ملتقى الفكر القومي
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم, أنت لم تقم بتسجيل الدخول بعد! يشرفنا أن تقوم بالدخول أو التسجيل إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

ملتقى الفكر القومي
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم, أنت لم تقم بتسجيل الدخول بعد! يشرفنا أن تقوم بالدخول أو التسجيل إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى

ملتقى الفكر القومي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

أمريكا والكنعانيون الحمر سيرة الإبادة (4)

اذهب الى الأسفل

أمريكا والكنعانيون الحمر سيرة الإبادة (4) Empty أمريكا والكنعانيون الحمر سيرة الإبادة (4)

مُساهمة من طرف بشير الغزاوي الأحد يونيو 06, 2010 8:45 am

أمريكا والكنعانيون الحمر سيرة الإبادة (4)
موقع:جبهةالتحريرالعربية
الرفيق:بشيرالغزاوي
أما أعظم مظاهر الشجاعة فأن تسعى إلى الهيجا بدون سلاح". ويروي ستانلي دايموند في دراسته المقارنة عن "البدائية والحضارة" أن قتل الانسان عند الهنود كان حدثا تاريخيا، وأن حروبهم كانت تشبه الأعمال المسرحية. ومهما كانت طبيعة هذا الحدث التاريخي الذي يستوجب قتل الإنسان فإنه كان يخضع لطقس مشخصن شديد التعقيد. لقد كانوا يقدسون حياة النساء والأطفال ويعتبرون الاعتداء عليها وصمة عار في جبين المحارب. وهذا ما جعل حرب الإبادة الإنجليزية نزهة في رياض الطبيعة الهندية المسالمة".

خلال عودة القديسين من حملة إبادة هنود الناراجنستس في عام 1637 بقيادة الكابتن جون انديكوت كانوا في أوج النشوة فأرادوا التحرش بهنود البيكو والتسلي بقتلهم. ويروي شاهد عيان أن البيكو "عندما رأونا على شواطئهم، أسرعوا للترحيب بنا، وهم يهتفون: أهلا بالإنجليز، أهلا بالإنجليز، ولم يكن يخطر ببالهم ما نعده لهم. وعمٌ الترحيب والتهليل ومظاهر الفرح بوجودنا في كل مكان حتى وصلنا إلى نهر بكويت وهناك مع سقوط أول قتلاهم. أدرك الهنود باستغراب شديد سبب وجودنا فهجروا قراهم وفروٌا إلي الغابات القريبة. ونزل الإحباط بالجنود فراحوا يحرقون القرى والحقول ويتلفون المحاصيل" . وما أن عاد الجنود إلى مستعمرتهم حتى ظهر الهنود من مخابئهم ونظموا أنفسهم وهاجموا حصن سايبروك فاقتحموه، ولكن دون أن يقتلوا أو يجرحوا أحدا. وظنوا أن هذه "البطولة الاستعراضية" كافية لاسترداد كرامتهم، ولإقناع المستعمرين بالتعايش السلمي. وبكل ما أعطاهم الله من براءة سأل هنود البيكو قائد الحصن ليون غاردينر عن إمكانية هذا التعايش السلمي، فأجابهم: "قد دمرتم بعدوانكم هذا كل إمكانية للسلام بيننا".

وسأله الهنود أيضا ما إذا كان الإنجليز سيقتلون الأطفال والنساء، فأجابهم "ستعرفون ذلك في حينه".

بعد أيام قليلة قاد الكابتن جون مايسون قبيل الفجر جيشا من الميليشيا قسمه إلي فرقتين تولى قيادة إحداها بينما تولي جون أندرهيل الفرقة الثانية. وتحت جنح الظلام هاجموا الهنود النائمين من جبهتين. وكان ذلك بتعبير جون مايسون "آخر نوم لهم.." ويصف مايسون تلك الليلة بقوله: "لقد أنزل الرب في قلوب الهنود رعبا شديدا، فحاولوا أن يطيرونا بين أسلحتنا ويقفزوا في اللهب الذي التهم كثيرا منهم. كان الرب يضحك من أعدائه وأعداء شعبه المختار.. يضحك حتى الاستهزاء والاحتقار، ويجعل منهم وقودا لهذا الفرن الذي تحولت إليه قريتهم. هكذا ينتقم الله منهم ويملأ الأرض بجثثهم.. ليعطينا أرضهم". كان الجنود يقتلون الجرحي من الرجال والنساء والأطفال ويشعلون النار في البيوت ويحرقون الهنود في أكواخهم أحياء أو موتى،. وكأنهم في حفلة شواء "باربكيو" بتعبير كوتون ماذر أحد أقدس أنبياء الاستعمار الإنجليزي للعالم الجديد.

استمرت حفلات الباربكيو طويلا قبل أن يتعلم الهنود أن البراءة مع شعب الله الإنجليزي انتحار، وأن الدفاع عن أنفسهم يحتاج إلي معرفة طبيعة الحرب لدي أعدائهم وإلي عدم قياس نظام قيم وأخلاق الإنجليز إلي نظام قيمهم وأخلاقهم. فالإنجليزي لا يحب التمثيل المسرحي في ساحة القتال، وإذا أراد أن يرقص فإنه ينتظر حتى ينقشع غبار المعركة ليرقص على أشلاء خصمه. لقد مضي وقت طويل قبل أن يتعلم الهنود كما يقول جننجز في "اجتياح أمريكا "أن وعد الانجليزي مهما كان صادقا مضمونا سوف يخلفه بمجرد أن يتعارض مع مصلحته التي لا تعرف حدودا، وأن أسلوب الحرب الإنجليزية لا تعرف معني للرحمة أو للشرف أو للمواثيق أو للتردد.. ولقد حفظ الهنود ذلك الدرس غيبا، ولكن حين لا تنفع الدروس والعبر".

* * *

تعرضت الثقافة الهندية المسالمة لحملة تشويه لازمت حرب الإبادة وكانت سلاحا من أسلحتها. لم يكتف التاريخ المنتصر بأن على غزواته واجتياحاته وحملاته العسكرية اسم "حروب الهنود" بل إنه أسقط كل عنفه وفظاعاته الدموية على الهنود بدءا من سلخ فروة الرأس وانتهاء بالتمثيل بالجثث.

"ارتكب الإنجليز جريمة سلخ فروة الرأس في معظم حروبهم" . وعلى نقيض ما تروج له هوليوود والرسميون والإعلاميون وأكاديميو التاريخ المنتصر "فإن الرجل الأبيض هو الذي خلق عادة السلخ" "في العالم الجديد". وإن أكثر جرائمها من صنع يديه" .

وكانت عادة سلخ فروة الرأس متبعة أيام الحروب الإنجليزية الايرلندية، ففي أواخر القرن السادس عشر لجأ القائد الانجليزي همفري جلبرت إلى قطع الرؤوس وسلخ فروتها لإثارة الذعر في نفوس الايرلنديين وقمع انتفاضتهم "1567 * 1570" في فظاعات أقلها زرع جانبي الطريق إلي مقر زعيم الانتفاضة بالرؤوس المقطوعة. وقبل أن يتوجه إلي العالم الجديد. يحاول ملكا، خلع عيه البلاط لقب "فارس" اعترافا ببلائه في نشر الحضارة. ومع أنه عاد خائبا ولم يفلح في تأسيس مستعمرته فإن مسيرته ظلت تتابع نشاطها وتمضي على خطاه إلي يومنا هذا، حتى إن الجنرال الفرد سولي أعاد هذا المشهد بكل تفاصيله بعد حوالي ثلاثة قرون عندما أمر بنصب الرؤوس المقطوعة لهنود اللاكوتا على عصي، كل رأس على عصا، وزرعها على جانبي الطريق المؤدية إلي مقره العام للاستئناس وفرض الهيبة.

ولقطف الرؤوس وظائف أخرى غير الزينة أو فرض الهيبة كما كان الحال في ايرلندا والمستعمرات الأمريكية الأولى. لقد استخدمت في البداية * بدلا من آلات الحساب الخرزية * للتأكد من عدد القتلي، ثم سرعان ما اكتشفت أخلاق السوق فيها وسيلة للرزق فاعتمدتها وطورتها وجعلت منها صناعة مستقلة. ويقول جننجز في "اجتياح أمريكا" إن السلطات الاستعمارية رصدت مكافأة لمن يقتل هنديا ويأتي برأسه، ثم اكتفت بسلخ فروة الرأس إلا في بعض المناسبات التي تريد فيها التأكد من هوية الضحية. ولعل أقدم مكافأة إنجليزية على "فروة الرأس"، بدلا من كامل الجمجمة تعود إلى عام 1694. في 12 أيلول/سبتمبر من ذلك العام رصدت المحكمة العامة في مستعمرة ماساشوستس مكافآت مختلفة لكل من يأتي بفروة رأس هندي مهما كان عمره أو جنسه. وتختلف هذه المكافآت بحسب مقام الصياد: خمسون جنيها للمستوطن العادي، وعشرون جنيها لرجل الميليشيا، وعشرة جنيهات للجندي. ولم تمض عشرون سنة حتى رصدت كل المستعمرات الإنجليزية جوائز مماثلة. ثم تغيرت "التعرفة" في عام 1704 فأصبحت مائة جنيه لكل فروة رأس. ومن المفارقات أن المكافأة المتواضعة التي رصدت لفروة رأس الفرنسي في عام 1696، وهي ستة جنيهات فقط، لم تتغير في التعرفة الجديدة، بل ظلت في أسفل القائمة، وظل الفرنسي الأبيض * برغم عداوته الدموية للإنجليزي * آخر المطلوبين.

* * *

كانت مكافأة المائة جنيه تعادل أربعة أضعاف متوسط الدخل السنوي للمزارع في مستعمرات نيوانجلند. وكان بامكان أي مستوطن عجوز أن يصطاد طفلين وثلاث نساء هنديات سنويا ويتنعم بما لم يتنعم به جلالة الملك جيمس. هذا ما جعل صيد الرؤوس الهندية وسلخها أسرع طريقة لبناء الثروة، وسرعان ما وجدت "ثروة الأمم" المعادلة الاقتصادية المناسبة لاستثمار بونانزا الأرواح تجاريا. لقد اكتشف شعب الله نفطه في عروق الهنود.

في فالموت، أو ما يعرف اليوم ببورتلاند أسس توماس سميث إحدى هذه الشركات التي تستأجر فرقة من المغامرين لقتل الهنود والعودة برؤوسهم أو فرواتها. كان سميث يزود الفرقة بالمعدات والذخائر ويتقاضى ثلث المكافأة. وتقول صفحة من يومياته إن حصته من مكافآت ذلك اليوم الكاسد "18 حزيران/ يونيو 1757" بلغت 165 جنيها. كان الصيادون يتعهدون قرى معينة، يمشطونها قرية قرية ولا يبقون فيها فروة واحدة. حتى أن القرى المكسيكية وراء الحدود صارت هدفا للصيادين.

ولأن فروة رأس الهندي "الحليف" لا تختلف عن فروة الهندي العدو، ولأن صيدها أسهل ، ولأن أخلاق السوق لا تعنيها هذه التفاصيل التافهة فقد ركزت هذه التجارة جهودها على صيد رؤوس الحلفاء، ولاسيما منهم أولئك الذين تطهرت أرواحهم واستعاروا لأنفسهم أسماء القديسين. ويروي أكستل في بحثه عن "السلخ" أن فرقة من أربعة رجال من مستوطني نيوجرسي زعموا انهم يصطادون هنود فيلادلفيا، لكنه في ليلة 12 نيسان/ أبريل 1756 تبين أن كل ضحاياهم كانوا من هنود المنطقة الذين أنقذ المستعمرون أرواحهم واستخدموهم في أعمال السخرة. في منتصف تلك الليلة اقتحم المستوطنون بيت عائلة هندية آمنت فأمنت ونامت قريرة العين. أما الرجل "جورج" فتمكن من الهرب، لكن الزوجة "كاثرين" تلقت بضع طلقات في صدرها ثم قطعت رأسها بالفأس. الطفلة ذات الأحد عشر ربيعا تهشم رأسها بالبلطة وتلقت عدة طعنات في كتفها، وأما رأس الطفل الذي لم يبلغ السنة فما كان على الله الانجليزي بعسير . ويروي بيتر شمالز في كتابه عن هنود أوجيبوا كيف أن الأخوة في الإيمان لم تكن أفضل من التحالف، وكيف إن الذين طلبوا خلاص أرواحهم في الآخرة وطمعوا في خلاص أجسادهم في الدنيا صاروا فريسة سهلة. ففي إحدى قري دولاوير حاصرت كتيبة مسلحة بقيادة دافيد وليامس أفرادا من الهنود المورافيين. وتمضي الشهادة فتقول إن الجنود طمأنوهم إلي أنهم جاءوا لمرافقتهم إلي حيث يصلون ويجدون طعامهم بأمان. وقالوا لهم إن هذه المهمة النبيلة لا تحتاج إلى حمل السلاح. ووافق الهنود مطمئنين إلي اخوة الإيمان. ثم إنهم أسرعوا إلي إحضار من تبقي من أهلهم وذويهم في البيوت حتى لا تفوتهم بركات الصلاة. ولم يكن لدي الهنود وقت ليكتشفوا الخدعة فقد عاجلهم الجنود بالقتل وحصدوا في تلك المذبحة رؤوس 29 رجلا و 27 امرأة و 34 طفلا..

* * *

ثم ازدهرت هذه التجارة مع الحرب الإنجليزية الفرنسية في العالم الجديد، ومع تهافت الطرفين على شراء "الحلفاء" وتنافسهما على دفع مكافآت مرتفعة لقاء فروات رؤوس أعدائهم. وفيما كانت الشركات التجارية الإنجليزية والفرنسية توجه نشاطها الأكبر لصيد رؤوس الهنود "الحلفاء" قبل الأعداء كانت الوعود السياسية والاقتصادية التي أمطرها البيض على الهنود قد أوقعت بعضهم في الفخ. لم يتصور الهنود الذين أغرتهم الأطماع والوعود وقصر النظر أنهم سيموتون بنفس الطريقة عندما يدرك البيض غايتهم منهم. لقد أغروهم بارتكاب هذه الفظاعات التي كانوا فيها أكبر الخاسرين.

فخلال حرب السنوات الست "1754 * 1760" كان الإنجليز والفرنسيون هم الذين يديرون هذا المسلخ الذي لم يذبح فيه إلا الخراف.

واضطر الإنجليز إلى رفع مكافأة السلخ في السنة الثالثة للحرب بعد أن الحق الفرنسيون هزيمة ساحقة بالجنرال الانجليزي إدوارد برادوك وبحلفائه من الهنود. هكذا استغني كثير من المستوطنين عن البحث عن الذهب ليلتحقوا بركب "العامل الطبيعي"، وصاروا يتنافسون فيما بينهم ويتباهون بسرعة الصيد وكثرة الغنائم. ويروي المغامر لويس وتز أن غنيمته من فروات رؤوس الهنود كانت لا تقل عن أربعين فروة في الطلعة الواحدة. ويعتبر "وتزل" هو ابن مستوطنين مغامرين، من أبطال التاريخ الأمريكي وما يعرف بعمالقة الثغور. جرح صغيرا عندما كان أبواه يحاولان الاستيلاء على أراض هندية بالقوة. في الرابعة عشرة دشن أول ضحاياه ونذر نفسه لقتل الهنود. لهذا لم يتزوج ولم يضع لحظة من حياته في عمل آخر. من بطولاته قتل زعيمين هنديين فيما كانا يجريان مفاوضات السلام مع المستعمرين، الأول زعيم الدولاوير عام 1871، والثاني زعيم السينيكا عام 1879، وبدءا من "وتزل" صار قطع رأس الهندي وسلخ فروة رأسه من الرياضات الإنجليزية المحببة، بل كان الكثير منهم يتباهى بأن ملابس صيده وأحذيته مصنوعة من جلود الهنود. ثم تغير الحال بعد عقد من الزمان عندما بدأ الإنجليز الملكيون والإنجليز الثوار يسلخون رؤوس بعضهم فيما يدعي كل منهم وصلا بالعناية الإلهية وينسب إليها جرائمه وفظائعه. وبالطبع فقد تنازع الطرفان على صفة الاختيار والتفضيل وتمثيل "شعب الله". لكنهم جميعا ظلوا مخلصين لتقليد السلخ والتمثيل بالجثث طوال فترة ما يسمي بحرب الاستقلال. كانوا ينظمون لذلك حفلات خاصة ويدعون إليها علية القوم للتفرج والاستمتاع الشهواني بهذه المشاهد المثيرة حتى إن الكولونيل جورج روجرز كلارك في حفلة أقامها لسلخ 16 من الأسرى الأحياء أثناء حصاره الاحتفالي لفانسين طلب من الجزارين أن يتمهلوا في الأداء، وأن يعطوا كل تفصيل حقه لتستمتع الحامية كلها بالمشاهد. وقد وصف الكولونيل هنري هاملتون في يومياته بهجة الحضور بأنهم خرجوا يختالون بنشوة انتصارهم ورائحة دم الضحايا تعبق منهم . وما يزال كلارك إلى الآن رمزا وطنيا أمريكيا وبطلا تاريخيا، و" ما يزال من ملهمي القوات الخاصة في الجيش الأمريكي".

* * *

وفي كولورادو تولت الشركات الخاصة، بتعاقد ضمني مع الدولة، مهمة الذبح والسلخ والقضاء على الوجود الهندي. أما في كاليفورنيا فقد تأخرت حفلات السلخ قليلا لكنها سرعان ما اتبعت خطوات الولايات الأخرى، ففي حادثة واحدة "أيار/ مايو 1852" اشترك فيها "شريف" ويفرفيل هوجم 148 هنديا من الرعاة فأصبحوا أثرا بعد عين. والغريب أن قطع الرؤوس صار خبرا عاديا في الصحافة البيضاء التي لم تعد تجد حرجا في الحديث عن أن هدف هذه المجازر هو "الإبادة" وأن القتلة الذين ارتكبوا هذه البطولات تلقوا مكافآت من الحكومة بعد أن أبرزوا فروات رؤوس ضحاياهم .

مع تأسيس الجيش الأمريكي أصبح السلخ والتمثيل بالجثث تقليدا مؤسساتيا رسميا. فعند استعراض الجنود أمام وليم هاريسون "الرئيس الأمريكي لاحقا" بعد انتصار 1811 على الهنود تم التمثيل ببعض الضحايا، ثم جاء دور الزعيم تيكومسه . وهنا تهافت صيادو التذكارات على انتهاب ما يستطيعون من جلد الزعيم التاريخي أو فروة رأسه. ويروي جون سعدن في كتابه عن تيكومسه كيف شرط الجنود المنتشون جلد الزعيم من ظهره إلي فخذه، وكيف إن أحدهم قص قطعة من الجلد شرائط رفيعة لربط موسى الحلاقة، وكيف اقتتل الآخرون على اقتسام فروة رأسه حتى إن بعضهم لم يحصل على قطعة أكبر من السنت "قطعة نقد معدنية لا يتجاوز قطرها السنتيمتر" مزينة بخصلة من شعر تيكومسه. وعندما أجريت مقابلة مع أحد هؤلاء المحظوظين في عام 1886 "أي بعد 75 سنة" تحدث عن تلك المناسبة التاريخية بافتخار وهو يحمل بين إصبعيه تذكاره البطولي . وكان الرئيس أندرو جاكسون الذي تزين صورته ورقة العشرين دولارا من عشاق التمثيل بالجثث، وكان يأمر بحساب عدد قتلاه باحصاء أنوفهم المجدوعة وآذانهم المقطوعة، وقد رعى بنفسه حفلة تمثيل بجثث 800 هندي يتقدمهم زعيمهم مسكوجي "رد ستيكس".

ففي 27 آذار/ مارس 1814، كما يروي دافيد ستانارد، احتفل الرئيس جاكسون بانتصاره على هنود الكريك وتولى جنوده التمثيل بجثث الضحايا من الأطفال والنساء والرجال، فقطعوا أنوفهم لإحصاء عددهم وسلخوا جلودهم لدبغها واستخدامها في صناعة أعنة مجدولة للخيول.

* * *

بعد مذبحة ساند كريك التي ذهب ضحيتها أكثر من 800 هندي أعزل اضطر الكونجرس إلي إجراء تحقيق في الفظاعات التي ارتكبها الجنود وقائدهم جون شفنجتون . ويعتبر شفنجتون اليوم من أعظم أبطال التاريخ الأمريكي، وهناك الآن أكثر من مدينة وموقع تاريخي تخليدا لذكره ولشعاره الشهير: "اقتلوا "الهنود" واسلخوا جلودهم. لا تتركوا صغيرا ولا كبيرا ، فالقمل لا يفقس إلا من بيوض القمل". ولعل هذه هي العبارة التي ألهمت هملر تشبيه ما جري في معسكرات الإبادة النازية بأنه "تنظيف قمل". وكانت الحكومة قد أعلمت الكولونيل شفنجتون بأن القرية مسالمة، وأن معظم رجالها خرجوا لصيد الجواميس، لكن الكولونيل قال: "حسنا، إنني متشوق للخوض في الدم" . وقد تحقق له ما يصبو إليه. فمع أول خيوط الفجر زحف رجاله إلى القرية.

وكان فيها رجلان من البيض حاولا إعلام الجنود بأن القرية مسالمة، لكنهما جوبها بإطلاق النار. ثم إن الزعيم بلاك كتل رفع العلم الأبيض فوق سارية أحد البيوت كما رفع علما أمريكيا كان قد تلقاه من مفوض الشئون الهندية. وراح يطمئن أهل القرية ويهدئ روعهم قائلا: لا تخافوا.. لا تخافوا، نحن في سلام مع البيض! وسرعان ما بدأ الجنود بإطلاق النار على أهل القرية المتراكضين في كل الاتجاهات بينما أعطي شفنجتون أوامره بالقصف المدفعي، ومطاردة الهاربين. ويقول روبرت بنت أحد مساعدي شفنجتون في شهادته أمام الكونجرس "بعد القصف حاول رجال القرية أن يجمعوا الأطفال والنساء ويحيطوا بهم لحمايتهم. ولقد شاهدت خمس نساء مختبئات تحت مقعد طويل. وعندما وصل الجنود إليهن بدأن يتوسلن ويطلبن الرحمة لكن الجنود قتلوهن جميعا. وكان هناك أيضا ثلاثون أو أربعون امرأة متكومات فوق بعضهن في حفرة، وقد أرسلن إلينا طفلة في السادسة تحمل راية بيضاء مربوطة على عصا، لكنها لم تتقدم بعض خطوات حتى أطلقنا عليها النار وقتلناها، ثم قتلنا النساء اللواتي لم يبدين أية مقاومة. ثم أنني رأيتهن بعد ذلك مسلوخات الرأس، بينما كانت إحداهن مبقورة البطن وجنينها في بطنها واضح للعين. وأخبرني الكابتن شاول انه رأى ما رأيت، ورأى مثلي عددا كبيرا من الأطفال بين أيدي أمهاتهم المذبوحات".

* * *

ويقول شاهد آخر هو الجندي آشبري بيرد أن "عدد الضحايا يتراوح بين 400 و 500، وأنهم جميعا تعرضوا لسلخ فروات رؤوسهم. لقد رأيت امرأة تعرٌض فرجها للتمثيل به، كما شاهدت جثثا مقطعة تقطيعا فظيعا وعددا من الجماجم المحطمة. وإنني لعلى ثقة بأنها تحطمت بعد موت أصحابها بإطلاق النار عليهم كما هو واضح، "وهذا ما يشهد عليه أيضا لاسيرجنت لوسيان بالمر أنني لم أر قتيلا واحدا لم يسلخ رأسه أو رأسها. لقد رأيت كذلك أصابع مقطوعة للسطو على الخواتم. كما رأيت عددا من الجثث وقد قطعت أعضاؤها التناسلية" . وتقول شهادة عاموس ميلكش : "رأيت طفلا ما يزال حيا بين الجثث المرمية في الخندق. ورأيت جنديا من الفرقة الثالثة يستل مسدسه ويطلق النار على رأس الطفل. رأيت ضحايا مقطعة الأصابع للسطو على خواتمها، ومقطعة الآذان للسطو على زينتها، ورأيت عددا من الجنود ينبشون جثثا تم دفنها ليلا. وذلك ليسلخوها وليأخذوا زينتها. ورأيت امرأة هندية مهشمة الرأس. وفي الصباح التالي، بعد أن تيبست الجثث، بدأ الجنود بسحب جثث النساء و"فتحهن" بطريقة مشينة . وشهد دافيد لودرباك أحد الفرسان أن "جثث النساء والأطفال تم التمثيل بها بطريقة مخيفة. لقد رأيت ثمانية منها فقط، ولم أجد في نفسي الشجاعة لرؤية المزيد فقد كانت شديدة التقطيع، وكانت مسلوخة الرؤوس.

أما الزعيم وايت أنتولوب "الظبي الأبيض" فإنه كان مقطوع الأنف والأذنين والأعضاء التناسلية". ويقول المترجم جون سميث : "لقد مارسوا كل أنواع السلب والنهب. لقد سلخوهم، واقتلعوا أدمغتهم،. واستخدم الجنود سكاكينهم لتمزيق أجساد النساء وشقهن، ولتعذيب الأطفال ودق رؤوسهم بأعقاب البنادق واقتلاع أدمغتهم والتمثيل بأجسادهم. وأسوأ تمثيل رأيته في حياتي هو تقطيع النساء إلي قطع صغيرة وتمزيق جثث الأطفال ذوي الشهرين أو ثلاثة أشهر. وعندما ذهبت إلي مكان المذبحة في اليوم التالي لم أر جسدا واحدا إلا وقد سلخ وقطعت أعضاؤه التناسلية.

ويقول الليوتننت جيمس كانون : "سمعت جنديا يقول إنه اقتطع فرج امرأة وعلقه على عود لعرضه. وسمعت آخر يقول إنه قطع أصابع هندية ليأخذ خواتمها. كما سمعت جنودا قالوا إنهم اقتطعوا فروج الهنديات وشدوها على مقدمات سروج خيولهم أو عرضوها على قبعاتهم أثناء الاستعراض العسكري. وسمعت جنديا يقول إنه شق قلب امرأة هندية ورفعه على عود.

* * *

بعد انتهاء "المهمة" عقد الكولونيل شفنجتون مؤتمرا صحفيا أعلن فيه أنه خاض مع رجاله "إحدى أكثر المعارك دموية مع الهنود، حيث تم تدمير أعتى قرى هنود الشايين"! فيما عمت النشوة بين الزنابير في طول البلاد وعرضها حتى إن افتتاحية إحدى الصحف شبهت فروات الرؤوس المقطوعة بالضفادع التي اجتاحت مصر قبل خروج بني إسرائيل منها، وأضافت "ليس هناك أحد لم يتمتع بقطعة من فراء رؤوس الشايين، وهناك من بلغت به النشوة أن أرسلها "إلي أصدقائه" في الشرق".

أما الرئيس تيودور روزفلت فإنه تسامى بهذه البطولات فوصفها بقوله "إن مذبحة ساند كريك كانت عملا أخلاقيا ومفيدا "ذلك لأن" إبادة الأعراق المنحطة حتمية ضرورية لا مفر منها.

وفي عام المذبحة اكتشف أحد الصيادين إمكانية استخدام الأعضاء الذكرية أكياسا للتبغ. ثم تطورت الفكرة المثيرة من هواية فردية للصيادين إلي صناعة رائجة بعد أن صار "كيس التبغ" هذا، مثل الشاربين، من أبرز علامات الرجولة والفروسية والأرستقراطية الاستعمارية، وصار الناس تهادونه في أعيادهم وأفراحهم .

لكن هذه الصناعة لم تعمر طويلا في داخل أمريكا بعد أن انخفض عدد الهنود في عام 1900 إلي ربع مليون، وضاق وجه الأرض الأمريكية بالسلخ وقطع الرؤوس ولم يعد أمام الحضارة إلا أن تبحث وراء المحيط عن مجاهل جديدة ووحوش طازجة في باناما والفيليبين واليابان وهايتي وكوريا وفيتنام وما بين الحجون إلى الصفا.

* * *

في أربعينات القرن العشرين دخلت اليابان أطلس المجاهل وانضم اليابانيون إلي قائمة الشعوب المتوحشة. وسرعان ما صنفت دائرة الإنثروبولوجيا في مؤسسة سميثسونيان الثقافية اليابانيين مع الأعراق المنحطة. ففي رسالة وزعتها على المسئولين الأمريكيين أكدت فيها "أن جمجمة الياباني متخلفة عن جمجمتنا "الانجلوسكسونية" أكثر من ألفي سنة"، بينما قال العسكريون "إن اليابانيين ليس فيهم طيارون مؤهلون قادرون على التصويب في اتجاه الهدف لان عيونهم مشوهة منحرفة".

وكانت حملة "التوحيش" كالعادة، رخصة للتحلل من أي التزام أخلاقي أو إنساني أو قانوني تجاه الضحايا. ويروي مراسل حربي أمريكي في مقالة له في Atlantic Monthly : "لقد قتلنا الأسرى بدم بارد، ومحونا المستشفيات من الوجود، وأغرقنا مراكب الإنقاذ، وقتلنا المدنيين وعذبناهم، وأجهزنا على الجرحى، وجرفناهم إلي حفر جماعية. وهناك في المحيط الهادي سلقنا لحم جماجم أعدائنا لتصنع منها عاديات تذكارية توضع على الطاولات وتهدي إلي الأحباب، أو صنعنا من عظامهم سكاكين لفتح الرسائل".

وكانت أعظم غنائم المحاربين هي هذه التذكارات التي يجمعها الجنود من جثث الضحايا أو المحتضرين كما يروي جون دوور في كتابه عن ظاهرة العنصرية في حروب المحيط الهادي "حرب بلا رحمة". من ذلك الأسنان الذهبية، الآذان، العظام، فروات الرؤوس، والجماجم وغير ذلك من تذكارات فيتيشية طالما اعتبرها علماء الاجتماع العرقيون دليلا على العقلية البدائية التي تعبد الجماد وتتعلق به مرضيا وجنسيا. وقد لاقت هذه "التذكارات" ترحيبا كبيرا لدي الشعب الأمريكي حتى إن مجلة لايف نشرت في عام 1944 موضوعا عن الحرب مزينا بصفحة كاملة لصورة صبية شقراء يفتر ثغرها عن بسمة السعادة والفخار وهي تقف إلي جانب جمجمة يابانية أرسلها إليها خطيبها من الجبهة. ويبدو أن عبادة التذكارات طقس قديم يعود على الأقل إلي عام 1814 عندما أشرف الرئيس جاكسون بنفسه على سلخ 800 من هنود الكريك، واقترح أن ترسل قطع من تلك الجثث هدايا إلي السيدات الأرستقراطيات في تنسي .

بعد أقل من عقدين مضيا على نشر صورة "الحسناء والجمجمة" في مجلة لايف وصف الجنرال وستمورلند الشعب الفيتنامي بالنمل الأبيض . والنملة البيضاء أخطر حشرة يخشى الأمريكي أذاها على بيته، ولذا فهي مرتبطة في ذهنه بحتمية وشرعية وأخلاقية مكافحتها بمبيدات الحشرات. في هذا السياق التاريخي الطويل من إبادة الحشرات على مدى أكثر من أربعة قرون، يستخدم الجنرال هنا سلاح الإبادة دون أي رغبة في أن يعرف شكل ضحاياه أو عددهم.

ولقد سهل القصف الجوي وإطلاق الصواريخ عن بعد والقتل الإلكتروني هذه المهمة حتى جعلها أشبه بلعب التسلية. إن الفلاح الفيتنامي تحول إلي نملة بيضاء، مثلما تحول الهندي إلي دودة، والفيلبيني إلي حشرة، والعربي العراقي إلي صرصار. هكذا لم يجد الجنود حرجا في الاحتفاظ ببعض أعضاء هذه الحشرات الفيتنامية تذكارا كما فعل آباؤهم في الحرب العالمية الثانية. وليس غريبا إذن ألا يجدوا فرقا بين مجاهل العالم الجديد ومجاهل فيتنام وأن يطلقوا على هذه الجبهة الجديدة اسم "البلاد الهندية". وكان Hugh Manke رئيس قسم المتطوعين الدوليين، في شهادة له أمام الكونجرس، عام 1971، قد أكد على عزم القوات الأمريكية على إبادة فيتنامي الجبال واحدا بعد الآخر ، وقال "إننا سنحل مشكلتهم كما فعلنا مع الهنود"، بل إن الجنرال مكسويل تايلور وصف الفييتكونج في شهادته أمام الكونجرس بأنهم "هنود" وأنهم لذلك ليسوا بأفضل من قمل يغزو جلد الكلاب. أما السفارة الأمريكية في سياجون فوصفتهم على لسان ضابط علاقتها العامة جون مكلين بأن عقولهم تعمل كما تعمل السيقان الرخوة للطفل المشلول، وأن محاكماتهم العقلية لا تضاهي طفلا أمريكيا في السادسة من عمره. وكانت قناة History التليفزيونية قد عرضت "13 تموز 1996" شكلا حديثا متطورا من مشاهد السلخ في فيلم وثائقي بعنوان قيام العنقاء نرى فيه الجنود الأمريكيين في فيتنام وهم "يقطفون" رؤوس ما يشتبه بأنهم من كوارد الفييتكونج، ويعرضونها في مهمة أشرفت عليها وكالة الاستخبارات المركزية في أواخر 1967 وأطلقت عليها عملية العنقاء

* * *

وتتضارب الأرقام النهائية لعدد ضحايا العنقاء بين شهادة وأخرى. فبينما يعترف وليم كولبي، وكان يومها يدير عمليات السي آي إيه في الفيتنام، بأن حصيلة القتلي بين المدنيين في نهاية 1971 بلغت 20587 و 28978 معتقلا "تبين لاحقا أنهم أبيدوا" و 17717 تولت أمرهم حكومة سايجون، يقول تقرير لجنة تشيرش لعام 1976 أن عدد القتلى من المدنيين بين 1968 و 1970 زاد على العشرين ألفا.

أما وزارة الدفاع فتعترف بأن عدد القتلي المدنيين في فيتنام الجنوبية وحدها كان 26369 بينما بلغ عدد المعتقلين 33358 . ويتحدث روي بروسترمن أستاذ القانون في جامعة واشنطن عن نشاطات جانبية لعملية العنقاء خاصة بإصلاح الأراضي في فيتنام والفيلبين والسلفادور فيقول إن عدد ضحايا فيتنام وحدها من هذه العملية ما بين 1968 ومنتصف 1971 زاد على الأربعين ألفا. ومهما كانت حقيقة الأرقام فإن برنامج العملية يقتضي تصفية كل من يشتبه بأنه من الفييتكونغ أو يتعاطف معهم بمعدل 1800 فييتنامي شهريا على اقل تقدير .83 وكان المدنيون المشتبه بتعاطفهم مع الفييتكونغ أكبر الضحايا فقد كانوا يعتقلون بالآلاف ويقتلون تحت التعذيب. ويروي بارتون أو سبورن أحد ضباط العملية في شهادة له أمام لجنة الكونغرس للشئون العسكرية لعام 1973 صورة مما كان يجري أثناء التحقيق فيقول: "كنت أنظر في قضية مشتبه يقول أحد عملائي إنه متعاطف مع الفييتكونغ. وكان التحقيق يجري في مجتمع التجسس المضاد لفرق المارينز. وحين دخلت لمتابعة ما يجري كان الرجل قد فارق الحياة بعد أن دكوا في فتحة أذنه سيخا حديديا طوله ست بوصات اخترق دماغه وقتله.. لقد كانت حرب إبادة منظمة". وتصف مجلة counterspy في عدد ربيع/ صيف 1975 عملية العنقاء بأنها: "أكبر برنامج للقتل الجماعي المنظم شهده العالم منذ[b:4a

بشير الغزاوي
عضو فعال
عضو فعال

عدد الرسائل : 622
العمر : 84
تاريخ التسجيل : 28/03/2010

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى