسليمه لمحاكمته علي ما تم إتهامه به من قبل أوكامبو بأنه ارتكب جرائم حرب ضد الإنسانية في دارفور.
أوكامبو الذي كان في زيارة عادية إلي القاهرة قبل عدة أيام من إصداره القرار قال لصحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية: إنه سيقدم للقضاة «أدلة علي جرائم ارتكبت في دارفور علي مدي الأعوام الخمسة الماضية» وأنه سيطلب توجيه الاتهام لفرد أو أفراد لكنه لم يذكر التفاصيل.ولكن التكهنات ترددت وقتها وعلي نطاق واسع بأنه قد يستهدف الرئيس السوداني وهو ما حدث بالفعل.وكان هذا نص القضية المرفوعة ضد البشير:أولاً: الطلب:بعد التحقيق في الجرائم المزعوم ارتكابها في أرض دارفور، السودان، في الأول من يوليو ٢٠٠٢ أو بعده، انتهي مكتب المدعي العام إلي أن هناك أسباباً معقولة للاعتقاد بأن عمر حسن أحمد البشير (المشار إليه أدناه باسم «البشير»)، يتحمل المسؤولية الجنائية فيما يتعلق بجرائم الإبادة الجماعية بموجب المادة ٦(أ) من نظام روما الأساسي، وقتل أفراد المجموعات العرقية التي تنتمي إليها جماعات الفور والمساليت والزغاوة (المشار إليها أيضاً أدناه بعبارة «الجماعات المستهدفة»)، (ب) وإلحاق ضرر جسدي أو عقلي جسيم بأفراد تلك الجماعات، (ج) وإخضاع الجماعة عمداً لأحوال معيشية يقصد بها إهلاكها الفعلي جزئياً، والجرائم ضد الإنسانية بموجب المادة ٧(١) من نظام روما الأساسي، المرتكبة كجزء من هجوم منتظم وواسع النطاق علي السكان المدنيين في دارفور، وعن علم بالهجوم، وأفعال (أ) القتل العمد، (ب) الإبادة، (د) إبعاد السكان أو النقل القسري للسكان، (و) التعذيب، (ز) الاغتصاب، وجرائم الحرب بموجب المادة ٨(٢)(هـ)،١، من نظام روما الأساسي، تعمد توجيه هجمات ضد السكان المدنيين بصفتهم هذه، و(٥) نهب أي بلدة أو مكان.إن مكتب المدعي العام لا يدعي بأن البشير قد ارتكب أياً من هذه الجرائم جسدياً أو بصورة مباشرة. وإنما ارتكب هذه الجرائم بواسطة أعضاء جهاز الدولة، والجيش وميليشيا «الجنجويد»، وفقاً للمادة ٢٥(٣)(أ)، (ارتكاب الجريمة بصوة غير مباشرة، أو ارتكابها بوسائل أخري).في جميع الأوقات المتعلقة بهذا الطلب، كان البشير يحتل منصب رئيس جمهورية السودان، ويمارس السلطة السيادية قانوناً وواقعاً، وهو رئيس حزب المؤتمر الوطني، والقائد الأعلي للقوات المسلحة. وهو يحتل قمة القيادة في هيكل السلطة الهرمي التابع للدولة، وهو شخصياً يدبر هذا الهيكل، ويوجه إدماج ميليشيا «الجنجويد» داخله. وهو الدماغ المدبر للجرائم المزعومة. وهو يتمتع أيضاً بالسلطة المطلقة.إن الأدلة تبرهن علي أن هناك أسباباً معقولة للاعتقاد بأن البشير ينوي إهلاك جزء كبير من الجماعات العرقية «الفور»، والمساليت، والزغاوة بصفتها هذه. إن القوات والمجموعات الأمنية التابعة للبشير قد شنت هجمات علي المدنيين في المدن والقري التي تقطنها المجموعات المستهدفة، وارتكبت أفعال القتل، والاغتصاب، والتعذيب، ودمرت الوسائل المعيشية. بذا، فقد أجبر البشير جزءاً كبيراً من المجموعات المستهدفة علي التشريد، وهاجمهم في مخيمات الأشخاص المشردين داخلياً، ملحقاً بذلك أضراراً جسدية جسيمة - بواسطة الاغتصاب، والتعذيب والتشريد القسري، والظروف المسببة للصدمات - وإخضاع جزء كبير من تلك المجموعات عمداً لأحوال معيشية يقصد بها إهلاكها الفعلي.إن الأفعال التي يقوم بها البشير في نفس الوقت تمثل جريمة الإبادة الجماعية ضد الجماعات العرقية الفور والمساليت والزغاوة، وجرائم ضد الإنسانية، وجرائم حرب ضد جميع السكان المدنيين في المنطقة، بمن فيهم أفراد المجموعات المستهدفة.إن القضية المرفوعة بموجب هذا الطلب هي القضية الثانية في هذه الحالة، وهي تشمل الجرائم المرتكبة في دارفور من شهر مارس ٢٠٠٣ إلي تاريخ تقديم هذا الطلب. إن حكومة السودان لا تقوم بتحقيق أو بمقاضاة في هذه القضية.ثانياً: المعلومات الأساسية ونطاق التحقيق:الاختصاص:أحيلت قضية دارفور إلي مكتب المدعي العام بموجب قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم ١٥٩٣ (٢٠٠٥)، الذي يؤكد أن العدالة والمساءلة أمران أساسيان لتحقيق السلم والأمن الدائمين في دارفور.التحقيق:منذ بداية التحقيق، جمع مكتب المدعي العام إفادات وأدلة أثناء ١٠٥ بعثات اضطلع بها في ١٨ بلداً. وقد قام المدعي العام، في جميع مراحل التحقيق، بفحص وقائع التجريم ووقائع التبرئة بصورة مستقلة ونزيهة.لأغراض هذا الطلب، استند مكتب المدعي العام في المقام الأول علي: (١) إفادات الشهود التي أدلي بها شهود عيان وضحايا الهجمات التي شنت علي دارفور، (٢) مقابلات مسجلة لمسؤولين سودانيين، (٣) إفادات أدلي بها أشخاص لهم علم بأنشطة المسؤولين والممثلين للحكومة السودانية وميليشيا «الجنجويد في النزاع القائم في دارفور، (٤) الوثائق وغيرها من المعلومات التي قدمتها الحكومة السودانية استجابة لطلب مكتب المدعي العام، (٥) تقرير لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة، وغير ذلك من الأدوات التي قدمتها اللجنة، (٦) تقرير لجنة التحقيق الوطنية السودانية وغير ذلك من الأدوات التي قدمتها هذه اللجنة، (٧) الوثائق وغيرها من الأدوات التي تم الحصول عليها من مصادر عامة.قام مكتب المدعي العام، في جميع مراحل التحقيق، بمراقبة أمن الضحايا والشهود، وبتنفيذ التدابير الحمائية ويواصل مكتب المدعي العام، بمشاركة وحدة الضحايا والشهود التابعة لقلم المحكمة ورصد وتقييم المخاطر التي تواجه الضحايا والشهود.المقبولية:(أ) السياق الذي أرتكبت فيه الجرائم:منذ أن تولي البشير السلطة في شهر يونيو ١٩٨٩، وهو يدخل في صراعات سياسية وعسكرية مع جماعات في الخرطوم كما في أطراف بالسودان، كان يري أنها تمثل خطراً علي سلطته، وهو يري أن الجماعات العرقية من فور ومساليت وزغاوة، في دارفور، بصفتها المجموعات المهيمنة اجتماعياً وسياسياً في الأرض، تمثل هذه المخاطر: إذ إنها تحتج علي تهميش منطقتها علي الصعيدين الاقتصادي والسياسي، وشارك أفراد هذه المجموعات في حركة تمرد مسلح.شرع البشير في قمع تلك الحركات بواسطة القوات المسلحة، ومع مرور السنوات، استخدم أيضاً سياسة استغلال المظالم الحقيقية أو الوهمية القائمة بين مختلف القبائل وهي تقاوم من أجل الرفاه في ظروف دارفور الوعرة. وروج فكرة التناقض بين القبائل الموالية للحكومة، وسماها «العرب»، والمجموعات الثلاث التي يري فيها الخطر الرئيسي، وسماها «الزرقة» أو «الأفارقة». وهي إحدي الصور التي يستعملها البشير لإخفاء جرائمه، إذ إن الضحايا ومرتكبي الجرائم، كلهم «أفارقة» وكلهم يتكلمون باللغة «العربية».في شهر مارس ٢٠٠٣، وبعد فشل كل من المفاوضات والعمل المسلح، لم يتمكن أي من الطرفين من وضع حد لحملة التمرد في دارفور، كان أفرادها في معظمهم ينتمون إلي المجموعات المستهدفة الثلاث، فقرر البشير إهلاك جزء من جماعات الفور والمساليت والزغاوة استناداً إلي انتمائها العرقي. كانت دوافعه سياسية في معظمها. وكان يتذرع بحجة «مكافحة التمرد». أما نيته فهي الإبادة الجماعية.يتكلم الفور والمساليت والزغاوة اللغة العربية، وهم يشاركون أغلبية أهل دارفور في نفس الديانة، ألا وهي الإسلام. وقد مسح التعايش والزواج بين القبائل اختلافاتهم. لكنها، تاريخياً، كانت تسكن في أراض معينة، وهي دار الفور، ودار الزغاوة، ودار المساليت، وكانت أيضاً كل منها تتكلم لغتها الخاصة بها، وهي لغة تختلف عن اللغات الأخري كما تختلف عن العربية. ويري أفراد المجموعات أنفسهم، كما يراهم المهاجمون، علي أنهم مجموعات عرقية مختلفة.(ب) الجرائم:الإبادة الجماعية بقتل أفراد المجموعات المستهدفة:منذ شهر مارس ٢٠٠٣ حتي تاريخ تقديم الطلب، أسفرت أوامر البشير بمنح الحرية المطلقة لمرؤوسيه من أجل قمع التمرد، وعدم الاحتفاظ بأي سجين، عن سلسلة من الهجمات علي مجموعات الفور والمساليت والزغاوة. كانت القوات المسلحة، وهي غالباً ما تعمل مع ميليشيا «الجنجويد»، تخص بالهجمات تلك القري والبلدات الصغيرة التي يسكنها أساساً أفراد الجماعات المستهدفة. وأخذ المهاجمون مبادرة إعفاء القري التي يتشكل سكانها في معظمهم من القبائل الأخري التي تعتبر موالية للحكومة، حتي عندما كانت هذه القري مجاورة للقري التي يسكنها أفراد الجماعات المستهدفة.وقد أشار مكتب المدعي العام إلي أماكن جميع الهجمات المعروفة التي وقعت في الفترة ما بين ٢٠٠٣ و٢٠٠٨، في دارفور، قتل ٣٥ ألف شخص دفعة واحدة في مثل هذه الهجمات، وتنتمي غالبيتهم العظمي إلي الجماعات الثلاث المستهدفة. مصير الأشخاص المشردين داخلياً.لقد شرد تقريباً مجموع السكان المنتمين إلي الجماعات الثلاث المستهدفة بعد الهجمات. إن المعلومات الواردة من مخيمات اللاجئين في تشاد ومن مخيمات الأشخاص المشردين داخلياً داخل دارفور، تؤكد أن معظم المشردين ينتمون إلي الجماعات المستهدفة.في شهر ديسمبر ٢٠٠٧، كان مجموع السكان السودانيين المنتمين إلي دارفور الموجودين في المخيمات في تشاد يناهز ٢٣٥٠٠٠، منهم، ١١٠٠٠٠ تقريباً من الزغاوة، و١٠٣٠٠٠ من المساليت تقريباً. ولم يصل إلي تشاد من الفور إلا ٧٧٥٠ شخصاً، بسبب موقعهم الجغرافي في جنوب دارفور.لاحظت لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة، في شهر يناير ٢٠٠٥، أنه لن تكون هناك سياسة للإبادة الجماعية لو «كان الناجون من الهجمات علي القري... يعيشون معاً في مناطق تختارها الحكومة.. وتقدم لهم المساعدة». إضافة إلي الأدلة التي تبرهن علي ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية بالقتل وإلحاق ضرر جسدي أو عقلي جسيم، تبين هذه الأدلة الأخري أن الجماعات المستهدفة لا تستفيد من المساعدة، لا بل هي تهاجم في المخيمات. إن هذه الهجمات، كما يرد وصفها أدناه، التي تُشن علي غالبية ساحقة من أفراد الجماعات المستهدفة، إنما تدل بوضوح علي نية البشير بالإبادة الجماعية.الإبادة الجماعية بإلحاق ضرر عقلي جسيم بأفراد المجموعات المستهدفة:نتيجة الهجمات التي شُنت علي القري، طرد قسراً علي الأقل ٢٧٠٠ من الأشخاص من بيوتهم، معظمهم من أفراد المجموعات المستهدفة. وعندما كان يفر الناجون من الهجمات، كانت تتم متابعتهم إلي الصحاري، ويقتلون أو يتركون هناك لكي يموتوا. أما هؤلاء الذين تمكنوا من الوصول إلي ضواحي المدن الكبري، أو إلي ما أصبح لاحقاً مخيمات للمشردين داخلياً، فكان يتم إخضاعهم لأضرار جسدية وعقلية، وإلي ظروف مدروسة عموماً لإهلاكهم رويداً رويداً.(١) إن الآلاف من النساء والفتيات اللواتي ينتمين إلي المجموعات المستهدفة، قد اغتصبن وما يزلن يغتصبن في الولايات الثلاث من دارفور من طرف ميليشيا «الجنجويد» والقوات المسلحة، وذلك منذ ٢٠٠٣. اغتصبت بنات لا تتجاوز أعمارهن ٥ سنوات. يتمثل ثلث عمليات الاغتصاب في اغتصاب الأطفال. إن عدم الإبلاغ بالاغتصابات أمر جار به العمل. لكن يستنتج من الإبلاغات المتكررة والشهادات أن الاغتصاب يرتكب بانتظام وباستمرار منذ خمس سنوات. إن النساء والفتيات اللواتي تخرجن لجمع الحطب، أو العشب أو لجلب الماء يتم اغتصابهن باستمرار من طرف ميليشيا «الجنجويد» والقوات المسلحة، وغير ذلك من رجال الأمن في الحكومة السودانية: عندما نراهم، نفر جرياً. فينجو بعضنا، ويقبض علي البعض الآخر، فيقاد ويغتصب - يغتصب جماعياً. فقد يغتصب حوالي عشرين رجلاً امرأة واحدة (...). وهذا أمر عادي بالنسبة لنا نحن هنا في دارفور. إنه أمر يحدث باستمرار. لقد شهدت أنا أيضاً عمليات اغتصاب. ليس مهماً من يراهم وهم يغتصبون إحدي النساء - إنهم لا يأبهون. فهم يغتصبون الفتيا بحضور أمهاتهم وآبائهم». يمثِّل الاغتصاب جزءاً لا يتجزأ من نمط الإهلاك الذي تفرضه الحكومة السودانية علي الجماعات المستهدفة في دارفور. وكما وصفت المحكمة الجنائية الدولية لرواندا في قضية أكايسو، إنهم يستخدمون الاغتصاب لقتل العزيمة، والروح، بل الحياة نفسها.خصوصاً ونظراً لوصمة العار الاجتماعية المتعلقة بالاغتصاب وأشكال العنف الجنسي الأخري في وسط جماعات الفور والمساليت والزغاوة، تسبب هذه الأفعال ضرراً كبيراً لا يمكن درءه، ليس بالنسبة للنساء المعنيات فحسب بل أيضاً لمجتمعاتهن.(٢) إن التهجير القسري كان ومازال يمارس بطريقة تسبب الصدمة النفسية للضحايا وتمنعهم من إعادة تكوين جماعتهم. لقد استأصلت خطة البشير الإجرامية بعنف ما لا يقل عن مليونين وسبعمائة ألف مدني -معظمهم من الجماعات المستهدفة- من الأراضي التي كانوا يقطنونها والتي كان يقطنها من قبل أسلافهم لقرون، ويعاني الضحايا من الصدمة النفسية التي بسببها لهم شعورهم بأن يرغموا علي مشاهدة تدمير أو نهب منازلهم وممتلكاتهم واغتصاب أو قتل أفراد أسرهم، وبعد ذلك، يعاني الضحايا من حسرة إلمامهم بأن مواطنهم السابقة، في كثير من الحالات، احتلها أفراد من جماعات أخري واستوطنوا فيها - وبالتالي، لا يوجد أي أمل في العودة إليها. إن الإخلال الأمني المنظم الذي تقوم به عناصر وقوات البشير خارج المخيمات، بما في ذلك عمليات التجسس والتحرش التي يقوم بها أعضاء مفوضية العون الإنساني، قد زاد من خوف المشردين داخلياً. إن التأثير التراكمي للجرائم الموصوفة أعلاه هو أن الكثير من أعضاء الجماعات المستهدفة الناجين من الموت، لاسيما الذين يعيشون في مخيمات المشردين داخلياً، يعانون من ضرر عقلي أو نفسي خطير.الإبادة الجماعية بإخضاع أعضاء الجماعات المستهدفة عمداً لأحوال معيشية يقصد بها إهلاكها الفعلي كلياً أو جزئياً:(١) إن الهجمات التي تشن علي القري في دارفور من مارس ٢٠٠٣ إلي اليوم قد صممت ليس لقتل أعضاء الجماعات المستهدفة وإخراجهم من أراضيهم فحسب بل أيضاً لتدمير وسائل كسب عيش هذه الجماعات. إنهم يدمرون الطعام والآبار ومضخات المياه والمأوي والمحاصيل والماشية، بالإضافة إلي أي إنشاءات يمكن أن توفر سبل العيش أو التجارة. إنهم يدمرون المزارع وينهبون أو يحرقون صوامع الغلال. والهدف هو التأكد من إعجاز السكان الذين نجوا من الموت علي البقاء علي قيد الحياة دون مساعدة.(٢) إن الناجين من الموت لم يهجروا فقط من ديارهم بل أيضاً تمت ملاحقتهم في مناطق وعرة.
رد: نص اتهام الرئيس السوداني
. لقد سمع أحد الضحايا صدفة في الصحراء أحد المهاجمين يقول لزميله: «لا تضيع الرصاصة، لا يملكون ما سيأكلونه فإنهم سيموتون من الجوع».(٣) فضلاً عن اضطهاد الضحايا، فقد سلب المهاجمون الضحايا من أراضيهم التي يقيم عليها الآن مستوطنون جدد: «إن هذه الأرض الآن محررة ولم تعد لكم أرض ولا الحق في فلاحة المناطق المحررة». إن اغتصاب الأرض غالباً ما يكون الضربة الأخيرة التي تسدد علي إمكانية بقاء الجماعات المستهدفة في دارفور. وتحدد دائماً مسألة الأرض كمسألة أساسية في الموضوع، وحتي البشير نفسه يعتقد كذلك. في خطابه بتاريخ أبريل ٢٠٠٣، الذي وجهه إلي القوات المسلحة وجنود قوات الدفاع الشعبي في مطار الفاشر، أعلن البشير قائلاً: «أنا لا أرغب إلا في الأرض». بعد طرد الجماعات المستهدفة من أراضيها وتدمير وسائل كسب عيشهم، يشجع البشير ويسهل عملية استيطان الأرض من قبل قبائل أخري أكثر دعماً للحكومة، ينتسب أغلبها إلي الميليشيا «الجنجويد»، وقد تم تنفيذ التشريد عن علم بالأثر المدمر الذي يخلفه علي النسيج الاجتماعي لهذه الجماعات التي ترتبط هويتها بالأرض. فإن إزالة هذه الجماعات من الأرض يضعف هيكلها القبلي.(٤) إنهم أيضاً يهاجمون الجماعات المستهدفة في المخيمات. إن البشير ومرؤوسيه لا يرفضون باستمرار تقديم أي عون مجد فحسب بل أيضاً يعيقون المجهودات الأخري لجلب العون الإنساني للمليونين وأربعمائة وخمسين ألفاً من المدنيين المشردين داخلياً. وعليه، بعد إخراج أعضاء الجماعات المستهدفة من أراضيهم بالقوة، أخضعوهم في أفضل الحالات لحمية غذائية وتخفيض للخدمات الطبية الأساسية دون الحد الأدني.في مخيمات المشردين داخلياً، حيث هرب معظم أفراد الجماعات المستهدفة، نظم البشير للذين بقوا علي قيد الحياة الفاقة وعدم الأمن والتحرش. لا تقدم وزارة الشؤون الإنسانية للمشردين داخلياً عوناً حكومياً مجدياً، لا بل تعرقل أو تعطل باستمرار الإغاثة الإنسانية المقدمة من المجتمع الدولي. إن وزارة الشؤون الإنسانية تعطل نشر مسوحات التغذية، وتؤخر توزيع الإغاثة، وتطرد موظفي الإغاثة الذين يشجبون مثل هذه الأفعال، وتمنع منح التأشيرات وتصاريح السفر، وتفرض علي عمال الإغاثة شروطاً بيروقراطية غير ضرورية. وقد أدي هذا إلي تخفيض التغذية وعدم الحصول علي الخدمات الطبية، وذلك خلال فترات زمنية طويلة.أفراد الميليشيا «الجنجويد» الذين جندهم البشير وسلحهم ويرفض عن عمد نزع سلاحهم، يقيمون بالقرب من المخيمات مع عناصر أخري من قوات الحكومة السودانية. ويعرضون المشردين داخلياً لمعاملات سيئة، منها أعمال القتل والاغتصاب وأعمال أخري للعنف الجنسي. في الوقت الذي تدعي فيه السلطات بوجود متمردين مسلحين داخل المخيمات، توضح الدلائل أن الذين تم الاعتداء عليهم كانوا مدنيين عُزل.جرائم ضد الإنسانيةإن تُهم الجرائم ضد الإنسانية مطلوبة كذلك لعرض النطاق الكامل للنشاط الإجرامي في دارفور منذ عام ٢٠٠٣، تحديدًا أعمال القتل والاغتصاب والتهجير القسري والإهلاك المرتكبة في حق كل من أفراد الجماعات المستهدفة والجماعات العرقية الصغيرة الأخري مثل التنجر، والارينقا، والبرقد، والمسيرية جبل، والميدوب، والداجو، والبرقو. بالرغم من أن الهجمات ضد هذه الجماعات شُنت علي خلفيات عنصرية، لا توجد في الوقت الراهن أدلة كافية لتوجيه تُهمة ارتكاب الإبادة الجماعية ضد هذه الجماعات.جرائم الحربفي جميع مراحل الفترة المتعلقة بالتُّهم، كانت الحكومة السودانية تشن حملة عسكرية في دارفور ضد قوات التمرد المسلح، منها حركة جيش تحرير السودان وحركة العدل والمساواة. وتُجند كل من الحركتين قواتها، بشكل أساسي، من قبائل الفور والمساليت والزغاوة. ومن المعلوم جيدًا أن الحكومة السودانية اعتمدت علي المليشيا/ الجنجويد.لقد ارتكب أيضًا البشير، من خلال أشخاص آخرين، جريمة حرب بنهب البلدات والقُري في دارفور شملت، مثالاً وليس حصرًا، كُدوم، وبنديسي، ومُكجر، وأرولا، وشطاية، وكيلي، وبُرام، ومُهاجيرية، وسيراف جداد، وسيلا، وسيربا، وأبو سُروج، وقُري في منطقة جبل موون.ج -المسؤولية الشخصية لعمر حسن أحمد البشيرإن البشير يسيطر علي الجُناة ويوجههم. إن ارتكاب جرائم بمثل هذا النطاق ولمثل هذا الوقت الطويل، واستهداف المدنيين لاسيما الفور والمساليت والزغاوة، والحصانة التي يتمتع بها الجُناة، والتستر المستمر علي الجرائم من خلال التصريحات الرسمية العلنية، يعتبر بمثابة أدلة علي وجود خُطة قائمة علي تعبئة أجهزة الدولة، من بينها القوات المسلحة، والأجهزة الاستخباراتية، والبيروقراطيات الدبلوماسية والإعلامية، والجهاز القضائي.وضع البشير خطة تتضمن: فصل الموظفين الذين يعترضون علي ارتكاب الجرائم وتعيين موظفين أساسيين لتنفيذ ارتكاب الجرائم - أبرزهم أحمد هارون، دمج الميليشيا/ الجنجويد بالتعيين الرسمي لزعمائهم في هيكل السلطة السودانية، التنفيذ الموحد للهجمات ضد الجماعات المستهدفة في القري من خلال اللجان الأمنية علي مستوي كل عملية، رفع تقارير إلي اللجان الأمنية الولائية، رفع التقارير لأحمد هارون خلال الفترة من ٢٠٠٣ إلي ٢٠٠٥ بصفته مسؤولاً عن «مكتب أمن دارفور» وعضوًا بمجلس الأمن الوطني، نظام العقبات المعرقلة لتوزيع العون الإنساني، حملةالتضليل الإعلامي، التعمد في عدم مُعاقبة الجُناة.إن البشير يشرف علي تنفيذ مثل هذه الخُطة من خلال موقعه الرسمي علي قمة كل هياكل الدولة وبصفته القائد الأعلي، كما أنه يتأكد من أن رؤساء المؤسسات المتورطة يرفعون تقاريرهم مباشرة له وذلك من خلال القنوات الرسمية وغير الرسمية. إن سيطرته مُطلقة.مع أن جسامة الجرائم المرتكبة جذبت الاهتمام الوطني والدولي، إلا أن البشير مازال ينفي ويخفي باستمرار الجرائم المرتكبة ويبرئ نفسه ومرؤوسيه منها. طوال الفترة المتعلقة بهذا الطلب، ينفي البشير شخصيا ومن خلال مرؤوسيه وقوع هذه الجرائم. يستخدم البشير الأجهزة الاستخباراتية والأمنية السودانية لتضليل أكبر للرأي العام المحلي والدولي حول دارفور، وذلك من خلال مركز السودان للإعلام الذي أسس في عام ٢٠٠٢ والذي يوجه توجيهات إلي كل المسؤولين للمساهمة في الحملة عبر إثارة قصص حول العودة الطوعية للمُشردين داخليا وبالقول إن دارفور مكان آمن يستطيع الناس أن يعيشوا فيه عيشة طبيعية.نظرًا للاهتمام الدولي بدارفور، تُعتبر الإبادة الجماعية إستراتيجية فعالة لتحقيق التدمير الكامل بفرض ظروف ترمي عمدًا إلي الإهلاك المادي المقرون بإستراتيجية التضليل الإعلامي المدروس.. بمنع كشف الحقائق المتعلقة بالجرائم، وبإخفاء جرائمه تحت ذريعة «إستراتيجية مكافحة التمرد» أو الصراعات القبلية أو «أفعال مليشيا مستقلة خارجة عن نطاق القانون»، وبتهديد المواطنين السودانيين، وبمحاولة ابتزاز المجتمع الدولي في صمت، يمهد البشير لارتكاب المزيد من الجرائم.يحرم البشير الضحايا من بلوغ نظام العدالة الجنائية، في حين يستخدم هذا النظام ضد الذين لا يمتثلون لأوامره الرامية إلي الإبادة. يحمي البشير مَرؤُوسيه ويرفعهم ويوفر لهم الإفلات من العقاب حتي يضمن رغبتهم في الاستمرار في ارتكاب الجرائم. ويمكنه أن يأمر بإجراء تحقيقات مع منتسبي القوات المسلحة وقوات الأمن، ولكن لا يخضع للتحقيق سوي الذين يرفضون المشاركة في ارتكاب الجرائم، قام البشير بترفيع جُناة سيئي السمعة (موسي هلال، شكر اللّه، عبداللّه مسار، الجنرال عصمت)، ولكن أبرز أفعاله تتعلق بأحمد هارون المطلوب لدي المحكمة الجنائية الدولية.قام أحمد هارون، بصفته وزيرًا للدولة بوزارة الداخلية ومسؤولاً عن «مكتب أمن دارفور»، بتجنيد وتعبئة المليشيا/ الجنجويد معتمدًا في ذلك علي الخبرة التي اكتسبها في تعبئة المليشيات القبلية في جنوب السودان في تسعينيات القرن الماضي. في عدة مناسبات، أقر أحمد هارون علنًا بمهمته الرامية إلي القضاء علي الجماعات المستهدفة، قائلاً إن البشير قد منحه السلطة لقتل من يود قتله. وذكر قائلاً: «من أجل دارفور، مستعدون لقتل ثلاثة أرباع سكان دارفور حتي ينعم الربع الباقي بالعيش». بعد قرار المحكمة بتاريخ ٢٧ أبريل ٢٠٠٧، سافر البشير إلي دارفور برفقة أحمد هارون وأعلن علي الملأ أنه لن يسلم علي الإطلاق أحمد هارون للمحكمة الجنائية الدولية، وأنه علي العكس سيستمر هارون في العمل في دارفور لتنفيذ أوامره. إن قرارات إبقاء هارون في مثل هذه المناصب - وزير دولة بوزارة الشؤون الإنسانية حيث استطاع الإضرار بالضحايا في المخيمات، رئيس لجنة انتهاكات حقوق الإنسان في جنوب وشمال السودان حيث يستطيع أن يضمن للجُناة الإفلات من العقاب، وعضو مجموعة المراقبة الوطنية بالـ «يوناميد» حيث استطاع التأثير علي نشر قوات حفظ السلام - كلها مُؤشرات واضحة للحماية التامة التي يوفرها البشير للذين ارتكبوا أفعال الإبادة الجماعية بناء علي أوامر مباشرة صدرت عنه.د - النية الإجرامية للبشيريضمر البشير نية الإبادة الجماعية، إذ أخضع عناصره وقواته جزءًا لا يستهان به من كل جماعة مُستهدفة، تعيش في مخيمات المشردين داخليا، لظروف ترمي إلي التدمير الجزئي لكل جماعة.أثناء الهجمات، كانت قوات البشير تدلي باستمرار بتصريحات من قبيل: «إن أهل الفور عبيد، سنقتلهم»، «أنتم من قبيلة الزغاوة، فأنتم عبيد»، «أنتم من المساليت. لماذا تأتون إلي هنا؟ لماذا تأخذون مراعينا؟ لن تأخذوا شيئًا اليوم». كان كلام المغتصبين يبين أيضًا بوضوح نيتهم في الإبادة الجماعية التي كانت تختفي وراء أفعالم» لما كانوا يغتصبوننا، كانوا يقولون إننا سنضع أطفالاً عربًا، وأنهم إذا التقوا بامرأة من أهل الفور سيغتصبونها من جديد لتغيير لون أطفالها». وكان مرتكبوالجرائم الأخري يستعملون لغة، ليست فقط لغة حاطة من الجانب العرقي، بل كانت أيضًا لغة تنمّ عن نية الإهلاك: «أنتم سود. لا يمكن أن يبق أي أسود هنا، ولا يمكن أن يبق أي أسود في السودان... إن سلطة البشير هي سلطة العرب، وسنقتلكم حتي آخركم»، «سنقتل جميع السود»، «سنطردكم من هذا البلد»، «نحن هنا للقضاء علي السود النوبة»، «لقد جاء ميعادكم، إن الحكومة قد سلحتني».إن استهداف الضحايا المنتظم استنادًا إلي انتمائهم إلي مجموعة معينة، وعمليات التدمير الحقيقية، وانعدام التمييز عمدًا بين المدنيين والأشخاص ذوي المركز العسكري، وارتكاب الأفعال التي تهدّم أساس المجموعات، مثل أفعال الأغتصاب المعمّمة، أو الطرد علي نطاق واسع من الأراضي ومن دون إمكانية العودة أو إعادة تشكيل المجموعة، والكلام الذي ينطق به مرتكبو الهجمات بشأن انتماء الضحايا العرقي، والاستراتيجية المصوغة التي ترمي إلي إخفاء الجرائم، والدليل علي وجود خطة، كل هذا يمثل مؤشرات تدلّ علي أنه لا يمكن الانتهاء إلا إلي استنتاج واحد، ألا وهو النية الإجرامية التي ترمي إلي الإبادة الجماعية.استنادًا إلي هذه العوامل، يعد الاستنتاج المعقول الوحيد من الأدلّة هو أن البشير ينوي إهلاك جزء كبير من مجموعات الفور والمساليت والزغاوة بصفتها هذه.ثالثًا - ضمان امتثال البشير أمام المحكمةعملاً بمتطلبات المادة ٥٨ من نظام روما الأساسي، إذا كانت الدائرة التمهيدية مقتنعة بأن هناك أسبابًا معقولة للاعتقاد بأن الشخص قد ارتكب جرائم تدخل في نطاق اختصاص المحكمة، قد تصدر هذه الدائرة، بطلب من الادّعاء، أمرًا بإلقاء القبض أو تأمر بالحضور. بموجب هذا الطلب، يدّعي الادعاء بأن الأدلّة والمعلومات الموجزة أعلاه، تمنح أسبابًا معقولة للاعتقاد بأن الشخص، البشير، قد ارتكب الجرائم المزعومة. ويطلب الادعاء، بكامل الاحترام.إصدار أمر بإلقاء القبضقد تظهر ظروف من شأنها أن تغير هذا التقييم. وبالتالي يري الادعاء أن إصدار أمر بالحضور قد يمثل خيارًا بالنسبة للمحكمة إذا عبرت الحكومة السودانية، وهي التي قد تصدر الأمر بالحضور، وتضمن متابعته، وكذلك الشخص المعني، عن الرغبة في السير في هذا السبيل
مواضيع مماثلة
» الرئيس يصر على فياض رئيسا للحكومة -أزمة بين فتح وحماس حول حلف الحكومة اليمين أمام الرئيس
» اتهام أميركا بالتحضير لاحتلال اليمن
» متحدث يعلن أن الرئيس السوري "خيب الآمال"
» نص خطاب تنصيب الرئيس الأميركي اوباما
» ثق .. يا دولة الرئيس إن زمن الحاكم إلـ(ما ينطيها) قد ولى! -
» اتهام أميركا بالتحضير لاحتلال اليمن
» متحدث يعلن أن الرئيس السوري "خيب الآمال"
» نص خطاب تنصيب الرئيس الأميركي اوباما
» ثق .. يا دولة الرئيس إن زمن الحاكم إلـ(ما ينطيها) قد ولى! -
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى