ملتقى الفكر القومي
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم, أنت لم تقم بتسجيل الدخول بعد! يشرفنا أن تقوم بالدخول أو التسجيل إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

ملتقى الفكر القومي
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم, أنت لم تقم بتسجيل الدخول بعد! يشرفنا أن تقوم بالدخول أو التسجيل إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى

ملتقى الفكر القومي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

أمريكا والكنعانيون الحمر سيرة الإبادة(" 6)

2 مشترك

اذهب الى الأسفل

أمريكا والكنعانيون الحمر سيرة الإبادة(" 6) Empty أمريكا والكنعانيون الحمر سيرة الإبادة(" 6)

مُساهمة من طرف بشير الغزاوي الأحد يونيو 06, 2010 9:13 am




أمريكا والكنعانيون الحمرسيرة الإبادة(6)
موقع:جبهةالتحريرالعربية
الرفيق:بشيرالغزاوي

الاجتماعية المختلفة على ما يريده الزنابير "البيض، الأنكلوسكسون، البروتستانت"، وما تقتضيه مصلحة "ثروة الأمم". ليس هناكإجماع وطني أو قومي على قضية لا تخدم الزنابير أو تفيد ديناصورات وولستريت).

في كتابه: "الولايات الأمريكية التي تضطلع بدور بني إسرائيل فيالمجاهل" ، يقدم نيكولاس ستريت صورة عن لهفة أنكلوسكسون العصر إلى التوسعالاستعماري بعد النكسات التي أعاقتهم عن نشاطهم الأول. إنه يعيد إلى الأذهان ماكتبه ميخائيل ويغل وورث في معلقته "خصومة الله مع نيو إنكلند" حيث أكد بلهجة الوعاظعلى أن ما لحق بالنشاط الاستعماري من فتور هو نتيجة حتمية للخطايا والآثام ولإخلافالوعد مع يهوه. ونبه ستريت إلى أن ظلم فرعون لندن يجب ألا يحجب العيون عن شرورإسرائيل الله الأمريكية، فما لم يتواضع شعب الله لربه، ويتوب إليه، ويحافظ على عهدهفإنه لن يتحرر من القيد البريطاني ويعبر البحر الأحمر إلى الأرض الموعودة ويحققاستقلالها.

وكان وضع الدستور قد شجع على تأصيل المعني الإسرائيلي لأمريكا كماكتب رئيس جامعة هارفرد صموئيل لانغدون في رائعته "جمهورية الإسرائيليين: نبراسللولايات الأمريكي ة" ، وهي في الأصل خطبة ألقاها في المحكمة العليا. إن قارئها لنيتردد لحظة في الشك في أنه يقرأ مقاطع من سفر الخروج أو التثنية، بل إنه فعلا يفتتحكلامه عن ولادة الدستور بهذا المقطع من سفر التثنية: "لقد علمتكم فرائض وأحكاما كماأمرني الرب إلهي لكي تعملوا بها في الأرض التي أنتم داخلون إليها لتتملكوها. فاحفظوا واعملوا، فتلك هي حكمتكم وفطنتكم في عيون الشعوب الذين سيسمعون عن هذهالفرائض ويقولون: ما أعظم هذا الشعب وما أحكمه وأفطنه!...". والواقع أن كل الرائعةهي شرح واستطراد وتعليق وقياسات تمثيلية بين شريعة موسى والدستور الأمريكي وبينالإسرائيليين والأمة الأمريكية. فالدستور مناسبة للتأكيد على وجه الشبه بين ما نزلعلى موسى من "ألواح" وبين ما نزل على قلب واضعي الدستور. وهي مناسبة للتذكير بأنإسرائيل القديمة والجديدة أمة مختارة، باركها الله قديما بشريعة ليس لها مثيلوجعلها "فوق كل الشعوب" نبراسا للعالم عبر كل العصور، ثم أكرمها حديثا بدستور ليسله مثيل وجعلها "فوق كل الشعوب" مثالا يحتذي عبر كل العصور. فإذا تعلم الناس منهم (طريقتهم في الحضارة) رفعوا من شأنهم، وإذا استكبروا وأبوا جروا على أنفسهم الدماروالخراب (والأضرار الهامشية). هذا نرسيس الأعمى مرة ثانية يحدق في مياه النهرفتلتبس عليه إسرائيل التاريخية بإسرائيل الأمريكية، وما جري في كنعان الفلسطينيةبما يجري في كنعان الأمريكية. وها هو يدير أسطوانة الخروج والعبودية لفرعون مصروفرعون لندن، ويتذكر بأن الأمتين المختارتين لم يكن لديهما جيش لحظة الخروج لكنهمابعد اجتياز البحر الأحمر والمحيط الأطلسي أعانهما رب الجنود على دخول كنعان وتملكهاوتدمير أهلها. "هذا شعب... لا ينام حتى يأكل فريسة، ويشرب دم قتلى" (سفر العدد)23: 24. إن تأسيس مجلس الشيوخ أيضا ليس إلا استمرارا لما فعله موسى عندما اشتكى إلييهوه أنه لا يطيق الحكم فأمره باختيار سبعين رجلا من الحكماء والرتباء. ولم يجدلانغدون حرجا من القول بأن حكومة موسى كانت "جمهورية" وقائمة على المبادئ الجمهوريةوأن قبائل إسرائيل كانت تحكمها حكومات محلية لا تختلف عن الولاياتالأمريكية.

* * *

ولم يكن الأباء المؤسسون للدولة الأمريكية مثل جفرسون، وآدامس،وفرانكلين، وباين أصحاب الاتجاه العقلاني والمذهب الطبيعي بأقل حماسة للمعنىالإسرائيلي للأمة الأمريكية من الحجاج والقديسين وصاموئيل لانغدون. ومعروف أنفرنكلين وجفرسون كليهما أصر على صورة "الخروج الإسرائيلي" من مصر إلى كنعان كمثلأعلى "للنضال الأمريكي" من أجل الحرية. وفي الرابع من تموز/ يوليو 1776 (عيدالاستقلال) عهد الكونغرس لفرانكلين وجفرسون أن يضعا تصميما لخاتم الولايات المتحدة. أما فرانكلين فاختار رسما لموسى رافعا يده، والبحر الأحمر منفلق، وفرعون في عربتهتبتلعه المياه مع شعار رائج في تلك الفترة: "التمرد على الطغاة طاعة لله". وأماجفرسون فاقترح رسما لبني إسرائيل في التيه يرشدهم السحاب في النهار وعمود النار فيالليل. وكان الرئيس جفرسون من أبلغ من تحدث عن المعني الإسرائيلي لأمريكا.. بل إنهختم خطابه التدشيني لفترة الرئاسة الثانية بتعبير يشبه الصورة التي اقترحها لخاتمالجمهورية: "إنني بحاجة إلى فضل ذلك الذي هدى آباءنا في البحر كما هدى بني إسرائيلوأخذ بيدهم من أرضهم الأم ليزرعهم في بلد يفيض بكل لوازم الحياة ورفاهالعيش".

* * *

في القرن التاسع عشر صار المعنى الإسرائيلي للأمة الأمريكية يتمحورحول التوسع باتجاه الغرب وبسط السيطرة على جيران كنعان "وراء النهر" الميسيسيبي: المؤابيين والحثيين والأموريين والفرزيين والحويين والييبوسيين والصيدونيينوالمديانيين وبني إسماعيل الذين أسرعت إليهم العناية الإلهية فأنبتت في رؤوسهمالريش وسمتهم جميعا بالهنود وأعطت أرضهم وأرواحهم لشعب الله. كل هذه الشعوب الهنديةوراء النهر كانت تضم بين جنباتها مهاجرين أو لاجئين من هنود كنعان الجديدة، وكانمعظمها متحالفا مع البريطانيين ومطمئنا إلي وعودهم وصداقتهم، ولم يكن يدور بخلد فردمنهم أن سيوف شعب الله قاب قوسين أو أدنى من رقابهم.

لم يبدأ التوسع باتجاه الغرب إلا بعد أن اشترى الرئيس جفرسون أراضيلويزيانا من نابليون عام 1803 . فهذا التملك ضاعف مساحة الأراضي التي يستعمرهاالإنكليز، ووفر الشروط الآمنة للملاحة في الميسيسيبي. وفتح الشهية لاجتياح الغربالأقصى. وكانت سعة "المجاهل" الجديدة وغناها بالثروات قد عززت القناعة بمواكبةالعناية الإلهية لتوسع شعب الله، وأن هذه البلاد ما خلقت إلا لكي يتملكها بنوإسرائيل الجدد. ومع تقدم المستوطنين بالبندقية والبلطة والمذابح، واقتضامهم الغربميلا بعد ميل، تضاعف الاعتقاد بالمعنى الإسرائيلي لأمريكا وبالإختيار لإلهيللزنابير. وقد عبر ريتشارد نيبر عن ذلك في كتابه "مملكة الله في أمريكا بقوله: إنالفكرة القديمة عن شعب الله الأمريكي قد أعطت دورها لفكرة الأمة الأمريكية المختارةوالمفضلة عند الله. ولطالما تناول أدب القرن التاسع عشر توسع أرض كنعان إلى ما وراءالميسيسيبي باعتباره خطوة لابد منها لتصحيح مسار رحلة كولومبس إلى الهند الحقيقيةالمنتظرة منذ زمن طويل، وباعتباره أول قطف ثمار لبستان العالم . لقد صار على غربالميسيسيبي أن يستعد لاستقبال "الأضرار الهامشية" للحضارة وعاداتها، عاداتالأنكلوسكسون وثقافتهم أو ما صار يصطلح عليه بعد ذلك باسم "طريقة الحياةالأمريكية".

وكانت عقيدة القدر المتجلي التي سادت منذ أربعينات القرن التاسع عشرقد أدت إلى بعض الجراحة التجميلية للمعنى الإسرائيلي لأمريكا. فالاصطلاح كما يعرفهألبرت وينبرغ في كتاب بعنوان "القدر المتجلي" يعبر عن الثقة المطلقة بالنفسوبالطموحات التي أقرها القدر نفسه بآيات واضحة جلية، بدءا بآية السفينة التي حملتالحجاج إلى بليموث وانتهاء بالتوسع غرب الميسيسيبي الذي رعته العناية الإلهية. ومنأبرز مبررات هذه العقيدة ما يسمي بنظرية "القضاء والقدر الجغرافي"، أو الزعم بأن يدالقضاء هي التي ترسم الحدود الجغرافية للأمم (لا تعترف الولايات المتحدة، كإسرائيل،إلى الآن بحدود جغرافية لها، وليس في دستورها إشارة إلى ذلك). ومنذ أن أطلق جونأوسوليفان هذا الاصطلاح في مقالة له بعنوان "التملك الحق" تحول "القدر المتجلي" إلىعقيدة سياسية مفادها أن هذا العالم كله "مجاهل" وأن قدر أمريكا (الأنكلوسكسونية) الذي لا ينازعها فيه أحد أن تتملك منه ما تشاء من أرض لأن ذلك حقها الطبيعي، ولأنإله الطبيعة والأمم هو الذي أورثها هذه الأرض.

* * *

وفي هذه العيادة القدرية أجريت الجراحة التجميلية للمعنى الإسرائيليلأمريكا وفكرة الإختيار والتفضيل الإلهي التي بدأت تزايد على عقدة الإختيارالإسرائيلي. فالسبب الأسمى لاختيار الله لإسرائيل هو سر غامض من أسرار يهوه (النصالمقدس يقول إن الإختيار تم وفقا لمكيدة إسرائيل بأبيه الأعمى وليس سرا من الأسراركما يعتقد سوليفن)، أما الآن مع عقيدة القدر المتجلي فإن الله اختار شعبه الجديدلأسباب جلية واضحة، بسبب تفوقه العرقي وغناه وموقعه الجغرافي ومؤسساته الدستوريةوالخيرية... الخ. "لقد تم فك سر الإرادة الإلهية" كما لاحظ ألبرت وينبرغ، وشهدتالعلوم الإنسانية ولادة "أنثروبولوجيا قدرية" تولي الله فيها توظيف قضائه وقدره فيشركة جورج واشنطن للقرصنة العقارية وسلخ الرؤوس.

اجتياح غرب الميسيسيبي وتصحيح مسار رحلة كولومبس إلى الهند الحقيقيةهو محور قصيدة والت ويتمان "القومية": معبر إلى الهند التي أعطت عقيدة "القدرالمتجلي" أعذب معانيها الشعرية. ومن المفارقات أن ويتمان لم "يعبر" الميسيسيبي فيحياته ولم يشهد هذا الغرب الذي غناه في قصائد كثيرة من أبرزها "أيها الرواد" التيتغزل فيها بأبطال اجتياح الغرب الذين خلقوا مصيرا جديدا للعالم. في قصيدة "معبر إلىالهند" التي نشرها عام 1871 ومجد فيها ثلاثة إنجازات إنسانية ربطت "أوصال العالم" هي شق قناة السويس، وإنشاء "سكة حديد الهادي"، ومد "خط الاتصال الأطلسي" تحت الماءباح ويتمان بإيمانه بقدر أمريكا المتجلي وراء البحار، وقال إن التاريخ البشري كشفعن هدفه الغامض بعد أن وصلت رحلة كولومبس إلى نهاية مطافها. ويرى الأمريكيون أن هذهالقصيدة تعبر عن ذروة الطموح إلى مد جسر إلى الشرق الساحر، وتفسر الإيمان الشائعبأن أمريكا بدأت تمسك بخيوط التاريخ الإنساني.

بعد وضع اليد على الفيلبين وسعار التوسع وراء البحار كتب جوسياسترونغ أشهر كتبه الرائجة "بلادنا" وأشار فيه إلي الارتباط العضوي بين القدرالمتجلي وبين الأنكلوسكسون. وبين سترونغأن تصميم الله لمستقبل الإنسانية يعتمدكليا على الأنكلوسكسون باعتبار أنهم هم الذين قدموا الفكرتين المتلازمتين: الحريةالمدنية والمسيحية الروحية الصافية. ولأن الفرع الأمريكي للعرق الأنكلوسكسوني هوالذي أعطى هاتين الفكرتين صورتهما الكاملة فقد صارت أمريكا هي المؤهلة لأن تمسكبمصير الإنسانية. ولكي يحقق الله لأمريكا هذه السيطرة على مصير الإنسانية فقد أوكلإليه سترونغ مهمة العمل على جبهتين: في الجبهة الأولى يغدق الله على شعبه الجديد،العرق الأنكلوسكسوني، كل ما يحتاجه للإمساك بهذا المصير، ويهيئ الميسم الذي سيدمغبه ظهور شعوب الأرض، وفي الجبهة الثانية يسخر الله من يعد ظهور شعوب الأرض لتدمغبهذا الميسم . (طبعا إن فكرة العرق الأنكلوسكسوني كذبة لا يعترف بها علم الأعراق. وكل الذين أسسوا لها عرقيا كانوا يشيرون إلى ذلك الخليط المهجن للجماعات البشريةالتي تسكن الجزيرة البريطانية من الجرمان والسلت والفايكنغز.. ثم عمموه زنبوريا علىتلك الأخوة الضبابية للناطقين بالإنكليزية من البيض.. فقط)

وكان دخول أمريكا الحربين العالميتين هو أوسع معبر إلى قدر أمريكاالمتجلي وراء البحار لدمغ ظهور البشرية بدمغة الأنكلوسكسون الحضارية، أو ما صاريسمى في الاصطلاح الأمريكي بنظام العالم الجديد. وكالعادة في كل حرب فإن الرئيسالأمريكي (وكان يومها وودرو ولسون) خرج على مواطنيه ليعلن عن ظهور مجاهل جديدةووحوش جدد هم "الهون الذين خلقوا الشيطان" وليقول إنه لم يورط أبناء الولاياتالمتحدة في الحرب إلا للدفاع عن الحضارة ضد الهمجية وللدفاع عن "طريقة الحياةالأمريكية". وفي الحرب العالمية الثانية أيضا أعلن الرئيس روزفلت لمواطنيه أنأمريكا تدخل الحرب من أجل إنقاذ العالم، ودفاعا عن الحضارة وعن طريقة حياتها.

خلال الحربين كان السياسيون ونجوم السينما والإذاعات والصحف و"عروضالفرجة" كلهم يمجدون الدور الأمريكي "الخلاصي" ويركزون على الإختيار الإلهي ووحدةالمصير الأنكلوسكسوني وارتهان مصير الإنسانية كلها لمصير العرق الأنكلوسكسونيالمختار، كما عبر عن ذلك رينهولد نيبور في مقالته "المصير والمسئوليةالأنكلوسكسونية قبل قصف هيروشيما وناغازاكي بالقنابل النووية وتدشين عصر الإبادة منالسماء.

بعد أربعة قرون من مواكبة "العناية الإلهية" لحركة التوسع الاستيطانينحو الغرب أعلن فردريك تيرنر أحد أبرز فلاسفة "الثغور" أن "الجبهة القارية" الداخلية انتهت ووضعت أوزارها، وبانتهائها ختمت أمريكا حقبتها التأسيسية اللازمةللتوسع وراء المحيط ولبناء إمبراطوريتها الكونية. وعندما نشر كتابه "مشكلة الغربأكد على أن التوسع والحرب كانا أساس النماء الاقتصادي الأمريكي، ولابد لاستمرار هذاالنماء من استمرار التوسع وعدم إطفاء نار الحرب. ودعا تيرنر إلى شق قناة لهذاالتوسع عبر المحيط والاستفتاح بضم الجزر والبلدان القريبة. إنها حتمية الولادةالأبدية للثغور التي تتقدم باستمرار، وحتمية الولادة الأبدية للحياة الأمريكية علىهذه الثغور والجبهات التي ستصل الغرب بالشرق لتكمل شمس الحضارة الأنكلوسكسونيةدورتها حول الأرض.

* * *

لقد نجا شعب الله الجديد من ظلم فرعون وخرج إلى كنعان الجديدة فقهرقديسوه مجاهلها. وظل الغرب يفر أمام زحوفهم ويتراجع حتى لم يبق أمامهم من غرب، وإلىأن صار عليهم أن يخترعوا لزحفهم غربا ولو في أول الشرق. تلك هي "جبهة القتال"، أبرزثوابت التاريخ والنماء الأمريكي كما رآها أحد أبرز مؤرخي الولايات المتحدة في القرنالعشرين: إنها الآية التي ورث بها شعب الله أرض كنعان، وإنها التجربة الحيةوالمستمرة لفكرة أمريكا، "فكرة استبدال شعب بشعب وثقافة بثقافة". منها بنيالمستعمرون لحم أكتافهم واقتصادهم القائم على "حق النهب" والفردية المتوحشة، وبهارفعوا صرح مدنهم على أنقاض المدن الهندية وسوروا حدائقهم بعظام الهنود. لقد كانتهذه "الجبهة" المتقدمة دائما الوجه السحري لأسطورة أمريكا حيث كتب القضاء والقدرللحضارة أن تنتصر على الهمجية، وللإنسانية على "الوحوش"، وللنور على الظلام، وللخيرعلى الشر، ولله على الشيطان، وللتسامح على التعصب، وللحب على الكراهية، ولإسرائيلعلى كنعان.

صحيح أن كل الشعوب تفرغ أعداءها من إنسانيتهم لأسباب مختلفة وبأشكالمختلفة. لكن قديسي شعب الله الإنكليزي جردوا ضحاياهم من إنسانيتهم قبل أن يروهم،وكرهوهم وحكموا عليهم بالموت قبل أن يشرعوا سفنهم إليهم. إنهم لم يستطيعوا أن يروهمفي مكانهم أو في زمانهم أو على حقيقتهم. لقد اخترعوهم من أساطيرهم وشحم غرائزهمونحتوهم من مركب زواحفهم وتعصبهم المقدس، وراحوا يعبدون الله ويقتلون ضجرهم بتكسيرهذه الدمى.

وكان المكان (كنعان) في ذلك الغرب لا يختلف عن هذه الصورة. إنهاختراع. وهو مثال في الذهن مستمد من شبكة معقدة من الجنون الديني ووظائف الأعضاء. فأرة تلتقمها الأفعى بلقمة واحدة. هنا في هذا الفضاء السحري لكل مكان جديد وثغرجديد خضعت أخلاق كراهية الكنعانيين لحالة استيلاد جديدة من الذاكرة ومن نظام الهذاءالبارانويي ومن وحشية "ثروة الأمم"، ومن الغرور المدفون عميقا في طبيعة المقدسنفسه.. المقدس الذي لا يتعمد إلا بالدم: "هو ذا شعب... لا ينام حتى يأكل فريسةويشرب دم قتلى". ولقد صارت هذه "الأخلاق الإبادية" بنفاقها وبسماتها الانكليزيةالمسمومة "عقيدة وأيديولوجيا، بل صارت النواة الصلبة للقومية الأمريكية التي ماتزال تخصب الأدب والفن والسينما وصناعة الجريمة والموت وتعطي أوضح صورة لمفهومالأمريكي عن نفسه وعن العالم.

* * *

هذه الأخلاق الإبادية التي ضربت جذورها في عقدة الاختيار وكراهيةالكنعانيين، ورافقت بناء أمريكا لحظة لحظة وجبهة بعد جبهة، هي التي جعلت "الأمريكيين" يعتقدون اليوم كما كان أجدادهم المستعمرون الأوائل يعتقدون قبلهم بأنلهم الحق المطلق في أن يقتحموا أي غرب في أي مكان من الأرض. إن ميتافيزيقا "اقتحامالغرب" التي نسفت نظام البوصلة وأعدت العصر الذهبي لنظرية الإنكليزي مالثوس جعلتالغرب الأمريكي في كل الجهات وفي كل الأرحام. إنه "الغرب" اللانهائي، اللا مكان،وإنه كل مكان. إنه فضاء الزنابير، الثقب الأسود الذي يمتص كل شيء، الأرض التالية،وراء الجبهة التالية، وراء الغرب التالي، وراء المجاهل التالية، وراء الإبادةالجماعية التالية. إن عالمنا كله يعيش اليوم تحت رحمة مافيا كولومبس الذي أوصيباستثمار ذهب أمريكا في "تحرير أورشليم"، وإن الهنود الحمر الذين أبيدوا بالنيابةعنا، نحن الكنعانيين على الحقيقة ما يزالون يعيشونفينا.

بشير الغزاوي
عضو فعال
عضو فعال

عدد الرسائل : 622
العمر : 84
تاريخ التسجيل : 28/03/2010

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

أمريكا والكنعانيون الحمر سيرة الإبادة(" 6) Empty رد: أمريكا والكنعانيون الحمر سيرة الإبادة(" 6)

مُساهمة من طرف الشاعر لطفي الياسيني الخميس فبراير 03, 2011 9:57 am

جزاكم الله خيرا وبارك الله لكم وعليكم
ان كل مفردات ثقافتي اللغوية لا تفيكم حقكم من الشكر والاحترام
والتقدير
لكم مني اطيب المنى واجمل ورود فلسطين وتحايا
المسجد الاقصى المبارك الاسير
دمتم بخير
الشاعر لطفي الياسيني
الشاعر لطفي الياسيني
عضو فعال
عضو فعال

عدد الرسائل : 238
العمر : 87
تاريخ التسجيل : 02/12/2010

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى