ملتقى الفكر القومي
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم, أنت لم تقم بتسجيل الدخول بعد! يشرفنا أن تقوم بالدخول أو التسجيل إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

ملتقى الفكر القومي
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم, أنت لم تقم بتسجيل الدخول بعد! يشرفنا أن تقوم بالدخول أو التسجيل إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى

ملتقى الفكر القومي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

أمريكا والكنعانيون الحمر سيرة الإبادة( 5)

اذهب الى الأسفل

أمريكا والكنعانيون الحمر سيرة الإبادة( 5) Empty أمريكا والكنعانيون الحمر سيرة الإبادة( 5)

مُساهمة من طرف بشير الغزاوي الأحد يونيو 06, 2010 9:09 am

أمريكا والكنعانيون الحمر سيرة الإبادة(5)
موقع:جبهةالتحريرالعربية
الرفيق:بشيرالغزاوي
في الساعات الأخيرة من وجودهم في فييتنام، وبعد أن القوا عليها 14 مليون طن من القنابل، انصب كل جهد الدولة الأمريكية على إنقاذ "البيض". لم يتخلوا عن حلفائهم الفييتناميين وحسب بل تخلوا حتى عن جنودهم الملونين وعن كل ما ليس بأبيض من المئات من موظفيهم المتجمعين في Hotel Duc والآلاف عن عملائهم المحتشدين أمام السفارة. وكان الأمر الصادر من الدولة الأمريكية حاسما وواضحا: "أنقذوا السادة أصحاب البشرة البيضاء . وقبل أن تقلع الهيلوكبتر بالقنصل هنري بودرو أطل من علاه وتفحص الحشود في مبرك السيارات وقال بكثير من الارتياح: "لم أر أي وجه أبيض هناك" .

إن أمريكا الحديثة منذ ترومن حتى بوش حاولت التوسع في غرب "الغرب الأمريكي" وحيثما شاء "القدر المتجلي". لقد حاولوا التصدي للشيوعية والتوسع الصيني وبسط سيطرتهم على منابع النفط العربية، وهم في كل خطوة من هذا التوسع "لم يتخلوا قيد أنملة عن السياق التاريخي العنصري والدموي" كما يوضح دانيال إلسبرغ

قبل أن يصدر رمزي كلارك وزير العدل السابق كتابه عن جرائم أمريكا في حربها على العراق، كانت الفرقة الجوية القتالية السابعة والسبعون قد أنتجت ووزعت كتاب أناشيد تصف فيه ما ستفعله الفرقة في "الخليج" وتنذر هذا "المتوحش القميء".. "خدن الأفاعي" بأن يستعد للإبادة فيما ينتهي أحد هذه الأناشيد بخاتمة تقول: "الله يخلق أما نحن فنحرق الجثث . والكتاب كما يصفه كريستوفر هيتشنس في خليط من السادية والفحش. ومعظمه تشنيع وتشهير وشتائم بذيئة للعرب والمسلمين باعتبار أنهم أعراق منحطة و"حشرات" و "جرذان" و "أفاع" . وقد اعترف نورمن شوارزكوف في عدة مقابلات تلفزيونية بأنه كان يريدها معركة فناء، وأشار إلى أنه كان يخطط لأن تكون على شكل معركة كاناي القرطاجية التي يطلق الطليان على موقعها اليوم اسم "حقل الدم". ومن يدري ما ستكشف عنه وثائق هذه الحرب وما تلاها من حصار حين ترفع السرٌية الكاملة عنهما يوما يتطاير فيه الريش مع رؤوس من تبقى من هذا الجنس اللعين!

كمائن الاتفاقيات

قبل أن يبني جورج واشنطن عاصمته فوق ما أسماه بالسباخ أو المستنقعات الخاوية والتي تبين لاحقا أنها كانت جزءا من مدينة هندية عامرة على ضفاف نهر البوتوماك أمضي حياته في الاستيلاء على أراضي الهنود والمضاربة بها وبناء ثروة هائلة وضعته على قمة هرم أغنياء العالم الجديد.. ومن خلال هذه القرصنة العقارية بني واشنطن معظم ملامح سياسته الهندية التي هيأت بعد ذلك لقانون الترحيل القسري. لقد طور أعظم آباء أمريكا هذه التجربة الشخصية الناجحة في مشروع قرار يسمح للدولة الفيدرالية الفتية بأن تستولي على أراضي الهنود بسهولة أكبر وكلفة أقل. وفي عام 1782 وافق الكونغرس على مشروع واشنطن الذي يتلخص بخردقة الأراضي الهندية بالمستوطنين واستدراجهم باستمرار إلي كمين الموت. فالمعروف أن المستوطن في مستعمرات نيوإنكلندا كان بحاجة إلي خمسين هكتارا من الأرض لنفسه وخمسين هكتارا آخر كمجال حيوي. وبما أن هذا المجال الحيوي يتحول بسرعة إلي ملك فإن هناك حاجة لا تنتهي إلي مجال حيوي جديد للمجال الحيوي القديم. هكذا امتد المجال الحيوي الاستيطاني من شواطئ الأطلسي في القرن السابع عشر إلي شواطئ الهادي في منتصف القرن التاسع عشر، وكان كل مجال حيوي جديد يحتاج إلي نشاط "العامل الطبيعي" ومعجزات العناية الإلهية وأضرارها الهامشية.

في خطاب معبر يصف الزعيم "الحية الرقطاء" لشعبه هنود الكريك هذا الزحف اللانهائي للمستوطنات والمستوطنين فيقول: "أيها الأخوة، لقد سمعنا حديث أبينا الكبير. إنه حديث مفعم باللطف. إنه يقول إنه يحب أبناءه الحمر. عندما وصل الإنسان الأبيض من أعالي البحار كان إنسانا ضئيلا جدا. كان ساقاه متشنجتين لطول مكثهما في جزمته الكبيرة. وكان يستعطفنا أن نعطيه قطعة أرض صغيرة. وما أن وصل حتى أعطاه الهنود الأرض التي يحتاجها وأشعلوا له النار ليدفئوه ويريحوه. ولكن ما أن أحس الإنسان الأبيض بالدفء وانتعش جسده بنار الهنود، وما أن ملأ بطنه من طعام الهنود حتى صار كبيرا جدا يناطح قمم الجبال وتملأ قدماه بطون الوديان. أما يداه فاستحوذتا على بحار الشرق والغرب. ثم إنه أصبح أبانا الأعظم وأحب أبناءه الحمر، لكنه قال: "يجب أن تنزحوا قليلا حتى لا أسحقكم سهوا". بقدم واحدة لبط الرجال الحمر عبر الأوكوني (مقاطعة في كارولينا الجنوبية اليوم)، وبالقدم الثانية مسح مدننا وقبور آبائنا. وفي مناسبة ثانية قال: "أزيحوا أكثر، وانزحوا إلي ما بعد الأوكوني فهناك مكان بهيج لكم، ولسوف يكون لكم هذا المكان البهيج إلي الأبد". وها هو يقول لنا الآن: "إن الارض التي تعيشون فوقها ليست لكم. إنزحوا وراء الميسيسيبي فهناك متسع. وهناك تستطيعون البقاء ما نبت العشب وجرت الأنهار". ألن يجيء أبونا الأعظم إلي هناك أيضا؟ الخطبة ألقيت في 1829 قبل اجتياز الميسيسيبي. إنه يحب أبناءه الحمر ولسانه ليس مشطورا. يا أخوتي، لقد سمعت من الأب الأعظم أحاديث بديعة، لكنها كلها كانت تبدأ وتنتهي: "انزح قليلا فأنت قريب مني".

* * *

كانت حرب ما يسمى بالاستقلال قد وضعت أوزارها وصار متقاعدوها عبئا اقتصاديا واجتماعيا. وكانت خطة واشنطن ترمي إلى إقطاع أراضي الثغور لهؤلاء المحاربين المتقاعدين، واستثمار طاقتهم القتالية اقتصاديا وسياسيا بحيث يستمر التوسع داخل أراضي الهنود دون الحاجة إلي الجيوش والحرب الشاملة. ومضي الرئيس الذي يشع وجهه من الأيقونة المقدسة لورقة الدولار يذكر أعضاء الكونغرس بأن هؤلاء المستوطنين ليسوا رجالا عاديين بل إنهم أبناء الحروب والمعارك وأصحاب تجربة عسكرية وحنكة قتالية تمكنهم من ترويع الهنود وإنزال الرعب في قلوبهم ودفعهم إلي الفرار. إنهم يستطيعون إخماد مقاومة الهنود إذا اختار الهنود طريق المقاومة، ويشكلون ميليشيا ممتازة للدفاع عن "استحقاقات" الولايات المتحدة في بلاد أوهايو.

في هذا التقليد الإنكليزي العريق الذي يقول ما لا يفعل ويعد بما لا يفي اقترح واشنطن عقد سلسلة من الاتفاقيات مع الهنود بهدف الاستيلاء على الأراضي الغنية والمناطق الاستراتيجية اللازمة لأمن المستوطنين في مقابل... "وعود"... بعدم المساس بما تبقي لهم من الأرض. ومن هذه الوعود التي يقدمها المتفاوضون للهنود أن الولايات المتحدة ستفعل ما في وسعها للحيلولة دون قيام مواطنيها بالصيد أو الاستيطان في أراضيهم. هذا يعني أن الأب الأعظم للولايات المتحدة في خطته الرامية إلي تعزيز الاستيطان يقر رسميا بأنه يريد أن يكذب على الهنود قبل أن يفاوضهم، ويؤكد أن الهدف الأول هو خداع الهنود وكسب ما يمكن كسبه على طاولة المفاوضات في مقابل "وعود" يقرر سلفا وعلنا عدم الوفاء بها. ولضمان ذلك يوصي واشنطن بأن تكون وعود المفاوضين شخصية وغير ملزمة للحكومة الأمريكية. لقد أحلته عقدة الاختيار والتفوق من أي التزام إنساني أو قانوني وأوهمته بأنه يملك حق تقرير الحياة والموت لهذه الكائنات التي لم يستطع أن يراها إلا كما يرى الذئاب. إنه في رسالته إلي جيمس دواين يؤكد على أن "التوسع التدريجي للمستوطنات" يقتضي "أن يفر الهنود المتوحشون على أعقابهم كما يفعل الذئاب، فالذئاب والهنود كلهم وحوش مفترسة وإن اختلفوا في المنظر". وقد تم إقرار خطة واشنطن بإجماع أعضاء الكونغرس الذين قال بعضهم إن هذا الأسلوب من الاتفاقيات لن يبقي للهنود في النهاية سوى منعزلاتهم. أما الذين سيحاولون الوقوف في وجهها فإن مصيرهم التهجير القسري أو الإبادة إن الهندي، كما يقول إدموند مورغن في كتابه المذكور عن "العبودية والحرية في أمريكا" لا يستطيع أن يدافع عن نفسه، لأنه لا يملك حقا يدافع عنه. يكفي أن يفكر في أن يكون له حق حتى يصبح معتديا وحتى تنطلق عفاريت التدمير والقتل من قمقمها.

وكانت هذه الخطة التي تم تنفيذها قبل إقرارها رسميا أول تشريع لنظام الترحيل القسري الذي توجه الرئيس جاكسون بعد ذلك برحلة الدموع. فبمجرد دخول أندرو جاكسون إلي البيت الأبيض ضمت ولاية جورجيا أجزاء كبيرة من بلاد الشيروكي، وذلك في حيل قانونية طالما استخدمها جاكسون لتبرير اغتصاب أراضي الهنود. وظن الشيروكي أن نزاهة القضاء كافية لإنصافهم فلجأوا إلي المحكمة العليا. وبينما كانت القضية تواجه جدلا بيزنطيا في المحكمة العليا كان اكتشاف الذهب قد جذب أكثر من أربعين ألف مستوطن إلى أراضي الشيروكي بتشجيع من الحكومة. كان العدل يأخذ مجراه فيما كان المستوطنون يصادرون المزارع، ويتملكون، الأراضي، ويطاردون ويطردون الشيروكي إلى الغابات، ويتملكون بونانزا أقفرت من أهلها. وأصر الشيروكي على المقاومة السلمية فربحوا قضيتهم في المحكمة العليا بعد أن حكم القاضي جون مارشال لهم باستعادة أملاكهم. أما جاكسون فاعتبر القرار انتصارا للديمقراطية وفصل السلطات ودولة القانون، وقال وهو يحيل قرار المحكمة للتمسيح:

"لقد أصدر القاضي مارشال حكمه. وعليه الآن أن يجد من ينفذه"! هكذا نال الشيروكي بالمقاومة السلمية قرارا تاريخيا من المحكمة العليا انتهى تنفيذه بطردهم من معظم أراضيهم إلى غرب المسيسيبي حيث لم تكن أيدي القدر المتجلي قد طالته أو أعلنت عن أطماعها فيه.

أما الهنود الذين عاكسوا انتشار الحضارة ورفضوا الاحتكام إلي القانون فسرعان ما تولاهم "العامل الطبيعي" بالطرد والقتل، أو كما يعبر عن ذلك توماس جفرسون بدون مواربة: "لقد أبيدوا". وكان شعب الهودينوسوني أول من اكتوي بنار الاتفاقيات، فبرغم حقهم في أكثر من نصف ما صار يعرف اليوم بولاية نيويورك بموجب معاهدة فورت ستانويكس لعام 1784، فإن حاكم الولاية جيمس كلينتون سرعان ما استلبهم بالشمال ما أعطتهم الاتفاقية باليمين، واضطرهم هم وما تبقي من "الأمم الست" إلي الانكفاء بالقوة داخل منعزل بور صغير. أما شعب الأونيدا الذي اطمأن إلى الاتفاقيات والوعود وأبلى إلي جانب جورج واشنطن في حرب الاستقلال بلاء "الحلفاء" المخلصين منتظرا عيد الشكر فإن كلينتون تنكر لكل اتفاقياته ووعوده فطرد المسالمين منهم إلي وسكنسون وأما المشاغبون فإنهم انتهوا في معصرة غضب الرب. إن كل ما تبقي من هذا الشعب اليوم أسماء رمزية لمدن لا يسكنونها ومقاطعات وأنهار استعصت على أشباحهم.

هكذا أدركت الاتفاقيات من الهنود ما أدركته الأوبئة والحروب المتواصلة، فلم تمض فترة طويلة على خطة واشنطن حتى كان الشمال الشرقي للولايات المتحدة قد تطهر من الشعوب الهندية، وبدأت عيون "القدر المتجلي" تتطلع بعيدا، إلي الغرب من نهر الميسيسيبي حيث انهارت فكرة تخصيص هذا الغرب وطنا للهنود. في أقل من 75 سنة ابتلعت هاوية الاتفاقيات ما يعرف اليوم بولاية ميزوري، وأركنسوا، وإيوا، وأتت الاجتياحات على الباقي، فمن لم يمت بالسيف مات بالاتفاقيات. وكان الغزاة في أثناء ذلك قد اجتاحوا تكساس، وضموا أورغمون، وأيداهو، وواشنطن التي تخلي عنها البريطانيون بعد حرب الاستقلال لأعدائهم الثوار ورفضوا أن يعطوها لحلفائهم الهنود الذين حاربوا إلي جانبهم وبذلوا دمهم في سبيل تاجهم. وفي عام 1848 عندما اجتاحت الولايات المتحدة المكسيك واستولت على كاليفورنيا وأريزونا ونيفادا وأوتاوا ونيومكسيكو وجنوب كولورادو صار غرب الميسيسيبي أقتل من شرقه وأطبق الحصار على هؤلاء الأشقياء من كل جانب.

في البداية، ظن المستعمرون أن "غرب الميسيسيبي" هو المزبلة المناسبة للهنود، وأن هذه الصحراء الأمريكية التي تتضمن ما يعرف بالسهول الكبرى هي المنفي المثالي لتهجير من لم يقطفه سيف المنون. وقد اعترفت الولايات المتحدة في كل الاتفاقيات التي عقدتها مع الهنود في فورت لارامي عام 1851 بأن كل ما يعرف بالسهول الكبرى هو منطقة هندية ذات سيادة تخص هذا الشعب الهندي وذاك، وتعهدت بأن لا تنشئ فيها مستوطنة أو تجمعا سكنيا دائما. لكن اكتشاف الذهب بعد سنوات قليلة في التخوم القريبة من هنود الشايين وتدفق المغامرين بأعداد كبيرة اضطر الحكومة الفيدرالية في 1861 إلي "فبركة" وثيقة مزورة يتخلى فيها الهنود دفعة واحدة عن 90 بالمئة من أراضي السهول الوسطى. وعندما رفض زعماء الشايين الاعتراف بهذه الوثيقة المزورة وأبرزوا المعاهدة الأصلية التي مايزال كل الذين فاوضوا عليها ووقعوها على قيد الحياة اتهمتهم الحكومة الفيدرالية بخرق المعاهدة واعتبرت تصرفهم إعلانا للحرب. وسرعان ما تعالت نداءات الإبادة، لكن القائد العسكري سكوت أنتوني فضل سياسة الإبادة بالحصار والتجويع والتدمير الشامل للبني الاقتصادية اللازمة للحياة لأنها أسهل من الحرب المسلحة وأجدى وأقل كلفة، ولأنها لن تترك أمام الشايين من خيار سوي الهجرة أو الموت جوعا.

* * *

ومع اكتشاف الذهب والفضة والثروات الخام هنا وهناك تحت أقدام الهنود تكرر خرق الاتفاقيات في معظم مناطق السهول الكبرى وتعرضت الشعوب الهندية لحرب تجويع شرسة أبيد فيها بين ما أبيد كل احتياطي الجواميس في هذه المناطق الممتدة طبيعيا من حدود المكسيك جنوبا حتى القطب شمالا. أما الذين قاوموا، كشعب السانتي، فأصبحوا هدفا مشروعا لحرب الإبادة. وفعلا فقد وجه حاكم داكوتا دعوة علنية إلي إبادتهم أو ترحيلهم. ولما رفضوا التهجير زحف إليهم الجنرال هنري سيبلي على رأس بضعة آلاف من الميليشيا فأعملوا فيهم تقتيلا وتهجيرا، وصادروا كل أملاكهم لتغطية نفقات الحملة العسكرية، وساقوا الذين استسلموا منهم، وكانوا في حدود الألفين، إلى زرائب مهجورة حيث أقيمت أكبر حفلة إعدام جماعية في تاريخ أمريكا. ثم أعلنت الولاية عن مكافأة لكل من يأتي بفروة رأس لأحد "الفارين"، فاستعر صيد الرؤوس لأكثر من سنة إلى أن تتوج بنصب كمين للزعيم لتل كراو العائد من كندا حيث قتل، وتلقي قاتلوه خمسمائة دولار إضافة إلى مكافأتهم، ثم نصبت فروة رأسه وجمجمته في مكان عام من سانت بول للذكرى والاعتبار .

اقتل الهندي واستثن الجسد



لم يدر بخلد الغزاة أن هذه الشظايا التي بقيت من أوطان الهنود تكتنز ثروات باطنية هائلة. لم يحشروهم في هذه المفازات القاحلة من الأراضي ولم يتخلوا لهم عنها (مؤقتا) إلا لأنهم ظنوا أنها مجرد ثقوب سوداء يمتص فيها الموت من تبقى من أمم الهنود حيث لا يراهم أحد ولا يبكيهم أحد. كان الخوف من استحالة الإبادة الجسدية الكاملة من أقسى الكوابيس. إن القاتل لا يطيق أن يرى أحدا يشهد. وكان لابد لهذه الإبادة من سلاح آخر يبيد "هندية" الهنود.

منذ 1870 و "هندية" الهنود تشرب الأنخاب المسمومة. كانت صيحات التذويب الثقافي تواكب حفلات السلخ وتدعو إلي تدمير هذه الهندية وإعادة بنائها بحجارة التاريخ الأبيض والدين الأبيض واللغة البيضاء، إن نهب ما تبقي من أرض الهنود لا يتم إلا بتدمير هندية الهنود: ثقافتهم وبنيتهم الاجتماعية التي لا تؤمن بالملكية الفردية. لقد صارت "ثقافة الهنود مضرة بالمصلحة الوطنية" وليس هناك عدوان على أمريكا أخطر من الإضرار بمصلحتها الوطنية التي قد تشمل كل ما يخطر على بالك بدءا من السطو على حسابك المصرفي (وحياتك عند اللزوم) وانتهاء باستثمار آبار نفطك وثروات بلادك. والتزاما بهذه المصلحة كان لابد من خلق جديد لهندي ليس له من هنديته إلا البيولوجيا. لابد من صياغة جديدة لوعيه وذاكرته وأخلاقه ومسلمات عقله. فإذا تعذر قتل الجسد لا بأس من استبطان الموت، ولا بأس به كائنا ممتلئا ومزينا بالريش، أو تمثالا حجريا منصوبا فوق قبة الكابيتول، "رمزا غسادياف للحرية". وليعرف هذا الهندي كل شيء إلا ذاته. وفي هذا الإطار اعتبرت الشعائر الروحية للهنود خطرا وتم تحريم ممارستها. هكذا يمارس الهندي اليوم شعائر روحية منتقاة بأسلوب يتناغم مع "المصلحة الوطنية" ومع البرامج السياحية التي ينظمها البيض.

* * *

ولكن تؤتي حملة التذويب ثمارها فتقتلع جذور الكراهية غير المبررة من نفوس الهنود وتشرح صدورهم للتخلي عن أراضيهم فقد رفعت شعار مفوض الشئون الهندية فرانسيس لوب : اقتل الهندي واستثن الجسد (حرفيا: استثن الرجل). وكان أنبياء الوول ستريت قد وضعوا مئات الدراسات عن تلازم الحضارة والملكية الفردية وعن وحشية وشيطانية هؤلاء الذين لا يؤمنون بها. بل إن مارتن لوثر الذي يعتبر الملكية معيارا للتفريق بين الإنسان والحيوان اتهم القديس فرانسيس الاسيزي بأنه "مختل العقل، طائش، أحمق، شرير" لمجرد أنه كان يطلب من أتباعه أن يتخلوا عما لديهم للفقراء! ومنذ نزولهم في جيمستاون عام 1607 لم يستطع القديسون أن يميزوا بين السماء وعجل الذهب: "لقد وجدنا أرضا واعدة أكثر من أرض الميعاد، فبدلا من اللبن وجدنا اللؤلؤ، وبدلا من العسل وجدنا الذهب". وكان الكونغرس قد أقر في 1887 قانونا لتقسيم الأراضي يهدف في النهاية إلى نسف تقليد الملكية الجماعية عند الهنود، واستبداله بتقليد "حضاري متنور" يعتمد الملكية الفردية. ويقضي القانون بأن يمنح الهندي قطعة مناسبة من أرض بلاده. أما ما تبقي فيعتبر "فائضا" تتصرف فيه الحكومة الأمريكية وفقا لمصلحتها، كأن تستثمره بواسطة الشركات "البيضاء"، أو تعلنه محميات طبيعية ومناطق عسكرية. بهذا التزوير المناسب لثقافة الهنود تسيطر المصلحة الوطنية على مئة مليون فدان جديد من أصل 150 مليون فدان ما تزال ملكا للهنود. كذلك اقتضت المصلحة الوطنية ترحيل أطفال الهنود عن أهلهم وإخضاعهم في أبكر سن ممكنة لغسيل دماغ منظم داخل معسكرات مدرسية أعدت خصيصا لنحت أرواحهم. وتتولى "الهيئات الفنية" إعادة صياغة ذاكرتهم الجماعية ووعيهم لأنفسهم وللعالم: هيئات فنية ذات طبيعة بوليسية تمنع على الأطفال أن يتحدثوا بلغتهم، أو أن يمارسوا شعائرهم الدينية، أو أن يرتدوا ملابسهم التقليدية، أو أن يزينوا شعورهم على ما تعود عليه آباؤهم وأجدادهم. بل إنها تقتلعهم نهائيا من عالمهم فتضرب حصارا على كل اتصال ممكن بينهم وبين أهلهم أو أحبائهم "المتوحشين". هكذا تحشي أدمغة هؤلاء الأطفال بكراهية أنفسهم ومجتمعاتهم والشغف بمتابعة غراميات الأميرة ديانا وأخبار اصطبلات جلالة الملكة إليزابيت والاستمتاع بقتل الهنود في أفلام الكاوبوي. أما على الصعيد العملي فإنهم يتخرجون عمالا يدويين لا أمل لهم إلا بخدمة "المصلحة الوطنية" فيما قد يعين المتفوقون منهم سدنة لمعابدهم الشريفة أو خبراء في مؤسسات إعلامية. وقد تم تتويج هذا التذويب الثقافي في عام 1924 عندما أجبر كل الهنود على حمل الجنسية الأمريكية.

وعلى الرغم من نجاح خطة التذويب في زرع بعض الألغام الثقافية داخل المجتمعات الهندية إلا أنها لم تكسر بنيتها "الأسيزية". وظلت هذه الأراضي الغنية بالذهب والنفط والفحم واليورانيوم ملكا مشاعا عصيا على الاختراق. لهذا عززت الولايات المتحدة خطة التذويب الثقافي الكلاسيكية بسلطة استعمارية داخلية يشبهها الهنود بالتفاحة، حمراء الظاهر، بيضاء الباطن. وكان قانون "إعادة تنظيم الهنود الذي أقره الكونغرس في 18 حزيران؟ يونيو 1934 قد أطلق على هذه السلطة اسم "مكتب الشئون الهندية" وألحقها بوزارة الداخلية التي تعني عادة بثروة الولايات المتحدة من الحيوانات البرية والغابات والأنهار والمحميات الطبيعية.

وبالطبع فإن مواد القانون أعطت للهنود شكلا ظاهريا من أشكال الحكم بينما ساعدت خطة التذويب الثقافي على خلق الأطر المناسبة لهذا الاستعمار الداخلي وجعله الشكل الأمثل للقضاء على هندية الهنود ولسيطرة الولايات المتحدة على ثرواتهم واستغلالها لقاء عائدات رمزية يستثمر معظمها في زراعة التفاح.

ومنذ البداية أراد عضوا الكونغرس اللذان اقترحا قانون "إعادة تنظيم الهنود" وسمي باسمهما Wheeler - Howard Act - أن تجترح هذه السلطة الاستعمارية الداخلية أكبر معجزات العناية الإلهية وأن تضع اللمسات الأخيرة على خطة الإبادة الشاملة وتتولى تنفيذ سياستها. وفي إطار هذه السياسة تنشط خطة التذويب الثقافي والنجاح في شطب 108 شعوب من قائمة الشعوب الهندية المعترف بها رسميا، بكل ما يعني ذلك من تبخر حقوقهم التاريخية في أرضهم وثرواتهم. ومن ذلك أيضا المساعدة على تعقير 42 بالمئة من النساء الهنديات القادرات على الحمل قبل أن تفتضح هذه الجريمة في منتصف السبعينات ويتوقف العمل بها ظاهريا دون معاقبة أحد ومن دون أن يخسر وظيفته أحد. ومن ذلك تحويل الهنود إلي حقول تجارب في المختبرات الطبية والبيولوجية، بدلا من الفئران، كما حدث في منتصف الثمانينات عندما أجرت شركة نورث سلوب على هنود الإنويت تجارب طعم التهاب الكبد الذي منعت منظمة الصحة العالمية استخدامه لتسببه في مرض الإيدز. ولما علم زعماء الإنويت بذلك ورفضوا الاستمرار في "قتل" أطفالهم نجحت السلطة في نقل التجارب إلى الغافلين من هنود الجنوب.

لقد جرب الجلاد المقدس أسلحة صيد كثيرة، لكنه أبدا لم يتخل عن هاجس الإبادة الكاملة. إن إبادة 112 مليون إنسان ينتمون إلي أكثر من أربعمائة أمة وشعب جريمة لم يعرف التاريخ الإنساني مثيلا لها في حجمها وعنفها وفظاعتها لكنها جريمة لم تكتمل فصولا ولم تصل إلي غايتها المرسومة.



المعني الإسرائيلي لأمريكا

إننا نقرأ التاريخ لنتعلم من خبرات الذين سبقونا إلى المجاهل، ولنعتبر بتجاربهم وأخطائهم إذا كنا فعلا نحب الحياة ونعتقد بأننا نستحق هذه الحياة. إن أمريكا ليست إلا الفهم الإنكليزي التطبيقي لفكرة إسرائيل التاريخية، وإن كل تفصيل من تفاصيل تاريخ الاستعمار الإنكليزي لشمال أمريكا حاول أن يجد جذوره في أدبيات تلك الإسرائيل، ويتقمص وقائعها وأبطالها وبعدها الديني والاجتماعي والسياسي، ويتبنى عقائدها في "الاختيار الإلهي" وعبادة الذات وحق تملك أرض وحياة الغير. لقد ظنوا أنفسهم، بل سموا أنفسهم "إسرائيليين" و"عبرانيين" و "يهود" وأطلقوا على العالم الجديد اسم "أرض كنعان" و "إسرائيل الجديدة"، واستعاروا كل المبررات الأخلاقية لإبادة الهنود (الكنعانيين) واجتياح بلادهم من لاهوت إسرائيل.

ولا أنكر أن هناك شيئا من التضليل في الانسياق وراء قياس التمثيل في دراسة الحوادث التاريخية. لكن السؤال عن وجوه الشبه ووجوه الاختلاف بين حادثتين تاريخيتين يجاب عنه دائما بلا، وبنعم. فعلى مستوى معقول من التدقيق والتمحيص في التفاصيل لابد من اكتشاف بعض وجوه الاختلاف، وعلى مستوى معقول من التجريد لابد من اكتشاف بعض وجوه الشبه. وبرغم اقتناعي بأن وجوه الشبه عديدة على المستويين التجريدي والتفصيلي، يبقي علينا أن نجيب: هل إن السؤال عن المعنى الإسرائيلي لأمريكا ممكن، ويستحق العناء. وهل إن المستوي التجريدي الذي يكشف عن إسرائيلية أمريكا هو فعلا مستوى معقول ويمكن البناء عليه؟

إن فكرة أمريكا، فكرة "استبدال شعب بشعب وثقافة بثقافة" عبر الاجتياح المسلح وبمبررات "غير طبيعية" هي محور فكرة إسرائيل التاريخية. وإن عملية الإبادة التي تقتضيها مثل هذه الفكرة مقتبسة بالضرورة بشخصيات أبطالها (الإسرائيليين، الشعب المختار، العرق المتفوق) وضحاياها (الكنعانيين. الملعونين، المتوحشين البرابرة) ومسرحها (أرض كنعان، وإسرائيل) ومبرراتها (الحق السماوي أو الحضاري) وأهدافها (الاستيلاء على أرض الغير واقتلاعه جسديا وثقافيا) من فكرة إسرائيل التاريخية.

هذا الاعتقاد بأن هناك قدرا خاصا بأمريكا وأن الأمريكيين هم الإسرائيليون الجدد و "الشعب المختار" الجديد يضرب جذورا عميقة في الذاكرة الأمريكية، وما يزال صداه يتردد في اللغة العلمانية الحديثة أو ما صار يعرف بالدين المدني . إنه اعتقاد يتجلى لعينيك في معظم المناسبات الوطنية والدينية وفي كل خطابات التدشين التي يلقيها الرؤساء الأمريكيون مفاده أن "الله، القدر، حتمية التاريخ.. الخ" اختار الأمة الأمريكية (الأنكلوسكسونية المتفوقة) وأعطاها دور المخلص (الذي يعني حق تقرير الحياة والموت والسعادة والشقاء لسكان المجاهل).

ولطالما كانت فكرة الإختيار الإلهي محركا لولبيا في التاريخ الأمريكي، ولشد ما أشعلت النيران في الحماسات والمشاعر والبواريد وفي القرى والمدن والجثث في أكثر من أربعين دولة، وعززت القناعة بأن لأمريكا قدرا أعلى من كل أمم الأرض، وأنه مهما حل بإسرائيل فوق أرض فلسطين فإن إسرائيل الأمريكية تبقى القلعة المحصنة لإعادة بنائها ولقيمها ومبادئها وأخلاقها. إن يهود الروح الذين يمثلهم الأنكلو سكسون هم الذين يحملون رسالة "إسرائيل" التي تخلى عنها اليوم يهود اللحم والدم، وهم الذين أعطاهم الله العهد والوعد، وهم الذين ورثوا كل ما أعطاه الله تاريخيا ليهود اللحم والدم. لقد أختار الله يهود اللحم والدم مؤقتا، وبشروط أخلفوها، ولكنه اختار الأمة الأمريكية (الأنغلوسكسون) مؤبدا، لأنها تستأهل الاختيار، ولأنه وهبها كل ما يلزمها من قوة وثروة لأن تكون "شعب الله" و"فوق كل الشعوب" إلى الأبد.

* * *

منذ الفترة الاستعمارية الأولى كان أطفال القديسين يتعلمون أن مسيرة التاريخ التي ترعاها يد الله الإنكليزي ونعمته أعطتهم دورا خلاصيا. وكانت هذه الافتراضات تقترن بإيمان قيامي مزدوج الهدف: تجميع يهود العالم في فلسطين للتعجيل بمجيء المسيح، وتدمير قوي الشيطان التي كانت تتمثل يومئذ بالعثمانيين والكاثوليك والهنود الكنعانيين. وبالطبع فقد وجد بعض السياسيين الإنكليز في استعمار العالم الجديد فرصة لتحقيق ما عجزوا عن تحقيقه في وطنهم. وبذلك تأكد لهم أن خروجهم من جزيرتهم يضاهي الخروج الأسطوري للعبرانيين من أرض مصر، ولم يساورهم الشك في أخلاقية استعمارهم وحقهم في إبادة الهنود ومقارنة ذلك كله باجتياح العبرانيين لأرض كنعان وتأييد السماء لإبادة أهلها.

* * *

كل أدب المستعمرين الأوائل يؤكد على هذه القدرية التاريخية التي نالت ذروة إبداعها في موعظة جون ونثروب الذي أصبح أول حاكم لمستعمرة ماساشوستس والذي سماه كاتب سيرته الذاتية بنحميا الأمريكي وكتب عنه كتيبا بهذا العنوان تأسيا بنحميا الذي خرج بالعبرانيين من سبيهم في أرض بابل وعاد بهم إلى أورشليم فبني معبدها من جديد. وكان ونثروب قد ألقى هذه الموعظة في الحجاج على متن السفينة الأسطورية أربيلا وأكد فيها على العهد الجديد بين الإسرائيليين الجدد وبين يهوه، وعلى الرسالة التي يحملونها إلي مجاهل أرض كنعان الجديدة: "إننا سنجد رب إسرائيل بيننا عندما سيتمكن العشرة منا من منازلة ألف من أعدائنا، وعندما سيعطينا مجده وأبهته، وعندما يتوجب علينا أن نجعل من نيوإ ن كلند مدينة على جبل غرمز أورشليم الذي يستخدم إلى الآن للدلالة على المعني الإسرائيلي لأمريكا. وقد سمعت بأذني آخر أربعة رؤساء أمريكيين يستخدمون هذا الرمز في مناسبات مختلفة: ريغان، بوش الأب، كلينتون، بوش الابن.

في منتصف القرن السابع عشر، ساد الاعتقاد بأن الله عاتب على شعبه الجديد وأن هناك بوادر خصومة عبر عنها ميخائيل ويغل وورث أحد أكبر شعراء عصره في قصيدة ملحمية بعنوان "خصومة الله مع نيو إنكلندا" ندب فيها فشل المستعمرين في أداء واجبهم الرسالي. وتبدأ الملحمة بمقدمة طويلة تصف شيطانية الهنود وظلاميتهم ووحشيتهم وكيف أن هؤلاء العماليق والكنعانيين الملعونين تنطحوا لمحاربة رب إسرائيل ثم انهزموا مذعورين أمام جنوده. وهناك عشرات المحاولات لتقليد هذه القصيدة الملحمية من قبل شعراء ثانويين، كلهم ردوا غضب الله إلي خيانة العهد معه ودعوا إلي تجديده كما فعل العبرانيون القدامى.

ومع انطلاقة ما يسمي بالصحوة الكبرى في منتصف القرن الثامن عشر تجدد الأمل في أن الله لن يتخلي عن شعبه ولن يهجره، وأن الشمس ستطلع من أمريكا لتضيء

بشير الغزاوي
عضو فعال
عضو فعال

عدد الرسائل : 622
العمر : 84
تاريخ التسجيل : 28/03/2010

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى