ملتقى الفكر القومي
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم, أنت لم تقم بتسجيل الدخول بعد! يشرفنا أن تقوم بالدخول أو التسجيل إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

ملتقى الفكر القومي
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم, أنت لم تقم بتسجيل الدخول بعد! يشرفنا أن تقوم بالدخول أو التسجيل إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى

ملتقى الفكر القومي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

صلاح البيطار وقرارات التأميم، قضية اشكالية لدى صناعيي دمشق

اذهب الى الأسفل

صلاح البيطار وقرارات التأميم، قضية اشكالية لدى صناعيي  دمشق Empty صلاح البيطار وقرارات التأميم، قضية اشكالية لدى صناعيي دمشق

مُساهمة من طرف بشير الغزاوي الجمعة أبريل 02, 2010 12:38 pm

صلاح البيطار وقرارات التأميم، قضية اشكالية لدى صناعيي دمشق

عداد: المصورالصحقي بشيرالغزاوي

الأستاذ صلاح البيطار وقرارات التأميم
بعد أشهر قليلة من انعقاد المؤتمر القومي السابع في شباط 1964 بدأت تظهر بوادر أزمة في الحزب ترافقت مع مغادرة الأمين العام الأستاذ ميشيل عفلق في شهر حزيران 1964القطر السوري إلى أوروبا ولم يعد منها إلاَ في أواخر تشرين الثاني

طر السوري إلى أوروبا ولم يعد منها إلاَ في أواخر تشرين الثاني .
وتجلَت هذه الأزمة ، أيضاً ، بقرار اللجنة العسكرية ، في شهر تشرين الثاني من نفس العام ، إعفاء أحد أعضائها وعضو القيادتين القومية والقطرية وعضو مجلس الرئاسة اللواء محمد عمران من عضوية اللجنة ، وتعيينه سفيراً في اسبانيا .
ومع عودة الأمين العام قررت القيادة القومية عقد دورة مفتوحة لها انتهت في 13 كانون الأول 1964 ، واتخذت عدة قرارات صدرت في النشرة رقم 15تاريخ 14/12/1964 من أبرزها قرار بتجميد القيادة القطرية ، وتعيين لجنة من القيادة القومية لإدارة شؤون التنظيم في القطر والإعداد لانتخابات حزبية ، ولكن قيادات الفروع التي اجتمعت بدعوةٍ من القيادة القطرية فور صدور القرارات وبحضور الأمين العام وأعضاء القيادتين القومية والقطرية ، وبعد الاستماع إلى وجهات النظر ومناقشة مبررات القرارات تراجعت القيادة القومية عن قرارها بتجميد القيادة القطرية .
وترافقت هذه الأزمة مع طرح في الحزب بدأ منذ انتهاء المؤتمر القومي السادس ، أيلول 1963عن وجود تيارين في الحزب ، تيارٌ يميني ، وآخر يساري .
وفي نفس هذه الفترة كانت الحكومة منهمكة في وضع اللمسات الأخيرة على الخطة الخمسية الثانية المستمدة من المنهاج المرحلي للثورة ، ورفعها إلى قيادة الحزب لإقرارها وإلى مجلس الرئاسة لإصدارها .
في شهر كانون الثاني 1965 صدرت عن مجلس الرئاسة قرارات تأميم بعض الشركات بالمراسيم التشريعية رقم 1 تاريخ 2/1/1965 ( تأميماً كاملاً ) ورقم 2 تاريخ 2/1/1965 ( تأميم 90% و75% ) ورقم 5 تاريخ 4/1/1965 ( تأميم 90% ) ، كما صدر المرسوم رقم 3 تاريخ 2/1/1965 بشأن دفع الدولة للمعسرين من صغار المساهمين الذين كانوا يعتمدون في معيشتهم على ريع هذه الأسهم قبل صدور مراسيم التأميم وذلك على أساس القيمة الاسمية .
وكانت الأسباب الموجبة لهذه التأميمات أنه : ( من الأهداف الاشتراكية لثورة آذار العظيمة تهيئة الظروف الموضوعية لكي يتملك المجتمع وسائل الإنتاج وانطلاقاً من مقررات مؤتمرات حزب البعث العربي الاشتراكي ومن أهداف ثورة آذار في التحويل الاشتراكي في القطاع الصناعي ، وبعد أن تأكد عجز البرجوازية واستغلالها وتقاعسها في تطوير الاقتصاد القومي في القطر السوري والاعتماد في أعمالها على الأموال المستقرضة من المصارف المؤممة التي هي أموال الشعب في مجموعه واستمرار تهريبها لرؤوس الأموال الوطنية إلى الخارج فقد قررت حكومة الثورة حفاظاً على أموال الشعب ورغبة منها في تحقيق نهضة صناعية واسعة في البلاد وتحقيق عملية التنمية الصناعية على أوسع نطاق ممكن وتعبئة جميع موارد البلاد في سبيل عملية تحويلٍ اشتراكي لصالح الشعب ) .
ثم صدر عن مجلس الرئاسة المرسوم التشريعي رقم 8 تاريخ 11كانون الثاني 1965 بدمج مؤسسات الكهرباء العامة والخاصة بمؤسسة واحدة ، وتأميم الطاقة الكهربائية ، وشمل 21 منشأة كهربائية خاصة .
ولحماية عملية التأميم صدر المرسوم رقم 4تاريخ 2/1/1965الذي حدد العقوبات والأحكام التي تطبق بحق من يعرقل تنفيذ التشريعات الاشتراكية .
وما أن صدرت مراسيم التأميم حتى بدأت بعض القوى والشخصيات حملتها للتشكيك بصواب قرارات التأميم ، مما دفع بمجلس الرئاسة إلى إصدار المرسوم التشريعي رقم 26 تاريخ 7/1/965 المتضمن تشكيل محكمة عسكرية استثنائية ، وبرر الحاكم العرفي ببيان صدر عنه ، أسباب إنشاء هذه المحكمة : ( ....إنها ثورة شعب ومكانها الطبيعي هو صف الشعب وليس صف مستغليه ومحتكري كسائه وغذائه وسالبي كرامته وهؤلاء الذين بدؤوا مع حلفائهم خارج الحدود حملة تشكيك وتضليل لم يتعظوا بعد ولم يعقلوا وسيكون حساب الثورة معهم عسيراً وحاسماً يكتسح هذه الزمرة الخائنة التي أفسحت لها الإذاعات والصحف الخارجية العميلة البرامج والتعليقات للطعن بالخطوات الاشتراكية التي ستضاعف من ثروة أمتنا ومن إمكانياتها لتعبئة قواتها ومضاعفة قدرتها الإنتاجية تمهيداً لمواجهة أعدائها الطبيعيين " الصهيونية والاستعمار " .
تكاثفت بعض قوى الرجعية الدمشقية " دينية ورأسمالية " لمناهضة قرارات التأميم ، وحاول أحد التنظيمات الذي أطلق على نفسه اسم " كتائب محمد " ويضم عدداً من الضباط الدمشقيين كانوا قد سرحوا من الجيش بعد 8 آذار ، وشكل هذا التنظيم قيادة عليا له في داخل القطر وأخرى خارج القطر كما شكل قيادات فرعية في المحافظات ، و وضع خطة للانقلاب على الثورة يمهد لتنفيذها باغتيال شخصيات بعثية رئيسية مدنية وعسكرية تقوم بها شبكات خاصة من كتائب محمد .
حاول هذا التنظيم يوم 24 كانون الثاني بالتكاثف مع بعض من شملهم التأميم ومع بعض كبار التجار التجمع في سوق الحميدية ، وأخذوا يحرضون على الإضراب والشغب ، ثم نقلوا التحريض إلى داخل الجامع الأموي وأغلقوا ا أبوابه لمنع المصلين من الخروج . وتمكنت قوات الثورة من اعتقال المحرضين وإحالتهم إلى المحكمة العسكرية الاستثنائية التي أصدرت في اليوم التالي أحكامها وجاهاً وغيابياً على ثمانية منهم بالإعدام وبراءة ل 21 من المعتقلين . ( لم تنفذ الأحكام على المحكومين وأطلقوا بعد مدة ) .
وأصدر الحاكم العرفي الأمر العرفي رقم 4 تاريخ 24/1/965 وبه ينذر بمصادرة كل محلٍ يغلق بدون مبرر قانوني ، وإحالة مالكه إلى المحكمة العسكرية فوراً، وقضى الأمر ، أيضاً ، بإحالة كل شخص يحرض على إغلاق المحلات أو الإخلال بالأمن إلى المحكمة العسكرية وبمصادرة أمواله المنقولة وممتلكاته .
وبتاريخ 24 /1 نجح المحرضون من كبار تجار دمشق والقوى السياسية المعادية للثورة بإغلاق أكثر المحلات التجارية في سوقي الحميدية والصالحية ، ولمّا لم يُجْدِ الحوار الذي دار بين بعض رجال الحكومة وشخصيات من غرفة تجارة دمشق ، صدر المرسوم التشريعي 23 تاريخ 25/1/965 بمصادرة الأموال المنقولة وغير المنقولة ل 23 شخصاً من المحرضين ، ثم صدر الأمر العرفي رقم 4 تاريخ 25/1 ونص على أن تؤول إلى الدولة ملكية كل محل مغلق بلا مبرر قانوني ويحال مالكه للمحاكمة ، وصدر المرسوم التشريعي رقم 26 تاريخ 26/1 بمصادرة 69 مخزناً تعود ملكيتها لمحرضين ثانويين . ونص كلٌ من المرسوم التشريعي وقرار المصادرة على استمرار المستخدمين والعمال العاملين في المحلات المصادرة على أعمالهم وعلى أن يتقاضون تعويضاتهم وأجورهم ، أو رواتبهم ومكافآتهم من خزينة الدولة .
وبيَّن المرسوم التشريعي المذكور أسباب المصادرة بأنه بعد صدور مراسيم التأميم الاشتراكية الأخيرة قام بعض الأشخاص بعرقلة تطبيق هذه المراسيم متبعين مختلف الوسائل غير المشروعة للإخلال بالأمن وزعزعة الثقة العامة والتشكيك في أهداف الثورة والعبث في مصالح الشعب وأمواله كما أنهم قاموا بتهريب الأموال وأساؤوا إلى الاقتصاد الوطني . لهذه الأسباب وحرصاً من الثورة على مصالح الشعب وعلى أمواله وحفاظاً على الاقتصاد الوطني وسلامة تطبيق التحويل الاشتراكي وتحقيقاً للمنفعة العامة فقد قرر المجلس الوطني للثورة مصادرة الأموال المنقولة وغير المنقولة العائدة للأشخاص الواردة أسماؤهم .... على أن يتولى رئيس مجلس الوزراء تعيين وجوه المنفعة العامة التي تنفق فيها موارد هذه الأموال المصادرة ، كما يحدد التعويض الواجب دفعه لأصحابها وكيفية تسديده
وفي يوم 26/1 حشد الحزب مسيرة جماهيرية كبيرة ، سارت في شارع الصالحية منددة بالرجعية والمتآمرين ، وهددت بفتح المحلات عنوة ، مما دفع بالكثير من المضربين للإسراع إلى فتح مخازنهم .
واستمرت السلطة بإصدار قرارات التأميم ، حيث صدر المرسوم التشريعي رقم 35 تاريخ 18 شباط 1965 بتأميم مؤسسات استيراد الأدوية ، والمرسوم التشريعي رقم 36 تاريخ 18 شباط 965 بحصر استيراد المواد التموينية والغذائية بشركة الاستيراد والتصدير للقطاع العام .
وفي هذه الفترة أعلنت الصحف بتاريخ 24 /1 عن اكتشاف الجاسوس " الإسرائيلي " كوهين ، كما كانت شعبة المخابرات العسكرية تتعقب منذ خمسة أشهر شبكة تجسس تعمل مع السفارة الأمريكية يشرف عليها السكرتير في السفارة والتر سنودن وعناصرها المهندس فرحان الأتاسي والمقدم في الجيش عبد المعين الحاكمي ، وغايتها تقديم معلومات وكراسات تتعلق بأسلحة الجيش وتدريباته ، كما تهدف إلى تهريب صاروخ سوفييتي تستعمله القوات البحرية السورية ، ولقد اعتقلت السلطات المختصة بتاريخ 16 شباط 965 عناصر هذه الشبكة ، وأصدرت المحكمة العسكرية الحكم عليهما بالإعدام ، ونفذ الحكم في الساعات الأولى من فجر يوم الأربعاء 24 شباط 1965.
في خضم هذه الأحداث ، اجتمع مساء 24/1 المجلس الوطني للثورة للمصادقة على قرارات التأميم ، وتداول المجتمعون الأمر في هذه القرارات ، وفي النشاط المناهض للثورة ، وفي مؤامرات القوى السياسية الرجعية ، وكان للأستاذ صلاح البيطار ، رأيٌ في قرارات التأميم وفي أسباب النشاط المعادي ، وبما أن النظام الداخلي للحزب يلزم الأقلية برأي الأكثرية ، وبالتالي لم ينشر رأي الأستاذ صلاح ، لا في منظمات الحزب ، ولا في وسائل الإعلام ، ومع أنني لا أشاطر الأستاذ رأيه وأقف مع الأسباب التي أوجبت التأميم في تلك الفترة، وجدت ، بعد هذه المدة الطويلة <45 عاماً > ، واحتراماً له ، أن أنشر نص الكلمة التي كتبها بخط يده وألقاها في جلسة المجلس المذكورة ، وتتضمن وجهة نظره .

الكلمة التي ألقاها الأستاذ صلاح البيطار في المجلس الوطني لقيادة الثورة
في جلسته المنعقدة مساء يوم الأحد24/1/1956
أعتقد بأن الأزمة الحالية غير خطيرة ، فإغلاق الأسواق سوف ينتهي بعد يوم أو يومين ، وإذا لم ينته من نفسه فهناك إجراءات وتدابير يمكن أن تتخذها السلطة وتنهي بها الإضراب .وفي كل الأحوال رأيي أن تكون التدابير حكيمة وسياسية ودفاعية بقدر الإمكان .
ولهذا أترك جانباً موضوع الأزمة الحالية لأتكلم عن الأزمة الحقيقية مع علمي أن كلامي هذا لن يتجاوز ، مع الأسف ، حدود إبداء الرأي ولن يكون له اليوم أي تأثير . فتجربتي خلال أكثر من سنة مع الإخوان الذين يملكون السلطة الفعلية وأجهزتها علمتني أن كلامنا سيذهب هباءً ، كما كشفت لي حقيقة أخطر وهي أنه لم يعد هناك من مرجع نحتكم إليه عندما نبدي آراءنا ليحولها هذا المرجع إلى قرارات بعد الإصغاء إليها ودراستها ومناقشتها . ومع ذلك أرى أن هذا الاجتماع الرسمي لمؤسسة رسمية كالمجلس الوطني هو المجال الذي يفرض على كلٍ منّا أن يعبر عن آرائه في المشاكل المطروحة بصدق وإيمان . ومن الممكن والجائز أن لا يشاركني في آرائي عدد من الإخوان الحاضرين ، ولكن من واجب الجميع أن يستمعوا إلى الرأي الذي يبديه أيٌ منّا ، وأن يقيموه على أنه صادر عن قناعات عميقة عند صاحبه دون أن يقولوا أن وراءه يمين أو يسار . أقول ذلك لأن تجربتي ، أيضاً ، علمتني أن بعض الإخوان ، ما أن يستمع إلى رأيٍ لا يروق له ، حتى يطرحه جانباً ، ويفتش عما يظن أن وراءه نيات ومخططات وأطماع وأهواء ثم يطلق لنفسه العنان فيغرق في بحر من التصورات والأوهام وهكذا تضيع القضية المطروحة على البحث والنقاش ويحل محلها الشجار والصراع الشخصي . (والتحريم المطلق حيال أي رأي يبديه العضو في أية جلسة أو هيئة حزبية أساساً لاتهامه أو سبباً للتهجم عليه ).
وبالرغم من كل ذلك فسأمارس في هذه المؤسسة حقي الذي ضمنه الدستور وأبدي رأيي في الأزمة .
لقد قرأت في الصحف أن من أسباب إصدار قرارات التأميم وجود مؤامرة رجعية ضد الثورة فجاءت القرارات لإحباط هذه المؤامرة . واليوم نسمع من جديد و بعد صدور قرارات التأميم بوجود مؤامرة رجعية ضد الثورة . فهل كانت القرارات لوجود المؤامرة وسلاحاً قوياً لإحباطها أم أن المؤامرة جاءت بعد هذه القرارات . والواقع أن المؤامرات هي عنصر ثابت ودائم في حياة كل ثورة ، والخطوات الثورية التي تسلكها الثورة ليست ولا يجوز أن تكون ردود فعل على وجود المؤامرات التي هي دوماً موجودة ، إنما هي تخطيط علمي لسير الثورة في مراحلها المتلاحقة يرسمه الحزب الثوري الذي ترتكز عليه الثورة ويحمي تنفيذه الشعب ، صاحب الثورة ، تحت قيادة الحزب الثوري .
وعلى هذا فلا أعتقد بوجود مؤامرة ضد الثورة بالقدر الذي تصبح خطراً على العهد ، فاستوجب وجودها إصدار قرارات التأميم ، بل يجب أن نبحث في مجالٍ آخر عن أسباب صدور هذه القرارات ، وقد سمعت بعض الإخوان يعلق عليها بأنها خطوة سياسية في مجال الحكم والحزب استهدفت تكريس السلطة أكثر من تكريس خط السير في الطريق الاشتراكي .
وليس سراً أن أقول بعدم موافقتي على إصدار قرارات التأميم في هذه المرحلة من سيرنا في الطريق الاشتراكي فيما لو طرحت علينا في المنظمات الحزبية والمجلس الوطني ، لسبب بسيط وهو أني كنت على رأس حكومة كلفني بتشكيلها المجلس الوطني ، ولم أقبل بتشكيلها إلا بعد نقاش للخطة المرحلية دام أكثر من عشرين يوماً في المجلس الوطني ، هذه الخطة التي تضمنها البيان الوزاري ووافق عليه المجلس الوطني . وكانت الخطوات الاشتراكية التي اتخذت آنئذٍ هي استكمال تأميم القطاع الصناعي للغزل والنسيج ، والتأميم الجزئي للشركات الصناعية الكبرى : السكر والاسمنت والزيوت وغيرها ، أي قيام القطاع المختلط .
ولقد كانت خطوة القطاع المختلط مرحلة هامة في طريق الانتقال إلى المرحلة الاشتراكية ، ولقد سمعت البعض يقول ويكتب بأن تجربة القطاع المشترك فشلت ، وهذا أمرٌ يدعو إلى الغرابة ، لأن التجربة لم تبدأ حتى نتأكد من فشلها . إن تجربة القطاع المشترك هي إحدى مراحل الانتقال إلى الاشتراكية ، وهي تجربة جرت ونجحت في كثير من البلدان الاشتراكية . وفي الصين نفسها حيث تم استيلاء الثورة على الحكم بالسلاح قامت تجربة القطاع المشترك واستمرت من عام 1949 إلى عام 1956 . وقد كسبت الثورة مزدوجاً من هذه التجربة . كسبت أولاً خبرة أصحاب المعامل ونشاطهم القوي لتنمية الصناعة وزيادة الإنتاج وفتح الأسواق ونمو قوى الإنتاج ، وكسبت ثانياً أصحاب هذه المصانع إلى قضية الثورة .
ولقد أدت بنا دراستنا للأوضاع الاقتصادية في القطر السوري إلى أن المشكلة الأساسية في سورية في هذه المرحلة ، بعد الإصلاح الزراعي وتأميم المصارف والشركات الكبرى ، ليست هي الصناعة بل التجارة الخارجية وأن الخطوة المرحلية التي هي في صميم المسيرة الاشتراكية هي تأميم التجارة الخارجية قبل مس أي منشأة صناعية أخرى . وذلك للأسباب الآتية :
أولاً - إن تأميم التجارة الخارجية ، إذا خططت مراحله ، لا يصيب أكثر من 50- 70 تاجراً من التجار الكبار المحتكرين الذين يستغلون الشعب كما يستغلون الاقتصاد القومي بأجمعه ويوجهونه بصورة عملية ضد الاتجاه الاشتراكي .
ثانياً - إننا بتأميم التجارة الخارجية نقطع الأسباب التي تربط التجار الكبار بالتجار الصغار ونربطهم عندئذٍ بالثورة ، فنغير بذلك ميزان القوى لمصلحة الثورة .
ثالثاً - إننا نصدر سنوياً من القمح والشعير بما يعادل 150 مليون ليرة ومن القطن بما يعادل 350 مليون ليرة ، وحصر تصدير هذين الصنفين بيد الدولة يعني وضع نصف القطع النادر بيد الدولة والتصرف به لمصلحة الاقتصاد القومي وخطة التنمية . كما أننا نستورد حديداً بما يعادل 100 مليون ليرة ، أدوية ومواد كيماوية 50 مليون ليرة ، سماد 21 مليون ليرة ، بن وشاي 24 مليون ليرة ، سيارات وجرارات 30 مليون ليرة ، كما تستورد الوزارات ومؤسسات الدولة تجهيزات ومواد بمقدار 250 مليون ليرة . فحصر ذلك بيد الدولة معناه السيطرة على موارد تصدر وتستورد قيمتها 1000 مليون ليرة يتصرف بها 50 - 70 تاجراً من التجار الكبار المحتكرين .
رابعاً - إن تهريب الأموال غالباً ما يتم عن طريق التصدير والاستيراد .
خامساً - إن موضوع تأميم التجارة الخارجية موضوع قومي وسياسي بالإضافة إلى كونه موضوعاً اقتصادياً واجتماعياً . لأن شريان الاستعمار الجديد هو التجارة الخارجية . فعن طريق التجارة الخارجية تقوم العلاقات بين الرأسمال الوطني والرأسمال الأجنبي والاستعمار ، وعن هذا الطريق تحاك المؤامرات ضد الثورة .
ولهذا كان في صلب سياسة حكومتنا الاشتراكية أن لا يأتي الثامن من آذار عام 1965 إلاّ وتكون المواد الأساسية المستوردة والمصدرة بيد الدولة . وكنت قد طلبت إلى المكتب الاقتصادي المرتبط بمجلس الرئاسة أن يقوم بإحصاءات ودراسات في هذا الموضوع لتنفيذ هذه الخطوة الثورية .
وبالإضافة إلى كل ذلك فلا تسبب هذه الخطوة أي ارتباك اقتصادي أو اجتماعي بعكس تأميم المنشآت الصناعية المتوسطة والصغيرة . وأنا من الأشخاص الذين صرفوا بعض وقتهم في زيارة المعامل والمنشآت الصناعية وفهموا عنها الشيء الكثير . ولقد تبين لي أن ثمة ظاهرتين أساسيتين في اقتصادنا :
أولاهما ، أن هذه المعامل المتوسطة والصغيرة قائمة لحد كبير على أصحابها ، فأصحاب المعامل في بلادنا جزءٌ لا يتجزأ من آلات المعمل وأدوات تشغيلها ، صحيحٌ أنهم أدوات استغلال ، ولكنهم ، بخبرتهم وجهدهم ، عنصرٌ من عناصر الإنتاج ، فهم الإدارة وهم المحاسبة ، وهم الذين يفتحون الأسواق لإنتاجهم ، ولاسيما أن أسواق منتجاتنا هي في لبنان والأردن والسعودية والعراق.
والظاهرة الثانية ، هي أن هذه الشركات تضم عدداً كبيراً من صغار المساهمين ، يتجاوزون الأربعين ألف مساهماً ، وإذا كان كسب المساهمين الصغار للثورة هدفاً أساسياً لها ، فيجب التعويض عليهم ولكن ذلك يتطلب عدة عشرات من الملايين .
ولقد تردد كثيراً ذكر الإطارات الفنية والإدارية التي تفتقر إليها المعامل المؤممة ، والتي تفتقدها الثورة حقاً . وقال البعض في الجواب على ذلك أن هذه الإطارات لا يمكن أن تبنى إلا في ظل النظام الاشتراكي . ولسنا نختلف على هذا التفسير ، ففي النظام لا تتوفر ظروف لخلق إطارات فنية وإدارية اشتراكية ولكن المرحلة التي مررنا بها ، وهي مرحلة الانتقال إلى الاشتراكية وقيام الإصلاح الزراعي والقطاع الصناعي المؤمم وقطاع المصارف المؤممة والقطاع المختلط ، هذه المرحلة توفر لنا خلق هذه الإطارات وإعدادها للمرحلة المقبلة مرحلة تأميم وسائل الإنتاج دون أن نضر بمصلحة الإنتاج ، هذا الضرر الذي لا يمكن إلاّ وأن يلحق القطاع الذي أمم أخيراً . لقد أمسكنا بالخط الاشتراكي ولم يعد هنالك من خوف على ضياعه وأصبح طريق الاشتراكية معبداً فيما إذا سلكناه وفق تخطيطٍ علميٍ ، ولسنا في حاجة لأن نسلك الطريق الوعرة والتي تسبب لاقتصادنا الارتباك .
لقد كانت الخطوة المرحلية الثورية حقاً هي بقاء تجربة القطاع المختلط بضعة سنوات ، فالمصانع مشيدة على أرضٍ سوريةٍ وهي عبارة عن بناءٍ وآلات وأسواق ولا يمكن أن تتبخر حتى نخاف من عدم تأميمها في المستقبل ، وكان علينا بالإضافة إلى ذلك وضع تخطيط علمي لتأميم التجارة الخارجية .
إن قرارات التأميم هي حقاً خطوة اشتراكية و لا نختلف معاً على تقييم مبدأ هذه الخطوة ، ولكن هذه الخطوة لم تأت في وقتها وسبقت خطوات كان يجب أن تسبقها ، ولا يمكن أن أصدق أن هذه الخطوة مدروسة ، بل هي خطوة مرتجلة وسينتج عنها ولا شك ارتباك اقتصادي لم يحسب القائمون على هذه الخطوة له حساباً وسيفاجؤون ويفاجئون الثورة بمشاكل كبيرة وكثيرة .
والآن وقد تمت هذه الخطوة ، لا أقول طبعاً بالرجوع عنها إنما أحببت أن أبدي رأيي بصراحة كي لا نغامر مرة أخرى ، فقضايا الاقتصاد لا يغامر بها وإلا تعرضت الثورة للنكسة على يدنا . فالثورة عندما تريد بناء الاقتصاد لا يفيدها الحماس و لا الثورية اللفظية ، والثورة مراحل ، وحرق المراحل ليس من الثورة في شيء ، فهناك أيضاً قوانين للاقتصاد الاشتراكي لا يمكن أن يتجاهلها أي إنسان مهما كانت نياته حسنة وثوريته صادقة .
كما أحببت أن أبين ، هنا ، المشاكل والارتباكات التي سيتعرض لها الاقتصاد بعد هذه الخطوة ، وأن أقول أني سأضع جهدي وخبرتي لمعالجة هذه المشاكل .
الموضوع الثاني الذي أحب أن أوضحه هو أن الثورة مراحل . والماركسية واللينينية لم تحدد مراحل الثورة الاجتماعية بمرحلتين فقط وهي المرحلة الاشتراكية والمرحلة الشيوعية ، بل إنهما أعطتا المضمون العلمي للثورة بأنها سلسلة مراحل ، ما أن يحقق الإنسان إحداها حتى يكون قد خطط للأخرى وحدد مجالها وحدد زمانها ، وهذا يعني أن للتوقيت أهمية كبرى في تحقيق الأهداف .
إن أمام ثورتنا قضايا متعددة وكبيرة ، وإن ثقافتنا الاقتصادية في حزبنا ، وحتى عند قيادته ، ضعيفة جداً ، فظروف النضال التي عاشها الحزب لم تمكنه من توفير الثقافة الاقتصادية والاجتماعية التي يجب أن يتمثلها الحزبيون . ولقد وضعنا يدنا على عدة قضايا اجتماعية وهدمنا القواعد البالية التي أقامتها أنظمة سياسية واقتصادية واجتماعية مستغلة ولكننا لم نستطع حتى اليوم من أن نقيم قواعدها الاجتماعية الاشتراكية ونغير بذلك علاقات المجتمع .
القضية الأساسية الأولى هي الإصلاح الزراعي . لقد صدر قانون الإصلاح الزراعي منذ ما يقرب من سنة ونصف ، وجرى الاستيلاء على جزءٍ بسيط من أراضي الإقطاعيين وأعقب ذلك توزيع بعض الأراضي القليلة على المنتفعين . وما يزال في الجزيرة 400 ألف هكتاراً من الأراضي التي تخص الإصلاح الزراعي وفي الرقة 150 ألف هكتاراً لم تمسها أيضاً يد الإصلاح من ناحية الاستيلاء والتوزيع . أما الثورة الزراعية التي هي مضمون الإصلاح الزراعي ، أي إقامة المزارع الجماعية وتسييرها ذاتياً واستثمارها جماعياً كذلك وإقامة التعاونيات الزراعية الجماعية قلمّا تطرح على بساط البحث حتى هذه الساعة ، وهناك مزرعة المناجير وحدها التي بدأت فيها تجربة شبه جماعية ولكنها باءت مع الأسف بالفشل .
القضية الأساسية الثانية هي قضية المصارف . لقد تمّ تأميم المصارف منذ ما يقارب السنة والنصف أيضاً . ولقد أصبحت ملكيتها للدولة ولكن إدارتها ما تزال تقوم على نفس الأسس الرأسمالية التجارية التي كانت قبل التأميم ، والتاجر ذو النفوذ هو الذي يأخذ أكبر القروض ، والدور الجديد الذي يجب أن تلعبه المصارف في تنمية موارد البلاد وفي توجيه الاقتصاد توجهاً اشتراكياً ما يزال بعيداً عن متناول يدنا .
القضية الثالثة هي قضية المصانع التي أممت من قبل وبصورة خاصة مصانع الغزل والنسيج التي ما زالت تدار إدارة بيروقراطية والتي لا يمكن أن تحسن إدارتها ويزيد إنتاجها ويُسَوق إلا بإشراك العمال في تسييرها على مختلف مستوياتها ، ويجعلها مؤسسات مستقلة يشعر معها العمال بأنهم لم يعودوا إجراء ولا موظفين بل أصبحوا بعد تأميمها منتجين يخططون في مجال سياستها الإنتاجية والاستثمارية وينال كلٌ منهم أجراً لقاء إنتاجه ويقدم له المعمل خدمات لم يكن يحصل عليها من قبل .
هذه القضايا الأساسية الثلاث أشبه ببناءٍ قوضناه ولم نقم مكانه البناء المتلائم مع مرحلة الانتقال إلى الاشتراكية ، فهي بمثابة أنقاضٍ مطروحة على الأرض وما تزال تنتظر اليد التي تبنيها على الأسس الجديدة .
فإذا أضفنا إليها القضية الرابعة التي كان يجب أن تلحق بالقضايا الثلاث وهي تأميم التجارة الخارجية أمكننا أن نتصور عظم المهمة التي يلقيها على عاتقنا التحويل الاشتراكي ، وهكذا ، وأمام هذا العجز الذي ينتابنا لحل هذه القضايا نطرح من جديد [font:6

بشير الغزاوي
عضو فعال
عضو فعال

عدد الرسائل : 622
العمر : 84
تاريخ التسجيل : 28/03/2010

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى