ملتقى الفكر القومي
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم, أنت لم تقم بتسجيل الدخول بعد! يشرفنا أن تقوم بالدخول أو التسجيل إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

ملتقى الفكر القومي
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم, أنت لم تقم بتسجيل الدخول بعد! يشرفنا أن تقوم بالدخول أو التسجيل إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى

ملتقى الفكر القومي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

أمريكا والكنعانيون الحمر سيرة الإبادة (3)

اذهب الى الأسفل

أمريكا والكنعانيون الحمر سيرة الإبادة (3) Empty أمريكا والكنعانيون الحمر سيرة الإبادة (3)

مُساهمة من طرف بشير الغزاوي الأحد يونيو 06, 2010 8:42 am

أمريكا والكنعانيون الحمر سيرة الإبادة (3)
موقع:جبهةالتحريرالعربية
الرفيق:بشيرالغزاوي
أدي تطبيق تقنيات العمل بالسخرة والتجويع الإجباري والترحيل الجماعي وتحطيم المعنويات إلي شحذ أنياب "العامل الطبيعي" وإلى ما يعرف بالشتات الكبير الذي اقتلع عددا كبيرا من الشعوب الهندية من أوطانها وساقها إلي الغرب أو إلي الشمال الكندي فرارا بحياتها وحياة أبنائها من الإبادة الشاملة. وقد كان هذا التدمير سياسة متعمدة سرعان ما اتضحت معالمها مع ما يسمي بحروب الاستقلال. ففي حملة 1776 على هنود الشيروكي "حلفاء" البريطانيين تم إحراق المدن الهندية بمن لم يستطع الفرار منها، وأتلفت محاصيل الذرة، وسيق من بقي من الشيروكي إلي الغابات ليفنوا. ولم تمض ثلاث سنوات حتى أصدر جورج واشنطن أوامره إلى الجنرال جون سوليفان بأن يحيل مساكن هنود الأوروكوا إلي خراب، وأن لا يصغي لنداء السلام حت ى تمحى قراهم ومدنهم وآثارهم من وجه الأرض. وبعد أن نفذ الجنرال أوامر واشنطن كتب إليه يبشره بتحويل هذه "المنطقة الجميلة من حديقة بديعة إلي أطلال مهجورة تثير الرعب والمقت". وفي رسالة إلي جيمس دواين السناتور والمفوض السابق للشئون الهندية فسر جورج واشنطن المفهوم الأمريكي للأضرار الهامشية التي ترافق انتشار الحضارة فقال: "إن طرد الهنود من أوطانهم بقوة السلاح لا يختلف عن طرد الوحوش المفترسة من غاباتها". هكذا أطلق هنود السينيكا على أبي الجمهورية الأمريكية الأعظم جورج واشنطن اسم "هدام المدن" ، فبموجب أوامره المباشرة تم تدمير 28 مدينة من أصل 30 من مدن هنود السينيكا وحدهم، من البحيرات الكبرى شمالا erie حتى نهر الموهوك ، وفي فترة قياسية لا تزيد على خمس سنوات. وهذا ما فعله أيضا بمدن وقرى الموهوك والأونونداغا والكايوغا ، حتى إن أحد زعماء الأروكوا قال لواشنطن ذات لقاء في عام 1792: "عندما يذكر اسمك تلتفت نساؤنا وراءهن مذعورات، وتشحب وجوههن، أما أطفالنا فإنهم يتشبثون بأعناق أمهاتهم من الخوف".

ومضي الآباء المؤسسون جميعا على خطي واشنطن، كما بين ذلك ريشارد درينون في فصل كامل خصصه لذلك. حتى توماس جفرسون نفسه "رسول الحرية الأمريكية" وكاتب وثيقة الاستقلال أمر وزير دفاعه بأن يواجه الهنود الذين يقاومون التوسع الأمريكي بالبلطة، وأن لا يضع هذه البلطة حتى يفنيهم أو يسوقهم وراء المسيسيبي. نعم إنهم قد يقتلون أفرادا منا، لكننا سنفنيهم ونمحو آثارهم من هذه الأرض. إننا مجبرون على قتل هؤلاء الوحوش أو طردهم مع وحوش الغابات إلى الجرود.

وتروي إرنا غنثر في كتابها المثير عن مشاهدات الرحالة والمكتشفين وتجار الفرو في أواخر القرن الثامن عشر كيف دمر المستعمرون صروحا فنية فريدة لا تعوض فتقول "إن إحدى قري هنود النوتكا وتسمي opitstaeh كانت تضم مائتي بيت في غاية الإبداع. فهي جميعا مرسومة الجدران والسقوف ومزينة بتماثيل غريبة الأشكال. أما شبابيكها وأبوابها فلها شكل كائنات حية، ولكي تدخلها فإن عليك أن تعبر بابا له شكل الإنسان ورأس أحد الحيوانات. إنها ثمرة أجيال من العمل الفني دمرت في لمح البصر وقتل جميع أهلها في مذبحة جماعية قال القائد الذي ارتكبها أنه فعل ما فعل مأمورا وأنه نادم على ما اقترفت يداه .

* * *

هناك اليوم أكثر من دليل على أن حصاد ملايين الأرواح بهذا "العامل الطبيعي" لم يكن طبيعيا، وأن الزنابير حاولوا متعمدين، عن سابق نية ومعرفة وإصرار، أن يلووا ذراع "العناية الإلهية" بسياسة العمل بالسخرة والتجويع الإجباري والترحيل الجماعي وتقويض معنويات الضحايا وشن الحرب الجرثومية التي استمرت في زمن "السلم" وزمن الحرب، مع المحترفين ومع الهواة، وبشكل جماعي منظم يمارسها الجيش و"الحلفاء" من الهنود، أو بشكل فردي تمارسها قطعان المستوطنين. أما الادعاء بأن إبادة 112 مليون إنسان كان مجرد "مأساة مشئومة غير متعمدة"، و"أضرار هامشية تواكب انتشار الحضارة" وأن هؤلاء الذين نسبوا هذه الإبادة الجماعية الأكبر والأطول في تاريخ الإنسانية إلي العناية الإلهية أو العامل الطبيعي هم أتقياء أبرياء لم تكن لديهم المعرفة العلمية الكافية فهو ادعاء يفتقر إلي البراءة ويتنكر أول ما يتنكر للمعرفة العلمية.

منذ أيام الطاعون الأسود كان الأوروبيون يعرفون هذا السلاح الجرثومي، وكانوا في حروبهم يستخدمون المنجنيق في قذف جثث الموتى بالطاعون أو جيف الحيوانات الموبوءة إلي داخل المدن التي يحاصرونها.

ومنذ السنوات الأولى للحج اعترف الحاكم وليم برافدفورد في يومياته بأن الأغطية الملوثة بجراثيم الجدري هي السبب في انتشار هذا الوباء بين الهنود "الذين نفقوا بسرعة كبيرة مثل أغنام موبوءة.. فلم يعد هناك أحد يستطيع مساعدة المرضى أو يأتيهم بشربة ماء، أو يدفن موتاهم". وكتب باري هولستون لوبيز في كتابه عن "الذئاب والبشر" أن مستعمرة مساشوستس حظرت على المستوطنين استخدام المسدس في المناسبات غير الضرورية أو في أي لعبة إلا لقتل الهندي أو الذئب. كانوا يصنعون لحما مسموما للذئب وغطاء ملوثا بجراثيم الجدري للهندي، وكانوا يغيرون على وكر الذئب ليقتلوا جراءه كما كانوا يخطفون أطفال الهنود. ولكي يبرروا لك كيف يقتلون جراء الذئاب وأطفال الهنود بطريقة واحدة يحكون لك حكايا عن فظاظة الهنود وعن ذئاب تأكل الخشف حيا".30 وكان هنود الناراغنستس قد شكوا منذ عام 1633 بأن تكون العناية الإلهية أو "العامل الطبيعي" وراء هذه الحرب الجرثومية التي حصدت أرواح 700 إنسان منهم بعد أن تلقوا من الحجاج هدايا ارتابوا في أنها مسمومة بجراثيم الجدري. هكذا تم استحضار المتهم الأول الكابتن جون أولدام بالقوة إلي جزيرة بلوك لمحاكمته أمام مجلس خاص من حكماء الهنود بتهمة القتل الجماعي المتعمد. وبعد أن ثبتت لديهم تهمته حكموا عليه بالإعدام.. وقتلوه.

أما الحجاج فأنكروا التهمة وقالوا إنها بلا دليل، ثم إنهم انتقموا لمصرع جون أولدام بإبادة معظم الناراغنستس في عام 1637، وحسموا بذلك الصراع على المعرفة العلمية بحرب الجراثيم لأكثر من 130 سنة تفرد فيها "العامل الطبيعي" وحده بتفريغ الأرض وإعدادها لانتشار الحضارة.

في أواخر ما يسمي بالحرب الهندية * الفرنسية ظهرت أول وثيقة دامغة تثبت استخدام الغزاة للسلاح الجرثومي عمدا، وتؤكد أن إبادة الهنود بالسلاح الجرثومي كان سياسة رسمية. ففي سيناريو كلاسيكي منقح لقصة تسميم الزعيم تشيسكياك ومن معه بأنخاب "الصداقة الخالدة" على ضفاف نهر البوتوماك، كتب القائد الإنجليزي العام اللورد جفري امهرست

في عام 1736 أمر إلى مرؤوسه الكولونيل هنري بوكيه يطلب منه أن يجري مفاوضات سلام مع الهنود ويهديهم بطانيات مسمومة بجراثيم الجدري "لاستئصال هذا الجنس اللعين". وقد اشتركت "قوى الحضارة"، في حرب ضارية لإخفاء هذه الوثيقة وغيرها من الوثائق المشابهة عند اكتشافها في أواخر الثلاثينات، وما يزال المؤمنون بوحدانية الهولوكست إلى الآن يحاولون إثارة الشكوك حولها والتقليل من شأنها واتهامها بأنها من حبك "عقلية المؤامرة" وأنها ستشجع على الكراهية.

وكان هوارد بيكهام رئيس الرابطة التاريخية الأمريكية الذي اكتشف الوثيقة قد أخفاها وما معها من مرفقات لمدة سبع سنين بحجة "أنها تعطي انطباعا سيئا"، ولم يعترف بوجودها إلا عندما عثر عليها المؤرخ آلن ستيرن بالمصادفة. حتى الكتاب الذي وضعه آلن ستيرن "بالاشتراك مع شقيقه واغنر" بعنوان "تأثير الجدري على مصير هنود أمريكا" اختفي من الأسواق ومن معظم المكتبات الجامعية ولم تدخله مكتبة الكونجرس في فهارسها.

طلب اللورد إمهرست من الكابتن بوكيه، وبعبارات صريحة لا تحتمل التأويل أن ينشر مرض الجدري بين القبائل التي لم تصب به بعد. وأجاب بوكيه لاحقا: سأحاول جهدي أن أسممهم ببعض الأغطية الملوثة التي سأهديها إليهم، وسأتخذ الاحتياطات اللازمة حتى لا أصاب بالمرض. ولم يخف اللورد فرحه بالفكرة، لكنه نصح له في رسالة جديدة بأن يستخدم الأغطية المسممة وكل وسيلة ممكنة لاستئصال هذا الجنس اللعين. وببطانيتين وبضعة مناديل تم تلويثها في مستشفى الجدري انتشر الوباء بين أربعة شعوب هندية هي الأوتاوا والمينغو والمايامي والليني لونابيه وأتى على أكثر من مائة ألف طفل وشيخ وامرأة وشاب منهم ولطالما وصفت وثيقة إمهرست بأنها "حجر رشيد" الحرب الجرثومية التي كانت من أفتك أسلحة الغزاة لتفريغ القارة الأمريكية من أهلها وتحقيق فكرة أمريكا: " فكرة استبدال شعب بشعب وثقافة بثقافة". لكن الوثيقة لم تكن إلا البداية في الكشف عن أن هذا "العامل الطبيعي" لم يكن إلا مكيدة بالحياة. لقد كشفت عن المركزية العنصرية لفكرة أمريكا وأسطورة "الاختيار" وما ترتب عليها من سياسات مشحونة بالعنف المميت والتعصب المقدس والرسوبات البدائية المتعجرفة * أسطورة أربعة قرون لم تتوقف فيها الجريمة الطقسية يوما عن التضحية بالآخر.

هناك وثيقة أخرى تتحدث عن إهداء أغطية مسمومة بجراثيم الجدري لهنود المندان في فورت كلارك. وقد نقلت هذه الأغطية إلي ضحاياها في 20 يونيو 1837 من محجر عسكري لمرضى الجدري في سان لويس على متن قارب بخاري اسمه "القديس بطرس فحصدت كذلك في أقل من سنة واحدة أكثر من مائة ألف طفل وشيخ وامرأة وشاب"

بعد حوالي 15 سنة كانت كل الولايات المتحدة تتساءل عن أفضل وسيلة للقضاء على هنود كاليفورنيا. فبعد الاستيلاء على هذه الولاية الواسعة الغنية من المكسيك وجدت فكرة أمريكا نفسها أمام مهمة جديدة وصفتها إحدى صحف سان فرانسيسكو كما يلي: "إن الهنود هنا جاهزون للذبح ، وللقتل بالبنادق، أو... بالجدري. وهذا ما يتم الآن فعلا. في تلك الفترة كان تسميم الهنود بجراثيم الجدري خطة منظمة تمارسها الدولة وبعض الشركات التجارية المختصة، ويتسلى بها المستوطنون في حفلات تسلية وصفتها مقالة افتتاحية في san Francisco Builetin بأنها "تستخدم الجراثيم من أجل الإبادة المطلقة لهذا الجنس" الهندي اللعين.

مع استحالة استخدام هذه التقنيات "البدائية" المباشرة في العصر الحديث، ابتكرت الولايات المتحدة أسلوبا جديدا للتغلب على التكاثر الخطير الذي رفع عدد الهنود من ربع مليون في إحصاء سنة 1900 إلي ما يقارب المليون في أواخر الستينات. فما تزال 3 بالمائة من مساحات الولايات المتحدة بين أيدي هؤلاء الهنود، وما تزال هناك ثروات باطنية هائلة لم تحسب الدولة الأمريكية حسابها عندما ساقتهم كالقطعان إلي هذه الأراضي القاحلة ليموتوا جوعا، وما تزال "ثروة الأمم" بحاجة إلى "نشر الحضارة"، وهي تستخدم كل الأسلحة المتاحة لاغتصاب هذه الثلاثة بالمائة الباقية من أراضي الهنود.

في منتصف السبعينات اكتشفت الطبيبة الهندية كوني أوري في سجلات المستشفى الذي تعمل فيه في ولاية أوكلاهوما نسبة مرتفعة جدا من عدد النساء اللواتي أخضعن لعمليات التعقير، ولدهشتها فقد تبين لها أن الضحايا كلهن من نساء الهنود، وأنهن أخضعن لعمليات التعقير بعد يوم أو يومين من وضعهن. ولاحظت أوري أنه خلال شهر تموز/ يوليو 1974 بلغ عدد اللواتي تم تعقيرهن في هذا المستشفي وحده 48 ضحية سبقته مئات العمليات التي لا تتم عادة إلا في حالات السرطان . ولتغطية الجريمة عمد المسئولون إلي ابتزاز الضحايا وفقرهن وحاجتهن إلي العلاج لإجبارهن بأساليب مختلفة على توقيع موافقة" على أن يصبحن عاقرات. من ذلك مثلا رفض إجراء عمليات الإجهاض أو الولادة إلا بعد الموافقة على استئصال الرحم، أو تهديد الأم بأنها غير مؤهلة لتربية أولادها وأن عليها أن تتخلى عنهم للمؤسسات الرسمية المعنية أو أن توقع على "الموافقة". ومن ذلك اختراع أسباب طبية مختلفة لإخضاعهن لعمليات إضافية بعد الولادة مباشرة دون إعلامهن بأنها عمليات تعقير. وتقول هيلين غرينر في "المجلة الأمريكية للصحة العامة" إن التحقيق الذي أجرته بين شعب نافاهو أكد أن 30.7 بالمائة من نسائهم "وكلهن دون الثلاثين" أخضعن لعمليات تعقير . أما الدولة فقد أغمضت عينيها عن هذه التقارير إلى أن أثارها رسميا السناتور جيمس أبو رزق، ولم تلوح بعصاها إلا بعد أن تبين لها أن عددا من نساء البيض يجرين هذه العملية طوعا. وعندها اكتشفت أمريكا الرسمية "لا أخلاقية" التعقير، وسن الكونجرس قانونا يعاقب من يمارسه. فجأة رأت ذاكرة الزنابير صورتها في المرآة كما رأتها بعد ظهور حالات الجمرة الخبيثة، وامتلأ ليلها بكوابيس "الخطيئة الأصلية" لفكرة أمريكا: فكرة استبدال شعب بشعب وثقافة بثقافة. أكثر من أربعة قرون و"نرسيس" على ضفة هذا النهر يحدق في الماء.. كأنه لا يعرف أنه أعمى.

من المتوحش؟

يعتقد كلاوس كنور أن الإنجليز أكثر القوي الاستعمارية الأوروبية ممارسة وتعمدا للإبادة، وأن هدفهم النهائي في العالم الجديد كما في استراليا ونيوزيلاندة وكثير من المناطق التي يجتاحونها هو إفراغ الأرض من أهلها وتملكها ووضع اليد على ثرواتها. خلال هذه المسيرة التي بدأت بايرلندا ولم تنته بعد، تحكمت عقدة الاختيار والتفوق بسلوكهم وبنادقهم، واستحوذت على أخلاقهم وعقولهم ثم استعمرتهم بنظام متكامل من الذهان الهذائي انتهي بهم إلي تأليه الذات . وهذا ما أوهمهم بأنهم يملكون حق تقرير الحياة والموت لكل من عداهم، وأنهم أيضا في حل من أي التزام إنساني أو قانوني تجاه الشعوب التي يستعمرونها، لا باعتبار أنها أعراق منحطة وحسب بل لأنها في الغالب مخلوقات متوحشة لا تنتمي للنوع الإنساني أيضا.

ولم ينج من هذا التصنيف البيولوجي أقرب الناس إليهم، وجيرانهم في الجزيرة، وشركاؤهم في البياض والنضارة. فلطالما لازمت الايرلنديين صفة التوحش وقالوا عنهم إنهم "يعبدون الشيطان" وأنهم "أجلاف، عراة، أحلاس الغابات والمستنقعات، يعيشون على نوع من الأعشاب، ويأكلون في المناسبات الخاصة من لحم البشر أو من لحم أمهاتهم اللواتي كانت لهن أذناب طويلة وكن متوحشات يأكلن أطفالهن".

والواقع أن التجربة الإنجليزية مع "المتوحشين" الإيرلنديين تكررت مع كل الشعوب التي اجتاحوها، بدءا من الهنود والعرب وانتهاء باليابانيين والفيتناميين. إن قراءة الاجتياح الإنجليزي لايرلندا تساعد على وضع معجم سيمفوني لطبقات "الوحشية" التي واجهها الإنجليز في حملاتهم المختلفة لنشر الحضارة، وتفسر الفروقات الايقاعية المرهفة التي تفرضها طبيعة "المجاهل" على استخدام هذا السلم الموسيقي العرقي. صحيح أن الإنجليز قضوا على نسبة كبيرة من سكان ايرلندا، ونهبوا كل ثروتها "النفطية" بتعرية غاباتها شجرة شجرة، وتركوا فيها سجلا حافلا من المذابح والفظاعات، لكن ذلك لا يخفي براعة الإنجليز في دوزنة هذه الفظاعات وفقا لتصنيفاتهم العرقية. وبدون التقليل من هول ما تعرض له الشعب الايرلندي فإن "ما ارتكبه الأوروبيون بحق الأوروبيين في حروبهم واجتياحاتهم * مقارنة بما ارتكبوه في العالم الجديد * لم يكن أكثر من "شجار عائلي" كما يقول فرانز فانون.

ففي ايرلندا نفسها حاول الإنجليز خلال حملتهم الاستعمارية عليها أن يميزوا بين "وحشيتين" مختلفتين عرقيا: إحداهما متأصلة في الايرلنديين الغيليين الأقحاح، والثانية مكتسبة أصابت ما يسمى "الإنجليز القدامى" بحكم معايشتهم الطويلة للايرلنديين المتوحشين. وقد أحكموا ارتكاب فظاعاتهم وفقا لهذا التصنيف ببراعة لا يجاريهم فيها متحضر.

* * *

أما سكان العالم الجديد الذين لم يشاركوا الإنجليز في اللون واللسان والأرض والدين فقد كان من المستحيل على نظام الهذيان "بعد أن باركته السماء" أن يساوم على تفوقه العرقي أو يلتزم بحد أدنى من الأخلاق أو المشاعر الإنسانية تجاه ضحاياه. لقد كان من الشروط الأولية اللازمة للإبادة الجماعية التي ارتكبها الإسبان والأنجلو أمريكان ضد الهنود هو التأكيد على لا إنسانيتهم وعلى انهم بالوراثة كائنات منحطة. وكان الإسبان أكثر تواضعا حين قالوا إن الهنود "عبيد طبيعيون".

ذلك لأنهم لم يكونوا يطمحون إلي أكثر من استعباد الهنود وسرقتهم. أما البريطانيون فكانوا يتطلعون إلي ما هو أسمى من الاستعباد ويطمحون إلي الاستيلاء على الأرض واستبدال أهلها وثقافتها أو ما يسمونه بنشر الحضارة. لهذا ترجموا كتابات العنصريين الإسبان مثل "غونزالو فرنانديس أوفيدو يي فالديس" و"فرانسيسكو لوبيز دوغامارا" وعفوا أو تلكأوا في ترجمة المنصفين مثل بارتولومه دو لاسكازاس. وتقول عالمة الإنسانيات مرجريت هدجن إن أول كتاب إنجليزي عن الهنود نشر في عام 1511 "وصفهم بالوحوش التي لا تعقل ولا تفكر وتأكل بعضها، بل إنهم كانوا يأكلون أبناءهم وزوجاتهم". وكان عامة الإنجليز يؤمنون بوجود كائنات نصفها بشر ونصفها وحش. وكالعادة فقد سكنت هذه الكائنات معظم الأعمال الفلسفية الإنجليزية والأوروبية في تلك الفترة وشاعت في الأعمال الأدبية. وكان اليسوعي جوزيف فرانسوا لافيتو في كتابه عن عادات الهنود الأمريكيين قد تحدث عن وجود "كائن هندي بدون رأس، لكن له وجها في صدره".

وقد أطلق عليه اسما أسطوريا Acephal . لهذا لم يكن مستغربا إيمان عامة الإنجليز في تلك الفترة بأن لكثير من هنود أمريكا أظلافا وأشكالا شيطانية. وهي أشكال نعثر عليها في كتابات معظم أنبياء الاستعمار الأوائل الذين اختلط عليهم شكل الكنعاني التاريخي الملعون بشكل الوحش الهندي المنحط في صورة أوفيدية ليس لها وجود إلا في مخيلاتهم. وكان أوليفر هولمز وهو من أشهر أطباء عصره قد لاحظ في عام 1855 أن إبادة الهنود هو الحل الضروري للحيلولة دون تلوث العرق الأبيض، وأن اصطيادهم اصطياد الوحوش في الغابات مهمة أخلاقية لازمة لكي يبقي الانسان فعلا على صورة الله.

هكذا بدأت دعوات الإبادة الشاملة تعلو عندما لم يكن في كل الشمال الأمريكي سوي ألفي إنجليزي.

* * *

ثم ازدادت هذه الدعوة حدة وجنونا حين تأكد الإنجليز أن الهنود قد يرحبون بهم ضيوفا ويكرمونهم بما يكفيهم من الأرض والرزق. ويعيشون معهم بسلام لكنهم لن يتنازلوا طوعا عن أراضيهم، ولن يتقبلوا فكرة السخرة والاستعباد. وكانت كل بادرة لمقاومة هذا الجشع والتعصب المقدس برهانا إضافيا على صدق أسطورة أمريكا وعلى صدق الدعوى بأن الهنود متوحشون عدوانيون لا تنفع معهم إلا الإبادة. إن التسامح مع الشر ليس إلا تشجيعا للشرير، وليس هناك خطيئة أعظم من هذا.

ومع تقدم الزمن صارت شيطانية الهندي الأحمر بديهية لا تحتاج إلي دليل مثلما أن إنجليزية الله وتفوق شعبه من البديهيات التي لا تحتاج إلي دليل. لقد سكنت شيطانية الهنود أحلام الملائكة حتى إن المرأة ميرسي شورت التي زعمت أن الشيطان تلبسها وصفته على شكل هندي له أظلاف شيطانية. إن هذا الشيطان الهندي هو الكابوس الذي يقض مضجع الزنابير.

قبل مذبحة "ووندد ني" الشهيرة بأيام كتب فرانك باوم في صحيفة The Aberdeem Saturdy pionee ولم تكن عبقريته القصصية قد تفتحت بعد، يدعو إلي الإبادة الشاملة لمن تبقي من الهنود. "إن أصحاب البشرة الحمراء قد أبيدوا، ولم يبق منهم إلا مجموعة صغيرة من الكلاب الهجينة التي تعض اليد التي تطعمها ولا تتوقف عن النباح. أما البيض فإنهم بحكم الغلبة وبقضاء الحضارة أسياد القارة الأمريكية، وإن أفضل أمن لمستوطنات الثغور يجب أن يتحقق بالإبادة الكاملة لهذه البقية الباقية من الهنود.. إن موت هؤلاء الأشقياء خير لهم من الحياة".

* * *

وكانت هذه البارانويا العنصرية هي التعبير الصادق عن مزاج الزنابير في نهاية القرن التاسع عشر.

فبعد أيام قليلة ارتكبوا مذبحة "ووندد ني" التي قتل فيها المئات من رجال لاكوتا ونسائهم وأطفالهم بالقصف العنيف. أما الناجون فقد تعقبوهم وقتلوهم واحدا فواحدا لا لشيء سوى أن بشرتهم حمراء ودمهم هندي وأرضهم كنعانية طيبة. وكتب شاهد عيان، وهو طبيب أديب نصف هندي يدعي شارل ايستمن : "على بعد ثلاثة أميال من مكان المذبحة وجدنا جثة امرأة مدفونة تحت الثلج.

* * *

وانطلاقا من تلك النقطة تناثرت الجثث على طول الطريق وكأنها طوردت واصطيدت وذبحت بعزم وتصميم فيما كانت تحاول أن تنجو بأرواحها. بعض من معنا اكتشف بعض أهله أو أصدقائه بين القتلى، وكان هناك ندب ونواح يملأ الأرض. وحين وصلنا إلي حيث كان المخيم الهندي وجدنا بين بقايا الخيام والأمتعة المحترقة جثثا متجمدة تتلاصق هنا في صفوف أو تتراكم هناك فوق بعضها في أكوام.. ولم أستطع أن أحتفظ برباطة جأشي بسهولة أمام هذا المشهد الذي أتلف كل أعصابي وأمام ذلك الحزن العميق الذي طغى على كل من معي من الرفاق بين من يجهش في بكائه أو يتلو نشيد موته" .

ويضيف جيمس موني: "تحت ركام الثلج، كان هناك نساء على قيد الحياة، لكنهم تركوهن للموت البطيء، وكذلك حال الأطفال الرضع المقمطين والمرميين إلى جانب أمهاتهم.. كانت جثث النساء متناثرة فوق محيط القرية. وتحت علم الهدنة كانت هناك امرأة صريعة ومعها طفلها. لم يكن الطفل يعرف أن أمه ميتة، ولهذا فقد كان يرضع من ثديها. وبعد أن قتل معظم من في القرية أعلن الجنود أنهم يضمنون سلامة الجرحى أو كل من بقي على قيد الحياة إذا ظهروا. وخرج بعض الأطفال من مخابئهم، لكن الجنود أحاطوا بهم وذبحوهم. لقد كان واضحا أن تعمد قتل الأطفال والنساء هو لجعل مستقبل الهنود مستحيلا".

في اليوم الرابع للمذبحة كتب باوم مزهوا بنشوة الانتصار: "لقد فعلنا حسنا. ويجب علينا أن نتابع المسيرة لحماية حضارتنا.. إن علينا أن نقطع دابر هذه المخلوقات الوحشية ونمحو ذكرها من على وجه الأرض".

* * *

إن مقتل مائة هندي أو حرق قرية هندية كاملة بمن فيها قد تحيله هوليوود إلى مناسبة للضحك والتسلية فيما هي تنسج من تلويح الهندي بيده في وجه الرجل الأبيض دراما مخيفة تجعلها عنوانا للعنف والوحشية التي تؤهله للموت. " وصورة الضحية على الغالب فتاة جميلة شقراء مذعورة لا تختلف عن تلك التي يخطفها كنج كونج، وإن كانت هوليوود تضفي على كنج كونج بعض المشاعر الإنسانية التي تضن بها على الهندي". إنهم قبل أن يسلبوا الهنود جهودهم في الحضارة الإنسانية ويعروهم من إنسانيتهم أسقطوا عليهم أشنع فظاعاتهم كالعنف وسلخ فروة الرأس والتمثيل بالجثث وغير ذلك مما يعتبر لازما لاعتبار إبادة 112 مليون إنسان من "الأضرار الهامشية" التي تواكب انتشار الحضارة.

* * *

كل شهادات المستعمرين الأوائل كانت تسخر من مفهوم الحرب عند الهنود لافتقارها إلي عنصرين أساسيين في الثقافة الحربية الكلاسيكية: القتل، والتوسع في الأرض، ولأنها أشبه بمهرجانات لاستعراض الشجاعة والبطولة والمهارات وليس لاستعراض الجثث. أول ما لاحظه المستعمرون أن حروب الهنود "كانت للتسلية والرياضة البدنية وليست لإخضاع الخصم. فقد يتحاربون سبع سنين دون أن يسقط بينهم سبعة قتلى. إنهم يقاتلون في السهول بالقفز والرقص، وعندما يجرح واحد منهم يتوقف الطرفان عن القتال وينكب المقاتلون جميعا على إسعاف الجريح". ولاشك في أن هذه الثقافة الحربية المختلفة التي لا تؤمن بالعنف المنظم كانت مقتلا من مقاتل الطالبيين الهنود وحجر زاوية في حرب الإبادة التي تنتمي إلي ثقافة وأخلاق مختلفتين تماما. عندما أعلن كورتيس للهنود أنه جاء إليهم في مهمة سلمية صدقوه ورحبوا بهذا الغازي الدموي وفتحوا له دورهم وقصورهم ومناجم ذهبهم. فمن قواعد الحرب بين الهنود أن إعلان السلام لا يعني شيئا غير السلام. ومن هذا المنطق اطمأن الهنود إلي أن كورتيس جاء فعلا في مهمة سلام. إنهم لم يستطيعوا أن يفهموا لماذا يعلن الأوروبي شيئا ولا يتقيد به، ولماذا يقول قولا ولا يفعله، ولماذا يوقع اتفاقية ثم يخرقها في أقرب فرصة ممكنة. ولعل هذا ما تعبر عنه هذه الكلمة البريئة التي ألقاها أحد هنود لونابه أمام أحد المستعمرين الإنجليز : "إننا نريد أن نعيش معكم بسلام كما عشنا مع غيركم من الشعوب. لو أننا فكرنا في أن نحاربكم يوما فإننا سنعلمكم بذلك سلفا، وسنبين لكم الأسباب التي نريد أن نحاربكم من أجلها. فإذا أبديتم ما يقنعنا أو يعوضنا عن الأضرار التي سنحاربكم من أجلها فإننا لن نحاربكم.

وإذا أردتم أن تحاربونا يوما فنرجو أن تعلمونا بذلك وتبينوا لنا الأسباب، فإذا لم نقنعكم أو نعوضكم عن الأضرار التي ستحاربون من أجلها فلكم الحق في محاربتنا.. وإلا فليس لكم أن تحاربونا" .

* * *

لم يستطع الهندي أن يفهم دوافع الحرب التي يشنها الأوروبي والعنف المميت الذي يمارسه والفظاعات التي تواكب حروبه. لم يستطع أن يفك ألغاز تقديسه للملكية وهوسه باغتصابها من الآخرين. إن نظام قيمه لا يعنى بالتراكم المادي ولا تستهويه "ثروة الأمم" التي ألهبت خيال الإنجليزي وبندقيته، وجعلت الملكية في عيني مارتن لوثر معيارا للتفريق بين الإنسان والحيوان! هلا رأى نبي وول ستريت بأي ماء تسيج الضباع أطيانها؟ الحرب الهندية على ندرتها لا تعلن إلا بسبب إهانة شخصية أو حوادث فردية. ولطالما أمكن تفاديها بالتعويض أو الاعتذار أو الدية. أبدا لم يزعم الهنود احتكار الحقيقة المطلقة، هذا الوباء المقدس الذي ألهب طقس العنف في أتباع كل الديانات التوحيدية.

أبدا لم يعرف تاريخ الهنود سماء مركنتلية تتاجر بالعبيد وتعد هذا بأرض ذاك. أبدا لم يكن الغزو أو الاجتياح أو الاحتلال من أخلاقهم. "كل هذا غريب عن ثقافتهم" .

في دراسة ميدانية لهنود السهول الذين صورتهم هوليوود مثلا أعلى للعنف والعدوان يقول الأنثروبولوجي جورج غرينل: "بين هنود السهول الذين أعرفهم جيدا يعتبر لمس العدو من أشنع أنواع التعبير عن العدوانية، أن تقوم بضرب العدو دون أن تؤذيه عمل من أعمال الفروسية. إن من مظاهر الشجاعة وتقاليدها أن يمضي الرجل إلي الحرب وليس في يده سلاح يؤذي عدوه من بعيد، فحمل الرمح أكثر شجاعة وفروسية من حمل السهام، وحمل البلطة القصيرة أولى من حمل الرمح.

بشير الغزاوي
عضو فعال
عضو فعال

عدد الرسائل : 622
العمر : 84
تاريخ التسجيل : 28/03/2010

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى