نظام القضاء العسكري الفلسطيني:بين القانون والواقع
صفحة 1 من اصل 1
نظام القضاء العسكري الفلسطيني:بين القانون والواقع
نظام القضاء العسكري الفلسطيني:بين القانون والواقع
تاريخ النشر : Thursday, 06 March 2008
غزة-دنيا الوطن
في يوم 13 شباط/فبراير 2008، عقد مركز جنيف للرقابة الديموقراطية على القوات المسلحة والمركز الفلسطيني لاستقلال المحاماة والقضاة (مساواة) ورشة عمل مشتركة في مدينة رام الله لمناقشة الوضع الراهن لنظام القضاء العسكري في فلسطين. وقد عُقدت هذه الورشة ضمن إطار المشروع الذي ينفذه مركز جنيف للرقابة الديموقراطية على القوات المسلحة بالاشتراك مع مركز مساواة لإعداد إطار مدني ديموقراطي ينظم قطاع القضاء العسكري الفلسطيني. وقد ركزت ورشة العمل على البعد القانوني الذي ينطوي عليه إصلاح نظام القضاء العسكري في فلسطين. وشارك في هذه الورشة ما يزيد عن 50 ممثلاً عن السلطة الوطنية الفلسطينية، وقوات الأمن الفلسطينية، والقضاء العسكري، والسلطة التنفيذية في السلطة الفلسطينية، والمجلس التشريعي، بالإضافة إلى ممثلين عن مؤسسات المجتمع المدني. كما حضر هذه الورشة 27 مشاركاً من قطاع غزة عن طريق تقنية الفيديو المرئي (video conference)، حيث أسهموا في إثراء النقاش الذي دار فيها.
لقد احتل نظام القضاء العسكري مؤخراً حيزاً كبيراً من النقاش في أوساط المجتمع الفلسطيني. فعلى مدى السنوات القليلة الماضية، أطلق عدد من الخبراء ومؤسسات المجتمع المدني في فلسطين عدة مبادرات تهدف إلى إعداد إطار تشريعي شامل يحكم جهاز القضاء العسكري. ويهدف هذا الإطار التشريعي، الذي يتضمن قوانين جديدة، إلى استبدال الإطار القانوني الذي أعدته منظمة التحرير الفلسطينية خلال العقد السابع من القرن الماضي؛ حيث يعتقد العديد من الفلسطينيين أن القوانين التي وضعتها المنظمة لم تعد تتناسب مع المعايير المدنية الديموقراطية المرعيّة، كما إنها لا تنص على إنشاء نظام ناجع للقضاء العسكري للسلطة الوطنية الفلسطينية. وقد واجهت الجهود التي بُذلت في الآونة الأخيرة لتوسيع نطاق صلاحيات المحاكم العسكرية واختصاصاتها من خلال سنّ المراسيم الرئاسية معارضة قوية من المجتمع المدني الفلسطيني. وفي هذا السياق، تم تنظيم هذه الورشة لإتاحة الفرصة للأطراف الفلسطينية المعنية لمناقشة الحالة الراهنة التي يعيشها نظام القضاء العسكري في فلسطين. وتمثل ورشة العمل أولى المناسبات التي تلتقي فيها هذه الأطراف الفلسطينية المعنية وتشارك في حوار شامل ومكثف ينصبّ على الطريقة المثلى التي ترتئيها لإنشاء قطاع القضاء العسكري في بلادهم. وفي هذا الإطار، ساهمت ورشة العمل في تعزيز دور مؤسسات المجتمع الفلسطيني في إصلاح القطاع الأمني. وبالإضافة إلى هذه الورشة، يعتزم مركز جنيف للرقابة الديموقراطية على القوات المسلحة ومركز مساواة تنظيم المزيد من ورشات العمل على مدى الشهور القادمة، والتي تهدف بمجملها إلى جمع الأطراف المعنية وإجراء المزيد من النقاشات فيما بينها والوقوف على آرائها حول هذا الموضوع.
من الثورة إلى الدولة – ضرورة تعديل التشريعات الصادرة عن منظمة التحرير الفلسطينية بشأن نظام القضاء العسكري
قدم السيد عبد الكريم حماد، وهو محامٍ من رام الله، ورقة حول التطور التاريخي الذي واكب التشريعات الفلسطينية بشأن قطاع القضاء العسكري. وقد تناول حماد في ورقته هيكلية القوانين التي تنظم هذا القطاع ومضمونها والهدف الذي تسعى إلى تحقيقه، ولا سيما منها قانون العقوبات الثوري وقانون أصول المحاكمات الجزائية الثوري الصادرين عن منظمة التحرير الفلسطينية. وفي حين يشتمل قانون أصول المحاكمات الجزائية الثوري على أحكام استُمِدت من قوانين القضاء العسكري النافذة في الأردن وسوريا ولبنان وفرنسا، فقد’وُرث قانون العقوبات الثوري عن قانون العقوبات العسكري الأردني‘. كما بيّن السيد حماد كيفية تطبيق أحكام هذين القانونين على الفدائيين الفلسطينيين والأجانب، وهم المقاتلون الذين انضووا تحت راية منظمة التحرير الفلسطينية في كفاحها ضد إسرائيل. ووفقاً لما قاله السيد حماد، فقد طبق هذان القانونان على ‘الفدائيين الذي يقبض عليهم متلبسين بالعمل ضد مبادئ الثورة الفلسطينية‘. كما نُفذ هذان القانونان بصورة جزئية على اللاجئين المدنيين الفلسطينيين الذي يعيشون في الدول التي تتواجد فيها منظمة التحرير. ومن جانب آخر، شدد السيد حماد على أن القوانين العامة التي كانت سارية في البلاد التي يقطنها المدنيون الفلسطينيون كانت تُطبَّق على معظم المسائل القانونية المتعلقة بهم.
وبالإضافة إلى ذلك، تناول السيد حماد الوسائل الكفيلة بالإنصاف والعدالة التي تنص عليها قوانين منظمة التحرير الفلسطينية بشأن قطاع القضاء العسكري؛ حيث أشار إلى أن هذه القوانين تركت مجالاً كافياً للسماح بالدفاع عن المتهمين من قبل محامٍ أو مؤسسة عسكرية. ولكن ما يؤخذ على هذه القوانين أنها لا تسمح للمدعى عليهم باستئناف الأحكام الصادرة بحقهم. وأضاف السيد حماد بأن قوانين منظمة التحرير الفلسطينية لا تنص على ضمان إجراءات عادلة للدفاع عن المتهمين، حيث تتولى السلطات العسكرية نفسها دور الدفاع في بعض الأحيان. كما ركز حماد على أن قوانين منظمة التحرير تتضمن عدداً ضئيلاً من الأحكام التي تنص على إجراء المراجعة القضائية. وبموجب القانون، يمكن نقض القرارات الصادرة عن المحاكم من قبل القائد الأعلى للقوات المسلحة التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية فقط؛ فهو وحده الذي يملك الصلاحية لتنفيذ الأحكام الصادر أو ردها أو تخفيفها (مع العلم بأنه لا يملك الصلاحية لتشديدها). وقد أثار هذا النص الكثير من المشاكل لأن الرئيس الراحل ياسر عرفات، والذي كان يشغل منصب رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، كان هو نفسه القائد الأعلى للقوات المسلحة التابعة للمنظمة. وبالإضافة غلى ذلك، ذكر السيد حماد بأن قوانين المنظمة تنص على ما مجموعه 47 جريمة عقوبتها الموت. واختتم السيد حماد ورقته بالإشارة إلى أن مواطن الخلل والقصور العديدة التي تعتري تلك القوانين قد نجمت عن غياب هيكلية إدارية واضحة ضمن منظمة التحرير الفلسطينية وهيكلية عمل خاصة بجيش المقاتلين الفلسطينيين.
وفيما يتعلق بالأهمية التي ينطوي عليها كل من قانون العقوبات الثوري وقانون أصول المحاكمات الجزائية الثوري الصادرين عن منظمة التحرير الفلسطينية بالنسبة لنا في أيامنا هذه (في سنة 2008)، أشار السيد حماد إلى أن هذين القانونين ينفذان على ’الفدائيين والمحاربين الذين يقاتلون على التراب الفلسطيني وأولئك الذين يقاتلون في بلاد أخرى.‘ ويتضمن هذا النص المحاربين الذي يخدمون في المنظمات الفلسطينية أو التشكيلات العسكرية خارج فلسطين. ومن وجهة نظر حماد، يفتقر القضاة العسكريون القائمون على رأس عملهم في الأراضي الفلسطينية إلى الخبرة اللازمة لتطبيق أي من هذين القانونين.
وفي النقاش الذي دار عقب تقديم هذه الورقة، اتفق المشاركون في ورشة العمل في آرائهم حول ضرورة تعديل التشريعات الصادرة عن منظمة التحرير الفلسطينية كي تتماشى مع الوضع الراهن في الأراضي الفلسطينية. ودعا عدد من ممثلي مؤسسات المجتمع المدني وجهاز القضاء العسكري إلى المبادرة إلى تعديل الإطار القانوني الحالي بصورة ناجعة. كما شدد هؤلاء الممثلون على أن عملية إصلاح قطاع الأمن الفلسطيني التي يجري تنفيذها في هذه الأيام توفر فرصة جيدة لتعديل تلك التشريعات. وبالإضافة إلى ذلك، وجّه ممثلو مؤسسات المجتمع المدني المشاركون في الورشة انتقادات لاذعة لما تتضمنه قوانين منظمة التحرير الفلسطينية من أحكام وإجراءات. وشدّد عدد منهم على أن أهم ما يعتري الإطار القانوني الحالي من مشاكل يتمثل في تطبيقه على كلا العسكريين والمدنيين. وفي هذا السياق، ذكر أحد المشاركين بأنه إذا ما ارتكب شرطي جريمة خطيرة بحق مواطن أو العكس، فإنه يجب على الإثنين المثول أمام محكمة عسكرية، وذلك وفقاً لأحكام الإطار القانوني القائم. ومن أجل المحافظة على ديمومة العلاقات الجيدة مع الدول المانحة، لم تُقْدم السلطة الوطنية الفلسطينية على إصدار تشريعات تنص على عقوبة الإعدام. ومع ذلك، ركز ممثلو مؤسسات المجتمع المدني على الحاجة الملحّة لمراجعة الأحكام ذات العلاقة. وبالإضافة إلى ذلك، دعا المشاركون إلى تحديد الصلاحيات والاختصاصات الممنوحة للمحاكم العسكرية بما يتوافق مع المعايير المدنية الديموقراطية بصورة واضحة لا لبس فيها. ويتضمن هذا التحديد ضمان استقلال القضاة وتنفيذ الإجراءات التي تضمن إجراء المحاكمات العادلة. وبالإضافة إلى ما تقدم، دعا عدد من المشاركين إلى إعداد آليات تضمن تنفيذ القرارات الصادرة عن المحاكم العسكرية في القضايا التي تضم في أطرافها أفراداً من القوات الأمنية، والذين كان البعض منهم يفلتون من العقاب الصادر بحقهم.
مشاريع القوانين التي أعدتها السلطة الوطنية الفلسطينية بشأن القضاء العسكري – التحرك إلى الأمام؟
أما القسم الثاني من ورشة العمل فقد انصبّ على مناقشة مشاريع القوانين الناظمة لجهاز القضاء العسكري، وما إذا كانت تتوفر في هذه المشاريع المعايير التي تكفل الحكم المدني الديموقراطي لقطاع الأمن وتعزز شفافيته وتضمن سيادة القانون وسلطانه عليه. وفي هذا السياق، تنص المادة 101/2 من القانون الأساسي على ما يلي:
’تنشأ المحاكم العسكرية بقوانين خاصة، وليس لهذه المحاكم أي اختصاص أو ولاية خارج نطاق الشأن العسكري‘
وعلى هذا الأساس، قدمت السلطة الوطنية الفلسطينية للمجلس التشريعي خلال عام 2005 مشروعي قانونين بشأن هيكلية المحاكم العسكرية (وهو مشروع القانون بشأن القضاء العسكري) وأصول المحاكمات المطبقة في المحاكم العسكرية (وهو مشروع القانون بشأن المحاكم العسكرية وأصول المحاكمات العسكرية). وفي الآونة الأخيرة، تم دمج هذين المشروعين في مشروع قانون واحد. ولكن في ظل افتقار السلطة الوطنية الفلسطينية إلى سياسة تشريعية واضحة، فقد بدا أن لبساً ساد بين المشاركين في ورشة العمل حول ماهية الآليات المتبعة في إعداد التشريعات في هذا الخصوص.
وفي هذا الإطار، قدم السيد عصام عابدين، مستشار رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني، تحليلاً حول المسودة الأخيرة من مشروع قانون القضاء العسكري. وقد أشار السيد عابدين إلى الحاجة الماسّة التي دفعت السلطة الوطنية الفلسطينية إلى إعداد تشريع ناجع وشفاف ينظّم قطاع القضاء العسكري، والذي تستند المبادئ التي ينص عليها إلى القانون الأساسي الفلسطيني. كما استرعى السيد عابدين الانتباه إلى أنه تمت صياغة القوانين التي سنّتها منظمة التحرير الفلسطينية سنة 1979 في ظل ظروف تاريخية خاصة تركت أثراً واضحاً على هيكليات تلك القوانين والأحكام التي تنص عليها. وفي الواقع، يختلف وضع السلطة الوطنية الفلسطينية في عام 2008 اختلافاً جوهرياً عن السياق الذي هيمن على جيش التحرير الفلسطيني. وبالإضافة إلى ما تقدم، أشار السيد عابدين إلى ضرورة إعداد قوانين تنظم قطاع القضاء العسكري لأن القانون الأساسي نفسه ينص على إنشاء هذا القطاع. وأياً كان الأمر، فقد عجز مشروع القانون المقترح عن مراجعة قوانين منظمة التحرير الصادرة عام 1979 بصورة مُرضِية، حيث أن العديد من المواضع في هذا المشروع لا تتواءم مع المعايير المحلية والدولية المرعية. ولذلك، دعا عابدين إلى إجراء مراجعة شاملة لمشروع القانون المذكور.
كما عرج السيد عابدين على الأحكام التي تثير الجدل في مشروع القانون المقترح؛ حيث أشار إلى أن هذا المشروع قد صيغَ على هديٍ من المبادئ التي وضعتها منظمة التحرير لتنظيم جهاز القضاء العسكري، وليس على أساس احتياجات السلطة الوطنية الفلسطينية نفسها. فبادئ ذي بدء، ينص هذا المشروع على إنشاء ست درجات من المحاكم العسكرية، وهو نظام منسوخ عن القانون المصري بشأن القضاء العسكري. ومن مواطن الخلل الأخرى التي تشوب هذا المشروع أنه لا ينص على ضمان استقلال المحاكم والنيابة العسكرية. وفي هذا الصدد، أشار السيد عابدين إلى أن مشروع القانون يسمح لرئيس السلطة الوطنية الفلسطينية بتعيين القضاة العسكريين دون استشارة المجلس التشريعي. وعلاوةً على ذلك، ينص مشروع القانون على تشكيل لجنة للقضاة العسكريين يترأسها المستشار القانوني لوزير الأمن الوطني في ذات الوقت، وهو منصب لم يكن قائماً في حينه. كما انتقد عابدين إجراءات تعيين أعضاء النيابة العسكرية من قبل السلطة التنفيذية دون الخضوع لأية رقابة خارجية. وبالإضافة إلى ذلك، صرح السيد عابدين بأن ’الأدوار التي يضطلع بها كل من القضاة العسكريين ووكلاء النيابة يشوبها الكثير من اللبس، حيث يتولى ذات الأشخاص مناصب القضاة ووكلاء النيابة في ذات الوقت، كما إن مهامهم غير محددة بصورة واضحة.‘
كما عبر السيد عابدين عن معارضته لمشروع القانون الذي أقرّ بإمكانية محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية في ظل ظروف معينة: ’فهذا الأمر غير مقبول. وهذا القانون لا يميز بين المدنيين والعسكريين بشكل واضح، حيث يمكن إجبار المدنيين على المثول أمام المحاكم العسكرية دون أية إمكانية لكفالتهم أو استئناف الأحكام الصادرة بحقهم.‘
وأضاف عابدين كذلك بأن ما يؤخذ على مشروع القانون المذكور خلوّه من الضمانات القانونية وإجراءات المحاكمة العادلة. وأشار في هذا السياق إلى أن تصنيف الجريمة العسكرية تُرك بمجمله لتقدير السلطات العسكرية واجتهادها دون أية رقابة مدنية، بالإضافة إلى أن رئيس السلطة الوطنية يستطيع وبشكل منفرد إحالة أية قضية يرتئيها إلى المحاكم العسكرية. وبالإضافة إلى ذلك، تخضع الأحكام الصادرة عن المحاكم العسكرية لتقدير الرئيس بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة. ومن المشاكل الرئيسية الأخرى التي تعتري مشروع القانون أنه يسمح لمحاكم الدرجة الأولى – والمعروفة بـ’المحاكم العسكرية الميدانية‘ – بالعمل خارج إطار القانون إذا ما قرر القائد الأعلى للقوات المسلحة ذلك. كما حذر السيد عابدين من أن الفترات الزمنية المحددة لاستجواب الأشخاص المشتبه بهم واحتجازهم ورفع قضاياهم للمحكمة غير مناسبة، وبالتالي يتحتم تعديلها بحيث تتواءم مع المبادئ والمعايير المرعية في السلطة الوطنية الفلسطينية.
وأخيراً، أشار السيد عابدين إلى أن مشروع القانون المقترح لا يزال يتضمن 45 جريمة يعاقب مرتكبوها بالإعدام. كما شدد على أن عدداً من الأحكام ذات العلاقة بهذه الجرائم لا تتماشى مع المعاهدات والمعايير الدولية في هذا الشأن، كاتفاقيات جنيف الموقعة في عام 1949 مثلاً.
وفي النقاش الذي أعقب حديث السيد عابدين، اتفق ممثلو مؤسسات المجتمع المدني وقطاع القضاء العسكري على ضرورة إجراء المزيد من المراجعات والتنقيح لمشروع قانون القضاء العسكري الذي أعدته السلطة الوطنية الفلسطينية وتعديله كي يتوافق مع المعايير الوطنية والدولية المرعية. كما أجمع معظم المشاركين في اتفاقهم على وجوب الفصل الواضح بين السلطتين التنفيذية والقضائية وبين الوظائف العسكرية والمدنية. وكما قال أحد المشاركين، ’نحن بحاجة إلى الفصل الواضح بين المؤسسة العسكرية والسلطة القضائية والمحاكم المدنية‘. وبالإضافة إلى ذلك، اتفق المشاركون في ورشة العمل على أنه يتعين على المجلس التشريعي أن يضطلع بدوره في عملية صياغة التشريعات. كما شددوا على ضرورة إعداد آليات تضمن فرض الرقابة البرلمانية على النشاطات والأعمال التي يؤديها نظام القضاء العسكري. وزيادةً على ذلك، أشار المتحدثون إلى وجود عدد من التناقضات القائمة بين مشروع القانون المذكور والقانون الأساسي الفلسطيني لسنة 2003، ولا سيما ما يتعلق منها بأصول المحاكمة العادلة ومبدأ استقلال القضاء، والتي والتي تستوجب المعالجة. كما صرح المشاركون بأن مشروع القانون المقترح بحاجة إلى تعديلات جذرية، خصوصاً فيما يتعلق بتوفير الضمانات القضائية للمدعى عليهم. كما ساد اتفاق عام بين المشاركين في الورشة حول وجوب تطبيق القانون بحذافيره على أفراد قوى الأمن وليس على المدنيين. وبحسب أحد ممثلي قوات الأمن الذين حضروا هذه الورشة: ’يجب تطبيق القانون على القوات الأمنية الفلسطينية فقط، والتي تعمل بموجب قانون الخدمة في قوى الأمن الفلسطينية الصادر سنة 2005؛ فالقانون الذي يطبق على المدنيين يعتريه الخلل.‘
النتائج
يمثل إصلاح نظام القضاء العسكري جزءاً لا يتجزأ من العملية الشاملة التي تستهدف إصلاح قطاع الأمن. ففي بعض الحالات، تتجاهل الأطراف المحلية والدولية التي تشارك في عمليات الإصلاح الشاملة لهذا القطاع ضرورة إعداد آليات خاصة بعمل جهاز القضاء العسكري والتي تتسم بمشروعيتها وخضوعها للمساءلة، إلى جانب إصلاح مجالات أخرى من قطاع الأمن. وبخلاف ذلك، فقد يخلّف ترك نظام القضاء العسكري خارج نطاق عملية الإصلاح آثاراً لا تُحمد عقباها؛ حيث يؤدي هذا الأمر إلى تشتيت التقدم الذي تم إحرازه في ميادين أخرى من إصلاح القطاع الأمني وتقويض استدامة الإصلاحات التي تركز على جميع فروع هذا القطاع.
وقد أثبتت ورشة العمل التي عقدناها مدى وعي الفلسطينيين بالمخاطر التي يفرزها نظام القضاء العسكري الذي يحتاج للإصلاح على إصلاح قطاعهم الأمني بعمومه. كما تمثل هذه الورشة خطوة أولى نحو إتاحة الفرصة للفلسطينيين كي يناقشوا الأدوار التي يضطلع بها جهاز القضاء العسكري وهيكلياته ووظائفه. وقد التقى ممثلو القضاء العسكري والمجتمع المدني في وجهات نظرهم حول ضرورة مراجعة الإطار القانوني الحالي بصورة عاجلة وعدم التواني في ذلك. ومن الضروري في هذا الإطار إجراء المزيد من النقاش حول إعداد إطار قانوني سليم لنظام القضاء العسكري الفلسطيني، والذي يمكّنه من اكتساب الصفة الشرعية في نظر المواطنين الفلسطينيين. وفي هذا السياق، خرج المشاركون في ورشة العمل بعدد من التوصيات حول كيفية تحقيق هذا الهدف:
• مواصلة إجراء الحوار على الصعيد الداخلي حول دور القضاء العسكري ووظائفه ضمن الإطار العام للقطاع الأمني في فلسطين. ويمثل هذا الحوار شرطاً مهماً لبناء جهاز للقضاء العسكري يتسم بالكفاءة ويحوز على ثقة المواطنين.
• إطلاق عملية شاملة لصياغة التشريعات، بحيث تضم جميع الأطراف التي تشارك في حكم قطاع الأمن في فلسطين – وهي السلطة الوطنية الفلسطينية، والقوات الأمنية، والقضاء العسكري، والمجلس التشريعي، والأحزاب السياسية، والمحامين والأكاديميين.
• ضمان امتثال الإطار القانوني الناظم لقطاع القضاء العسكري للمبادئ والمعايير الوطنية والدولية ذات الصلة، ولا سيما ما يتعلق منها بإنفاذ القوانين، والضمانات القضائية، والمحاكمة العادلة، وإجراءات المراجعة وأنظمة العقوبات.
• ضمان استقلال المحاكم العسكرية والنيابة العسكرية بما يتفق مع مبدأ الفصل بين السلطات الذي يحفظه القانون الأساسي الفلسطيني.
في يوم 13 شباط/فبراير 2008، عقد مركز جنيف للرقابة الديموقراطية على القوات المسلحة والمركز الفلسطيني لاستقلال المحاماة والقضاة (مساواة) ورشة عمل مشتركة في مدينة رام الله لمناقشة الوضع الراهن لنظام القضاء العسكري في فلسطين. وقد عُقدت هذه الورشة ضمن إطار المشروع الذي ينفذه مركز جنيف للرقابة الديموقراطية على القوات المسلحة بالاشتراك مع مركز مساواة لإعداد إطار مدني ديموقراطي ينظم قطاع القضاء العسكري الفلسطيني. وقد ركزت ورشة العمل على البعد القانوني الذي ينطوي عليه إصلاح نظام القضاء العسكري في فلسطين. وشارك في هذه الورشة ما يزيد عن 50 ممثلاً عن السلطة الوطنية الفلسطينية، وقوات الأمن الفلسطينية، والقضاء العسكري، والسلطة التنفيذية في السلطة الفلسطينية، والمجلس التشريعي، بالإضافة إلى ممثلين عن مؤسسات المجتمع المدني. كما حضر هذه الورشة 27 مشاركاً من قطاع غزة عن طريق تقنية الفيديو المرئي (video conference)، حيث أسهموا في إثراء النقاش الذي دار فيها.
لقد احتل نظام القضاء العسكري مؤخراً حيزاً كبيراً من النقاش في أوساط المجتمع الفلسطيني. فعلى مدى السنوات القليلة الماضية، أطلق عدد من الخبراء ومؤسسات المجتمع المدني في فلسطين عدة مبادرات تهدف إلى إعداد إطار تشريعي شامل يحكم جهاز القضاء العسكري. ويهدف هذا الإطار التشريعي، الذي يتضمن قوانين جديدة، إلى استبدال الإطار القانوني الذي أعدته منظمة التحرير الفلسطينية خلال العقد السابع من القرن الماضي؛ حيث يعتقد العديد من الفلسطينيين أن القوانين التي وضعتها المنظمة لم تعد تتناسب مع المعايير المدنية الديموقراطية المرعيّة، كما إنها لا تنص على إنشاء نظام ناجع للقضاء العسكري للسلطة الوطنية الفلسطينية. وقد واجهت الجهود التي بُذلت في الآونة الأخيرة لتوسيع نطاق صلاحيات المحاكم العسكرية واختصاصاتها من خلال سنّ المراسيم الرئاسية معارضة قوية من المجتمع المدني الفلسطيني. وفي هذا السياق، تم تنظيم هذه الورشة لإتاحة الفرصة للأطراف الفلسطينية المعنية لمناقشة الحالة الراهنة التي يعيشها نظام القضاء العسكري في فلسطين. وتمثل ورشة العمل أولى المناسبات التي تلتقي فيها هذه الأطراف الفلسطينية المعنية وتشارك في حوار شامل ومكثف ينصبّ على الطريقة المثلى التي ترتئيها لإنشاء قطاع القضاء العسكري في بلادهم. وفي هذا الإطار، ساهمت ورشة العمل في تعزيز دور مؤسسات المجتمع الفلسطيني في إصلاح القطاع الأمني. وبالإضافة إلى هذه الورشة، يعتزم مركز جنيف للرقابة الديموقراطية على القوات المسلحة ومركز مساواة تنظيم المزيد من ورشات العمل على مدى الشهور القادمة، والتي تهدف بمجملها إلى جمع الأطراف المعنية وإجراء المزيد من النقاشات فيما بينها والوقوف على آرائها حول هذا الموضوع.
من الثورة إلى الدولة – ضرورة تعديل التشريعات الصادرة عن منظمة التحرير الفلسطينية بشأن نظام القضاء العسكري
قدم السيد عبد الكريم حماد، وهو محامٍ من رام الله، ورقة حول التطور التاريخي الذي واكب التشريعات الفلسطينية بشأن قطاع القضاء العسكري. وقد تناول حماد في ورقته هيكلية القوانين التي تنظم هذا القطاع ومضمونها والهدف الذي تسعى إلى تحقيقه، ولا سيما منها قانون العقوبات الثوري وقانون أصول المحاكمات الجزائية الثوري الصادرين عن منظمة التحرير الفلسطينية. وفي حين يشتمل قانون أصول المحاكمات الجزائية الثوري على أحكام استُمِدت من قوانين القضاء العسكري النافذة في الأردن وسوريا ولبنان وفرنسا، فقد’وُرث قانون العقوبات الثوري عن قانون العقوبات العسكري الأردني‘. كما بيّن السيد حماد كيفية تطبيق أحكام هذين القانونين على الفدائيين الفلسطينيين والأجانب، وهم المقاتلون الذين انضووا تحت راية منظمة التحرير الفلسطينية في كفاحها ضد إسرائيل. ووفقاً لما قاله السيد حماد، فقد طبق هذان القانونان على ‘الفدائيين الذي يقبض عليهم متلبسين بالعمل ضد مبادئ الثورة الفلسطينية‘. كما نُفذ هذان القانونان بصورة جزئية على اللاجئين المدنيين الفلسطينيين الذي يعيشون في الدول التي تتواجد فيها منظمة التحرير. ومن جانب آخر، شدد السيد حماد على أن القوانين العامة التي كانت سارية في البلاد التي يقطنها المدنيون الفلسطينيون كانت تُطبَّق على معظم المسائل القانونية المتعلقة بهم.
وبالإضافة إلى ذلك، تناول السيد حماد الوسائل الكفيلة بالإنصاف والعدالة التي تنص عليها قوانين منظمة التحرير الفلسطينية بشأن قطاع القضاء العسكري؛ حيث أشار إلى أن هذه القوانين تركت مجالاً كافياً للسماح بالدفاع عن المتهمين من قبل محامٍ أو مؤسسة عسكرية. ولكن ما يؤخذ على هذه القوانين أنها لا تسمح للمدعى عليهم باستئناف الأحكام الصادرة بحقهم. وأضاف السيد حماد بأن قوانين منظمة التحرير الفلسطينية لا تنص على ضمان إجراءات عادلة للدفاع عن المتهمين، حيث تتولى السلطات العسكرية نفسها دور الدفاع في بعض الأحيان. كما ركز حماد على أن قوانين منظمة التحرير تتضمن عدداً ضئيلاً من الأحكام التي تنص على إجراء المراجعة القضائية. وبموجب القانون، يمكن نقض القرارات الصادرة عن المحاكم من قبل القائد الأعلى للقوات المسلحة التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية فقط؛ فهو وحده الذي يملك الصلاحية لتنفيذ الأحكام الصادر أو ردها أو تخفيفها (مع العلم بأنه لا يملك الصلاحية لتشديدها). وقد أثار هذا النص الكثير من المشاكل لأن الرئيس الراحل ياسر عرفات، والذي كان يشغل منصب رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، كان هو نفسه القائد الأعلى للقوات المسلحة التابعة للمنظمة. وبالإضافة غلى ذلك، ذكر السيد حماد بأن قوانين المنظمة تنص على ما مجموعه 47 جريمة عقوبتها الموت. واختتم السيد حماد ورقته بالإشارة إلى أن مواطن الخلل والقصور العديدة التي تعتري تلك القوانين قد نجمت عن غياب هيكلية إدارية واضحة ضمن منظمة التحرير الفلسطينية وهيكلية عمل خاصة بجيش المقاتلين الفلسطينيين.
وفيما يتعلق بالأهمية التي ينطوي عليها كل من قانون العقوبات الثوري وقانون أصول المحاكمات الجزائية الثوري الصادرين عن منظمة التحرير الفلسطينية بالنسبة لنا في أيامنا هذه (في سنة 2008)، أشار السيد حماد إلى أن هذين القانونين ينفذان على ’الفدائيين والمحاربين الذين يقاتلون على التراب الفلسطيني وأولئك الذين يقاتلون في بلاد أخرى.‘ ويتضمن هذا النص المحاربين الذي يخدمون في المنظمات الفلسطينية أو التشكيلات العسكرية خارج فلسطين. ومن وجهة نظر حماد، يفتقر القضاة العسكريون القائمون على رأس عملهم في الأراضي الفلسطينية إلى الخبرة اللازمة لتطبيق أي من هذين القانونين.
وفي النقاش الذي دار عقب تقديم هذه الورقة، اتفق المشاركون في ورشة العمل في آرائهم حول ضرورة تعديل التشريعات الصادرة عن منظمة التحرير الفلسطينية كي تتماشى مع الوضع الراهن في الأراضي الفلسطينية. ودعا عدد من ممثلي مؤسسات المجتمع المدني وجهاز القضاء العسكري إلى المبادرة إلى تعديل الإطار القانوني الحالي بصورة ناجعة. كما شدد هؤلاء الممثلون على أن عملية إصلاح قطاع الأمن الفلسطيني التي يجري تنفيذها في هذه الأيام توفر فرصة جيدة لتعديل تلك التشريعات. وبالإضافة إلى ذلك، وجّه ممثلو مؤسسات المجتمع المدني المشاركون في الورشة انتقادات لاذعة لما تتضمنه قوانين منظمة التحرير الفلسطينية من أحكام وإجراءات. وشدّد عدد منهم على أن أهم ما يعتري الإطار القانوني الحالي من مشاكل يتمثل في تطبيقه على كلا العسكريين والمدنيين. وفي هذا السياق، ذكر أحد المشاركين بأنه إذا ما ارتكب شرطي جريمة خطيرة بحق مواطن أو العكس، فإنه يجب على الإثنين المثول أمام محكمة عسكرية، وذلك وفقاً لأحكام الإطار القانوني القائم. ومن أجل المحافظة على ديمومة العلاقات الجيدة مع الدول المانحة، لم تُقْدم السلطة الوطنية الفلسطينية على إصدار تشريعات تنص على عقوبة الإعدام. ومع ذلك، ركز ممثلو مؤسسات المجتمع المدني على الحاجة الملحّة لمراجعة الأحكام ذات العلاقة. وبالإضافة إلى ذلك، دعا المشاركون إلى تحديد الصلاحيات والاختصاصات الممنوحة للمحاكم العسكرية بما يتوافق مع المعايير المدنية الديموقراطية بصورة واضحة لا لبس فيها. ويتضمن هذا التحديد ضمان استقلال القضاة وتنفيذ الإجراءات التي تضمن إجراء المحاكمات العادلة. وبالإضافة إلى ما تقدم، دعا عدد من المشاركين إلى إعداد آليات تضمن تنفيذ القرارات الصادرة عن المحاكم العسكرية في القضايا التي تضم في أطرافها أفراداً من القوات الأمنية، والذين كان البعض منهم يفلتون من العقاب الصادر بحقهم.
مشاريع القوانين التي أعدتها السلطة الوطنية الفلسطينية بشأن القضاء العسكري – التحرك إلى الأمام؟
أما القسم الثاني من ورشة العمل فقد انصبّ على مناقشة مشاريع القوانين الناظمة لجهاز القضاء العسكري، وما إذا كانت تتوفر في هذه المشاريع المعايير التي تكفل الحكم المدني الديموقراطي لقطاع الأمن وتعزز شفافيته وتضمن سيادة القانون وسلطانه عليه. وفي هذا السياق، تنص المادة 101/2 من القانون الأساسي على ما يلي:
’تنشأ المحاكم العسكرية بقوانين خاصة، وليس لهذه المحاكم أي اختصاص أو ولاية خارج نطاق الشأن العسكري‘
وعلى هذا الأساس، قدمت السلطة الوطنية الفلسطينية للمجلس التشريعي خلال عام 2005 مشروعي قانونين بشأن هيكلية المحاكم العسكرية (وهو مشروع القانون بشأن القضاء العسكري) وأصول المحاكمات المطبقة في المحاكم العسكرية (وهو مشروع القانون بشأن المحاكم العسكرية وأصول المحاكمات العسكرية). وفي الآونة الأخيرة، تم دمج هذين المشروعين في مشروع قانون واحد. ولكن في ظل افتقار السلطة الوطنية الفلسطينية إلى سياسة تشريعية واضحة، فقد بدا أن لبساً ساد بين المشاركين في ورشة العمل حول ماهية الآليات المتبعة في إعداد التشريعات في هذا الخصوص.
وفي هذا الإطار، قدم السيد عصام عابدين، مستشار رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني، تحليلاً حول المسودة الأخيرة من مشروع قانون القضاء العسكري. وقد أشار السيد عابدين إلى الحاجة الماسّة التي دفعت السلطة الوطنية الفلسطينية إلى إعداد تشريع ناجع وشفاف ينظّم قطاع القضاء العسكري، والذي تستند المبادئ التي ينص عليها إلى القانون الأساسي الفلسطيني. كما استرعى السيد عابدين الانتباه إلى أنه تمت صياغة القوانين التي سنّتها منظمة التحرير الفلسطينية سنة 1979 في ظل ظروف تاريخية خاصة تركت أثراً واضحاً على هيكليات تلك القوانين والأحكام التي تنص عليها. وفي الواقع، يختلف وضع السلطة الوطنية الفلسطينية في عام 2008 اختلافاً جوهرياً عن السياق الذي هيمن على جيش التحرير الفلسطيني. وبالإضافة إلى ما تقدم، أشار السيد عابدين إلى ضرورة إعداد قوانين تنظم قطاع القضاء العسكري لأن القانون الأساسي نفسه ينص على إنشاء هذا القطاع. وأياً كان الأمر، فقد عجز مشروع القانون المقترح عن مراجعة قوانين منظمة التحرير الصادرة عام 1979 بصورة مُرضِية، حيث أن العديد من المواضع في هذا المشروع لا تتواءم مع المعايير المحلية والدولية المرعية. ولذلك، دعا عابدين إلى إجراء مراجعة شاملة لمشروع القانون المذكور.
كما عرج السيد عابدين على الأحكام التي تثير الجدل في مشروع القانون المقترح؛ حيث أشار إلى أن هذا المشروع قد صيغَ على هديٍ من المبادئ التي وضعتها منظمة التحرير لتنظيم جهاز القضاء العسكري، وليس على أساس احتياجات السلطة الوطنية الفلسطينية نفسها. فبادئ ذي بدء، ينص هذا المشروع على إنشاء ست درجات من المحاكم العسكرية، وهو نظام منسوخ عن القانون المصري بشأن القضاء العسكري. ومن مواطن الخلل الأخرى التي تشوب هذا المشروع أنه لا ينص على ضمان استقلال المحاكم والنيابة العسكرية. وفي هذا الصدد، أشار السيد عابدين إلى أن مشروع القانون يسمح لرئيس السلطة الوطنية الفلسطينية بتعيين القضاة العسكريين دون استشارة المجلس التشريعي. وعلاوةً على ذلك، ينص مشروع القانون على تشكيل لجنة للقضاة العسكريين يترأسها المستشار القانوني لوزير الأمن الوطني في ذات الوقت، وهو منصب لم يكن قائماً في حينه. كما انتقد عابدين إجراءات تعيين أعضاء النيابة العسكرية من قبل السلطة التنفيذية دون الخضوع لأية رقابة خارجية. وبالإضافة إلى ذلك، صرح السيد عابدين بأن ’الأدوار التي يضطلع بها كل من القضاة العسكريين ووكلاء النيابة يشوبها الكثير من اللبس، حيث يتولى ذات الأشخاص مناصب القضاة ووكلاء النيابة في ذات الوقت، كما إن مهامهم غير محددة بصورة واضحة.‘
كما عبر السيد عابدين عن معارضته لمشروع القانون الذي أقرّ بإمكانية محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية في ظل ظروف معينة: ’فهذا الأمر غير مقبول. وهذا القانون لا يميز بين المدنيين والعسكريين بشكل واضح، حيث يمكن إجبار المدنيين على المثول أمام المحاكم العسكرية دون أية إمكانية لكفالتهم أو استئناف الأحكام الصادرة بحقهم.‘
وأضاف عابدين كذلك بأن ما يؤخذ على مشروع القانون المذكور خلوّه من الضمانات القانونية وإجراءات المحاكمة العادلة. وأشار في هذا السياق إلى أن تصنيف الجريمة العسكرية تُرك بمجمله لتقدير السلطات العسكرية واجتهادها دون أية رقابة مدنية، بالإضافة إلى أن رئيس السلطة الوطنية يستطيع وبشكل منفرد إحالة أية قضية يرتئيها إلى المحاكم العسكرية. وبالإضافة إلى ذلك، تخضع الأحكام الصادرة عن المحاكم العسكرية لتقدير الرئيس بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة. ومن المشاكل الرئيسية الأخرى التي تعتري مشروع القانون أنه يسمح لمحاكم الدرجة الأولى – والمعروفة بـ’المحاكم العسكرية الميدانية‘ – بالعمل خارج إطار القانون إذا ما قرر القائد الأعلى للقوات المسلحة ذلك. كما حذر السيد عابدين من أن الفترات الزمنية المحددة لاستجواب الأشخاص المشتبه بهم واحتجازهم ورفع قضاياهم للمحكمة غير مناسبة، وبالتالي يتحتم تعديلها بحيث تتواءم مع المبادئ والمعايير المرعية في السلطة الوطنية الفلسطينية.
وأخيراً، أشار السيد عابدين إلى أن مشروع القانون المقترح لا يزال يتضمن 45 جريمة يعاقب مرتكبوها بالإعدام. كما شدد على أن عدداً من الأحكام ذات العلاقة بهذه الجرائم لا تتماشى مع المعاهدات والمعايير الدولية في هذا الشأن، كاتفاقيات جنيف الموقعة في عام 1949 مثلاً.
وفي النقاش الذي أعقب حديث السيد عابدين، اتفق ممثلو مؤسسات المجتمع المدني وقطاع القضاء العسكري على ضرورة إجراء المزيد من المراجعات والتنقيح لمشروع قانون القضاء العسكري الذي أعدته السلطة الوطنية الفلسطينية وتعديله كي يتوافق مع المعايير الوطنية والدولية المرعية. كما أجمع معظم المشاركين في اتفاقهم على وجوب الفصل الواضح بين السلطتين التنفيذية والقضائية وبين الوظائف العسكرية والمدنية. وكما قال أحد المشاركين، ’نحن بحاجة إلى الفصل الواضح بين المؤسسة العسكرية والسلطة القضائية والمحاكم المدنية‘. وبالإضافة إلى ذلك، اتفق المشاركون في ورشة العمل على أنه يتعين على المجلس التشريعي أن يضطلع بدوره في عملية صياغة التشريعات. كما شددوا على ضرورة إعداد آليات تضمن فرض الرقابة البرلمانية على النشاطات والأعمال التي يؤديها نظام القضاء العسكري. وزيادةً على ذلك، أشار المتحدثون إلى وجود عدد من التناقضات القائمة بين مشروع القانون المذكور والقانون الأساسي الفلسطيني لسنة 2003، ولا سيما ما يتعلق منها بأصول المحاكمة العادلة ومبدأ استقلال القضاء، والتي والتي تستوجب المعالجة. كما صرح المشاركون بأن مشروع القانون المقترح بحاجة إلى تعديلات جذرية، خصوصاً فيما يتعلق بتوفير الضمانات القضائية للمدعى عليهم. كما ساد اتفاق عام بين المشاركين في الورشة حول وجوب تطبيق القانون بحذافيره على أفراد قوى الأمن وليس على المدنيين. وبحسب أحد ممثلي قوات الأمن الذين حضروا هذه الورشة: ’يجب تطبيق القانون على القوات الأمنية الفلسطينية فقط، والتي تعمل بموجب قانون الخدمة في قوى الأمن الفلسطينية الصادر سنة 2005؛ فالقانون الذي يطبق على المدنيين يعتريه الخلل.‘
النتائج
يمثل إصلاح نظام القضاء العسكري جزءاً لا يتجزأ من العملية الشاملة التي تستهدف إصلاح قطاع الأمن. ففي بعض الحالات، تتجاهل الأطراف المحلية والدولية التي تشارك في عمليات الإصلاح الشاملة لهذا القطاع ضرورة إعداد آليات خاصة بعمل جهاز القضاء العسكري والتي تتسم بمشروعيتها وخضوعها للمساءلة، إلى جانب إصلاح مجالات أخرى من قطاع الأمن. وبخلاف ذلك، فقد يخلّف ترك نظام القضاء العسكري خارج نطاق عملية الإصلاح آثاراً لا تُحمد عقباها؛ حيث يؤدي هذا الأمر إلى تشتيت التقدم الذي تم إحرازه في ميادين أخرى من إصلاح القطاع الأمني وتقويض استدامة الإصلاحات التي تركز على جميع فروع هذا القطاع.
وقد أثبتت ورشة العمل التي عقدناها مدى وعي الفلسطينيين بالمخاطر التي يفرزها نظام القضاء العسكري الذي يحتاج للإصلاح على إصلاح قطاعهم الأمني بعمومه. كما تمثل هذه الورشة خطوة أولى نحو إتاحة الفرصة للفلسطينيين كي يناقشوا الأدوار التي يضطلع بها جهاز القضاء العسكري وهيكلياته ووظائفه. وقد التقى ممثلو القضاء العسكري والمجتمع المدني في وجهات نظرهم حول ضرورة مراجعة الإطار القانوني الحالي بصورة عاجلة وعدم التواني في ذلك. ومن الضروري في هذا الإطار إجراء المزيد من النقاش حول إعداد إطار قانوني سليم لنظام القضاء العسكري الفلسطيني، والذي يمكّنه من اكتساب الصفة الشرعية في نظر المواطنين الفلسطينيين. وفي هذا السياق، خرج المشاركون في ورشة العمل بعدد من التوصيات حول كيفية تحقيق هذا الهدف:
• مواصلة إجراء الحوار على الصعيد الداخلي حول دور القضاء العسكري ووظائفه ضمن الإطار العام للقطاع الأمني في فلسطين. ويمثل هذا الحوار شرطاً مهماً لبناء جهاز للقضاء العسكري يتسم بالكفاءة ويحوز على ثقة المواطنين.
• إطلاق عملية شاملة لصياغة التشريعات، بحيث تضم جميع الأطراف التي تشارك في حكم قطاع الأمن في فلسطين – وهي السلطة الوطنية الفلسطينية، والقوات الأمنية، والقضاء العسكري، والمجلس التشريعي، والأحزاب السياسية، والمحامين والأكاديميين.
• ضمان امتثال الإطار القانوني الناظم لقطاع القضاء العسكري للمبادئ والمعايير الوطنية والدولية ذات الصلة، ولا سيما ما يتعلق منها بإنفاذ القوانين، والضمانات القضائية، والمحاكمة العادلة، وإجراءات المراجعة وأنظمة العقوبات.
• ضمان استقلال المحاكم العسكرية والنيابة العسكرية بما يتفق مع مبدأ الفصل بين السلطات الذي يحفظه القانون الأساسي الفلسطيني.
مواضيع مماثلة
» القضاء الحالي يحكم بالسجن المؤبد على نائب رئيس الوزراء السابق "طارق عزيز"
» القضاء العراقي هل بات أداة من أدوات القمع بيد ملالي طهران لاستهداف اشرف - زينب أمين السامرائي
» حكومة القذافي أكدت استقالته القضاء الإسكتلندي يعتزم استجواب موسى كوسا حول تفجير لوكربي
» معارضة متزايدة للتدخل العسكري في ليبيا
» معارضة متزايدة للتدخل العسكري في ليبيا
» القضاء العراقي هل بات أداة من أدوات القمع بيد ملالي طهران لاستهداف اشرف - زينب أمين السامرائي
» حكومة القذافي أكدت استقالته القضاء الإسكتلندي يعتزم استجواب موسى كوسا حول تفجير لوكربي
» معارضة متزايدة للتدخل العسكري في ليبيا
» معارضة متزايدة للتدخل العسكري في ليبيا
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى