هذا مطلب اسرايلي سوريا وأميركا والعودة لمتوالية إبعاد القيادات الفلسطينية" فيصل الشمري ابوفهد
صفحة 1 من اصل 1
هذا مطلب اسرايلي سوريا وأميركا والعودة لمتوالية إبعاد القيادات الفلسطينية" فيصل الشمري ابوفهد
هذا مطلب اسرايلي سوريا وأميركا والعودة لمتوالية إبعاد القيادات الفلسطينية" فيصل الشمري ابوفهد
تبدو مناخات العلاقات السورية ــ الأميركية في حال من الركود والاسترخاء بعد فترة من التفاؤل الذي ساد خلال الفترات الماضية بإمكانية تحقيق نقلات نوعية ايجابية في مسار هذه العلاقات إثر الانفراجات التي تحققت على أكثر من جانب، بالرغم من قيام إدارة الرئيس باراك اوباما قبل عام ونيف بتجديد القرار الذي أعلنه روبرت وود، المتحدث باسم الخارجية الأميركية في حينها، والقاضي بتجديد العقوبات الأميركية المفروضة على سوريا.
وكان القرار الأميركي المشار اليه، مستنداً في حيثياته إلى ما أسماه «استمرار الدعم السوري لجماعات متطرفة في الشرق الأوسط» في إشارة واضحة إلى جميع فصائل المقاومة الفلسطينية دون استثناء بما فيها فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، والتي تتمتع بحضور وعمل ونشاط داخل أوساط اللاجئين الفلسطينيين فوق الأرض السورية، حيث يوجد فوق الأرض السورية أكثر من (0 0 7) ألف فلسطيني معظمهم من لاجئي العام 8 4 9 1، فأزال القرار الأميركي المشار إليه، المراهنات التي كان ومازال يأمل البعض بحدوثها بالنسبة لمسار العلاقات الفلسطينية ــ السورية، وتحديدا بالنسبة للعلاقات التي تجمع سوريا مع الفصائل الفلسطينية المعارضة لعملية «التسوية» بصيغتها وحيثياتها الراهنة.
ومع ذلك، فإن موجات التفاؤل بقيت على حالها بالنسبة لإمكانية تصحيح مسار العلاقات السورية ــ الأميركية، وإعادة إرسائها على أساس من الاحترام الحقيقي المتبادل بعيداً عن نزعة الهيمنة والاحتواء الأميركية التي تميل إليها واشنطن في شبكة علاقاتها الدولية مع مختلف الأطراف خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط.
فقد عبرت تلك الموجات المتطايرة بالتفاؤل عن نفسها من خلال التصريحات التي أطلقها البعض من المقربين من أصحاب القرار في أكثر من عاصمة إقليمية في المنطقة عبر بعض المنابر الإعلامية الدولية، والتي كانت قد كررت الحديث عن تفاهمات سورية أميركية تناولت فلسطين والعراق ولبنان، جرت خلف الكواليس لترتيب العلاقة بين الطرفين، على أن تجري بموجبها عملية إبعاد قيادات جميع القوى والفصائل الفلسطينية إلى خارج الأرض السورية، بما في ذلك إبعاد القيادات الأولى منها على وجه الخصوص.
وقد تجددت تلك التصريحات والايماءات التي تحدثت عن إمكانية قيام دمشق بإبعاد القيادات الفلسطينية في الأيام الأخيرة مع انطلاق المفاوضات المباشرة في واشنطن، حين ادعى البعض بأن دمشق تلقت أوائل سبتمبر الجاري، إشارات ورسائل غربية متعددة لا سيما من الولايات المتحدة تفيد بضرورة عدم التأثير سلباً على مسار المفاوضات المباشرة بين تل أبيب والسلطة الفلسطينية، وان واشنطن طلبت من دمشق العمل على ضبط تحركات القوى والفصائل الفلسطينية، وإسكات صوتها المعارض للعودة الى طاولة المفاوضات المباشرة، وتحديداً أصوات كل من حركتي حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين/القيادة العامة من جهة، وعدم قيام هذه الفصائل بأية أعمال أو خطوات على الأرض في الداخل الفلسطيني تنعكس سلباً على مسار المفاوضات المباشرة.
كما طلبت واشنطن من دمشق حسب ادعاءت أصحاب التسريبات بـ «أن تتجه لسلوك موقف الحياد خلال المفاوضات المباشرة وعدم معارضة تلك المفاوضات أو التأثير في سياقها وإفساح المجال لهذه الخطوة التفاوضية التي اعتبرت المصادر أن فشلها سيولد انعكاسات أكبر بكثير مما سببه فشل المفاوضات المماثلة لها والتي جرت في الأعوام السابقة».
وهذه ليست المرة الأولى التي يجري الحديث فيها بشأن الطلب من دمشق بإسكات أصوات الفصائل الفلسطينية، بل ووصل البعض للقول في فترات معينة، بأن الولايات المتحدة والغرب طالبا دمشق باتخاذ إجراءات مختلفة ليس اقلها إبعاد القوى والفصائل الفلسطينية خارج الأرض السورية، بل وأمسى الخبر ذاته ممجوجاً منذ فترات طويلة، يظهر بين فينة وفينة، متحولاً إلى معزوفة أحياناً، ونكتة سمجة في أحايين، تتسلى بها المنابر الإعلامية التي لاتحسن التدقيق، أو التي تحسن التدقيق لكنها تتعمد الترويج له لأغراض محددة، حيث دأبت العديد من الجهات العربية المعروفة، على تسريب المعلومات إياها لأغراض سياسية تسعى منها خلالها لتبرير رؤاها ومواقفها السياسية بصدد مايجري من تفاعلات سياسية خصوصاً على ضوء المطالب الأميركية والإسرائيلية في سياق الضغط على الطرف الفلسطيني الرسمي المفاوض في إطار المفاوضات المباشرة، ولتبرر فيها أيضاً، تقاعسها ودورها المفقود في دعم وإسناد الكفاح الوطني التحرري للشعب الفلسطيني.
نفي الفصائل الفلسطينية ... واجتماع موسع لها
وفي هذا السياق، جاء نفي الفصائل الفلسطينية للتسريبات الإعلامية الأخيرة إياها، بعد أن كانت قد عقدت اجتماعاً موسعاً لها بدمشق هو الأول من نوعه منذ سنوات، إذ شاركت به كل فصائل المعارضة المؤتلفة في إطار تحالف القوى الفلسطينية ومعها فصائل منظمة التحرير الفلسطينية كالجبهة الشعبية وحزب الشعب الفلسطيني، وهو ما أكده أيضا خالد عبد المجيد أمين سر لجنة المتابعة العليا للمؤتمر الوطني الفلسطيني الذي أضاف بأن سوريا لن تقدم على هكذا خطوة، وأنها تترك للفلسطينيين أنفسهم بمن فيهم الفصائل الفلسطينية التي تتواجد بعض من مقراتها ورموزها القيادية بدمشق، تقرير خياراتها السياسية وتحركاتها على الأرض إزاء هذا الأمر.
ومن سوء طالع أصحاب الأخبار إياها والتي تم تسريبها، أنهم يسبحون في الأوهام لجهة الاتكاء الكامل على مسار عملية سياسية يعتقدون بأنها ستلقي بأثقالها على بر الأمان في نجاح لاحق فيما تبدو المؤشرات على العكس من ذلك، خصوصاً مع وقع عمليات التهويد والاستيطان في الداخل الفلسطيني المحتل عام 7 6 9 1 .
كما يعتقد أصحاب الأخبار ذاتها بأن دمشق تنتظر أثمان للمواقف المطلوبة منها حتى تقدم على اتخاذ الخطوات المتعلقة بإخراس أصوات الفصائل الفلسطينية وإخراج قياداتها من دمشق، وأن هذه الأثمان تكمن في عودة وتنشيط العملية التفاوضية للمسار السوري الإسرائيلي، وتحريك قاطرة التسوية المتوقفة فوق أوحال هضبة الجولان منذ العام 0002( بغض النظر عن المفاوضات الشكلية غير المباشرة التي جرت عبر القناة التركية وانتهت الى الحائط المسدود). وحدا البعض للقول بأن سوريا تريد بأن يجري استعمال السيناريو الراهن بين الفلسطينيين والإسرائيليين معها، فهي تريد على حد زعمهم «مفاوضات مباشرة مع إسرائيل بحضور الولايات المتحدة على رأس الطاولة»، ليصل هذا البعض الى استنتاج مفاده «إن أهمية الإسراع في فتح الملف السوري لا تكمن فقط في حتمية احتواء القدرة السورية على التأثير السلبي في أمر المسار الفلسطيني - الإسرائيلي وإنما في أمر أكثر إيجابية من هذا، حيث إن سورية، بما تمثل وهي داخل حدودها، تجعل من أمر تجاوزها أو تأجيل فتح ملفها بمثابة تفريغ لمصداقية العلاقة بين الحل على المسار الفلسطيني وإنهاء الأزمات الأميركية الأخرى في المنطقة» لأن «سوريا موجودة على الخريطة وأينما نظر الأميركيون فسوف يرونها من العراق لإيران ثم تركيا وفلسطين ولبنان».
وبالفعل إن أصحاب التسريبات والتهويلات وأصحاب نظرية الأثمان الدمشقية المنتظرة، لم يقرؤوا مسار المفاوضات السورية ــ الإسرائيلية على امتداد السنوات الماضية التي تلت انعقاد مؤتمر مدريد للتسوية عام 1 9 9 1. فقد تبين بشكل ملموس وواضح طوال أكثر من (0 2) عاماً، أن عملية التفاوض السورية مع الطرف الإسرائيلي مبنية على منهج سوري تفاوضي يستند الى «متانة ومرونة» مردها سعة أفق القيادة السورية من جانب، وارتكازها لقوة الدولة ومفاعيل حضورها وتحالفاتها، بما في ذلك تحالفاتها الفلسطينية واللبنانية من جانب أخر، فكيف (وبالأحرى) تقدم دمشق على خطوة (من الأخير) لخسارة تحالفاتها دون حتى خطوة ملموسة من الطرف الأخر الأميركي الإسرائيلي، في مسار تفاوضي معقد مع الدولة العبرية الصهيونية.
وللتذكير فقد سبق وأن عطلت دمشق صفقة تامة في مفاوضات شبيزداون في الولايات المتحدة عام 0 0 0 2، وكان ينقصها أمران لاتمامها، وهما : بضع مئات من الأمتار على الشاطئ الشمالي الشرقي لبحيرة طبريا على الحدود السورية الفلسطينية، وتجاهل حل قضية اللاجئين الفلسطينيين (على الأقل المتواجدين فوق الأرض السورية منذ العام 8 4 9 1) والذين تبلغ أعدادهم قرابة نصف مليون لاجئ من الذين وصلوا الى سوريا عام النكبة، ، يضاف لهم بحدود مائتي ألف فلسطيني قدموا الى سوريا بعد العام 7 6 9 1 وبعد العام 1 7 9 1، وخلف هذا التعطيل اختبأت بتسويغ مقبول جداً، حسابات دقيقة لمصالح وطنية وقومية سورية بحتة، إن لم نقل بأنها مصالح وطنية بامتياز.
الفصائل الفلسطينية والتواجد التاريخي فوق الأرض السورية
من جانب آخر، وفي مجال الاجتهاد المبني على تقديرات مستخلصة من الواقع المعاش في الوسط السياسي الفلسطيني، ولبيان ضعف قيمة وقوة التسريبات التي نتحدث بشأنها والمتعلقة بإمكانية قيام دمشق بالضغط على القوى الفلسطينية أو القيام إبعاد الفصائل الفلسطينية من فوق أراضيها، تأتي الإشارة إلى أن جميع القوى والفصائل والأحزاب الفلسطينية (باستثناء فصيل جبهة التحرير العربية الموالي لبعث العراق وهو فصيل عضو في منظمة التحرير الفلسطينية ومعارض لعملية التسوية ولاتفاقيات أوسلو) تتواجد تاريخياً فوق الأرض السورية، حيث لم يحدث في أي يوم من الأيام طوال عمر الثورة الفلسطينية المعاصرة، وتحديداً منذ العام 5 6 9 1، أن أغلقت مقرات القوى الفلسطينية فوق الأرض السورية، حتى في أشد اللحظات الحالكة من السواد التي مرت في تاريخ العلاقات الرسمية السورية الفلسطينية، بما في ذلك في منتصف العام 6 7 9 1 عندما وقعت اشتباكات دموية طاحنة بين القوات السورية والعديد من الفصائل الفلسطينية في لبنان في مناطق البقاع والجبل في صوفر وصنين عيون السيمان، ومنطقة صيدا حيث دمرت كتيبة دبابات سورية تابعة للفرقة الثالثة بكاملها بنيران قوات فلسطينية من مختلف التنظيمات الفلسطينية واللبنانية المنضوية تحت اسم (القوات المشتركة) إضافة لمهاجمة وتدمير مواقع التنظيمات التي كانت حليفة لسوريا. ولم تقدم دمشق سنتذاك على إغلاق المقرات الفلسطينية، حتى المعسكرات الفلسطينية التي كانت تنتشر فوق الأرض السورية، إنما لجأت في حينها إلى تشديد المراقبة عليها لفترة قصيرة لم تتعد شهراً واحداً، إلا أن تم عقد لقاء موسع سوري فلسطيني في بلدة شتورا اللبنانية في سهل البقاع، وجرى عبره التوصل لتفاهمات سورية فلسطينية وتطويق نتائج أحداث الاشتباكات الدموية التي وقعت بين القوات السورية وعدد من التنظيمات الفلسطينية وعلى رأسها حركة فتح.
ولكن الاستثناء الوحيد في هذا المجال في الخطوة السورية التي وقعت تجاه قياديين فلسطينيين، كان بعيد الانشقاق الذي وقع في حركة فتح عام 3 8 9 1 حين أبعد الراحل ياسر عرفات، والشهيد خليل الوزير من دمشق، في سياق موضوع سياسي أخر كرسه الانشقاق الكبير في صفوف منظمة التحرير الفلسطينية، وهو أمر يحتاج نقاشه لاستطرادات معينة حتى يعطى الموضوع حقه الكامل بموضوعية ومهنية وأمانة.
وعلى كل حال، إن موضوع وجود قيادات فلسطينية من عدمه في دمشق، ليس ولن يكون لباب أو جوهر الموضوع، فسوريا من الدول المضيفة لأكثر من (0 0 7) ألف لاجىء فلسطيني، غالبيتهم الساحقة تحمل الوثيقة السورية، ويعاملون معاملة المواطن السوري مع احتفاظهم بجنسيتهم الفلسطينية، وهم والحال هذه يشكلون تربة خصبة لعمل التنظيمات والفصائل والأحزاب الفلسطينية، ولا نبالغ القول بأن منظمة التحرير الفلسطينية بنيت على أعمدة كفاح الشتات الفلسطينية خلال العقود الثلاثة الأولى من عمرها، حيث لعب التجمع الفلسطيني في سوريا دوراً بارزاً ومميزاً في هذا المضمار بين فلسطينيي الشتات.
وبالمحصلة النهائية، لقد تعودنا على استيراد البعض لمقولات وافتراضات وتهويمات، عنوانها قيام دمشق بالضغط على القوى والفصائل الفلسطينية، والطلب منها بإغلاق مقراتها، ومغادرة البلد، وقيامها بتسريبها لوسائل الاعلام المختلفة، وقد تبين في كل المرات أن تلك التقديرات والتهويمات لا أساس لها من الصحة على أرض الواقع.
ان سوريا التي تجمعها مع فلسطين الجغرافيا الواحدة، وروابط ووشائج البعدين القومي والتاريخي، تدرك جيداً ان المسألة الفلسطينية لايمكن لها أن تجد حلولاً واقعية وممكنة، وعادلة في ظل مسيرة «التسوية» بصيغتها الراهنة. كما أن دمشق تدرك في الوقت نفسه أن أي حلول على المسار التفاوضي الفلسطيني مع الدولة العبرية لاقيمة لها، ولن تجد سبيلاً للحياة على أرض الواقع دون انجاز حل عادل ومنصف لقضية اللاجئين الفلسطينيين وحقهم في العودة، والذين يتواجد منهم أكثر من نصف مليون فوق الأرض السورية.
تبدو مناخات العلاقات السورية ــ الأميركية في حال من الركود والاسترخاء بعد فترة من التفاؤل الذي ساد خلال الفترات الماضية بإمكانية تحقيق نقلات نوعية ايجابية في مسار هذه العلاقات إثر الانفراجات التي تحققت على أكثر من جانب، بالرغم من قيام إدارة الرئيس باراك اوباما قبل عام ونيف بتجديد القرار الذي أعلنه روبرت وود، المتحدث باسم الخارجية الأميركية في حينها، والقاضي بتجديد العقوبات الأميركية المفروضة على سوريا.
وكان القرار الأميركي المشار اليه، مستنداً في حيثياته إلى ما أسماه «استمرار الدعم السوري لجماعات متطرفة في الشرق الأوسط» في إشارة واضحة إلى جميع فصائل المقاومة الفلسطينية دون استثناء بما فيها فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، والتي تتمتع بحضور وعمل ونشاط داخل أوساط اللاجئين الفلسطينيين فوق الأرض السورية، حيث يوجد فوق الأرض السورية أكثر من (0 0 7) ألف فلسطيني معظمهم من لاجئي العام 8 4 9 1، فأزال القرار الأميركي المشار إليه، المراهنات التي كان ومازال يأمل البعض بحدوثها بالنسبة لمسار العلاقات الفلسطينية ــ السورية، وتحديدا بالنسبة للعلاقات التي تجمع سوريا مع الفصائل الفلسطينية المعارضة لعملية «التسوية» بصيغتها وحيثياتها الراهنة.
ومع ذلك، فإن موجات التفاؤل بقيت على حالها بالنسبة لإمكانية تصحيح مسار العلاقات السورية ــ الأميركية، وإعادة إرسائها على أساس من الاحترام الحقيقي المتبادل بعيداً عن نزعة الهيمنة والاحتواء الأميركية التي تميل إليها واشنطن في شبكة علاقاتها الدولية مع مختلف الأطراف خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط.
فقد عبرت تلك الموجات المتطايرة بالتفاؤل عن نفسها من خلال التصريحات التي أطلقها البعض من المقربين من أصحاب القرار في أكثر من عاصمة إقليمية في المنطقة عبر بعض المنابر الإعلامية الدولية، والتي كانت قد كررت الحديث عن تفاهمات سورية أميركية تناولت فلسطين والعراق ولبنان، جرت خلف الكواليس لترتيب العلاقة بين الطرفين، على أن تجري بموجبها عملية إبعاد قيادات جميع القوى والفصائل الفلسطينية إلى خارج الأرض السورية، بما في ذلك إبعاد القيادات الأولى منها على وجه الخصوص.
وقد تجددت تلك التصريحات والايماءات التي تحدثت عن إمكانية قيام دمشق بإبعاد القيادات الفلسطينية في الأيام الأخيرة مع انطلاق المفاوضات المباشرة في واشنطن، حين ادعى البعض بأن دمشق تلقت أوائل سبتمبر الجاري، إشارات ورسائل غربية متعددة لا سيما من الولايات المتحدة تفيد بضرورة عدم التأثير سلباً على مسار المفاوضات المباشرة بين تل أبيب والسلطة الفلسطينية، وان واشنطن طلبت من دمشق العمل على ضبط تحركات القوى والفصائل الفلسطينية، وإسكات صوتها المعارض للعودة الى طاولة المفاوضات المباشرة، وتحديداً أصوات كل من حركتي حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين/القيادة العامة من جهة، وعدم قيام هذه الفصائل بأية أعمال أو خطوات على الأرض في الداخل الفلسطيني تنعكس سلباً على مسار المفاوضات المباشرة.
كما طلبت واشنطن من دمشق حسب ادعاءت أصحاب التسريبات بـ «أن تتجه لسلوك موقف الحياد خلال المفاوضات المباشرة وعدم معارضة تلك المفاوضات أو التأثير في سياقها وإفساح المجال لهذه الخطوة التفاوضية التي اعتبرت المصادر أن فشلها سيولد انعكاسات أكبر بكثير مما سببه فشل المفاوضات المماثلة لها والتي جرت في الأعوام السابقة».
وهذه ليست المرة الأولى التي يجري الحديث فيها بشأن الطلب من دمشق بإسكات أصوات الفصائل الفلسطينية، بل ووصل البعض للقول في فترات معينة، بأن الولايات المتحدة والغرب طالبا دمشق باتخاذ إجراءات مختلفة ليس اقلها إبعاد القوى والفصائل الفلسطينية خارج الأرض السورية، بل وأمسى الخبر ذاته ممجوجاً منذ فترات طويلة، يظهر بين فينة وفينة، متحولاً إلى معزوفة أحياناً، ونكتة سمجة في أحايين، تتسلى بها المنابر الإعلامية التي لاتحسن التدقيق، أو التي تحسن التدقيق لكنها تتعمد الترويج له لأغراض محددة، حيث دأبت العديد من الجهات العربية المعروفة، على تسريب المعلومات إياها لأغراض سياسية تسعى منها خلالها لتبرير رؤاها ومواقفها السياسية بصدد مايجري من تفاعلات سياسية خصوصاً على ضوء المطالب الأميركية والإسرائيلية في سياق الضغط على الطرف الفلسطيني الرسمي المفاوض في إطار المفاوضات المباشرة، ولتبرر فيها أيضاً، تقاعسها ودورها المفقود في دعم وإسناد الكفاح الوطني التحرري للشعب الفلسطيني.
نفي الفصائل الفلسطينية ... واجتماع موسع لها
وفي هذا السياق، جاء نفي الفصائل الفلسطينية للتسريبات الإعلامية الأخيرة إياها، بعد أن كانت قد عقدت اجتماعاً موسعاً لها بدمشق هو الأول من نوعه منذ سنوات، إذ شاركت به كل فصائل المعارضة المؤتلفة في إطار تحالف القوى الفلسطينية ومعها فصائل منظمة التحرير الفلسطينية كالجبهة الشعبية وحزب الشعب الفلسطيني، وهو ما أكده أيضا خالد عبد المجيد أمين سر لجنة المتابعة العليا للمؤتمر الوطني الفلسطيني الذي أضاف بأن سوريا لن تقدم على هكذا خطوة، وأنها تترك للفلسطينيين أنفسهم بمن فيهم الفصائل الفلسطينية التي تتواجد بعض من مقراتها ورموزها القيادية بدمشق، تقرير خياراتها السياسية وتحركاتها على الأرض إزاء هذا الأمر.
ومن سوء طالع أصحاب الأخبار إياها والتي تم تسريبها، أنهم يسبحون في الأوهام لجهة الاتكاء الكامل على مسار عملية سياسية يعتقدون بأنها ستلقي بأثقالها على بر الأمان في نجاح لاحق فيما تبدو المؤشرات على العكس من ذلك، خصوصاً مع وقع عمليات التهويد والاستيطان في الداخل الفلسطيني المحتل عام 7 6 9 1 .
كما يعتقد أصحاب الأخبار ذاتها بأن دمشق تنتظر أثمان للمواقف المطلوبة منها حتى تقدم على اتخاذ الخطوات المتعلقة بإخراس أصوات الفصائل الفلسطينية وإخراج قياداتها من دمشق، وأن هذه الأثمان تكمن في عودة وتنشيط العملية التفاوضية للمسار السوري الإسرائيلي، وتحريك قاطرة التسوية المتوقفة فوق أوحال هضبة الجولان منذ العام 0002( بغض النظر عن المفاوضات الشكلية غير المباشرة التي جرت عبر القناة التركية وانتهت الى الحائط المسدود). وحدا البعض للقول بأن سوريا تريد بأن يجري استعمال السيناريو الراهن بين الفلسطينيين والإسرائيليين معها، فهي تريد على حد زعمهم «مفاوضات مباشرة مع إسرائيل بحضور الولايات المتحدة على رأس الطاولة»، ليصل هذا البعض الى استنتاج مفاده «إن أهمية الإسراع في فتح الملف السوري لا تكمن فقط في حتمية احتواء القدرة السورية على التأثير السلبي في أمر المسار الفلسطيني - الإسرائيلي وإنما في أمر أكثر إيجابية من هذا، حيث إن سورية، بما تمثل وهي داخل حدودها، تجعل من أمر تجاوزها أو تأجيل فتح ملفها بمثابة تفريغ لمصداقية العلاقة بين الحل على المسار الفلسطيني وإنهاء الأزمات الأميركية الأخرى في المنطقة» لأن «سوريا موجودة على الخريطة وأينما نظر الأميركيون فسوف يرونها من العراق لإيران ثم تركيا وفلسطين ولبنان».
وبالفعل إن أصحاب التسريبات والتهويلات وأصحاب نظرية الأثمان الدمشقية المنتظرة، لم يقرؤوا مسار المفاوضات السورية ــ الإسرائيلية على امتداد السنوات الماضية التي تلت انعقاد مؤتمر مدريد للتسوية عام 1 9 9 1. فقد تبين بشكل ملموس وواضح طوال أكثر من (0 2) عاماً، أن عملية التفاوض السورية مع الطرف الإسرائيلي مبنية على منهج سوري تفاوضي يستند الى «متانة ومرونة» مردها سعة أفق القيادة السورية من جانب، وارتكازها لقوة الدولة ومفاعيل حضورها وتحالفاتها، بما في ذلك تحالفاتها الفلسطينية واللبنانية من جانب أخر، فكيف (وبالأحرى) تقدم دمشق على خطوة (من الأخير) لخسارة تحالفاتها دون حتى خطوة ملموسة من الطرف الأخر الأميركي الإسرائيلي، في مسار تفاوضي معقد مع الدولة العبرية الصهيونية.
وللتذكير فقد سبق وأن عطلت دمشق صفقة تامة في مفاوضات شبيزداون في الولايات المتحدة عام 0 0 0 2، وكان ينقصها أمران لاتمامها، وهما : بضع مئات من الأمتار على الشاطئ الشمالي الشرقي لبحيرة طبريا على الحدود السورية الفلسطينية، وتجاهل حل قضية اللاجئين الفلسطينيين (على الأقل المتواجدين فوق الأرض السورية منذ العام 8 4 9 1) والذين تبلغ أعدادهم قرابة نصف مليون لاجئ من الذين وصلوا الى سوريا عام النكبة، ، يضاف لهم بحدود مائتي ألف فلسطيني قدموا الى سوريا بعد العام 7 6 9 1 وبعد العام 1 7 9 1، وخلف هذا التعطيل اختبأت بتسويغ مقبول جداً، حسابات دقيقة لمصالح وطنية وقومية سورية بحتة، إن لم نقل بأنها مصالح وطنية بامتياز.
الفصائل الفلسطينية والتواجد التاريخي فوق الأرض السورية
من جانب آخر، وفي مجال الاجتهاد المبني على تقديرات مستخلصة من الواقع المعاش في الوسط السياسي الفلسطيني، ولبيان ضعف قيمة وقوة التسريبات التي نتحدث بشأنها والمتعلقة بإمكانية قيام دمشق بالضغط على القوى الفلسطينية أو القيام إبعاد الفصائل الفلسطينية من فوق أراضيها، تأتي الإشارة إلى أن جميع القوى والفصائل والأحزاب الفلسطينية (باستثناء فصيل جبهة التحرير العربية الموالي لبعث العراق وهو فصيل عضو في منظمة التحرير الفلسطينية ومعارض لعملية التسوية ولاتفاقيات أوسلو) تتواجد تاريخياً فوق الأرض السورية، حيث لم يحدث في أي يوم من الأيام طوال عمر الثورة الفلسطينية المعاصرة، وتحديداً منذ العام 5 6 9 1، أن أغلقت مقرات القوى الفلسطينية فوق الأرض السورية، حتى في أشد اللحظات الحالكة من السواد التي مرت في تاريخ العلاقات الرسمية السورية الفلسطينية، بما في ذلك في منتصف العام 6 7 9 1 عندما وقعت اشتباكات دموية طاحنة بين القوات السورية والعديد من الفصائل الفلسطينية في لبنان في مناطق البقاع والجبل في صوفر وصنين عيون السيمان، ومنطقة صيدا حيث دمرت كتيبة دبابات سورية تابعة للفرقة الثالثة بكاملها بنيران قوات فلسطينية من مختلف التنظيمات الفلسطينية واللبنانية المنضوية تحت اسم (القوات المشتركة) إضافة لمهاجمة وتدمير مواقع التنظيمات التي كانت حليفة لسوريا. ولم تقدم دمشق سنتذاك على إغلاق المقرات الفلسطينية، حتى المعسكرات الفلسطينية التي كانت تنتشر فوق الأرض السورية، إنما لجأت في حينها إلى تشديد المراقبة عليها لفترة قصيرة لم تتعد شهراً واحداً، إلا أن تم عقد لقاء موسع سوري فلسطيني في بلدة شتورا اللبنانية في سهل البقاع، وجرى عبره التوصل لتفاهمات سورية فلسطينية وتطويق نتائج أحداث الاشتباكات الدموية التي وقعت بين القوات السورية وعدد من التنظيمات الفلسطينية وعلى رأسها حركة فتح.
ولكن الاستثناء الوحيد في هذا المجال في الخطوة السورية التي وقعت تجاه قياديين فلسطينيين، كان بعيد الانشقاق الذي وقع في حركة فتح عام 3 8 9 1 حين أبعد الراحل ياسر عرفات، والشهيد خليل الوزير من دمشق، في سياق موضوع سياسي أخر كرسه الانشقاق الكبير في صفوف منظمة التحرير الفلسطينية، وهو أمر يحتاج نقاشه لاستطرادات معينة حتى يعطى الموضوع حقه الكامل بموضوعية ومهنية وأمانة.
وعلى كل حال، إن موضوع وجود قيادات فلسطينية من عدمه في دمشق، ليس ولن يكون لباب أو جوهر الموضوع، فسوريا من الدول المضيفة لأكثر من (0 0 7) ألف لاجىء فلسطيني، غالبيتهم الساحقة تحمل الوثيقة السورية، ويعاملون معاملة المواطن السوري مع احتفاظهم بجنسيتهم الفلسطينية، وهم والحال هذه يشكلون تربة خصبة لعمل التنظيمات والفصائل والأحزاب الفلسطينية، ولا نبالغ القول بأن منظمة التحرير الفلسطينية بنيت على أعمدة كفاح الشتات الفلسطينية خلال العقود الثلاثة الأولى من عمرها، حيث لعب التجمع الفلسطيني في سوريا دوراً بارزاً ومميزاً في هذا المضمار بين فلسطينيي الشتات.
وبالمحصلة النهائية، لقد تعودنا على استيراد البعض لمقولات وافتراضات وتهويمات، عنوانها قيام دمشق بالضغط على القوى والفصائل الفلسطينية، والطلب منها بإغلاق مقراتها، ومغادرة البلد، وقيامها بتسريبها لوسائل الاعلام المختلفة، وقد تبين في كل المرات أن تلك التقديرات والتهويمات لا أساس لها من الصحة على أرض الواقع.
ان سوريا التي تجمعها مع فلسطين الجغرافيا الواحدة، وروابط ووشائج البعدين القومي والتاريخي، تدرك جيداً ان المسألة الفلسطينية لايمكن لها أن تجد حلولاً واقعية وممكنة، وعادلة في ظل مسيرة «التسوية» بصيغتها الراهنة. كما أن دمشق تدرك في الوقت نفسه أن أي حلول على المسار التفاوضي الفلسطيني مع الدولة العبرية لاقيمة لها، ولن تجد سبيلاً للحياة على أرض الواقع دون انجاز حل عادل ومنصف لقضية اللاجئين الفلسطينيين وحقهم في العودة، والذين يتواجد منهم أكثر من نصف مليون فوق الأرض السورية.
فيصل الشمري ابو فهد- عضو فعال
- عدد الرسائل : 200
العمر : 83
تاريخ التسجيل : 26/08/2010
مواضيع مماثلة
» فضيحة المالكى والشهادات المزورةعجيب غريب امور قضية(فيصل الشمري ابوفهد)
» عجيب غريب امور قضية مرتزقة حزب الدعوة (فيصل الشمري ابوفهد)
» فضيحة تهريب (أبو مصعب الزرقاوى) إلى لندن عجيب غريب امور قضية(فيصل الشمري ابوفهد)
» لن ينسى ذكرى صبرا وشاتيلا...و شعبنا ولن يغفر"فيصل الشمري ابوفهد
» فساد الرئاسات الثلاث عجيب غريب امور قضية(فيصل الشمري ابوفهد)
» عجيب غريب امور قضية مرتزقة حزب الدعوة (فيصل الشمري ابوفهد)
» فضيحة تهريب (أبو مصعب الزرقاوى) إلى لندن عجيب غريب امور قضية(فيصل الشمري ابوفهد)
» لن ينسى ذكرى صبرا وشاتيلا...و شعبنا ولن يغفر"فيصل الشمري ابوفهد
» فساد الرئاسات الثلاث عجيب غريب امور قضية(فيصل الشمري ابوفهد)
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى